46122232425262728293031

الإحصائيات

سورة الزمر
ترتيب المصحف39ترتيب النزول59
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.90
عدد الآيات75عدد الأجزاء0.43
عدد الأحزاب0.85عدد الأرباع3.40
ترتيب الطول23تبدأ في الجزء23
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 7/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (22) الى الآية رقم (26) عدد الآيات (5)

بعدَ ذكرِ أدلَّةِ الوحدانيةِ والقدرةِ، بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه لن ينتفعَ بهذه الأدلَّةِ إلا من شَرَحَ اللهُ صدرَهُ، وبَيَّنَ أنَّ القرآنَ أحسنُ الحديثِ، ثُمَّ التفرقةُ بينَ المُهتدي والضَّالِ، وذكرُ عذابِ مكذِّبي الرُّسلِ من الأممِ الماضيةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (27) الى الآية رقم (31) عدد الآيات (5)

لمَّا خوَّف الكفَّارَ من العذابِ؛ بَيَّنَ فسادَ مذهبِهم أوضحَ بيانٍ، فضَربَ مثلًا للمُشركِ والمُوحِّدِ: رجلاً مَملُوكًا لشُركاءَ متنازِعينَ إنْ أرْضَى هذا أغضَبَ ذاكَ، ورجلاً خَالصًا لسيِّدٍ واحدٍ يعرِفُ مرادَهُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الزمر

الإخلاص لله/ المقابلات بين أحوال المؤمنين الموحِّدين وأحوال المشركين المكذبين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هدفها واضح جدًا::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء. فمن أراد أن يختبر نفسه ويعرف مدى إخلاصه في عمله، وهل يدخل الرياء (أو الشرك الخفي) في عمله أم لا؟ فعليه أن يقرأ سورة الزُّمَر، ويعرض قلبه على آياتها.
  • • ميزان الإخلاص::   إياك أن يكون في عملك نية لغير الله، إياك أن تقول: فلان يراني، والناس تشير إلي، وتقول: هذا يحفظ القرآن، هذا يداوم على الصلاة في المسجد. أخلص لله تعالى في عبادتك، أخلصي لله تعالى في إرضائك لزوجك وطاعتك له، أخلصوا أيها الآباء والأمهات في تربية أولادكم على طاعة الله تعالى ونصرة الإسلام، أخلصوا في حياتكم كلها لله، تضمنوا زمرة المؤمنين في الجنة، وتكونوا ممن فهم سورة الزُّمَر، وحقّق مراد ربنا من هذه السورة.
  • • أيهما أصلح لك؟:   وبعد ذلك يضرب الله لنا مثلاً جميلاً يناسب معنى الإخلاص: ﴿ضَرَبَ ٱلله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (29). فهل يستوي من يعمل عند سيد واحد ومن يعمل عند عدة أسياد؟ وهل يكون الموظف الذي عنده مدير واحد كالموظف الذي يتلقى أوامره من عدة مدراء، بآراء ووظائف مختلفة؟ لذلك تأتي بعد هذا المثل مباشرة: ﴿ٱلْحَمْدُ لله﴾؛ لأن التوحيد نعمة تريح القلب وتصون العبد من الزلل، الحمد لله على نعمة التوحيد، وأنه إله واحد؛ لأن إخلاص العمل لله أنفع لقلبك وأجمع لهمتك وأدعى لقبول العمل، تعود عليك بركته في الدنيا، وأجره مضاعفاً في الآخرة.
  • • لماذا (الزمر)؟:   وكالعادة، يبقى سؤال مهم: وهو الحكمة من تسمية سورة الإخلاص لله باسم سورة الزمر.والسبب -والله أعلم- هو أن أكثر ما يعينك على إخلاص العمل لله تعالى، أن تكون في زمرة صالحة، أي صحبة صالحة، فسميّت السورة بهذا الاسم حتى تتذكر الزمرتين، زمرة أهل الجنة وزمرة أهل النار، كلما قرأت السورة، وتختار بنفسك من يعينك على الإخلاص ويكون رفيقًا لك في الدنيا، ومرافقًا لك عند دخول الجنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة الزُّمر».
  • • معنى الاسم ::   الزُّمر: جمع زُمْرَة، والزُّمْرَة: الجماعةُ من الناس والفوجُ، والزُّمر: الجماعات.
  • • سبب التسمية ::   : ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏في آخرها ‏زُمرة ‏السعداء ‏من ‏أهل ‏الجنة، وزُمرة ‏الأشقياء ‏من ‏أهل ‏النار، ولم يُذكر لفظ (الزمر) في غيرها قط.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة الغُرَف»؛ لورود هذا اللفظ في الآية (20).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن القرآن منزل من الله تعالى؛ فعلينا أن نتدبره ونعمل بما جاء فيه: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الله غني عن عبادتنا، وأن كل إنسان يحمل أوزاره يوم القيامة: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الخير والشر بيد الله تعالى، فلا أخشى أحدًا غيره: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ قال: «مَا في القُرآنِ آيةٌ أعظمُ فَرَجًا منْ آيةٍ في سورةِ الزُّمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (53)».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الزمر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • اهتمت السورة بالتأكيد على توحيد العبادة لله وحده.
    • اهتمت السورة أيضًا بالتأكيد على إخلاص العبادة لله وحده، والابتعاد عن الرياء، وقد تكرر مشتقات لفظ (الإخلاص) أربع مرات، مرة بلفظ (الخالص)، وثلاث مرات بلفظ (مخلصًا)، وهي تعتبر أكثر سورة تكرر فيها هذا اللفظ بعد سورة الصافات؛ حيث تكرر فيها لفظ (المخلصين) خمس مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء.
    • أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (3).
    • أن نعرف الله في الرخاء كما نعرفه في الشدة: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ (8).
    • ألا نحرم أنفسنا من صلاة الليل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (9).
    • أن نهاجر في أرض الله الواسعة إذا ضيق علينا في بلد ولم نستطع إقامة شعائر الله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ﴾ (10).
    • أن نلزم الصدق من الآن في كل أقوالنا: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (33). • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (53).
    • أن نحذر من الكذب على الله تعالى، والقول بما لا نعلم: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّـهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (60).
    • أن نخلص العبادة لله تعالى ولا تشرك به شيئًا، فالشرك محبط للأعمال الصالحة: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّـهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (65، 66).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (69، 70).

تمرين حفظ الصفحة : 461

461

مدارسة الآية : [22] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ..

التفسير :

[22] أفمن وسَّع الله صدره، فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به، فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه، كمن ليس كذلك؟ لا يستوون. فويل وهلاك للذين قَسَتْ قلوبهم، وأعرضت عن ذكر الله، أولئك في ضلال بيِّن عن الحق.

أي:أفيستوي من شرح اللّه صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام اللّه والعمل بها، منشرحا قرير العين، على بصيرة من أمره، وهو المراد بقوله:{ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} كمن ليس كذلك، بدليل قوله:{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي:لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير.

{ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كل ما يضره؟"

ثم نفى- سبحانه- المساواة بين المؤمن والكافر، وبين المهتدى والضال فقال: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ...

أى: أفمن شرح الله- تعالى- صدره للإسلام، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه، كمن قسا قلبه وغلظ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام..

لا شك أنهما لا يستويان في عقل أى عاقل.

فالاستفهام للإنكار والنفي، و «من» اسم موصول مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة قوله- تعالى- فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عليه.

أى: فهلاك وخزي لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله- تعالى-، الذي من شأنه أن تلين له القلوب، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله- تعالى-، اشمأزت قلوبهم، وقست نفوسهم، لانطماس بصائرهم. واستحواذ الشيطان عليهم.

ومنهم من جعل «من» في قوله مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بمعنى عن. أى: فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته.

قال صاحب الكشاف: قوله: مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: من أجل ذكره، أى: إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله- تعالى-: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وقرئ: عن ذكر الله.

فإن قلت: ما الفرق بين من وعن في هذا؟ قلت: إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله، فالمعنى ما ذكرت، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه. وإذا قلت: عن ذكر الله، فالمعنى: غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه. ونظيره: سقاه من العيمة. أى: من أجل عطشه. وسقاه عن العيمة، إذا أرواه حتى أبعده عن العطش» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان مآل هؤلاء الذين قست قلوبهم فقال: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة في ضلال واضح عن الصراط المستقيم.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ، كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .

ثم مدح- سبحانه- كتابه مدحا يليق به، وبين حال المؤمنين الصادقين عند سماعه، وسلى نبيه صلّى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه. فقال- تعالى-:

وقوله : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) أي : هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق ؟ ! كقوله تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) [ الأنعام : 122 ] ; ولهذا قال : ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) أي : فلا تلين عند ذكره ، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم ، ( أولئك في ضلال مبين )

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)

يقول تعالى ذكره: أفمن فسح الله قلبه لمعرفته, والإقرار بوحدانيته, والإذعان لربوبيته, والخضوع لطاعته ( فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) يقول: فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين, بتنوير الحق في قلبه, فهو لذلك لأمر الله متبع, وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه, كمن أقسى الله قلبه, وأخلاه من ذكره, وضيقه عن استماع الحق, واتباع الهدى, والعمل بالصواب؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه, وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام, إذ ذكر أحد الصنفين, وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه بقوله: ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) يعني: كتاب الله, هو المؤمن به يأخذ, وإليه ينتهي.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ) قال: وسع صدره للإسلام, والنور: الهدى.

حُدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ) قال: ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه.

قوله: ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت, يعني عن القرآن الذي أنـزله تعالى ذكره, مذكرا به عباده, فلم يؤمن به, ولم يصدّق بما فيه. وقيل: ( مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) والمعنى: عن ذكر الله, فوضعت " مِنْ" مكان " عن ", كما يقال في الكلام: أتخمت من طعام أكلته, وعن طعام أكلته بمعنى واحد.

وقوله: ( أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين, لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.

التدبر :

وقفة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ﴾ أعظم ما يشرح الصدر نور الوحي.
تفاعل
[22]‏ ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ ادعُ الله الآن أن يوسِّع صدرك لقبول الإسلام والانقياد له.
لمسة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ إيثار كلمة (شرح) للدلالة على قبول الإِسلام؛ لأن تعاليم الإِسلام وأخلاقه وآدابه تكسب المسلم فرحًا بحاله، ومسرة برضى ربه، واستخفافًا للمصائب والكوارث؛ لجزمه بأنه على حق في أمره، وأنه مثاب على ضره، وأنه راج رحمة ربه في الدنيا والآخرة، ولعدم مخالطة الشك والحيرة ضميره.
وقفة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ كلما ازداد التوحيد ازداد انشراح الصدر.
وقفة
[22]‏ ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أهل الإيمان في النور وانشراح الصدور، وأهل الضلال في الظلمة وضيق الصدور.
وقفة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ كلما زاد انشراح الصدر بالإسلام؛ زاد النور في القلب.
وقفة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ﴾ الإسلام نور فى قلبك، نور لمن حولك.
وقفة
[22] أعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد، وعلى حسب كماله وقوته يكون انشراح صدر صاحبه: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾.
عمل
[22] قل أذكار الصباح والمساء؛ فإنها من أسباب انشراح الصدر ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[22] ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ تأمل المقارنة بين من يشرح الله صدره للإسلام وحال قلبه لينًا طائعًا، وبين من لا يهديه فيتسبب ذلك فى قسوة قلبه.
وقفة
[22] شرح الصدر لا ينافيه حمل الهم إذا كان صاحبه ﴿على نور من ربه﴾.
وقفة
[22] ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ ذكرُ اللهِ من أعظمِ ما يُليّنُ القلوبَ القاسيةَ.
وقفة
[22] ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ آية يوجل منها المؤمن؛ خشية أن يكون من أهلها، اللهم لين قلوبنا بذكرك.
وقفة
[22] ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد.
وقفة
[22] ﴿فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ ذكر الله يلين القلب.
وقفة
[22] ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ إذا كان قلبك يتأثر ويخشع عند ذكر الله؛ فأنت في نعمة، فكم من قلوب الحجارة خير منها!
وقفة
[22] إذا كثرت أمراض البدن قلت حركته؛ فكذلك القلب إذا كثرت شهواته قل خشوعه لخالقه ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[22] حين ترى أهل الأهواء يسمعون آيات القرآن ولا يتأثرون بها ولا يخضعون لمضامينها فتذكَّر قول الحق: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[22] حين ترى بعض من يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا ينفعل وجدانه بها، فاحمد الله على العافية، وتذكر قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[22] مِن ذكر الله تنشرح قلوبٌ مستنيرة بهدى الله، ومنه تشمئز قلوب مظلمة وعنده تقسو ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾.
وقفة
[22] ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ قال مالك بن دينار: «ما ضُرِب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله عز وجل على قوم إلا نزع منهم الرحمة».
تفاعل
[22] ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[22] ﴿فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين﴾ علامة الضلال: قسوة القلب وابتعاده عن سماع القرآن والذكر، نسأل الله العافية.
وقفة
[22] ذكر الله يرقق القلب لقبول الحق، ويدفع عنه ضلال الأهواء ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين﴾.
وقفة
[22، 23] لا تجتمع قسوة القلب وكثرة ذكر الله في أحدٍ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾، ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[22، 23] ذكر الله من أعظم ما يُليّن القلوب القاسية ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ﴾، ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[22] ﴿أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ القلب القاسى لا يعينك على معرفة الحق.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَمَنْ:
  • الهمزة همزة استفهام. الفاء زائدة أو عاطفة على مضمر بمعنى أمن عرف الله أنه من أهل اللطف فلطف به حتى شرح صدره. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بمعنى الذي. وخبره محذوف تقديره: كمن لا لطف له فهو حرج الصدر قاسي القلب وهو نظير قوله في الآية التاسعة أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ» في حذف الخبر. وحذف الخبر لأن ما بعده يدل عليه.
  • ﴿ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. صدره: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: وسع صدره.
  • ﴿ لِلْإِسْلامِ:
  • جار ومجرور متعلق بشرح بمعنى: لقبول الإسلام فحذف المضاف المجرور وأقيم المضاف إليه مقامه.
  • ﴿ فَهُوَ عَلى نُورٍ:
  • الفاء استئنافية للتعليل أو واقعة في جواب «من» لأنها متضمنة معنى الشرط‍.هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. على نور: جار ومجرور متعلق بخبر «هو».
  • ﴿ مِنْ رَبِّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لنور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَوَيْلٌ:
  • الفاء استئنافية. ويل: مبتدأ مرفوع بالضمة. وهو في الأصل مصدر لا فعل له معناه تحسر وهلك وقيل هو واد في جهنم وقيل اسم معنى كالهلاك.
  • ﴿ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «ويل» المحذوف. قلوب:فاعل لاسم الفاعل «القاسية» مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي للمتصلبة قلوبهم.
  • ﴿ مِنْ ذِكْرِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بفعل مضمر تقديره. قست بتأويل الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ» أي للذين قست قلوبهم عن ذكر الله. الله لفظ‍ الجلالة:مضاف اليه مجرور تعظيما بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. أي من أجل ذكر الله. فحذف المجرور المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ أُولئِكَ:
  • اسم اشارة للقاسية قلوبهم مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ.والكاف حرف خطاب.
  • ﴿ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «أولئك» مبين: صفة-نعت- لضلال مجرورة مثلها بالكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ فَهو عَلى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ نَزَلَتْ في حَمْزَةَ وعَلِيٍّ وأبِي لَهَبٍ ووَلَدِهِ؛ فَعَلِيٌّ وحَمْزَةُ مِمَّنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ، وأبُو لَهَبٍ وأوْلادُهُ الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ . الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ الأدلةَ على وُجوبِ الإقبالِ على طاعته، ووُجوبِ الإعراضِ عن الدُّنيا ولَذَّاتِها؛ ذكَرَ هنا أنَّه لن ينتفعَ بهذه الأدلَّةِ إلا من شَرَحَ اللهُ صدرَهُ، قال تعالى:
﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ..

التفسير :

[23] الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث، وهو القرآن العظيم، متشابهاً في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه، تُكَرَّرُ فيه القِصص، والأحكام، والحجج والبينات، وتُعاد تلاوته فلا يُمَلُّ على كثرة التَّرْداد، تقشعرُّ مِن سماعه، وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؛ تأثراً بما

يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله أنه{ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} على الإطلاق، فأحسن الحديث كلام اللّه، وأحسن الكتب المنزلة من كلام اللّه هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها، وأن معانيه، أجل المعاني، لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه. حتى إنه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه، حتى في معانيه الغامضة، ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم، هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع.

وأما في قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فالمراد بها، التي تشتبه على فهوم كثير من الناس، ولا يزول هذا الاشتباه إلا بردها إلى المحكم، ولهذا قال:{ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فجعل التشابه لبعضه، وهنا جعله كله متشابها، أي:في حسنه، لأنه قال:{ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وهو سور وآيات، والجميع يشبه بعضه بعضا كما ذكرنا.

{ مَثَانِيَ} أي:تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير، وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء اللّه وصفاته، وهذا من جلالته، وحسنه، فإنه تعالى، لما علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق، وأن تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائما إلى تكرر معاني كلام اللّه تعالى عليه، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن، لم يقع منه موقعا، ولم تحصل النتيجة منه، ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم، اقتداء بما هو تفسير له، فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع، بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى، غير مراع لما مضى مما يشبهه، وإن كان بعض المواضع يكون أبسط من بعض وأكثر فائدة، وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن، المتدبر لمعانيه، أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه، فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير، ونفع غزير.

ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة، أثَّر في قلوب أولي الألباب المهتدين، فلهذا قال تعالى:{ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} لما فيه من التخويف والترهيب المزعج،{ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي:عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر.

{ ذَلِكَ} الذي ذكره اللّه من تأثير القرآن فيهم{ هُدَى اللَّهِ} أي:هداية منه لعباده، وهو من جملة فضله وإحسانه عليهم،{ يَهْدِي بِهِ} أي:بسبب ذلك{ مَنْ يَشَاءُ} من عباده. ويحتمل أن المراد بقوله:{ ذَلِكَ} أي:القرآن الذي وصفناه لكم.

{ هُدَى اللَّهِ} الذي لا طريق يوصل إلى اللّه إلا منه{ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ممن حسن قصده، كما قال تعالى{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}

{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه والتوفيق للإقبال على كتابه، فإذا لم يحصل هذا، فلا سبيل إلى الهدى، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء.

وقوله- تعالى-: «مثاني» جمع مثنى من التثنية بمعنى التكرار والإعادة ولذا سميت سورة الفاتحة بالسبع المثاني، لأنها تكرر وتعاد مع كل صلاة.

أى: الله- تعالى- نزل بفضله ورحمته عليك- يا محمد- أحسن الحديث «كتابا متشابها» أى: يشبه بعضه بعضا في فصاحته وبلاغته، وفي نظمه وإعجازه، وفي صحة معانيه وأحكامه، وفي صدقه وهداياته وإرشاداته إلى ما يسعد الناس في دنياهم وآخرتهم ...

«مثاني» أى: تثنى وتكرر فيه القصص والمواعظ، والأمثال والأحكام والوعد والوعيد، كما تثنى وتكرر قراءته فلا تمل على كثرة الترداد، وإنما يزداد المؤمنون حبا وتعلقا بتلاوته كلما أكثروا من هذه التلاوة.

وسمى- سبحانه- كتابه حديثا، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما كان ينزل عليه منه. فلفظ الحديث هنا بمعنى المحدث به لا بمعنى كونه مقابلا للقديم.

ولفظ «كتابا» بدل من قوله أَحْسَنَ الْحَدِيثِ. وقوله: مُتَشابِهاً مَثانِيَ صفتان للكتاب.

ووصف بهما وهو مفرد وكلمة «مثاني» جمع، باعتبار اشتماله على الكثير من السور والآيات والقصص والمواعظ والأحكام..

أى: الله- تعالى- أنزل أحسن الحديث كتابا مشتملا على السور والآيات والمواعظ.. التي يشبه بعضها في الإعجاز ... والتي تثنى وتكرر فلا تمل على كثرة التكرار.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسيره لهذه الآية فقال ما ملخصه: «وإيقاع اسم الله مبتدأ، وبناء «نزل» عليه، فيه تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه، واستشهاد على حسنه، وتأكيد لاستناده إلى الله، وأنه من عنده، وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه، وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث.

فإن قلت: كيف وصف الواحد بالجمع؟ قلت: إنما صح ذلك لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير، ألا تراك تقول: القرآن سور وآيات ... كما تقول الإنسان عظام وعروق، فإن قلت: ما فائدة التثنية والتكرير؟ قلت: النفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ والنصيحة، فما لم يكرر عليها عودا عن بدء لم يرسخ فيها، ولم يعمل عمله، ومن ثم كانت عادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به وينصح ثلاث مرات، ليركزه في قلوبهم، كي يغرسه في صدورهم ...

وقوله- تعالى-: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ....

استئناف مسوق لبيان آثار هذا القرآن الكريم في نفوس قارئيه وسامعيه بعد بيان أوصافه في ذاته.

وقوله «تقشعر» من الاقشعرار، وهو الانقباض الشديد للبدن. يقال: اقشعر جسد فلان، إذا انقبض جلده واهتز ... وهو هنا كناية عن الخوف الشديد من الله- تعالى-.

أى: أن هذا الكتاب العظيم عند ما يقرؤه أو يسمعه المؤمنون الصادقون الذين يخشون ربهم تقشعر جلودهم من شدة ما اشتمل عليه من زواجر ونذر. ثم تلين جلودهم وقلوبهم إذا ما قرءوا أو استمعوا إلى آيات الرحمة والمغفرة.

قال الجمل: «فإن قلت: لم ذكرت الجلود وحدها أولا ثم قرنت القلوب بها ثانيا؟.

قلت: ذكر الخشية التي تحملها القلوب مستلزم لذكر القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم وتخشى قلوبهم في أول الأمر، فإذا ذكروا الله- تعالى- وذكروا رحمته وسعتها، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، وبالقشعريرة لينا في جلودهم.. .

والخلاصة أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين، أنهم يجمعون عند قراءتهم أو سماعهم للقرآن الكريم بين الخوف والرجاء، الخوف من عذاب الله- تعالى- والرجاء في رحمته ومغفرته، إذ أن اقشعرار الجلود كناية عن الخوف الشديد، ولين الجلود والقلوب كناية عن السرور والارتياح، وعدى الفعل «تلين» بإلى لتضمينه معنى تسكن وتطمئن.

ومفعول «ذكر الله» محذوف للعلم به، أى: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله رحمته وثوابه وجنته.

قال ابن كثير ما ملخصه: هؤلاء المؤمنون يخالفون غيرهم من وجوه:

أحدها: أن سماع هؤلاء تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات.

الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا، بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم، ولم يكونوا- كغيرهم- متشاغلين لاهين عنها.

الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها ... ولم يكونوا يتصارخون ويتكلفون ما ليس فيهم.

قال قتادة عند قراءته لهذه الآية: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله بأنهم تقشعر جلودهم وتبكى أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع. وهذا من الشيطان ... .

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعود إلى الكتاب الذي مرت أوصافه، وأوصاف القارئين له والمستمعين إليه.

أى: ذلك الكتاب العظيم المشتمل على أحسن الإرشادات وأحكمها، هدى الله الذي يهدى بسببه من يشاء من عباده إلى الصراط المستقيم، ومن يضلله- سبحانه- عن طريق الحق، فما له من هاد يهديه إلى هذا الطريق القويم.

هذا مدح من الله - عز وجل - لكتابه القرآن العظيم المنزل على رسوله الكريم ، قال الله تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) قال مجاهد : يعني القرآن كله متشابه مثاني .

وقال قتادة : الآية تشبه الآية ، والحرف يشبه الحرف .

وقال الضحاك : ( مثاني ) ترديد القول ليفهموا عن ربهم - عز وجل - .

وقال عكرمة ، والحسن : ثنى الله فيه القضاء - زاد الحسن : تكون السورة فيها آية ، وفي السورة الأخرى آية تشبهها .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( مثاني ) مردد ، ردد موسى في القرآن ، وصالح وهود والأنبياء ، عليهم السلام ، في أمكنة كثيرة .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( مثاني ) قال : القرآن يشبه بعضه بعضا ، ويرد بعضه على بعض .

وقال بعض العلماء : ويروى عن سفيان بن عيينة معنى قوله : ( متشابها مثاني ) أن سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد ، فهذا من المتشابه ، وتارة تكون بذكر الشيء وضده ، كذكر المؤمنين ثم الكافرين ، وكصفة الجنة ثم صفة النار ، وما أشبه هذا ، فهذا من المثاني ، كقوله تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) [ الانفطار : 14 ، 13 ] ، وكقوله ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) [ المطففين : 7 ] ، إلى أن قال : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ) [ المطففين : 18 ] ، ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ) ، إلى أن قال : ( هذا وإن للطاغين لشر مآب ) ، ونحو هذا من السياقات فهذا كله من المثاني ، أي : في معنيين اثنين ، وأما إذا كان السياق كله في معنى واحد يشبه بعضه بعضا ، فهو المتشابه وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله : ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) [ آل عمران : 7 ] ، ذاك معنى آخر .

وقوله : ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) أي هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد . والتخويف والتهديد ، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف ، ( ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ، فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه :

أحدها : أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات ، وسماع أولئك نغمات لأبيات ، من أصوات القينات .

الثاني : أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ، بأدب وخشية ، ورجاء ومحبة ، وفهم وعلم ، كما قال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) [ الأنفال : 2 - 4 ] وقال تعالى : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) [ الفرقان : 73 ] أي : لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها ، بل مصغين إليها ، فاهمين بصيرين بمعانيها ; فلهذا إنما يعملون بها ، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم [ أي يرون غيرهم قد سجد فيسجدون تبعا له ] . .

الثالث : أنهم يلزمون الأدب عند سماعها ، كما كان الصحابة ، رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقشعر جلودهم ، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله . لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم ، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ; ولهذا فازوا بالقدح المعلى في الدنيا والآخرة .

قال عبد الرزاق : حدثنا معمر قال : تلا قتادة ، رحمه الله : ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) قال : هذا نعت أولياء الله ، نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم ، وتبكي أعينهم ، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم ، إنما هذا في أهل البدع ، وهذا من الشيطان .

وقال السدي : ( ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) أي : إلى وعد الله . وقوله : ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ) أي : هذه صفة من هداه الله ، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله ، ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) [ الرعد : 33 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)

يقول تعالى ذكره: ( اللَّهُ نـزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ) يعني به القرآن ( مُتَشَابِهًا ) يقول: يشبه بعضه بعضا, لا اختلاف فيه, ولا تضادّ.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( اللَّهُ نـزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) الآية تشبه الآية, والحرف يشبه الحرف.

حدثنا محمَّد قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) قال: المتشابه: يشبه بعضه بعضا.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: ( كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) قال: يشبه بعضه بعضا, ويصدّق بعضه بعضا, ويدلّ بعضه على بعض.

وقوله: ( مَثَانِيَ ) يقول: تُثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: ( اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ) قال: ثنى الله فيه القضاء, تكون السورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها, وسئل عنها عكرمة (1) .

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ) قال: في القرآن كله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( مَثَانِيَ ) قال: ثَنَى الله فيه الفرائض, والقضاء, والحدود.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( مَثَانِيَ ) قال: كتاب الله مثاني, ثنى فيه الأمر مرارا.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, فى قوله: ( مَثَانِيَ ) قال: كتاب الله مثاني, ثَنى فيه الأمر مرارا.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( مَثَانِيَ ) ثنى في غير مكان.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( مَثَانِيَ ) مردّد, رُدِّد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء في أمكنة كثيرة.

وقوله: ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) يقول تعالى ذكره: تقشعرّ من سَماعه إذا تلي عليهم جلود الذين يخافون ربهم ( ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) يعني إلى العمل بما في كتاب الله, والتصديق به.

وذُكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أجل أن أصحابه سألوه الحديث.

ذكر الرواية بذلك:

حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا حكام بن سلم, عن أيوب بن موسى, عن عمرو الملئي عن ابن عباس, قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا؟ قال: فنـزلت: ( اللَّهُ نـزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ).

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن, عن عمرو بن قيس, قال: قالوا: يا نبي الله, فذكر مثله.

( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم, &; 21-281 &; ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله من بعد ذلك,( هُدَى اللَّهِ ) يعني: توفيق الله إياهم وفَّقهم له ( يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول: يهدي تبارك وتعالى بالقرآن من يشاء من عباده.

وقد يتوجَّه معنى قوله: ( ذَلِكَ هُدَى ) إلى أن يكون ذلك من ذكر القرآن, فيكون معنى الكلام: هذا القرآن بيان الله يهدي به من يشاء, يوفق للإيمان به من يشاء.

وقوله: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله عن الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه, فيضله عنه, فما له من هاد، يقول: فما له من مُوَفِّق له, ومسدد يسدده في اتباعه.

------------------

الهوامش :

(1) الذي في الدر: وسئل عنها عكرمة، فقال: ثنى الله فيه القضاء.

التدبر :

وقفة
[23] ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ ومعنى كون القرآن أحسن الحديث: أنه أفضل الأخبار؛ لأنه اشتمل على أفضل ما تشتمل عليه الأخبار من المعاني النافعة والجامعة لأصول الإِيمان، والتشريع، والاستدلال، والتنبيه على عظم العوالم والكائنات، وعجائب تكوين الإِنسان، والعقل، وبثِّ الآداب، واستدعاء العقول للنظر والاستدلال الحق، ومن فصاحة ألفاظه وبلاغة معانيه البالغَيْن حدَّ الإعجاز.
وقفة
[23] ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ لحسنه فالقرآن عوض عن كل ما فاتك من الأحاديث.
وقفة
[23] ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ القران يغنيك عن كل حسن؛ ولا يغني عن القرآن أي حسن.، القرآن مصدر الحسن.
وقفة
[23] ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ أي يشبه بعضه بعضًا في البلاغة والفصاحة والحقائق والإعجاز، ويشبه بعضه بعضًا في أن الجميع وحي من الله، وحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقفة
[23] ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ﴾ أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء الله وصفاته، وأن تلك المعاني للقلوب بمنْزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بَعُد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائمًا إلى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه، وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن المتدبر لمعانيه أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه؛ فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير ونفع غزير.
وقفة
[23] من تدبَّر القرآن تبيَّن له أنَّه كما قال تعالى: ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ﴾ يشبه بعضه بعضًا، ويُصدِّقُ بعضه بعضًا، ليس بمختلفٍ ولا بمتناقض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
وقفة
[23] ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ لما كان القرآن في غاية الجزالة والبلاغة اقشعرت الجلود منه؛ إعظامًا له، وتعجبًا من حسن ترصيعه، وتهيبًا لما فيه.
عمل
[23] اقرأ كتيبًا عن أسباب الخشوع عند قراءة القرآن الكريم ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[23] احرص اليوم أكثر على تدبر القرآن الكريم ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
اسقاط
[23] ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله﴾ هل ذقتها؟
وقفة
[23] كيف تعرف أنك بدأت التأثر بقراءة القرآن؟ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ 1- قشعريرة في جسدك. 2- خشية من الله. 3- يلين قلبك لذكر الله.
وقفة
[23] ﴿كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ رعشة جسد مؤمن سطرها القرآن، وأثنى عليها الله.
وقفة
[23] ﴿كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله﴾ إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الربَّاني، والانقياد لمضامين الآيات.
وقفة
[23] ما قرأ العبد الآيات حاضر القلب متفكرًا متأملًا، إلا وجدت العين تدمع والقلب يخشع، والنفس تتوهج إيمانًا تريد المسير إلى الله، وإذا بأرض القلب تنقلب خصبة طرية، قد اقشعر جلده وقلبه من خشية الله تعالى: ﴿كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
وقفة
[23] وصف الله كتابه بأنه ﴿مَّثَانِيَ﴾ أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وتثنى فيه أسماء الله وصفاته، وكذلك القلب يحتاج دائمًا إلى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه، فينبغي لقارئ القرآن، المتدبر لمعانيه، ألا يدع التدبر في جميع المواضع منه، فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير، ونفع غزير.
وقفة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ ثارت شياطينهم من ذكر القرآن، ولو كانت قلوبـهم مؤمنة، اطمأنت بذكـر الرحـمٰن.
وقفة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ قشعريرة لا يعلم بها أقرب الناس لك في جلدك تحت ثيابك؛ يعلم ربك بها ويثيبك عليها.
وقفة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ عن ثابت البناني قال: «قال فلان: إني لأعلم متى يستجاب لي، قالوا: ومن أين تعلم ذلك؟ قال: إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي، وفاضت عيناي فذلك حين يستجاب لي».
وقفة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ إذا سمعوا ذكر النار والوعيد اقشعروا، ثم تلين جلودهم إذا سمعوا ذكر الجنة.
وقفة
[23] ﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين﴾ خوفًا وطمعًا، اعرض نفسك عليه، وانظر موضعــك من أهل الخشية، واعرف قدرك في ميزان الهداية.
وقفة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ... ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ تأثروا بالقرآن في ظاهر جلودهم وحتى أعمق نقطة في سويداء قلوبهم.
وقفة
[23] أهل الإيمان والتقوى هم الذين يخشعون لسماع القرآن، وأهل المعاصي والخذلان هم الذين لا ينتفعون به ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
لمسة
[23] ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ فإن قيل: لم ذكر الجلود أولًا وحدها، ثم ذكر القلوب بعد ذلك معها؟ فالجواب: أنه لما قال أولًا: (تقشعر) ذكر الجلود وحدها؛ لأن القشعريرة من وصف الجلود لا من وصف غيرها، ولما قال ثانيًا: (تلين) ذكر الجلود والقلوب؛ لأن اللين توصف به الجلود والقلوب، فاقشعرت أولًا من الخوف، ثم لانت بالرجاء.
وقفة
[23] ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ كيف تلين الجلود والقلوب إلى ذكر الله؟ قال ابن جرير: «يعني إلى العمل بما في كتاب الله, والتصديق به».
وقفة
[23] ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ من صفات أهل الإيمان أن تأثرهم بالقرآن أن يكون ظاهرًا وباطنًا.
وقفة
[23] قسوة قلبك داءٌ، أخبرك خالقه أن لينه في تدبر كلامه ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[23] اعلم أن الهداية بيد الله تعالى؛ لا يملكها أحد غيره، فاطلبها منه كل حين ﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
تفاعل
[23] ﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
تفاعل
[23] ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ نَزَّلَ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. نزل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو أي الله سبحانه. وجملة «نزل» وما بعدها: في محل رفع خبر المبتدأ
  • ﴿ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الحديث:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو القرآن الكريم.
  • ﴿ كِتاباً:
  • بدل من أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة ويجوز أن يكون حالا منه.
  • ﴿ مُتَشابِهاً:
  • صفة-نعت-لكتابا منصوبة بالفتحة. أي مطلقا في مشابهة بعضه بعضا أو تتشابه آياته في الاعجاز وتناسب ألفاظه.
  • ﴿ مَثانِيَ:
  • صفة-نعت-أخرى لكتبا. منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. أي معانيه مثنى مثنى أو هي جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأحكامه ووعده ووعيده. وقد جاء بمعنى جمع مثنى أي وصف المفرد «كتابا» بجمع على أن الكتاب جملة ذات تفاصيل وتفاصيل الشيء جملته.ويجوز أن تكون «مثاني» تمييزا من «متشابها» بمعنى: متشابهة مثانيه. أو تكون «مثاني» صفة لموصوف وأصله: كتابا متشابها مثاني فترك الموصوف الى الصفة والكلمة لم تنون لأنها ممنوعة من الصرف لأنها معدولة من عدد مكرر.
  • ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لكتابا.تقشعر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. منه: جار ومجرور متعلق بتقشعر.جلود: فاعل مرفوع بالضمة بمعنى: ترتعد لسماعه جلودهم وتتغير ألوانها.
  • ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة والجملة الفعلية بعده: صلته لا محل لها من الاعراب. يخشون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. رب: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ:
  • ثم: حرف عطف. تلين جلودهم: تعرب اعراب «تقشعر جلود» و «هم» أعربت في «ربهم».
  • ﴿ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ:
  • معطوفة بالواو على «جلودهم» وتعرب اعرابها.الى ذكر: جار ومجرور متعلق بتلين. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ ذلِكَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب والاشارة الى الكتاب أي وهو.
  • ﴿ هُدَى اللهِ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. الله:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بيهدي. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء: تعرب اعراب «يهدي» وعلامة رفعها الضمة الظاهرة وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وحذف المفعول لأنه معلوم. أي من يشاء هدايته بمعنى يوفق به من يشاء أي عباده المتقين. أو تكون «ذلك» اشارة الى الكائن من الخشية والرجاء.
  • ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. يضلل: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بمعنى: ومن يخذله من الفساق.
  • ﴿ فَما لَهُ مِنْ هادٍ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مسبوق بنفي مقترن بالفاء في محل جزم والفاء واقعة في جواب الشرط‍.ما: نافية لا عمل لها. له:جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من: حرف جر زائد لتاكيد معنى النفي. هاد: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر والحركة مقدرة على الياء المحذوفة قبل تنوينها وحذفت الياء لأن الكلمة اسم منقوص نكرة. بمعنى:فلا هادي له من بعد الله سبحانه.'

المتشابهات :

الرعد: 33﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الزمر: 23﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الزمر: 36﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
غافر: 33﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا عَبْدُ القاهِرِ بْنُ طاهِرٍ البَغْدادِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قالَ: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيابِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ، قالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا خَلّادٌ الصَّفّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ المُلائِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ حَدَّثْتَنا. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     ولَمَّا كان مِن المستبعَدِ جدًّا أن يقسوَ قلبٌ مِن ذِكْرِ اللهِ؛ ذكرَ اللهُ هنا خمسةَ أوصافِ لكتابِه العزيزِ، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مثانى:
1- بفتح الياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بسكونها، وهى قراءة هشام، وابن عامر، وأبى بشر.

مدارسة الآية : [24] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ ..

التفسير :

[24] أفمن يُلْقى في النار مغلولاً -فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه؛ لكفره وضلاله- خير أم من ينعم في الجنة؛ لأن الله هداه؟ وقيل يومئذ للظالمين:ذوقوا وبال ما كنتم في الدنيا تكسِبون من معاصي الله.

أي:أفيستوي هذا الذي هداه اللّه، ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته، كمن كان في الضلال واستمر على عناده حتى قدم القيامة، فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو يتقي فيه سوء العذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه،{ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ} أنفسهم، بالكفر والمعاصي، توبيخا وتقريعا:{ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}

ثم نفى- سبحانه- المساواة بين هؤلاء الذين يخشون ربهم، وبين غيرهم ممن قست قلوبهم، وانحرفت نفوسهم عن الحق، فقال- تعالى-: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.

والاستفهام: للنفي والإنكار، و «من» اسم موصول مبتدأ، والخبر محذوف أى: أفمن كان يوم القيامة مصيره إلى النار المحرقة التي يتقيها ويحاول درأها عن نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، كمن يأتى يوم القيامة آمنا مطمئنا بعيدا عن النار وسعيرها؟.

وفي الآية الكريمة ما فيها من تهويل عذاب يوم القيامة، إذ جرت عادة الإنسان أن يتقى الآلام بيديه وجوارحه، فإذا ما اتقاها بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، كان ذلك دليلا على أن ما نزل به في نهاية الفظاعة والشدة.

وفي قوله- تعالى-: سُوءَ الْعَذابِ مبالغة أخرى، إذ نفس العذاب سوء، فإذا ما وصف بعد ذلك بالسوء، كان أشد في الفظاعة والإهانة والألم.

وجملة: «وقيل للظالمين ... » عطف على «يتقى ... » أى: هذا هو مصير الظالمين، إنهم يتقون النار بوجوههم التي هي أشرف أعضائهم، وهذا الاتقاء لن يفيدهم شيئا، بل ستغشاهم النار بلهبها، ويقال لهم: ذوقوا العذاب الأليم بسبب ما كنتم تكسبون في الدنيا من أقوال باطلة، وأفعال قبيحة.

يقول تعالى : ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ) ، ويقرع فيقال له ولأمثاله من الظالمين : ( ذوقوا ما كنتم تكسبون ) ، كمن يأتي آمنا يوم القيامة ؟ ! كما قال تعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) [ الملك : 22 ] ، وقال : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) [ القمر : 48 ] ، وقال [ تعالى ] ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) [ فصلت : 40 ] ، واكتفى في هذه الآية بأحد القسمين عن الآخر ، كقول الشاعر .

فما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير : أيهما يليني ؟

يعني : الخير أو الشر .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)

اختلف أهل التأويل في صفة اتقاء هذا الضالّ بوجهه سُوء العذاب, فقال بعضهم: هو أن يُرْمى به في جهنم مكبوبا على وجهه, فذلك اتقاؤه إياه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ ) قال: يَخِرّ على وجهه في النار, يقول: هو مثل أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟.

وقال آخرون: هو أن ينطلق به إلى النار مكتوفا, ثم يُرمى به فيها, فأوّل ما تَمس النار وجهه، وهذا قول يُذكر عن ابن عباس من وجه كرهت أن أذكره لضعف سنده، وهذا أيضا مما ترك جوابه استغناء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه عنه. ومعنى الكلام: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة خير, أم من ينعم في الجنان؟.

وقوله: ( وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) يقول: ويقال يومئذ للظالمين أنفسهم بإكسابهم إياها سخط الله. ذوقوا اليوم أيها القوم وبال ما كنتم في الدنيا تكسبون من معاصي الله.

التدبر :

وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ غُلَّت اليد والرِّجل، ولم يبقَ إلا الوجهُ يُتَّقي به النَّار.
وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ اكتفى بذكر حاله عن تخيير حال المؤمن عليه، إذ الغرض التنفير من الكفر، وذكر هذا القدر عن صاحبه واف.
وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ الأيدي مغلولة فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه! إنه مشهد يكفي لردع العاصي عن معصيته.
وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ جاءه العذاب العظيم، فجعل يتقي بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو يتقي فيه سوء العذاب؛ لأنه قد غُلَّت يداه ورجلاه.
وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ التكذيب بما جاءت به الرسل سبب نزول العذاب، إما في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معًا.
وقفة
[24] ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لماذا يتقي العذاب بوجهه لا بيده؟ لأن يديه مغلولتان بالسلاسل.
وقفة
[24] من لم يتقِ معصية الله في الدنيا فلن يقي وجهه سوء العذاب يوم القيامة ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾.
تفاعل
[24] ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَمَنْ:
  • الهمزة: همزة استفهام. الفاء زائدة أو عاطفة على محذوف. من:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وخبره محذوف لأنه معلوم من السياق أي كمن أمن العذاب؟
  • ﴿ يَتَّقِي:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ:
  • جار ومجرور متعلق بيتقي والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. سوء: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. العذاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • مفعول فيه-ظرف زمان-منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيتقي وهو مضاف. القيامة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَقِيلَ لِلظّالِمِينَ:
  • الواو استئنافية. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. للظالمين: جار ومجرور متعلق بقيل وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ ذُوقُوا:
  • الجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل. وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ ما كُنْتُمْ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.بمعنى جزاء ما أو وبال ما. فحذف المفعول المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. وجملة كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ تَكْسِبُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى «تعملون» والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: ما كنتم تكسبونه.'

المتشابهات :

الزمر: 24﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
الزمر: 47﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولَمَّا حَكَمَ اللهُ على القاسيةِ قُلوبُهم بحُكمٍ في الدُّنيا، وهو الضَّلالُ التَّامُّ؛ حَكَم عليهم في الآخِرةِ بحُكمٍ آخَرَ، وهو العَذابُ الشَّديدُ، قال تعالى:
﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [25] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ ..

التفسير :

[25] كذَّب الذين مِن قبل قومك -أيها الرسول- رسلهم، فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه،

{ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم كما كذب هؤلاء،{ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} جاءهم في غفلة أول نهار، أو هم قائلون.

كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أمم الكفر والضلال فَأَتاهُمُ الْعَذابُ المقدر لكل أمة من أمم الكفر.

مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أى: من الجهة التي لا تخطر لهم على بال، أن العذاب يأتيهم منها، فيكون وقعه عليهم أشد وأفظع.

وقوله : ( كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) يعني : القرون الماضية المكذبة للرسل ، أهلكهم الله بذنوبهم ، وما كان لهم من الله من واق .

وقوله: ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قُريش من الأمم الذين مضوا في الدهور الخالية رسلهم ( فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: فجاءهم عذاب الله من الموضع الذي لا يشعرون: أي لا يعلمون بمجيئه منه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[25] ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أشدُّ العذاب ما كان بغتة، وأتمُّ السرور ما كان فلتة.
تفاعل
[25] ﴿فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ كَذَّبَ الَّذِينَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. ومفعول «كذب» محذوف اختصارا بتقدير كذبوا رسلهم.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي الذين سبقوهم. وجملة «كانوا استقروا من قبلهم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ:
  • الفاء سببية. أتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم.العذاب: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِنْ حَيْثُ:
  • حرف جر. حيث: اسم مبني على الضم في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأتاهم. و «حيث» ظرف مكان مساو لحين في الزمان. وهو اسم مبني على السكون وحرك آخره لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ لا يَشْعُرُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة. لا: نافية لا عمل لها.يشعرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى فجاءهم العذاب من جهة لم تخطر لهم على بال.'

المتشابهات :

النحل: 26﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
النحل: 45﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
الزمر: 25﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَـ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد بيانِ عذابِ الكافرين في الآخِرةِ؛ هَدَّدَهم اللهُ هنا بأن يَحل بهم ما حَلَّ بأمثالِهم من الأممِ السابقةِ، قال تعالى:
﴿ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [26] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ ..

التفسير :

[26]فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب والهوان في الدنيا، وأعدَّ لهم عذاباً أشد وأشق في الآخرة، لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حلَّ بهم؛ بسبب كفرهم وتكذيبهم لاتَّعظوا.

{ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ} بذلك العذاب{ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فافتضحوا عند اللّه وعند خلقه{ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب، فيصيبهم ما أصاب أولئك من التعذيب.

فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أى: العذاب الذي يذلهم ويخزيهم في الحياة الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ. المعد لهم أَكْبَرُ كيفا وكمّا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أى: لو كانوا من أهل العلم والفهم لما ارتكبوا ما ارتكبوا من كفر وفسوق وعصيان، أدى بهم إلى العذاب المهين.

ثم كرر- سبحانه- مدحه للقرآن الكريم، بأن بين أنه مشتمل على كل مثل نافع للناس، وأنه لا لبس فيه ولا اختلاف، وساق مثلا للمشرك الذي يعبد آلهة كثيرة، وللمؤمن الذي يعبد إلها واحدا، وبين أن جميع الناس سيعمهم الموت. وأنهم جميعا سيرجعون إلى الله للحساب، فقال- تعالى-:.

وقوله : ( فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ) أي : بما أنزل بهم من العذاب والنكال وتشفي المؤمنين بهم ، فليحذر المخاطبون من ذلك ، فإنهم قد كذبوا أشرف الرسل ، وخاتم الأنبياء ، والذي أعده الله لهم في الآخرة من العذاب الشديد أعظم مما أصابهم في الدنيا ; ولهذا قال : ( ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)

يقول تعالى ذكره: فعجل الله لهؤلاء الأمم الذين كذبوا رسلهم الهوان في الدنيا, والعذاب قبل الآخرة, ولم ينظرهم إذ عتوا عن أمر ربهم ( وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ ) يقول: ولعذاب الله إياهم في الآخرة إذا أدخلهم النار, فعذّبهم بها, أكبر من العذاب الذي عذّبهم به في الدنيا, لو كانوا يعلمون، يقول: لو علم هؤلاء المشركون من قريش ذلك.

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ لماذا عذاب الآخرة أكبر؟! في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» [البخاري 3265].
تفاعل
[26] ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ فَأَذاقَهُمُ:
  • الفاء عاطفة. أذاق: فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول.
  • ﴿ اللهُ الْخِزْيَ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الخزي:مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بأذاقهم. الدنيا: صفة-نعت- للحياة مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
  • ﴿ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ:
  • الواو استئنافية واللام لام الابتداء للتوكيد.عذاب: مبتدأ مرفوع بالضمة. الآخرة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اكبر: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:
  • لو: حرف شرط‍ غير جازم-حرف امتناع لامتناع- وجوابها محذوف بتقدير لو كانوا يعلمون شدة هذا العذاب لما كذبوا الرسل.كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف مفعولها لأن ما قبله يدل عليه. وجملة «يعلمون» في محل نصب خبر «كان».'

المتشابهات :

الزمر: 26﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّـهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
القلم: 33﴿كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا كان انتِظارُ الفَرَجِ مِمَّا يُسَلِّي؛ أخبرَ اللهُ هنا أنَّ عَذابَهم دائِمٌ على سَبيلِ التَّرقِّي إلى ما هو أشَدُّ، قال تعالى:
﴿ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [27] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا ..

التفسير :

[27] ولقد ضربنا لهؤلاء المشركين بالله في هذا القرآن من كل مثل من أمثال القرون الخالية تخويفاً وتحذيراً؛ ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.

يخبر تعالى أنه ضرب في القرآن من جميع الأمثال، أمثال أهل الخير وأمثال أهل الشر، وأمثال التوحيد والشرك، وكل مثل يقرب حقائق الأشياء، والحكمة في ذلك{ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} عندما نوضح لهم الحق فيعلمون ويعملون.

واللام في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ ... موطئة للقسم.

أى: والله لقد ضربنا وكررنا بأساليب متنوعة في هذا القرآن العظيم، من كل مثل يحتاج إليه الناس في أمورهم وشئونهم، وينتفعون به في دنياهم ودينهم.

وقوله- تعالى-: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ تعليل لضرب المثل. أى فعلنا ذلك في كتابنا الذي هو أحسن الحديث، كي يتعظوا ويعتبروا ويتذكروا ما أمرناهم به، أو نهيناهم عنه.

فلعل هنا بمعنى كي التعليلية، وهذا التعليل إنما هو بالنسبة إلى غيره- تعالى-.

يقول تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : بينا للناس فيه بضرب الأمثال ، ( لعلهم يتذكرون ) ، فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان ، كما قال تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) [ الروم : 28 ] أي : تعلمونه من أنفسكم ، وقال : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)

يقول تعالى ذكره: ولقد مثلنا لهؤلاء المشركين بالله من كل مثل من أمثال القرون للأمم الخالية, تخويفا منا لهم وتحذيرا( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) يقول: ليتذكروا فينـزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القرآن مليء بالأمثال، والجميع مشتركون في سماع الأمثال، لكن لا يصغي إليها ولا يعقلها من كان قاسي القلب، فاسد الحال، فلا يعقلها إلا العالمون المتدبرون.
وقفة
[27] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ وخُصَّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن؛ لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه؛ وهي بلاغة أمثاله؛ فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال.
وقفة
[27] كل القواعد العامة للبشر، وسنن الأمم والدول بدايةً ونهاية، ونعمة ونقمة، ذُكرت في القرآن ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
وقفة
[27] لم يترك القرآن شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا بيَّنه، إما إجمالًا أو تفصيلًا، وضرب له الأمثال ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
وقفة
[27، 28] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ ومن تدبره وتدبر ما خالفه؛ عرف أن القدح كله فيما خالفه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ:
  • الواو استئنافية واللام لام الابتداء والتوكيد ويجوز أن تكون واقعة في جواب قسم مقدر. قد: حرف تحقيق.
  • ﴿ ضَرَبْنا لِلنّاسِ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. للناس: جار ومجرور متعلق بضربنا وقد حذف مفعول «ضربنا» لأن ما بعده يدل عليه. التقدير: ضربنا للناس الأمثال بمعنى بيناها.
  • ﴿ فِي هذَا الْقُرْآنِ:
  • حرف جر. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بضربنا. القرآن: بدل من اسم الاشارة مجرور مثله وعلامة جره الكسرة
  • ﴿ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة للمفعول به المقدر. مثل: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ:
  • حرف مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «لعل».يتذكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى «يتعظون».وجملة «يتذكرون» في محل رفع خبر «لعل».'

المتشابهات :

الروم: 58﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ
الزمر: 27﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ حالَ الأولين موعظةً للعرب؛ بَيَّنَ هنا أن فيما قَصَّه القرآنُ عليهم من الأمثال والمواعظ عبرة لهم لو كانوا يعقلون، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [28] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ..

التفسير :

[28]وجعلنا هذا القرآن عربيّاً واضح الألفاظ سهل المعاني، لا لَبْس فيه ولا انحراف؛ لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

{ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي:جعلناه قرآنا عربيا، واضح الألفاظ، سهل المعاني، خصوصا على العرب.{ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي:ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته كما قال تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا}

{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الله تعالى، حيث سهلنا عليهم طرق التقوى العلمية والعملية، بهذا القرآن العربي المستقيم، الذي ضرب اللّه فيه من كل مثل.

وقوله- سبحانه- قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ... ثناء آخر منه- تعالى- على كتابه الكريم.

والجملة الكريمة حال مؤكدة من قوله قبل ذلك: هذَا الْقُرْآنِ....

أى: هذا القرآن قرآنا عربيا لا لبس فيه ولا اختلاف ولا اضطراب ولا تناقض.

قال صاحب الكشاف: قوله: قُرْآناً عَرَبِيًّا حال مؤكدة كقولك: جاءني زيد رجلا صالحا، وإنسانا عاقلا. ويجوز أن ينتصب على المدح غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أى: مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف.

فإن قلت: فهلا قيل مستقيما، أو غير معوج؟ قلت: فيه فائدتان:

إحداهما: نفى أن يكون فيه عوج قط، كما قال: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً.

والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان ... وقيل: المراد بالعوج: الشك واللبس، وأنشد:

وقد أتاك يقين غير ذي عوج ... من الإله وقول غير مكذوب

وقوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ علة أخرى لاشتمال القرآن على الأمثال المتكررة المتنوعة.

أى: كررنا الأمثال النافعة في هذا القرآن للناس، كي يتقوا الله- تعالى- ويخشوا عقابه.

وقوله : ( قرءانا عربيا غير ذي عوج ) أي : هو قرآن بلسان عربي مبين ، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس ، بل هو بيان ووضوح وبرهان ، وإنما جعله الله [ عز وجل ] كذلك ، وأنزله بذلك ( لعلهم يتقون ) أي : يحذرون ما فيه من الوعيد ، ويعملون بما فيه من الوعد .

وقوله: ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) يقول تعالى ذكره: لقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل قرآنا عربيا( غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) يعني: ذي لبس.

كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) : غير ذي لبس.

ونصب قوله: ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) على الحال من قوله: هذا القرآن, لأن القرآن معرفة, وقوله ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) نكرة.

وقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) يقول: جعلنا قرآنا عربيا إذ كانوا عربا, ليفهموا ما فيه من المواعظ, حتى يتقوا ما حذرهم الله فيه من بأسه وسطوته, فينيبوا إلى عبادته وإفراد الألوهة له, ويتبرّءوا من الأنداد والآلهة.

التدبر :

وقفة
[28] ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ لا اختلاف فيه، لا في ألفاظه ولا في معانيه، ولا تناقض ولا اضطراب، ولا كلام يلغي كلامًا آخر أو يخالفه أو ينازعه، وهذا من تمام الإعجاز.

الإعراب :

  • ﴿ قُرْآناً:
  • حال مؤكد منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أو منصوب على المدح.ويجوز أن يكون توكيدا و «عربيا» هي الحال أو يكون حالا جامدة موصوفة و «عربيا» صفته.
  • ﴿ عَرَبِيًّا:
  • حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة بمعنى: أنزلناه عربيا أي بلسان عربي.
  • ﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ:
  • غير: بدل من «عربيا» أو صفة-نعت-لقرآنا. منصوبة وعلامة نصبها الفتحة وهي مضافة. ذي: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لأنه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. عوج: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
  • تعرب اعراب لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ أن فيما قَصَّه القرآنُ عليهم من الأمثال والمواعظ عبرة لهم لو كانوا يعقلون؛ وصفَ القرآن هنا بأنه قرآن عربي، سهل المعاني، واضح الألفاظ، لا لبس فيه ولا غموض ولا تعارض، قال تعالى:
﴿ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ ..

التفسير :

[29] ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لشركاء متنازعين، فهو حيران في إرضائهم، وعبداً خالصاً لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه، هل يستويان مثلاً؟ لا يستويان، كذلك المشرك هو في حَيْرة وشك، والمؤمن في راحة واطمئنان. فالثناء الكامل التام لله وحده، بل المشركون لا يعل

ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال:{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا} أي:عبدا{ فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} فهم كثيرون، وليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟

{ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي:خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة.{ هَلْ يَسْتَوِيَانِ} أي:هذان الرجلان{ مَثَلًا} ؟ لا يستويان.

كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه اللّه من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة، فـ{ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ} على تبيين الحق من الباطل، وإرشاد الجهال.{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

ثم ضرب- سبحانه- مثلا للعبد المشرك وللعبد المؤمن، فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ....

وقوله مَثَلًا مفعول ثان لضرب، ورَجُلًا مفعوله الأول. وأخر عن المفعول الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته، وهو التمثيل لحال الكافر والمؤمن.

وقوله مُتَشاكِسُونَ من التشاكس بمعنى التنازع والتخاصم وسوء الخلق، يقال: رجل شكس وشكس- بفتح الشين مع إسكان الكاف أو كسرها وفعله من باب كرم- إذا كان صعب الطباع، عسر الخلق.

وقوله سلما» بفتح السين واللام- مصدر وصف به على سبيل المبالغة.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «سالما» : أى خالصا لسيده دون أن ينازعه فيه منازع. والمعنى: إن مثل المشرك الذي يعبد آلهة متعددة، كمثل عبد مملوك لجماعة متشاكسين متنازعين لسوء أخلاقهم وطباعهم، وهذا العبد موزع وممزق بينهم، لأن أحدهم يطلب منه شيئا معينا، والثاني يطلب منه شيئا يباين ما طلبه الأول، والثالث يطلب منه ما يتناقض مع ما طلبه الأول والثاني ... وهو حائر بينهم جميعا، لا يدرى أيطيع ما أمره به الأول أم الثاني أم الثالث ... ؟ لأنه لا يملك أن يطيع أهواءهم المتنازعة التي تمزق أفكاره وقواه.

هذا هو مثل المشرك في حيرته وضلاله وانتكاس حاله.

أما مثل المؤمن فهو كمثل عبد مملوك لسيد واحد، وخالص لفرد واحد، وليس لغيره من سبيل إليه، فهو يخدم سيده بإخلاص وطاعة، لأنه يعرف ماله وما عليه، وفي راحة تامة من الحيرة والمتاعب التي انغمس فيها ذلك العبد الذي يملكه الشركاء المتشاكسون. فالمقصود بهذين المثلين بيان ما عليه العبد المشرك من ضلال وتحير وتمزق، وما عليه العبد المؤمن من هداية واستقرار واطمئنان.

واختار- سبحانه- الرجل لضرب المثلين، لأنه أتم معرفة من غيره لما يتعبه ولما يريحه ولما يسعده ولما يشقيه.

قال صاحب الكشاف- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية: واضرب- يا محمد- لقومك مثلا وقول لهم: ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء، بينهم اختلاف وتنازع.

كل واحد منهم يدعى أنه عبده، فهم يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهن شتى، وإذا عنت له حاجة تدافعوه، فهو متحير في أمره، قد تشعبت الهموم قلبه، وتوزعت أفكاره، لا يدرى أيهم يرضى بخدمته، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته.

وفي آخر: قد سلم لمالك واحد وخلص له، فهو معتتق لما لزمه من خدمته، معتمد عليه فيما يصلحه، فهمه واحد، وقلبه مجتمع، أى هذين العبدين أحسن وأجمل شأنا؟.

والمراد تمثيل حال من يثبت آلهة شتى.. ويبقى متحيرا ضائعا لا يدرى أيهم يعبد، وممن يطلب رزقه؟ فهمّه شعاع- بفتح الشين أى: متفرق-، وقلبه أوزاع، وحال من لم يثبت إلا إلها واحدا، فهو قائم بما كلفه، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله، مؤمل للثواب في آجله، .

والاستفهام في قوله- تعالى-: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا للإنكار والاستبعاد.

أى: لا يستوي الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، والرجل الذي سلم لرجل آخر،في رأى أى ناظر، وفي عقل أى عاقل، فالأول في حيرة من أمره، والثاني على بينة من شأنه.

وساق- سبحانه- هذا المعنى في صورة الاستفهام، للإشعار بأن ذلك من الجلاء والوضوح بحيث لا يخفى على كل ذي عقل سليم.

وانتصب لفظ «مثلا» على التمييز المحول عن الفاعل، لأن الأصل هل يستوي مثلهما وحالهما؟.

وجملة الْحَمْدُ لِلَّهِ تقرير وتأكيد لما قبلها من نفى الاستواء واستبعاده، وتصريح بأن ما عليه المؤمنون من إخلاص في العبودية لله- تعالى- يستحق منهم كل شكر وثناء على الله- عز وجل- حيث وفقهم لذلك.

وقوله- تعالى-: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون هذه الحقيقة مع ظهورها ووضوحها لكل ذي عينين يبصرهما، وعقل يعقل به.

ثم قال : ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ) أي : يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم ، ( ورجلا سلما لرجل ) أي : خالصا لرجل ، لا يملكه أحد غيره ، ( هل يستويان مثلا ) أي : لا يستوي هذا وهذا . كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله ، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له . فأين هذا من هذا ؟

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ، ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا ، قال : ( الحمد لله ) أي : على إقامة الحجة عليهم ، ( بل أكثرهم لا يعلمون ) أي : فلهذا يشركون بالله .

القول في تأويل قوله تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)

يقول تعالى ذكره: مثل الله مثلا للكافر بالله الذي يعبد آلهة شَتَّى, ويطيع جماعة من الشياطين, والمؤمن الذي لا يعبُد إلا الله الواحد, يقول تعالى ذكره: ضرب الله مثلا لهذا الكافر رجلا فيه شركاء. يقول: هو بين جماعة مالكين متشاكسين, يعني مختلفين متنازعين, سيئة أخلاقهم, من قولهم: رجل شكس: إذا كان سيئ الخلق, وكل واحد منهم يستخدمه بقدر نصيبه ومِلْكه فيه, ورجلا مسلما لرجل, يقول: ورجلا خُلُوصا لرجل يعني المؤمن الموحد الذي أخلص عبادته لله, لا يعبد غيره ولا يدين لشيء سواه بالربوبية.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَرَجُلا سَلَمًا ) فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والبصرة: " ورَجُلا سَالِمًا " وتأوّلوه بمعنى: رجلا خالصا لرجل. وقد رُوي ذلك أيضا عن ابن عباس.

حدثنا أحمد بن يوسف, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا حجاج, عن هارون, عن جرير بن حازم, عن حميد, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قرأها: " سَالِمًا لِرَجُلٍ" يعني بالألف, وقال: ليس فيه لأحد شيء.

وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة: ( وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) بمعنى: صلحا (2) .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن السلم مصدر من قول القائل: سَلِم فلان لله سَلما (3) بمعنى: خَلَص له خُلوصا, تقول العرب: ربح فلان في تجارته رِبْحا ورَبَحا (4) وسَلِمَ سِلْما وسَلَما (5) وسلامة, وأن السالم من صفة الرجل, وسلم مصدر من ذلك. وأما الذي توهمه من رغب من قراءة ذلك سَلَما من أن معناه صلحا, فلا وجه للصلح في هذا الموضع, لأن الذي تقدم من صفة الآخر, إنما تقدم بالخبر عن اشتراك جماعة فيه دون الخبر عن حربه بشيء من الأشياء, فالواجب أن يكون الخبر عن مخالفه بخلوصه لواحد لا شريك له, ولا موضع للخبر عن الحرب والصلح في هذا الموضع.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: " رَجُلا فِيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلا سالِمًا لِرَجُلٍ" قال: هذا مثل إله الباطل وإله الحق.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) قال: هذا المشرك تتنازعه الشياطين, لا يقر به بعضهم لبعض " وَرَجُلا سَالِمًا لِرَجُلٍ" قال: هو المؤمن أخلص الدعوة والعبادة.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) إلى قوله: ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) قال: الشركاء المتشاكسون: الرجل الذي يعبد آلهة شتى كلّ قوم يعبدون إلها يرضونه ويكفرون بما سواه من الآلهة, فضرب الله هذا المثل لهم, وضرب لنفسه مثلا يقول: رجلا سَلِمَ لرجل يقول: يعبدون إلها واحدا لا يختلفون فيه.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) قال: مثل لأوثانهم التي كانوا يعبدون.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) قال: أرأيت الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون كلهم سيئ الخلق, ليس منهم واحد إلا تلقاه آخذا بطرف من مال لاستخدامه أسواؤهم, والذي لا يملكه إلا واحد, فإنما هذا مثل ضربه الله لهؤلاء الذين يعبدون الآلهة, وجعلوا لها في أعناقهم حقوقا, فضربه الله مثلا لهم, وللذي يعبده وحده ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) وفي قوله: " وَرَجُلا سالِمَا لِرَجُلٍ" يقول: ليس معه شرك.

وقوله: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ) يقول تعالى ذكره: هل يستوي مثلُ هذا الذي يخدم جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فيه لخدمته مع منازعته شركاءه فيه والذي يخدمُ واحدا لا ينازعه فيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه, وإذا أخطأ صفح له عن خطئه, يقول: فأيّ هذين أحسن حالا وأروح جسما وأقلّ تعبا ونصبا؟.

كما حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول: من اختُلف فيه خير, أم من لم يُخْتلَف فيه؟.

وقوله: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) يقول: الشكر الكامل, والحمدُ التامّ لله وحده دون كلّ معبود سواه. وقوله: ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول جل ثناؤه: وما يستوي هذا المشترك فيه, والذي هو منفرد ملكه لواحد, بل أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أنهما لا يستويان, فهم بجهلهم بذلك يعبدون آلهة شتى من دون الله. وقيل: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ) ولم يقل: مثلين لأنهما كلاهما ضربا مثلا واحدا, فجرى المثل بالتوحيد, كما قال جل ثناؤه: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً إذ كان معناهما واحدا في الآية.

والله أعلم.

------------------------

الهوامش:

(2) قائل هذا : هو أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة جامعة القاهرة رقم 26390 الورقة 159) .

(3) لم أجد في اللسان ( سلم لله سلما" بالتحريك ، بالمعنى الذي أورده المؤلف هنا .

(4) في ( اللسان : ربح ) : الربح ( بالكسر ) ، والربح ( بالتحريك ) ، والرباح ( بفتح الراء ) : النماء في التجر ا هـ . قلت : وعلى هذا فهما مصدران كما قال المؤلف . وقال : قال ابن الأعرابي : الربح والربح ، مثل البدل والبدل . وقال الجوهري : مثل شبه وشبه : هو اسم ما ربحه .

(5) ضبط الثاني في اللسان ضبط قلم ، بفتح السين وسكون اللام ، عن أبي إسحاق الزجاج ، على أنه قراءة ، ولعله خطأ من الناسخ .

التدبر :

وقفة
[29] ﴿ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ ضرب الله مثلًا للكافر والمؤمن، فالكافر كعبد تملكه جماعة ﴿شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ﴾، أي: متنازعون ومختلفون، فكل واحد يأمره بأمر غير الآخر، فهو في عذاب أليم بين هؤلاء السادة المتشاكسين، والمؤمن كعبد لا يملكه إلا رجل واحد: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ﴾، فلا يحمله فوق طاقته، وهو مستريح معه، ويعيش في سلام وأمان.
وقفة
[29] لم يدون التأريخ جهادًا في جبهة واحدة انتصر فاستقر برايات متفرقة غير مجتمعة ﴿ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾.
وقفة
[29] ﴿رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ فيه جواز الشركة.
وقفة
[29] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ ما أجملها من كلمة حين تسمعها بأصوات المرضى الخافتة وعلى شفاه النفوس المتعبة! يقولون: «يا رب لك الحمد» في غمرات الألم.
وقفة
[29] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ كم تشعرك هذه الآية بنعم لا حصر لها! خصك الله بها، وفضلك على كثير من خلقه، أعظمها نعمة القرآن والهداية للدين.

الإعراب :

  • ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة:فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. مثلا رجلا: مفعولا «ضرب» منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة. أي ضرب رجلا مثلا بمعنى: جعله مثلا ويجوز أن تكون «مثلا» مفعولا به بضرب و «رجلا» مفعولا بمضمر تقديره جعل رجلا. والقول الكريم لبيان وصف حال الموحدة والمشرك.
  • ﴿ فِيهِ شُرَكاءُ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب صفة-نعت-لرجلا. فيه:جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. شركاء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم تنون لأنها ممنوعة من الصرف على وزن «فعلاء».
  • ﴿ مُتَشاكِسُونَ:
  • صفة-نعت-لشركاء مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: مختلفون. أو متخاصمون.
  • ﴿ وَرَجُلاً سَلَماً:
  • معطوفة بالواو على «رجلا» الأولى وتعرب اعرابها. سلما:صفة-نعت-لرجلا منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. بمعنى: ذا سلامة.أي ذا خلوص من الشركة.
  • ﴿ لِرَجُلٍ:
  • جار ومجرور متعلق بسلما. أي خالصا له لا يشاكسه فيه أحد.
  • ﴿ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً:
  • حرف استفهام لا عمل له. يستويان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف ضمير متصل-ضمير الاثنين-مبني على السكون في محل رفع فاعل. مثلا: صفة على التمييز منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. أي هل تستوي صفتاهما وحالاهما؟ .
  • ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف. اكثر: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة لا يَعْلَمُونَ» في محل رفع خبر «أكثرهم» بمعنى:الحمد لله على ثبات الحجة على المشركين واثبات انه لا إله الا هو ولكن أكثرهم لا يعلمون فيشركون به غيره.'

المتشابهات :

النحل: 75﴿حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
لقمان: 25﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
الزمر: 29﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ أنه ضَرَبَ في القرآنِ من كلِّ مَثَلٍّ؛ ضَرَبَ هنا مثلًا للمُشركِ والمُوحِّدِ: رجلاً مَملُوكًا لشُركاءَ متنازِعينَ إنْ أرْضَى هذا أغضَبَ ذاكَ، ورجلًا خَالصًا لسيِّدٍ واحدٍ يعرِفُ مرادَهُ، قال تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سلما:
قرئ:
1- سالما، اسم فاعل، أي خالصا من الشركة، وهى قراءة عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن، بخلاف عنه، والجحدري، وابن كثير، وأبى عمرو.
2- سلما، بفتح السين واللام، وهى قراءة الأعرج، وشيبة، وأبى رجاء، وطلحة، والحسن، بخلاف عنه، وباقى السبعة.
3- سلما، بكسر السين وسكون اللام، وهى قراءة ابن جبير.
4- ورجل سالم، برفعهما.
مثلا:
وقرئ:
مثلين.

مدارسة الآية : [30] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ

التفسير :

[30] إنك -أيها الرسول- ميت وإنهم ميتون،

{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أي:كلكم لا بد أن يموت{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}

ثم أخبر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلم بأن الموت سينزل به كما سينزل بأعدائه الذين يتربصون به ريب المنون، ولكن في الوقت الذي يشاؤه الله- تعالى- فقال-: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ.

أى: إنك- أيها الرسول الكريم- سيلحقك الموت، كما أنه سيلحق هؤلاء المشركين لا محالة، وما دام الأمر كذلك فأى موجب لتعجل الموت الذي يعم الخلق جميعا.

وجاء الحديث عن حلول الموت به صلّى الله عليه وسلم وبأعدائه، بأسلوب التأكيد، للإيذان بأنه لا معنى لاستبطائهم لموته صلّى الله عليه وسلم ولا للشماتة به صلّى الله عليه وسلم إذا ما نزل به الموت، إذ لا يشمت الفاني في الفاني مثله.

وقوله : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق [ رضي الله عنه ] عند موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى تحقق الناس موته ، مع قوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ] .

ومعنى هذه الآية : ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله في الدار الآخرة ، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله - عز وجل - فيفصل بينكم ، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين .

ثم إن هذه الآية - وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين ، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة - فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا ، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنك يا محمد ميت عن قليل, وإن هؤلاء المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[30] كرر على نفسك أن الحياة تعيش بدونك قبل أن تخبرك به قرع أقدامهم مغادرين يرفضون أيديهم ﴿إنك ميت﴾.
وقفة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ النبي يموت، والملك، والأمير، والوزير، والغني، والفقير، والعبرة بما بعد الموت.
عمل
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ لم نخلق للبقاء؛ فـاصنع لنفسك أثرًا طيبًا؛ يبقى من بعدك.
عمل
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ مآلُ الجميع إلى الموتِ، فكن مستعدًّا.
وقفة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ نعيت إلى النبي ﷺ نَفَسُه، ونعيتُ إليكم أنفسكم، وهذا تذكير بهذه الحقيقة إن غابت عن الأذهان بالغفلة والعصيان.
وقفة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ قال القرطبي: «خطاب للنبي ﷺ أخبره بموته وموتهم، فاحتمل وجوها خمسة: أحدها: أن يكون ذلك تحذيرًا من الآخرة. الثاني: أن يذكره حثًّا على العمل. الثالث: أن يذكره توطئة (تهيئة) للموت. الرابع: لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره. الخامس: ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره لتكثر فيه السلوة، وتقل فيه الحسرة».
لمسة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ يقال: ميِّت بالتشديد لمن لا يزال حيًا وسيموت يومًا، ويقال: مَيْت بالفتح لمن هو ميت فعلًا، ولذلك كان الخطاب ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ﴾ فهو لا يزال حيًا يخاطب بهذا، ومعناه أنك صائر إلى الموت لا محالة.
وقفة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ أنت، وهي، وهو، وهم، وهن، الصغير والكبير، والأمير والحقير سيموتون؛ فماذا أعددنا لما بعد الموت؟!
وقفة
[30] خلاصة القول: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾.
وقفة
[30] ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾، و﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام: 122]؟ ميْت وميِّت بالسكون أو الشدة؟ (ميْتًا) هذا الميت الحقيقي الذي مات، خطأ أن نقول فلان ميِّت، نحن كلنا سنموت يومًا ونحن من أصحاب القابلية للموت، نحن ميِّتون في المستقبل، فالميت الحالي يقال له: ميْت، وللأسف الناس يقولون ميِّت، قال الشاعر: لَيسَ مَن ماتَ فَاِستَراحَ بِميت ... إِنَّما المَيت ميت الأحياء

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب اسم «انّ» ميت: خبرها مرفوع بالضمة. والمخاطب هو الرسول الكريم.
  • ﴿ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ:
  • الواو عاطفة. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان» ميتون: خبرها مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     ولَمَّا لم يَلتَفِتوا إلى الحقِّ ولم ينتفعوا بضربِ المَثَل؛ أخبرَ اللهُ هنا بأن مصيرَ الجميعِ إليه سبحانه، وأن الحياةَ إلى زوال، قال تعالى:
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ميت ... ميتون:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مائت ... مائتون، وهى قراءة ابن الزبير، وابن أبى إسحاق، وابن محيصن، وعيسى، واليماني، وابن أبى غوث، وابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [31] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ ..

التفسير :

[31]ثم إنكم جميعاً -أيها الناس- يوم القيامة عند ربكم تتنازعون، فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف.

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فيما تنازعتم فيه، فيفصل بينكم بحكمه العادل، ويجازي كُلًّا ما عمله{ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}

ثم بين- سبحانه- ما يكون بينه وبينهم يوم القيامة فقال ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.

أى: ثم إنكم جميعا يوم القيامة عند ربكم وخالقكم تختصمون وتحتكمون، فتقيم عليهم- أيها الرسول الكريم- الحجة، بأنك قد بلغت الرسالة، وهم يعتذرون بالأباطيل والتعليلات الكاذبة، والأقوال الفاسدة، وسينتقم ربك من الظالم للمظلوم، ومن المبطل للمحق.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث والآثار فقال ما ملخصه: ثم إن هذه الآية- وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة- فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة.

روى ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال: نعم. قلت: إن الأمر إذا لشديد.

وروى الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا» .

وقال ابن عباس: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهدىّ الضالّ، والضعيف المستكبر .

ثم بين- سبحانه- أنه لا أحد أشد ظلما ممن كذب على الله- تعالى- وكذب بالصدق إذ جاءه، وأن من صفات المتقين أنهم يؤمنون بالحق، ويدافعون عنه، وأنه- سبحانه- سيكفر عنهم سيئاتهم ... فقال- تعالى-:.

قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عمرو ، عن ابن حاطب - يعني يحيى بن عبد الرحمن - عن ابن الزبير ، عن الزبير قال : لما نزلت : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : يا رسول الله ، أتكرر علينا الخصومة ؟ قال : " نعم " . قال : إن الأمر إذا لشديد .

وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان ، وعنده زيادة : ولما نزلت : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) [ التكاثر : 8 ] قال الزبير : أي رسول الله ، أي نعيم نسأل عنه ؟ وإنما - يعني : هما الأسودان : التمر والماء - قال : " أما إن ذلك سيكون " .

وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان ، به . وقال الترمذي : حسن .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا ابن نمير حدثنا محمد - يعني ابن عمرو - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت هذه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : أي رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ليكررن عليكم ، حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " . قال الزبير : والله إن الأمر لشديد .

ورواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال : حسن صحيح .

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي عشانة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول الخصمين يوم القيامة جاران " . تفرد به أحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم ، حتى الشاتان فيما انتطحتا " تفرد به أحمد .

وفي المسند عن أبي ذر ، رضي الله عنه [ أنه ] قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتين ينتطحان ، فقال : " أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر ؟ " قلت : لا . قال : " لكن الله يدري وسيحكم بينهما " .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حيان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت عن أنس [ رضي الله عنه ] ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة ، فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه ، فيقال له : سد ركنا من أركان جهنم " .

ثم قال : الأغلب بن تميم ليس بالحافظ .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهدي الضال ، والضعيف المستكبر . .

وقد روى ابن منده في كتاب " الروح " ، عن ابن عباس أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة ، حتى تختصم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت . فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول [ لهما ] إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا ثمارا ، ولكن لا أصل إليها . فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ؟ فيقولان : كلاهما . فيقول لهما الملك . فإنكما قد حكمتما على أنفسكما . يعني : أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة ، حدثنا ضرار ، حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة ، حدثنا القمي - يعني يعقوب بن عبد الله - عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية ، وما نعلم في أي شيء نزلت : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) [ قال ] قلنا : من نخاصم ؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة ، فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر : هذا الذي وعدنا ربنا - عز وجل - نختصم فيه .

ورواه النسائي عن محمد بن عامر ، عن منصور بن سلمة ، به .

وقال أبو العالية [ في قوله ] ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال : يعني أهل القبلة .

وقال ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر .

وقد قدمنا أن الصحيح العموم ، والله أعلم .

( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) يقول: ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم, ويفصل بين جميعكم بالحقّ.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: عنى به اختصام المؤمنين والكافرين, واختصام المظلوم والظالم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) يقول: يخاصم الصادق الكاذب, والمظلوم الظالم, والمهتدي الضال, والضعيف المستكبر.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) قال: أهل الإسلام وأهل الكفر.

حدثني ابن البرقي, قال: ثنا ابن أبي مريم, قال: ثنا ابن الدراوردي , قال: ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير, قال: لما نـزلت هذه الآية: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) قال الزبير: يا رسول الله, أينكر علينا ما كان بيننا فى الدنيا مع خواصّ الذنوب ؟ فقال النبي: صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم " نَعَمْ حتى يُؤَدَّى إلى كُلِّ ذي حَقٍّ حَقُّهُ.

وقال آخرون: بل عني بذلك اختصام أهل الإسلام.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, عن ابن عمر, قال: نـزلت علينا هذه الآية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة, فقلنا: هذا الذي وعدنا ربُّنا أن نختصم في ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ).

حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: ثنا ابن عون, عن إبراهيم , قال: لما نـزلت: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ ) ... الآية, قالوا: ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان, قال: فلما قُتل عثمان بن عفان, قالوا: هذه خصومتنا بيننا.

حُدثت عن ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, في قوله ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) قال: هم أهل القبلة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: عني بذلك: إنك يا محمد ستموت , وإنكم أيها الناس ستموتون, ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم, مؤمنكم وكافركم, ومحقوكم ومبطلوكم, وظالموكم ومظلوموكم, حتى يؤخذ لكلّ منكم ممن لصاحبه قبله حق حقُّه.

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لأن الله عم بقوله: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) خطاب جميع عباده, فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض, فذلك على عمومه على ما عمه الله به ، وقد تنـزل الآية في معنى, ثم يكون داخلا في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نـزلت به.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[31] ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ كم خصيمًا سيكون لك يوم القيامة يريد القصاص منك؟! نِلْتَ منه في الدنيا بيدك أو لسانك، وجاء وقت القصاص.
وقفة
[31] ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ قال ابن عباس: «يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهدي الضال، والضعيف المستكبر».

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ:
  • حرف عطف للتراخي. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «انّ» والميم علامة جمع الذكور. أي ثم انك واياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائبين.
  • ﴿ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بخبر «انّ» القيامة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّكُمْ:
  • تعرب اعراب يَوْمَ الْقِيامَةِ» والظرف هنا ظرف مكان والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ تَخْتَصِمُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «انّ» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي تجادلهم يا محمد بأنك بذلت كل ما تستطيع من جهد في تبليغهم بالرسالة وسيحاولون التذرع بأنهم كانوا مضطرين على الكفر بسبب الاغراء والتهديد.'

المتشابهات :

المؤمنون: 16﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
الزمر: 31﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا أخبرَ اللهُ بأن مصيرَ الجميعِ إليه؛ بَيَّنَ هنا أنهم يختصمون يوم القيامة بين يديه، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف