ترتيب المصحف | 19 | ترتيب النزول | 44 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 7.30 |
عدد الآيات | 98 | عدد الأجزاء | 0.30 |
عدد الأحزاب | 0.65 | عدد الأرباع | 2.60 |
ترتيب الطول | 27 | تبدأ في الجزء | 16 |
تنتهي في الجزء | 16 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 10/29 | كهيعص: 1/1 |
أُمِرَتْ مريمُ بالسكوتِ عن الكلامِ، وأتتْ قومَها حاملةَ ابنِها، فاستنكرُوا الأمرَ، فأشارتْ إليه.
قريبًا إن شاء الله
عيسى عليه السلام يتكلمُ في المهدِ بقدرةِ اللهِ، ويصفُ نفسَه بتسعِ صفاتٍ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ قصَّةِ عيسى عليه السلام يَنفى اللهُ هنا أن يكونَ له ولدٌ لأنَّ النَّصارى زعَمَوا أنَّ عيسى ابنُ اللهِ، ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ اختلافَ أهلِ الكتابِ في شأنِ عيسى عليه السلام ، وضلالَ الكافرينَ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ فَكُلِي ْ} من التمر،{ وَاشْرَبِي ْ} من النهر{ وَقَرِّي عَيْنًا ْ} بعيسى، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة، وحصول المأكل والمشرب والهني.
وأما من جهة قالة الناس، فأمرها أنها إذا رأت أحدا من البشر، أن تقول على وجه الإشارة:{ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ْ} أي:سكوتا{ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} أي:لا تخاطبيهم بكلام، لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة، وإنما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهد على براءتها، .فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد، من أكبر الدعاوى، التي لو أقيم عدة من الشهود، لم تصدق بذلك، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة، أمرا من جنسه، وهو كلام عيسى في حال صغره جدا.
وقوله- سبحانه-: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا حكاية منه- تعالى- لبقية كلام عيسى لأمه.
ولفظ فَإِمَّا مركب من إن الشرطية، وما المزيدة لتوكيد الشرط وتَرَيِنَّ فعل الشرط، وجوابه فَقُولِي وبين هذا الجواب وشرطه كلام محذوف يرشد إليه السياق.
والمعنى: أن عيسى- عليه السلام- قال لأمه: لا تحزني يا أماه بسبب وجودى بدون أب، وقرى عينا، وطيبي نفسا لذلك، فإما ترين من البشر أحدا كائنا من كان فسألك عن أمرى وشأنى فقولي له إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أى: صمتا عن الكلام فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا لا في شأن هذا المولود ولا في شأن غيره، وإنما سأترك الكلام لابني ليشرح لكم حقيقة أمره.
قالوا: إنما منعت من الكلام لأمرين: أحدهما: أن يكون عيسى هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها، وفي هذا دلالة على تفويض الكلام إلى الأفضل.
والثاني: «كراهة مجادلة السفهاء، وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها» .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ الحكيم ما فعلته مريم عند ما شعرت بالحمل وما قالته عند ما أحست بقرب الولادة، وما قاله لها مولودها عيسى من كلام جميل طيب، لإدخال الطمأنينة على قلبها.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد تلك القصة العجيبة مشهد مريم عند ما جاءت بوليدها إلى قومها، وما قالوه لها، وما قاله وليدها لهم ...
استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك فيقول:
( فكلي واشربي وقري عينا ) أي : طيبي نفسا; ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .
هذا حديث منكر جدا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به
وقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نهيك : ( تساقط عليك رطبا جنيا ) وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " أي : الجذع . والكل متقارب .
وقوله : ( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : مهما رأيت من أحد ، ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن المراد به القول اللفظي ; لئلا ينافي : ( فلن أكلم اليوم إنسيا )
قال أنس بن مالك في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صوما وصمتا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .
والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام; ليكون عذرا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .
وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : ( ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .
يقول تعالى ذكره: فكلي من الرطب الذي يتساقط عليك، واشربي من ماء السريّ الذي جعله ربك تحتك، لا تخشي جوعًا ولا عطشًا( وَقَرِّي عَيْنًا ) يقول: وطيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني ونصبت العين لأنها هي الموصوفة بالقرار. وإنما معنى الكلام: ولتقرِر عينك بولدك، ثم حوّل الفعل عن العين إلى المرأة صاحبة العين، فنصبت العين إذ كان الفعل لها في الأصل على التفسير، نظير ما فعل بقوله فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا وإنما هو: فإن طابت أنفسهن لكم . وقوله وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ومنه قوله تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا إنما هو يساقط عليك رطب الجذع، فحوّل الفعل إلى الجِذْع، في قراءة من قرأه بالياء. وفي قراءة من قرأ: تُسَاقِطْ بالتاء، معناه: يساقط عليك رطب النخلة، ثم حول الفعل إلى النخلة.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله (وقرِّي)
فأما أهل المدينة فقرءوه (وَقَرِّي ) بفتح القاف على لغة من قال: قَرِرت بالمكان أَقَرّ به، وقَرِرت عينا، أقرّ به قُرورا، وهي لغة قريش فيما ذكر لي وعليها القراءة.
وأما أهل نجد فإنها تقول قررت به عينا أقر به قرارا وقررت بالمكان أقر به، فالقراءة على لغتهم: (وَقِري عَيْنا) بكسر القاف، والقراءة عندنا على لغة قريش بفتح القاف.
وقوله ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ) يقول: فإن رأيت من بني آدم أحدا يكلمك أو يسائلك عن شيء أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه ( فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) يقول : فقولي: إني أوجبت على نفسي لله صمتا ألا أُكَلِّم أحدًا من بني آدم اليوم ( فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )
وبنحو الذي قلنا في معنى الصوم، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت أنس بن مالك يقول في هذه الآية ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) صمتا.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال : أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت أنس بن مالك يقول ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال: صمتا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال : يعني بالصوم: الصمت.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن سليمان التيميّ، قال: سمعت أنسا قرأ ( إنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَن صَوْما وَصَمْتا ) .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) أما قوله (صَوْما) فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال: كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام ، إلا مِن ذكر الله، فقال لها ذلك، فقالت: إني أصوم من الكلام كما أصوم مِنْ الطعام، إلا من ذكر الله; فلما كلموها أشارت إليه، فقالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابهم فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ حتى بلغ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ .
واختلفوا في السبب الذي من أجله أمرها بالصوم عن كلام البشر، فقال بعضهم: أمرها بذلك لأنه لم يكن لها حجة عند الناس ظاهرة، وذلك أنها جاءت وهي أيِّم بولد بالكفّ عن الكلام ليكفيها فأمرت الكلام ولدها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ فقال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله: كلم الناس وسلم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدّقها أنها حملت من غير زوج، يعني بذلك مريم عليها السلام.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد لما قال عيسى لمريم (لا تَحْزَنِي) قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج ولا مملوكة، أي شيء عذري عند الناس يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) قال: هذا كله كلام عيسى لأمه.
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ( إِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فإني سأكفيك الكلام.
وقال آخرون: إنما كان ذلك آية لمريم وابنها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال في بعض الحروف: صمتا وذلك إنك لا تلقى امرأة جاهلة تقول: نذرت كما نذرت مريم، ألا تكلم يومًا إلى الليل ، وإنما جعل الله تلك آية لمريم ولابنها، ولا يحلّ لأحد أن ينذر صمت يوم إلى الليل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فقرأ ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) وكانت تقرأ في الحرف الأوّل: صمتا، وإنما كانت آية بعثها الله لمريم وابنها.
وقال آخرون: بل كانت صائمة في ذلك اليوم، والصائم في ذلك الزمان كان يصوم عن الطعام والشراب وكلام الناس، فأذن لمريم في قدر هذا الكلام ذلك اليوم وهي صائمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) يكلمك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فكان من صام في ذلك الزمان لم يتكلم حتى يمسي، فقيل لها: لا تزيدي على هذا.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وقري:
وقرئ:
بكسر القاف، وهى لغة نجدية.
ترين:
قرئ:
1- ترئن، بالإبدال من الياء همزة، وهى قراءة أبى عمرو، فيما روى عنه ابن رومى.
2- ترؤن، بالهمزة أيضا بدل الواو، ورويت عن أبى عمرو أيضا.
3- ترين، بسكون الياء وفتح النون خفيفة، وهى قراءة طلحة، وأبى جعفر.
قال ابن جنى: وهي شاذة، يعنى أن الجازم لم يؤثر فيحذف النون.
التفسير :
أي:فلما تعلت مريم من نفاسها، أتت بعيسى قومها تحمله، وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها، فأتت غير مبالية ولا مكترثة، فقالوا:{ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فًريًّا ْ} أي:عظيما وخيما، وأرادوا بذلك البغاء حاشاها من ذلك.
وقوله- سبحانه-: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ ... معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة.
والتقدير: وبعد أن استمعت مريم إلى ما قاله لها ابنها عيسى- عليه السلام- اطمأنت نفسها، وقرت عينها، فأتت به أى بمولودها عيسى إلى قومها. وهي تحمله معها من المكان القصي الذي اعتزلت فيه قومها.
قال الآلوسى: أى: جاءتهم مع ولدها حاملة إياه، على أن الباء للمصاحبة. وجملة تَحْمِلُهُ في موضع الحال من ضمير مريم ... وكان هذا المجيء على ما أخرج سعيد بن منصور، وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يوما حين طهرت من نفاسها ...
وظاهر الآية والأخبار «أنها جاءتهم به من غير طلب منهم..» .
ثم حكى- سبحانه- ما قاله قومها عند ما رأوها ومعها وليدها فقال: قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا.
أى: قالوا لها على سبيل الإنكار: يا مريم لقد جئت أى فعلت شيئا منكرا عجيبا في بابه، حيث أتيت بولد من غير زوج نعرفه لك.
والفري: مأخوذ من فريت الجلد إذا قطعته، أى: شيئا قاطعا وخارقا للعادة، ومرادهم:
أنها أتت بولدها عن طريق غير شرعي، كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً.
ويدل على أن مرادهم هذا، قولهم بعد ذلك: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ.
يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدا من البشر فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها فسلمت لأمر الله - عز وجل - واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها ( فأتت به قومها تحمله ) فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدا ، وقالوا : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أي : أمرا عظيما . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا منها شيئا ، فرأوا راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نعتها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها سجدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورا ساطعا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أمرا عظيما .
يقول تعالى ذكره:
فلما قال ذلك عيسى لأمه اطمأنت نفسها، وسلَّمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها.
كما حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: أنساها يعنى مريم كرب البلاء وخوف الناس ما كانت تسمع من الملائكة من البشارة بعيسى، حتى إذا كلَّمها، يعني عيسى، وجاءها مصداق ما كان الله وعدها احتملته ثم أقبلت به إلى قومها.
وقال السديّ في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدّون، فدعوها( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ).
وقوله ( قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فلما رأوا مريم، ورأوا معها الولد الذي ولدته، قالوا لها: يا مريم لقد جئت بأمر عجيب، وأحدثت حدثا عظيما. وكل عامل عملا أجاده وأحسنه فقد فراه، كما قال الراجز:
قَــدْ أَطْعَمَتنِــي دَقَــلا حُجْرِيًّــا
قَــدْ كُــنْتِ تَفْــرِينَ بِـهِ الفَرِيَّـا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى (فَرِيًّا) قال: عظيما.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) قال: عظيما.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) قال: عظيما.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما رأوها ورأوه معها، قالوا: يا مريم ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) : أي الفاحشة غير المقاربة.
------------------------
الهوامش:
(1) في ( اللسان : دقل ) : الدقل من التمر : معروف ، قيل : هو أردأ أنواعه . وفي ( اللسان : فرى ) : التهذيب : ويقال للرجل إذا كان جادًّا في الأمر قويا : تركته يفري الفرى ويقد . والعرب تقول : تركته يفري الفرى : إذا عمل العمل أو السقي فأجاد . . . وأنشد الفراء لزرارة بن صعب يخاطب العامرية :
قَــدْ أطْعَمَتْنِــي دَقَــلا حَوْليًّــا
مُسَوَّسًـــا مُـــدَوَّدًا حَجْرِيًّـــا
قَــدْ كُــنْتِ تَفْــرِينَ بِـهِ الفَرِيَّـا
أي كنت تكثرين في القول وتعظمينه . يقال : فلان يفري الفرى : إذا يأتي بالعجب في عمله .
ثم قال : وفي التنزيل العزيز في قصة مريم : ( لقد جئت شيئا فريا ) . قال الفراء : الفري الأمر العظيم ، أي جئت شيئا عظيما . وقيل : جئت شيئا فريا : أي مصنوعا مختلقا .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فريا:
وقرئ:
1- بسكون الراء، وهى قراءة أبى حيوة.
2- فرئا، بالهمزة، فيما نقل ابن خالويه.
التفسير :
{ يَا أُخْتَ هَارُونَ ْ} الظاهر، أنه أخ لها حقيقي، فنسبوها إليه، وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء وليس هو هارون بن عمران أخا موسى، لأن بينهما قرونا كثيرة{ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ْ} أي:لم يكن أبواك إلا صالحين سالمين من الشر، وخصوصا هذا الشر، الذي يشيرون إليه، وقصدهم:فكيف كنت على غير وصفهما؟ وأتيت بما لم يأتيا به؟. وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض، في الصلاح وضده، فتعجبوا - بحسب ما قام بقلوبهم - كيف وقع منها
أى: ما كان أبوك رجلا زانيا أو معروفا بالفحش وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا أى: تتعاطى الزنا. يقال: بغت المرأة، إذا فجرت وابتعدت عن طريق الطهر والعفاف.
وليس المراد بهارون: هارون بن عمران أخا موسى، وإنما المراد به رجل من قومها معروف بالصلاح والتقوى، فشبهت به، أى: يا أخت هارون في الصلاح والتقوى.
أو المراد به أخ لها كان يسمى بهذا الاسم.
قال الآلوسى ما ملخصه: «وقوله: يا أُخْتَ هارُونَ استئناف لتجديد التعيير، وتأكيد التوبيخ، وليس المراد بهارون أخا موسى بن عمران- عليهما السلام- لما أخرج أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، والطبراني، وابن حبان، وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون:
يا أُخْتَ هارُونَ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» ..
وعن قتادة قال: «هو رجل صالح في بنى إسرائيل. والأخت على هذا بمعنى المشابهة، وشبهوها به تهكّما، أو لما رأوا قبل من صلاحها ... » .
وعلى أية حال فإن مرادهم بقولهم هذا، هو اتهام مريم بما هي بريئة منه، والتعجب من حالها، حيث انحدرت من أصول صالحة طاهرة، ومع ذلك لم تنهج نهجهم.
( يا أخت هارون ) أي : يا شبيهة هارون في العبادة ( ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) أي : أنت من بيت طيب طاهر ، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة ، فكيف صدر هذا منك ؟
قال علي بن أبي طلحة ، والسدي : قيل لها : ( يا أخت هارون ) أي : أخي موسى ، وكانت من نسله كما يقال للتميمي : يا أخا تميم ، وللمضري : يا أخا مضر .
وقيل : نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون ، فكانت تقاس به في العبادة ، والزهادة .
وحكى ابن جرير عن بعضهم : أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم . يقال له : هارون . ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير .
وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم .
حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا المفضل بن فضالة ، حدثنا أبو صخر ، عن القرظي في قول الله عز وجل : ( يا أخت هارون ) قال : هي أخت هارون لأبيه وأمه ، وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى ، ( فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ) [ القصص : 11 ]
وهذا القول خطأ محض ، فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفى بعيسى بعد الرسل ، فدل على أنه آخر الأنبياء بعثا وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا ثبت في الصحيح عند البخاري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أولى الناس بابن مريم ; إلا أنه ليس بيني وبينه نبي " ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي ، لم يكن متأخرا عن الرسل سوى محمد . ولكان قبل سليمان وداود ; فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى ، عليهما السلام في قوله تعالى : ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ) [ البقرة : 246 ] فذكر القصة إلى أن قال : ( وقتل داود جالوت ) الآية [ البقرة : 251 ] ، والذي جرأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر ، وإغراق فرعون وقومه ، قال : وكانت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين ، تضرب بالدف هي والنساء معها يسبحن الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل ، فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى . وهي هفوة وغلطة شديدة ، بل هي باسم هذه ، وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الله بن إدريس ، سمعت أبي يذكره عن سماك ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون : ( يا أخت هارون ) ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم ؟ " .
انفرد بإخراجه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن سماك ، به ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن محمد بن سيرين قال نبئت أن كعبا قال : إن قوله : ( يا أخت هارون ) : ليس بهارون أخي موسى . قال : فقالت له عائشة : كذبت ، قال : يا أم المؤمنين ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة . قال : فسكتت وفي هذا التاريخ نظر .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) قال : كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ، ولا يعرفون بالفساد ، ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به . وكان هارون مصلحا محببا ، في عشيرته ، وليس بهارون أخي موسى ، ولكنه هارون آخر ، قال : وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا ، كلهم يسمى هارون ، من بني إسرائيل .
اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لها: يا أخت هارون، ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله، وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته، فقال بعضهم: قيل لها( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) نسبة منهم لها إلى الصلاح، لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون ، وليس بهارون أخي موسى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) قال: كان رجلا صالحًا في بني إسرائيل يسمى هارون، فشبَّهوها به، فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) قال: كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به، وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته، وليس بهارون أخي موسى، ولكنه هارون آخر. قال: وذُكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا، كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن كعبا قال: إن قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال : يا أمّ المؤمنين، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة، قال: فسكتت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) قال: اسم واطأ اسما، كم بين هارون وبينهما من الأمم أمم كثيرة.
حدثنا أبو كريب وابن المثنى وسفيان وابن وكيع وأبو السائب، قالوا: ثنا عبد الله بن إدريس الأودي، قال: سمعت أبي يذكر عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا لي: ألستم تقرءون ( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) ؟ قلت: بلى وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: " ألا أخْبَرْتَهُمْ أنَّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأنْبِيائِهمْ والصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: أرسلني النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه إلى أهل نجران، فقالوا: أليس نبيك يزعم أن هارون أخو مريم هو أخو موسى؟ فلم أدر ما أردّ عليهم حتى رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: " إنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّون بأسْماءِ مَنْ كانَ قَبْلَهُمْ".
وقال بعضهم: عنى به هارون أخو موسى، ونُسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده، يقال للتميميّ: يا أخا تميم، وللمُضَرِيّ: يا أخا مُضَر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( يَا أُخْتَ هَارُونَ ) قال: كانت من بني هارون أخي موسى، وهو كما تقول: يا أخا بني فلان.
وقال آخرون: بل كان ذلك رجلا منهم فاسقا معلن الفسق، فنسبوها إليه.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه، وأنها نسبت إلى رجل من قومها.
وقوله ( مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ) يقول: ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش ( وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) يقول: وما كانت أمك زانية. كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ( وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) قال: زانية. وقال (وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) ولم يقل: بغيَّة، لأن ذلك مما يوصف به النساء دون الرجال، فجرى مجرى امرأة حائض وطالق، وقد كان بعضهم يشبه ذلك بقولهم: ملحفة جديدة وامرأة قتيل.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فأشارت لهم إليه، أي:كلموه.
وإنما أشارت لذلك، لأنها أمرت عند مخاطبة الناس لها، أن، تقول:{ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} فلما أشارت إليهم بتكليمه، تعجبوا من ذلك وقالوا:{ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ْ} لأن ذلك لم تجر به عادة، ولا حصل من أحد في ذلك السن.
وهنا نجد مريم تبدأ في الدفاع عن نفسها، عن طريق وليدها فَأَشارَتْ إِلَيْهِ.
أى: فأشارت إلى ابنها عيسى، ولسان حالها يقول لهم: وجهوا كلامكم إليه فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر.
ولكنهم لم يقتنعوا بإشارتها بل قالوا لها: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا.
والمهد: اسم للمضطجع الذي يهيأ للصبي في رضاعه. وهو في الأصل مصدر مهده يمهده إذا بسطه وسواه.
أى: كيف نكلم طفلا صغيرا ما زال في مهده وفي حال رضاعه.
والفعل الماضي وهو كانَ هاهنا بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال، كما يدل عليه سياق القصة.
وقوله : ( فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها ، وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية ، وقد كانت يومها ذلك صائمة ، صامتة فأحالت الكلام عليه ، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه ، فقالوا متهكمين بها ، ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم : ( كيف نكلم من كان في المهد صبيا )
قال ميمون بن مهران : ( فأشارت إليه ) ، قالت : كلموه . فقالوا : على ما جاءت به من الداهية تأمرنا أن نكلم من كان في المهد صبيا!
وقال السدي : لما أشارت إليه غضبوا ، وقالوا : لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها .
( قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره ، كيف يتكلم ؟
يقول تعالى ذكره: فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلِّموه.
كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو ، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما قالوا لها مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا قالت لهم ما أمرها الله به، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه، إلى عيسى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) قال: أمرتهم بكلامه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) يقول: أشارت إليه أن كلِّموه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) أن كَلِّموه.
وقوله ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) يقول تعالى ذكره ، قال قومها لها: كيف نكلم من وُجد في المهد؟ وكان في قوله ( مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) معناها التمام، لا التي تقتضي الخبر، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا وإنما معنى ذلك: هل أنا إلا بشر رسول؟ وهل وجدت أو بعثت; وكما قال زهير بن أبي سُلْمَى:
زَجَــرْتُ علَيْــهِ حُــرَّةً أرْحَبِيَّـةً
وَقَـدْ كَـانَ لَـوْنُ اللَّيْـلِ مِثْلَ الأرَنْدَجِ (2)
بمعنى: وقد صار أو وُجد. وقيل: إنه عنى بالمهد في هذا الموضع: حجر أمه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) والمهد: الحجر.
قال أبو جعفر: وقد بينا معنى المهد فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت في ( ديوان زهير بن أبي سلمى . طبعة دار الكتب المصرية بشرح أبي العباس ثعلب ، ص 323 ) ورواية الأصل : أجرت تحريف . وقوله عليه : على ذلك الطريق . وحرة كريمة وأرحبية : منسوبة إلى أرحب ، وأرحب بطن من همدان ، تنسب إليهم النجائب الأرحبية ، وقيل هو موضع . وقال الأزهري : يحتمل أن يكون أرحب فحلا تنسب إليه النجائب لأنها من نسله والأرندج واليرندج : السواد يسود به الخف ، أو هو الجلد الأسود . أي زجرت على هذا الطريق هذه الناقة . والليل أسود مثل الأرندج .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فحينئذ قال عيسى عليه السلام، وهو في المهد صبي:{ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها، أو ابنا للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله{ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ْ} ومدعون موافقته.{ آتَانِيَ الْكِتَابَ ْ} أي:قضى أن يؤتيني الكتب{ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فأخبرهم بأنه عبد الله، وأن الله علمه الكتاب، وجعله من جملة أنبيائه، فهذا من كماله لنفسه
ولكن عيسى- عليه السلام- أنطقه الله- تعالى- بما يدل على صدق مريم وطهارتها فقال: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ.. أى: قال عيسى في رده على المنكرين على أمه إتيانها به:
إنى عبد الله، خلقني بقدرته، فأنا عبده وأنتم- أيضا- عبيده، وهذا الخالق العظيم آتانِيَ الْكِتابَ أى: سبق في قضائه إيتائى الكتاب أى: الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما.
وعبر في هذه الجملة وفيما بعدها بالفعل الماضي عما سيقع في المستقبل، تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع الفعلى.
وهذا التعبير له نظائر كثيرة في القرآن الكريم، منها قوله- تعالى-: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.
وقوله- سبحانه- وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ. ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى. فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .
قال : ( إني عبد الله ) أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأ الله عن الولد ، وأثبت لنفسه العبودية لربه .
وقوله : ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) : تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة .
قال نوف البكالي : لما قالوا لأمه ما قالوا ، كان يرتضع ثديه ، فنزع الثدي من فمه ، واتكأ على جنبه الأيسر ، وقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) إلى قوله : ( ما دمت حيا )
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني : رفع إصبعه السبابة فوق منكبه ، وهو يقول : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) الآية .
وقال عكرمة : ( آتاني الكتاب ) أي : قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد العزيز بن زياد ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه فذلك قوله : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) .
يحيى بن سعيد العطار الحمصي : متروك .
يقول تعالى ذكره: فلما قال قوم مريم لها كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا وظنوا أن ذلك منها استهزاء بهم، قال عيسى لها متكلمًا عن أمه: ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) . وكانوا حين أشارت لهم إلى عيسى فيما ذُكر عنهم غضبوا.
كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما أشارت لهم إلى عيسى غضبوا، وقالوا: لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبيّ أشدّ علينا من زناها قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابهم عيسى عنها فقال لهم ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا )... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ لَهُمُ (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) فقرأ حتى بلغ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا فقالوا: إن هذا لأمر عظيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ لم يتكلم عيسى إلا عند ذلك حين قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
وقوله ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) يقول القائل: أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخلق في بطن أمه فإن معنى ذلك بخلاف ما يظنّ، وإنما معناه: وقضى يوم قضى أمور خلقه إليّ أن يؤتيني الكتاب.
كما حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا الضحاك، يعني ابن مخلد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: قضى أن يؤتيني الكتاب فيما مضى.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: القضاء.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: قضى أن يؤتيني الكتاب.
وقوله ( وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) وقد بيَّنت معنى النبيّ واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وكان مجاهد يقول في معنى النبيّ وحده ما حدثنا به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: النبيّ وحده الذي يكلم وينـزل عليه الوحي ولا يرسل.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ْ} أي:في أي:مكان، وأي:زمان، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه.{ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ْ} أي:أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، أي:فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها، منفذ لها
وقوله: وَجَعَلَنِي نَبِيًّا أدعو الناس إلى عبادته وحده وَجَعَلَنِي أيضا بجانب نبوتي مُبارَكاً أى: كثير الخير والبركة أَيْنَ ما كُنْتُ أى: حينما حللت جعلني مباركا، فأينما شرطية وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه.
وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ أى: بالمحافظة على أدائهما ما دُمْتُ حَيًّا في هذه الدنيا.
وقوله : ( وجعلني مباركا أين ما كنت ) قال مجاهد ، وعمرو بن قيس ، والثوري : وجعلني معلما للخير . وفي رواية عن مجاهد : نفاعا .
وقال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار ، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي ، سمعت وهيب بن الورد مولى بني مخزوم قال : لقي عالم عالما هو فوقه في العلم ، فقال له : يرحمك الله ، ما الذي أعلن من عملي ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده ، وقد أجمع الفقهاء على قول الله : (وجعلني مباركا أين ما كنت ) ، وقيل : ما بركته ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أينما كان .
وقوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 99 ] .
وقال عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك بن أنس في قوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) قال : أخبره بما هو كائن من أمره إلى أن يموت ، ما أثبتها لأهل القدر .
وقوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفاعا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، قال: ثنا العلاء، عن عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) قال: نفاعا.
وقال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي، قال: سمعت وُهَيْب ابن ابن الورد مولى بني مخزوم، قال: لقي عالم عالما لما هو فوقه في العلم، قال له: يرحمك الله، ما الذي أعلن من علمي، قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول الله: ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) وقيل: ما بركته؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان.
وقال آخرون معنى ذلك: جعلني معلم الخير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان في قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلما للخير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد ، قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلمًا للخير حيثما كنت.
وقوله ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ) يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعنى المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب; فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي.
وقوله ( مَا دُمْتُ حَيًّا ) يقول: ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال ، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت عليه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ما دمت:
وقرئ:
1- بضم الدال، وهى قراءة عاصم، وجماعة.
2- بكسر الدال، وهى قراءة أهل المدينة، وابن كثير، وأبى عمرو.
التفسير :
ووصاني أيضا، أن أبر والدتي فأحسن إليها غاية الإحسان، وأقوم بما ينبغي له، لشرفها وفضلها، ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها.
{ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ْ} أي:متكبرا على الله، مترفعا على عباده{ شَقِيًّا ْ} في دنياي أو أخراي، فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا، متواضعا لعباد الله، سعيدا في الدنيا والآخرة، أنا ومن اتبعني.
وقوله: وَبَرًّا بِوالِدَتِي، أى: وجعلني كذلك مطيعا والدتي، وبارا بها، ومحسنا إليها، وَلَمْ يَجْعَلْنِي سبحانه- فضلا منه وكرما جَبَّاراً شَقِيًّا أى: ولم يجعلني مغرورا متكبرا مرتكبا للمعاصي والموبقات.
وقوله : ( وبرا بوالدتي ) أي : وأمرني ببر والدتي ، ذكره بعد طاعة الله ربه ; لأن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين ، كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] وقال ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] .
وقوله : ( ولم يجعلني جبارا شقيا ) أي : ولم يجعلني جبارا مستكبرا عن عبادته وطاعته وبر والدتي ، فأشقى بذلك .
قال سفيان الثوري : الجبار الشقي : الذي يقبل على الغضب .
وقال بعض السلف : لا تجد أحدا عاقا لوالديه إلا وجدته جبارا شقيا ، ثم قرأ : ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) ، قال : ولا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا ، ثم قرأ : ( وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ]
وقال قتادة : ذكر لنا أن امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، في آيات سلطه الله عليهن ، وأذن له فيهن ، فقالت : طوبى للبطن الذي حملك وللثدي الذي أرضعت به ، فقال نبي الله عيسى ، عليه السلام ، يجيبها : طوبى لمن تلا كلام الله ، فاتبع ما فيه ولم يكن جبارا شقيا .
يقول تعالى ذكره: مخبرا عن قيل عيسى للقوم: وجعلني مباركا وبرًّا: أي جعلني برًّا بوالدتي. والبرّ هو البارّ، يقال: هو برّ بوالده، وبارّ به، وبفتح الباء قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار. ورُوِي عن أبي نهيك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن أبي نهيك أنه قرأ ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ) من قول عيسى عليه السلام، قال أبو نهيك: أوصاني بالصلاة والزكاة والبرّ بالوالدين، كما أوصاني بذلك.
فكأنّ أبا نهيك وجه تأويل الكلام إلى قوله ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ) هو من خبر عيسى، عن وصية الله إياه به، كما أن قوله ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ) من خبره عن وصية الله إياه بذلك. فعلى هذا القول يجب أن يكون نصب البرّ بمعنى عمل الوصية فيه، لأن الصلاة والزكاة وإن كانتا مخفوضتين في اللفظ، فإنهما بمعنى النصب من أجل أنه مفعول بهما.
وقوله ( وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) يقول: ولم يجعلني مستكبرًا على الله فيما أمرني به، ونهاني عنه، شقيا، ولكن ذللني لطاعته، وجعلني متواضعا.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه يعني عيسى، كان يقول: سلوني، فإن قلبي ليِّن، وإني صغير في نفسي مما أعطاه الله من التواضع.
وحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) ذكر لنا أن امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى، ويُبرئ الأكمه والأبرص ، في آيات سلطه الله عليهنّ، وأذن له فيهنّ، فقالت: طوبى للبطن الذي حملك، والثدي الذي أرضعت به، فقال نبيّ الله ابن مريم يجيبها : طوبى لمن تلا كتاب الله، واتبع ما فيه ( وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء، عن بعض أهل العلم، قال: لا تجد عاقا إلا وجدته جبارًا شقيا. ثم قرأ ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) قال: ولا تجد سيئ المِلْكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 14 | ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ |
---|
مريم: 32 | ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وبرا:
وقرئ:
بكسر الباء، على حذف مضاف، أي: وذابر، وإما على المبالغة.
التفسير :
فلما تم له الكمال، ومحامد الخصال قال:{ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ْ} أي:من فضل ربي وكرمه، حصلت لي السلامة يوم ولادتي، ويوم موتي، ويوم بعثي، من الشر والشيطان والعقوبة، وذلك يقتضي سلامته من الأهوال، ودار الفجار، وأنه من أهل دار السلام، فهذه معجزة عظيمة، وبرهان باهر، على أنه رسول الله، وعبد الله حقا.
وَالسَّلامُ والأمان منه- تعالى- عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ مفارقا هذه الدنيا وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا للحساب والجزاء يوم القيامة.
فأنت ترى أن عيسى- عليه السلام- قد وصف نفسه بمجموعة من الصفات الفاضلة، افتتحها بصفة العبودية لله رب العالمين، لإرشاد الناس إلى تلك الحقيقة التي لا حق سواها.
واختتمها برجاء الأمان له من الله- تعالى- في كل أطوار حياته.
ثم ختم- سبحانه- هذه القصة ببيان وجه الحق فيها، وأنذر الذين وصفوا عيسى وأمه بما هما بريئان منه بسوء المصير. فقال- تعالى-:
وقوله : ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) : إثبات منه لعبوديته لله عز وجل ، وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق ، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد ، صلوات الله وسلامه عليه
وقوله ( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) يقول: والأمنة من الله عليّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حيا يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) قال: يخبرهم في قصة خبره عن نفسه، أنه لا أب له وأنه سيموت ثم يُبْعث حيا، يقول الله تبارك وتعالى ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 15 | ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ |
---|
مريم: 33 | ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ذلك الموصوف بتلك الصفات، عيسى بن مريم، من غير شك ولا مرية، بل قول الحق، وكلام الله، الذي لا أصدق منه قيلا، ولا أحسن منه حديثا، فهذا الخبر اليقيني، عن عيسى عليه السلام، وما قيل فيه مما يخالف هذا، فإنه مقطوع ببطلانه،.وغايته أن يكون شكا من قائله لا علم له به، ولهذا قال:{ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ْ} أي:يشكون فيمارون بشكهم، ويجادلون بخرصهم، فمن قائل عنه:إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا.
واسم الإشارة ذلِكَ في قوله: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إشارة إلى ما ذكره الله- تعالى- قبل ذلك لعيسى من صفات حميدة، ومن أخبار صادقة وهو مبتدأ، وعيسى خبره، وابن مريم صفته.
ولفظ: قَوْلَ فيه قراءتان سبعيتان إحداهما قراءة الجمهور بضم اللام، والثانية قراءة ابن عامر وعاصم، بفتحها.
وعلى القراءة بالرفع يكون قَوْلَ الْحَقِّ خبر مبتدأ محذوف. فيكون المعنى: ذلك الذي أخبرناك عنه بشأن عيسى وأمه هو قول الحق- عز وجل- وهو قول لا يحوم حوله باطل، ولا يخالطه ريب أو شك. فلفظ الْحَقِّ يصح أن يراد به الله- سبحانه- لأنه من أسمائه، ويصح أن يراد به ما هو ضد الباطل، وهو الصدق والثبوت.
وعلى قراءة النصب يكون لفظ قَوْلَ مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة، أى: ذلك الذي قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- من شأن عيسى ابن مريم، هو القول الثابت الصادق. الذي أقول فيه قول الحق.
والإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته أى: القول الحق، كقوله- تعالى- وَعْدَ الصِّدْقِ أى: الوعد الصدق.
وقوله: الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ بيان لموقف الكافرين من هذا القول الحق الذي ذكره الله- تعالى- عن عيسى وأمه. والَّذِي صفة للقول. أو للحق، ويَمْتَرُونَ يشكون من المرية بمعنى الشك والجدل ...
أى: ذلك الذي ذكرناه لك من خبر عيسى هو القول الحق، الذي شك في صدقه الكافرون، وتنازع فيه الضالون، فلا تلتفت إلى شكهم وكفرهم بل ذرهم في طغيانهم يعمهون.
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : عليه ذلك الذي قصصنا عليك من خبر عيسى ، " قول الحق الذي فيه يمترون " أي : يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به; ولهذا قرأ الأكثرون : " قول الحق " برفع قول . وقرأ عاصم ، وعبد الله بن عامر : ( قول الحق ) .
وعن ابن مسعود أنه قرأ : " ذلك عيسى ابن مريم قال الحق " . والرفع أظهر إعرابا ، ويشهد له قوله تعالى : ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ] .
يقول تعالى ذكره: هذا الذي بيَّنت لكم صفته، وأخبرتكم خبره، من أمر الغلام الذي حملته مريم ، هو عيسى ابن مريم، وهذه الصفة صفته، وهذا الخبر خبره، وهو ( قَوْلَ الْحَقِّ ) يعني أن هذا الخبر الذي قصصته عليكم قول الحقّ، والكلام الذي تلوته عليكم قول الله وخبره، لا خبر غيره، الذي يقع فيه الوهم والشكّ، والزيادة والنقصان، على ما كان يقول الله تعالى ذكره: فقولوا في عيسى أيها الناس، هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود، الذين زعموا أنه لغير رشدة، وأنه كان ساحرًا كذّابا، ولا ما قالته النصارى، من أنه كان لله ولدا، وإن الله لم يتخذ ولدا، ولا ينبغي ذلك له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ ) قال: الله الحقّ.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يقولون في هذا الحرف في قراءة عبد الله، قال: ( الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) ، قال: كلم الله.
ولو وُجِّه تأويل ذلك إلى: ذلك عيسى ابن مريم القول الحقّ، بمعنى ذلك القول الحقّ، ثم حذفت الألف واللام من القول، وأضيف إلى الحقّ ، كما قيل: إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . وكما قيل: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ كان تأويلا صحيحًا.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق ( قَوْلُ الحَقّ ) برفع القول على ما وصفت من المعنى. وجعلوه في إعرابه تابعًا لعيسى، كالنعت له، وليس الأمر في إعرابه عندي على ما قاله الذين زعموا أنه رفع على النعت لعيسى، إلا أن يكون معنى القول الكلمة، على ما ذكرنا عن إبراهيم من تأويله ذلك كذلك، فيصحّ حينئذ أن يكون نعتا لعيسى ، وإلا فرفعه عندي بمضمر، وهو هذا قول الحقّ على الابتداء، وذلك أن الخبر قد تناهى عن قصة عيسى وأمه عند قوله ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) ثم ابتدأ الخبر بأن الحق فيما فيه تمتري الأمم من أمر عيسى، هو هذا القول، الذي أخبر الله به عنه عباده، دون غيره ، وقد قرأ ذلك عاصم بن أبي النجود وعبد الله بن عامر بالنصب، وكأنهما أرادا بذلك المصدر: ذلك عيسى ابن مريم قولا حقا، ثم أدخلت فيه الألف واللام ، وأما ما ذُكر عن ابن مسعود من قراءته ( ذلكَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ قالُ الحقّ) فإنه بمعنى قول الحقّ، مثل العاب والعيب، والذام والذيم.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وأما قوله تعالى ذكره: ( الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) فإنه يعني: الذي فيه يختصمون ويختلفون، من قولهم: ماريت فلانا: إذا جادلته وخاصمته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) امترت فيه اليهود والنصارى; فأما اليهود فزعموا أنه ساحر كذّاب; وأما النصارى فزعموا أنه ابن الله، وثالث ثلاثة، وإله، وكذبوا كلهم، ولكنه عبد الله ورسوله، وكلمته وروحه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، فال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) قال: اختلفوا ؛ فقالت فرفة: هو عبد الله ونبيه، فآمنوا به. وقالت فرقة: بل هو الله. وقالت فرقة: هو ابن الله. تبارك وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرا ، قال: فذلك قوله فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ والتي في الزخرف، قال دِقْيوس ونسطور ومار يعقوب، قال أحدهم حين رفع الله عيسى: هو الله، وقال الآخر: ابن الله، وقال الآخر: كلمة الله وعبده، فقال المفتريان: إن قولي هو أشبه بقولك، وقولك بقولي من قول هذا، فهلمّ فلنقاتلهم، فقاتلوهم وأوطئوهم إسرائيل، فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كلّ قوم عالمهم، فامتروا في عيسى حين رُفِع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض وأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم النسطورية ، فقال الاثنان: كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه، قال: هو ثالث ثلاثة: الله إله، وهو إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى; قال الرابع: كذبت، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته، وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال، فاقتتلوا، فظهر على المسلمين، وذلك قول الله : وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ قال قتادة: هم الذين قال الله: فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ اختلفوا فيه فصاروا أحزابا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
قول الحق:
وقرئ:
1- بالنصب، على المصدر، وهى قراءة زيد بن على، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، وابن أبى إسحاق، والحسن، ويعقوب.
2- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
3- قال، يألف ورفع اللام، وهى قراءة ابن مسعود، والأعمش.
4- قول، بضم القاف والرفع، وهى قراءة الحسن.
قال أبو حيان: وهى مصادر كلها.
5- قال، فعلا ماضيا، ورفع «الحق» ، وهى قراءة طلحة، والأعمش، فى رواية، زائدة. والمعنى: قال الحق، وهو الله، وتكون: «الذي» على هذا، خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو.
تمترون:
1- بتاء الخطاب، وهذه قراءة على، والسلمى، وداود بن أبى هند، ونافع، فى رواية، والكسائي، فى رواية.
وقرئ:
2- بياء الغيبة، وهى قراءة الجمهور.
التفسير :
فــ{ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ْ} أي:ما ينبغي ولا يليق، لأن ذلك من الأمور المستحيلة، لأنه الغني الحميد، المالك لجميع الممالك، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه، ولدا؟!{ سُبْحَانَهُ ْ} أي:تنزه وتقدس عن الولد والنقص،{ إِذَا قَضَى أَمْرًا ْ} أي:من الأمور الصغار والكبار، لم يمتنع، عليه ولم يستصعب{ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ْ} فإذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي، فكيف يكون له ولد؟".وإذا كان إذا أراد شيئا قال له:{ كُن فَيَكُونُ ْ} فكيف يستبعد إيجاده عيسى من غير أب؟!.
ثم نزه- سبحانه- ذاته عن أن يكون له ولد فقال: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ ... أى: ما يصح وما يستقيم وما يتصور في حقه- تعالى- أن يتخذ ولدا، لأنه منزه عن ذلك، لأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد، ويتخذه الضعفاء للنصرة، والله- تعالى- هو الباقي بقاء أبديا، وهو القوى القادر الذي لا يعجزه شيء.
ومِنْ في قوله مِنْ وَلَدٍ لتأكيد هذا النفي وتعميمه.
وفي معنى هذه الآيات جاءت آيات كثيرة منها قوله- تعالى- في هذه السورة: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً.
ثم بين- سبحانه- ما يدل على غناه عن الولد والوالد والصاحب والشريك فقال:
إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أى: لا يتصور في حقه- سبحانه- اتخاذ الولد، لأنه إذا أراد قضاء أمر، فإنما يقول له: كن، فيكون في الحال، بدون تأخير أو تردد.
ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبدا نبيا ، نزه نفسه المقدسة فقال : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ) أي : عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علوا كبيرا ، ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) أي : إذا أراد شيئا فإنما يأمر به ، فيصير كما يشاء ، كما قال تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ]
يقول تعالى ذكره: لقد كفرت الذين قالوا: إن عيسى ابن الله، وأعظموا الفِرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ، ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه فخلقه، وذلك نظير قول عمرو بن أحمر:
فِـي رأسِ خَلْقَـاءَ مِـنْ عَنقاءَ مُشْرِفَةٍ
لا يُبْتَغَــى دُونهـا سَـهْلٌ وَلا جَـبَلُ (3)
وأن من قوله ( أَنْ يَتَّخِذَ ) في موضع رفع بكان. وقوله: (سُبْحَانَهُ) يقول: تنـزيهًا لله وتبرئة له أن يكون له ما أضاف إليه الكافرون القائلون: عيسى ابن الله. وقوله إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يقول جل ثناؤه: إنما ابتدأ الله خلق عيسى ابتداء، وأنشأه إنشاء من غير فحل افتحل أمه، ولكنه قال له ( كُنْ فَيَكُونُ ) لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول، إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه: كن فيكون موجودا حادثا، لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدّة.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت لعمر بن أحمر . ( اللسان : عنق ) قال : وأما قول ابن أحمر :
فِـي رأْسِ خَلْقـاءَ مِـنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ
لا يُبْتَغَــى دُونَهـا سَـهْلٌ وَلا جَـبَلُ
فإنه يصف جبلا ، يقول : لا ينبغي أن يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها . أه . قلت : والخلقاء : الصخرة الملساء . العنقاء : البعيدة في السماء . والمشرفة : العالية . ورواية الشطر الثاني في الأصل * مـا ينبغـي دونها سهل ولا جبل *
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 117 | ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ |
---|
آل عمران: 47 | ﴿قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ |
---|
مريم: 35 | ﴿مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ |
---|
غافر: 68 | ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَـ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أخبر عيسى أنه عبد مربوب كغيره، فقال:{ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ْ} الذي خلقنا، وصورنا، ونفذ فينا تدبيره، وصرفنا تقديره.
{ فَاعْبُدُوهُ ْ} أي:أخلصوا له العبادة، واجتهدوا في الإنابة، وفي هذا الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والاستدلال بالأول على الثاني، ولهذا قال:{ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ْ} أي:طريق معتدل، موصل إلى الله، لكونه طريق الرسل وأتباعهم، وما عدا هذا، فإنه من طرق الغي والضلال.
وقوله- تعالى- وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ.... قرأه ابن عامر والكوفيون بكسر همزة إِنَّ على الاستئناف، أى: وإن عيسى- عليه السلام- قد قال لقومه- أيضا- وإن الله- تعالى- هو ربي وهو ربكم فأخلصوا له العبادة والطاعة، وهذا الذي أمرتكم به هو الصراط المستقيم الذي لا يضل سالكه.
وقرأ الباقون بفتح همزة أن بتقدير حذف حرف الجر أى: وقال عيسى لقومه: ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه ... كما في قوله- تعالى-: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً أى: ولأن المساجد لله..
وقوله : ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي : ومما أمر عيسى به قومه وهو في مهده ، أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربهم وربه ، وأمرهم بعبادته ، فقال : ( فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي : هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم ، أي : قويم ، من اتبعه رشد وهدى ، ومن خالفه ضل وغوى .
وقوله ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وأنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبكُمْ ) واختلف أهل العربية في وجه فتح " أن " إذا فتحت، فقال بعض نحوييّ الكوفة: فُتحت ردّا على عيسى وعطفا عليه، بمعنى: ذلك عيسى ابن مريم، وذلك أن الله ربي وربكم. وإذا كان ذلك كذلك كانت أن رفعا، وتكون بتأويل خفض، كما قال ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ قال: ولو فتحت على قوله (وَأَوْصَانِي) بأن الله، كان وجها. وكان بعض البصريين يقول: وذُكر ذلك أيضًا عن أبي عمرو بن العلاء، وكان ممن يقرؤه بالفتح إنما فتحت أن بتأويل (وَقَضَى) أن الله ربي وربُّكم. وكانت عامّة قرّاء الكوفيين يقرءونه (وَإنَّ الله) بكسر إن بمعنى النسق على قوله ( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ) . وذُكر عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرؤه (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) بغير واو.
قال أبو جعفر: والقراءة التي نختار في ذلك: الكسر على الابتداء. وإذا قرئ كذلك لم يكن لها موضع، وقد يجوز أن يكون عطفا على " إن " التي مع قوله قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ... وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ولو قال قائل، ممن قرأ ذلك نصبا: نصب على العطف على الكتاب، بمعنى: آتاني الكتاب، وأتاني أن الله ربي وربكم، كان وجها حسنا. ومعنى الكلام: وإني وأنتم أيها القوم جميعا لله عبيد، فإياه فاعبدوا دون غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: عهد إليهم حين أخبرهم عن نفسه ومولده وموته وبعثه ( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) أي إني وإياكم عبيد الله، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره.
وقوله ( هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) يقول: هذا الذي أوصيتكم به، وأخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم، الذي من سلكه نجا، ومن ركبه اهتدى، لأنه دين الله الذي أمر به أنبياءه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 51 | ﴿ إِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ |
---|
مريم: 36 | ﴿ وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ |
---|
الزخرف: 64 | ﴿ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وإن:
قرئ:
1- بكسر الهمزة، على الاستئناف، وهى قراءة الجمهور.
2- بالكسر، دون واو، وهى قراءة أبى.
3- بالفتح وواو، على معنى: ولأنه ربى وربكم، وهى قراءة الحرمين، وأبى عمرو.
التفسير :
لما بين تعالى حال عيسى بن مريم الذي لا يشك فيها ولا يمترى، أخبر أن الأحزاب، أي:فرق الضلال، من اليهود والنصارى وغيرهم، على اختلاف طبقاتهم اختلفوا في عيسى عليه السلام، فمن غال فيه وجاف، فمنهم من قال:إنه الله، ومنهم من قال:إنه ابن الله.ومنهم من قال:إنه ثالث ثلاثة.ومنهم من لم يجعله رسولا، بل رماه بأنه ولد بغي كاليهود..وكل هؤلاء أقوالهم باطلة، وآراؤهم فاسدة، مبنية على الشك والعناد، والأدلة الفاسدة، والشبه الكاسدة، وكل هؤلاء مستحقون للوعيد الشديد، ولهذا قال:{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ْ} بالله ورسله وكتبه، ويدخل فيهم اليهود والنصارى، القائلون بعيسى قول الكفر.{ مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ْ} أي:مشهد يوم القيامة، الذي يشهده الأولون والآخرون، أهل السماوات وأهل الأرض، الخالق والمخلوق، الممتلئ بالزلازل والأهوال، المشتمل على الجزاء بالأعمال، فحينئذ يتبين ما كانوا يخفون ويبدون، وما كانوا يكتمون.
ثم بين- سبحانه- موقف أهل الكتاب من عيسى- عليه السلام- فقال: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
والأحزاب جمع حزب والمراد بهم فرق اليهود والنصارى الذين اختلفوا في شأنه- عليه السلام- فمنهم من اتهم أمه بما هي بريئة منه، وهم اليهود كما في قوله: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً.
ومنهم من قال هو ابن الله، أو هو الله، أو إله مع الله، أو هو ثالث ثلاثة ... إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة التي حكاها القرآن عن الضالين وهم النصارى.
ولفظ ويل مصدر لا فعل له من لفظه، وهو كلمة عذاب ووعيد.
ومَشْهَدِ يصح أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الشهود والحضور.
والمعنى: هكذا قال عيسى- عليه السلام- لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ولكن الفرق الضالة من اليهود والنصارى اختلفوا فيما بينهم في شأنه اختلافا كبيرا، وضلوا ضلالا بعيدا، حيث وصفوه بما هو برىء منه، فويل لهؤلاء الكافرين من شهود ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة، حيث سيلقون عذابا شديدا من الله بسبب ما نطقوا به من زور وبهتان.
وعبر عنهم بالموصول في قوله لِلَّذِينَ كَفَرُوا إيذانا بكفرهم جميعا، وإشعارا بعلة الحكم.
قال أبو حيان: «ومعنى: مِنْ بَيْنِهِمْ أن الاختلاف لم يخرج عنهم، بل كانوا هم المختلفين دون غيرهم» .
وجاء التعبير في قوله مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ بالتنكير، للتهويل من شأن هذا المشهد، ومن شأن هذا اليوم وهو يوم القيامة، الذي يشهده الثقلان وغيرهما من مخلوقات الله- تعالى-.
وقوله : ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) أي : اختلفت أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله ، وأنه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فصممت طائفة - وهم جمهور اليهود ، عليهم لعائن الله - على أنه ولد زنية ، وقالوا : كلامه هذا سحر . وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله . وقال آخرون : هو ابن الله ، وقال آخرون : ثالث ثلاثة . وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله . وهذا هو قول الحق ، الذي أرشد الله إليه المؤمنين . وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون ، وابن جريج ، وقتادة ، وغير واحد من السلف والخلف .
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ) ، قال : اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر ، أخرج كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا ، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء - وهم اليعقوبية . فقال الثلاثة : كذبت . ثم قال اثنان منهم للثالث : قل أنت فيه ، قال : هو ابن الله - وهم النسطورية . فقال الاثنان : كذبت . ثم قال أحد الاثنين للآخر : قل فيه . قال : هو ثالث ثلاثة : الله إله ، وهو إله ، وأمه إله - وهم الإسرائيلية ملوك النصارى ، عليهم لعائن الله . قال الرابع : كذبت ، بل هو عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ، وهم المسلمون . فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا ، فاقتتلوا فظهر على المسلمين ، وذلك قول الله تعالى : ( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) [ آل عمران : 21 ] وقال قتادة : وهم الذين قال الله : ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) قال : اختلفوا فيه فصاروا أحزابا
وقد روى ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، وعن عروة بن الزبير ، وعن بعض أهل العلم ، قريبا من ذلك . وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم : أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم ، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا ، فاختلفوا في عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، اختلافا متباينا ، فقالت كل شرذمة فيه قولا فمائة تقول فيه قولا وسبعون تقول فيه قولا آخر ، وخمسون تقول فيه شيئا آخر ، ومائة وستون تقول شيئا ، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم ، اتفقوا على قول وصمموا عليه ومال إليهم الملك ، وكان فيلسوفا ، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم ، فوضعوا له الأمانة الكبيرة ، بل هي الخيانة العظيمة ، ووضعوا له كتب القوانين ، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة ، وحرفوا دين المسيح ، وغيروه ، فابتنى حينئذ لهم الكنائس الكبار في مملكته كلها : بلاد الشام ، والجزيرة ، والروم ، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة ، وبنت أمه هيلانة قمامة على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي تزعم اليهود والنصارى أنه المسيح ، وقد كذبوا ، بل رفعه الله إلى السماء .
وقوله : ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله ، وافترى ، وزعم أن له ولدا . ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة وأجلهم حلما وثقة بقدرته عليهم; فإنه الذي لا يعجل على من عصاه ، كما جاء في الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] وفي الصحيحين أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " . وقد قال الله تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] وقال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ إبراهيم : 42 ] ولهذا قال هاهنا : ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) أي : يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته ، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل "
يقول تعالى ذكره: فاختلف المختلفون في عيسى، فصاروا أحزابا متفرّقين من بين قومه.
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ) قال: أهل الكتاب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ) ذُكر لنا أن لما رُفع ابن مريم، انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأوّل: ما تقول في عيسى؟ قال: هو الله هبط إلى الأرض، فخلق ما خلق، وأحيا ما أحيا، ثم صَعِد إلى السماء، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت اليعقوبية من النصارى; وقال الثلاثة الآخرون: نشهد أنك كاذب، فقالوا للثاني: ما تقول في عيسى؟ قال: هو ابن الله ، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت النَّسطورية من النصارى; وقال الاثنان الآخران: نشهد أنك كاذب، فقالوا للثالث: ما تقول في عيسى؟ قال: هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت الإسرائيلية من النصارى، فقال الرابع: أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه; فاختصم القوم، فقال المرء المسلم: أنشدُكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يَطعم الطعام، وأن الله تبارك وتعالى: لا يطعم الطعام قالوا: اللهمّ نعم، قال: هل تعلمون أن عيسى كان ينام؟ قالوا: اللهمّ نعم ، قال فخصمهم المسلم; قال: فاقتتل القوم. قال: فذُكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنـزل الله في ذلك القرآن إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ) اختلفوا فيه فصاروا أحزابا.
وقوله: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) يقول: فوادي جهنم الذي يدعى ويلا للذين كفروا بالله، من الزاعمين أن عيسى لله ولد، وغيرهم من أهل الكفر به من شهودهم يومًا عظيما شأنه ، وذلك يوم القيامة.
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) شهدوا هولا إذا عظيما.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 37 | ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ |
---|
الزخرف: 65 | ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ْ} أي:ما أسمعهم وما أبصرهم في ذلك اليوم!. فيقرون بكفرهم وشركهم وأقوالهم، ويقولون:{ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ْ} ففي القيامة، يستيقنون حقيقة ما هم عليه.
{ لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ْ} وليس لهم عذر في هذا الضلال، لأنهم بين معاند ضال على بصيرة، عارف بالحق، صادف عنه، وبين ضال عن طريق الحق، متمكن من معرفة الحق والصواب، ولكنه راض بضلاله وما هو عليه من سوء أعماله، غير ساع في معرفة الحق من الباطل، وتأمل كيف قال:{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ْ} بعد قوله{ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ْ} ولم يقل "فويل لهم "ليعود الضمير إلى الأحزاب، لأن من الأحزاب المختلفين، طائفة أصابت الصواب، ووافقت الحق، فقالت في عيسى:"إنه عبد الله ورسوله "فآمنوا به، واتبعوه، فهؤلاه مؤمنون، غير داخلين في هذا الوعيد، فلهذا خص الله بالوعيد الكافرين.
وقوله- سبحانه- أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا ... تهكم بهم، وتوعد لهم بالعذاب الشديد، فهو تأكيد لما قبله.
وأَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ صيغتا تعجب، لفظهما لفظ الأمر، ومعناهما التعجيب، أى حمل المخاطب على التعجيب، وفاعلهما الضمير المجرور بالباء، وهي زائدة فيهما لزوما، والمعنى:
ما أسمع هؤلاء الكافرين وما أبصرهم في ذلك اليوم، لما يخلع قلوبهم، ويسود وجوههم، مع أنهم كانوا في الدنيا صما وعميانا عن الحق الذي جاءتهم به رسلهم.
فالمراد باليوم في قوله لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ هو ما كانوا فيه في الدنيا من ضلال وغفلة عن الحق.
أى: أن هؤلاء القوم ما أعجب حالهم إنهم لا يسمعون ولا يبصرون في الدنيا حين يكون السمع والبصر وسيلة للهدى والنجاة. وهم أسمع ما يكون السمع وأبصر ما يكون البصر، عند ما يكون السمع والبصر وسيلة للخزى والعذاب في الآخرة.
يقول تعالى مخبرا عن الكفار يوم القيامة أنهم أسمع شيء وأبصره كما قال تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] أي : يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئا ، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب ، لكان نافعا لهم ومنقذا من عذاب الله ، ولهذا قال : ( أسمع بهم وأبصر ) أي : ما أسمعهم وأبصرهم ) يوم يأتوننا ) يعني : يوم القيامة ) لكن الظالمون اليوم ) أي : في الدنيا ) في ضلال مبين ) أي : لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون ، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك .
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن حال الكافرين به، الجاعلين له أندادا، والزاعمين أن له ولدا يوم ورودهم عليه في الآخرة: لئن كانوا في الدنيا عميا عن إبصار الحقّ، والنظر إلى حجج الله التي تدلّ على وحدانيته، صما عن سماع آي كتابه ، وما دعتهم إليه رسل الله فيها من الإقرار بتوحيده، وما بعث به أنبياءه، فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم في الآخرة، وأبصرهم يومئذ حين لا ينفعهم الإبصار والسماع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) ذاك والله يوم القيامة، سمعوا حين لا ينفعهم السمع، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر.
حدثنا الحسن، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده، في قوله ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) قال: أسمعُ قومٍ وأبصرُهُم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن ، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: (أسمِعْ) بحديثهم اليوم (وأبْصِرْ) كيف يصنع بهم ( يَوْمَ يَأْتُونَنَا ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) قال: هذا يوم القيامة، فأما الدنيا فلا كانت على أبصارهم غشاوة، وفي آذانهم وقر في الدنيا; فلما كان يوم القيامة أبصروا وسمعوا فلم ينتفعوا، وقرأ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ .
وقوله ( لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: لكن الكافرون الذين أضافوا إليه ما ليس من صفته، وافتروا عليه الكذب اليوم في الدنيا، في ضلال مبين: يقول: في ذهاب عن سبيل الحقّ، وأخذ على غير استقامة، مبين أنه جائر عن طريق الرشد والهدى، لمن تأمله وفكر فيه، فهدي لرشده.
.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 38 | ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَـٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ |
---|
لقمان: 11 | ﴿هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء