29621222324252627

الإحصائيات

سورة الكهف
ترتيب المصحف18ترتيب النزول69
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات110عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول13تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 4/14الحمد لله: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (21) الى الآية رقم (22) عدد الآيات (2)

أهلُ المدينةِ يعلمُونَ حقيقةَ أصحابِ الكهفِ بعدَ أن كشفَ البائعُ نوعَ الدَّراهمِ التي جاءَ بها مبعوثُهم، ليعلمَ النَّاسُ أنَّ وَعْدَ اللهِ بالبعثِ حقٌّ، ثُمَّ بَيَانُ اختلافِ قومِهم في شأنِهِم بعدَ موتِهم، ثُمَّ الاختلافِ في عددِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (23) الى الآية رقم (27) عدد الآيات (5)

من الأدبِ معَ اللهِ أن لا يقول العبدُ سأفعلُ كذا مستقبلاً إلاّ قال بعدَها إن شاءَ اللهُ، ثُمَّ بيانُ مدَّةِ لَبْثِهِم في الكهفِ وهي 309 سنة، والأمرُ بقراءةِ القرآنِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الكهف

العصمة من الفتن/ الزينة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • والآن مع تفصيل أوسع قليلًا::   • قصة أصحاب الكهف (فتنة الدين). • قصة صاحب الجنتين (فتنة المال). • قصة موسى مع الخضر (فتنة العلم). • قصة ذي القرنين (فتنة السلطة).
  • • ما علاقة سورة الكهف بالعصمة من الفتن؟:   • القصة الأولى (أصحاب الكهف): هي قصة شباب آمنوا بالله، لكن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملك ظالم غير مؤمن، فعرضوا إسلامهم على الناس ورفض الناس دعوتهم، وبدأوا بالدعوة إلى الله فكُذِّبوا واضطهدوا، فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف، وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد ناموا في الكهف، ثم استيقظوا بعد 309 سنين، ووجدوا أن الناس جميعًا قد آمنوا وأنهم أصبحوا في مجتمع جديد كله إيمان. • القصة الثانية (صاحب الجنتين): قصة رجل أنعم الله عليه، فنسي واهب النعمة فطغى وتجرأ على ثوابت الإيمان بالطعن والشك. • القصة الثالثة (موسى مع الخضر): عندما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يكل العلم إليه تعالى، فأوحى الله إليه بأن هناك من هو أعلم منه، فارتحل حتى التقي بالخضر، وهناك حدثت 3 مواقف:  السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، وكان سبب ذلك وجود ملك ظالم يسلب كل سفينة صالحة يراها.  الغلام الذي قتله الخضر، وكان سبب ذلك أنه كان سيرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه.  الجدار الذي أقامه الخضر لغلامين يتيمين، وكان تحته كنز مدفون لهما ولو لم يقم الجدار لما حفظ لهما كنزهما.  والرسالة في هذه المواقف: أن يتعلم المؤمن أن الله تعالى يقدر أمورًا قد لا نعلم الحكمة منها والخير المقدر فيها. • القصة الرابعة (ذي القرنين): الملك العادل الذي ينشر الحق والعدل والخير في الأرض، ويملك كل الأسباب المادية التي تسهل له التمكين والنجاح في الحياة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الكهف»، و«سورة أصحاب ‏الكهف».
  • • معنى الاسم ::   الكهف: كالمغارة في الجبل، إلا أنه أوسع منها، فإذا صغر فهو غار.
  • • سبب التسمية ::   لورود ‏قصة ‏أصحاب ‏الكهف فيها، ولم يرد هذا اللفظ إلا في هذه السورة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   كيفية التعامل مع الفتن.
  • • علمتني السورة ::   خطورة الكلمة، فالبعض يطلق الكلام على عواهنه دون النظر في عواقب كلامه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ليؤمنوا؛ حتى يكاد أن يهلك نفسه لذلك: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من الجليس السوء: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
    • عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ؛ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ».
    • عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ اَلْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مُقَامِهِ إَلَى مَكَّة، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْر آياتٍ منْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجُّالُ لَم يُسَلُّطْ عَلَيْهِ».
    • عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الكهف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • يستحب قراءتها يوم الجمعة لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
    • الآيات العشر الأولى من السورة عاصمة لمن حفظها من فتنة المسيح الدجال لحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ.
    • انتصفت عدد كلمات القرآن في هذه السورة، فالكلمة التي تقع في وسط القرآن على مذهب الجمهور هي كلمة ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ( 19).
    • هي إحدى سور خمس بُدِئت بـ «الحمد لله» وهذه السور هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نحذر الفتن، ونحصن أنفسنا منها.
    • أن ننتبه لأقوالنا، فرب كلمة تخرج من الفم ترجح كفة السيئات: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (5).
    • ألا نصرف مشاعرنا وحزننا لمن لا يستحق: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (6).
    • أن نحسن العمل، فالله قال: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (7)، ولم يقل سُبحانه أكثر وأدوم! بل أحسن، أي: إخلاص النية واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
    • أن نلجأ إلى الله ونسأله الرحمة والرشاد دائمًا: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (10).
    • ألا نغتر كثيرًا بصلاح حالنا، وشدة استقامتنا! فالقلوب تتقلب، والقلوب تتفلت، والقلوب تزيغ، والمثبت هو الله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (14).
    • ألا نخوض فيما لا طائل وراءه، فوقت المسلم ثمين، فماذا يزيدنا لو عرفنا عدد الفتية؟ أو أسماءهم؟ أو أعمارهم؟: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ (22)، إنما الفائدة المرجوة في أفعالهم وثباتهم على المبدأ، وفرارهم بدينهم يحافظون عليه، وحذرهم في تصرفاتهم.
    • أن نرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ (24).
    • ألا نستعجل؛ فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى ٣٠٩ سنة!: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ (25).
    • أن نلزم كل تقي نقي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ (28).
    • أن نستعيذ بالله من أن نتكبر بسبب ما وهبنا الله من النعم, ونسأل الله أن يجعلها عونًا لنا على عبادته: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (34).
    • أن نحذر الكبر والخيلاء، وكلما تعالينا واستكبرنا على خلق الله نتذكر: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (37).
    • ألا نجعل المال والبنين مشغلة لنا عن عمل الصالحات: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (46).
    • أن ننتبه لكلماتنا، ونراقب حركاتنا؛ فهناك كتاب: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (49).
    • أن نستخدم الترغيب والترهيب في دعوتنا إلى الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (56).
    • أن نحمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام: ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ (62).
    • أن نربط بين خطئنا وعذرنا؛ لأنه أرفق بصحبتنا: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ (63). • ألا نغتر بعلمنا: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ﴾ (66).
    • أن ننكر المنكر كما أنكر موسى أفعال الخضر عليهما السلام، وظن أنها منكر: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ (71)، ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ (74).
    • ألا نعاندْ، إذا أخطَأنا اعتذرنا: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ (73)، فثقافةُ الاعتذارِ لا يعرفُ قيمتَهَا إلَّا الكبارُ.
    • أن نعمل أعمالًا صالحة يصل نفعها إلى الآخرين: ﴿يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ (77).
    • أن نجتهد في دفع الظلــم عن المظلومين أو الضعفاء: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ (79).
    • ألا نحزن على فوات شيء من الدنيا، فقد أعطاها الله ذا القرنين، وحرمها كثيرًا من الأنبياء وهم أفضل منه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (84).

تمرين حفظ الصفحة : 296

296

مدارسة الآية : [21] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ ..

التفسير :

[21] وكما أنمناهم سنين كثيرة، وأيقظناهم بعدها، أطْلَعنا عليهم أهلَ ذلك الزمان، بعد أن كشف البائع نوع الدراهم التي جاء بها مبعوثهم؛ ليعلم الناس أنَّ وَعْدَ الله بالبعث حق، وأن القيامة آتية لا شك فيها، إذ يتنازع المطَّلِعون على أصحاب الكهف في أمر القيامة:ف

يخبر الله تعالى، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف، وذلك -والله أعلم- بعدما استيقظوا، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما، وأمروه بالاستخفاء والإخفاء، فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس، وزيادة أجر لهم، وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله، المشاهدة بالعيان، على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد، بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم، فمن مثبت للوعد والجزاء، ومن ناف لذلك، فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين، وحجة على الجاحدين، وصار لهم أجر هذه القضية، وشهر الله أمرهم، ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.

و{ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} الله أعلم بحالهم ومآلهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر:

{ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} أي:نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم، وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا:ابنوا عليهم مسجدا، بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم، وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى.

وفي هذه القصة، دليل على أن من فر بدينه من الفتن، سلمه الله منها. وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله، آواه الله، وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب{ وما عند الله خير للأبرار}

فقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها بيان للحكمة التي من أجلها أطلع الله- تعالى- الناس على هؤلاء الفتية.

قال الآلوسى ما ملخصه: وأصل العثور السقوط للوجه، يقال: عثر عثورا وعثارا إذا سقط لوجهه، ومنه قولهم في المثل: الجواد لا يكاد يعثر. ثم تجوز به في الاطلاع على أمر من غير طلبه.

وقال بعضهم: لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثرته، ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان، فهو في ذلك مجاز مشهور بعلاقة السببية.

ومفعول «أعثرنا» محذوف لقصد العموم، أى: وكذلك أطلعنا الناس عليهم،.

والمعنى: وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة، وبعثناهم هذا البعث الخاص، أطلعنا الناس عليهم ليعلم هؤلاء الناس عن طريق المعاينة والمشاهدة، أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث حَقٌّ وصدق وليعلموا كذلك أن الساعة، أى القيامة، آتية لا ريب فيها، ولا شك في حصولها، فإن من شاهد أهل الكهف، وعرف أحوالهم، أيقن بأن من كان قادرا على إنامتهم تلك المدة الطويلة ثم على بعثهم بعد ذلك. فهو قادر على إعادة الحياة إلى الموتى، وعلى بعث الناس يوم القيامة للحساب والجزاء.

وقد ذكروا في كيفية إطلاع الناس عليهم روايات ملخصها: أن زميلهم الذي أرسلوه بالدراهم إلى السوق ليشتري لهم طعاما عند ما وصل إلى سوق المدينة، عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام، فدفع إليه ما معه من نقود لكي يأخذ في مقابلها طعاما، فلما رأى البائع النقود أنكرها- لأنها مصنوعة منذ زمن بعيد- وأخذ يطلع عليها بقية التجار، فقالوا له: أين وجدت هذه الدراهم؟ فقال لهم: بعت بها أمس شيئا من التمر، وأنا من أهل هذه المدينة، وقد خرجت أنا وزملائى إلى الكهف خوفا من إيذاء المشركين لنا، فأخذوه إلى ملكهم وقصوا عليه قصته. فسر الملك به، وذهب معه إلى الكهف ليرى بقية زملائه فلما رآهم سلم عليهم..

ثم أماتهم الله- تعالى-» .

ثم بين- سبحانه- ما كان من أمرهم بعد وفاتهم واختلاف الناس في شأنهم، فقال:

إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ، فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ.

والظرف «إذ» متعلق بمحذوف تقديره: اذكر، و «يتنازعون» من التنازع بمعنى التخاصم والاختلاف، والضمير في «أمرهم» يعود إلى الفتية.

والمعنى: لقد قصصنا عليك- أيها الرسول الكريم- قصة هؤلاء الفتية. وبينا لك أحوالهم عند رقادهم، وبعد بعثهم من نومهم، وبعد الإعثار عليهم، وكيف أن الذين عثروا عليهم صاروا يتنازعون في شأنهم. فمنهم من يقول إنهم وجدوا في زمن كذا، ومنهم من يقول إنهم مكثوا في كهفهم كذا سنة، ومنهم من يقول نبنى حولهم بنيانا صفته كذا.

ويجوز أن يكون الضمير في «أمرهم» يعود إلى الذين أطلعهم الله على الفتية، فيكون المعنى: اذكر وقت تنازع هؤلاء الذين عثروا على الفتية وتخاصمهم فيما بينهم، حيث إن بعضهم كان مؤمنا. وبعضهم كان كافرا، وبعضهم كان يؤمن يبعث الأرواح والأجساد، وبعضهم كان يؤمن ببعث الأجساد فقط.

وقوله- تعالى-: فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً تفسير للمتنازع فيه، وبيان لما قاله بعض الذين اطلعوا على أمر الفتية.

أى اختلف الذين عثروا على الفتية فقال بعضهم: ابنوا على باب كهفهم بنيانا. حتى لا يصل الناس إليهم، وحتى نصونهم من الأذى.

وقوله- تعالى-: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ يحتمل أنه حكاية لكلام طائفة من المتنازعين في شأن أصحاب الكهف، وقد قالوه ليقطعوا النزاع في شأنهم، وليفوضوا أمرهم إلى الله- تعالى-.

ويحتمل أن يكون من كلام الله- تعالى- ردا للخائضين في شأنهم.

أى: اتركوا أيها المتنازعون ما أنتم فيه من تنازع، فإنى أعلم منكم بحال أصحاب الكهف.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً.

أى: أن الذين أعثرهم الله على أصحاب الكهف قال بعضهم: ابنوا على هؤلاء الفتية بنيانا يسترهم.. وقال الذين غلبوا على أمرهم، وهم أصحاب الكلمة النافذة، والرأى المطاع، لنتخذن على هؤلاء الفتية مسجدا، أى: معبدا تبركا بهم.

قال الآلوسى: واستدل بالآية على جواز البناء على قبور الصلحاء، واتخاذ مسجد عليها، وجواز الصلاة في ذلك وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي. وهو قول باطل عاطل، فاسد كاسد. فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» .

وزاد مسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك» .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد..».

ثم حكت السورة بعد ذلك ما أثير من جدل حول عدد أصحاب الكهف وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلم أن يكل ذلك إلى الله- تعالى- وحده، فقال- سبحانه-:

يقول تعالى : ( وكذلك أعثرنا عليهم ) أي : أطلعنا عليهم الناس ( ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها )

ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة . وقال عكرمة : كان منهم طائفة قد قالوا : تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد . فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك .

وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة ، في شراء شيء لهم ليأكلوه ، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة ، حتى انتهى إلى المدينة ، وذكروا أن اسمها دقسوس وهو يظن أنه قريب العهد بها ، وكان الناس قد تبدلوا قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة ، وتغيرت البلاد ومن عليها ، كما قال الشاعر :

أما الديار فإنها كديارهم وأرى رجال الحي غير رجاله

فجعل لا يرى شيئا من معالم البلد التي يعرفها ، ولا يعرف أحدا من أهلها ، لا خواصها ولا عوامها ، فجعل يتحير في نفسه ويقول : لعل بي جنونا أو مسا ، أو أنا حالم ، ويقول : والله ما بي شيء من ذلك ، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة . ثم قال : إن تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي . ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام ، فدفع إليه ما معه من النفقة ، وسأله أن يبيعه بها طعاما . فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضربها ، فدفعها إلى جاره ، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون : لعل هذا قد وجد كنزا . فسألوه عن أمره ، ومن أين له هذه النفقة ؟ لعله وجدها من كنز . ومن أنت ؟ فجعل يقول : أنا من أهل هذه المدينة وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس . فنسبوه إلى الجنون ، فحملوه إلى ولي أمرهم ، فسأله عن شأنه وعن أمره حتى أخبرهم بأمره ، وهو متحير في حاله ، وما هو فيه . فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف متولي البلد وأهلها ، حتى انتهى بهم إلى الكهف ، فقال : دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي ، فيقال : إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه ، وأخفى الله عليهم خبره ويقال : بل دخلوا عليهم ، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم ، وكان مسلما فيما قيل ، واسمه تيدوسيس ففرحوا به وآنسوه بالكلام ، ثم ودعوه وسلموا عليه ، وعادوا إلى مضاجعهم ، وتوفاهم الله - عز وجل - فالله أعلم .

قال قتادة : غزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة ، فمروا بكهف في بلاد الروم ، فرأوا فيه عظاما ، فقال قائل : هذه عظام أهل الكهف ؟ فقال ابن عباس : لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلاثمائة سنة . رواه ابن جرير .

وقوله : ( وكذلك أعثرنا عليهم ) أي : كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيئاتهم ، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان ( ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم ) أي : في أمر القيامة ، فمن مثبت لها ومن منكر ، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم ( فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ) أي : سدوا عليهم باب كهفهم ، وذروهم على حالهم ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا )

حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين : أحدهما : إنهم المسلمون منهم . والثاني : أهل الشرك منهم ، فالله أعلم .

والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ . ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " يحذر ما فعلوا . وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق ، أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده ، فيها شيء من الملاحم وغيرها .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)

يقول تعالى ذكره: وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم ساعة رقدوا، ليتساءلوا بينهم، فيزدادوا بعظيم سلطان الله بصيرة، وبحسن دفاع الله عن أوليائه معرفة ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) يقول: كذلك أطلعنا عليهم الفريق الآخر الذين كانوا في شكّ من قُدرة الله على إحياء الموتى، وفي مِرْية من إنشاء أجسام خلقه، كهيئتهم يوم قبضهم بعد البِلَى، فيعلموا أن وَعْد الله حق، ويُوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) يقول: أطلعنا عليهم ليعلم من كذب بهذا الحديث، أن وعد الله حقّ، وأن الساعة لا ريب فيها.

وقوله: ( إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ )

يعني: الذين أعثروا على الفتية يقول تعالى: وكذلك أعثرنا هؤلاء المختلفين في قيام الساعة، وإحياء الله الموتى بعد مماتهم من قوم تيذوسيس، حين يتنازعون بينهم أمرهم فيما الله فاعل بمن أفناه من عباده، فأبلاه في قبره بعد مماته، أمنشئهم هو أم غير منشئهم ، وقوله ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ) يقول: فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف: ابنوا عليهم بنيانا( رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) يقول: ربّ الفتية أعلم بالفتية وشأنهم ، وقوله: ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه: قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ).

وقد اختلف في قائلي هذه المقالة، أهم الرهط المسلمون، أم هم الكفار؟ وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، وسنذكر إن شاء الله ما لم يمض منه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) قال: يعني عدوّهم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: عمَّى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها، وقال المسلمون: بل نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه، ونعبد الله فيه.

التدبر :

وقفة
[21] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ ما هدف العثور عليهم؟ لتكون آية تغرس اليقين في قلوبهم، فإن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها، كحال من يموت ثم يبعث، ومن توفى نفوسًا وأمسکها ثلاثمائة سنين، ثم أعاد إليها الحياة، قادر على أن يتوفى أرواح الناس إلى أن يردها على أبدانهم يوم القيامة.
وقفة
[21] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ الذي دب الحياة بهؤلاء الفتية بعد 300سنة قادر أن يبعث خلقه من جديد سبحانه.
وقفة
[21] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ في القصة إقامة الحجة على قدرة الله على الحشر وبعث الأجساد من القبور والحساب.
وقفة
[21] ﴿وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ قضاء الله وقدره يُساق إليك لتتعلم وتستوعب وتفهم وتتأمل وتتدبر، فالأمر يقينًا لا يخضع لصدف أو ما شابه ذلك.
وقفة
[21] ﴿وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ لا يسوق الله إلينا القصص للتسليه، حاشاه عز وجل، إنما للإعتبار والتصديق بكيفيه البعث.
وقفة
[21] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ في هذه القصة دليل على أن من فرَّ بدينه من الفتن سلمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب.
وقفة
[21] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ كان الناس يتنازعون في زمانهم: هل تعاد الأرواح دون الأبدان أم تعاد الأرواح والأبدان؟ فجعل الله أمر هؤلاء الفتية آية لإعادة الأبدان، وأعثرعليهم أهل مدينتهم.
اسقاط
[21] ﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ فـبِـمَ ستلقىٰ الله؟
وقفة
[21] ﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ أي لا شكَّ فيه، وهذا مما يُعين على الصبر؛ فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملًا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسَّر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير.
وقفة
[21] ﴿وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها﴾ كيف سيكون البعث؟ سنقوم كما قام أهل الكهف.
وقفة
[21] ﴿فتنازعوا أمرهم بينهم﴾ [طه: 62]، (الواو) الضمير يعود على السحرة؛ فقدَّم (أمرهم) لأن المقصود به موسى وهارون، فهو الأهم، ﴿إذ يتنازعون بينهم أمرهم﴾ (الواو) الضمير يعود على الطوائف المتنازعة في أهل الكهف؛ فقدَّم (بينهم) لأن المقصود به ما وقع بين الطوائف من خلاف في شأن أهل الكهف.
وقفة
[21] ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ واتخاذ المساجد على القبوروالصلاة فيها منهي عنه؛ لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر، أو شبيهٌ بفعل من يعبدون صالحي ملتهم. [19] في قصة أصحاب الكهف تكرر رد العلم إلى الله: ﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾، ﴿رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ [21]، ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [22]، ﴿قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [26]؛ لأن العبرة هو العلم بثباتهم وتبرؤهم مما عليه قومهم، وأما غيره فالجهل به لا يضر.
وقفة
[21] ﴿رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم﴾ لا فائدة ترجى من الجدال.
وقفة
[21] ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ ليست العبرة بكثرة الأصوات والسواد؛ فكما تراهم هنا قد أشركوا.
وقفة
[21] ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ اعلم أنَّ أكثر أهل القبور من الأنبياء والصالحين يكرهون ما يفعل عند قبورهم كل الكراهة؛ فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن سنة ذلك المقبور وطريقته، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه.
وقفة
[21] ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ اتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها، والبناء عليها؛ غير جائز في شرعنا.
وقفة
[21] ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ يظهر أن القائلين بهذا فيهم مسحة من تدين، يريدون تخليد حقيقتهم ببناء المسجد شاهدًا عليهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا:
  • تعرب اعراب وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا» الواردة في الآية التاسعة عشرة. عليهم: جار ومجرور متعلق بأعثرنا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. و «اعثرنا» بمعنى «اطلعنا».
  • ﴿ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. وعد: اسم «ان» منصوب بالفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. حق: خبر «ان» مرفوع بالضمة. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يعلموا بمعنى: ان وعد الله بالبعث بعد الموت حق.
  • ﴿ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. لا: نافية للجنس. ريب: اي بمعنى شك: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. فيها: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» اي بمعنى: آتية لا شك فيها. واسم لا محذوف وجوبا.
  • ﴿ إِذْ يَتَنازَعُونَ:
  • اذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بأعثرنا. اي اعثرنا عليهم حين يتنازعون. يتنازعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.وجملة «يتنازعون» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيتنازع. امر: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» في «بينهم» و «امرهم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. اي امر البعث.
  • ﴿ فَقالُوا:
  • الفاء استئنافية. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. اي قالوا حين توفى الله اصحاب الكهف. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به -مقول القول-.
  • ﴿ ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً:
  • ابنوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.عليهم: اعربت. بنيانا: مفعول به منصوب بالفتحة. اي على باب كهفهم.
  • ﴿ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ:
  • رب: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. اعلم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-افعل-صيغة تفضيل ولانه بوزن الفعل. الباء حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم.
  • ﴿ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. غلبوا: تعرب اعراب قالوا.
  • ﴿ عَلى أَمْرِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بغلبوا. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً:
  • اللام واقعة في جواب قسم مقدر والجملة بعدها: جواب القسم لا محل لها. نتخذن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.عليهم: جار ومجرور متعلق بمفعول «نتخذ» الثاني اي مقامه مقام المفعول الثاني. مسجدا: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى لنتخذن على باب الكهف مسجدا. '

المتشابهات :

الكهف: 21﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ
الحج: 7﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ
غافر: 59﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ
الجاثية: 32﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولَمَّا ذهب رسولُهم ليشتري لهم طعامًا؛ كشفَ البائعُ نوعَ الدَّراهمِ التي جاءَ بها، وعلمَ أهلُ المدينةِ حقيقةَ أصحابِ الكهفِ، ثم بَيَّنَ اللهُ عز و جل الحكمةَ التى من أجلها أطلعَ الناسَ على هؤلاء الفتية، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

غلبوا:
وقرئ:
بضم الغين وكسر اللام، وهى قراءة الحسن، وعيسى الثقفي.

مدارسة الآية : [22] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ ..

التفسير :

[22] سيقول بعض الخائضين في شأنهم من أهل الكتاب:هم ثلاثةٌ، رابعهم كلبهم، ويقول فريق آخر:هم خمسة، سادسهم كلبهم، وكلام الفريقين قول بالظن من غير دليل، وتقول جماعة ثالثة:هم سبعة، وثامنهم كلبهم، قل -أيها الرسول-:ربي هو الأعلم بعددهم، ما يعلم عددهم إلا قليل

يخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف، اختلافا صادرا عن رجمهم بالغيب، وتقولهم بما لا يعلمون، وأنهم فيهم على ثلاثة أقوال:

منهم:من يقول:ثلاثة، رابعهم كلبهم، ومنهم من يقول:خمسة، سادسهم كلبهم. وهذان القولان، ذكر الله بعدهما، أن هذا رجم منهم بالغيب، فدل على بطلانهما.

ومنهم من يقول:سبعة، وثامنهم كلبهم، وهذا -والله أعلم- الصواب، لأن الله أبطل الأولين ولم يبطله، فدل على صحته، وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته، ولا يحصل بمعرفة عددهم مصلحة للناس، دينية ولا دنيوية، ولهذا قال تعالى:

( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ) وهم الذين أصابوا الصواب وعلموا إصابتهم. ( فَلا تُمَارِ ) أي:تجادل وتحاج ( فيهم إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا ) أي:مبنيا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة، وأما المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب، أو التي لا فائدة فيها، إما أن يكون الخصم معاندا، أو تكون المسألة لا أهمية فيها، ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها، كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك، فإن في كثرة المناقشات فيها، والبحوث المتسلسلة، تضييعا للزمان، وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة.

( وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ ) أي:في شأن أهل الكهف ( مِنْهُمْ ) أي:من أهل الكتاب ( أَحَدًا ) وذلك لأن مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن، الذي لا يغني من الحق شيئا، ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى، إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه، وإذا نهي عن استفتاء هذا الجنس، فنهيه هو عن الفتوى، من باب أولى وأحرى.

وفي الآية أيضا، دليل على أن الشخص، قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء، دون آخر. فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره، لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقا، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها.

أى: سيختلف- الناس في عدة أصحاب الكهف- أيها الرسول الكريم- فمن الناس من سيقول إن عدتهم ثلاثة رابعهم كليهم، ومنهم من يقول: إنهم خمسة سادسهم كلبهم.

فالضمير في قوله سَيَقُولُونَ وفي الفعلين بعده. يعود لأولئك الخائضين في قصة أصحاب الكهف وفي عددهم، على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم.

قال الجمل: قيل إنما أتى بالسين في هذا لأن في الكلام طيا وإدماجا تقديره: فإذا أجبتهم عن سؤالهم عن قصة أهل الكهف، فسلهم عن عددهم فإنهم سيقولون ثلاثة.

ولم يأت بها في بقية الأفعال، لأنها معطوفة على ما فيه السين فأعطيت حكمه من الاستقبال.

وقال صاحب الكشاف، فإن قلت: لماذا جاء بسين الاستقبال في الأول دون الآخرين؟.

قلت: فيه وجهان: أن تدخل الآخرين في حكم السين، كما تقول: قد أكرم وأنعم.

تريد معنى التوقع في الفعلين جميعا، وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له.

وقوله، ثلاثة. خبر لمبتدأ محذوف، أى: هم ثلاثة.

وقوله- تعالى-: رَجْماً بِالْغَيْبِ رد على القائلين بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم، وعلى القائلين بأنهم خمسة سادسهم كلبهم.

وأصل الرجم: الرمي بالحجارة، والمراد به هنا: القول بالظن والحدس والتخمين بدون دليل أو برهان.

قال صاحب الكشاف قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ، أى: رميا بالخبر الخفى وإتيانا به.

كقوله وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أى: يأتون به. أو وضع الرجم، موضع الظن فكأنه قيل ظنا بالغيب. لأنهم أكثروا أن يقولوا: رجم بالظن، مكان قولهم: ظن. حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. ألا ترى إلى قول زهير: وما هو عنها بالحديث المرجم.. أى:

المظنون».

وقوله: رَجْماً منصوب بفعل مقدر. والباء في بِالْغَيْبِ للتعدية.

أى: يرمون رميا بالخبر الغائب عنهم، والذي لا اطلاع لهم على حقيقته، شأنهم في ذلك شأن من يرمى بالحجارة التي لا تصيب المرمى المقصود.

ثم حكى- سبحانه- القول الذي هو أقرب الأقوال إلى الصواب فقال: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.

أى: وبعض الناس- وهم المؤمنون- يقولون إن عدد أصحاب الكهف سبعة أفراد وثامنهم كلبهم.

قال ابن كثير: - يقول- تعالى- مخبرا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف.

فحكى ثلاثة أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع. ولما ضعف القولين الأولين بقوله: «رجما بالغيب» .

أى: قول بلا علم، كمن يرمى إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب. وإذا أصاب فبلا قصد، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ دل على صحته، وأنه هو الواقع في نفس الأمر».

وقال الآلوسى ما ملخصه: والجملة الواقعة بعد العدد في قوله- تعالى-: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ في موضع الصفة له، والواو الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة.

كما تدخل في الواقعة حالا عن المعرفة في قولك: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف، ومنه قوله- تعالى-: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ.

وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهي التي أذنت هنا بأن قائلى ما ذكر، قالوه عن ثبات علم، وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم فهو الحق دون القولين الأولين ... .

ثم أمر الله- تعالى- النبي صلّى الله عليه وسلم أن يخبر الخائضين في عدة أصحاب الكهف، بما يقطع التنازع الذي دار بينهم فقال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لمن خاضوا في عدة أصحاب الكهف: ربي- عز وجل- أقوى علما منكم بعدتهم- أيها المتنازعون، فإنكم إن علمتم عنهم شيئا علما ظنيا.

فإن علم ربي بهم هو علم تفصيلي يقيني لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ثم أثبت- سبحانه- علم عددهم لقليل من الناس فقال: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ أى: ما يعلم عدة أصحاب الكهف إلا عدد قليل من الناس.

ولا تعارض بين هذه الجملة وبين سابقتها، لأن علم هذا العدد القليل من الناس بعدة أصحاب الكهف، هو علم إجمالى ظني.. أما علم الله- تعالى- فهو علم تفصيلي يقيني شامل لجميع الأزمنة.

فضلا عن أن علم هؤلاء القلة من الناس بعدة أصحاب الكهف، نابع من إعلام الله- تعالى- لهم عن طريق الوحى كالرسول صلّى الله عليه وسلم أو من يطلعه الرسول صلّى الله عليه وسلم على عدتهم.

قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: أنا من أولئك القليل، كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم.

ثم نهى الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم عن الجدال المتعمق في شأنهم، كما نهاه عن استفتاء أحد في أمرهم فقال- تعالى-: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً.

والمراء: هو الجدال والمحاجة فيما فيه مرية، أى: تردد. مأخوذ من مريت الناقة إذا كررت مسح ضرعها للحلب.

والاستفتاء: طلب الفتيا من الغير. والفاء في قوله فَلا تُمارِ للتفريع.

أى: إذا كان الشأن كما أخبرناك عن حال أصحاب الكهف، فلا تجادل في أمرهم أحدا من الخائضين فيه إلا جدالا واضحا لا يتجاوز حدود ما قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- ولا تطلب الفتيا في شأنهم من أحد، لأن ما قصصناه عليك من خبرهم، يغنيك عن السؤال.

وعن طلب الإيضاح من أهل الكتاب أو من غيرهم.

ثم نهى الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم عن الإخبار عن فعل شيء في المستقبل إلا بعد تقديم مشيئة الله- عز وجل- فقال:

يقول تعالى مخبرا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف ، فحكى ثلاثة أقوال ، فدل على أنه لا قائل برابع ، ولما ضعف القولين الأولين بقوله : ( رجما بالغيب ) أي : قولا بلا علم ، كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه ، فإنه لا يكاد يصيب ، وإن أصاب فبلا قصد ، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله : ( وثامنهم كلبهم ) فدل على صحته ، وأنه هو الواقع في نفس الأمر .

وقوله : ( قل ربي أعلم بعدتهم ) إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى ؛ إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم ، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به ، وإلا وقفنا حيث وقفنا .

وقوله : ( ما يعلمهم إلا قليل ) أي : من الناس . قال قتادة : قال ابن عباس : أنا من القليل الذي استثنى الله - عز وجل - كانوا سبعة . وكذا روى ابن جريج ، عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول : أنا ممن استثنى الله ، ويقول : عدتهم سبعة .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ما يعلمهم إلا قليل ) قال : أنا من القليل ، كانوا سبعة .

فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة ، وهو موافق لما قدمناه .

وقال محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وضح الورق . قال ابن عباس : فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله ، يبكون ويستغيثون بالله ، وكانوا ثمانية نفر : مكسلمينا وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم ، و مجسيميلنينا وتمليخا ومرطونس ، وكشطونس ، وبيرونس ، وديموس ، ويطونس وقالوش .

هكذا وقع في هذه الرواية ، ويحتمل هذا من كلام ابن إسحاق ، ومن بينه وبينه ، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة ، وهو ظاهر الآية . وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران ، وفي تسميتهم بهذه الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته ، والله أعلم ؛ فإن غالب ذلك متلقى من أهل الكتاب ، وقد قال تعالى : ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) أي : سهلا هينا ؛ فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) أي : فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب ، أي من غير استناد إلى كلام معصوم ، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية ، فهو المقدم الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال .

القول في تأويل قوله تعالى : سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)

يقول تعالى ذكره:سيقول بعض الخائضين في أمر الفتية من أصحاب الكهف، هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول بعضهم: هم خمسة سادسهم كلبهم (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) : يقول: قذفا بالظنّ غير يقين علم، كما قال الشاعر:

وأجْعَلُ مِنِّي الحَقَّ غَيْبا مُرَجَّمَا (1)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) : أي قذفا بالغيب.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) قال: قذفا بالظنّ.

وقوله (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) يقول: ويقول بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم.

(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) يقول عزّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقائلي هذه الأقوال في عدد الفتية من أصحاب الكهف رجما منهم بالغيب: (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ) يقول: ما يعلم عددهم (إِلا قَلِيلٌ) من خلقه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) يقول: قليل من الناس.

وقال آخرون: بل عنى بالقليل: أهل الكتاب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: يعني أهل الكتاب ، وكان ابن عباس يقول: أنا ممن استثناه الله، ويقول: عدتهم سبعة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قال ابن عباس: عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وأنا ممن استثنى الله.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: كان ابن عباس يقول: أنا من القليل، هم سبعة وثامنهم كلبهم.

وقوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تمار يا محمد: يقول: لا تجادل أهل الكتاب فيهم، يعني في عدة أهل الكهف، وحُذِفت العِدّة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة السامعين بالمراد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ) قال: لا تمار في عدتهم.

وقوله: (إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) اختلف أهل التأويل في معنى المراء الظاهر الذي استثناه الله، ورخص فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو ما قصّ الله في كتابه أبيح له أن يتلوه عليهم، ولا يماريهم بغير ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تمار فيهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: إلا بما قد أظهرنا لك من أمرهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) : أي حَسْبُك ما قصصنا عليك من شأنهم.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ) قال: حَسْبُك ما قصصنا عليك من شأنهم.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: حَسْبُك ما قصصنا عليك.

وقال آخرون: المِراء الظاهر هو أن يقول ليس كما تقولون، ونحو هذا من القول.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) قال: أن يقول لهم: ليس كما تقولون ، ليس تعلمون عدتهم إن قالوا كذا وكذا فقل ليس كذلك، فإنهم لا يعلمون عدّتهم، وقرأ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) حتى بلغ (رَجْمًا بِالْغَيْبِ).

وقوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) يقول تعالى ذكره: ولا تستفت في عدّة الفتية من أصحاب الكهف منهم، يعني من أهل الكتاب أحدا، لأنهم لا يعلمون عدتهم، وإنما يقولون فيهم رجما بالغيب، لا يقينا من القول.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) قال: هم أهل الكتاب.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) من يهود.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) : من يهود، قال: ولا تسأل يهودَ عن أمر أصحاب الكهف، إلا ما قد أخبرتك من أمرهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) : من أهل الكتاب. كنا نحدّث أنهم كانوا بني الركنا (2) والركنا: ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتفرّدوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على أصمختهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمَّتهم وجاءت أمَّة مسلمة بعدهم، وكان ملكهم مسلما.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(1) هذا عجز بيت لم أقف على قائله . وهو شاهد على أن معنى الرجم معناه: القول بالظن على غير يقين علم . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 398 ) : " رجما بالغيب " : الرجم ما لا تستيقنه . قال : ظن مرجم : لا يدرى : أحق هو أم باطل ؟ قال زهير :

وَمَـا الحَـرْبُ إلا مـا رأيْتُـمْ وَذُقْتُـمُ

وَمَـا هُـوَ عَنْهـا بـالحَدِيثِ المُرَجَّـمِ

( وفي اللسان : رجم ) والرجم : القول بالظن والحدس.

(2) الركنا : كذا بالقصر ، ولعله أصله الركنا بالمد ، جمع ركين ، وهو من الرجال : الوقور الرزين أو القوي بعشيرته وكثرتها.

التدبر :

وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ﴾ من عادة البشر أن يبعث الله لهم الآيات الباهرة والحجج القاهرة، فينصرفون عن ملاحظتها إلى أحاديث جانبية تافهة.
وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ تتحول دماء المصلحين وجهادهم وأيامهم المضنية إلى مجرد أرقام عابرة لدى أصحاب الدنيا.
وقفة
[22] بسبب العلم ورفقة الصالحين يذكر الشيء ولو كان كلبًا، ففي صيد الكلب المعلم: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 4]، وفي رفقة الصالحين: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾.
وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ هكذا هم البشر، ينزل الله الهدايات فيهتمون بالشكليات.
عمل
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ لا تهتم بالشكل وركز على جوهر الموضوع وعبرته، فالقشور لا فائدة منها.
وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ ولم يقل هنا: (رجمًا بالغيب)، بل سكت؛ فهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم؛ لأن الله عندما أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث، صار الثالث صوابًا.
لمسة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ الواو في (وَثَامِنُهُمْ) فيها عدة آراء: 1- أن الواو عاطفة لجملة على جملة أو استئنافية لأن الكلام انتهى، وهي تفيد التوكيد والتحقيق ولا تؤثر في الإعراب. 2- قال المفسرون القدامى أن هذه الواو تدل على أن الذين قالوا أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ومنهم الزمخشري. الواو إذن هي واو الحال ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق بأن هذا القول صحيح، فقد جاء قولان قال: (رجمًا بالغيب): ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾، ثم قال: ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ لم يقل رجمًا بالغيب إذن هذا أبطل القولين، وهذه الواو تدل على التأكيد والاهتمام وأن هذا الأمر هو الصح، هو اليقين لأن الواو يؤتى بها في مواطن الاهتمام والتوكيد والتحقيق. 3- قال بعض النحاة أن هذه الواو هي واو الثمانية، هم يقولون في العدِّ يعدون من واحد إلى سبعة، ثم يقولون: وثمانية، لكن النحاة قالوا هذا قول ضعيف لا يُعبأ به.
وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ ما دام الأمر بالرأي؛ فالثمرة الخلاف.
اسقاط
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾كم ذكر الكلب من مرة فى سورة الكهف! نظرًا لشرف الصحبة، فهل اخترت صحبتك الذين تحب أن تذكر معهم فى الدنيا وتحشر معهم فى الآخرة؟
وقفة
[22] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ لا ذكر في القرآن المجيد للنمر ولا الفهد، وفاز بالذكر كلب؛ لأنه رافق الصالحين، واعتزل في كهف الموحدين.
وقفة
[22] ﴿وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ﴾ ليس كل ما يقال صحيحًا؛ فلا تصدق كل ما تسمع.
وقفة
[22] ﴿ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ و﴿خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم﴾ و﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ بزيادة الواو، لماذا؟ الجواب: من وجهين: الأول: أن الواو عاطفة على فعل مقدر معناه: صدقوا وثامنهم كلبهم. الثاني: أن كل واحد من القولين المتقدمين بعده قول آخر في معناه فكأن الكلام لم ينقض، والثاني غاية ما قيل: وليس بعده قول آخر، فناسب ذلك مجئ الواو العاطفة المشعرة بانقضاء الكلام الأول، والعطف عليه.
وقفة
[22] ﴿رَجْمًا﴾ ليس معناه هنا الرجم بالحجارة، وإنما معناه القول بلا علم أو بالظن.
وقفة
[22] ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ يا طالب العلم: من الأمانة ألا تذكر الأقوال الركيكة دون التعليق على ركاكتها.
وقفة
[22] ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ من حقوق القول الراجح أن يكون آخر ما تذكر ليعلق بالذهن، وأن تميز بينه وبين الأقوال المرجوحة في الأسلوب.
وقفة
[22] ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ مهما بلغ المرء من السوء، صحبة الصالحين ترفعه.
وقفة
[22] ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى؛ إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وقَفْنا.
عمل
[22] ﴿مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ إذا علم الله حقيقتك فلا يضرك أن تكون مجهولًا، إذا رآك الله فلا تكترث بالتهاء الفلاشات الإعلامية بأصحاب الدنيا.
وقفة
[22] ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ هون الله من شأن معرفة عددهم ليعلق النفوس بالعظات والعبر وهذا من أعظم مقاصد القصص في القرآن.
وقفة
[22] ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ دلَّت الآيات على أن المراء والجدال المحمود هو الجدال بالتي هي أحسن.
وقفة
[22] ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ فيه تحريم الجدال بغير علم وبلا حجة ظاهرة.
وقفة
[22] ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ إنَّ كُل جدال لا يُراد به الحق؛ إنما هو زيادة في الفرقة والبغضاء.
وقفة
[22] ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ نهينا عن السؤال عن معلومة لا تنفع، فما بالنا نعكف على قراءة كتب مترعة بكل ما يضر؟!
عمل
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ لا تسأل إلا من تثق بعلمه.
عمل
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ لا تعمد إلى جاهل أو غير متخصص وتأخذ دينك منه.
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ لا تسأل اليهود عن أمر أصحاب الكهف إلا ما قد أخبرناك من أمرهم.
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ هذا في قصة من تاريخهم لم يضبط علماء أهل الكتاب عدد الفتية؛ فكيف إذا كانت القضية من ديننا وقيمنا؟!
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ فيها إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يستفتي من ليس أهلًا للإفتاء، حتى وإن زعم أن عنده علمًا، فلا تستفته إذا لم يكن أهلًا.
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ فيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى؛ إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه.
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ في الآية دليل على أن الشخص قد يكون منهيًّا عن استفتائه في شيء دون آخر، فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره؛ لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقًا، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها.
وقفة
[22] ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ نهت الآية الكريمة عن استفتاء أهل الكتاب في قضية من قضايا مجتمعهم وقصة من تاريخهم, فكيف إذا كانت القضية من ديننا وقيمنا والمُستَفتَي مفكروهم وليس علماؤهم؟! لابد أن تكون أشد نهيًا.
وقفة
[22] لاءات سورة الكهف: 1- لا تجادل: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [22]. 2- لا تستفت من ليس عنده علم: ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ [22]. 3- لا تقولن لشئ أنك فاعله، ولا تخطط لأمر حالى أو مستقبلى دون أن تستثنى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [23، 24]. 4- لا تصرف بصرك عن صحبة الصالحين؛ طمعًا فى زينة الدنيا: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [28]. 5- لا تطع غافلًا عن ذكر الله عز وجل متبعًا هواه: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [28]. 6- لا تستعجل بالسؤال والاستفهام قبل أن يتم محدثك كلامه: ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [70]. 7- لا تكابر عن الإعتذار إن كنت مخطئًا، ولا تمنع الأخرين من الإعتذار إن أخطأوا: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [73]. 8- لا تحمل نفسك أو غيرك ما لا تطيق: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [73]. 9- لا تصاحب من انقطعت بينك وبينه مقومات الصداقة والصحبة الدائمة: ﴿فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا﴾ [76]. 10- لا تشرك بالله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [110].

الإعراب :

  • ﴿ سَيَقُولُونَ:
  • السين: حرف استقبال-تسويف-للقريب. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.والجملة الاسمية بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.اي سيقول المتكلمون في اهل الكهف. وجيء بسين الاستقبال في «يقولون» الاولى دون الآخرين تجنبا للتكرار طالما ان الآخرين داخلون في حكم السين او ان المراد بالمضارع معنى الاستقبال.
  • ﴿ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ:
  • ثلاثة: خبر مبتدأ محذوف بتقدير: هم ثلاثة.رابع: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.كلب: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجملة الاسمية رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» في محل رفع صفة-نعت- لثلاثة.
  • ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها
  • ﴿ رَجْماً بِالْغَيْبِ:
  • بمعنى: ظنا بدون تحقيق او يقين اي رميا بالخبر الخفي واتيانا به. او وضع الرجم موضع الظن. رجما: مفعول مطلق منصوب بالفتحة ويجوز ان يكون حالا من ضمير القول. بالغيب: جار ومجرور متعلق برجما.
  • ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. ودخلت الواو على الجملة الثالثة دون الاوليين لانها آذنت بأن الذين قالوا: سبعة وثامنهم كلبهم. قالوه عن ثبات علم ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم بدليل ان الله سبحانه اتبع القولين الاولين قوله رَجْماً بِالْغَيْبِ» واتبع الثالث قوله ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ». اي ثبت انهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والبتات.
  • ﴿ قُلْ:
  • اي فقل لهم وهو فعل امر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول- ربي: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.اعلم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف-التنوين- على وزن افعل. صيغة تفضيل وعلى وزن الفعل. بعدة: جار ومجرور و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجار والمجرور متعلق بأعلم.
  • ﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ:
  • ما: نافية لا عمل لها. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الا: اداة حصر لا عمل لها. قليل: فاعل «يعلم» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَلا تُمارِ فِيهِمْ:
  • الفاء استئنافية او للتعليل. لا: ناهية جازمة. تمار: اي تجادل: فعل مضارع مجزوم بلام وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة- والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. في: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بتماري بمعنى: فلا تجادل في شأن اهل الكهف ومفعول «تماري» محذوف اي فلا تمار اهل الكتاب في شأن اصحاب الكهف.
  • ﴿ إِلاّ مِراءً ظاهِراً:
  • الا: اداة حصر لا عمل لها. مراء: اي جدالا مفعول مطلق منصوب بالفتحة. ظاهرا: صفة-نعت-لمراء منصوب مثله بالفتحة. بمعنى: إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه.
  • ﴿ وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «احدا».احدا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى ولا تسأل احدا منهم عن قصتهم. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     ولَمَّا انتشرت قصةُ أصحابِ الكهفِ؛ اختلفَ النَّاسُ في عددِهم، قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ثلاثة:
وقرئ:
بإدغام الثاء فى التاء، وهى قراءة ابن محيصن.
خمسة:
وقرئ:
1- بفتح الخاء والميم، وهى لغة، وبها قرأ شبل بن عباد، عن ابن كثير.
2- بكسر الخاء والميم وبإدغام التاء فى السين، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [23] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ..

التفسير :

[23] ولا تقولنَّ لشيء تعزم على فعله:إني فاعل ذلك الشيء غداً

تفسير الآيتين 23 و 24:ـ

هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة،{ إني فاعل ذلك} من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو:الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله{ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهوفيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله:{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول:{ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره.

قال القرطبي: قال العلماء: عاتب الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك.

فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرّجة. وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور إنى أفعل غدا كذا وكذا، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله- عز وجل- حتى لا يكون محققا لحكم الخبر، فإنه إذا قال: لأفعلن ذلك ولم يفعل: كان كاذبا، وإذا قال، لأفعلن ذلك- إن شاء الله- خرج عن أن يكون محققا للمخبر عنه.

والمراد بالغد: ما يستقبل من الزمان، ويدخل فيه اليوم الذي يلي اليوم الذي أنت فيه دخولا أوليا. وعبر عما يستقبل من الزمان بالغد للتأكيد.

أى: ولا تقولن- أيها الرسول الكريم- لأجل شيء تعزم على فعله في المستقبل: إنى فاعل ذلك الشيء غدا، إلا وأنت مقرن قولك هذا بمشيئة الله- تعالى- وإذنه، بأن تقول:

سأفعل هذا الشيء غدا بإذن الله ومشيئته، فإن كل حركة من حركاتك- ومن حركات غيرك- مرهونة بمشيئة الله- تعالى- وإرادته، وما يتعلق بمستقبلك ومستقبل غيرك من شئون، هو في علم الله- تعالى- وحده.

وليس المقصود من الآية الكريمة نهى الإنسان عن التفكير في أمر مستقبله، وإنما المقصود نهيه عن الجزم بما سيقع في المستقبل، لأن ما سيقع علمه عند الله- تعالى- وحده.

والعاقل من الناس هو الذي يباشر الأسباب التي شرعها الله- تعالى- سواء أكانت هذه الأسباب تتعلق بالماضي أم بالحاضر أم بالمستقبل، ثم يقرن كل ذلك بمشيئة الله- تعالى- وإرادته. فلا يقول: سأفعل غدا كذا وكذا لأننى أعددت العدة لذلك، وإنما يقول: سأفعل غدا كذا وكذا إذا شاء الله- تعالى- ذلك وأراد، وأن يوقن بأن إرادة الله فوق إرادته، وتدبيره- سبحانه- فوق كل تدبير.

وكم من أمور أعد الإنسان لها أسبابها التي تؤدى إلى قضائها.. ثم جاءت إرادة الله- تعالى- فغيرت ما أعده ذلك الإنسان، لأنه لم يستشعر عند إعداده للأسباب أن. إرادة الله- تعالى- فوق إرادته، وأنه- سبحانه- القادر على خرق هذه الأسباب، وخرق ما تؤدى إليه، ولأنه لم يقل عند ما يريد فعله في المستقبل، إن شاء الله.

وقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ تأكيد لما قبله أى: لا تقولن أفعل غدا إلا ملتبسا بقول: إن شاء الله، واذكر ربك- سبحانه- إذا نسيت تعليق القول بالمشيئة، أى: عند تذكرك بأنك لم تقرن قولك بمشيئة الله، فأت بها.

قال الآلوسى: قوله وَاذْكُرْ رَبَّكَ أى: مشيئة ربك، فالكلام على حذف مضاف، إذا نسيت، أى: إذا فرط منك نسيان ذلك ثم تذكرته. فهو أمر بالتدارك عند التذكر...

وقال بعض العلماء ما ملخصه: للمفسرين في تفسير قوله- تعالى-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قولان:

الأول- أن هذه الجملة مرتبطة ومتعلقة بما قبلها: والمعنى: إنك إن قلت سأفعل غدا كذا ونسيت أن تقول إن شاء الله، ثم تذكرت بعد ذلك فقل: إن شاء الله.

أى: اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا إذا تذكرت بعد النسيان.

وهذا القول هو الظاهر، لأنه يدل عليه ما قبله، وهو قوله- تعالى-: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً

هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل ، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله - عز وجل - علام الغيوب ، الذي يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه [ قال ] قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين امرأة . وفي رواية : مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقيل له - وفي رواية : فقال له الملك - قل : إن شاء الله . فلم يقل فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لو قال : " إن شاء الله " لم يحنث ، وكان دركا لحاجته " ، وفي رواية : " ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعون

وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لما سئل عن قصة أصحاب الكهف : " غدا أجيبكم " . فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة ، فأغنى عن إعادته .

القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا) (23)

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[23] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ﴾ فيه استحباب تقديم المشيئة.
وقفة
[23] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا﴾ يعني: إذا عزمت على أن تفعل غدًا شيئًا فلا تقل: «أفعل غدًا»، حتى تقول: «إن شاء الله».
عمل
[23] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا﴾ اقرن كل نية أو وعد بمشيئة الله؛ لتكون لك معذرة إن لم تستطع إنجازه، فلا العمر مضمون، ولا القدرة مضمونة.
عمل
[23] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا﴾ أمورك إن لم يقدرها الله لن تقدر عليها، وإن لم ييسرها الله لن تتيسر، فوكل أمرك كله لله.
عمل
[23، 24] إن قلت: «سأفعل غدًا كذا» ونسيت أن تقول: «إن شاء الله»، ثم تذكرت فقل: «إن شاء الله»؛ تأمل: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[23،24] السُّنَّة والأدب الشرعيان يقتضيان تعليق الأمور المستقبلية بمشيئة الله تعالى ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾.
عمل
[23، 24] احرص من اليوم عند كلِّ قولٍ مرتبطٍ بأفعال مستقبلية أن تقَيِّدهُ بقولك: (إن شاء الله تعالى)، ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[23، 24] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾ قال القرطبي: «عاتب الله نبيه ﷺ على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يومًا حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة، وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور إني أفعل غدًا كذا وكذا، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله».
وقفة
[23، 24] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾ التلفظ بهذه الكلمة مندوب في كل عمل، فيه الاستعانة بالله، والاعتراف بقدرته ونفاذ مشيئته.
وقفة
[23، 24] ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ﴾ اﻷدب والسنة تعليق اﻷمور المستقبلية بمشيئة الله.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقولن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: انت. لشيء: جار ومجرور متعلق بتقولن وحذف المضاف واحل المضاف اليه محله. لان التقدير:لاجل شيء تعزم عليه.
  • ﴿ إِنِّي فاعِلٌ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم ان. و «ان» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به-مقول القول-.فاعل: خبر «ان» مرفوع بالضمة
  • ﴿ ذلِكَ غَداً:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به لاسم الفاعل-فاعل-اللام للبعد والكاف حرف خطاب. غدا: ظرف زمان متعلق بفاعل او بفعله منصوب على الظرفية بالفتحة والاشارة الى الشيء.اي «ذلك الشيء». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     وبعد النهي عن الجدل في غيب الماضي؛ جاء هنا النهي عن الحكم على غيب المستقبل وما يقع فيه؛ فالإنسان لا يدري ما يكون في المستقبل حتى يقطع برأي فيه، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [24] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر ..

التفسير :

[24] إلا أن تُعَلِّق قولك بالمشيئة، فتقول:إن شاء الله. واذكر ربك عند النسيان بقول:إن شاء الله، وكلما نسيت فاذكر الله؛ فإن ذِكْرَ الله يُذْهِب النسيان، وقل:عسى أن يوفقني ربي بأن يعطيني من الدلائل على نبوتي ما يكون أقربَ وأظهرَ من قصة أصحاب الكهف في هداي

تفسير الآيتين 23 و 24:ـ

هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة،{ إني فاعل ذلك} من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو:الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله{ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهوفيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله:{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول:{ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره.

إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وهو قول الجمهور.

الثاني: أن هذه الجملة لا تعلق لها بما قبلها، وأن المعنى: إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر ربك، لأن النسيان من الشيطان، كما قال- تعالى- عن فتى موسى: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ....

وعلى هذا القول يكون المراد بالذكر: التسبيح والاستغفار، وعلى الأول المراد به أن تقول: إن شاء الله أو ما يشبه ذلك.

والمقصود من هذه الآية الكريمة بيان أن تعليق الأمور بمشيئة الله- تعالى- هو الذي يجب أن يفعل، لأنه- تعالى- لا يقع شيء إلا بمشيئته فإذا نسى المسلم ثم تذكر، فإنه يقول: إن شاء الله، ليخرج بذلك من عهدة عدم التعليق بالمشيئة، وبذلك يكون قد فوض أمره إلى الله- تعالى-.

وليس المقصود بها التحلل من يمين قد وقعت، لأن تداركها قد فات بالانفصال، ولأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً أى: قدم- أيها الرسول الكريم- مشيئة ربك عند إرادة فعل شيء، وأت بها إذا نسيت ذلك عند التذكر، وقل عسى أن يوفقني ربي ويهديني ويدلني على شيء أقرب في الهداية والإرشاد من هذا الذي قصصته عليكم من أمر أصحاب الكهف.

قال صاحب الكشاف: وقوله: لِأَقْرَبَ مِنْ هذا.. اسم الإشارة يعود إلى نبأ أصحاب الكهف: ومعناه: لعل الله يؤتينى من البينات والحجج على أنى نبي صادق، ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف.

وقد فعل- سبحانه- ذلك، حيث آتاه من قصص الأنبياء، والإخبار بالغيوب، ما هو أعظم من ذلك وأدل،

ثم بين- سبحانه- على وجه اليقين، المدة التي قضاها أصحاب الكهف راقدين في كهفهم، فقال- تعالى-:

وقوله : ( واذكر ربك إذا نسيت ) قيل : معناه إذا نسيت الاستثناء ، فاستثن عند ذكرك له . قاله أبو العالية ، والحسن البصري .

وقال هشيم ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في الرجل يحلف ؟ قال : له أن يستثني ولو إلى سنة ، وكان يقول : ( واذكر ربك إذا نسيت ) في ذلك . قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد ؟ قال حدثني به ليث بن أبي سليم ، يرى ذهب كسائي هذا .

ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، به .

ومعنى قول ابن عباس : " أنه يستثني ولو بعد سنة " أي : إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه " إن شاء الله " وذكر ولو بعد سنة ، فالسنة له أن يقول ذلك ، ليكون آتيا بسنة الاستثناء ، حتى ولو كان بعد الحنث ، قال ابن جرير ، رحمه الله ، ونص على ذلك ، لا أن يكون [ ذلك ] رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة . وهذا الذي قاله ابن جرير ، رحمه الله ، هو الصحيح ، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه ، والله أعلم .

وقال عكرمة : ( واذكر ربك إذا نسيت ) أي : إذا غضبت . وهذا تفسير باللازم .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ) أن تقول : إن شاء الله [ وهذا تفسير باللازم ] .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن الحارث الجبيلي حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد العزيز بن حصين ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ) أن تقول : إن شاء الله .

وروى الطبراني ، أيضا عن ابن عباس في قوله : ( واذكر ربك إذا نسيت ) الاستثناء ، فاستثن إذا ذكرت . وقال : هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه ثم قال : تفرد به الوليد ، عن عبد العزيز بن الحصين .

ويحتمل في الآية وجه آخر ، وهو أن يكون الله - عز وجل - قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى ؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان ، كما قال فتى موسى : ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) [ الكهف : 63 ] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان ، فذكر الله سبب للذكر ؛ ولهذا قال : ( واذكر ربك إذا نسيت ) .

وقوله : ( وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ) أي : إذا سئلت عن شيء لا تعلمه ، فاسأل الله فيه ، وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد [ في ذلك ] وقيل غير ذلك في تفسيره ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)

وهذا تأديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بمشيئة الله، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله.

وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتي قد ذكرناها فيما مضى اللواتي، إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتى حزنه إبطاؤه ، ثم أنـزل الله عليه الجواب عنهنّ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلَّمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عداته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنـزيل، فقال: وَلا تَقُولَنَّ يا محمد لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا كما قلت لهؤلاء الذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل التي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدا( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ). ومعنى الكلام: إلا أن تقول معه: إن شاء الله، فترك ذكر تقول اكتفاء بما ذكر منه، إذ كان في الكلام دلالة عليه ، وكان بعض أهل العربية يقول: جائز أن يكون معنى قوله: ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) استثناء من القول، لا من الفعل كأن معناه عنده: لا تقولنّ قولا إلا أن يشاء الله ذلك القول، وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنـزيل مع خلافه تأويل أهل التأويل.

وقوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: واستثن في يمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك في حال اليمين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن هارون الحربيّ ، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا هشيم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في الرجل يحلف، قال له: أن يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) في ذلك قيل للأعمش سمعته من مجاهد، فقال: ثني به ليث بن أبي سليم، يرى ذهب كسائي (3) هذا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ الاستثناء ، ثم ذكرت فاستثن.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه ، في قوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قال: بلغني أن الحسن، قال: إذا ذكر أنه لم يقل: إن شاء الله، فليقل: إن شاء الله.

وقال آخرون: معناه: واذكر ربك إذا عصيت.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، في قول الله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قال: اذكر ربك إذا عصيت.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، مثله .

وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: واذكر ربك إذا تركت ذكره، لأن أحد معاني النسيان في كلام العرب الترك، وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل.

فإن قال قائل: أفجائز للرجل أن يستثني في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدة من حال حلفه؟ قيل: بل الصواب أن يستثني ولو بعد حِنثه في يمينه، فيقول: إن شاء الله ليخرج بقيله ذلك مما ألزمه الله في ذلك بهذه الآية، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك ، فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال، إلا أن يكون استثناؤه موصولا بيمينه.

فإن قال: فما وجه قول من قال له: ثُنْياه ولو بعد سنة، ومن قال له ذلك ولو بعد شهر، وقول من قال ما دام في مجلسه؟ قيل: إن معناهم في ذلك نحو معنانا في أن ذلك له، ولو بعد عشر سنين، وأنه باستثنائه وقيله إن شاء الله بعد حين من حال حلفه، يسقط عنه الحرج الذي لو لم يقله كان له لازما ، فأما الكفارة فله لازمة بالحِنْث بكلّ حال، إلا أن يكون استثناؤه كان موصولا بالحلف، وذلك أنا لا نعلم قائلا قال ممن قال له الثُّنْيا بعد حين يزعم أن ذلك يضع عنه الكفارة إذا حنِث، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا في ذلك، وأن معنى القول فيه، كان نحو معنانا فيه.

وقوله: ( وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) يقول عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل ولعل الله أن يهديني فيسدّدني لأسدَّ مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون، إن هو شاء.

وقد قيل: إن ذلك مما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الذي هو عنده في أمر مستقبل مع قوله: إن شاء الله، إذا ذكر.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمد، رجل من أهل الكوفة، كان يفسر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عباد، قال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء الله، قال: فتوبته من ذلك، أو كفارة ذلك أن يقول: ( عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ).

-------------------------

الهوامش :

(3) قوله "يرى: ذهب الكسائي هذا " هكذا جاءت هذه العبارة في الجزء الخامس عشر من النسخة المخطوطة رقم 100 الورقة 411 والعبارة غامضة ، ولعل فيها تحريفا.

التدبر :

وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ لو لم يكن في الذِّكر إلا تنشيط الذاكرة لكفى؛ كيف وهو طريق الجنة!
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ الذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده مالم يغلقه العبد بغفلته.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ سبحان الله عدد خلقه، ورِضا نفسه، وزِنة عرشه، ومِداد كلماته، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
عمل
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ انسَ كل شيء، ولكن لا تنسَ الله، انس دنياك، انس أحلامك، انس أفكارك، وفي خضمِّ هذا النسيان تذكر الله.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ذكرُ الله يعين على ثبات العلم وتذكُّره، وذلك لأن نسيان الحق من الشيطان وذكر الله يطرده، (وما أنسانيه إلا الشيطان).
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ذكر الله يُحبه الرحمن، ويُذهب الأحزان، ويملأُ الميزان، ويعالج كثرة النسيان.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ذكر الله هنا يعينك على التذكر، قال كان ابن تيمية: «إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينحلَّ إشكال ما أشكل».
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ذكر الله مفتاح كلِّ عسير.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ حتى النسيان يعرض للإنسان ليذكره ذكر الله.
وقفة
[24] أفضل علاج لتقوية الذاكرة ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾.
وقفة
[24] ومن فوائد كثرة ذكر الله أنها تعين العبد على استرجاع ما غفل عنه ونَسيَه ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ أفضل علاج للنسيان هو الإكثار من ذكر الله ﷻ، ومنه: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
عمل
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ وصية سماوية فلا تحتار، طبِّق مُوقنًا وسترى النتيجة.
وقفة
[24] ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ وتجيء كلمة (عسى) وكلمة (لأقرب) للدلالة على ارتفاع هذا المرتقى, وضرورة المحاولة الدائمة للاستواء عليه في جميع الأحوال.
وقفة
[24] ﴿وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ أي: يهديني ويعينني؛ فلا أنسى أبدًا! فلا أبدأ عملًا إلا بقول: «إن شاء الله».
وقفة
[24] ﴿وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ أعظم الدعاء سؤال الهداية، ولذا أوجبه الله علينا مرارًا كل يوم: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾.
عمل
[24] ﴿وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ وحين يهديك الله، لا تقل هذا الهدى يكفي، اطلب المزيد؛ ليرفع درجتك في الجنة.
عمل
[24] فإذا مررت بدعوة فادع بها لنفسك ﴿عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾، ﴿وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾ [10].

الإعراب :

  • ﴿ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ:
  • إلا: اداة حصر لا عمل لها. ان: حرف مصدرية ونصب. يشاء: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر اي: الا بمشيئة الله والجار والمجرور متعلق بحال بتقدير إلا ملتبسا بمشيئة الله
  • ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ:
  • الواو عاطفة او هي بمعنى الفاء واقعة في جواب شرط‍ مقدم.اذكر: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. ربك: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة والكاف ضمير متصل- للمخاطب-في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ إِذا نَسِيتَ:
  • اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو اداة شرط‍ غير جازم. نسيت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل و مفعولها محذوف بتقدير: اذا نسيت شيئا. وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه. بتقدير: اذا نسيت شيئا فاذكر ربك. وبمعنى؛ اذا نسيت مشيئة ربك فقل ان شاءالله.
  • ﴿ وَقُلْ:
  • معطوفة بالواو على «اذكر» وتعرب اعرابها. وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والجملة بعده في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي:
  • اعربت بتفصيل في الآية الثانية بعد المائة من سورة التوبة. وحذفت ياء المتكلم من «يهدين» اختصارا وهي ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والكسرة دالة عليها.
  • ﴿ لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً:
  • اللام حرف جر. اقرب: صفة-نعت- لمحذوف مجرور باللام بتقدير: لرشد او علم او شيء اقرب مجرور مثله وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف-التنوين-لانه على صيغة أفعل وبوزن الفعل. من: حرف جر. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بأقرب والاشارة الى محذوف يفسره ما سبقه اي المنسي. بمعنى: عسى ربي ان يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي-مشيئة الله-اقرب منه. رشدا: مفعول به ثان ليهديني منصوب بالفتحة. والرشد بفتح الشين هو الرشد بتسكينها بمعنى الهداية. '

المتشابهات :

الكهف: 24﴿وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا
القصص: 22﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     : وبعد نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لأيِّ شيءٍ يعزِمُ على فِعْلِه: إنِّي فاعلٌ ذلك الأمرَ في المُستَقبلِ؛ أمره هنا أن يُعَلِّقَ قولَه بالمشيئة، قال تعالى:
﴿ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [25] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ ..

التفسير :

[25] ومكث الشُّبَّان نياماً في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمريَّة.

لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب، في شأن أهل الكهف، لعدم علمهم بذلك، وكان الله عالم الغيب والشهادة، العالم بكل شيء، أخبره بمدة لبثهم، وأن علم ذلك عنده وحده، فإنه من غيب السماوات والأرض، وغيبها مختص به، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله، فهو الحق اليقين، الذي لا يشك فيه، وما لا يطلع رسله عليه، فإن أحدا من الخلق، لا يعلمه.

أى : أن أصحاب الكهف مكثوا فى كهفهم راقدين ثلاثمائة سنين ، وازدادوا فوق ذلك تسع سنين .

فالآية الكريمة إخبار منه - سبحانه - عن المدة التى لبثها هؤلاء الفتية مضروبا على آذانهم .

هذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان ، وأنه كان مقداره ثلاثمائة [ سنة ] وتسع سنين بالهلالية ، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية ، فإن تفاوت ما بين كل مائة [ سنة ] بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين ؛ فلهذا قال بعد الثلاثمائة : ( وازدادوا تسعا )

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)

اختلف أهل التأويل في معنى قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) فقال بعضهم: ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحة قولهم ذلك بقوله : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) وقالوا: لو كان ذلك خبرا من الله عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) وجه مفهوم، وقد أعلم الله خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) هذا قول أهل الكتاب، فردّه الله عليهم فقال: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ).

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) قال: في حرف ابن مسعود : (وَقَالُوا: وَلَبِثُوا ) يعني أنه قال الناس، ألا ترى أنه قال : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) .

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب عن مطر الورّاق، في قول الله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) قال: إنما هو شيء قالته اليهود، فردّه الله عليهم وقال: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ).

وقال آخرون: بل ذلك خبر من الله عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) قال: عدد ما لبثوا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه، وزاد فيه ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ).

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) قال: وتسع سنين.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني الأجلح، عن الضحاك بن مزاحم، قال: نـزلت هذه الآية (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) فقالوا: أياما أو أشهرا أو سنين؟ فأنـزل الله: ( سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ).

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) قال: بين جبلين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودا إلى أن بعثهم الله، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاثمائة سنين وتسع سنين، وذلك أن الله بذلك أخبر في كتابه ، وأما الذي ذكر عن ابن مسعود أنه قرأ ( وَقَالُوا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) وقول من قال ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ الله ذلك عليهم، فإن معناه في ذلك: إن شاء الله كان أن أهل الكتاب قالوا فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاثمائة سنين وتسع سنين، فردّ الله ذلك عليهم، وأخبر نبيه أن ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه أن بعثهم ليتساءلوا بينهم ، ثم قال جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم بذلك غير الله، وغير من أعلمه الله ذلك.

فإن قال قائل: وما يدلّ على أن ذلك كذلك؟ قيل: الدالّ على ذلك أنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداء، فقال: ) (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) ولم يضع دليلا على أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه، وغير جائز أن يضاف خبره عن شيء إلى أنه خبر عن غيره بغير برهان، لأن ذلك لو جاز جاز في كل أخباره ، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيل فساده.

فإن ظنّ ظانّ أن قوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) دليل على أن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر منه عن قوم قالوه، فإن ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التأويل غيره ، فأما وهو محتمل ما قلنا من أن يكون معناه: قل الله أعلم بما لبثوا إلى يوم أنـزلنا هذه السورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجب أن يكون ذلك دليلا على أن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر من الله عن قوم قالوه، وإذا لم يكن دليلا على ذلك، ولم يأت خبر بأن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر من الله عن قوم قالوه، ولا قامت بصحة ذلك حجة يجب التسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) بتنوين : ثَلَاثَمِائَةٍ ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة ، وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة (ثَلاثَ مِائَةِ سِنِينَ) بإضافة ثلاثمائة إلى السنين: غير منون.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: (ثَلاثَ مِائَةٍ) بالتنوين (سِنِينَ) ، وذلك أن العرب إنما تضيف المئة إلى ما يفسرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم ثلاث مئة درهم، وعندي مئة دينار، لأن المئة والألف عدد كثير، والعرب لا تفسر ذلك إلا بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّى عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير، وأما إذا جاء تفسيرها بلفظ الجمع، فإنها تنوّن، فتقول: عندي ألفٌ دراهمُ، وعندي مئةٌ دنانير، على ما قد وصفت.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[25] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ لا تستعجل: فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى٣٠٩سنين!
لمسة
[25] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ ما الفرق بين العام والسنة؟ العام في الاستعمال القرآني هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر، في قصة نوح: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: 14]، كأن الخمسين عامًا هي الخمسين التي كان مرتاحًا فيها وبقية السنين الـ ٩٥٠ كان في مشقة معهم.
وقفة
[25] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ ذكر السنين للفائدة، وأخفى عددهم لعدم الفائدة؛ لا تتحدث بكل ما تعلم، بل انتق مما تعلم ما يفيد.
عمل
[25] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ لا تستعجل فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى سنوات كثيرة، عليك بالصبر والثبات، واعلم أن نصر الله قادم لا محالة، وأحسن الظن بربك، ولا تغتر بعلو الظالم وانتشار الظلم.
اسقاط
[25] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ تكفل الله بشأنهم أكثر من مائة وتسع آلاف يوم وهم نيام، ونحن مشغولون بيوم واحد، لا تهتم.
عمل
[25] انتظر أهل الكهف ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ ليرو أن المستقبل لهذا الدين يتحقق أمام نواظرهم؛ فلا تستبطئوا نصر الله.
وقفة
[25] ﴿وَازدادوا تِسعًا﴾ التسع سنوات هى الفرق بين التقويم الميلادى والتقويم الهجرى.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ:
  • لواو استئنافية. لبثوا: اي مكثوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. في كهف: جار ومجرور متعلق بلبثوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى: ومكث اهل الكهف احياء في كهفهم مضروبا على آذانهم هذه المدة من السنين.
  • ﴿ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ:
  • ثلاث: نائب عن ظرف الزمان منصوب بالفتحة متعلق بلبثوا: وهو مضاف. مائة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. سنين: عطف بيان لثلاثمائة او بدل من ثلاث ومن المائة. اي بمعنى: لبثوا ثلاثمائة من السنين. والكلمة تعرب بالحروف والحركات. وهنا تعرب بالحرف وهي ملحق بجمع المذكر السالم منصوب او مجرور على التقديرين المذكورين بالياء والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ وَازْدَادُوا تِسْعاً:
  • معطوفة بالواو على «لبثوا» وتعرب اعرابها. تسعا:مفعول به منصوب بالفتحة وقد نون لانقطاعه عن الاضافة اي بحذف المضاف اليه لان المعنى: وازدادوا تسع سنين لان ما قبله يدل عليه. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل أن الفِتيَةَ ظلوا في كهفهم ﴿سِنِينَ عَدَدًا﴾ [الكهف: 11]؛ حَدَّدَ هنا المدَّة، وهي 309 سنة قمريَّة، قال تعالى:
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مائة:
قرئ:
1- بغير تنوين مضافا إلى «سنين» ، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وطلحة، ويحيى، والأعمش، والحسن، وابن أبى ليلى، وخلف، وابن سعدان، وابن عيسى الأصبهانى، وابن جبير الأنطاكى.
2- بالتنوين، وهى قراءة الجمهور.
سنين:
وقرئ:
1- سنة، وهى قراءة أبى، وكذا هى فى مصحف عبد الله.
2- سنون، بالواو، على إضمار: هى سنون، وهى قراءة الضحاك.
تسعا:
وقرئ:
بفتح التاء، وهى قراءة الحسن، وأبى عمرو، فى رواية اللؤلئى.

مدارسة الآية : [26] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ..

التفسير :

[26] وإذا سُئلت -أيها الرسول- عن مدة لبثهم في الكهف، وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله، فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل:الله أعلم بمدة لبثهم، له غيب السموات والأرض، أَبْصِرْ به وأسمع، أي:تعجب مِن كمال بصره وسمعه وإحاطته بكل شيء. ليس للخلق أحد غيره يتولى أمو

وقوله:{ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال:{ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} أي:هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.

{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.

ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب

أى: أن أصحاب الكهف مكثوا في كهفهم راقدين ثلاثمائة سنين، وازدادوا فوق ذلك تسع سنين.

فالآية الكريمة إخبار منه- سبحانه- عن المدة التي لبثها هؤلاء الفتية مضروبا على آذانهم.

وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا تقرير وتأكيد لكون المدة التي لبثوها هي ما سبق بيانه في الآية السابقة.

فكأنه- سبحانه- يقول: هذا هو فصل الخطاب في المدة التي لبثوها راقدين في كهفهم، وقد أعلمك الله- تعالى- بذلك- أيها الرسول الكريم-، وما أعلمك به فهو الحق الصحيح الذي لا يحوم حوله شك، فلا تلتفت إلى غيره من أقوال الخائضين في أمر هؤلاء الفتية، فإن الله- تعالى- هو الأعلم بحقيقة ذلك.

ويرى بعضهم أن قوله- تعالى-: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ حكاية لكلام أهل الكتاب في المدة التي لبثها أهل الكهف نياما في كهفهم، وأن قوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا للرد عليهم.

وقد حكى الإمام ابن كثير القولين. ورجح الأول منهما فقال: هذا خبر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أن أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان. كان مقداره ثلاثمائة سنين وتسع سنين بالهلالية وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد الثلاثمائة وَازْدَادُوا تِسْعاً.

وقال قتادة في قوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ.. وهذا قول أهل الكتاب وقد رده الله- تعالى- بقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا.

وفي هذا الذي قاله قتادة نظر، فإن الذي بأيدى أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ولو كان الله- تعالى- قد حكى قولهم لما قال: وَازْدَادُوا تِسْعاً، وظاهر الآية أنه خبر عن الله لا حكاية عنهم.. .

وقوله- تعالى-: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تأكيد لاختصاصه- عز وجل- بعلم المدة التي لبثوها، أى: له- سبحانه- وحده علم ما خفى وغاب من أحوال السموات والأرض، وأحوال أهلهما، كما قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.

وقوله- سبحانه-: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ صيغتا تعجب: أى: ما أبصره وما أسمعه- تعالى- والمراد أنه- سبحانه- لا يغيب عن بصره وسمعه شيء.

وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره- تعالى- في الإدراك خارج عما عليه إدراك المبصرين والسامعين. إذ لا يحجبه شيء، ولا يتفاوت عنده لطيف وكثيف، وصغير وكبير، وجلى وخفى.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.

أى: ليس لأهل السموات ولا لأهل الأرض ولا لغيرهما غير الله- تعالى- نصير ينصرهم، أو ولى يلي أمرهم. ولا يشرك- سبحانه- في حكمه أو قضائه أحدا كائنا من كان من خلقه. كما قال- تعالى- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

هذا، وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات مسائل منها.

(أ) مكان الكهف الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية، والزمن الذي ظهروا فيه، أما مكان الكهف فللعلماء فيه أقوال: من أشهرها أنه كان بالقرب من مدينة تسمى «أفسوس» وهي من مدن تركيا الآن، قالوا إنها تبعد عن مدينة «أزمير» بحوالى أربعين ميلا، وتعرف الآن باسم: «أيازبوك» .

وقيل: إنه كان ببلدة تدعى «أبسس» - بفتح الهمزة وسكون الباء وضم السين- وهذه البلدة من ثغور «طرسوس» بين مدينة حلب بسوريا، وبلاد أرمينية وأنطاكية.

وقيل: إنه كان ببلدة تسمى «بتراء» بين خليج العقبة وفلسطين.. إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة، التي لا نرى داعيا لذكرها، لقلة فائدتها.

وأما الزمن الذي ظهروا فيه، فيرى كثير من المفسرين أنه كان في القرن الثالث الميلادى في عهد الإمبراطور الرومانى «دقيانوس» الذي كان يحمل الناس حملا على عبادة الأصنام، ويعذب من يخالف ذلك.

(ب) العبر والعظات والأحكام التي تؤخذ من هذه القصة- ومن أهمها:

1- إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، حيث أخبر- عن طريق ما أوحاه الله إليه من قرآن- عن قصة هؤلاء الفتية، وبين وجه الحق في شأنهم ورد على ما خاضه الخائضون في أمرهم، وصدق الله إذ يقول: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ....

2- الكشف عن جانب من بلاغة القرآن الكريم في قصصه، حيث ساق هذه القصة مجملة في الآيات الأربع الأولى منها، ثم ساقها مفصلة بعد ذلك تفصيلا حكيما. وفي ذلك ما فيه من تمكن أحداثها وهداياتها في القلوب.

والمرشد العاقل هو الذي ينتفع بهذا الأسلوب القرآنى في وعظه وإرشاده.

3- بيان أن الإيمان متى استقر في القلوب، هان كل شيء في سبيله. فهؤلاء الفتية آثروا الفرار بدينهم، على البقاء في أوطانهم، لكي تسلم لهم عقيدتهم.. فهم كما قال- سبحانه- في شأنهم: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً.

4- بيان أن على المؤمن أن يلجأ إلى الله بالدعاء- لا سيما عند الشدائد والكروب، وأنه متى اتقى الله- تعالى- وأطاعه، جعل له- سبحانه- من كل ضيق فرجا، ومن كل هم مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وصانه من السوء.

فهؤلاء الفتية عند ما لجئوا إلى الكهف، تضرعوا إلى الله بقولهم: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً.

فأجاب الله دعاءهم، حيث ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، وجعل الشمس لا تصل إليهم مع أنهم في فجوة من الكهف، وصان أجسادهم من البلى والتعفن بأن قلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وأنام كلبهم بعتبة باب الكهف حتى لكأنه حارس لهم: وألقى الهيبة عليهم بحيث لو رآهم الرائي لولى منهم فرارا. ولملئ قلبه رعبا من منظرهم.

وسخر أصحاب النفوذ والقوة للدفاع عنهم. وللتعبير عن تكريمهم لهم بقولهم: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً.

5- بيان أن التفكير السليم- المصحوب بالنية الطيبة والعزيمة الصادقة، يؤدى إلى الاهتداء إلى الحق، وأن القلوب النقية الطاهرة تتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. وأن فضح الباطل والكشف عن زيفه.. دليل على سلامة اليقين.

فهؤلاء الفتية اجتمعوا على الحق، وربط الله على قلوبهم إذ قاموا للوقوف في وجه الباطل، وهداهم تفكيرهم السليم إلى أن المستحق للعبادة هو ربهم رب السموات والأرض، وأن من يعبد غيره يكون قد افترى على الله كذبا.

وأن اعتزال الكفر يوصل إلى نشر الرحمة، والظفر بالسداد والتوفيق. ولذا تواصوا فيما بينهم بقولهم: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً.

6- بيان أن مباشرة الأسباب المشروعة لا تنافى التوكل على الله.

فهؤلاء الفتية عند ما خرجوا من ديارهم، أخذوا معهم بعض النقود، وبعد بعثهم من رقادهم أرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعاما طاهرا حلالا، وأوصوه بالتلطف في أخذه وعطائه وبكتمان أمره وأمرهم حتى لا يعرف الأعداء مكانهم.

وهكذا العقلاء، لا يمنعهم توكلهم على الله- تعالى- من أخذ الحيطة والحذر في كل شئونهم التي تستدعى ذلك.

7- إقامة أوضح الأدلة وأعظمها على أن البعث حق. فقد أطلع الله- تعالى- الناس على هؤلاء الفتية، ليوقنوا بأنه- سبحانه- قادر على إحياء الموتى.. لأن من يقدر على بعث الراقدين من رقادهم بعد مئات السنين، فهو قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.

8- بيان أن من الواجب على المؤمن إذا أراد فعل شيء أن يقرن ذلك بمشيئة الله- تعالى- لأنه- سبحانه- بيده الأمر كله، وصدق الله إذ يقول: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.

هذه بعض العظات والأحكام التي ترشدنا إليها هذه القصة، وقد ذكرنا جانبا آخر منها خلال تفسيرنا للآيات التي اشتملت عليها. ومن أراد المزيد فليرجع إلى ما كتبه المفسرون في ذلك .

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بمداومة التلاوة لما أوحاه إليه- سبحانه-، فإن فيه فصل الخطاب وبالحفاوة بالمؤمنين الصادقين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى، وبإعلان كلمة الحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فقال- تعالى-:

وقوله : ( قل الله أعلم بما لبثوا ) أي : إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [ علم ] في ذلك وتوقيف من الله عز وجل فلا تتقدم فيه بشيء ، بل قل في مثل هذا : ( الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ) أي : لا يعلم ذلك إلا هو أو من أطلعه الله عليه من خلقه ، وهذا الذي قلناه ، عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .

وقال قتادة في قوله : ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) هذا قول أهل الكتاب ، وقد رده الله تعالى بقوله : ( قل الله أعلم بما لبثوا ) قال : وفي قراءة عبد الله : " وقالوا : ولبثوا " ، يعني أنه قاله الناس

وهكذا قال - كما قال قتادة - مطرف بن عبد الله .

وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر ، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ، يعنون بالشمسية ، ولو كان الله قد حكى قولهم لما قال : ( وازدادوا تسعا ) وظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله ، لا حكاية عنهم . وهذا اختيار ابن جرير ، رحمه الله . ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة ، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها ، والله أعلم .

وقوله : ( أبصر به وأسمع ) أي : إنه لبصير بهم سميع لهم .

قال ابن جرير : وذلك في معنى المبالغة في المدح ، كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .

ثم روي عن قتادة في قوله : ( أبصر به وأسمع ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع .

وقال ابن زيد : ( أبصر به وأسمع ) يرى أعمالهم ، ويسمع ذلك منهم ، سميعا بصيرا .

وقوله : ( ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ) أي : أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر ، الذي لا معقب لحكمه ، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير ، تعالى وتقدس .

القول في تأويل قوله : ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يخفى عليه شيء ، يقول: فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السماوات والأرض، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار.

وقوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يقول: أبصر بالله وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه.

وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكلّ موجود، وأسمعه لكلّ مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع، تبارك وتعالى!.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) قال: يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا.

وقوله: ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) يقول جلّ ثناؤه: ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم وليّ ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون.

( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) يقول: ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ.

التدبر :

وقفة
[26] أثنى الله على علمه ثناء يناسب سعة العلم الرباني: ﴿قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾، ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾، بعد بيان تفاصيل قصة أهل الكهف.
وقفة
[26] ﴿قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ العاطفة والحماس في عمل الخير لا يكفيان؛ فلا بد من التقيد بأحكام الشرع؛ فبناء المساجد على القبور محرم .
وقفة
[26] ﴿أَبْصِرْ بِهِ﴾ سبحانك أبصرتهم وهم هاربون، وهم نائمون، وهم يتقلبون، وهم يستيقظون! والناس من حالهم مندهشون.
وقفة
[26] ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾: تعجب لتعظيم علمه، أي: ما أبصره لكل موجود! وما أسمعه لكل مسموع! وقدم البصر؛ لمناسبة حال أهل الكهف إذ هو يبصرهم ويراهم، فلا يحزن المضطر.
وقفة
[26] ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال ابن جرير: «وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وما أسمعه»، قال قتادة: «فلا أبصر من الله ولا أسمع».
وقفة
[26] ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن: 1- السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ، لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه، أما فاقد السمع فيصعب تبليغه. 2- مدى السمع أقل من مدى البصر، فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه. 3- السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. وهنا قدَّم البصر على السمع لأن مسألة البصر هنا أهم من السمع، فالكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم، ولجؤوا إلى ظلمة الكهف؛ لكيلا يراهم أحد، لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف، وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم.
وقفة
[26] ما معنى قوله تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾؟ الجواب: أي أنه لبصير بهم سميع لهم، وقيل: ما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع! لا يخفى عليه من ذلك شيء، وعن قتادة: «لا أحد أبصر من الله ولا أسمع».
وقفة
[26] ﴿وَأَسْمِعْ﴾ سبحانك سمعتهم وهم يعلنون الوحدانية، وهم يدعونك، وهم يهمهمون خوفًا، وهم يتحاورون حول الطعام الزكي، وهم يقولون: وليتلطف.
وقفة
[26] ﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يا فوز فتية أهل الكهف بتحقيق التوكل! فقلوبهم ليس فيها أحد إلا الله, ويا فوزهم باطلاعه على قلوبهم! وعلى قدر توكل العبد على ربه تكون إعانة ربة له, ومن فوائد الاضطرار: تحقيق التوكل, فمن فاتة فقد خسر خسرانًا مبينًا.
وقفة
[26] يا فوز فتية أهل الكهف بتحقيق التوكل: ﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ﴾، فقلوبهم ليس فيها أحد إلا الله، ويا فوزهم باطلاعه على قلوبهم.
وقفة
[26] ﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ الولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به؛ فالإيمان سبب يوالي به المؤمنون ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثوابَ والنصر والإعانة.

الإعراب :

  • ﴿ قُلِ:
  • فعل امر مبني على السكون وكسر آخره. وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. اي فقل لمن يجادل فيهم.والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول
  • ﴿ اللهُ أَعْلَمُ:
  • لفظ‍ الجلالة مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. اعلم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وهو ممنوع من الصرف صيغة تفضيل.
  • ﴿ بِما لَبِثُوا:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية. لبثوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. و «ما» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء.والجار والمجرور متعلق بأعلم. بتقدير: الله اعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم. وجملة «لبثوا» بمعنى «مكثوا» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • له: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. غيب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات: مضاف اليه مجرور بالكسرة. والارض: معطوفة بالواو على «السموات» مجرورة مثلها بالكسرة.
  • ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ:
  • أبصر: معناه التعجب: فعل ماض اتى على صيغة الامر «شذوذا» مبني على الفتح المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة السكون العارض المأتي بها لتناسب صيغة الامر. الباء: حرف جر للتعجب. والهاء ضمير متصل مجرور لفظا مبني على الكسر في محل رفع محلا لانه فاعل «ابصر» بمعنى: ما ابصره بما يحدث في ملكه. واسمع: معطوفة بالواو على «ابصر» وتعرب اعرابها. بمعنى: وما اسمعه لما يدور من الكلام بين الناس بشأنه!
  • ﴿ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ:
  • ما: نافية لا محل لها. اللام: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.من دونه: جار ومجرور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. من:حرف جر زائد. ولي: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لانه مبتدأ مؤخر. اي من متول لامورهم. و مِنْ دُونِهِ» متعلق بحال من «وليّ» لأنه متعلق أصلا بصفة محذوفة منه وقدم عليه.
  • ﴿ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً:
  • الواو عاطفة. لا: نافية لا عمل لها.يشرك: فعل مضارع مرفوع بالضمة. في حكمه: جار ومجرور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. احدا: مفعول به منصوب بالفتحة. اي بمعنى: احدا منهم. وفاعل «يشرك» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.والضمير فى «لهم» لاهل السموات والارض. و فِي حُكْمِهِ» متعلق ببشرك. '

المتشابهات :

الكهف: 26﴿قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا
مريم: 38﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَـٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     وبعد بيان مدة لبثهم في الكهف؛ أشارَ اللهُ عز و جل هنا إلى اختصاصه تعالى بعلم ما لبثوا دون غيره، قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أبصر ... وأسمع:
قرئا:
على الخبر، فعلين ماضيين، لا على التعجب، وهى قراءة عيسى.
يشرك:
قرئ:
1- بالياء على النفي، وهى قراءة الجمهور.
2- بالياء والجزم، وهى قراءة مجاهد.
قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
3- بالتاء والجزم، على النهى، وهى قراءة ابن عامر، والحسن، وأبى رجاء، وقتادة، والجحدري، وأبى حيوة، وزيد، وحميد بن وزير، عن يعقوب، والجعفي، واللؤلئي، عن بكر.

مدارسة الآية : [27] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن ..

التفسير :

[27] واتل -أيها الرسول- ما أوحاه الله إليك من القرآن، فإنه الكتاب الذي لا مبدِّل لكلماته لصدقها وعدلها، ولن تجد من دون ربك ملجأً تلجأ إليه، ولا مَعاذاً تعوذ به.

التلاوة:هي الاتباع، أي:اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي:لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية{ وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه.

{ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي:لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ.. اعلم أن من هذه الآية إلى قصة موسى- عليه السلام- والخضر، كلام واحد في قصة واحدة وذلك أن أكابر كفار قريش احتجوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء.. فنهاه الله عن طردهم لأنه مطلوب فاسد.. ثم إنه- سبحانه- أمره بالمواظبة على تلاوة كتابه، وأن لا يلتفت إلى اقتراح المقترحين، وتعنت المتعنتين .

قوله- سبحانه-: وَاتْلُ ... فعل أمر من التلاوة بمعنى القراءة.

أى: وعليك أيها الرسول الكريم- أن تواظب وتداوم على قراءة ما أوحيناه إليك من هذا القرآن الكريم، وأن تتبع إرشاداته وتوجيهاته، فإن في ذلك ما يهديك إلى الطريق الحق، وما يغنيك عن السؤال والاستفتاء، قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً، يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ.

وصيغة الأمر في قوله- سبحانه-: وَاتْلُ.. لإبقاء الفعل لا لإيجاده، كما في قوله- تعالى-: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.

و «من» في قوله مِنْ كِتابِ رَبِّكَ بيانية.

وقوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أى: ليس في هذا الكون أحد في إمكانه أن يغير أو يبدل شيئا من الكلمات التي أوحاها الله- تعالى- إليك- أيها الرسول الكريم-، لأننا قد تكفلنا بحفظ هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك.

قال- تعالى-: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

وأحكامها عدل، وإنما الذي يقدر على التغيير والتبديل هو الله- تعالى- وحده.

والضمير في «كلماته» يعود على الله- تعالى-، أو على الكتاب.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً.

وأصل الملتحد: مكان الالتحاد وهو افتعال من اللحد بمعنى الميل. ومنه اللحد في القبر، لأنه ميل في الحفر. ومنه قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا.. أى: يميلون في آياتنا.

فالمراد بالملتحد: المكان الذي يميل فيه إلى ملجأ للنجاة.

والمعنى: وداوم أيها الرسول الكريم على تلاوة ما أوحيناه إليك من كتابنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واعلم أنك إن خالفت ذلك لن تجد غير الله- تعالى- ملجأ تلجأ إليه، أو مأوى تأوى إليه، لكي تنجو مما يريده بك.

فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير الشديد- في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من يقصر في تلاوة كتاب الله، أو يحاول التبديل في ألفاظه ومعانيه.

يقول تعالى آمرا رسوله [ عليه الصلاة والسلام ] بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس : ( لا مبدل لكلماته ) أي : لا مغير لها ولا محرف ولا مؤول .

وقوله : ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) [ عن مجاهد : ( ملتحدا ) قال : ملجأ . وعن قتادة : وليا ولا مولى ] قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ، فإنه لا ملجأ لك من الله " . كما قال تعالى : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ] ، وقال تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) [ القصص : 85 ] أي : سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واتبع يا محمد ما أنـزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركنّ تلاوته، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه، والعمل بحلاله وحرامه، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) يقول: لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنـزلها عليك أهل معاصيه، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك.

وقوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) يقول: وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (مُلْتَحَدًا) قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان ، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (مُلْتَحَدًا) قال: مَلْجَأ.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُلْتَحَدًا) قال: ملجأ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال: موئلا.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة، في قوله: (مُلْتَحَدًا) قال: ملجأ ولا موئلا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال: لا يجدون ملتحدا يلتحدونه، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم ، والملتحد: إنما هو المفتعل من اللحد، يقال منه: لحدت إلى كذا: إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد: لحد، لأنه في ناحية من القبر، وليس بالشق الذي في وسطه، ومنه الإلحاد في الدين، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾ قال النووي: «يستحب لتالي القرآن إذا كان منفردًا أن يكون ختمه في الصلاة، ويستحب أن يكون ختمة أول الليل أو أول النهار، وروى الدارمي في سننه عن سعد بن أبي وقاص t: إذا وافق ختم القرآن أول الليل، صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي».
عمل
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾ تلاوة القرآن مقصد عظيم من مقاصد نزوله؛ فاستكثر من التلاوة، وجمِّل صوتك ما استطعت، واجعلها لك عادة يومية لا تتنازل عنها، واصبر على ذلك تجد بركته وثمرته عاجلًا وآجلًا.
وقفة
[27] علمتني سورة الكهف: أن تلاوة القرآن أمان عند الفتن، فبعد قصة أصحاب الكهف قال: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾.
وقفة
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ أي من البشر، وإلا فاللهُ يبدلها، قال تعالى: ﴿ما ننسخ من آيةٍ أو نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: 106]، وقال: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [النحل: 101].
وقفة
[27] كان المشركون يقولون له: «ائت بقرآن غير هذا أو بدِّله»، والتبديل يكون بالزيادة والنقصان، أو بإخفاء بعضه مما لا يرضون سماعه ويكرهونه، وكأن أمر الرسالة عملية تفاوض تهدف للالتقاء في منتصف الطرق! فنودي ﷺ في القرآن: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾.
عمل
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ اقرأ كتاب ربك لتكون معانيه وحقائقه ملازمة لك، مستقرة في قلبك، وإذا كان هذا أمر الله إلى المعصوم الذي لا سبيل إلى زيغ قلبه، فكيف بمن أحاطت به الشبهات وأسباب الزيغ من كل الجهات؟! كيف لا يفزع إلى تلاوة الآيات؟!
وقفة
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ الملاحظ أن لفظة (ملتحدًا) فيها تكلف يناسب حال من يريد أن يجد له ملجأً من دون الله فسيكون بتكلف ومشقة في حاله وطلبه وجهده.
وقفة
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ بعد ذكره قصة أصحاب الكهف وتكذيب من كذب أمر الله نبيه بمعالجة المكذبين فقال: (اتل ما أوحي إليك) أي استمر ولو كذبوا واتهموا (لا مبدل) لأجلهم.
عمل
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ ما أعظمها من وصية يوصينا بها ربُّنا ﷻ! فلنتمسك بالقرآن تلاوةً وتدبرًا وعملًا.
عمل
[27] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ تسلَّ -حين تتقلب عليك الأحوال وتتوالى الأهوال- بأنوار الآيات وأضواء الوحي، فخير ما يبدِّد ظلمة الأحزان نور الإيمان، والقرآن هو نبع الإيمان وأصله.
وقفة
[27] ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ أي ملجأ وملاذًا ومدخلًا ومفرًّا ومهربًا ومآلًا وحاميًا، وكلها أقوال السلف وهي متلازمة متعاضدة.
وقفة
[27] ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ مع الله: كهف بلا باب ولا حارس خير مأوى وملجأ، وبدون الله: حصن حصين وحراسة مشددة لا تؤوي ولا تلجئ؛ فكن مع الله يكن معك.
عمل
[27] ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ تيقن منها، ليس لك سواه، الله وحده ملجأك وحماك.
وقفة
[27] ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ الالتحاد من اللحد وهو الميل، والملتحد هو المكان الذي يميل إليهم من يطلب ملجأ للنجاة، وهي جملة تحذير ووعيد في شخص الرسول ﷺ، لكن المراد: كل من قصر في تلاوة كتاب الله، أو حاول تبديل ألفاظه أو أحكامه أو معانيه.

الإعراب :

  • ﴿ وَاتْلُ:
  • الواو عاطفة. اتل: فعل امر مبني على حذف آخره-حرف العلة- والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اوحي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. اليك: جار ومجرور متعلق بأوحي.
  • ﴿ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من «ما» الاسم الموصول. من:حرف جر بياني. ربك: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. وهو مضاف والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «ان».مبدل: اسمها مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وجوبا. لكلماته: جار ومجرور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَنْ تَجِدَ:
  • الواو عاطفة. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تجد: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً:
  • جار ومجرور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.ملتحدا: اي ملجأ: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة. والجار والمجرور مِنْ دُونِهِ» متعلق بتجد أو بحال محذوفة من «ملتحدا». '

المتشابهات :

الكهف: 27﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا
الجن: 22﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّـهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا أنزلَ اللهُ عز و جل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ما أنزلَ من قصة أصحاب الكهف؛ أمره هنا بأن يقص ويتلو على معاصريه ما أوحى إليه تعالى من كتابه في قصة أصحاب الكهف وفي غيرهم، وأن ما أوحاه إليه لا مبدل له، قال تعالى:
﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف