26143444546474849505152

الإحصائيات

سورة ابراهيم
ترتيب المصحف14ترتيب النزول72
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات6.80
عدد الآيات52عدد الأجزاء0.35
عدد الأحزاب0.70عدد الأرباع2.70
ترتيب الطول33تبدأ في الجزء13
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 8/29آلر: 4/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (43) الى الآية رقم (46) عدد الآيات (4)

= النَّاسِ يومَ القيامةِ وفزعَهم وحيرتَهم، ثُمَّ أمرَ اللهُ رسولَه ﷺ أن يحذِّرَ النَّاسَ من أهوالِ هذا اليومِ، وأن يعتبرُوا من الأممِ السابقةِ، وأنَّ اللهَ يعلمُ مكرَهم وتدبيرَهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (47) الى الآية رقم (52) عدد الآيات (6)

لمَّا بَيَّنَ أنَّه ليس غافلًا عمَّا يعملُ الظالمُونَ بَيَّنَ هنا أنَّه ليس مخلفًا وعدَه بنصرِ رسلِه، ثُمَّ بَيَّنَ حالَ الأرضِ والسماواتِ يومَ القيامةِ، ومشاهدَ ذُلِّ وعذابِ المجرمينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة ابراهيم

نعمة الإيمان ونقمة الكفر/ الدعوة إلى التوحيد والشكر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما هي أعظم نعم الله عليك؟:   كثير من الناس إذا سئل: ما هي أعظم نعم الله عليك؟ سيجيب بالأمور المادية (المال أو البيت أو الأولاد أو الزوجة أو الوظيفة ...)، وفي المقابل إذا سئل عن أعظم مصيبة، سيجيب بالأمور الدنيوية وخسارة المال وضياع التجارة. فتأتي "سورة إبراهيم" لتصحّح هذا المفهوم وتوضح أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، وأن أسوأ مصيبة هي مصيبة الكفر والبعد عن الله تعالى. وإبراهيم عليه السلام : هو نموذج لإنسان عرف أنَّ نعمة الله هي الإيمان وقدرها وشكرها، ووظف باقي ما أنعم به الله عليه لخدمة الدين
  • • إنه إبراهيم::   الخليل، المصطفى، الحليم، الأواه، المنيب، الشاكر، الأمة، الموقن، المخلص، الخيِّر.
  • • إنه إبراهيم::   أبو الأنبياء، شيخ الحنفاء، شيخ المستسلمين لرب العالمين.
  • • إنه إبراهيم::   ثاني أعظم إنسان في تاريح البشرية.
  • • إنه إبراهيم::   الذي سبق أن مررنا به في رحلتنا المباركة مع كتاب الله (في السور السابقة): • إبراهيم الذي اختبره الله بتكاليف فقام بها خير قيام: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: 124]. • إبراهيم الذي ﴿قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾، فقال: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 131]. • إبراهيم الذي وقف أمام النمرود يقول له: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: 258]. • إبراهيم الذي سأل ربه ليطمئن قلبه، وينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 260]. • إبراهيم الحنيف المسلم: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]. • إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125]. • إبراهيم الموقن: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: 75]. • إبراهيم الأواه الحليم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114]. • إبراهيم الحليم الأواه المنيب: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: 75].
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «إبراهيم».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام .
  • • سبب التسمية ::   لتضمنها قصة إسكانه ولده إسماعيل بمكة، وشكره لله على ما أنعم عليه.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، وأن أسوأ مصيبة هي مصيبة الكفر والبعد عن الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن الغاية من إنزال القرآن هي دعوة الناس إلى التوحيد وشكر الله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن شكر النعم باللسان والقلب والجوارح سببٌ لزيادتها: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   الحياء من الله، فمن تخطئ بحقه لا يرغب في رؤية وجهك، إلا الله، مع أنك شارد عنه بأخطائك إلا أنه يناديك ليصفح عنك: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة إبراهيم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • السورة لخصت دعوة جميع الأنبياء، ورد أقوامهم عليهم، وبيان عاقبة أقوامهم في 6 آيات (الآيات: 9-14)، وقد كانت تذكر قصص الأنبياء مفصلة كما في سورتي الأعراف وهود، وإبراهيم هو أبو الأنبياء؛ فناسب أن تختص هذه السورة باسمه.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نشكر الله علي أعظم نعمة؛ نعمة الإيمان به.
    • أن نحذر من سلب النعم.
    • ألا نقف على أي باب، إنما نطرق باب من بيده مفاتيح كل شيء: ﴿اللَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (2).
    • أن نكثر من شكر الله على نعمه باللسان والقلب والجوارح: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (7).
    • أن نلقِ بِحِمْلِنا كله على الله؛ ونَسِرْ في طريق التوكل: ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (11).
    • أن نراجع أعمالنا قبل أن نخسرها يوم القيامة، هل تسرب إليها رياء أو شرك أو بدعة؟: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ (18).
    • أن نطمئن؛ حقوقنا لنْ تَضيعَ، فغدًا الضَّعيفُ والقَويُّ، الظَّالمُ والمَظلومُ، كلُّهُم سَيقِفونَ أمامَ اللهِ للحِسابِ: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (21).
    • أن نصبر على الطاعات، وعن المعاصي قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه صبرٌ أو جزع: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ (21).
    • ألا نأمن الشيطان، ونكثر من الاستعاذة بالله منه؛ فإنه سبب كل بلاء: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (22).
    • أن نجلس مع أنفسنا جلسة محاسبة، ونراجع ما مضى من أعمالنا: ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم﴾ (22).
    • ألا نستبدل تحية أهل الجنة (السلام) بغيرها من التحيات: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ (23).
    • ألا نتوقف عن غرس الكلمات الطيبة، فستبقى تؤتي أثرها كل حين، كل حين، يا للبركة: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (25).
    • ألا نتسخط على قضاء الله، بل نسلم، وافق هوانا أم لم يوافق، فلله الحكمة: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ﴾ (27).
    • أن نستشعر مراقبة الله لنا في السر والعلن: ﴿وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (38).
    • ألا نجمع بين الوظيفتين!: ﴿ رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ ﴾ (40).
    • أن نستغفر لإخواننا الأحياء والأموات: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (41).

تمرين حفظ الصفحة : 261

261

مدارسة الآية : [43] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ ..

التفسير :

[43] يوم يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لإجابة الداعي للحساب، رافعي رؤوسهم، لا يبصرون شيئاً لهول الموقف، وقلوبهم خالية لا تعي شيئاً؛ لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى.

{ مُهْطِعِينَ} أي:مسرعين إلى إجابة الداعي حين يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ،{ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي:رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان، فارتفعت لذلك رءوسهم،{ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي:أفئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت إلى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق.

ثم بين- سبحانه- بعض أحوال هؤلاء الظالمين في هذا اليوم العظيم فقال- تعالى-:

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ، لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ، وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ.

والإهطاع السير السريع. يقال: أهطع فلان في مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع في سيره بذلة واضطراب.

و «مقنعي رؤوسهم» أى رافعيها، يقال: أهطع فلان رأسه، إذا نصبه ورفعه دون أن يلتفت يمينا أو شمالا. وقيل، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها.

الأفئدة: جمع فؤاد، والمراد بها القلوب.

والمعنى: أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم في هذا اليوم مسرعين إلى الداعي بذلة واستكانة، كإسراع الأسير الخائف، رافعي رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء.

«لا يرتد إليهم طرفهم» أى: لا تتحرك أجفان عيونهم، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه في هذا اليوم العصيب.

«وأفئدتهم هواء» أى: وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة، ومنه قولهم في شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء، أى لا رأى فيه ولا قوة.

وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه في معنى فارغة أو خالية.

قال- تعالى- وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ... أى خاليا من كل شيء إلا من التفكير في شأن مصير ابنها موسى- عليه السلام-.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هؤلاء الظالمين في هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم.

وصفهم أولا بشخوص الأبصار، ووصفهم ثانيا بالإسراع إلى الداعي في ذلة وانكسار،ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم في حيرة واضطراب، ووصفهم رابعا: بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدراك أى شيء بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب.

وقوله- سبحانه-: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ من باب التشبيه البليغ الذي حذفت فيه الأداة، والتقدير: وقلوبهم كالهواء في الخلو من الإدراك من شدة الهول.

ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال : ( مهطعين ) أي : مسرعين، كما قال تعالى : ( مهطعين إلى الداع [ يقول الكافرون هذا يوم عسر ] ) [ القمر : 8 ] وقال تعالى : ( يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) إلى قوله : ( وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ) [ طه : 198 - 111 ] وقال تعالى : ( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) [ المعارج : 43 ] .

وقوله : ( مقنعي رءوسهم ) قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد : رافعي رءوسهم .

( لا يرتد إليهم طرفهم ) أي : [ بل ] أبصارهم طائرة شاخصة ، يديمون النظر لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم ، عياذا بالله العظيم من ذلك ; ولهذا قال : ( وأفئدتهم هواء ) أي : وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة [ الفزع و ] الوجل والخوف . ولهذا قال قتادة وجماعة : إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف . وقال بعضهم : ( هواء ) خراب لا تعي شيئا .

وأما قوله ( مُهْطِعِينَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم: معناه: مسرعين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد المؤدّب ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ( مُهْطِعِينَ ) قال: النَّسَلان ، وهو الخبب ، أو ما دون الخبب ، شكّ أبو سعيد ، يخبون وهم ينظرون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مُهْطِعِينَ ) قال: مسرعين.

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( مُهْطِعِينَ ) يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي.

وقال آخرون: معنى ذلك: مديمي النظر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( مُهْطِعِينَ ) يعني بالإهطاع: النظر من غير أن يطرف.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى ( مُهْطِعِينَ ) فقيل: الإهطاع: التحميج الدائم الذي لا يَطْرَف.

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم بن حَدْلَم ، عن أبيه ، في قوله ( مُهْطِعِينَ ) قال: الإهطاع: التحميج.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ( مُهْطِعِينَ ) قال: شدة النظر الذي لا يطرف.

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا عمرو ، قال : أخبرنا هُشَيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله ( مُهْطِعِينَ ) قال: شدة النظر في غير طَرْف.

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( مُهْطِعِينَ ) الإهطاع: شدة النظر في غير طَرْف.

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا شبابة ، قال : ثنا ورقاء ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( مُهْطِعِينَ ) قال: مُديمي النظر.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مُهْطِعِينَ ) قال: المهطع الذي لا يرفع رأسه. والإهطاع في كلام العرب بمعنى الإسراع أشهر منه: بمعنى إدامة النظر ، ومن الإهطاع بمعنى الإسراع ، قول الشاعر:

وبِمُهْطِــعٍ سُــرُحٍ كــأنَّ زِمامَـهُ

فـي رأسِ جـذْعٍ مِـنْ أوَال مُشَـدَّبِ (1)

وقول الآخر:

بمُسْــتَهطعٍ رَسْــلٍ كــأنَّ جَدِيلَـهُ

بقَيْـدُومِ رَعْـنٍ مِـنْ صَـوَامٍ مُمَنَّـعُ (2)

وقوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) يعني رافعي رءوسهم. وإقناع الرأس: رفعه ، ومنه قول الشماخ:

يُبـــاكِرْنَ العِضَـــاةَ بمُقْنَعــاتٍ

نَوَاجِـــذُهُنَّ كـــالحِدَإِ الـــوَقيعِ (3)

يعني: أنهنّ يباكرن العضاة برؤسهن مرفوعات إليها لتتناول منها ، ومنه أيضا قول الراجز:

أنْغَــضَ نحْــوِي رأسَــهُ وأقْنَعـا

كأنمَــا أبْصَــرَ شــيْئا أطْمَعــا (4)

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: الإقناع: رفع رءوسهم.

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحسين بن محمد ، قال : ثنا ورقاء ، وقال الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافعيها.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله.

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن أبي سعد ، قال : قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.

حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عثمان بن الأسود ، أنه سمع مجاهدا يقول في قوله ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافع رأسه هكذا ، ( لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ) .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر عن الضحاك ، في قوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافعي رءوسهم.

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: الإقناع رفع رءوسهم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: المقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره لا يطرف.

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافعيها.

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: المقنع الذي يرفع رأسه.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافعي رءوسهم.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد ، عن سالم ، عن سعيد ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) قال: رافعي رءوسهم.

وقوله ( لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ) يقول: لا ترجع إليهم لشدّة النظر أبصارهم .

كما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: شاخصة أبصارهم.

وقوله ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم: معناه: متخرقة لا تعي من الخير شيئا.

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، في قوله ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: متخرقة لا تعي شيئا.

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة بمثل ذلك.

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، مثله.

حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا سهل بن عامر ، قال : ثنا مالك وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، مثله.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: متخرقة لا تعي شيئا من الخير.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : ثنا مالك ، يعني ابن مغول ، قال : سمعت أبا إسحاق ، عن مرّة إلا أنه قال: لا تعي شيئا. ولم يقل من الخير.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا شبابة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، مثله.

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا مالك بن مغول ، وإسرائيل عن أبي إسحاق ، عن مرّة ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال أحدهما: خربة ، وقال الآخر: متخرقة لا تعي شيئا.

حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: ليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : ليس من الخير شيء في أفئدتهم ، كقولك للبيت الذي ليس فيه شيء إنما هو هواء.

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: الأفئدة: القلوب هواء كما قال الله ، ليس فيها عقل ولا منفعة.

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي بكرة ، عن أبي صالح ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: ليس فيها شيء من الخير.

وقال آخرون: إنها لا تستقرّ في مكان تردّد في أجوافهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق ، قالا حدثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: تمور في أجوافهم ، ليس لها مكان تستقرّ فيه.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد ، عن سالم ، عن سعيد بنحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنشبت بالحلوق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق ، قالا حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن إسرائيل ، عن سعيد ، عن مسروق عن أبي الضحى ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: قد بلغت حناجرهم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) قال: هواء ليس فيها شيء ، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم.

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) انتزعت حتى صارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم ، ولا تعود إلى أمكنتها.

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالية ليس فيها شيء من الخير ، ولا تعقل شيئا ، وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء ، ومنه قول حسَّان بن ثابت:

ألا أبْلِـــغْ أبــا سُــفْيانَ عَنّــي

فــأنْتَ مُجَــوَّفٌ نَخِــبٌ هَــوَاءُ (5)

ومنه قول الآخر:

وَلا تَـكُ مِـنْ أخْـدانِ كُـلّ بِراعـةٍ

هَـوَاءٍ كَسَـقْبِ البـانِ جُوفٍ مَكاسِرُهْ (6)

-----------------------------

الهوامش :

(1) البيت أنشده ابن بري في ( اللسان : أول . ونسبه لأنيف بن جبلة . وروايته فيه :

أمَّــــا إذا اسْـــتَقْبَلْتَهُ فَكأنَّـــهُ

للْعَيْــنِ جِــذْعٌ مِـنْ أوَالَ مُشَـدَّبُ

وفي معجم ما استعجم للبكري : أول قرية بالبحرين ، وقيل جزيرة ، فإن كانت قرية فهي من قرى السيف ( بكسر السين) يشهد لذلك قول ابن مقبل ، وكأنها سفن بسيف أوال . والمهطع : ( كما في اللسان ) الذي يديم النظر مع فتح العينين . وقيل : الذي يقبل على الشيء ببصره ، فلا يرفعه عنه . والمهطع أيضا : المسرع الخائف ، لا يكون إلا مع خوف . وقد فسر بالوجهين جميعا قوله تعالى : ( مهطعين إلى الداع ) أ هـ . وقال في سرح : خيل سرح ، ناقة سرح في سيرها : أي سريعة ، وأورده المؤلف وأبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 - 342 ) شاهدا على أن المهطع : المسرع .

(2) أورده صاحب أساس البلاغة ( هطع ) قال : وهو في صفة ثور ، وممتع : بالتاء : أي طويل ، من الماتع . وفيه " رضام ، في محل : صوام . وفي ( اللسان : قدم ) قال : وقيدوم الجبل : أنف يتقدم منه ، وأنشد البيت وقال : صوام ( كسحاب) اسم جبل . وقيدوم كل شيء : مقدمه وصدره . والمتهطع : كالمهطع ، وهو المسرع ، ورسل : سهل فيه لين . والجديل : حبل مفتول من أدم أو شعر ، يكون في عنق البعير أو الناقة ، والجمع : جدل . والجديل أيضا : الزمام المجدول من أدم . والرعن : أنف الجبل ، وصوام ( كسحاب ) : جبل قاله البكري وصاحب اللسان والممنع بالنون : المرتفع الذي لا يرتقي . وفي مجاز القرآن : الرسل : الذي لا يكلفك شيئا . بقيدوم : قدام . ورعن الجبل : أنفه ، وصؤام ( بضم الصاد وهمز الواو ) لم أجده كذلك ، وإنما هو صوام ، بفتح الصاد وبالواو ، بوزن سحاب .

(3) البيت للشماخ بن ضرار ( ديوانه ص 56 ) والرواية فيه : يبادرن في موضع يباكرن ، وهما بمعنى . قال شارحه : يبادرن من المبادرة ، والعضاه : جمع عضاهة . وهي أعظم الشجر . والمقنعات : جمع مقنع : يريد أفواه الإبل . والنواجذ : أقصى الأضراس . والحدأ : جمع حدأة ، وهي فأس ذات رأسين . وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن : ( 1 - 343 ) في تفسير " مقنعي رءوسهم " مجازه : رافعي رءوسهم . وأنشد بيت الشماخ ثم قال : أي برءوس مرفوعة إلى العضاه ، ليتناولن منه . والعضاه : كل شجرة ذات شوك . ونواجذهن : أضراسهن والحدأ : الفأس ، وأراد الذي ليس له خلف ، وجمعها : حدأ . والوقيع المرققة المحددة ، يقال : وقع حديدتك . والمطرقة يقال لها ميقعة . وفي ( اللسان : حدأ ) : الحدأ : شبه فاس تنقر به الحجارة ، وهو محدد الطرف . والحدأة : الفأس ذات الرأسين ، والجمع حدأ ، كقصبة وقصب ، وقال : شبه أسنانها بفئوس قد حددت .

(4) أنغض رأسه : حركة كالمتعب . وأقنعه : رفعه . يقول : هز رأسه نحوي ، ورفعه يتأملني كما يتأمل شيئا فيه مطمع له . وهو كالذي قبله شاهد على أن الإقناع : هو الرفع .

(5) البيت لحسان ، كما في الديوان ص 7 ، وأبو سفيان : هو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يهجو النبي قبل أن يسلم ، والمجوف : الخالي الجوف ، يريد به الجبان ، وكذلك النخب والهواء ، وقال في اللسان : النخب : الجبان ، كأنه منتزع الفؤاد ، أي لا فؤاد له . وقال في هوى : والهواء والخواء واحد . وأورد البيت كرواية المؤلف .

(6) البيت في ( اللسان : يرع ) كرواية المؤلف . ونسبه ابن بري لكعب الأمثال (؟) وقال قبله : البراعة والبراع : الجبان الذي لا عقل له ولا رأي ، مشتق من القصب أ هـ : أي على التشبيه بالقصب الأجوف ، والهواء : الجبان المنتزع الفؤاد . والبان : شجر يسمو ويطول في استواء وليس لخشبة صلابة ، والسقب : عمود الخباء ، وإذا اتخذ من شجر البان فإنه لا يحتمل لقلة صلابته ، وجوف جمع أجوف ، والمكاسر : مواضع الكسر ، أي إذا كسر بان أنه أجوف ضعيف الاحتمال .

التدبر :

وقفة
[43] ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ لا شيء يذل المرء ويهينه ويحط من قدره كمعصية الله، ولا شيء يعزه ويرفع من قدره كطاعة الله، فطاعتك لله عزك.
وقفة
[43] ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ بينما يكون الظالم الطاغي صلبًا في عدوانه في الدنيا إذ به يبعث يوم القيامة خائفًا فزعًا قد تقطع قلبه من الهلع.
وقفة
[43] ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (مُهْطِعِينَ): لا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، ولا يعرفون مواطن أقدامهم، (لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ): لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، وهي شاخصة؛ قد شغلهم ما بين أيديهم، (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ): خرجت قلوبهم عن صدورهم، فصارت في حناجرهم؛ لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أماكنها.
وقفة
[43] ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ مديمو النظر، لا يطرفون لحظة؛ لكثرة ما هم فيه من الهول، والفكر، والمخافة؛ لما يحل بهم.
وقفة
[43] ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ قارن تجبر الظلمة اليوم وقسوتهم على المؤمنين وشخوص أبصارهم يوم القيامة حتى لا تطرف لهم عين من الرعب، وخروج قلوبهم عن صدورهم حتى تبلغ الحناجر من شدة الهول والفزع.
وقفة
[43] ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ أي: خالية من العقل والفهم؛ لفرط الحيرة والدهشة, ومنه قيل للجبان والأحمق: قلبه هواء؛ أي: لا قوة، ولا رأي فيه.
وقفة
[43] ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ القلب الذي لم يسكنه الله والأنس به هو القلب الخالي، وصاحبه أفزع الناس فمن أين يستمد قوته والقوي ليس معه؟
لمسة
[43] ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ هذا من باب التشبيه البليغ الذي حذف فيه حرف التشبيه، والتقدير: وقلوبهم کالهواء في الخلو من الإدراك من شدة الأهوال.

الإعراب :

  • ﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ:
  • الكلمتان منصوبتان على الحال وعلامة نصبهما الياء لأنهما جمعا مذكر سالمان. والنون في «مهطعين» عوض من التنوين والحركة في المفرد وحذفت نون «مقنعي» للإضافة و «رءوس» مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بمعنى: يوم تراهم مسرعين أو ليوم تشخص فيه أبصارهم مسرعين رافعي رءوسهم.
  • ﴿ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يرتد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. اليهم: جار ومجرور متعلق بيرتد و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بإلى. طرف: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجملة في محل نصب حال أيضا.
  • ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَااءٌ:
  • الواو: استئنافية. أفئدة: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. هواء: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بمعنى وافئدتهم خلاء خالية عن الفهم والادراك من الدهشة والحيرة. '

المتشابهات :

ابراهيم: 43﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ
القمر: 8﴿ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ۖ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
المعارج: 36﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد تهديد مشركي مكة بيوم القيامة؛ ذَكَرَ اللهُ عز وجل هنا حالَ الظالمين عند خروجهم من القبور لهذا اليوم العظيم، قال تعالى:
﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ..

التفسير :

[44] وأنذر -أيها الرسول- الناس الذين أرسلتُكَ إليهم عذاب الله يوم القيامة، وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر:ربنا أَمْهِلْنا إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك. فيقال لهم توبيخاً:ألم تقسموا في حياتكم إنَّه لا زوال لكم عن الحياة الدنيا إلى الآخرة، فلم

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} أي:صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله،{ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها،{ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي:ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا،{ نُجِبْ دَعْوَتَكَ} والله يدعو إلى دار السلام{ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} وهذا كله لأجل التخلص من العذاب الأليم وإلا فهم كذبة في هذا الوعد{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} ولهذا يوبخون ويقال لهم:{ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} عن الدنيا وانتقال إلى الآخرة، فها قد تبين حنثكم في إقسامكم، وكذبكم فيما تدعون

ثم أمر الله تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحذر الناس من أهوال هذا اليوم، وأن يقدموا العمل الصالح الذي ينفعهم فقال- تعالى- وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ....

والإنذار: التخويف من ارتكاب شيء تسوء عاقبته.

والمراد بالناس: جميعهم، وقيل المراد بهم الكفار. ويبدو أن الأول أرجح لأن الإنذار يكون للمؤمن كما يكون للكافر، إلا أن المؤمن يستجيب للنصح فينجو من العقاب، والكافر لا يستجيب فيحل عليه العذاب.

والمعنى: وخوف- أيها الرسول الكريم- الناس من أهوال يوم القيامة، ومرهم بأن يستعدوا له بالإيمان والعمل الصالح، من قبل أن يحل عذابه بالظالمين منهم فيقولون: يا ربنا أعدنا إلى الحياة مرة أخرى، وأخر أعمارنا وحسابنا إلى وقت قريب، حتى نستطيع فيه أن نستجيب لدعوتك التي تأمرنا بإخلاص العبادة لك، وأن نتبع رسلك في كل ما أمرونا به ونتدارك ما فرطنا فيه من أعمال الدنيا.

قال الجمل: «وقوله: «يوم يأتيهم العذاب ... » مفعول ثان لأنذر على حذف المضاف، أى: أنذرهم أهواله وعظائمه، فهو مفعول به لا مفعول فيه، إذ لا إنذار في ذلك اليوم، وإنما الإنذار يقع في الدنيا..» .

وإنما اقتصر- سبحانه- على ذكر إتيان العذاب في هذا اليوم. مع كون الثواب يحصل فيه- أيضا- لأن المقام مقام تهديد وزجر، فكان من المناسب ذكر أهواله وشدائده.

وجمع لفظ الرسل فقال: «نجب دعوتك ونتبع الرسل» للإشارة إلى أن الرسل جميعا قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها وأصولها، وهي إخلاص العبادة لله- تعالى-، والدعوة إلى مكارم الأخلاق.

وفي معنى هذه الآية الكريمة جاءت آيات كثيرة ومنها قوله- تعالى- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

وقوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ» .

وجملة «أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال» مقول لقول محذوف.

والزوال: الانتقال من مكان إلى آخر، أو من حال إلى حال، والمراد به هنا: انتقالهم من قبورهم إلى الحساب يوم القيامة.

والمعنى: أن هؤلاء الظالمين عند ما يقولون يا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل.

يقال لهم من قبل الله والملائكة على سبيل التوبيخ والتبكيت: أو لم تكونوا- أيها الظالمون- تقسمون بالأيمان المغلظة في الدنيا، بأنكم بعد موتكم ستبقون في قبوركم إلى أن تبلى أجسادكم، وأنه ليس بعد ذلك من بعث ولا حساب، ولا ثواب ولا عقاب.

قال- تعالى- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.

فالجملة الكريمة تحكى رفض مطالبهم بأبلغ أسلوب، حتى يزدادوا حزنا على حزنهم، وحسرة على حسرتهم.

وجملة «مالكم من زوال» جواب القسم.

ولشدة ما أخبر الله تعالى [ به ] عنهم ، قال لرسوله : ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ) .

يقول تعالى مخبرا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) كما قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99 ، 100 ] . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ) [ المنافقون : 9 ، 10 ] وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] وقال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 27 ، 28 ] وقال تعالى : ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) [ فاطر : 37 ] .

وقال تعالى رادا عليهم في قولهم هذا : ( أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) أي : أولم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال : أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه ، وأنه لا معاد ولا جزاء ، فذوقوا هذا بذاك .

قال مجاهد وغيره : ( ما لكم من زوال ) أي : ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة ، كما أخبر عنهم تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ) [ النحل : 38 ] .

يقول تعالى ذكره: وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الإسلام ما هو نازل بهم ، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة.( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول: فيقول الذين كفروا بربهم ، فظلموا بذلك أنفسهم ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا ) أي أخِّر عنا عذابك ، وأمهلنا( إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ) الحقّ ، فنؤمن بك ، ولا نشرك بك شيئا ، ( وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ) يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) قال: يوم القيامة ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) قال: مدّة يعملون فيها من الدنيا.

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب.

وقوله ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) رفع عطفا على قوله ( يَأْتِيهِمُ) في قوله ( يَأْتِيهِمُ العَذَابُ) وليس بجواب للأمر ، ولو كان جوابا لقوله ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ ) جاز فيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:

يــا نَــاقَ سِـيرِي عَنقَـا فَسِـيحا

إلـــى سُـــلَيْمَانَ فَنَسْـــتَرِيحا (7)

والرفع على الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الأمر بالفاء ، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علَّم معاذا وأصحابه.

------------------------

الهوامش :

(7) هذا البيت من شواهد النحويين وهو لأبي النجم العجلي يخاطب ناقته في سيره إلى سليمان بن عبد الملك . وناق : منادي مرخم ، أي يا ناقة ، وعنقا : منصوب على أنه نائب عن المصدر ، أي صفة مصدر محذوف ، أي سيراد عنقا ، وهو ضرب من سير الدابة والإبل ، وهو سير مسيطر ، قال أبو النجم ... وأنشد البيت ، والفسيح : الواسع . نعت . والشاهد في " فنستريحا " حيث نصب ، لأنه جواب الأمر بالفاء ، وهذا بلا خلاف إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة ، أنه كان لا يجيز ذلك ، وهو محجوج به . ( انظر فرائد القلائد للعيني : باب إعراب الفعل ) . وقال الفراء في معاني القرآن : ( الورقة 164 ) ، وقوله " يأتيهم العذاب فيقول " : رفع ، تابع ليأتيهم ، وليس بجواب الأمر ، ولو كان جوابا لجاز نسبه ورفعه ، كما قال الشاعر : يا ناق .... البيت . والرفع عن الاستئناف والأتناف بالفاء في جواب الأمر حسن. وكان شيخ لنا يقال له العلاء بن سيابة ، وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه ، يقول : لا أنصب بالأمر .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[44] ﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾ أرسل رسالة تنذر فيها من عذاب الله، وشدة غضبه سبحانه.
تفاعل
[44] ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ قل الآن: «اللهم لا تجعلنا مِمَّن يدعو بالرجعة عند معاينة ملك الموت».
وقفة
[44] ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ إن العبد في سعة من أمره في حياته في الدنيا، فعليه أن يجتهد في الطاعة، فإن الله تعالى لا يتيح له فرصة أخرى إذا بعثه يوم القيامة.
وقفة
[44] سيقول الظلمة يوم القيامة: ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ أفليس في هذا أعظم برهان أن كل دعوة تخالف دعوة الرسل باطلة؟
وقفة
[44] ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾ قالوا ذلك أشرًا وبطرًا بلسان المقال، وقاله غيرهم بلسان الحال حين تطاولوا في البنيان على حساب الإيمان، وطال أملهم فساء عملهم.
وقفة
[44] ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾ ما كانوا ينكرون أن يزولوا عن الحياة بالموت، إنما كانوا يقولون: لا زوال لنا من هذه الحياة إلى حياة أخرى في الآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنْذِرِ النّاسَ:
  • الواو: استئنافية. أنذر: فعل أمر مبني على السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. الناس: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ يَوْمَ:
  • مفعول به ثان لأنذر منصوب بالفتحة وهو يوم القيامة أو أريد به يوم هلاكهم بالعذاب العاجل والجملة بعده في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ:
  • يأتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم وحرك الميم بالضمة للاشباع. العذاب: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا:
  • فيقول: معطوفة بالفاء على «يأتي» ويجوز أن تكون الفاء استئنافية. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. ظلموا: صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة. التقدير: يا ربنا: منصوب للتعظيم بالفتحة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ:
  • أخر: فعل توسل ودعاء بصيغة طلب- أمر-مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. إلى أجل: جار ومجرور متعلق بأخرنا. قريب: صفة-نعت-لأجل مجرورة مثلها. نجب: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب-الأمر-وعلامة جزمه السكون وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. أي نجب فيه.
  • ﴿ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. ونتبع: معطوفة بالواو على «نجب» وتعرب اعرابها وكسر آخرها لالتقاء الساكنين. الرسل: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ:
  • أي فيقال لهم أو لم تقسموا بطرا وغرورا. الهمزة: حرف استفهام. الواو: استئنافية. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تكونوا: فعل مضارع نقص مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «تكون» والألف فارقة. أقسمتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والجملة: في محل نصب خبر «تكون».
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأقسم. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن. ما: نافية لا عمل لها. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. والجملة الأسمية واقعة في جواب القسم.
  • ﴿ مِنْ زَاالٍ:
  • حرف جر زائد لتأكيد النفي. زوال: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر. بمعنى: أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا يلحقكم الموت. '

المتشابهات :

النساء: 77﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ
ابراهيم: 44﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ
المنافقون: 10﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد ذكرِ حال الظالمين عند خروجهم من القبور ليوم القيامة؛ أمرَ اللهُ عز وجل هنا نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يحذر النَّاس من أهوال هذا اليوم، وأن يقدموا العمل الصالح الذى ينفعهم، قال تعالى:
﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ..

التفسير :

[45] وحللتم في مساكن الكافرين السابقين الذين ظلموا أنفسهم كقوم هود وصالح، وعلمتم -بما رأيتم وأُخبرتم- ما أنزلناه بهم من الهلاك، وضربنا لكم الأمثال في القرآن، فلم تعتبروا؟

{ و} ليس عملكم قاصر في الدنيا من أجل الآيات البينات، بل{ سَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} من أنواع العقوبات؟ وكيف أحل الله بهم العقوبات، حين كذبوا بالآيات البينات، وضربنا لكم الأمثال الواضحة التي لا تدع أدنى شك في القلب إلا أزالته، فلم تنفع فيكم تلك الآيات بل أعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار، ووصلتم إلى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل.

وقوله- سبحانه-: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... معطوف على «أقسمتم..» .

والمراد بالسكنى: الحلول في أماكن الظالمين لوقت يكفى للاتعاظ والاعتبار وكفار قريش كانوا يمرون بديار قوم ثمود في رحلتهم إلى الشام، وكانوا يحطون رحالهم هناك، كما كانوا يمرون على ديار قوم عاد في رحلتهم إلى اليمن.

والمعنى: لقد أقسمتم- أيها الضالون- بأنكم ما لكم من انتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة، وحللتم في مساكن القوم الظالمين.

«وتبين لكم» عن طريق المشاهدة وتواتر الأخبار.

«كيف فعلنا بهم» من الإهلاك والتدمير بسبب كفرهم وفسوقهم.

«وضربنا لكم الأمثال» بما فعلوه وبما فعلناه بهم، عن طريق كتابنا، وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وكان من الواجب عليكم بعد كل ذلك أن تعتبروا وتتعظوا وتثوبوا إلى رشدكم، وتدخلوا في الإسلام، ولكنكم كنتم قوما فاسقين، سائرين على نهج هؤلاء المهلكين في الكفر والفجور، فاليوم ذوقوا العذاب بسبب جحودكم للحق في الدنيا.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: «أى: قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجر لكم.

قال- تعالى- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ.

( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ) أي : قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجر لكم ( حكمة بالغة فما تغن النذر ) [ القمر : 5 ] .

وهذا تقريع من الله تعالى ذكره للمشركين من قريش ، بعد أن دخلوا النار بإنكارهم في الدنيا البعث بعد الموت ، يقول لهم: إذ سألوه رفع العذاب عنهم ، وتأخيرهم لينيبوا ويتوبوا( أَوَلَمْ تَكُونُوا ) في الدنيا( أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ) يقول: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة ، وإنكم إنما تموتون ، ثم لا تبعثون.

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) كقوله وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى . ثم قال ( مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ) قال: الانتقال من الدنيا إلى الآخرة.

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا شبابة ، قال : ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا سلمة ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ) قال: لا تموتون لقريش.

حدثني القاسم ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحكم ، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامر ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني ، أو ذُكر لي أن أهل النار ينادون رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ فردّ عليهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... إلى قوله لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[45] ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾ الآثار القديمة للأمم المعذبة إنما هي لتذكير الناس بما حَلَّ بالأقوام من قبلنا من عذاب الاستئصال.
وقفة
[45] ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ قال قتادة: «سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم، ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾، قد والله بعث رسله، وأنزل كتبه، ضرب لكم الأمثال، فلا يصم فيها إلا أصم، ولا يخيب فيها إلا خائب، فاعقلوا عن الله أمره».
وقفة
[45] ﴿فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾، ﴿رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: 94]، المسلم يجتنب الجلوس في الأمكنة التي تظهر فيها المعصية، من غناء واختلاط وتبرج، سواء كان ملهى أو مجتمع عيد أو غيره، لأنه يحب أن يعتاض عن ذلك بمتنزه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 54، 55].
وقفة
[45] ﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾ أي: في بلاد ثمود، ونحوها، فهلا اعتبرتم بمساكنهم بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَسَكَنْتُمْ:
  • الواو: عاطفة. سكنتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بسكن. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة والجملة بعدها صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ:
  • الواو عاطفة. تبين: فعل ماض مبني على الفتح. لكم: جار ومجرور متعلق بتبين. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال.
  • ﴿ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. بهم: جار ومجرور متعلق بفعل وضربنا معطوفة بالواو على «فعلنا» وتعرب إعرابها. بمعنى: وظهر لهم ماذا فعلنا بهم. والميم في «لكم» و «بهم» علامة جمع الذكور.
  • ﴿ لَكُمُ الْأَمْثالَ:
  • جار ومجرور متعلق بضرب والميم علامة الجمع حركت بالضم للاشباع. الأمثال: مفعول به منصوب بالفتحة أي ضربنا لكم الأمثال تنبيها لكم فلم تعتبروا. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد توبيخ مشركي مكة لمَّا أقسموا أنهم باقون في الدنيا لا ينتقلون منها إلى دار أخرى بعد الموت، فلا بعث ولا حساب؛ وَبَّخَهم هنا مرة أخرى لمَّا نزلوا في مساكن الأمم السابقة الظالمة ولم يتعظوا بهم، حيث كانوا يمرون بديار ثمود في رحلتهم إلى الشام، وكانوا يحطون رحالهم هناك، كما كانوا يمرون على ديار عاد في رحلتهم إلى اليمن، قال تعالى:
﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ ..

التفسير :

[46] وقد دبَّر المشركون الشرَّ للرسول -صلى الله عليه وسلم- بقتله، وعند الله مكرهم فهو محيط به، وقد عاد مكرهم عليهم، وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ولا غيرها لضعفه ووَهَنه، ولم يضرُّوا الله شيئاً، وإنما ضرُّوا أنفسهم.

{ وَقَدْ مَكَرُوا} أي:المكذبون للرسل{ مَكْرَهُمْ} الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه،{ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ} أي:هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم{ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}

{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} أي:ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي:{ مكروا مكرا كبارا} لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم.

ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا، أو يبطل حقا، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئا، ولم يضروا الله شيئا وإنما ضروا أنفسهم.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك لونا آخر من ألوان عراقتهم في الكفر والجحود فقال:

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ.

والمكر: تبييت فعل السوء بالغير وإضماره، مع إظهار ما يخالف ذلك. وانتصب «مكرهم» الأول على أنه مفعول مطلق لمكروا، لبيان النوع، والإضافة فيه من إضافة المصدر لفاعله.

أى: أن هؤلاء الظالمين جاءتهم العبر فلم يعتبروا، بل أضافوا إلى ذلك أنهم مكروا بالرسول صلى الله عليه وسلم مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق، وإحقاق الباطل، والذي كان من مظاهره محاولتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أى: وفي علم الله- تعالى- الذي لا يغيب عنه شيء مكرهم، وسيجازيهم عليه بما يستحقونه من عذاب مهين.

وقوله- تعالى- وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ قرأ الجمهور «لتزول» - بكسر اللام على أنها لام الجحود والفعل منصوب بعدها. بأن مضمرة وجوبا، و «إن» في قوله وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ نافية بمعنى ما.

والمعنى: ولقد مكر هؤلاء الكافرون مكرهم الشديد الذي اشتهروا به، وفي علم الله- تعالى- مكرهم، وما كان مكرهم- مهما عظم واشتد- لتنتقل منه الجبال من أماكنها، لأنه لم يتجاوز مكر أمثالهم ممن دمرناهم تدميرا.

وعلى هذه القراءة يكون المقصود بهذه الجملة الكريمة، الاستخفاف بهم وبمكرهم، وبيان أن ما يضمرونه من سوء ليس خافيا على الله- تعالى- ولن يزلزل المؤمنين في عقيدتهم، لأن إيمانهم كالجبال الرواسي في ثباته ورسوخه.

وقرأ «الكسائي» «لتزول» - بفتح اللام على أنها لام الابتداء، ورفع الفعل بعدها- و «إن» مخففة من الثقيلة.

فيكون المعنى: وقد مكروا مكرهم، وعند الله مكرهم، وإن مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها، لو كان لها أن تزول أو تنقلع.

وعلى هذه القراءة يكون المراد بهذه الجملة الكريمة التعظيم والتهويل من شأن مكرهم، وأنه أمر شنيع أو شديد في بابه، كما في قوله- تعالى-: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ، وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ. وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. .

وقد روى شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن [ بن دابيل ] أن عليا - رضي الله عنه - قال في هذه الآية : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) قال : أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين ، فرباهما حتى استغلظا واستعلجا وشبا .

قال : فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت ، وجوعهما ، وقعد هو ورجل آخر في التابوت قال : - ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم - قال : فطارا [ قال ] وجعل يقول لصاحبه : انظر ما ترى ؟ قال : أرى كذا وكذا ، حتى قال : أرى الدنيا كلها كأنها ذباب . قال : فقال : صوب العصا ، فصوبها ، فهبطا . قال : فهو قول الله - عز وجل - : " وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال " . قال أبو إسحاق : وكذلك هي في قراءة عبد الله : " وإن كاد مكرهم " .

قلت : وكذا روي عن أبي بن كعب ، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنهما قرآ : " وإن كاد " كما قرأ علي . وكذا رواه سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أذنان عن علي ، فذكر نحوه .

وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمرود ملك كنعان : أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر ، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح ، فعجزا وضعفا . وهما أقل وأحقر ، وأصغر وأدحر .

وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر ، وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها ، نودي أيها الطاغية : أين تريد ؟ ففرق ، ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح ، فصوبت النسور ، ففزعت الجبال من هدتها ، وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك ، فذلك قوله : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال )

ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها : " لتزول منه الجبال " بفتح اللام الأولى ، وضم الثانية .

وروى العوفي عن ابن عباس في قوله : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) يقول : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال . وكذا قال الحسن البصري ، ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من كفرهم بالله وشركهم به ، ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها ، وإنما عاد وبال ذلك على أنفسهم .

قلت : ويشبه هذا - إذا - قوله تعالى : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء : 37 ] .

والقول الثاني في تفسيرها : ما رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) يقول شركهم ، كقوله : ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ) [ مريم : 90 - 91 ] وهكذا قال الضحاك وقتادة .

يقول تعالى ذكره: وسكنتم في الدنيا في مساكن الذين كفروا بالله ، فظلموا بذلك أنفسهم من الأمم التي كانت قبلكم ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) يقول: وعلمتم كيف أهلكناهم حين عتوا على ربهم وتمادوا في طغيانهم وكفرهم ( وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ) يقول: ومثَّلنا لكم فيما كنتم عليه من الشرك بالله مقيمين الأشباه ، فلم تنيبوا ولم تتوبوا من كفركم ، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نـزل بكم ما قد نـزل بكم من العذاب ، إن ذلك غير كائن.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) يقول: سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود ، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم. ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ) قد والله بعث رسله ، وأنـزل كتبه ، ضرب لكم الأمثال ، فلا يصم فيها إلا أصمّ ، ولا يخيب فيها إلا الخائب ، فاعقلوا عن الله أمره.

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) قال: سكنوا في قراهم مدين والحجر والقرى التي عذب الله أهلها ، وتبين لكم كيف فعل الله بهم ، وضرب لهم الأمثال.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا شبابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( الأمْثَالَ ) قال: الأشباه.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[46] ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ﴾ مسكين الذي يخطط ويمكر للناس بالخفاء، يحسب أن لن يراه أحد ونسي المطلع على أدق خلجات نفسه.
عمل
[46] ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ استعذ بالله من مكر الظالمين، وقل: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شرورهم» [أبو داود 1537، وصححه الألباني].
عمل
[46] ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ تأمل قصة أي ظالم ذكرت في القرآن، وكيف خطط لحرب دين الله، ثم تأمل كيف كانت نهايته.
لمسة
[46] ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (إن) هنا بمعنى (ما) النافية، وليس كما يتبادر أنها للإثبات، مثل: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ [الأحقاف: 26] أي لم.
وقفة
[46] ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ الله يعلم تفاصيل مكرك، يضعها في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينتقم.
لمسة
[46] ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (اللام) في (لِتَزُولَ) هي: لام الجحود، و(إن) نافية بمعنى: (وما كان مكرهم لتزول منه الجبال) كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33]، وقد تكون (اللام) للتعليل، و(إن) شرطية بمعنى: (وإن كان مكرهم معدًّا لزوال الجبال)، وقد يكون هناك شرط محذوف، وتقديره: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فهو عند الله تعالى فهم لا يستطيعون شيئًا من غير أمره جلّت قدرته.

الإعراب :

  • ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ:
  • الواو: استئنافية. قد: حرف تحقيق. مكروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أي مكر هؤلاء الكافرون. مكر: منصوب على المصدر بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أي مكروا مكرهم لابطال الاسلام والصد عن سبيله.
  • ﴿ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ:
  • الواو: استئنافية. عند: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وشبه الجملة في محل رفع خبر مقدم. مكر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بمعنى مكتوب عنده ليجازيهم عليه. المكر هو الاحتيال وهو مستحيل عليه سبحانه وانما أسنده الى نفسه للمشاكلة بين اللفظين أما في حقه تعالى فيفسر بالتدبير أي دبّر الله ما يبطل مكرهم ويوافق الحكمة الالهية وهو عذابهم. وفي هذا القول الكريم بمشاكلة وازدواج في الكلام.
  • ﴿ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ:
  • بمعنى: وما مكرهم مهما عظم بمزحزح الجبال وإن أمر محمد كالجبال بل أرسخ واثبت فضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه. إن: نافية بمعنى «ما».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. مكر: اسم «كان» مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ:
  • اللام: للتأكيد أي مؤكدة النفي الواقع على «كان» وتسمى لام الجحود وهي حرف جر. تزول: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه: الفتحة. منه: جار ومجرور متعلق بتزول و «الجبال» فاعل مرفوع بالضمة و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر «كان» المحذوف وجملة «تزول منه الجبال» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها من الاعراب. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن هؤلاء الظالمين جاءتهم العبر فلم يعتبروا؛ بَيَّنَ هنا أنهم أضافوا لعدم الاعتبار أنهم مكروا لإبطال الحق وتقرير الباطل ومعارضة الرسل، ومن ذلك محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وإن كان ... لتزول:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وإن كاد، بدال مكان «النون» ، وفتح اللام الأولى من «لتزول» ورفع الثانية، وهى قراءة عمر، وعلى، وعبد الله، وأبى، وأبى سلمة عبد الرحمن، وأبى إسحاق السبيعي، وزيد بن على.
3- وإن كان لتزول، بالنون، وعلى القراءة السابقة فى «لتزول» ، وهى قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن وثاب، والكسائي.
4- وإن كان لتزول، بالنون، وكسر اللام الأولى من «لتزول» ، وفتح الثانية.
5- وإن كان لتزول، بالنون، وفتح اللامين، على لغة من فتح «لام كى»

مدارسة الآية : [47] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ ..

التفسير :

[47] فلا تحسبن -أيها الرسول- أن الله يخلف رسله ما وعدهم من النصر وإهلاك مكذبيهم. إن الله عزيز لا يمتنع عليه شيء، منتقم من أعدائه أشد انتقام. والخطاب وإن كان خاصّاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو موجَّه لعموم الأمَّة.

يقول تعالى:{ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} بنجاتهم ونجاة أتباعهم وسعادتهم وإهلاك أعدائهم وخذلانهم في الدنيا وعقابهم في الآخرة، فهذا لا بد من وقوعه لأنه، وعد به الصادق قولا على ألسنة أصدق خلقه وهم الرسل، وهذا أعلى ما يكون من الأخبار، خصوصا وهو مطابق للحكمة الإلهية، والسنن الربانية، وللعقول الصحيحة، والله تعالى لا يعجزه شيء فإنه{ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام}

وقوله- سبحانه-: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ.. تفريع على ما تقدم من قوله- تعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.. وتأكيد لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ولتثبيت يقينه.

وقوله «مخلف» اسم فاعل من الإخلاف، بمعنى عدم الوفاء بالوعد وهو مفعول ثان لتحسب والمراد بالوعد هنا: ما وعد الله- تعالى- به أنبياءه ورسله من نصره إياهم، ومن جعل العاقبة لهم.

قال- تعالى- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .

وقال- تعالى- كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.

والمعنى: لقد وعدناك- أيها الرسول الكريم- بعذاب الظالمين، وأخبرناك بجانب من العذاب الذي يحل بهم يوم القيامة، وما دام الأمر كذلك فاثبت على الحق أنت وأتباعك، وثق بأن الله- تعالى- لن يخلف ما وعدك به من نصر على أعدائك.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني لمخلف- وهو: وعده- على المفعول الأول- وهو رسله-؟

قلت: قدم الوعد ليعلم أنه- سبحانه- لا يخلف الوعد أصلا، كقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.

ثم قال «رسله» ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه مع رسله الذين هم خيرته وصفوته من خلقه..».

ويرى صاحب الانتصاف أن تقدم المفعول الثاني هنا، إنما هو للإيذان بالعناية به، لأن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله- تعالى- به على ألسنة رسله، فكان المهم في هذه الحال تقديم ذكر الوعيد على غيره.

وقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ تعليل للنهى عن الحسبان المذكور.

والعزيز: الغالب على كل شيء.

أى: إن الله- تعالى- غالب على كل شيء، وذو انتقام شديد من أعدائه لأنهم تحت قدرته، ومادام الأمر كذلك فإخلاف الوعد منتف في حقه- تعالى-.

يقول تعالى مقررا لوعده ومؤكدا : ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) أي : من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .

ثم أخبر أنه ذو عزة لا يمتنع عليه شيء أراده ، ولا يغالب ، وذو انتقام ممن كفر به وجحده ) ويل يومئذ للمكذبين ) [ الطور : 11 ]

يقول تعالى ذكره: قد مكر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ، فسكنتم من بعدهم في مساكنهم ، مكرهم. وكان مكرهم الذي مكروا ما:

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا أبو إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبان (8) قال: سمعت عليا يقرأ: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال: كان ملك فره (9) أخذ فروخ النسور ، فعلفها اللحم حتى شبَّت واستعلجت واستغلظت . فقعد هو وصاحبه في التابوت وربطوا التابوت بأرجل النسور ، وعلقوا اللحم فوق التابوت ، فكانت كلما نظرت إلى اللحم صعدت وصعدت ، فقال لصاحبه: ما ترى؟ قال: أرى الجبال مثل الدخان ، قالا ما ترى؟ قال: ما أرى شيئا ، قال : ويحك صوّب صوّب ، قال: فذلك قوله: ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ).

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن واصل (10) عن عليّ بن أبي طالب ، مثل حديث يحيى بن سعيد ، وزاد فيه: وكان عبد الله بن مسعود يقرؤها: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا محمد بن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن واصل (11) أن عليا قال في هذه الآية: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال: أخذ ذلك الذي حاجّ إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما ، ثم استغلظا واستعلجا وشبَّا ، قال: فأوثق رجل كلّ واحد منهما بوتد إلى تابوت ، وجوّعهما ، وقعد هو ورجل آخر في التابوت ، قال : ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم ، قال : فطارا ، وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ قال: أرى كذا وكذا ، حتى قال: أرى الدنيا كأنها ذباب ، فقال: صوّب العصا ، فصوّبها فهبطا ، قال: فهو قول الله تعالى " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال أبو إسحاق: وكذلك في قراءة عبد الله " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " مكر فارس. وزعم أن بختنصر خرج بنسور ، وجعل له تابوتا يدخله ، وجعل رماحا في أطرافها واللحم فوقها . أراه قال: فعلت تذهب نحو اللحم حتى انقطع بصره من الأرض وأهلها ، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ ففرق : ثم سمع الصوت فوقه ، فصوّب الرماح ، فتصوّبت النسور ، ففزعت الجبال من هدّتها ، وكادت الجبال أن تزول منه من حسّ ذلك ، فذلك قوله " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد: " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ " كذا قرأها مجاهد " كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ" وقال: إن بعض من مضى جوّع نسورا ، ثم جعل عليها تابوتا فدخله ، ثم جعل رماحا في أطرافها لحم ، فجعلت ترى اللحم فتذهب ، حتى انتهى بصره ، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ فصوّب الرماح ، فتصوّبت النسور ، ففزعت الجبال ، وظنت أن الساعة قد قامت ، فكادت أن تزول ، فذلك قوله تعالى " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن عمر بن الخطاب ، أنه كان يقرأ " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثني هذا الحديث أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه كان يقرأ على نحو: " لَتَزُولُ " بفتح اللام الأولى ورفع الثانية.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن دانيل (12) قال: سمعت عليا يقول: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن دانيل (13) قال : سمعت عليا يقول: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال: ثم أنشأ عليّ يحدّث فقال: نـزلت في جبَّار من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أعلم ما في السماء ، ثم اتخذ نسورا فجعل يطعمها اللحم حتى غلظت واستعلجت واشتدّت ، وذكر مثل حديث شعبة.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو داود الحضرمي ، عن يعقوب ، عن حفص بن حميد أو جعفر ، عن سعيد بن جبير: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال: نمرود صاحب النسور ، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا ثم أمر بالنسور فاحتمل ، فلما صعد قال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: أرى الماء وجزيرة -يعني الدنيا- ثم صعد فقال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: ما نـزداد من السماء إلا بعدا ، قال : اهبط -وقال غيره: نودي- أيها الطاغية أين تريد؟ قال: فسمعت الجبال حفيف النسور ، فكانت ترى أنها أمر من السماء ، فكادت تزول ، فهو قوله: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، أن أنسا كان يقرأ: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ ".

وقال آخرون: كان مكرهم: شركهم بالله ، وافتراؤهم عليه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " يقول: شركهم ، كقوله تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال: هو كقوله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ ) ثم ذكر مثله.

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن الحسن كان يقول: كان أهون على الله وأصغر من أن تزول منه الجبال ، يصفهم بذلك. قال قتادة: وفي مصحف عبد الله بن مسعود: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ "، وكان قتادة يقول عند ذلك تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أي لكلامهم ذلك.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " قال ذلك حين دعوا لله ولدا. وقال في آية أخرى تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا .

حُدِثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) في حرف ابن مسعود: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " هو مثل قوله تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق ما خلا الكسائي ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقرأه الكسائي: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " بفتح اللام الأولى ورفع الثانية على تأويل قراءة من قرا ذلك: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " من المتقدمين الذين ذكرت أقوالهم ، بمعنى: اشتدّ مكرهم حتى زالت منه الجبال ، أو كادت تزول منه ، وكان الكسائي يحدّث عن حمزة ، عن شبل عن مجاهد ، أنه كان يقرأ ذلك على مثل قراءته " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " برفع تزول.

حدثني بذلك الحارث عن القاسم عنه.

والصواب من القراءة عندنا ، قراءة من قرأه ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال.

وإنما قلنا: ذلك هو الصواب ، لأن اللام الأولى إذا فُتحت ، فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الجبال ، ولو كانت زالت لم تكن ثابتة ، وفي ثبوتها على حالتها ما يبين عن أنها لم تزُل ، وأخرى إجماع الحجة من القرّاء على ذلك ، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره.

فإن ظنّ ظانٌّ أن ذلك ليس بإجماع من الحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك ، فإن الأمر بخلاف ما ظنّ في ذلك ، وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتح اللام الأولى ورفع الثانية قرءوا: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ " بالدال ، وهي إذا قرئت كذلك ، فالصحيح من القراءة مع " وَإِنْ كادَ " فتح اللام الأولى ورفع الثانية على ما قرءوا ، وغير جائز عندنا القراءة كذلك ، لأن مصاحفنا بخلاف ذلك ، وإنما خطَّ مصاحفنا وإن كان بالنون لا بالدال ، وإذ كانت كذلك ، فغير جائز لأحد تغيير رسم مصاحف المسلمين ، وإذا لم يجز ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قرّاء الأمصار دون من شذ بقراءته عنهم.

وبنحو ما قلنا في معنى ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ ) قال جماعة من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) ما كان مكرهم لتزول منه الجبال.

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال.

حدثني الحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن يونس وعمرو ، عن الحسن ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) قالا وكان الحسن يقول: وإن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال.

- قال: قال هارون: وأخبرني يونس ، عن الحسن قال: أربع في القرآن ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) ما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، وقوله لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ما كنا فاعلين ، وقوله إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ما كان للرحمن ولد ، وقوله وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ ما مكناكم فيه.

قال هارون: وحدثني بهنّ عمرو بن أسباط ، عن الحسن ، وزاد فيهنّ واحدة فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ما كنت في شكّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ .

فالأولى من القول بالصواب في تأويل الآية ، إذ كانت القراءة التي ذكرت هي الصواب لما بيَّنا من الدلالة في قوله ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) وقد أشرك الذين ظلموا أنفسهم بربهم وافتروا عليه فريتهم عليه ، وعند الله علم شركهم به وافترائهم عليه ، وهو معاقبهم على ذلك عقوبتهم التي هم أهلها ، وما كان شركهم وفريتهم على الله لتزول منه الجبال ، بل ما ضرّوا بذلك إلا أنفسهم ، ولا عادت بغية مكروهه إلا عليهم.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا وكيع بن الجرّاح ، قال : ثنا الأعمش ، عن شمر ، عن عليّ ، قال : الغدر: مكر ، والمكر كفر.

-----------------------

الهوامش :

(8) سيأتي ( ص 345 ) أن اسمه عبد الرحمن بن دانيل ، وقد نقل هذا الاسم القرطبي في تفسيره ( 9 : 380 ) ولم أجده في أسماء الرواة ، ولعل لفظتي " أبان ، وواصل " هنا تحريف عن " دانيل " .

(9) الفره : البطر الأشر . المتمادي في غيه .

(10) تقدمت الإشارة إليه في ( ص 244 ) .

(11) تقدمت الإشارة إليه في ( ص 244 ) .

(12) تقدمت الإشارة إليه في ( ص 244 ) .

(13) تقدمت الإشارة إليه في ( ص 244 ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[47] من دلائل الآية قوله: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ﴾: أن عباد الله يبتلون ابتلاءً يتزعزع معه اليقين حتى يحسبوا أن النصر لن يأتي, حينها يتنزل النصر.
وقفة
[47] ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ الله تعالى لا يخلف ميعاده لعباده الصالحين.
وقفة
[47] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ الله وعد أن النصر والتمكين لأوليائه الصالحين ووعده سينفذ مهما تمادى الظلم وتمدد فلن يخذل الله حزبه.
وقفة
[47] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ يفهم من هذا الأسلوب وجود (ابتلاء يتزعزع) معه اليقين حينها يتنزل النصر.
وقفة
[47] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ يعني: وعد النصر على الكفار؛ فإن قيل: هلا قال: مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ فالجواب أنه قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلًا على الإطلاق، ثم قال: (رُسُلَهُ) ليعلم أنه إذا لم يخلف وعد أحد من الناس فكيف يخلف وعد رسله، وخيرة خلقه، فقدم الوعد أولًا بقصد الإطلاق، ثم ذكر الرسل لقصد التخصيص.
وقفة
[47] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ الوعد الصدق من الله لأوليائه بالنصر لا يمكن أن يتخلف، لكن يضرب له موعدًا مرتبطًا بحكمته وقدره.
وقفة
[47] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾ لن يخلف الله وعده عن رسله وأوليائه، بل حتمًا سيأتيهم النصر والتمكين.
عمل
[47] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾ يا من ظلمه الناس: اطمئن؛ فإن الله حسبك وسينتقم لك بصورة تذهلك، لتعلم أن من احتمى بالعزيز فهو عزيز.

الإعراب :

  • ﴿ فَلا تَحْسَبَنَّ:
  • الفاء: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تحسبن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا ونون التوكيد لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت أي فلا تظنّن.
  • ﴿ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ:
  • ا لله مخلف: مفعولا «تحسبن» منصوبان بالفتحة. وعده: مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. رسله: مفعول به للمصدر «وعده» منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: إنّا لننصر رسلنا. وهنا قدم المفعول الثاني على الأول أو فصل اسم الفاعل عن مفعوله الأول بالثاني.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «إن» منصوب للتعظيم بالفتحة. عزيز: خبر «إنّ» مرفوع بالضمة. ذو: خبر ثان لأنّ مرفوع بالواو لأنه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. انتقام: مضاف اليه مجرور بالكسرة المنونة. '

المتشابهات :

آل عمران: 4﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ
المائدة: 95﴿عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ
ابراهيم: 47﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ
الزمر: 37﴿وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّـهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّه ليس غافلًا عمَّا يعملُ الظالمُونَ؛ بَيَّنَ هنا أنَّه ليس مخلفًا وعدَه بنصرِ رسلِه، قال تعالى:
﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مخلف وعده رسله:
قرئ:
1- بإضافة «مخلف» إلى «وعده» ، ونصب «رسله» ، وهى قراءة الجمهور.
2- بنصب «وعده» وإضافة «مخلف» إلى «رسله» ، على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول.

مدارسة الآية : [48] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ..

التفسير :

[48] وانتقام الله تعالى مِن أعدائه في يوم القيامة، يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى بيضاء نقيَّة كالفضة، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها، وتخرج الخلائق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار، المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء.

أي:إذا أراد أن ينتقم من أحد، فإنه لا يفوته ولا يعجزه، وذلك في يوم القيامة،{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} تبدل غير السماوات، وهذا التبديل تبديل صفات، لا تبديل ذات، فإن الأرض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الأديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومَعْلم، فتصير قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتكون السماء كالمهل، من شدة أهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله -تعالى- بيمينه.

{ وَبَرَزُوا} أي:الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء،{ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي:المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره، فلا يتحرك منها متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض العلامات التي تدل على قرب قيام الساعة فقال- تعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره اذكر.

وقوله «تبدل» من التبديل بمعنى التغيير، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون في ذواتهما كما في قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ...

وقد يكون في صفاتهما كقولك «بدلت الحلقة خاتما» وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال: «وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن عدى، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ... قالت: قلت:

أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «لقد سألتنى عن شيء ما سألنى عنه أحد من أمتى، ذاك أن الناس- يومئذ يكونون- على جسر جهنم».

والمعنى: اذكر- أيها العاقل- لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد، يأتى به الله- تعالى- على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جميعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم، وليجازوا على أعمالهم. من الله- تعالى- الواحد الأحد، الذي قهر كل شيء وغلبه، ودانت له الرقاب، وخضعت له الألباب.

وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله- تعالى- للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه في العبادة، ويتوهمون أن هذه الآلهة سوف تدافع عنهم يوم القيامة.

ولهذا قال : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أي : وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " على الصراط " .

رواه مسلم منفردا به دون البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

ورواه أحمد أيضا ، عن عفان ، عن وهيب عن داود ، عن الشعبي ، عنها ولم يذكر مسروقا .

وقال قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : قالت يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ، ذاك أن الناس على جسر جهنم .

وروى الإمام أحمد من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ] فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " هم على متن جهنم " .

وقال ابن جرير : حدثنا الحسن ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني القاسم ، سمعت الحسن قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) فأين الناس يومئذ ؟ قال : " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد " قال : " على الصراط يا عائشة " .

ورواه أحمد ، عن عفان عن القاسم بن الفضل ، عن الحسن به .

وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد - يعني : أخاه - أنه سمع أبا سلام ، حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " فقال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه فقال : " سل " فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم في الظلمة دون الجسر " قال فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقال : " [ فقراء ] المهاجرين " . قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ؟ قال : " أينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " " قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به " .

[ و ] قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حبر من اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) فأين الخلق عند ذلك ؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " .

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به .

وقال شعبة : أخبرنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون - وربما قال : قال عبد الله ، وربما لم يقل - فقلت له : عن عبد الله ؟ فقال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : أرض كالفضة البيضاء نقية ، لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .

وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود بنحوه . وكذا رواه عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود به .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون لم يخبر به . أورد ذلك كله ابن جرير .

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل ، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، حدثنا جرير بن أيوب ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله - عز وجل - : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : " أرض بيضاء لم يسقط عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة " . ثم قال : لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب ، وليس بالقوي .

ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان عن جابر الجعفي ، عن أبي جبيرة عن زيد قال : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود فقال : " هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة " . فلما جاءوا سألهم فقالوا : تكون بيضاء مثل النقي .

وهكذا روي عن علي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة .

وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تصير الأرض فضة ، والسموات ذهبا .

وقال الربيع : عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : تصير السموات جنانا .

وقال أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : [ تبدل ] خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .

وكذا روى وكيع ، عن عمر بن بشير الهمداني ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل خبزة بيضاء ، يأكل المؤمن من تحت قدميه .

وقال الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله - هو ابن مسعود - : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .

وقال الأعمش أيضا ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، [ و ] الجنة من ورائها ، ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب . قالوا مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يلقون .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : تصير السموات جنانا ، ويصير مكان البحر نارا ، وتبدل الأرض غيرها .

وفي الحديث الذي رواه أبو داود : " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ، فإن تحت البحر نارا - أو : تحت النار بحرا " .

وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة " .

وقوله : ( وبرزوا لله ) أي : خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله ( الواحد القهار ) أي : الذي قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ ) الذي وعدهم من كذّبهم ، وجحد ما أتَوْهم به من عنده ، وإنما قاله تعالى ذكره لنبيه تثبيتا وتشديدا لعزيمته ، ومعرّفه أنه منـزل من سخطه بمن كذّبه وجحد نبوّته ، وردّ عليه ما أتاه به من عند الله ، مثال ما أنـزل بمن سلكوا سبيلهم من الأمم الذين كانوا قبلهم على مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند الله عليهم.

وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) يعني بقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) لا يمانع منه شيء أراد عقوبته ، قادر على كلّ من طلبه ، لا يفوتُه بالهَرَب منه.( ذُو انْتِقَامٍ ) ممن كفر برسله وكذّبهم ، وجحد نبوتهم ، وأشرك به واتخذ معه إلها غيره. وأضيف قوله ( مُخْلِفَ ) إلى الوعد ، وهو مصدر ، لأنه وقع موقع الاسم ، ونصب قوله (رُسُلَهَ) بالمعنى ، وذلك أن المعنى: فلا تحسبنّ الله مخلف رسله وعده ، فالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة " مخلف " إليه ، ففي معنى النصب ، وذلك أن الإخلاف يقع على منصوبين مختلفين ، كقول القائل: كسوت عبد الله ثوبا ، وأدخلته دارا ؛ وإذا كان الفعل كذلك يقع على منصوبين مختلفين ، جاز تقديم أيِّهما قُدّم ، وخفضُ ما وَلِيَ الفعل الذي هو في صورة الأسماء ، ونصب الثاني ، فيقال: أنا مدخلُ عبد الله الدار ، وأنا مدخلُ الدَّارِ عبدَ الله ، إن قدَّمت الدار إلى المُدْخل وأخرت عبدَ الله خفضت الدار ، إذ أضيف مُدْخل إليها ، ونُصِب عبد الله ؛ وإن قُدّم عبدُ الله إليه ، وأخِّرت الدار ، خفض عبد الله بإضافة مُدْخلٍ إليه ، ونُصِب الدار ؛ وإنما فعل ذلك كذلك ، لأن الفعل ، أعني مدخل ، يعمل في كلّ واحد منهما نصبا نحو عمله في الآخر ؛ ومنه قول الشاعر:

تَـرَى الثَّـوْرَ فيهـا مُدْخِلَ الظِّلِّ رأسَهُ

وسـائرُهُ بـادٍ إلـى الشَّـمْسِ أجْـمَعُ (14)

أضاف مُدْخل إلى الظلّ ، ونصب الرأس ، وإنما معنى الكلام: مدخلٌ رأسَه الظلَّ. ومنه قول الآخر:

فَرِشْــني بِخَـيْرٍ لا أكُـونَ وَمِدْحَـتِي

كنــاحِتِ يَــوْمٍ صَخْــرَةٌ بعَسِـيلِ (15)

والعسيل: الريشة جُمع بها الطيب ، وإنما معنى الكلام: كناحت صخرة يوما بعسيل ، وكذلك قول الآخر:

رُبَّ ابْــنِ عَــمٍّ لِسُـلَيْمَى مُشْـمَعِلْ

طَبَّـاخِ سـاعاتِ الكَـرَى زَادَ الكَسِـلْ (16)

وإنما معنى الكلام: طباخ زاد الكَسل ساعات الكَرَى.

فأما من قرأ ذلك ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلُهُ ) فقد بيَّنا وجه بُعْدِه من الصحة في كلام العرب في سورة الأنعام ، عند قوله وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

--------------------------

الهوامش :

(14) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 165 ) كما استشهد به المؤلف ، ولم ينسبه ، قال : وقوله " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " أضفت مخلف إلى الوعد ، ونصبت الرسل على التأويل ، وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل : كسوتك الثوب ، وأدخلتك الدار ، فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل ، فتقول : هو كاسي عبد الله ثوبا ، ومدخله الدار ، ويجوز هو كاسي الثوب عبد الله ، ومدخل الدار زيدا .. ومثله قول الشاعر : ترى الثور .. البيت ، فأضاف مدخل إلى الظن ، وكان الوجه أن يضف مدخل إلى الرأس .

(15) وهذا البيت أيضا من شواهد الفراء ( الورقة 165 ) عطفه على آخر قبله وعطفهما على الأول ، ومحل الشاهد فيه : أن الشاعر أضاف ناحت وهو وصف مشبه الفعل إلى يوم ، ونصب الصخرة ، والأولى إضافة الوصف إلى الصخرة ، ونصب يوما على ما قاله القراء .

(16) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 165 ) على أن طباخ كان حقه أن يضاف إلى " زاد الكسل " ، فأضافه الشاعر إلى الساعات . والمشمعل : الخفيف الماضي في الأمر المسرع . والكرى : النوم .

التدبر :

وقفة
[48] ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ﴾ لا الأرض ولا الجبال هي نفسها، كل شيء سيتبدل ولن ينجو من هذه المعمعة إلا من آمن أو كسب بإيمانه خيرًا.
وقفة
[48] ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ﴾ الأرض الجديدة قد تساوت ذراتها، واستوى سطحها، فلا جبل ولا معلم لأحد، يوم العدالة المطلقة.
وقفة
[48] ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ القادر على تبديل الأرض والسموات يوم القيامة قادر أن يبدل حال الحزن فيك إلى فرح، والمرض إلى صحة، والهم إلى فرج؛ فلا تيأس.
وقفة
[48] ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ قال الطاهر بن عاشور: «وتبديل الأرض والسماوات يوم القيامة: إما بتغيير الأوصاف التي کانت لها، وإبطال النظم المعروفة فيها في الحياة الدنيا، وإما بإزالتها ووجدان (خلق) أرض وسماوات أخرى في العالم الأخروي، وحاصل المعنی: استبدال العالم المعهود بعالم جديد».
وقفة
[48] ﴿وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ الذين قهروا عباد الله الصادقين ونكلوا بهم بالدنيا فلن يفلتوا من قبضة القهار، فالحق منصور لا محالة.
وقفة
[48] ﴿وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ حتى ولو غفر لك مجرد تخيل منظر الوقوف على الأقدام ألف سنة ثم العرض بين يديه منظر مهيب جدًا؛ فارحموا تُرحموا.

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ:
  • الجملة: في محل نصب بدل من قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ في الآية الكريمة الرابعة والأربعين أو يعرب «يوم» ظرف زمان منصوبا على الظرفية بالفتحة أي للانتقام. والمعنى: يوم تتبدل هذه الأرض أرضا أخرى وكذلك السموات والتبديل: هو التغيير و «تبدل» فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. الأرض: نائب فاعل مرفوع بالضمة وجملة تُبَدَّلُ الْأَرْضُ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ غَيْرَ الْأَرْضِ:
  • غير: صفة-نعت-لموصوف مقدر منصوب أي «أرضا غير هذه الأرض».وهي منصوبة بالفتحة ويجوز أن تكون «غير» مفعولا به لمضمر تقديره ونسويها أو نغيرها. الأرض: مضاف اليه مجرور بالكسرة. ويجوز أن تكون-غير حالا منصوبا بالفتحة.
  • ﴿ وَالسَّماااتُ وَبَرَزُوا:
  • والسموات: معطوفة بالواو على «الأرض» وتعرب اعرابها وحذف عاملها لدليل يدلّ عليه أي ويوم تبدل السموات كذلك الواو عاطفة. برزوا: بمعنى «يبرزون» وهو فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة..
  • ﴿ لِلّهِ الْااحِدِ الْقَهّارِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق ببرزوا. الواحد القهار: صفتان-نعتان-متتابعان للفظ‍ الجلالة مجروران وعلامة جرهما الكسرة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     ولَمَّا قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾، بيَّنَ هنا وقتَ الانتقام، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تبدل:
وقرئ:
نبدل، بالنون، ونصب «الأرض» .
وبرزوا:
وقرئ:
بضم الباء وكسر الراء مشددة، على البناء للمفعول، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [49] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ..

التفسير :

[49] وتُبْصِرُ -أيها الرسول- المجرمين يوم القيامة مقيدين بالقيود، قد قُرِنت أيديهم وأرجلهم بالسلاسل، وهم في ذُلٍّ وهوان.

{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ} أي:الذين وصفهم الإجرام وكثرة الذنوب،{ يَوْمَئِذٍ} في ذلك اليوم{ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} أي:يسلسل كل أهل عمل من المجرمين بسلاسل من نار فيقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما يحل بالمجرمين يوم القيامة من عذاب عنيف مهين يناسب إجرامهم وكفرهم فقال: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ، سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ.

وقوله «مقرنين» جمع مقرن، وهو من جمع مع غيره في قرن ووثاق واحد يربطان به.

والأصفاد: جمع صفد- بفتح الفاء- وهو القيد الذي يوضع في الرجل، أو الغل- بضم الغين- الذي تضم به اليد والرجل إلى العنق.

يقول تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) وتبرز الخلائق لديانها ، ترى يا محمد يومئذ المجرمين - وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم - ( مقرنين ) أي : بعضهم إلى بعض ، قد جمع بين النظراء أو الأشكال منهم ، كل صنف إلى صنف ، كما قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) [ الصافات : 22 ] وقال : ( وإذا النفوس زوجت ) [ التكوير : 7 ] وقال : ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ) [ الفرقان : 13 ] وقال : ( والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ) [ ص : 37 ، 38 ] .

والأصفاد : هي القيود ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والأعمش ، وعبد الرحمن بن زيد . وهو مشهور في اللغة ، قال عمرو بن كلثوم .

فآبوا بالثياب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا

يقول تعالى ذكره: إن الله ذو انتقام ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) من مشركي قومك يا محمد من قريش ، وسائر من كفر بالله وجحد نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك. فيوم من صلة الانتقام.

واختلف في معنى قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم تبدّل الأرض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الأرض ، فتصير أرضا بيضاء كالفضة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون يحدّث ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) قال: أرض كالفضة نقية لم يَسِل فيها دم ، ولم يُعْمَل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفُذهُم البصر ، حُفاة عُراة قياما ،أحسب قال: كما خُلِقوا ، حتى يلجمهم العرق قياما وَحْدَه.

قال: شعبة: ثم سمعته يقول: سمعت عمرو بن ميمون ، ولم يذكر عبد الله ثم عاودته فيه ، قال : حدثنيه هبيرة ، عن عبد الله.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون وربما قال: قال عبد الله: وربما لم يقل ، فقلت له: عن عبد الله؟ قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرض كالفضة بيضاء نقية ، لم يسل فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، فينفُذهُم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عُراة كما خُلِقوا ، قال: أراه قال: قياما حتى يُلجمهم العرق.

حدثنا الحسن ، قال : ثنا شبابة ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، في قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) قال: تبدّل أرضا بيضاء نقية كأنها فضة ، لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمَل فيها خطيئة.

حدثني المثنى ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، في قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرض الجنة بيضاء نقية ، لم يعمل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفذه البصر ، حفاة عراة قياما يلجمهم العرق.

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمل فيها خطيئة.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : ثنا حماد بن زيد ، قال : أخبرنا عاصم بن بَهْدلة ، عن زِرّ بن حُبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه تلا هذه الآية ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) قال: يجاء بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يُسْفك فيها دم ، ولم يُعمل عليها خطيئة ، قال : فأوّل ما يحكم بين الناس فيه في الدماء.

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا معاوية بن هشام ، عن سنان ، عن جابر الجُعفيّ ، عن أبي جبيرة ، عن زيد ، قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود ، فقال: هَلْ تَدْرُونَ لِمَ أَرْسَلْتُ إلَيْهِمْ ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: فإني أرْسَلْتُ إلَيْهِمْ أسألُهُمْ عَنْ قَوْلِ الله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) إنَّها تَكُونُ يَوْمَئذٍ بَيْضَاءَ مثْلُ الفضَّةِ ، فلما جاءوا سألهم . فقالوا: تكون بيضاء مثل النقيّ (17) .

حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، أنه تلا هذه الآية ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يُعمل عليها الخطايا ، ينـزلها الجبَّار تبارك تعالى.

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا شبابة ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرض كأنها الفضة ، زاد الحسن في حديثه عن شبابة: والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة.

حدثا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرض كأنها الفضة ، والسموات كذلك أيضا.

حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريمَ ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : ثني أبو حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القيامَةِ على أرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصةِ النُّقِيّ". قال سهل أو غيره: ليس فيها معلم لغيره.

وقال آخرون: تبدّل نارا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السَّكن ، قال : قال عبد الله: الأرض كلها نار يوم القيامة ، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا ، حتى يرشح في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب ، فقالوا: مم ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مما يرى الناس ويلقون.

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال : قال عبد الله: الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب.

وقال آخرون: بل تبدّل الأرض أرضا من فضة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت المغيرة بن مالك يحدّث عن المجاشع أو المجاشعي ، شكّ أبو موسى، عمن سمع عليا يقول في هذه الآية ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: الأرض من فضة ، والجنة من ذهب.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن شعبة ، عن المغيرة بن مالك ، قال : ثني رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم ،أو ابن عبد الكريم، قال: حدثني هذا الرجل أراه بسمرقند ، أنه سمع عليّ بن أبي طالب قرأ هذه الآية ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: الأرض من فضة ، والجنة من ذهب.

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن مغيرة بن مالك ، عن رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم ،أو يكنى أبا عبد الكريم، قال: أقامني على رجل بخراسان ، فقال: حدثني هذا أنه سمع عليّ بن أبي طالب ، فذكر نحوه.

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) ... الآية ، فزعم أنها تكون فضة.

حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك قال: يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة.

وقال آخرون: يبدّلها خبزة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو سعد سعيد بن دلّ من صغانيان ، قال : ثنا الجارود بن معاذ الترمِذِيّ ، قال : ثنا وكيع بن الجرّاح ، عن عمر بن بشر الهمداني ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: تبدّل خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه.

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا وكيع ، عن أبى معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم.

وقال آخرون: تبدّل الأرض غير الأرض.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) قال: تصير السماوات جنانا ويصير مكان البحر النار. قال: وتبدل الأرض غيرها.

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَيَبْسُطُهَا وَيُسَطِّحهَا وَيَمُدّهَا مَدّ الأدِيم الْعُكَاظِيّ لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ، ثُمَّ يَزْجُر اللَّه الْخَلْق زَجْرَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الأرْض الْمُبَدَّلَة فِي مِثْل مَوَاضِعِهِمْ مِنْ الأوْلَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلى ظَهْرِها، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السَّمَاواتِ كَطَيّ السِّجلّ للْكِتابِ ، ثُمَّ يَدْحُو بِهِما ، ثُمَّ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرضِ والسَّمَواتُ".

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : يجمع الناس يوم القيامة في أرض بيضاء ، لم يُعمل فيها خطيئة مقدار أربعين سنة يلجمهم العرق.

وقالت عائشة في ذلك ، ما:

حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع ، قالوا: حدثنا يزيد بن زريع ، عن داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت: قلت: يا رسول الله ، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض ، وبرزوا لله الواحد القهَّار ، أين الناس يومئذ ؟ قال: عَلى الصِّرَاطِ".

حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.

حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، قال : قلت لعائشة: " يا أم المؤمنين أرأيت قول الله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) أين الناس يومئذ؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال: عَلَى الصِّرَاطِ ".

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا الحسن بن عنبسة الورَّاق ، قال : ثنا عبد الرحيم ، يعني ابن سليمان الرازي عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قلت: يا رسول الله ، إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين يكون الناس؟ قال: عَلى الصِّراطِ ".

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عاصم بن عليّ ، قال : ثنا إسماعيل بن زكريا ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة بنحوه.

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت : " أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية " ثم ذكر نحوه.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا ربعيّ بن إبراهيم الأسدي أخو إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، قال : قالت عائشة: يا رسول الله ، أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين الناس يومئذ؟ قال: عَلى الصراط".

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عليّ بن الجند ، قال : أخبرني القاسم ، قال : سمعت الحسن ، قال : قالت عائشة: يا رسول الله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) فأين الناس يومئذ؟ قال: إنَّ هذَا الشَّيْءَ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ ، قال : عَلى الصِّراطِ يا عائِشَةُ".

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : ثني الوليد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن حسان بن بلال المزنيّ ، عن عائشة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) قال: قالت: يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ؟ قال: لَقَدْ سألْتنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عنه أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي ، ذَاكَ إذَا النَّاسُ على جِسْر (18) جَهَنَّمَ".

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) ذُكر لنا أن عائشة قالت: " يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ؟ فقال: لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عنه أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكِ ، قال: هُمْ يَوْمَئِذٍ على جِسْرِ جَهَنَّمَ".

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال: عَلى الصِّرَاطِ.

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أسماء ، عن ثوبان ، قال : " سأل حبر من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُون الجسْرِ.

حدثني محمد بن عون ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاريّ ، قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حبرٌ من اليهود ، وقال: أرأيت إذ يقول الله في كتابه ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) فأين الخلق عند ذلك ؟ قال: أضْيافُ اللَّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ".

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال: معناه: يوم تبدّل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها ، وكذلك السماوات اليوم تبدّل غيرها ، كما قال جلّ ثناؤه ، وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة ، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا ، وجائز أن تكون غير ذلك ، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أي ذلك يكون ، فلا قول في ذلك يصحّ إلا ما دلّ عليه ظاهر التنـزيل.

وبنحو ما قلنا في معنى قوله ( وَالسَّمَاوَاتُ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ) قال: أرضا كأنها الفضة ( وَالسَّمَاوَاتُ) كذلك أيضا.

وقوله ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) يقول: وظهروا لله المنفرد بالربوبية ، الذي يقهر كلّ شيء فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء ، فيحيي خلقه إذا شاء ، ويميتهم إذا شاء ، لا يغلبه شيء ، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة.

------------------------------

الهوامش :

(17) في اللسان : وفي الحديث : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء ، كقرصة النقي " قال أبو عبيد : النقي الخبز الحواري .

(18) في تاج العروس : الجسر ، بالفتح : الذي يعبر عليه كالقنطرة ونحوها ، ويكسر لغتان .

التدبر :

وقفة
[49] ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ إنه يوم يشفِي الله به صدور قوم مؤمنين بالمجرمين الذين لم يعترفوا بحق، وضيقوا على أهله.
تفاعل
[49] ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[49] ﴿وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد﴾ إنه يوم يشفِ الله به صدور قوم مؤمنين بالمجرمين الذين لم يعترفوا بالحق.
وقفة
[49] ﴿مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ جمعوا مع غيرهم في قيد واحد، قد ضم کل قرين إلى من يشبهه في الكفر والفسوق والعصيان، فعابد الصنم مع عابد الصنم، وشارب الخمر مع شارب الخمر، والظالم مع الظالم، كما قال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات: 22].

الإعراب :

  • ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ:
  • الواو: عاطفة. ترى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. المجرمين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة والمفرد.
  • ﴿ يَوْمَئِذٍ:
  • ظرف زمان متعلق بترى منصوب بالفتحة وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الذي حرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين: سكونه وسكون التنوين في محل جر بالاضافة. وقد نونت كلمة «إذ» لمزيتها حيث انّ الاسماء لا تضاف إلى الحروف.
  • ﴿ مُقَرَّنِينَ:
  • حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. بمعنى: مشدودين بعضهم الى بعض في الأغلال أي قرن بعضهم الى بعض لتشاركهم في العقائد والأعمال.
  • ﴿ فِي الْأَصْفادِ:
  • أي في القيود: جار ومجرور متعلق بمقرنين: أي يقرنون في الأصفاد ويجوز أن لا يتعلق به فيكون المعنى: مقرنين مصفدين. '

المتشابهات :

ابراهيم: 49﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ
ص: 38﴿وَآخَرِينَ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل وقتَ انتقامه من المجرمين؛ بيَّنَ هنا ما سيحل بالمجرمين من عذاب مهين يناسب إجرامهم وكفرهم، قال تعالى:
﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ ..

التفسير :

[50] ثيابهم من القَطِران الشديد الاشتعال، وتلفح وجوههم النار فتحرقها.

{ سَرَابِيلُهُمْ} أي:ثيابهم{ مِنْ قَطِرَانٍ} وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها،{ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ} التي هي أشرف ما في أبدانهم{ النَّارَ} أي:تحيط بها وتصلاها من كل جانب، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى، وليس هذا ظلما من الله لهم وإنما هو جزاء لما قدموا وكسبوا

والسرابيل: جمع سربال وهو القميص.

والقطران: مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جلود الإبل الجربى، ليزول الجرب منها. أى: وترى- أيها العاقل- المجرمين في هذا اليوم العسير عليهم «مقرنين في الأصفاد» أى: قد قرن بعضهم مع بعض، وضم كل قرين إلى من يشبهه في الكفر وفي الفسوق وفي العصيان، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد والقيود والأغلال.

قال- تعالى- احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ...

أى: وأمثالهم من العصاة، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم، وشارب الخمر مع شارب الخمر. ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال- تعالى- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا.

هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون في الأصفاد، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا في عقابهم، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران، ليجتمع لهم لذعته، وقبح لونه، ونتن ريحه، وسرعة اشتعاله، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التي تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران.

وخص- سبحانه الوجوه بغشيان النار لها، لكونها أعز موضع في البدن وأشرفه.

وقوله : ( سرابيلهم من قطران ) أي : ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ، وهو الذي تهنأ به الإبل ، أي : تطلى ، قاله قتادة . وهو ألصق شيء بالنار .

ويقال فيه : " قطران " بفتح القاف وكسر الطاء ، وبفتح القاف وتسكين الطاء ، وبكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم .

كأن قطرانا إذا تلاها ترمي به الريح إلى مجراها

وكان ابن عباس يقول : القطران هو : النحاس المذاب ، وربما قرأها : " سرابيلهم من قطران " أي : من نحاس حار قد انتهى حره . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة .

وقوله : ( وتغشى وجوههم النار ) كقوله : ( تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) [ المؤمنون : 104 ] .

وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أربع من أمر الجاهلية لا يتركن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " . انفرد بإخراجه مسلم .

وفي حديث القاسم ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " النائحة إذا لم تتب ، توقف في طريق بين الجنة والنار ، وسرابيلها من قطران ، وتغشى وجهها النار " .

يقول تعالى ذكره: وتعاين الذين كفروا بالله ، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ ، يعني: يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات.( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد ، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة ، واحدها: صَفَد ، يقال منه: صفدته في الصَّفَد صَفْدا وصِفادا ، والصفاد: القيد ، ومنه قول عمرو بن كلثوم:

فَـــآبُوا بالنِّهـــابِ وبالسَّـــبايا

وأُبْنـــا بـــالمُلُوكِ مُصَفَّدِينـــا (19)

ومن جعل الواحد من ذلك صِفادا جمعه: صُفُدا لا أصفادا ، وأما من العطاء ، فإنه يقال منه: أصفدتُهُ إصفادا ، كما قال الأعشى:

تَضَيَّفْتُــهُ يَوْمــا فـأكْرَمَ مَجْلِسِـي

وأصْفَــدَنِي عِنْــدَ الزَّمانَـةِ قـائِدَا (20)

وقد قيل في العطاء أيضا: صَفَدَني صَفْدا ، كما قال النابغة الذبياني:

هَــذَا الثَّنــاءُ فـإنْ تَسْـمَعْ لِقَائِلِـهِ

فَمَـا عَـرَضْتُ أبَيْـتَ اللَّعْـنَ بالصَّفَدِ (21)

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: في وثاق.

حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الأصفاد: السلاسل

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: مقرّنين في القيود والأغلال.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، قال : سمعت الأعمش ، يقول: الصفد: القيد.

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفاد: الأغلال.

وقوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول: قمصهم التي يلبسونها ، واحدها: سربال ، كما قال امرؤ القيس:

لَعُوبٌ تُنَسِّيني إذَا قُمْتُ سرْبالي (22)

------------------------

الهوامش :

(19) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته . وآبوا : رجعوا . والنهاب : جمع نهب . والمصفدون : المغللون بالأصفاد ، الواحد : صفد ، وهو الغل . يقول : ظفرنا بهم ، فلم نلتفت إلى أسلابهم ، ولا أموالهم ، وعمدنا إلى ملوكهم ، فصفدناهم في الحديد . وفي ( اللسان : صفه ) : الصفاد : حبل يوثق به أو غل . وهو الصفد ، والصفد ( بتسكين الفاء وتحريكها ) . والجمع : الأصفاد . قال ابن سيده : لا نعمله كسر على غير ذلك . وفي التنزيل " مقرنين في الأصفاد " . قيل : هي الأغلال . وقيل : القيود . واحدها صفد . وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني ، وشرح القصائد العشر للتبريزي .

(20) البيت للأعشى ( اللسان : صفد ، وديوان الأعشى طبع القاهرة ص 65 ) من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي ، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي . وتضيفته : نزلت عنده ضيفا ، وأصفدني : أعطاني ، من الصفد بمعنى العطية هنا . يقول : لما زرت هوذة في " جو " أكرم وفادتي عليه ، وقربني من مجلسه ، وأعطاني قائدا يقودني لما رأى من آثار الضعف والكلال وسوء البصر ، ورواية الديوان : " على " في موضع " عند " .

(21) هذا البيت للنابغة الذيباني ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 155 ) . والصفد هنا : بمعنى العطاء كالذي قبله . وفي الشطر الثاني منه : فلم أعرض ، في مكان : فما عرضت .

(22) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر من لاميته المطولة ( 54 بيتا ) ، وصدره " ومثلك بيضاء العوارض طفلة " ( انظر مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 37 ) . وهذا البيت ساقط من نسخة الديوان بشرح الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي ، وثابت في نسخة الأعلم الشنتمري ، وفيما نقله البغدادي في خزانة الأدب الكبرى من أبيات القصيدة ( ج 1 : 197 ) أورده بعد قول امرئ القيس : " وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي " . والواو في البيت : واو رب . والخطاب لبسباسة . والعارض والعارضة صفحة الخد وصفحة العنق ، وجانب الوجه ، وما يستقبلك من الشيء ، ومن الوجه ما يبدو عن الضحك ، والطفلة ( بالفتح ) : الناعمة البدن . واللعوب : الحسنة الدل . والسربال : القميص ، يريد : تذهب بفؤادي ، حتى أنسى قميصي ، والشاهد فيه عند الطبري ، أن السربال : هو القميص عند العرب .

التدبر :

وقفة
[50] تأمل سر اختيار القطران دون غيره في قوله تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَان وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾، وذلك -والله أعلم- لأن له أربع خصائص: حار على الجلد، وسريع الاشتعال في النار، ومنتن الريح، وأسود اللون، تطلى به أجسامهم حتى تكون كالسرابيل! ثم تذكر -أجارك الله من عذابه- أن التفاوت بين قطران الدنيا وقطران الآخرة، كالتفاوت بين نار الدنيا ونار الآخرة.
وقفة
[50] ﴿وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ هذه الوجوه التي نزع منها الحياء، فلم توقر الله ولا عباده وعاشت بالدنيا بلا قيم، فاليوم مالها من مكرم.
وقفة
[50] ﴿وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ وذكروا أن تخصيص الوجوه بالإحراق مع عمومه لسائر الجسد لأسباب: 1- کونها أعين الأعضاء الظاهرة وأشرفها. 2- ولأنها مجمع المشاعر والحواس التي خلقت لإدراك الحق، وقد أعرضوا عن الحق، ولم يستعملوها في استقباله وتدبره، فعوقبوا فيها. 3- أو لخلوها عن القطران الذي يعذب الجسد، فذكر تعذيبها بالنار بدلًا منه، ولعل تخلية الوجوه من القطران ليتعارفوا عند انکشاف ألسنة اللهب ويتضاعف عذابهم بالخزي والفضيحة على رءوس الأشهاد.
تفاعل
[50] ﴿وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ:
  • أي قمصانهم جمع سربال. مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. من قطران: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ:
  • الواو عاطفة أو استئنافية. تغشى: أي تغطي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. وجوه: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون حرك بالضم لاشباع الميم في محل نصب مفعول به مقدم. النار: فاعل مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     وبعد بيان ذُلِّ وهوان المجرمين؛ بيَّنَ اللهُ عز وجل هنا لباسهم وشدة عذابهم، قال تعالى:
﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قطران:
وقرئ:
1- بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، و «آن» : اسم فاعل، من «أنى» ، صفة ل «قطر» ، وهى قراءة على، وأبى هريرة وابن عباس وعكرمة، وابن جبير، وابن سيرين والحسن، وسنان بن سلمة بن المحنق، وزيد ابن على، وقتادة، وأبى صالح، والكلبي، وعيسى الهمداني، وعمرو بن فائد، وعمرو بن عبيد.
2- بفتح القاف وإسكان الطاء، وهى قراءة عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب.
وجوههم:
قرئ:
1- بالنصب، وهى قراءة الجمهور.
2- بالرفع، على التجوز.

مدارسة الآية : [51] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا ..

التفسير :

[51] فَعَل الله ذلك بهم؛ جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا، والله يجازي كل إنسان بما عمل مِن خير أو شر، إن الله سريع الحساب.

{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} من خير وشر بالعدل والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه.

{ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} كقوله تعالى:{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ويحتمل أن معناه:سريع المحاسبة فيحاسب الخلق في ساعة واحدة، كما يرزقهم ويدبرهم بأنواع التدابير في لحظة واحدة لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه.

وقوله- سبحانه- لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ... متعلق بمحذوف، والتقدير:

فعل ما فعل- سبحانه- من إثابة المؤمنين، ومعاقبة المجرمين، ليجازى كل نفس بما تستحقه من خير أو شر، دون أن يظلم ربك أحدا.

وقوله إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أى: إنه- سبحانه- سريع المحاسبة لعباده، لأنه لا يشغله شأن عن شأن، بل جميع الخلق بالنسبة لقدرته كالنفس الواحدة.

قال- تعالى- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ...

وقوله : ( ليجزي الله ) أي : يوم القيامة ، كما قال : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] .

( إن الله سريع الحساب ) يحتمل أن يكون كقوله تعالى : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) ويحتمل أنه في حال محاسبته لعبده سريع النجاز ; لأنه يعلم كل شيء ، ولا يخفى عليه خافية ، وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم ، كقوله تعالى : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان : 28 ] وهذا معنى قول مجاهد : ( سريع الحساب ) [ إحصاء ] .

ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين ، والله أعلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) قال: السرابيل: القُمُص. وقوله ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث: يقال: قِطران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه. وقيل: إن عيسى بن عمر كان يقرأ " مِنْ قِطْرَانٍ" بكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم:

جَــوْنٌ كــأنَّ العَــرَقَ المَنْتُوحـا

لَبَّسُـــه القِطْـــرَانَ والمُسُــوحا (23)

بكسر القاف ، وقال أيضا:

كـــأنَّ قِطْرَانـــا إذَا تَلاهَـــا

تَــرْمي بِـهِ الـرّيحُ إلـى مَجْرَاهـا (24)

بالكسر.

وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يعني: الخَصْخَاص هِناء الإبل.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال: قطران الإبل.

وقال بعضهم: القطران: النحاس.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قَطران: نحاس ، قال ابن جريج: قال ابن عباس ( مِنْ قَطِرَانٍ ) نحاس.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال: هي نحاس ، وبهذه القراءة: أعني بفتح القاف وكسر الطاء ، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعتِه ، وتوجيه معنى القَطر إلى أنه النحاس ، ومعنى الآن ، إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة.

وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا عكرمة مولى ابن عباس ، حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين عنه.

ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: قطر ، والآن: الذي قد انتهى حرّه.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير نحوه.

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه.

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ".

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا المبارك بن فضالة ، قال : سمعت الحسن يقول: كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه: قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها.

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: القطر: النحاس ، والآن: يقول: قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول: حميمٌ آن.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا ثابت بن يزيد ، قال : ثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في هذه الآية " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من نحاس ، قال : آن أنى لهم أن يعذّبوا به.

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حُصَين ، عن عكرمة ، في قوله " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: الآني: الذي قد انتهى حرّه.

حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله: " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: هو النحاس المذاب.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" يعني: الصِّفر المذاب.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن قتادة " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من نحاس.

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : ثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من صفر قد انتهى حرّه.

وكان الحسن يقرؤها " مِنْ قَطْرٍ آنٍ".

وقوله ( وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ) يقول: فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا ، كيما يثيب كلّ نفس بما كسبت من خير وشرّ ، فيَجْزِي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ( إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) يقول: إن الله عالم بعمل كلّ عامل ، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كفّ ولا معاناة ، وهو سريع حسابه لأعمالهم ، قد أحاط بها علما ، لا يعزب عنه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره.

---------------------------

الهوامش :

(23) البيت في ( لسان العرب : نتح ) قال : النتح : خروج العرق من الجلد ، والدسم من النحي ، والندي من الثرى . نتح ينتح نتحا ونتوحا . وقال الجوهري : النتح : الرشح . ومناتح العرق : مخارجه من الجلد ، وأنشد : جون ... الخ . والقطران ( بالفتح وبالكسر وكظربان) : عصارة الأرز ، وهو الصنوبر ، يطبخ ثم تهنأ به الإبل ، وإنما جعلت سرابيلهم منه ، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود ( عن تاج العروس ). والمسوح : جمع مسح ، بكسر الميم ، وهو الكساء من الشعر : جمعه أمساح ومسوح .

(24) هذا الشاهد كالذي قبله ، على أن القطران ، بكسر القاف .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[51] ﴿لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ لا ظلم في ذلك اليوم، سنرى العدل بأبهى صوره، يوم سيكون مباركًا لكل مظلوم، وثقيل ومشؤوم على كل ظالم.
وقفة
[51] ﴿إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ لأنَّه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية، وأنَّ جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم.
وقفة
[51] ﴿إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يحاسب جميع العباد على كثرتهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وروي أنه بمقدار فواق ناقة، وروي بمقدار لمح البصر، فلا يشغله شأن عن شأن، بل جميع الخلق بالنسبة لقدرته کنفس واحدة.
وقفة
[51] ﴿إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ قيل لعلي: كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ فقال: کما يرزقهم في يوم.

الإعراب :

  • ﴿ لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ:
  • اللام: لام التعليل وهي حرف جر. يجزي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. كلّ: مفعول به منصوب بالفتحة. نفس: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام وجملة «يجزي الله» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ ما كَسَبَتْ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كسبت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. وجملة «كسبت» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فتكون «ما» وما تلاها. بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به وجملة «كسبت» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله: لفظ‍ الجلالة اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. سريع: خبر «إنّ» مرفوع بالضمة وهو مضاف. الحساب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره: الكسرة. '

المتشابهات :

البقرة: 281﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
آل عمران: 25﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
آل عمران: 161﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ابراهيم: 51﴿لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد ذكرِ شدة عذاب المجرمين؛ بيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه فعل ذلك بهم جزاءً وفاقًا بما كسبوا في الدنيا من الآثام، قال تعالى:
﴿ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [52] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ ..

التفسير :

[52] هذا القرآن الذي أنزلناه إليك -أيها الرسول- بلاغ وإعلام للناس؛ لنصحهم وتخويفهم، ولكي يوقنوا أن الله هو الإله الواحد، فيعبدوه وحده لا شريك له، وليتعظ به أصحاب العقول السليمة.

فلما بين البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه:{ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} أي:يتبلغون به ويتزودون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع، وجميع العلوم التي يحتاجها العباد.

{ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} لما فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب،{ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين على ألوهيته ووحدانيته، ما صار ذلك حق اليقين،{ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي:العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر.

إذ بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم، وتنورت أفكارهم لما أخذوه غضًّا طريًّا فإنه لا يدعو إلا إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها، ولا يستدل على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها.

وهذه القاعدة إذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة.

والحمد لله رب العالمين.

تم تفسير سورة إبراهيم الخليل

عليه الصلاة والسلام

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله- تعالى- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.

واسم الإشارة «هذا» يعود إلى ما أنزله الله- تعالى- من قرآن في هذه السورة وفي غيرها. و «بلاغ» مصدر بمعنى التبليغ.

والإنذار: التخويف من سوء عاقبة ارتكاب الشرور والآثام.

والألباب: جمع لب وهو الخالص من كل شيء، والمراد بها العقول.

أى: هذا القرآن الكريم الذي أنزلناه عليك يا محمد، فيه التبليغ الكافي لهداية الناس، وفيه ما يخوفهم من سوء عاقبة الكفر والفسوق والعصيان، وفيه ما يجعلهم يعلمون عن طريق توجيهاته وهداياته ودلائله، أن الله- تعالى- واحد لا شريك له، وفيه ما يجعل أصحاب العقول السليمة يتعظون ويعتبرون، فيترتب على ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة.

وخص- سبحانه- بالتذكر أولى الألباب، لأنهم هم الذين ينتفعون بهداية القرآن الكريم، أما غيرهم فهم كالأنعام بل هم أضل.

وقد رتب- سبحانه- في هذه الآية الكريمة، وسائل الدعوة إلى الحق ترتيبا عقليا حكيما، فبدأ بالصفة العامة وهي التبليغ، ثم ثنى بما يعقب ذلك من إنذار وتخويف، ثم ثلث بما ينشأ عنهما من العلم بوحدانية الله- تعالى-، ثم ختم بالثناء على أصحاب العقول السليمة

الذين ينتفعون بما يسمعون وبما يبصرون.

قال الإمام الرازي: «هذه الآية دالة على أنه لا فضيلة للإنسان، ولا منقبة له، إلا بسبب عقله، لأنه- تعالى- بين أنه إنما أنزل هذه الكتب، وإنما بعث الرسل، لتذكير أولى الألباب ... ».

وبعد: فهذه سورة إبراهيم- عليه السلام- وهذا تفسير لها.

أسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا، وشفيعا لنا يوم نلقاه- تعالى-.

يقول تعالى : هذا القرآن بلاغ للناس ، كقوله : ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] أي : هو بلاغ لجميع الخلق من إنس وجان ، كما قال في أول السورة : ( الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم )

( ولينذروا به ) أي : ليتعظوا به ، ( وليعلموا أنما هو إله واحد ) أي : يستدلوا بما فيه من الحجج والدلالات على أنه لا إله إلا هو ( وليذكر أولو الألباب ) أي : ذوو العقول .

يقول تعالى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس ، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم ، وأعذر إليهم بما أنـزل فيه من مواعظه وعبره ( وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ) يقول: ولينذروا عقاب الله ، ويحذروا به نقماته ، أنـزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ( وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) يقول: وليعلموا بما احتجّ به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد ، لا آلهة شتى ، كما يقول المشركون بالله ، وأن لا إله إلا هو الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم ، وسخر لهم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الأنهار.( وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) يقول: وليتذكر فيتعظ بما احتجّ الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن ، فينـزجر عن أن يجعل معه إلها غيره ، ويُشْرِك في عبادته شيئا سواه أهلُ الحجى والعقول ، فإنهم أهل الاعتبار والادّكار دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام ، فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) قال: القرآن ( وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ) قال: بالقرآن.( وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ)

آخر تفسير سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله ربّ العالمين.

التدبر :

وقفة
[52] ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 138]، ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ﴾: المقصود بالبيان والبلاغ هو القرآن الكريم، البيان على الله تعالى والبلاغ على الرسل، البيان يوضح به الحلال والحرام وكشف أحكام ومسائل مهمة، والبلاغ هو وصول الأمر غايته، وجاء هذا البلاغ بعد أن وصل الطغيان من الظالمين منتهاه.
وقفة
[52] سئل أبو الحسن الرماني: كل كتاب له ترجمة -أي: عنوان يلخص مضمونه- فما ترجمة كتاب الله؟ فقال: ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ﴾.
وقفة
[52] ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ بلاغ من الله موجه للعقول السليمة، إنَّ القرآن هو دستور وقانون ومنهج حياة.
وقفة
[52] ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الآية جمعت بين وقوع الحجة على من يقرأ القرآن، والتحذير من ترك العمل به، والبصيرة لمن يكون من أهله.
وقفة
[52] افتتحت سورة إبراهيم بـ ﴿كتاب أنزلناه إليك﴾ [1]، وختمت بـ ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، القرآن موعظة؛ لكن لا يتعظ به إلا أولو الألباب.
وقفة
[52] قال بعض السلف: «حُق لهذه الآية أن تكون عنوانًا لكتاب الله: ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾».
وقفة
[52] قضايا الألوهية والغيب لا يُنجي فيها إلا علم يقين، والشك فيها كالجهل أو أشد ﴿وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ﴾.
وقفة
[52] سورة إبراهيم سميت باسم إمام الموحدين، وفيها كلمة التوحيد: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ...﴾ [24]، وفيها دعاء إبراهيم بالثبات على التوحيد: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [35]، وختمت بإعلان التوحيد: ﴿وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ﴾.
وقفة
[52] التذكر يحدث بالتأمل والتفكر، وذلك أمر لا يفعله إلا من ينتفعون بعقولهم بالنظر في أنفسهم وما حولهم ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[52] ختمت يوسف بـ ﴿عبرة لأولي الألباب﴾ [يوسف: 111]، وختمت إبراهيم بـ ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ وصفاتهم في الرعد بينهما.

الإعراب :

  • ﴿ هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ:
  • هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بلاغ: خبر «هذا» مرفوع بالضمة. للناس: جار ومجرور متعلق ببلاغ أو بصفة له.
  • ﴿ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ:
  • الجملة معطوفة بالواو على محذوف أي: لينصحوا ولينذروا. اللام للتعليل بمعنى «لكن» وهي حرف جر و «ينذروا» فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون وهو فعل مبني للمجهول والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. به: جار ومجرور أي بهذا البلاغ متعلق بينذر. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق ببلاغ وجملة «ينذروا به» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ ااحِدٌ:
  • معطوفة بالواو على «لينذروا» وتعرب إعرابها وفعلها المضارع مبني للمعلوم. أنما: كافة ومكفوفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. إله: خبر «هو» مرفوع بالضمة. واحد: صفة أو توكيد لإله مرفوع بالضمة أيضا. والجملة الاسمية هُوَ إِلهٌ ااحِدٌ» سدت مسد مفعولي يعلموا.
  • ﴿ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ:
  • معطوفة بالواو على «ليعلموا» وتعرب اعرابها وعلامة نصب الفعل المضارع الفتحة. أولو: فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. أي ليذكر أولو العقول بمعنى أصحاب العقول والفعل «يذكر» أصله: يتذكر أدغمت التاء بالذال فحصل التشديد و «أولو» هي جمع بمعنى «ذوو» لا واحد له. وقيل هو اسم جمع واحده: ذو: بمعنى صاحب. الألباب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.'

المتشابهات :

ابراهيم: 52﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
الأنعام: 19﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
النحل: 51﴿وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     ولَمَّا اشتَمَلت هذه السُّورةُ على ما سبق مِن المواعِظِ والأمثالِ والحِكَم؛ تَرجَمَها سُبحانَه بما يصلُحُ عُنوانًا لجميعِ القُرآنِ، فقال تعالى:
﴿ هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولينذروا:
وقرئ:
1- بتاء مضمومة وكسر الدال، وهى قراءة مجاهد، وحميد.
2- بفتح الياء والذال، مضارع: نذر بالشيء، إذا علم به، وهى قراءة يحيى بن عمارة، وأحمد.
يزيد بن أسيد السلمى.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف