2382324252627282930

الإحصائيات

سورة يوسف
ترتيب المصحف12ترتيب النزول53
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول11تبدأ في الجزء12
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 6/29آلر: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (23) الى الآية رقم (24) عدد الآيات (2)

امرأةُ العزيزِ تراودُ يوسفَ عليه السلام عن نفسِه، ويوسفُ يستعينُ باللهِ فصرفَ عنه السوءَ والفحشاءَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (25) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (5)

تسَابقَا نحوَ البابِ، يوسفُ عليه السلام لينْجوَ، وهي لتمنَعَه من الخروجِ، فأمسكتْ بقميصِه فشقَّته من الخلفِ، ووجدا زوجَها عندَ البابِ، فكذَبتْ، ثُمَّ ظهرَتْ براءةُ يوسفَ عليه السلام.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (30) عدد الآيات (1)

انتشارُ الخبرِ بينَ نسوةِ المدينةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يوسف

الثقة في تدبير الله (اصبر ولا تيأس)/ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ/ الصبر الجميل/ يوسف الإنسان قصة نجاح

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إلى هؤلاء وإلى كل مسلم نزلت سورة يوسف.:   نزلت تهمس في أذن كل مسلم في فترات الضيق أو البلاء؛ لتقول له: تعلَّم من يوسف عليه السلام الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف. وبالمقابل: تعلَّم منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان، وذلك بالتواضع والإخلاص لله عز وجل. فالسورة ترشدنا أن حياة الإنسان هي عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة، فلا يوجد إنسان قط كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلها فترات شدة، وهو في الحالتين: الرخاء والشدة، يُختبر.
  • • سورة يوسف أحسن القصص::   لأنها اشتملت على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وإجداب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحل وترحال، وذل وعز. وعالجت مشاكل تربوية واجتماعية ونفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية.
  • • سورة يوسف أحسن القصص::   لأن في نهايتها حسن المآل وطيب العافية، فيعقوب عليه السلام رد إليه بصره وظفر بفلذة كبده، ويوسف عليه السلام آتاه الله الملك والحكمة، والأخوة تاب الله عليهم، ومنهم أو من ذريتهم اصطفى الله أسباط بني إسرائيل، وامرأة العزيز أقرت بذنبها وحسنت توبتها، وأهل مصر اجتازوا السبع الشداد حتى صار الناس يأتونهم من جميع الأقطار للمؤنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «‏يوسف».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم عليهم السلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنها ذكرت قصة ‏يوسف عليه السلام كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، بل لم يذكر اسمه إلا في سورة الأنعام آية (84) ، وغافر آية (34).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الثقة بتدبير الله، والأمل، والصبر، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات المحن.
  • • علمتني السورة ::   أن القصص فيها الحسن والسيِّئ، وأن قصص القرآن أحسن القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾
  • • علمتني السورة ::   العفو والصفح ثم الإحسان بالدعاء من أخلاق الأنبياء: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «مَا حَفِظْتُ سُورَةَ يُوسُفَ وَسُورَةَ الْحَجِّ إِلَّا مِنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وكَانَ يَقْرَؤُهُمَا قِرَاءَةً بَطِيئَةً».
    • عَنِ الْفَرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلاَّ مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ إِيَّاهَا فِى الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا».
    • عَن عَلْقَمَة بن وَقاص قَالَ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ فِى الْعَتَمَةِ بِسُورَةِ يُوسُفَ، وَأَنَا فِى مُؤَخِّرِ الصُّفُوفِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ يُوسُفَ سَمِعْتُ نَشِيجَهُ فِى مُؤَخَّرِ الصَّفِّ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة يوسف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • انفردت السورة بذكر قصة يوسف عليه السلام كاملة من بدايتها إلى نهايتها، حيث لم تذكر في غيرها من السور، كما هي العادة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن الكريم.
    • قصة يوسف عليه السلام هي أطول قصة في القرآن، استغرقت معظم السورة (97 آية)، ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذكرت قصة يوسف عليه السلام في هذه السورة.
    • رغم أن سورة يوسف تزيد عن مئة آية فإنه ليس فيها ذكر جنة ولا نار.
    • أكثر ما اجتمع في القرآن من الحروف المتحركة المتوالية ثمانية حروف، جاءت في سورة يوسف في قوله تعالى: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾، وذلك فيما بين ياء (رَأَيْتُ) وواو (كَوْكَبًا).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بيوسف عليه السلام في الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
    • أن ننزع اليأس من قلوبنا؛ مهما بلغ بنا الحال.
    • أن نهتم بدراسة اللغة العربية لنتمكن من تدبر وتعقل القرآن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (2).
    • أن نطلب المشورة من أهل العقل والعلم، ونعرض عليهم ما يشكل علينا: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ ...﴾ (4).
    • أن نتعاهد أولادنا، فالسورة بدأت برؤيا يوسف: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (4)، فقال له أباه: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (5)، فمن هذا يؤخذ تعاهد الأب لأولاده بالتربية والرعاية والتدبير.
    • أن نعدل بين أولادنا قدر الإمكان؛ حتى لا ينزغ الشيطان بينهم: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا﴾ (8).
    • أن نتيقظ لأسلوب الشيطان مع الصالحين: اعمل المعصية ثم تب: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ ... وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ (9).
    • ألا نَغْتر؛ فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل من يدمع صادقًا: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ (16).
    • ألا نحزن إذا جهل الناس قدرنا؛ فيوسف عليه السلام ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ (20).
    • أن نستحضر عند الهم بالمعصية خوفنا من الله ونردد: ﴿معاذ الله﴾ (23).
    • ألا نسكت إذا سمعنا اتهامًا لأحد لم نعلم عنه سوءً: ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ﴾ (51).
    • أن ندقق فيما نقول، فيوسف عليه السلام لم يقل: (إلا من سرق)، بل قال: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ (79)؛ لأنه يعلم أن أخاه لم يسرق.
    • أن نتفاءل ونحسن الظن بالله: ﴿عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ (83).
    • ألا نبث شكوانا إلا للقادر على كشف بلوانا: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ﴾ (86).
    • أن نعترف بالتقصير والخطأ، ولا نتكبر: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ (91).
    • أن نعفو عند المقدرة، ونطلب الأجر من الله تعالى: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ (92).
    • أن نتواضع لله، فيوسف عليه السلام مع مكانته وهيبة قدره لم يقل: (ادخلوا مصر في حمايتي آمنين)، بل قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ﴾ (99).
    • أن نلتمس العذر للآخرين، فيوسف عليه السلام التمس العذر لإخوته رغم ما فعلوا به، ونحن لا نعذر أحدًا ولو لأتفه الأسباب: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ (100).
    • أن نرد الفضل لله دائمًا، مهما ارتفعت منزلتنا وعظم قدرنا: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ (101).
    • أن ندعو إلى الله تعالى على بصيرة: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ (108).

تمرين حفظ الصفحة : 238

238

مدارسة الآية : [23] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ..

التفسير :

[23] ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها؛ لحبها الشديد له وحسن بهائه، وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف، وقالت:هلمَّ إليَّ، فقال:معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه

تفسير الآيتين 23 و 24:ـ

هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن{ رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي:هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.

{ وَ} زادت المصيبة، بأن{ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها{ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي:افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.

فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي:أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.

فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.

وقوله- سبحانه- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ ... رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف في منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف، وكيف أنها نظرت إليه بعين، تخالف العين التي نظر بها إليه زوجها.

والمراودة- كما يقول صاحب الكشاف- مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى: خادعته عن نفسه، أى: فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها «1» .

والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة، للإشعار بأنها كان منها الطلب المستمر، المصحوب بالإغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل.

وكان منه- عليه السلام- الإباء والامتناع عما تريده خوفا من الله- تعالى..

وقال- سبحانه- الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها دون ذكر لاسمها، سترا لها، وابتعادا عن التشهير بها، وهذا من الأدب السامي الذي التزمه القرآن في تعبيراته وأساليبه، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب في التعبير.

والمراد ببيتها: بيت سكناها، والإخبار عن المراودة بأنها كانت في بيتها. أدعى لإظهار كمال نزاهته عليه السلام- فإن كونه في بيتها يغرى بالاستجابة لها، ومع ذلك فقد أعرض عنها، ولم يطاوعها في مرادها.

وعدى فعل المراودة بعن، لتضمنه معنى المخادعة.

قال بعض العلماء: و «عن» هنا للمجاوزة، أى: راودته مباعدة له عن نفسه، أى: بأن يجعل نفسه لها، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أى: فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه» .

وقوله وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ أى: أبواب بيت سكناها الذي تبيت فيه بابا فبابا، قيل:

كانت الأبواب سبعة.

والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذي راودته فيه إغلاقا شديدا محكما، كما يشعر بذلك التضعيف في «غلّقت» زيادة في حمله على الاستجابة لها.

ثم أضافت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له: هيت لك، أى: ها أنا ذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على ...

وهذه الدعوة السافرة منها له، تدل على أن تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها، وأنها قد خرجت عن المألوف من بنات جنسها، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة ...

و «هيت» اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع، فهي كلمة حض وحث على الفعل، واللام في «لك» لزيادة بيان المقصود بالخطاب، كما في قولهم: سقيا لك وشكرا لك. وهي متعلقة بمحذوف فكأنما تقول: إرادتى كائنة لك.

قال الجمل ما ملخصه: «ورد في هذه الكلمة قراءات: «هيت» كليت، و «هيت» كفيل و «هيت» كحيث، و «هئت» بكسر الهاء وضم التاء، و «هئت» بكسر الهاء وفتح التاء.

ثم قال: فالقراءات السبعية خمسة، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال .

وقوله- سبحانه- قالَ مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ بيان لما ردّ به يوسف عليها، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد.

و «معاذ» مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة، وهو منصوب بفعل محذوف أى: قال يوسف في الرد عليها: أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف.. ولا يفعله إلا من خبث منبته، وساء طبعه، وأظلم قلبه.

وقوله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ تعليل لنفوره مما دعته إليه، واستعاذ بالله منه.

والضمير في «إنه» يصح أن يعود إلى الله- تعالى- فيكون لفظ ربي بمعنى خالقي.

والتقدير: قال يوسف في الرد عليها: معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر، بعد أن أكرمنى الله- تعالى- بما أكرمنى به من النجاة من الجب، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتني أعيش معززا مكرما، وإذا كان- سبحانه- قد حباني كل هذه النعم فكيف أرتكب ما يغضبه؟.

وجوز بعضهم عودة الضمير في «إنه» إلى زوجها، فيكون لفظ ربي بمعنى سيدي ومالكى، والتقدير: معاذ الله أن أقابل من اشترانى بماله، وأحسن منزلي، وأمرك بإكرامى- بالخيانة له في عرضه.

وفي هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله- تعالى- وبحقوق زوجها، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها، لأنه يؤدى إلى غضب الله وغضب زوجها عليها.

وجملة إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تعليل آخر لصدها عما تريده منه.

والفلاح: الظفر وإدراك المأمول.

أى: إن كل من ارتكب ما نهى الله- تعالى- عنه، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين منى أن أكون كذلك؟.

هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن القرآن الكريم قد قابل دواعي الغواية الثلاث التي جاهرت بها امرأة العزيز والمتمثلة في المراودة، وتغليق الأبواب، وقولها، هيت لك:

بدواعى العفاف الثلاث التي رد بها عليها يوسف، والمتمثلة في قوله- كما حكى القرآن عنه- مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

وذلك ليثبت أن الاعتصام بالعفاف والشرف والأمانة، كان سلاح يوسف- عليه السلام- في تلك المعركة العنيفة بين نداء العقل ونداء الشهوة ...

ولكن نداء العقل ونداء الشهوة الجامحة لم ينته عند هذا الحد، بل نرى القرآن الكريم يحكي لنا بعد ذلك صداما آخر بينهما فيقول: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ....

وهذه الآية الكريمة من الآيات التي خلط المفسرون فيها بين الأقوال الصحيحة والأقوال السقيمة.

وسنبين أولا الرأى الذي نختاره في تفسيرها، ثم نتبعه بعد ذلك بغيره فنقول: الهمّ:

المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، تقول هممت على فعل هذا الشيء، إذا أقبلت نفسك عليه دون أن تفعله.

وقال: بعض العلماء: الهم نوعان: هم ثابت معه عزم وعقد ورضا، وهو مذموم مؤاخذ به صاحبه، وهمّ بمعنى خاطر وحديث نفس، من غير تصميم وهو غير مؤاخذ به صاحبه، لأن خطور المناهي في الصدور، وتصورها في الأذهان، لا مؤاخذة بها ما لم توجد في الأعيان.

روى الشيخان وأهل السنن عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به» .

وقد أجمع العلماء على أن همّ امرأة العزيز بيوسف كان هما بمعصية، وكان مقرونا بالعزم والجزم والقصد، بدليل المراودة وتغليق الأبواب، وقولها «هيت لك» .

كما أجمعوا على أن يوسف- عليه السلام- لم يأت بفاحشة، وأن همه كان مجرد خاطرة قلب بمقتضى الطبيعة البشرية: من غير جزم وعزم ...

وهذا اللون من الهم لا يدخل تحت التكليف، ولا يخل بمقام النبوّة، كالصائم يرى الماء البارد في اليوم الشديد الحرارة، فتميل نفسه إليه، ولكن دينه يمنعه من الشرب منه، فلا يؤاخذ بهذا الميل.

والمراد ببرهان ربه هو: ما غرسه الله- تعالى- في قلبه من العلم المصحوب بالعمل، بأن هذا الفعل الذي دعته إليه امرأة العزيز قبيح، ولا يليق به.

أو هو- كما يقول ابن جرير- رؤيته من آيات الله ما زجره عما كان همّ به..

والمعنى: ولقد همت به، أى: ولقد قصدت امرأة العزيز مواقعة يوسف- عليه السلام- قصدا جازما، بعد أن أغرته بشتى الوسائل فلم يستجب لها ...

وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أى: ومال إلى مطاوعتها بمقتضى طبيعته البشرية وبمقتضى توفر كل الدواعي لهذا الميل ...

ولكن مشاهدته للأدلة على شناعة المعصية، وخوفه لمقام ربه، وعون الله- تعالى- له على مقاومة شهوته ... كل ذلك حال بينه وبين تنفيذ هذا الميل، وصرفه عنه صرفا كليا، وجعله يفر هاربا طالبا النجاة مما تريده منه تلك المرأة.

هذا هو الرأى الذي نختاره في تفسير هذه الآية الكريمة، وقد استخلصناه من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين.

فمن المفسرين القدامى الذين ذكروا هذا الرأى صاحب الكشاف، فقد قال ما ملخصه.

يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه [ ( وراودته التي هو في بيتها ] عن نفسه ) أي : حاولته على نفسه ، ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبا شديدا لجماله وحسنه وبهائه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ، وغلقت عليه الأبواب ، ودعته إلى نفسها ، ( وقالت هيت لك ) فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، ( وقال معاذ الله إنه ربي [ أحسن مثواي ] ) وكانوا يطلقون " الرب " على السيد والكبير ، أي : إن بعلك ربي أحسن مثواي أي : منزلي وأحسن إلي ، فلا أقابله بالفاحشة في أهله ، ( إنه لا يفلح الظالمون ) قال ذلك مجاهد ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم .

وقد اختلف القراء في قراءة : ( هيت لك ) فقرأه كثيرون بفتح الهاء ، وإسكان الياء ، وفتح التاء . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : معناه : أنها تدعوه إلى نفسها . وقال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس : ( هيت لك ) تقول : هلم لك . وكذا قال زر بن حبيش ، وعكرمة ، والحسن وقتادة .

قال عمرو بن عبيد ، عن الحسن : وهي كلمة بالسريانية ، أي : عليك .

وقال السدي : ( هيت لك ) أي : هلم لك ، وهي بالقبطية .

قال مجاهد : هي لغة عربية تدعوه بها .

وقال البخاري : وقال عكرمة : ( هيت لك ) هلم لك بالحورانية .

وهكذا ذكره معلقا ، وقد أسنده الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن سهيل الواسطي ، حدثنا قرة بن عيسى ، حدثنا النضر بن عربي الجزري ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : ( هيت لك ) قال : هلم لك . قال : هي بالحورانية .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وكان الكسائي يحكي هذه القراءة - يعني : ( هيت لك ) - ويقول : هي لغة ، لأهل حوران ، وقعت إلى أهل الحجاز ، معناها : تعال . وقال أبو عبيد : سألت شيخا عالما من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .

واستشهد الإمام ابن جرير على هذه القراءة بقول الشاعر لعلي بن أبى طالب ، رضي الله عنه :

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتينا إن العراق وأهله

عنق إليك فهيت هيتا

يقول : فتعال واقترب

وقرأ ذلك آخرون : " هئت لك " بكسر الهاء والهمزة ، وضم التاء ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هئت للأمر أهى هيئة وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو وائل ، وعكرمة ، وقتادة ، وكلهم يفسرها بمعنى : تهيأت لك .

قال ابن جرير : وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة . وقرأ عبد الله بن إسحاق هيت " ، " بفتح الهاء وكسر التاء : وهي غريبة .

وقرأ آخرون ، منهم عامة أهل المدينة " هيت " بفتح الهاء ، وضم التاء ، وأنشد قول الشاعر :

ليس قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة : هيت

قال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : قد سمعت القرأة فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : " هلم " و " تعال " ثم قرأ عبد الله : ( هيت لك ) فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إن ناسا يقرءونها : " هيت [ لك ] " ؟ فقال عبد الله : إني أقرؤها كما علمت ، أحب إلي

وقال ابن جرير : حدثني ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : ( هيت لك ) فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : " هيت لك " ؟ فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أقرئت ، أحب إلي

وقال أيضا : حدثني المثنى ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن شقيق ، عن ابن مسعود قال : ( هيت لك ) بنصب الهاء والتاء وبلا همز .

وقال آخرون : " هيت لك " ، بكسر الهاء ، وإسكان الياء ، وضم التاء .

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " هيت " لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث ، بل يخاطب الجميع بلفظ واحد ، فيقال : هيت لك ، وهيت لك ، وهيت لكما ، وهيت لكم ، وهيت لهن .

القول في تأويل قوله تعالى : وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وراودت امرأة العزيز، وهي التي كان يوسفُ في بيتها [ يوسفَ ] عن نفسه، (1) أن يواقعها، كما: -

18964 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ولما بلغ أشدَّه، راودته التي هو في بيتها عن نفسه، امرأة العزيز.

18965 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) قال: أحبته.

18966 - .... قال: وحدثني أبي , عن إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , قال: قالت: تعالَهْ.

* * *

وقوله: (وغلقت الأبواب)، يقول: وغلقت المرأة أبواب البيوت عليها وعلى يوسف، لما أرادت منه وراودته عليه , بابًا بعد باب.

* * *

وقوله: (وقالت هيت لك)، اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة: (هَيْتَ لَكْ) بفتح , الهاء والتاء , بمعنى: هلمَّ لك، وادن وتقرَّب , كما قال الشاعر لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه: (2)

أَبْلِــــغْ أَمِــــيرَ الْمُـــؤْمِنِينَ

أَخَــــا العِـــرَاقِ إذَا أَتَيْنَـــا

أَنَّ العِــــــرَاقَ وَأَهْلَــــــهُ

عُنُـــقٌ إِلَيْـــكَ فَهَيْــتَ هَيْتَــا (3)

يعني: تعال واقرب.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوّله من قرأه كذلك:

18967 - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي , قال: حدثنا أبو الجواب , قال: حدثنا عمار بن رزيق , عن الأعمش , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: (هيت لك) قال: هلمَّ لك. (4)

18968- حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: (هيت لك) قال: هلم لك.

18969 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال:حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال: (هيت لك) تقول: هلمّ لك.

18970 - حدثني المثنى , قال: حدثنا حجاج , قال: حدثنا حماد , عن عاصم بن بهدلة , عن زرّ بن حبيش , أنه كان يقرأ هذا الحرف: (هيتَ لك) نصبًا، أي: هلم لك.

18971 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , قال: قال ابن جريج , قال ابن عباس , قوله: (هيت لك) قال: تقول: هلم لك.

18972 - حدثني أحمد بن سهيل الواسطي , قال: حدثنا قرة بن عيسى , قال: حدثنا النضر بن عربيّ الجزري , عن عكرمة , مولى ابن عباس , في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك ، قال: هي بالحَوْرانية. (5)

18973 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (وقالت هيت لك) قال الحسن: يقول: هلم لك.

18974 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , عن الحسن: (هيت لك) يقول بعضهم: هلم لك.

18975 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (وقالت هيت لك) قال: هلم لك ، وهي بالقبطية.

18976 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن عمرو , عن الحسن: (هيت لك) قال: كلمة بالسريانية، أي: عليك.

18977 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن: (هيت لك) قال: هلمَّ لك.

18978 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا خلف بن هشام , قال: حدثنا محبوب , عن قتادة , عن الحسن: (هيت لك) قال: هلم لك.

18979 - ... قال: حدثنا عفان , قال: حدثنا حماد , عن عاصم , عن زرّ: (هيت لك) ، أي: هلم.

18980 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا الثوري , قال: بلغني في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك.

18981 - حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا أبو عبيد , قال: حدثنا علي بن عاصم , عن خالد الحذاء , عن عكرمة , عن ابن عباس أنه قرأ: (هيت لك) وقال: تدعوه إلى نفسها .

18982 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله تعالى: (هيت لك) قال: لغة عربية، تدعُوه بها .

18983 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله ، إلا أنه قال: لغة بالعربية، تدعوه بها إلى نفسها .

18984 - حدثنا الحسن , قال: حدثنا شبابة , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثل حديث محمد بن عمرو سواء .

18985 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

18986 - حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن: (هيت لك) بفتح الهاء والتاء , وقال: تقول: هلم لك.

18987 - حدثني الحارث قال: قال أبو عبيد: كان الكسائي يحكيها ، يعني: (هيت لك) قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز , معناها: " تعال " . قال: وقال أبو عبيدة: سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران , فذكر أنها لغتُهم، يعرفها.

18988 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (هيت لك) قال: تعال.

18989 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (وقالت هيت لك) قال: هلمَّ لك، إليَّ.

* * *

وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين: " وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وضم التاء، والهمزة , بمعنى: تهيَّأت لك , من قول القائل: " هئت للأمر أهِيء هَيْئَةً".

وممن روي ذلك عنه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وجماعة غيرهما .

18990 - حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحجاج , عن هارون , عن أبان العطار , عن قتادة: أن ابن عباس قرأها كذلك، مكسور الهاء، مضمومة التاء . قال أحمد: قال أبو عبيدة: لا أعلمها إلا مهموزة.

18991 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن أبان العطار , عن عاصم , عن أبي عبد الرحمن السلمي: " هِئْتُ لَكَ" أي: تهيأت لك.

18992 - .... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن سعيد , عن قتادة , عن عكرمة , مثله .

18993 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك.

18994 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , قال: " هِئْتُ لَكَ" قال عكرمة: تهيأت لك .

18995 - حدثني المثنى , قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا حماد , عن عاصم بن بهدلة , قال: كان أبو وائل يقول: " هِئْتُ لَكَ": أي تهيأت لك. وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة .

18996 - حدثت عن علي بن المغيرة , قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد ، أو أحمد ، وكان عالما بالقرآن (6) [وكان لألاء، ثم كبر، فقعد في بيته، فكان يؤخذ عنه القرآن، ويكون مع القضاة، فسأله] عن قول من قال: " هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وهمز الياء. فقال: أبو عمرو: [سى] (7) إي: باطل، جعلها ," فعلت " من " تهيأت " , فهذا الخندق، (8) فاستعرض العربَ حتى تنتهي إلى اليمن , هل تعرف أحدًا يقول: " هئت لك "؟ (9)

18997 - حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: لم يكن الكسائي يحكي &; 16-30 &; " هئت لك " عن العرب.

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: " هِيتَ لَكَ" بكسر الهاء، وتسكين الياء، وفتح التاء.

* * *

وقرأه بعض المكيين: " هَيْتُ لَكَ" بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء.

* * *

وقرأه بعض البصريين , وهو عبد الله بن إسحاق: " هَيْتِ لَكَ" بفتح الهاء، وكسر التاء.

* * *

وقد أنشد بعض الرواة بيتًا لطرفة بن العبد في" هيت " بفتح الهاء، وضم التاء , وذلك:

لَيْسَ قَــومِي بِــالأبْعَدِينَ إذَا مَــا

قَــالَ دَاعٍ مِــنَ الْعَشِــيرَةِ هَيْـتُ (10)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك , قراءة من قرأه: (هَيْتَ لَكَ) بفتح الهاء والتاء , وتسكين الياء , لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها , وأنها فيما ذُكِر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

18998 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن الأعمش , عن أبي وائل , قال ابن مسعود: قد سمعت القرأة، فسمعتهم متقاربين , فاقرءوا كما عُلِّمتم , وإياكم والتنطع والاختلاف , فإنما هو كقول أحدكم: " هلم " و " تعال " . ثم قرأ عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا يقرءونها: " هَيْتُ لَكَ" فقال عبد الله: إني أقرؤها كما عُلِّمْت، أحبُّ إليَّ. (11)

18999 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن الأعمش , عن أبي وائل , قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية: ( وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ) قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا " هَيْتُ لَكَ" ، فقال عبد الله: إنّي أقرؤها كما عُلِّمت، أحبُّ إليّ. (12)

19000 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن عيينة , عن منصور , عن أبي وائل , قال: قال عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقال له مسروق: إن ناسًا يقرءونها: " هَيْتُ لَكَ" فقال: دعوني , فإني أقرأ كما أقرئت أحبُّ إليّ. (13)

19001 - حدثني المثنى , قال: حدثنا آدم العسقلاني , قال: حدثنا شعبة , عن الأعمش , عن شقيق , عن ابن مسعود قال: (هَيْتَ لَكَ) بنصب الهاء، والتاء، وبلا همز. (14)

* * *

وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى: أنَّ العرب لا تثني" هيت " ولا تجمع ولا تؤنث، (15) وأنها تصوره في كل حال،, وإنّما يتبين العدد بما بعد , وكذلك التأنيث والتذكير. وقال: تقول للواحد: " هيت لك " , وللإثنين: " هيت لكما " , وللجمع: " هيت لكم " , وللنساء: " هيت لكن ". (16)

* * *

وقوله: (قال معاذ الله) يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة &; 16-32 &; إلى نفسها، وقالت له: " هلم إلي": أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه، واستجير به منه. (17)

* * *

وقوله: (إنه ربي أحسن مثواي) يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي، (18) كما: -

19002 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (معاذ الله إنه ربي) قال: سيدي.

19003 - .... قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح: (إنه ربي) قال: سيدي.

19004 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19005 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19006 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19007 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: (قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) قال: سيدي ، يعني: زوج المرأة.

19008 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله إنه ربي) يعني: إطفير. يقول: إنه سيدي.

* * *

وقوله: (أحسن مثواي) يقول: أحسن منـزلتي، وأكرمني وائتمنني , فلا أخونه، (19) كما:-

19009 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: (أحسن مثواي) أمنني على بيته وأهله.

19010 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (أحسن مثواي) فلا أخونه في أهله.

19011 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: (أحسن مثواي) قال: يريد يوسف سيدَه زوجَ المرأة.

* * *

وقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) يقول: إنه لا يدرك البقاء , ولا ينجح من ظلم، (20) ففعل ما ليس له فعله. وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور، ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منـزله، كما:-

19012 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (إنه لا يفلح الظالمون) قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم , ولا يفلح من عمل به.

* * *

----------------------

الهوامش:

(1) الزيادة بين القوسين ، لا يستقيم الكلام إلا بها .

(2) لم أعرف الآن قائله .

(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 305 ، واللسان ( هيت ) ، ( عنق ) . وقوله :" عنق إليك" أي مائلون إليك ، كأنهم لووا أعناقهم إليك شوقًا أو ترقبًا .

(4) الأثر : 18967 -" محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي" ، شيخ الطبري سلف مرارًا .

" أبو الجواب" ، هو" الأحوص بن جواب الضبي" ، روى عن سفيان الثوري ، وسعير ابن الخمس ، وعمار بن رزيق ، وغيرهم . كان ثقة ، وربما وهم . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 59 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 328 .

" وعمار بن رزيق الضبي" ،" أبو الأحوص" ، ثقة مضى برقم : 10191 .

(5) الأثر : 18972 -" أحمد بن سهيل الواسطي" شيخ الطبري . قال الحاكم :" في حديثه بعض المناكير" ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : حدثنا عنه حبيش بن عبد الله النهشلي بواسط . مترجم في ميزان الاعتدال 1 : 48 ، ولسان الميزان 1 : 185 .

وأما" قرة بن عيسى" فلم أجد من يسمى بهذا الاسم . ولكن الذي يروي عن" النضر بن عربي" هو :" بشر بن عبيس بن مرحوم العطار" ، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 1 / 1 / 362 .

وأما" النضر بن عربي الجزري الباهلي" ثقة لا بأس به ، مضى برقم : 1307 ، 5864 ، وكان في المطبوعة" النضر بن علي الجزري" ، غير ما في المخطوطة وأساء .

(6) هذه الزيادة بين القوسين ، من كتاب أبي عبيدة ، مجاز القرآن 1 : 305 . وقوله" لألاء" ، هو بائع اللؤلؤ ، ويقال أيضًا :" لأء" و لأل" ( بتشديد الهمزة بعد هاء ألف ) على وزن" نجار" .

(7) هكذا رسم الكلمة في المخطوطة ، وف المطبوعة" ينسى" ، وفي مجاز القرآن" بنسى" ، ( بكسر النون ، وسكون الباء ، وكسر السين ، بعدها ياء ) ، وأنا في شك من ذلك كله ، وأخشى أن تكون" بسبس" ( بفتح فسكون ففتح ) و" البسبس" ، الباطل ، و" البسابس" مثله .

(8) " الخندق" ، هو خندق سابور ، حفره من مدينة" هيت" ، يشق طف البادية إلى كاظمة ، مما يلي البصرة ، وجعل عليه المسالح . وشرحه أبو عبيدة في المجاز شرحًا وافيًا ، فراجعه هناك .

(9) الأثر : 18996 - هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 305 - 306 .

(10) لم أجد البيت في مكان آخر .

(11) الأثر : 18998 - هذا إسناد صحيح ، مر تفسير مثله مرارًا ، وسيأتي من طرق مختصرًا . وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 274، 275،) ، مختصرا. ورواه أبو داود أيضًا مختصرا في سننه 4 : 52 ، 53 برقم : 4004 ، 4005 . ورواه أبو جعفر فيما سلف من طرق أخرى ، مختصرًا ، ليس فيه" هيت لك"، برقم : 48 ، في أول الكتاب . وفصل الحافظ ابن حجر في الفتح ، الكلام فيه بما لا مزيد عليه .

(12) الأثر : - 18999 - مكرر الأثر السالف ، مختصرًا .

(13) الأثر : - 19000 - مكرر الأثرين السالفين ، من طريق أخرى صحيحة ، مختصر .

(14) الأثر : 19001 - مختصر الآثار السالفة ، من طريق صحيحة .

(15) في المطبوعة :" هيت لك" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 305 .

(17) انظر تفسير" عاذ" فيما سلف 15 : 352 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(18) انظر تفسير" الرب" فيما سلف 1 : 141 ، 142 / 12 : 385 ، 386 ، وغيرهما في فهارس اللغة ( ربب ) .

(19) انظر تفسير" المثوى" فيما سلف ص : 18 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(20) انظر تفسير" الفلاح" فيما سلف 15 : 156 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ لن تمر حياتك بلا اختبار، ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2]، فبقدر عبادتك سيكون الابتلاء، وبمدى إخلاصك سيكون التثبيت.
وقفة
[23] أول ما يواجهنا في القصة تلك الكلمة التي تختصر الحدث كلَّه: ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾، فهي تصور من أول لحظة الإعجاب الشديد من امرأة العزيز، حتى طلبت فعل المنكر، وأنها بذلت قصارى جهدها في التحايل؛ لأنَّ المراودة دالَّةٌ على رفقٍ في الطلب، ومجيء وانطلاقٍ، وصيغة المفاعلة دالة على التكرار.
لمسة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ لم يقل: (سيدته)؛ احتقارًا لشأنها واستنكارًا لصنيعها، فمثلها لا تستحق شرف السيادة.
لمسة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ إنما قال: (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) قصدًا إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها.
لمسة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ لماذا استعمل اسم الموصول (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) ولم يقل: (امرأة العزيز) أو لفظة أخرى؟ في الغالب لا يذكر القرآن الأسماء، والعلماء يقولون: فيه أمران: الأول: هو سترٌ عليها وعدم فضيحة، الثاني: وهو الأرجح نوع من الترفّع عنها وبيان عظمة موقف يوسف عليه السلام، فهو في بيتها والمفروض أن يسمع وأن يطيع، فهي سيّدته ينبغي أن يخاف منها فضلًا عن كونه شابًّا يمكن أن يدخل في نفسه شيء تجاهها، لكن يخاف أن يعرض لها باعتبار أنه عبد مملوك، وإنما هي عرضت له، وهذه فرصة بالنسبة له، فكأنما يريد القرآن أن يبيّن لنا هذا الموقف النبيل العظيم من هذا الإنسان الذي نُبِّئ فيما بعد وصار نبيًّا، فهذا نوع من رفعة شأنه.
وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ اليوم فضيحتك يحتويها البيت، وغدًا تتصدّع عنها أسوار المدينة ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ [30].
وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ الأصل في الأعراض الستر وعدم التصريح، قال أبو حيان: «ولم يصرح باسمها، ولا بامرأة العزيز، سترًا على الحُرُم».
وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ البعض يظن أنه إن أعطاك شيئًا من دنياه؛ أنه يجب أن تعطيه شيئًا من دينك.
عمل
[23] بيتُ المرأةِ حياتُها وكيانُها، ويقر القرأن أنها المالكة المعنوية له، يقول في بيوت النبي صلي الله عليه وسلم: ﴿واذكرن ما يتلي في بيوتكن﴾ [الأحزاب: 34]، وامرأة العزيز تراود يوسف ومع ذلك قال تعالي: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾، حتي حين يشتد الخلاف وتعتد المطلقة بطلقتين: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: 1]، احرصي علي مكان نسبه الله إليك.
وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرًا؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره، وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعًا، أو كارهًا
وقفة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ بعض النفوس لا تتورع عن النقائص (في بيتك) أي هو في حمايتك وأنت المسؤول عنه فكيف يصله الأذى منك!
لمسة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ في تعدية الفعل (راود) بحرف الجر (عن) سرٌّ؛ فإنه لما كانت المراودة تدل على الحركة، وكان حرف (عن) يدل على المجاوزة، فكأنها أرادت بكلِّ حيلها وأنوثتها تجريده من نفسه هو؛ ليكون لها وحدها.
لمسة
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ ذكروا أنَّ المراودةَ مفاعلةٌ، ولا بدَّ فيها من اشتراك طرفين في الفعل، لكن لما انتفت المراودة من قبل يوسف عليه السلام دلَّتْ صيغة المفاعلة على أنَّ ذلك الفعل قد تكرَّر كثيرًا من امرأة العزيز، ومن هنا تبدأ رحلة الصمود ضد المغريات، ولنا فيها عبر.
وقفة
[23] من أسباب الوقوع في الفتنـــة: 1- الخلوة بالأجنبـــي: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾. 2- اطلاق البصـــر: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ [31].
عمل
[23] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ ستراودك الحياة: المناصب، كلام الناس، الشهوات، الشبهات ...، لن تدعك وشأنك، ثق في ذلك، فاعتصم بــ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾.
عمل
[23] استعذ بالله تعالى وتضرع إليه من فتن السراء والضراء ﴿وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلْأَبْوَٰبَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ﴾.
عمل
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ إذا رأيت حذرًا شديدًا؛ فاعلم أن ثمت مكيدة وخطأ يُطلب خفاؤه!
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ حتى لا يراها أحد، ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [25]، وهكذا من لا يستره الله؛ فلا سبيل لستره، ومن مأمنه يؤتى الحذر.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ ما أقل إيمان من يختفي عن العيون كي لا تراه وعين الله فوقه تراقبه والملائكة تسجل خلوته!
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ لم يضر يوسف ما غلقته امرأة العزيز من أبواب الأرض بعد أن أكرمه الله بفتح أبواب السماء.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ تنشط الشياطين في الغرف ذات الأبواب المغلقة.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ لكن باب من في السماء لم يغلق!
عمل
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ تهَيأتْ للمعصية؛ هل تهيء نفسك للطاعة؟
عمل
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ لا تنفرد بشهوتك، دع الأبواب مفتوحة.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ خشيتك عند خلوتك هي الاختبار الحقيقي.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ ذنوب الخلوات من أسباب الانتكاسات، ولا تقع إلا خلف الأبواب الموصدة.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ غلقت الأبواب، ونسيت أن رب الأرباب لا يخفى عنه شيء.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ رغم كل محاولات امرأة العزيز وإغراءاتها كانت الاستجابة لها -وحاشا يوسف عليه السلام- سوءًا وفحشاء؟! لا عذر للجريمة.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ هذه أول خطوة قامت بها امرأة العزيز في سبيل رغبتها، وهي خطوة ذات شقين: فعلي: (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ)، وقولي: (هَيْتَ لَكَ)، وتشير كلمة (غَلَّقَتِ) إلى إحكام الغلق، وإلى كثرة الأبواب؛ تهيئةً لفعل مرادها.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ في نفسها أنها أغلقت كل الأبواب، وفي نفس يوسف ما زال باب مراقبة الله مفتوحًا.
عمل
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ امرأة العزيز غلقت الأبواب, ومع هذا انتشر خبرها، فمن الذي أفشى سرها مع تمام حرصها؟ إنه لسانها, فاحذر من سر التعلق فلا يكاد أحد يكتم عليك تعلقك.
لمسة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ إيجاز شديد لذكر خطوتين: (تغليق الأبواب، والإغراء بالقول)، وفيه أدب قرآني باختصار الكلام وعدم الإطالة في سرد التفاصيل المحركة للغرائز.
وقفة
[23] في أول الأمر: ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾، ولما شاع الأمر في المدينة؛ لم تبالِ أن تعلنَ عن فسادها: ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [32]، وهكذا تبدأ المنكرات خُفيةً، فإن أُشهِرت ارتُكِبت علانية.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ خشيتك عند خلوتك، هي الاختبار الحقيقي.
وقفة
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ من اعتصَم بالله عَصَمَهُ الله !
اسقاط
[23] ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ قد يتكرر هذا المشهد خلف الشاشات والأجهزة الذكية؛ فمن يقول معاذ الله؟!
عمل
[23] ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ في قراءة (هئت) بمعنى: تهيأت، تهيأت وتزينت لمعصية الله، أفلا نتهيأ ونتزين نحن لطاعته؟
وقفة
[23] ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ إجابة سريعة، لم يتردد، أرأيتم أثر الرصيد الإيماني؟!
لمسة
[23] ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ ليس بين الجملتين أداة عطف توحي بالتريث! لم يترك فراغًا زمنيًا للتفكير كن صارمًا مع الشهوات.
وقفة
[23] امرأة العزيز في الخلوة قالت: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾، وبعدها قالت: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ [25]، الفاحش كذوب.
وقفة
[23] امرأة العزيز قالت: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾، ويوسف قال: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾؛ من باع (الكرامة) شرى (الندامة).
اسقاط
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ عند اشتداد الفتنة وقوة الداعي لها وإلحاح النفس وهواها، فإن صوت العقل يتدخل ويصرخ بك أفِق! إن اتبعته فأنت السعيد.
عمل
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ كن صارمًا مع الشهوات، واتخذ أحسم المواقف في الخلوات.
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ قال ابن الجوزي: «قرأت سورة يوسف عليه السلام، فتعجبت من مدحه على صبره، وشرح قصته للناس، ورقع قدره، فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه، فقلت: واعجبًا لو وافق هواه من كان يكون؟ ولما خالفه لقد صار أمرًا عظيمًا تضرب الأمثال بصبره، ويفتخر على الخلق باجتهاده، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزًّا وفخرًا، أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب».
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ حاول تذكيرها وهرب إلى الباب وأنكر التهمة وصمد لإقناع نساء المدينة ثم سأل الله السجن، هذه البطولة.
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ أفعال العفيف عن الخنا: يستعيذ بالله, يصر ويمتنع عن فعل الفاحشة, لا يستجيب للإكراه مهما كان.
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ في إظهار قول يوسف عناية بإبراز ما تفوَّه به في تلك اللحظة مقابل ما تفوَّهت به؛ ليتَّضح الفرق بين لغة الشهوة والخيانة، ولغة العفة والوفاء، وفي سبق التعوذ إلى لسانه دليل على عظم صلته بربِّه وقربه منه، وإلا فإنَّه لا يُوفَّق لمثل هذا كلُّ أَحَدٍ.
عمل
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ لا تتّكل على إيمانك، ولا تركن إلى يقينك، دائمًا تبرّأ من حولك وقوّتك، وخاصّة في أزمنة الفتنة، فأنت بدون عون الله وتوفيقه هالك.
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ عندما أكرم العزيز مثواه لينفعه نال منه على أعظم نفع: صيانة عرضه.
وقفة
[23] قال أحدهم: «نازعتني نفسي لأمر مكروه شرعًا، فلجأت إلى الله في دفع ذلك عن قلبي، وأقبلت على القرآن، فبدأت بسورة يوسف حتى بلغت: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ فانتبهت لها، وكأني خوطبت بها، فأفقت وقلت: يا نفس! هذا حرٌّ بيع ظلمًا، فراعى حق من أحسن إليه قائلاً: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) ، فكيف بك، وأنت عبدٌ لله، قد نالك منه الإحسان العظيم!».
وقفة
[23] ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يا لها من لحظة صبر عابرة كتب الله له بها الخلود والرفعة والثناء، قل: «معاذ الله» كلما راودتك الخطيئة.
لمسة
[23] لما أراد يوسف عليه السلام أن يذكر امرأة العزيز استخدم جملة متكاملة في غاية الإعجاز: أولًا: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ وهذا التذكير بالله وهو أعلى المراتب، وهي أيضًا مقولة المتقي عندما تغلق دونه الأبواب وتراوده خواطر السوء. ثانيًا: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ أي الذي تطلبين مني خيانته هو زوجك، وهو من رباني، وهو القائل: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [21]، فكيف تطلبين مني خيانته؟! ثالثًا: التذكير بسوء العاقبة: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.
وقفة
[23] ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ أي: أعوذ بالله، وأعتصم بالله مما دعوتني إليه.
وقفة
[23] قوله: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ [23، 79] في هذه السورة في موضعين ليس بتكرار؛ لأن الأول ذكر حين دعته إلى المواقعة، والثاني حين دعى إلى تغيير حكم السرقة، فليس بتكرار.
وقفة
[23] عند الإغراء: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾، عند الفتنة: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ [33]، في السجن: ﴿ذلك من فضل الله﴾ [38]، في حالة الفرج: ﴿قد من الله علينا﴾ [90]، في لقاء الأحبة: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي﴾ [100]؛ ينبغي أن يكون ذكر الله على لسان المؤمن في كل أحواله.
وقفة
[23] عند العزيز كان يقدر على الخطيئة لكنه قال: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾، وعند الملك كان يقدر على الإنتقام لكنه قال: ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [92]؛ قيمتنا أحيانًا فيما لا نفعل.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ ذَكَرَ عنوانَ الربوبية هنا دون السيادة؛ لما فيه من الاعتراف بالمعروف والفضل، وهذا دليل على أن من المروءة ورفيع الأخلاق أن يحفظ الإنسانُ حقَّ من أحسن إليه، فضلًا عن أن يخونه، والسياق دالٌّ على أن المراد هو مَنْ ربَّاه وقال: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [21]، لا خالقه؛ لأنه المتبادر إلى مفهوم المرأة المتلقية للخطاب.
لمسة
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ ما هو المثوى؟ ولماذا لم ترد في حال أهل الجنة أبدًا؟ ولا يوجد نص على أن الجنة مثوى المؤمنين؟ المثوى في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان، والثواء هو الانحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، الحجرة التي يبيت فيها، حركته محدودة فيها، قول يوسف عليه السلام: (أَحْسَنَ مَثْوَايَ) يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي، هو يريد أن ينطلق، ولذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [21] أي نُزُله في الدنيا، ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: 45]، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19] الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه، في الآخرة استعمل اللفظة للنار فقط؛ لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة،بل نتبوأ من الجنة حيث نشاء، ففيها السعة والانطلاق.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ غالبًا: إحسانك للآخرين صمام أمان عن إساءاتهم.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ التربية على المروءة وشرف النفس تجعل الشاب يترفع عما يزري به.
عمل
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ من أحسن إليك؛ فاحفظ معروفه، ولا تقابله بما يكره؛ فأنت بذلك تظلمه، نكران الجميل ظلم.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ ولن يفلح ولن يسعد الزاني أبدًا.
اسقاط
[23] ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ دائمًا تذكر نِعم الله عليك عند حضور المعاصي.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ فذكر بالله، ثم بالشيمة، ثم بسوء العاقبة، وخلاصة هذه الحادثة تقابل أسمى معاني العفة مقابل أسمى معاني الخيانة، في تغليق ليس بابًا واحدًا بل أبوابًا.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ هنا تقرير حقيقة قرآنية! ما أفلح ظالم في تاريخ البشرية قط، وأول الظلم ومنشؤه وأقبحه: ظلم العبد نفسه.
تفاعل
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الظالمين.
وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (الظَّالِمُونَ) هذه الفاصلة ترددت في القرآن الكريم مئة وست مرات، كلها جاءت في وضع الشيء في غير موضعه، وأحيانًا يكون المعنى واضحًا، وحينًا يحتاج إلى مزيد تأمل وتدبر، وأعلى درجات الظلم هو الشرك، وأيضًا التعدي على حقوق الآخرين، ومن الأمثلة: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229]، التعدي = الظلم، ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، الشرك = الظلم، ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ﴾ [79]، وضع الشيء في غير موضعه = الظلم.
لمسة
[23] عفة يوسف عليه السلام تجلت في الأمور التالية من خلال الآية: 1. هي التي بدأت بالمراودة ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾، وابتداءالمرأة بالمراودة يختلف عن محاولة الرجل. 2. أنه في بيتها ﴿الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾، فهي -في نظرها- تملكه وتأمره وتعيش روح السيد. 3. أنها أرادت نفسه مباشرة بالتصريح لا بالتلميح ﴿عَن نَّفْسِهِ﴾، فلم تراوغ بالطلب وإنما أرادت النفس. 4. أنها غلقت الأبواب بيدها ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾، وهو ينظر لذلك. 5. أنها أحكمت إغلاقها لكي يأمن ﴿وَغَلَّقَتِ﴾، والتشديد باللفظ يدل على شدة المعني. 6. اللفظ المختار من المرأة مغرٍ بحد ذاته ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾، وهو لفظ يحمل في داخله السرعة والإغراء لكي لا يتمكن من التفكير والتروي. مع كل هذا قال يوسف عليه السلام بعفة المؤمن: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾ ليقطع كل آمالها في الفاحشة.
وقفة
[23، 24] ﴿وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون﴾ بم عُصم يوسف من الوقوع في الفاحشة؟ الجواب: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ كان مخلِصًا مخلَصًا.

الإعراب :

  • ﴿ وراودته التي:
  • الواو: استئنافية. راودته: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ هو في بيتها عن نفسه:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. في بيت: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"هو\" و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. عن نفسه: جار ومجرور متعلق براودته والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة بمعنى طلبت إليه.
  • ﴿ وغلَّقت الأبواب وقالت:
  • الجملتان: معطوفتان بواويّ العطف على \"راودت\" وتعربان إعرابها. وفاعل الفعلين: ضمير مستتر فيهما جوازًا تقديره هي: وكسرت تاء \"غلَّقت\" لالتقاء الساكنين. الأبواب: مفعول به منصوب بالفتحة. والفعل \"غلق: للتكثير.
  • ﴿ هيْت لك:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول-. هيت: أي هلمَّ وتعال: وهو اسم فعل أمر وفيه قراءات متعددة منها: بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء وبنائه كبناء أين وحيث. وقرئت هيئت لك وقيل هي بفتح التاء لأنه صوت لا يعرب. وقيل أصلها يهيء كجاء يجيء. إذا تهيأ وهيئت. لك: واللام من صلة الفعل. وأما في الأصوات فهو للبيان بتقدير: لك أقول هذا كما تقول هلمّ. أو كما يقال سقيا لك. وقيل معناها: هلم إلى ما دعوتك له. أو أقبل.
  • ﴿ قال معاذ الله:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. معاذ: مفعول مطلق منصوب بالفعل لا مصدر وعلامة نصبه الفتحة. أي أعوذ بالله معاذًا: ألتجيء إليه التجاء. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ إنّ ربي:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\" أي إنّ الشأن والحديث. ربي: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. بمعنى: إنه سيدي \"يريد زوجها\" ويجوز أن يريد الله سبحانه بقوله أحسن مثواي. ويجوز أن تكون \"ربي\" في محل نصب بدلًا من الهاء في إنّه وفي هذه الحالة يكون خبر \"إنّ\" جملة \"أحسن مثواي\".
  • ﴿ أحسن مثواي:
  • الجملة: في محل رفع خبر ثانٍ لإنّ. أو بدل من \"ربيّ\" ويجوز أن تكون في محل نصب حالًا. أحسن: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. مثواي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنّه لا يفلح الظالمون:
  • إنّه: أعربت. والهاء: كناية عن الحديث. لا: نافية لا عمل لها. يفلح: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الظالمون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. والجملة \"لا يفلح الظالمون\" في محل رفع خبر \"إنّ\". '

المتشابهات :

يوسف: 23﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
يوسف: 79﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل أن سببَ النعمة عليه إحسانُه؛ ذكرَ هنا الدليل على إحسان يوسف عليه السلام : رفض دعوة امرأة العزيز إلى فعل الفاحشة، قال تعالى:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

هيت:
قرئ:
1- بكسر الهاء، بعدها ياء ساكنة وفتح التاء، وهى قراءة نافع، وابن ذكوان، والأعرج، وشيبة، وأبى جعفر.
2- بالهمز، مع هذه القراءة السابقة، وهى قراءة الحلواني عن هشام.
3- بهذه القراءة الثانية مع ضم التاء، وهى قراءة على، وأبى وائل، وأبى رجاء، ويحيى، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وطلحة.
4- بهذه القراءة الثالثة مع تسهيل الهمزة، وهى قراءة زيد بن على، وابن أبى إسحاق.
5- بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وكسر التاء، عن النحاس.
6- بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء، وهى قراءة ابن كثير، وأهل مكة.
7- بهذه القراءة السادسة مع فتح التاء، وهى قراءة باقى السبعة، وأبى عمرو، والكوفيين، وابن مسعود والحسن، والبصريين.
8- هييت مثل: حييت، عن ابن عباس.
مثواى:
وقرئ:
مثوى، وهى قراءة أبى الطفيل.

مدارسة الآية : [24] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ..

التفسير :

[24] ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة، وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة، لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه، وإنما أريناه ذلك؛ لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره، إنه من عبادنا المطهَّرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادته

تفسير الآيتين 23 و 24:ـ

هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن{ رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي:هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.

{ وَ} زادت المصيبة، بأن{ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها{ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي:افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.

فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي:أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.

فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.

وقوله- تعالى- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ معناه: ولقد همت بمخالطته «وهم بها» أى: وهم بمخالطتها «لولا أن رأى برهان ربه» جوابه محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف لأن قوله وهم بها يدل عليه، كقولك: هممت بقتله لولا أنى خفت الله معناه: لولا أنى خفت الله لقتلته.

فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية؟.

قلت: المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة، ونازعت إليها عن شهوة الشباب، ميلا يشبه الهم به، وكما تقتضيه تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهو يكسر ما به، ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين بوجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته، لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته، ولو كان همه كهمها عن عزيمة لما مدحه بأنه من عباده المخلصين» .

ومن المفسرين المحدثين الذين ذكروا هذا الرأى الإمام الآلوسى، فقد قال ما ملخصه:

قوله: «ولقد همت به» أى: بمخالطته ... والمعنى: أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما، لا يلويها عنها صارف بعد ما باشرت مباديها ...

والتأكيد- باللام وقد- لدفع ما يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه.

وَهَمَّ بِها أى: مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية ... ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف، وليس المراد أنه قصدها قصدا اختياريا، لأن ذلك أمر مذموم تنادى الآيات بعدم اتصافه به، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر على سبيل المشاكلة لا لشبهه به ... «لولا أن رأى برهان ربه» أى محبته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا، وسوء سبيله.

والمراد برؤيته له: كمال إيقانه به، ومشاهدته له مشاهدة وصلت إلى مرتبة عين اليقين ... » .

ومن المفسرين من يرى أن المراد بهمها به: الهم بضربه نتيجة عصيانه لأمرها.

وأن المراد بهمه بها: الدفاع عن نفسه برد الاعتداء، ولكنه آثر الهرب.

وقد قرر هذا الرأى ودافع عنه وأنكر سواه صاحب المنار، فقد قال ما ملخصه:

«ولقد همت به» أى: وتالله لقد همت المرأة بالبطش به لعصيانه لأمرها، وهي في نظرها سيدته وهو عبدها، وقد أذلت نفسها له بدعوته الصريحة إلى نفسها، بعد الاحتيال عليه بمراودته عن نفسه ... فخرجت بذلك عن طبع أنوثتها في التمنع ... مما جعلها تحاول البطش به

بعد أن أذل كرامتها، وهو انتقام معهود من مثلها، وممن دونها في كل زمان ومكان ...

وكاد يرد صيالها ويدفعه بمثله، وهو قوله- تعالى- وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ولكنه رأى من برهان ربه في سريرة نفسه، ما هو مصداق قوله- تعالى- وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وهو إما النبوة ... وإما معجزتها ... وإما مقدمتها من مقام الصديقية العليا، وهي مراقبته لله- تعالى- ورؤيته ربه متجليا له، ناظرا إليه» .

وما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم منها بالبطش بيوسف، وتفسير الهم منه برد الاعتداء الذي وقع عليه منها ... أقول: ما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم بذلك، لا أرى دليلا عليه من الآية، لا عن طريق الإشارة، ولا عن طريق العبارة ...

ولعل صاحب المنار- رحمه الله- أراد بهذا التفسير أن يبعد يوسف- عليه السلام- عن أن يكون قد هم بها هم ميل بمقتضى الطبيعة البشرية، ونحن لا نرى مقتضيا لهذا الإبعاد، لأن خطور المناهي في الأذهان، لا مؤاخذة عليه، ما دامت لم يصاحبها عزم أو قصد- كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من قبل.

هذا وهناك أقوال أخرى لبعض المفسرين في معنى الآية الكريمة، رأينا أن نضرب عنها صفحا لأنه لا دليل عليها لا من العقل ولا من النقل ولا من اللغة ... وإنما هي من الأوهام الإسرائيلية التي تتنافى كل التنافي مع أخلاق عباد الله المخلصين، الذين على رأسهم يوسف- عليه السلام.

قوله- سبحانه- كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله- تعالى- به، ورعايته له.

والكاف: نعت لمصدر محذوف والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله «لولا أن رأى برهان ربه» أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك.

والصرف: نقل الشيء من مكان إلى مكان والمراد به هنا: الحفظ من الوقوع فيما نهى الله عنه، أى: أريناه مثل هذه الإراءة أو ثبتناه تثبيتا مثل هذا التثبيت لنعصمه ونحفظه ونصونه عن الوقوع في السوء- أى في المنكر والفجور والمكروه- والفحشاء- أى كل ما فحش وقبح من الأفعال كالزنا ونحوه.

«إنه من عبادنا المخلصين» - بفتح اللام- أى: إنه من عبادنا الذين أخلصناهم لطاعتنا وعصمناهم من كل ما يغضبنا.

وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو «المخلصين» - بكسر اللام- أى: إنه من عبادنا الذين أخلصوا دينهم لنا.

والجملة الكريمة على القراءتين تعليل لحكمة صرفه- عليه السلام- عن السوء والفحشاء.

اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ، وقد روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطائفة من السلف في ذلك ما ذكره ابن جرير وغيره ، والله أعلم .

وقال بعضهم : المراد بهمه بها هم خطرات حديث النفس . حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق ، ثم أورد البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ، وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإنما تركها من جرائي ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها " .

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة ، هذا منها .

وقيل : هم بضربها . وقيل : تمناها زوجة . وقيل : ( وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) أي : فلم يهم بها .

وفي هذا القول نظر من حيث العربية ، ذكره ابن جرير وغيره .

وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا : فعن ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين ، والحسن ، وقتادة ، وأبي صالح ، والضحاك ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم : رأى صورة أبيه يعقوب ، عليه السلام ، عاضا على أصبعه بفمه .

وقيل عنه في رواية : فضرب في صدر يوسف .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : رأى خيال الملك ، يعني : سيده ، وكذا قال محمد بن إسحاق ، فيما حكاه عن بعضهم : إنما هو خيال إطفير سيده ، حين دنا من الباب .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي مودود سمعت من محمد بن كعب القرظي قال : رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ، فإذا كتاب في حائط البيت : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) [ الإسراء : 32 ]

وكذا رواه أبو معشر المدني ، عن محمد بن كعب .

وقال عبد الله بن وهب ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن أبي صخر قال : سمعت القرظي يقول في : " البرهان " الذي رأى يوسف : ثلاث آيات من كتاب الله ( إن عليكم لحافظين ) الآية [ الانفطار : 10 ] ، وقوله : ( وما تكون في شأن ) الآية : [ يونس : 61 ] ، وقوله : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) [ الرعد : 33 ] قال نافع : سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي ، وزاد آية رابعة ( ولا تقربوا الزنا ) [ الإسراء : 32 ]

وقال الأوزاعي : رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه عن ذلك .

قال ابن جرير : والصواب أن يقال : إنه رأى من آيات الله ما زجره عما كان هم به ، وجائز أن يكون صورة يعقوب ، وجائز أن يكون [ صورة ] الملك ، وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك . ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك ، فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى .

قال : وقوله : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) أي : كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه ، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره .

( إنه من عبادنا المخلصين ) أي : من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار ، صلوات الله وسلامه عليه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)

قال أبو جعفر: ذكر أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته , جعلت تذكر له محاسنَ نفسه , وتشوّقه إلى نفسها، كما:-

19013 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (ولقد همت به وهم بها) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! قال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي . قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك ! قال: هو للتراب يأكله . فلم تزل حتى أطمعته , فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت , وغلَّقت الأبواب , وذهب ليحلّ سراويله , فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول: " يا يوسف لا تواقعها (21) فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق , ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه , ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه "، فربط سراويله , وذهب ليخرج يشتدُّ , (22) فأدركته , فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط , وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب. (23)

19014 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: أكبَّت عليه - يعني المرأة - تُطمعه مرة وتخيفه أخرى , وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها , وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل ; حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به , ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به , حتى خلوا في بعض بُيوته.

* * *

ومعنى " الهم بالشيء " ، في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعتِه , ما لم يُواقِع &; 16-35 &; . (24)

* * *

فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به , فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره , وذلك ما:-

19015 - حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع , وسهل بن موسى الرازي , قالوا: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان , وجلس منها مجلس الخاتن (25) ، لفظ الحديث لأبي كريب. (26)

19016 - حدثنا أبو كريب , وابن وكيع , قالا حدثنا ابن عيينة , قال: سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الخاتن , وحلّ الهميان.

19017 - حدثنا زياد بن عبد الله الحسَّاني , وعمرو بن علي , والحسن بن محمد , قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة , عن عبد الله بن أبي يزيد , قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان , وجلس منها مجلس الخاتن.

19018 - حدثني زياد بن عبد الله , قال: حدثنا محمد بن أبي عدي , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له , وجلس بين رجليها.

19019 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت له , وحلّ ثيابه.

19020 - حدثني المثنى , قال: حدثنا قبيصة بن عقبة , قال: حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها) ، ما بلغ؟ قال: استلقت له وجلس بين رجليها , وحلّ ثيابه ، أو ثيابها.

19021 - حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها , وقعد بين رجليها لينـزعَ ثيابه.

19022 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن نافع بن عمر , عن ابن أبي مليكة , قال: سئل ابن عباس , عن قوله: (ولقد همت به وهم بها) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان ، يعني السَّراويل .

19023 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع , قالا حدثنا ابن إدريس , قال: سمعت الأعمش , عن مجاهد , في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه (27) واستلقت له.

19024 - حدثنا زياد بن عبد الله الحساني , قال: حدثنا مالك بن سعير , قال: حدثنا الأعمش , عن مجاهد , في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلّ سراويله , حتى وقع على أَلْيَتيه. (28)

19025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.

19026 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: (ولقد همت به وهم بها) قال: أمّا همّها به , فاستلقت له ، وأما همُّه بها، فإنه قعد بين رجليها ونـزع ثيابه.

19027 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثني حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة , قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له , وجلس بين رجليها ينـزع ثيابه.

19028 - حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا يحيى بن اليمان , عن سفيان , عن علي بن بذيمة , عن سعيد بن جبير وعكرمة , قالا حلّ السراويل , وجلس منها مجلس الخاتن.

19029 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , عن شريك , عن جابر , عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت , وحلّ ثيابه حتى بلغ ألياته. (29)

19030 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (ولقد همت به وهم بها) قال: أطلق تِكَّة سراويله.

19031 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , قال: شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِميان , وجلس منها مجلس الخاتن.

* * *

فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟

قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك.

فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة , (30) فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها , فيجد في طاعته إشفاقًا منها , ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.

* * *

وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم , بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.

* * *

وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله , وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.

* * *

وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم , فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.

فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف , وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه , لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه , وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها ، لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها . قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها , وهو غير " الفحشاء ".

* * *

وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف , فقيل: " وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه " . كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها , وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها , ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها , كما قيل: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا ، [النساء: 83].

* * *

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب " لولا " قبلها , لا تقول: " لقد قمت لولا زيد " , وهي تريد ": لولا زيد لقد قمت " , هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله.

* * *

وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة , غير أن همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، (31) لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.

* * *

وأما " البرهان " الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة , فإن أهل العلم مختلفون فيه.

فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة .

* ذكر من قال ذلك:

19032 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي: يا يوسف، أتزني , فتكون كالطير وَقَع ريشه، فذهب يطير فلا ريش له؟

19033 - .... قال: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قال: لم يُعْطِ على النداء، (32) حتى رأى برهان ربه , قال: تمثالَ صورة وجه أبيه ، قال سفيان: عاضًّا على أصبعه ، فقال: يا يوسف، تزني , فتكون كالطير ذهب ريشه؟

19034 - حدثني زياد بن عبد الله الحساني , قال:حدثني محمد بن أبي عدي , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نُودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطائر له ريش , فإذا زنى ذهب ريشه، أو قعد لا ريش له. قال: فلم يُعْطِ على النداء، (33) فلم يزد على هذا ، قال ابن جريج: وحدثني غير واحد , أنه رأى أباه عاضًّا على إصبعه.

19035 - حدثني أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي ، ، عن نافع بن عمر , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي فلم يسمع , فقيل له: يا ابن يعقوب، تريد أن تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟

19036 - حدثنا ابن حميد . قال: حدثنا سلمة , عن طلحة , عن عمرو الحضرمي , عن ابن أبي مليكة , قال: بلغني أنّ يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحلّ هميانه، نودي: يا يوسف بن يعقوب، لا تزن , فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه. فأعرض، ثم نودي فأعرض، فتمثل له يعقوب عاضًّا على إصبعه , فقام.

19037 - حدثني المثنى , قال: حدثنا قبيصة بن عقبة , قال: حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه، وبقي لا ريش له ! فلم يطع على النداء , ففُزِّع.

19038 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن &; 16-41 &; ابن جريج , قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب لا تكونَنّ كالطائر له ريش , فإذا زنى ذهب ريشه ، قال: أو قعد لا ريش له ، فلم يُعْطِ على النداء شيئًا , حتى رأى برهان ربه , ففَرِق ففرَّ.

19039 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب، أتزني، فتكون كالطير وقع ريشه، فذهب يطيرُ فلا ريش له؟

19040 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , عن همام بن يحيى , عن قتادة قال: نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟

19041 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان . عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: نودي: يُوسفَ بن يعقوب، تزني , فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟

* * *

وقال آخرون: " البرهان " الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعّده .

* ذكر من قال ذلك:

19042 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , قال: أخبرنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةَ ، أو: تمثالَ ، وجهِ يعقوب عاضًّا على إصبعه , فخرجت شهوته من أنامله.

19043 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , عن إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب , فضرب في صدره , فخرجت شهوته من أنامله. (34)

19044 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا محمد بن بشر , عن مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه أبيه، قائلا بكفه هكذا ، وبسط كفه ، فخرجت شهوته من أنامله.

19045 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، عن سفيان , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه , فضرب صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

19046 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى , قال: حدثنا عبد الله بن وهب , قال: أخبرني ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورة يعقوب واضعًا أنملته على فيه، يتوعَّده , ففرَّ.

19047 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى بن عباد , قال: حدثنا جرير بن حازم , قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث , عن ابن عباس , في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حين رأى يعقوبَ في سقف البيْت , قال: فنـزعت شهوته التي كان يجدها، حتى خرج يسعى إلى باب البيت , فتبعته المرأة.

19048 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي ، عن قرة بن خالد السدوسي , عن الحسن , قال: زعموا، والله &; 16-43 &; أعلم، أن سقف البيت انفرج , فرأى يعقوبَ عاضًّا على أصابعه.

19049 - حدثني يعقوب , قال: حدثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثالَ يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!

19050 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , نحوه .

19051 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو العنقزي , قال: أخبرنا سفيان الثوري , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه يعقوب , فخرجت شهوته من أنامله.

19052 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان , عن سفيان , عن علي بن بذيمة , عن سعيد بن جبير , قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه , فدفع في صدره , فخرجت شهوته من أنامله . فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف , فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر.

19053 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف، يعقوبُ.

19054 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عيسى بن المنذر , قال: حدثنا أيوب بن سويد , قال: حدثنا يونس بن يزيد الإيلي , عن الزهري , عن حميد بن عبد الرحمن , مثله .

19055 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب.

19056 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن عمرو , عن منصور , عن مجاهد , مثله .

19057 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: يعقوب.

19058 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19059 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19060 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , وحدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: مَثَل له يعقوب.

19061 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته، حتى رأى صورةَ يعقوب في الجدُر (35) .

19062 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مثل له يعقوب.

19063 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن القاسم بن أبي بزة , قال: نودي: يا ابن يعقوب , لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قَعَد ليس له ريش. فلم يُعْرِض للنداء وقعد , فرفع رأسه , فرأى وجهَ يعقوب عاضًّا على إصبعه , فقام مرعوبًا استحياء من الله، فذلك قول الله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، وجهَ يعقوب.

19064 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن النضر بن عربي , عن عكرمة , قال: مثل له يعقوب عاضًّا على أصابعه.

19065 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن نضر بن عربي , عن عكرمة , مثله .

19066 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , قال: مثل له يعقوب , فدفع في صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

19067 - .... قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا سفيان , عن علي بن بذيمة , قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابنًا، إلا يوسف , ولد له أحد عشر، من أجل ما خرج من شهوته.

19068 - حدثني يونس , قال: أخبرنا: ابن وهب , قال: قال أبو شريح: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بَنَانه.

19069 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يعلى بن عبيد , عن محمد الخراساني , قال: سألت محمد بن سيرين , عن قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله , اسمك في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء؟

19070 - حدثني محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا يزيد بن زريع , عن يونس , عن الحسن , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف !

19071 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , قال، قال قتادة: رأى صورة يعقوب , فقال: يا يوسف، تعمل عمل الفجَّار , وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيى منه.

&; 16-46 &; 19072 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (لولا أن رأى برهان ربه) رأى آية من آيات ربه , حجزه الله بها عن معصيته. ذكر لنا أنه مثل له يعقوب حتى كلمه , فعصمه الله، ونـزع كل شهوة كانت في مفاصله.

19073 - .... قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن: أنه مَثَل له يعقوب وهو عاضٌّ على إصبع من أصابعه.

19074 - حدثني يعقوب , قال: حدثنا هشيم , قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح , قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! يا يوسف ! يعني قوله: (لولا أن رأى برهان ربه).

19075 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن منصور ويونس عن الحسن , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت، عاضًّا على إصبعه.

19076 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح مثله , وقال عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف !

19077 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا يعقوب القمي , عن حفص بن حميد , عن شمر بن عطية , قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف ! فذاك حيث كفَّ , وقام فاندفع.

19078 - حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا شريك , عن سالم وأبي حصين , عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه , فدفع في صدره، فخرجت شهوته من بين أنامله.

19079 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم , قال: حدثنا مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه أبيه , فخرجت الشهوة من أنامله.

19080 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى ، يعني ابن عباد , قال: حدثنا أبو عوانة , عن إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: تمثال صورة يعقوب في سقف البيت.

19081 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا جعفر بن سليمان , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال: رأى يعقوب عاضًّا على يده.

19082 - .... قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: يعقوب، ضرب بيده على صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

19083 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، آية من ربه ; يزعمون أنه مَثَلَ له يعقوب , فاستحيى منه.

* * *

وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله .

* ذكر من قال ذلك:

19084 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن أبي مودود , قال: سمعت محمد بن كعب القرظي , قال: رفع رأسَه إلى سقف البيت , فإذا كتاب في حائط البيت: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ، (36) [سورة الإسراء: 32].

19085 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن أبي مودود , عن محمد بن كعب , قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ , فرأى كتابًا في حائط البيت: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا .

19086 - .... قال: حدثنا زيد بن الحباب , عن أبي معشر , عن محمد بن كعب: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا.

19087 - حدثنا يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , عن أبي صخر , قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ الآية، [سورة الانفطار: 10] , وقوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ الآية، [سورة يونس: 61]، وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [سورة الرعد: 33]. قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي , وزاد آية رابعة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا .

19088 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: أخبرنا أبو معشر , عن محمد بن كعب القرظي: (لولا أن رأى برهان ربه) فقال: ما حرَّم الله عليه من الزنا.

* * *

وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك .

* ذكر من قال ذلك:

19089 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) يقول: آيات ربه، أُرِيَ تمثالَ الملك.

19090 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: &; 16-49 &; كان بعض أهل العلم، فيما بلغني، يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوءَ والفحشاء، يعقوبُ عاضًّا على إصبعه , فلما رآه انكشفَ هاربًا ، ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده، حين دَنا من الباب , وذلك أنه لما هرب منها واتبعته، ألفياه لدى الباب.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه , لولا أن رأى يوسف برهان ربه , وذلك آيةٌ من الله , زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة ، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب ، وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا ، ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ . والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى , والإيمان به , وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.

* * *

وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) ، يقول تعالى ذكره: كما أرينَا يوسف برهاننا على الزجر عمَّا همّ به من الفاحشة , كذلك نسبّب له في كلِّ ما عرض له من همٍّ يهمُّ به فيما لا يرضاه، ما يزجره ويدفعه عنه ; كي نصرف عنه ركوب ما حرَّمنا عليه، وإتيان الزنا , لنطهره من دنس ذلك. (37)

* * *

وقوله: (إنه من عبادنا المخلصين) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) بفتح اللام من " المخلصين " , بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا، واخترناهم لنبوّتنا ورسالتنا.

* * *

وقرأ بعض قرأة البصرة: " إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام ، بمعنى: إن يوسف من عبادنا الذين أخلَصوا توحيدنا وعبادتنا , فلم يشركوا بنا شيئًا , ولم يعبدُوا شيئًا غيرنا.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة , وهما متفقتا المعنى. وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره , فهو مُخْلِصٌ لله التوحيدَ والعبادة , ومن أخلص توحيدَ الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئًا , فهو ممن أخلصه الله , فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصوابِ مصيبٌ.

----------------------

الهوامش:

(21) في المطبوعة والمخطوطة :" تواقعها" بغير" لا" ، وأثبتها من التاريخ .

(22) " اشتد" ، أسرع العدو .

(23) الأثر : 19013 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 173 .

(24) انظر تفسير" الهم" فيما سلف 9 : 199 / 10 : 100 / 14 : 158 ، ولم يشرحها هناك شرحًا يغني ، وشرحها هنا .

(25) قوله :" مجلس الخاتن" ، هو الذي يختن الفتى أو الفتاة وفي مطبوعة تاريخ الطبري :" مجلس الحائز" ، ولكن ستأتي في مخطوطة التفسير" الخاتن" في كل مكان وسيأتي تفسير" الهميان" في رقم : 19022 ، وفي اللسان أنه" تكة السراويل" .

(26) الأثر : 19015 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 173 ، بهذا الإسناد نفسه .

(27) في المطبوعة :" حتى التبان" ، وهو سراويل صغير مقدار شبر ، يستر العورة المغلظة ، وليس بشيء . وفي المخطوطة في هذا الموضع" التبن" غير منقوطة ثم في رقم : 19024 فيها :" حتى وقع على التنتين" ، ثم في رقم : 19029 ، فيها أيضًا :" على الثنات" ، وقد جعلها الناشر في جميعها" التبان" برسم واحد ، ورجحت أنا أكتبها" أليتيه" في موضعين و" ألياته" في آخر المواضع ، لأني وجدت الخبر عن مجاهد في القرطبي 9 : 166" حل السراويل حتى بلغ الأليتين" ، ولو كتبتها كما في القرطبي ، لكان صوابًا ، و" الألية" ( بفتح الهمزة ) ، هي العجيزة للناس وغيرهم ، وهما من الناس" أليتان" ، ويقال :" إنه لذو أليات" ، كأنه جعل كل جزء" ألية" ، ثم جمع على هذا .

(28) انظر التعليق السالف ، وكان في المطبوعة :" على التبان" .

(29) " أليات" جمع" ألية" ، وانظر ما سلف ص : 36 ، تعليق رقم : 1 .

(30) في المطبوعة :" كان ممن ابتلى ..." ، والصواب ما في المخطوطة .

(31) في المخطوطة والمطبوعة :" تمثيلا منهما" ، وهو خطأ . و" التمييل" الترجيح ، أي الأمرين تأخذ ، وأيهم تدع . يقال :" إني لأميل بين ذينك الأمرين ، وأمايل بينهما ، أيهما أركب ، أو أيهما أفضل" .

(32) في المطبوعة :" لم يتعظ" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صحيح المعنى ، يعني لم يعط المقادة والطاعة وهو كقوله في رقم : 19037 ،" فلم يطع على النداء" ، ثم قوله في رقم 19038" فلم يعط على النداء شيئا" ، فجاء بها في المطبوعة على الصواب .

(33) انظر التعليق السالف ص 39 .

(34) الأثر : 19043 -" عمرو بن محمد العنقزي" ، مضى مرارًا ، وكان في المطبوعة والمخطوطة :" عمرو بن العنقزي" ، سقط اسم أبيه .

(35) في المطبوعة :" على الجدار" وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .

(36) في المطبوعة والمخطوطة : { إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا } ، وهذه آية أخرى ، هي آية نكاح ما نكح الآباء من النساء ، وهي آية المقت" سورة النساء : 22" ، وزيادة" ومقتًا" سهو من الناسخ ، لا شك في ذلك ، وجاءت على صواب التلاوة في الأثر التالي ، ولكن الناشر زاد" ومقتًا" ، هناك ، فأساء غاية الإساءة .

(37) انظر تفسير" الصرف" فيما سلف 15 : 254 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

، وتفسير" الفحشاء" فيما سلف 12 : 547 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ متى ينقلب الهم بالسيئة إلى حسنة؟! الإجابة في قوله ﷺ: «قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ:رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً -وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ-،فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ» [مسلم 129، مِنْ جَرَّايَ: من أجلي].
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ هذه هي النفس إن لم يكن لها رادع من التقوى هكذا تكون، اندفاع وتهور دون النظر للعواقب، اللهم آتِ نفوسنا تقواها.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ الشهوة مظهر افتراسي، لا يمت إلى الحب بصلة.
لمسة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ والصحيح في تفسيرها أن الكلام تم عند قوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾، ثم الاستئناف بقوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، و(لولا) في لغة العرب حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط، كأن تقول: لولا مرضي لزرتك، فأنا أعتذر أني لم أزرك بسبب مرضي، فامتنعت الزيارة لوجود المرض، وكذلك امتنع الهم من يوسف بسبب وجود برهان ربه.
لمسة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ من حيث اللغة لم يهمّ بها، معنى الهمّ بداية الفعل، لقد هممت أن أفعل كذا أي أردت وحاولت ودفعتني نفسي إلى أن أفعل كذا، واللغة تقول لم يهمّ بها يوسف أصلًا، فقوله تعالى: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ يعني لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، لا نقف عند ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ وإنما تقرأ الآية كاملة، لو قلت: ﴿هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ فأين جواب وموقع: ﴿لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؟ لا يصبح لها معنى، (لَوْلَا) هنا حرف امتناع لوجود، امتنع الهمّ لوجود البرهان، قارفت الذنب لولا أن عصمك الله، تكون لم تقارف الذنب لوجود عصمة الله، لولا العصمة، لولا برهان ربه لهمّ بها، لكنه ما همّ، كدت أضربه لولا أبوه، يعني لولا أبوه لضربته، يعني لم أضربه، قدّمت وأخّرت، وقوله تعالى: ﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ [الفرقان: 42] يعني ما ضلّ.
لمسة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ البعض قال: إنها همت به (فعلًا) وهمّ بها (تركًا) وهذا لا يصح لغويًا؛ لأن الكلام سيكون: ولقد همت به وهمّ بها، ولا يعود لقوله: ﴿لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ موقع ولا وجود ولا دلالة.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ صُدِّر الأولُ بما يقرِّر وجودَه من التوكيد القسمي (وَلَقَدْ)، وعُقِّب الثاني بما يعفو أثرَه من قوله: (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، الدال على قبح الزنا، وبما أن برهان ربه قد وجد، فالهمُّ لم يوجد.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ (وهم بها) هو لم يهم بها، وإنما هي كقولك: (أزورك لولا أن فلانًا عندك)، فأنت لم تزره، ويوسف عليه السلام لم يهم بها، وفائدة إيراد: (لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ) ليخبر أن امتناع يوسف عليه السلام عن المرأة لم يكن بسبب عجزه، أو ضعفه عن النساء، وإنما بسبب خوفه من الله عز وجل وتدينه، فامتناعه إنما هو بسبب ديني إيماني، وليس سببًا طبيعيًّا، كالعجز، أو الضعف، أو نقص الرجولة.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ لا يوجد إنسان معصوم من الخواطر، إنما الفارق في العصمة والتعقل بعد تلك الخاطرة.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ هو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه؛ فصرف الله به ما كان هم به، وكتب له حسنة كاملة.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ قيل: همُّها همُّ العزم، وهمُّه همُّ الخاطر، وقيل: همت بالفاحشة وهمّ بدفعها، وقيل لم يهمّ، وهناك تقديم وتأخير، والتقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، وعلى كل الأقوال فهو بعيد عن المعصية كل البعد ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾.
وقفة
[24] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ الحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل: تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه؛ يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء.
وقفة
[24] قال الله عن يوسف: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾؛ ﻻ نجرد الناس عن (فطرتهم)، فالكمال يكمن في (قهر الفطرة) طاعة لله.
وقفة
[24] ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ من راقب الله في سره وعرف عظمة الله؛ فلن يقدر على معصيته فهو الكبير العليم.
وقفة
[24] ﴿لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ روايات باطلة: أن البرهان هو أن يوسف رأى صورة أبيه يعقوب في سقف البيت عاضًّا على إصبعه، أو أن يوسف رفع رأسه إلى سقف البيت، فرأى مكتوبًا عليه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، فهذه كلها إسرائيليات.
وقفة
[24] ﴿لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ الله تعالى يعين أولياءه في اللحظات العصيبة بأمور تثبتهم، برهان من الله أراه إياه جعله ينصرف، ومهما كان المراد بهذا البرهان، فالإنسان لولا معونة الله وتوفيقه وتسديده لا يثبت على الحق.
وقفة
[24] ﴿لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ افتح عينيّ بصيرتك جيدًا، فهناك براهين للرب تظهر، يعصم بها أحبابه، يذكرهم بها أنه الله الذي لا ينبغي أن يُعصى.
وقفة
[24] ﴿لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ ما هو البرهان الذي أوقف يوسف عليه السلام في قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)؟ البرهان يقول أهل الحديث: (لا حجة قاطعة في تعيين شيء)، وكل ما يقوله الناس إما من الإسرائيليات، أو من باب التخيلات، ولا يوجد نص قاطع في هذه المسألة، المهم أنه رأى برهانًا صرفه عن هذا، ومنطوق الآية من حيث اللغة أنه لم يهمّ بها ألبتّة.
عمل
[24] ﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ احفظ الله يحفظك! من كان له رصيد سابق من الطاعات حفظه الله بما نال من الحسنات، فإذا قدمت الصدق في الخلوات والإخلاص بخفي الأعمال الصالحات، حماك الله من السقوط في بئر الفواحش والمنكرات.
عمل
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ أمام عاديات الفتن لا تركن لصلاحك السابق، فلا عاصم من أوارها إلا الله، فاستعن بالله، واسأله النجاة.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ داء العشق ودواؤه؛ قال ابن عقیل: قال بعض الحكماء: «ليس العشق من أدواء الحكماء، إنما هو من أمراض الخلفاء الذين جعلوا دأبهم ولهجهم متابعة النفس، وإرخاء عنان الشهوة، وإفراط النظر في المستحسنات من الصور، فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس، ثم تألف، ثم تتوق، ثم تتشوق، ثم تلهج فيقال عشق، والحكيم من استطال رأيه على هواه، وتسلطت حکمته أو تقواه على شهوته، فرعونات نفسه مقيدة أبدًا، كصبي بين يدي معلمه، أو عبد بمرأى سيده، وما كان العشق إلا لأرعن بطال، وقل أن يكون في مشغول ولو بصناعة أو تجارة، فكيف بعلوم شرعية أو حكمية؟ فإنها صارفة عن ذلك».
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ إنّ الله إذا رضي عنك صرفك عن الحرام، أما إذا أحبَك صَرف الحرام عنك.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ من علامات اصطفاء الله للعبد صرفـه عن محرمات.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ وفي قراءة (المخلِصين)؛ لأنه لما كان مخلِصًا كان مخلَصًا ومختارًا عند الله.
اسقاط
[24] إذا انفتح لك باب معصية وتيسرت أسبابها، فلا تفرح فقد يكون علامة على هوانك عند ربك: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
وقفة
[24] ﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ إذا ذاق المرء طعمَ الإخلاص، وقوي في قلبه؛ انقهر له هواه بغير علاج!
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ الإخـــلاص يمنـع من تسلـــط الشيطـــان.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ إخلاصك لا يرضي ربك فقط، بل ينقذك حتى من نفسك عندما تكاد تجنح للهوى.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ من جاهد نفسه بصدق وإخلاص في صرف السوء والفحشاء عنه لله؛ صرفه الله عنهما، تأمل :لم يقل: (نصرفه عن السوﺀ)؛ لأنه ربما يعود الإنسان إليه أو لغيره، ولكن صرف السوﺀ نفسه عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا فرق، وهذه عناية إلهية، فمن صرفه الله فلن يعود، صرف الله عنا وعنكم السوء.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ محبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص، كانت محبته بعشق الصور أشد، وكلما كان أكثر إخلاصًا وأشد توحيدًا؛ كان أبعد من عشق الصور؛ ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها، ونجا منه يوسف الصديق بإخلاصه.
عمل
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ من أمام أعاصير الفتن إياك إياك أن تركن لسابق صلاحك أو شهرة عبادتك، فلا عاصم إلا الله، فاستغث به، واسأله النجاة.
وقفة
[24] لا يُبتلَى بالعشق غالبًا إلا من غفل قلبه عن الله وعن ذكره وعن أمره ونهيه، قال تعالى في حق يوسف: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ يدل ذلك على أن الإخلاص سبب لدفع السوء والفحشاء، فالقلب إذا امتلأ من ذلك استحلاه على كل شيء وتغذى به واستغنى به عما سواه.
وقفة
[24] أحد الشباب كان يعاني من تعلقه ببعض الفواحش، وكان يجد شدة في تركها، حتى أذن الله بذهاب حبها من قلبه بسبب تدبره لقوله تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾، فرجع لنفسه وقال: لو كنت مخلصًا لأنجاني ربي كما أنجى يوسف، ولم يمض وقت طويل حتى صار هذا الشاب أحد الدعاة إلى الله.
وقفة
[24] من أعظم أسباب العشق: إعراض القلب عن الله، والإنسان لا يترك محبوبًا إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه منه، أو خوفًا من مكروه؛ والقلب إذا ذاق طعم عبادة الله، والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ، ولا أمتع، ولا أطيب، فتدبر: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ في الآية دليل على عصمة يوسف وبراءته من الهم بالسوء، فلم يقل: (إن الله صرفه عن السوء والفحشاء)، فهذا معناه أن يوسف كان متجهًا نحو السوء، وهو ما لم يحدث، بل أخبر الله أن السوء والفحشاء كانا متجهين إلى يوسف، فصرفهما الله عنه.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ فمن أخلص لله خلَّصه من السوء والفحشاء، وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلِكة.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ النيّة الصادقة تصرف عن الإنسان السوء وإن قرُب منه.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ كلَّما حقَّق العبدُ الإخلاصَ في قول (لا إله إلا الله)، خرج من قلبهِ تألُّهُ ما يهواه، وتُصرف عنه المعاصي والذنوب.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ إذا تعبدت لله بالانصراف عن السوء والفحشاء زمنًا؛ يأمر الله بعد ذلك السوء والفحشاء أن تنصرف عنك.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ العبادات تصرف عن الإنسان المحرمات ولو تهيأت أسبابها.
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ السوء الذي يصرف عنك مصدره عمل صالح دافع عنك، فأكثر من الصالحات فلا تعلم كم سوء يصرف عنك!
وقفة
[24] ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ شهد الله في هذه الآية على طهارة يوسف أربع مرات: ١- (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) واللام للتأكيد، وأن السوء صرف عنه، وهذا أبلغ من أن يصرف هو عن السوء. ٢- (وَالْفَحْشَاءَ): فصرف عنه السوء والفحشاء. ٣- (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا) فأضافه إليه. ٤- (الْمُخْلَصِينَ)، وقرئت بفتح اللام وكسرها.
وقفة
[24] هل ذقت حلاوةَ الإخلاص؟ يقول ابن تيمية: «المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته ما يمنعه من محبة غيره؛ إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ، ولا أطيب ولا أسر، ولا أنعم: من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيبًا إلى الله، خائفًا منه، راغبًا، راهبًا، كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾».
وقفة
[24] بإخلاصك يحفظك الله من السوء، قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
لمسة
[24] ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ ما الفرق بين المخلِصين والمخلَصين؟ (المخلَصين) بفتح اللام اسم مفعول، هم الذي أخلصهم الله تعالى للطاعة، هو الذي اختارهم، و(المخلِصين) بكسر اللام هو الذي أخلص دينه لله، ولذلك هذه الآية فيها قراءتان صحيحتان متواترتان، أخلصه الله تعالى وهو أيضًا أخلص دينه لله، استجاب وأطاع.
وقفة
[24] ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ من دلائل براءة يوسف: قال الإمام الزمخشري: «ولو وجدت من يوسف عليه السلام أدنى زلة، لنعيت عليه، وذكرت توبته واستغفاره، کا نُعيت على آدم زلته وعلى داود، وعلى نوح، وعلى أيوب، وعلى ذي النون، وذكرت توبتهم واستغفارهم، كيف وقد أثنى الله عليه وسُمي مخلصًا، فعُلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض، وجاهد نفسه مجاهدة أولي القوة والعزم، حتى استحق من الله الثناء في ما أنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصدق لها، ولم يقتصر على استيفاء قصته، بل ضرب سورة كاملة عليها، ليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار، والتثبت في مواقف العثار».
وقفة
[24] تدبر الثناء على يوسف: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾، وموسى: ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ [مريم: 51] بكسر اللام وفتحها في الآيتين في قراءتين سبعيتين ومعنيين بديعين، حيث أخلصا في عملهما فأخلصهما الله واصطفاهما؛ جدد إخلاصك في عبادتك، لتنال اصطفاء الله لك، فيحفظك عند الشدائد، ويثبتك في الفتن، كما حفظ موسى ويوسف مع شدة وتعدد ما لقيا من البلاء والمحن.
وقفة
[24] يوسف عليه السلام جميل بكل شيء، جميل في شكله، في عفته، في أخلاقه ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ولقد همّت به:
  • الواو: استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق وقيل للتوقع. همت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. به: جار ومجرور متعلق بهمت.
  • ﴿ وهَمَّ بها:
  • لواو: استئنافية وليست عاطفة لأن المراد جمهم بها: منازعة يوسف الشهوة إياه لا القصد الاختياري. هم: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. بها: جار ومجرور متعلق بهم.
  • ﴿ لولا أن رأى برهان ربّه:
  • لولا: حرف شرط غير جازم. أنْ: مخففة من \"أنّ\" الثقيلة وهي حرف مشبه بالفعل واسمه ضمير شأن مستتر تقديره أنه. رأى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. برهان: مفعول به منصوب بالفتحة. ربه: مضاف إليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة وجملة \"رأى برهان ربه\" في محل رفع خبر \"أن\" المخففة. و \"أن\" واسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع اسم \"مبتدأ\" وخبره محذوف وجوبًا بالتقدير. لولا: رؤيته برهان ربه كائنة وجواب الشرط محذوف تقديره لخالطها حذف لأن قوله وهم بها يدل عليه
  • ﴿ كذلك:
  • الكاف: اسم بمعنى \"مثل\" مبني على الفتح في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر مثل ذلك أي أمر البراهين. ويجوز أن يكون في محل نصب على المصدر أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه. أو مفعولًا به بتقدير: أريناه في البراهين مثل ذلك: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة. اللام: للبعد والكاف: حرف خطاب.
  • ﴿ لنصرف عنه السوء والفحشاء:
  • اللام: لام التعليل وهي حرف جر بمعنى: لكي نصرف. نصرف: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. عنه: جار ومجرور متعلق بنصرف. السوء: مفعول به منصوب بالفتحة. والفحشاء: معطوفة بالواو على \"السوء\" منصوبة مثله بالفتحة. وجملة \"نصرف\" صلة \"أن\" المضمرة لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إنَّه من عبادنا المخلصين:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". من: حرف جر للتبعيض. عباد: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي: بعض عبادنا. أي هو مخلص من جملة المخلصين والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر \"إنّ\". المخلصين: صفة -نعت- للعباد مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد والكلمة بفتح اللام -اسم مفعول- أي الذين أخلصهم الله لطاعته.'

المتشابهات :

البقرة: 169﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِـ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
يوسف: 24﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولمَّا دعت امرأةُ العزيز يوسف عليه السلام إلى فعل الفاحشة؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنها كانت جادة، لا مختبرة، ثم بيان فضل الله على يوسف عليه السلام لمَّا صرفَ عن السُّوء، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لنصرف:
وقرئ:
ليصرف، بياء الغيبة، عائدا على «ربه» ، وهى قراءة الأعمش.
المخلصين:
قرئ:
1- بكسر اللام، وهى قراءة العربيين، وابن كثير.
2- بفتحها، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [25] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن ..

التفسير :

[25] وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج، وأسرعت تحاول الإمساك به، وجذبت قميصه مِن خلفه؛ لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته، ووجدا زوجها عند الباب فقالت:ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع.

ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص، ويهرب من الفتنة، فبادرت إليه، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه، فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال، ألفيا سيدها، أي:زوجها لدى الباب، فرأى أمرا شق عليه، فبادرت إلى الكذب، أن المراودة قد كانت من يوسف، وقالت:{ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} ولم تقل "من فعل بأهلك سوءا"تبرئة لها وتبرئة له أيضا من الفعل.

وإنما النزاع عند الإرادة والمراودة{ إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي:أو يعذب عذابا أليما.

وقوله- سبحانه- وَاسْتَبَقَا الْبابَ ... متصل بقوله- سبحانه- قبل ذلك وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ... وقوله كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ ... اعتراض جيء به بين المتعاطفين تقريرا لنزاهته.

وقوله وَاسْتَبَقَا.. من الاستباق وهو افتعال من السبق بمعنى أن كل واحد منهما يحاول أن يكون هو السابق إلى الباب.

ووجه تسابقهما: أن يوسف- عليه السلام- أسرع بالفرار من أمامها إلى الباب هروبا من الفاحشة التي طلبتها منه. وهي أسرعت خلفه لتمنعه من الوصول إلى الباب ومن الخروج منه.

وأفرد- سبحانه- الباب هنا، وجمعه فيما تقدم، لأن المراد به هنا الباب الخارجي، الذي يخلص منه يوسف إلى خارج الدار، وهو منصوب هنا على نزع الخافض أى: واستبقا إلى الباب.

وجملة «وقدت قميصه من دبر» حالية، والقد: القطع والشق، وأكثر استعماله في الشق والقطع الذي يكون طولا، وهو المراد هنا، لأن الغالب أنها جذبته من الخلف وهو يجرى أمامها فانخرق القميص إلى أسفله.

وقوله: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ أى: وصادفا ووجدا زوجها عند الباب الذي تسابقا للوصول إليه.

قالوا: والتعبير عن الزوج بالسيد، كان عادة من عادات القوم في ذلك الوقت، فعبر عنه القرآن بذلك حكاية لدقائق ما كان متبعا في التاريخ القديم.

وقال- سبحانه- وَأَلْفَيا سَيِّدَها لأن ملك العزيز ليوسف- عليه السلام- لم يكن ملكا صحيحا، فيوسف ليس رقيقا يباع ويشترى، وإنما هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وبيع السيارة له، إنما كان على سبيل التخلص منه بعد أن التقطوه من الجب.

وقوله- سبحانه- قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ حكاية لما قالته لزوجها عند ما فوجئت به عند الباب وهي تسرع وراء يوسف.

أى قالت تلك المرأة لزوجها عند ما فوجئت به لدى الباب: ليس من جزاء لمن أراد بأهلك- تعنى نفسها- سوءا، أى ما يسوؤك ويؤلمك، إلا أن يسجن، عقوبة له، أو أن يعذب عذابا أليما عن طريق الضرب او الجلد، لتجاوزه الحدود، واعتدائه على أهلك.

وهذه الجملة الكريمة التي حكاها القرآن الكريم عنها، تدل على أن تلك المرأة كانت في نهاية المكر والدهاء والتحكم في إرادة زوجها ...

ورحم الله الآلوسى فقد علق على قولها هذا الذي حكاه القرآن عنها بقوله ما ملخصه:

«ولقد آتت- تلك المرأة- في هذه الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي- حيث شاهدها زوجها على تلك الحالة المريبة- بحيلة جمعت فيها غرضيها، وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر حالها، واستنزال يوسف عن رأيه في استعصائه عليها، وعدم طاعته لها، بإلقاء الرعب في قلبه ...

ولم تصرح بالاسم، بل أتت بلفظ عام «من أراد بأهلك سوءا..» تهويلا للأمر، ومبالغة في التخويف، كأن ذلك قانون مطرد في حق كل من أراد بأهله سوءا.

وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز، إعظاما للخطب ...

ثم إن حبها الشديد ليوسف- عليه السلام- حملها على أن تبدأ بذكر السجن، وتؤخر ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب، لا سيما أن قولها: «إلا أن يسجن ... »

قد يكون المراد منه السجن لمدة يوم أو يومين ... » .

والحق أن هذه الجملة التي حكاها القرآن عنها، تدل على اكتمال قدرتها على المكر والدهاء- كما سبق أن أشرنا- ومن مظاهر ذلك، محاولتها إيهام زوجها بأن يوسف قد اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه، ولكن بدون تصريح بهذا العدوان- شأن العاشق مع معشوقه- حتى لا يسعى زوجها في التخلص منه ببيعه- مثلا-.

وفي الوقت نفسه إفهام يوسف عن طريق مباشر، بأن أمره بيدها لا بيد زوجها، وأنها هي الآمرة الناهية، فعليه أن يخضع لما تريده منه، وإلا فالسجن أو العذاب الأليم هو مصيره المحتوم.

يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ، يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ] فقدته قدا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فألفيا سيدها - وهو زوجها - عند الباب ، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها : ( ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) أي : فاحشة ، ( إلا أن يسجن ) أي : يحبس ، ( أو عذاب أليم ) أي : يضرب ضربا شديدا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة

القول في تأويل قوله تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بابَ البيت، (38) أما يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها، وأما المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها , فأدركته فتعلقت بقميصه , فجذبته إليها مانعةً له من الخروج من الباب، , فقدَّته من دبر ، يعني: شقته من خلف لا من قدام، (39) لأن يوسف كان هو الهارب، وكانت هي الطالبة، كما: -

19091 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن &; 16-51 &; معمر , عن قتادة: (واستبقا الباب) ، قال: استبق هو والمرأة الباب ,(وقدت قميصه من دبر).

19092 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما رأى برهان ربه , انكشفَ عنها هاربًا , واتبعته , فأخذت قميصه من دبر، فشقَّته عليه.

* * *

وقوله: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها (40) ، وهو زوج المرأة (41) ، " لدى الباب " , يعني: عند الباب (42) . كالذي: -

19093 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا الثوري , عن رجل , عن مجاهد: (وألفيا سيدها) ، قال: سيدها: زوجها ، ,(لدى الباب) ، قال: عند الباب.

19094 - حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا يحيى بن سعيد , عن أشعث , عن الحسن , عن زيد بن ثابت , قال ": السيد "، الزوج.

19095 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، أي: عند الباب.

19096 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، قال: جالسًا عند الباب وابن عمّها معه، فلما رأته قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ إنه راودني عن نفسي , فدفعته عن نفسي , فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي , وفررت منها فأدركتني , فشقت قميصي. فقال ابن عمها: تِبْيان هذا في القميص , &; 16-52 &; فإن كان القميص , قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين , وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين . فأتي بالقميص , فوجده قدّ من دبر قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ .

19097 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، إطفير، قائمًا على باب البيت، فقالت وهابَتْه: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولطخته مكانها بالسيئة، فَرَقًا من أن يتهمها صاحبُها على القبيح. فقال هو , وصَدقه الحديث: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي .

* * *

وقوله: (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا) يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب , فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أرادَ بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن، (43) أو إلا عذاب أليم ، يقول: موجع.

* * *

وإنما قال: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ، لأن قوله: (إلا أن يسجن) ، بمعنى إلا السجن , فعطف " العذاب " عليه ; وذلك أن " أن " وما عملت فيه بمنـزلة الاسم.

----------------------

الهوامش:

(38) انظر تفسير" الاستباق" فيما سلف 15 : 577 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(39) انظر تفسير" الدبر" فيما سلف 14 : 15 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(40) انظر تفسير" ألفى" فيما سلف 3 : 306 ، 307 .

(41) انظر تفسير" السيد" فيما سلف 6 : 374 .

(42) انظر تفسير" لدى فيما سلف 6 : 407 .

(43) انظر تفسير" الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .

التدبر :

وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ فيه مشروعية الفرار من الفتن مهما بلغ الإنسان من العلم، والدين، والعقل.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ينبغي للعبد إذا رأى محلًا فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر منه، ويهرب غاية ما يمكنه؛ ليتمكن من التخلص من المعصية؛ لأن يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربًا يطلب الباب ليتخلص من شرها.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ إذا زحفت إليك شهوة فابحث عن الباب.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ لا تكتفِ بـ (معاذ الله)، بل ابحث عن أقرب باب واهرب.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ الفرار الوحيد الذي يمارسه الشجعان ولا يطيقون فعله الجبناء هو الفرار عن المعصية، أو الفرار إلى الله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50].
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ والله لو وقف يُوسف لخُطف ولبلغت امرأة العزيز الهدف، لكن عُلم منه الإحسان وعُرف فلاح له ضوء الباب، فجاء المشهد ووُصف.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ إذا تسللت أدخنة الريبة إلى مكان؛ فالجأ إلى الباب قبل أن تختنق بسخط الله.
لمسة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ما الذي يجعل يوسف يجري ناحية الباب مع علمه يقينًا أنه (مغلّق)؟ ربما كانت الإجابة واضحة، إنه التوكل، ولكن ما الذي يجعل امرأة العزيز تسابقه إلى الباب الذي تعلم يقينًا أنه (مغلق)؟ هكذا الفزع الذي يصيب أهل الباطل حين يتحرك أهل الحق متوكلين على الله، هذا هو الباطل هش، مهما بلغ من أسباب القوة، تحرك أهل الحق متوكلين على الله متصلين بمصدر القوى، اضطرب أهل الباطل مهما كانت الأسباب في أيديهم.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ كلاهما يجري، أحدهما يفر من المعصية، والآخر يلاحقها! قد نشترك بالأفعال، ويتفاوت الجزاء بالنية.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ مهـما بلغتَ من العلم والدين والعقل؛ فاهـرب من الفتن.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ سبحان الله! اشتركا في الاستباق؛ وشتان بين الاثنين؛ فيوسف يفر إلى رضا الرحمن وامرأة العزيز تفر إلى سخطه.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ لماذا لم يقل: واستبقا (إلى) الباب؟ الجواب: ١- لأن الاستباق ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة، والمقصود هو الباب، ولو قيل: استبقا إلى الباب؛ لكان الباب منتهى السباق؛ لأنه بتجاوز الباب يتغير المكان والموقف كله، لذا كانت حريصةً على منعه من ذلك. ٢- وليشير إلى سرعة الوصول، حتى لكأنهما في لحظة قد وصلا الباب.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ أحيانًا الفرار شجاعة وإقدام، وبالأخص من معصية الله فهو واجب ومفروض.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ليس كل من يسير في طريقك يشاركك الهدف والنيّة.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ قد تسير معهم والنوايا والهموم تختلف؛ تأكد من رفقاء دربك.
عمل
[25] حدد مجلسًا يذكرك بالمعصية واتركه؛ محتسبًا الأجر على الله تعالى ﴿وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ﴾.
وقفة
[25] قد تتحد الخطوات، رغم اختلاف النيات والأهداف، تأمل في قصة يوسف ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ هو يفر من المعصية، وهي تفر إليها، وكلٌ وجهته الباب.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ الشجاع حقًا هو من يهرب من وجه الفتن، ويفر من المكان التي هي به، ولا يتجرأ أصلًا أن يقف على بابها.
عمل
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ أحدهما هارب من المعصية، والآخر يركض خلفها هل يستويان مثلًا؟! ليسوا سواء، إذن ليكن قدوتك الهارب الأول.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ لما أراد يوسف أن يهرب من الفتنة أرادت أن تمنعه فشقّت قميصه وأصبح هذا وبالًا عليها،كذلك من أراد أن يمنع خيرًا فمنعه سيكون وبالًا عليه.
وقفة
[25] ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ وحَّد الباب هنا، وجمعه قبلُ في قوله: ﴿وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ﴾ [23]؛ لأن إغلاقَ الباب للاحتياط لا يتمُّ إلَّا بإغلاق الجميِع، وأمَّا هروبه منها فلا يكون إلَّا إلى باب واحد، حتى لو تعدَّدت أمامه لم يقصد منها أوَّلًا إلّا لأول، فلهذا وحَّد البابَ هنا وجَمَعه ثَمَّ.
وقفة
[25] ﴿واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم﴾ بقدر فرارك من الفتنة تكتب لك النجاة، ولو أوصدت الأبواب في وجهك فالفرار مع التهمة خير من القرار مع الممانعة.
عمل
[25] ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ لا تبك على تمزق قميص أو انهيار حلم، أو تلاشي وميض، هناك من يصنع من إخفاقاتك اليسيرة مستقبلك العظيم.
وقفة
[25] ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ ظن يوسف في تلك اللحظة أنها تمكنت، وما علم أنها وقعت على الإدانة التي ستظهر براءته، لا تكن مستاء من الانتصارات المؤقتة للظالم.
عمل
[25] ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ لا تزدر كلَّ رثِّ هيئةٍ معفرَ الجبين مشقوقَ الثوب، فقد يكون نُبلٌ ما هو الذي شق ثوبه وعفر جبينه.
وقفة
[25] ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ وفي ذكر قدِّ القميص، وتحديد مكان القدِّ، فيه إشارة إلى أن يوسف هو الأسبق إلى الباب، وهذا يعني أنه هو الهارب وهي المطارِدة، وفي ذكر مادة (القدِّ) دون (الشق)؛ لأن القدَّ لا يكون إلا طولًا، وهذا أكثر مطابقة للواقع.
عمل
[25] ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ لا تحزن على: قميصك المقدود؛ أو مالك المنهوب، أو دمعك المسكوب، أو حقّك المسلوب، فقد يكون سببَ نجاتك، وبدايةَ سعادتك، وموعدَ فرحك الأبدي، وفردوسَك السرمديّ.
وقفة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ قد يفضح الله عبده عند النقطة التي ظن أنه قد حصَّنها جيدًا.
وقفة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ حجة في أن تسمية المخلوقين بالسادة جائز.
وقفة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ (سَيِّدَهَا) أهل مصر كانوا يسمون الزوج سيدًا، وقد كانت معروفة في لغتهم القبطية آنذاك.
لمسة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ يوسف كان مملوكًا: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [20]، لكن كان ذلك ظلمًا فلم تنطبق عليه أحكام الرق، ولهذا -والله أعلم- نُسبت السيادة على المرأة فقط، ﻹن يوسف مسلم والعزيز كافر -كما يُحكى-، وﻻ تكون أبدًا للكافر على مسلم سيادة، ويا ليت قومي يعلمون.
وقفة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ ولم يقل: سيدهما؛ لوجهين: ١- أنَّ «يوسف لم يدخل في رقٍّ قط»، وإنما اشتُريَ ظلمًا. ٢- «لأن المسلم لا يُملك، وهو السيد»، ولا تكون السيادة للكافر على المسلم.
وقفة
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ من المؤكد أنها تيقنت من عدم مجيئه في هذا الوقت قبل أن تشرع في مراودتها، ولكن ما الذي جاء به؟ إنه الله.
تفاعل
[25] ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ قد يفضح الله عبده عند المكان الذي ظن أنه قد حصنه جيدًا، قل: «اللهم سترك يا كريم».
لمسة
[25] ما الفرق بين (وجدنا) و(ألفينا(؟ في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس، ولذلك قال بعض النحاة: إنه ليس من أفعال القلوب التي يستشعر بها، مثل: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾، ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ﴾ [الصافات:69]،أما (وجدنا) فأشمل، وفي القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية ومشاهدة، مثل: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا﴾ [آل عمران: 37]، ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾ [الأعراف: 102].
وقفة
[25] الزوج سيد للزوجة عند جميع الأمم، لا ينازَع في هذا، وله حق القوامة بالفطرة ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾.
عمل
[25] ﴿وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا﴾ لا تتعاطف مع أول منكر، فقد يكون أخطر مجرم.
عمل
[25] ﴿وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا﴾ لا تظن أن أصحاب الباطل مغفلين؛ إنهم يجيدون التلبيس والتدليس.
وقفة
[25] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ ليس المشتكي هو صاحب الحق دائمًا، فقد تكون الشكوى ضربة استباقية من الظالم.
وقفة
[25] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ صاحب الباطل يجيد التمويه والتمثيل.
وقفة
[25] ما المقصود بكلمة أهل؟ يستعمل القرآن الكريم كلمة أهل للأزواج، مثل قوله تعالى في قصة ابراهيم: ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ [هود: 73]، وفي قصة امرأة العزيز: ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾، وفي قصة موسى: ﴿وسار بأهله﴾ [القصص: 29]، إذن أهل هي الأزواج كما وصفها القرآن وفي اللغة أيضًا.
وقفة
[25] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قال الآلوسي: «حبها الشديد ليوسف عليه السلام حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضع؛ وذلك لأنها بدأت بذكر السجن، وأخرت ذكر العذاب؛ لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب، وأيضًا إنها لم تذكر أن يوسف عليه السلام يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين، بل ذكرت ذلك ذكرًا كليًا صونًا للمحبوب عن الذكر بالشر والألم».
وقفة
[25] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يدل على حرص المرأة على حياة يوسف، لكي لا يفكر العزيز في قتله، وهذا غاية الدهاء منها، أن تخيره بين خيارين ليس منها المساس بحياة يوسف.
تفاعل
[25] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قد تكون الشكوى ضربةً استباقيةً من الظالم! قل: «اللهم إنّا نعوذُ بك من أن نَظلِم أو نُظلَم».
وقفة
[25] ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ ولم تقل: (ما جزاء يوسف)، فكأنها لا تريد أن يصيب معشوقها مكروهٌ مقصود يؤذيه هو بعينه؛ لذا أَخْفَت اسمَه عند لحظة المواجهة، كما أن في ذلك تخفيفًا من رد يوسف عليها، إذ لو أشارت إليه أو نسبت الأمر بصراحة إليه، لربما حدث أمرٌ آخر.
عمل
[25] لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [20]؛ امتدت أكفهم بعد ذلك بين يديه بالطلب يقولون: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [88]، ولما بغت المرأة عليها بدعواها: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ أنطقها ربها بقولها: ﴿أَنَا رَاوَدتُّهُ﴾ [51]، تيقن بأن الله مع المؤمنين ينصرهم ولو بعد حين.
وقفة
[25] امرأة العزيز في الخلوة قالت: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ [23]، وأمام زوجها استحت عن ذكر الفاحشة فقالت: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾، الفاحش متناقض.
لمسة
[25] ﴿مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ ذكاء المرأة! قال القشيري: «فذكر الأهل هاهنا غاية تهييج الحمية، وتذكير بالأنفة».
وقفة
[25] قالت متهمة: ﴿أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾؛ فسلط الله عليها سفهاء: ﴿إنا لنراها في ضلال﴾ [30]، لا تبادل البذئ الكلام، فإما يسلط الله بلية السماء أو سفهاء الأرض أو يرحمه.
وقفة
[25] ﴿أَرَادَ بِأَهْلِكَ﴾ ذكرته بأنها أهله لتستنفر غيرته: تجييش ظالم للغة.
وقفة
[25] ﴿أَرَادَ بِأَهْلِكَ﴾ في قولها: (بِأَهْلِكَ) بدلًا من قولها: (بي) فائدة، وهي: إضافة نفسها إلى العزيز؛ لتثير عاطفته نحوها، ولتغريه بهذا الذي اعتدى على العزيز في أهله، وفي اختيار (الأهل) دون (الزوجة) ما يوحي بالاستقرار والراحة، كل هذا لتحفز زوجها على نصرته لها، وترويض خصمها، فهي تقيس هنا مجموعة مشاعر مختلفة، بين استغراب، وسؤال، ورهبة، وعشق، كل ذلك استطاعت استيعابه بخطاب شامل يدل على قدرة فائقة في ذلك.
وقفة
[25] ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ التعبير لا يدل على الحبس الدائم، بل المراد سجنه يومًا أو أقل على سبيل التخفيف، ولو أراد الحبس الدائم، لقال: (يجب أن يجعل من المسجونين)، كما قال فرعون حين تهدد موسى في قوله: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: 29].
وقفة
[25] ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سبق السجن بـ(أن والفعل)، بينما جاء «العذاب» صريحًا موصوفًا، ولم يقل: (أن يعذب)؛ لأن لفظ السجن يطلق على البيت الذي يوضع فيه المسجون، ويطلق على مصدر سجن، فحتى لا يتبادر إلى الذهن الموضع فقط، ذُكِر الفعل مسبوقًا بـ(أن) ليتحقق معنى الفعل؛ لأنه الذي فيه النكاية.
وقفة
[25، 26] المرأة (ألمحت) من غير تصريح: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾، ويوسف (صرح) من غير تلميح: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾؛ النظيف يصرح، والمتسخ يلمح.
عمل
[25، 26] ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾، ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾ لستَ بحاجة للصراخ وكثرة الكلام لتُثْبِتَ صدقك؛ كن هادئًا.
وقفة
[25، 26] ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ صاحب الحق ليس بحاجة لكثرة الكلام.
وقفة
[25، 26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾ والمتوقع أن يقول: (هذه راودتني)؛ ولعل السرَّ هو للإعلام بانصرافه عنها، وعدم اهتمامه بها؛ لخيانتها، واتهامها لبريء، وهو موافق لما جَبَل الله عليه الأنبياء من حسن الأدب ولطف القول، فهي لما كنَّت عن نفسها فقالت: (بِأَهْلِكَ)، ولم تقل: (بي)، كنى عنها بضمير الغيبة، فقال: (هِيَ رَاوَدَتْنِي)، ولم يخاطبها بـ: (أنت راودتني)، ولا أشار إليها بـ: (هذه راودتني)؛ تأدُّبًا في اللفظ.

الإعراب :

  • ﴿ واستبقا الباب:
  • الواو: استئنافية. استبقا: فعل ماضٍ مبني على الفتح والألف ضمير متصل مبني على السكون -ألف الاثنين- في محل رفع فاعل. الباب: مفعول به منصوب بالفتحة. أي وتسابقا إلى الباب على حذف حرف الجر وايصال الفعل أو على تضمين \"استبقا\" ابتدرا.
  • ﴿ وقدَّتْ قميصه من دبر:
  • الواو عاطفة: قدّت: أي شقت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. قميصه. مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. من دبر: جار ومجرور متعلق بقدت، بمعنى وشقت من خلف.
  • ﴿ وألفيا سيدها:
  • معطوفة بالواو على \"استبقا\" وتعرب إعرابها أي ووجدا. سيد: مفعول به منصوب بالفتحة و\"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي بعلها -زوجها-.
  • ﴿ لدى الباب:
  • لدى: ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بألفيا وهو مضاف. الباب: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة
  • ﴿ قالت ما جزاء:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. ما: بمعنى \"ليس\" نافية عند الحجازيين وهي مهملة عند بني تميم. وهي في هذه الآية الكريمة: استفهامية وليست \"ما\" الحجازية لوجود \"إلّا\" في خبرها لأن من أحكام \"ما\" الحجازية الّا يسبق خبرها بإلّا فتكون \"ما\" هنا اسم استفهمام مبنيًا على السكون في محل رفع مبتدأ. بمعنى أي شيء جزاؤه إلّا السجن. جزاء خبر \"ما\" مرفوع بالضمة. من أراد بأهلك: من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أراد: فعل ماضٍ مبني على الفتح. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. بأهلك: جار ومجرور متعلق بأراد والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وجملة \"أراد\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ سوءًا إلّا أن يسجن:
  • سوءًا: مفعول به منصوب بالفتحة. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. أنْ: حرف مصدري ناصب. يسجن: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأنْ وعلامة نصبه الفتحة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. و \"أن\" وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع بدل من \"جزاء\" التقدير: إلّا السجن وجملة يسجن \"صلة\" أن\" لا محل لها.
  • ﴿ أو عذاب أليم:
  • أو: حرف عطف للتخيير. عذاب: معطوف على المصدر المؤول \"السجن\" مرفوع مثله بالضمة. أليم: صفة -نعت- لعذاب مرفوعة مثله بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     ولَمَّا امتنع يوسف عليه السلام من إجابة طلب المرأة؛ ذهب ليهرب ويخرج من الباب؛ تعلقت بثوبه، فشقت قميصه، ولما وصلا إلى الباب؛ وجدا زوجها عند الباب؛ فزعمت أن المراودة كانت من يوسف، قال تعالى:
﴿ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أو عذاب أليم:
وقرئ:
أو عذابا أليما أي: أو يعذب عذابا أليما، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [26] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ..

التفسير :

[26] قال يوسف:هي التي طلبت مني ذلك، وشهد صبي في المهد مِن أهلها فقال:إن كان قميصه شُقَّ من الأمام فصدقت في اتِّهامها له، وهو من الكاذبين.

فبرأ نفسه مما رمته به، وقال:{ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} فحينئذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما ولم يعلم أيهما.

ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه، قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها، فمنَّ الله في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما، تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام، فانبعث شاهد من أهل بيتها، يشهد بقرينة من وجدت معه، فهو الصادق، فقال:{ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها، المراود لها المعالج، وأنها أرادت أن تدفعه عنها، فشقت قميصه من هذا الجانب.

وهنا نجد يوسف- عليه السلام- لا يجد مفرا من الرد على هذا الاتهام الباطل، فيقول- كما حكى القرآن عنه-: قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي....

أى: قال يوسف مدافعا عن نفسه: إنى ما أردت بها سوءا كما تزعم وإنما هي التي بالغت في ترغيبى وإغرائى بارتكاب ما لا يليق معها..

ثم قال- تعالى-: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها، وقيل ابن عم لها ...

قال صاحب المنار: «ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك، أنه كان صبيا في المهد، ويؤيدها ما رواه أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكلم في المهد أربعة وهم: صغار ابن ماشطة ابنة فرعون. وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم» .

وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال: «عيسى بن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا في المهد» وهذا موقوف، والمرفوع ضعيف، وقد اختاره ابن جرير، وحكاه ابن كثير بدون تأييد ولا تضعيف ... » .

وعلى أية حال فالذي يهمنا أن الله- تعالى- قد سخر في تلك اللحظة الحرجة، من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام العزيز.

وألقى الله- تعالى- هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها، لتكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة عنه.

وقد قال هذا الشاهد في شهادته- كما حكى القرآن عنه- إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أى: من أمام «فصدقت» في أنه أراد بها سوءا، لأن ذلك يدل على أنها دافعته من الأمام وهو يريد الاعتداء عليها. «وهو من الكاذبين» في قوله «هي راودتني عن نفسي» .

وقال بارا صادقا ( هي راودتني عن نفسي ) وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ، ( وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل ) أي : من قدامه ، ( فصدقت ) أي : في قولها إنه أرادها على نفسها ، لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت :

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرادته الفاحشة منها، مكذِّبًا لها فيما قذفته به ودفعًا لما نسب إليه: ما أنا راودتها عن نفسها , بل هي راودتني عن نفسي. (44)

* * *

وقد قيل: إن يوسف لم يرد ذكر ذلك، لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به.

* ذكر من قال ذلك:

19098 - حدثني محمد بن عمارة , قال: حدثنا عبيد الله بن موسى , قال: أخبرنا شيبان , عن أبي إسحاق , عن نوف الشامي , قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره، حتى قالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ، الآية , قال: فغضب فقال: ( هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) . (45)

* * *

وأما قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد.

فقال بعضهم: كان صبيًّا في المهد .

* ذكر من قال ذلك:

19099 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار , عن حماد بن سلمة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون , وشاهد يوسف , وصاحب جريج , وعيسى ابن مريم عليه السلام. (46)

19100 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن شهر بن حوشب , عن أبي هريرة , قال: عيسى , وصاحب يوسف , وصاحب جريج ، يعني: تكلموا في المهد. (47)

19101 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا زائدة , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قال: صبي.

19102 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: كان في المهد صبيًّا.

19103 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي , قال: حدثنا أيوب بن جابر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , في قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: صبي. (48)

19104 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال: حدثنا أبو بكر بن عياش , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , بمثله .

19105 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن شريك , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال: كان صبيًّا في مهده.

19106 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن إدريس , عن حصين , عن هلال بن يساف: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: صبي في المهد.

19107 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أبي مرزوق , عن جويبر , عن الضحاك: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قال: صبي أنطقه الله . ويقال: ذو رأي برأيه. (49)

19108 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: أخبرنا عفان , قال: حدثنا حماد , قال: أخبرني عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة وهم صغار "، فذكر فيهم شاهد يوسف (50) .

19109 - حدثت عن الحسين بن الفرج . قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار.

19110 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثنا عمي

. قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قال: كان صبيًّا في المهد.

* * *

وقال آخرون: كان رجلا ذا لحية .

* ذكر من قال ذلك:

19111 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، ، عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: كان ذا لحية.

19112 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، ، عن سفيان , عن جابر , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قال: كان من خاصّة الملك.

19113 - .... وبه قال، حدثنا أبي , عن عمران بن حدير , سمع عكرمة يقول: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: ما كان بصبيّ , ولكن كان رجلا حكيمًا.

19114 - حدثنا سوّار بن عبد الله , قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح , قال: حدثنا عمران بن حدير , عن عكرمة , وذكره عنده: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) فقالوا: كان صبيًّا. فقال: إنه ليس بصبي، ولكنه رجل حكيم (51) .

19115 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: كان رجلا.

19116 - حدثنا ابن بشار , قال، حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان, &; 16-57 &; عن منصور , عن مجاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل.

19117 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل.

19118 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبو بكر بن عياش , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل.

19119 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: أخبرنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: ذو لحية.

19120 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي , قال: ابن عمها كان الشاهدَ من أهلها.

19121 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: ذو لحية.

19122 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو غسان , قال: حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: ذو لحية.

19123 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن جابر , عن ابن أبي مليكة: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: كان من خاصة الملك.

19124 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل حكيم كان من أهلها.

19125 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل حكيم من أهلها.

19126 - حدثنا المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: كان رجلا.

19127 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن بعض أصحابه , عن الحسن , في قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: رجل له رأي أشارَ برأيه.

19128 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: يقال: إنما كان الشاهد مشيرًا، رجلا من أهل إطفير، وكان يستعين برأيه ، إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين.

* * *

وقيل: معنى قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ): حكم حاكم.

19129 - حدثت بذلك عن الفراء , عن معلي بن هلال , عن أبي يحيى , عن مجاهد.

* * *

وقال آخرون: إنما عنى بالشاهد، القميصَ المقدودَ .

* ذكر من قال ذلك:

19130 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) قال: قميصُه مشقوق من دبر , فتلك الشهادة.

19131 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قميصُه مشقوق من دبر , فتلك الشهادة.

19132 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن ليث , عن مجاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) لم يكن من الإنس.

19133 - .... قال: حدثنا حفص , عن ليث , عن مجاهد: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، قال: كان من أمر الله , ولم يكن إنسيًا.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك , قول من قال: كان صبيًّا في المهد ، للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه ذكر من تكلم في المهد. فذكر أنَّ أحدهم صاحب يوسف.

* * *

فأمّا ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود، فما لا معنى له ; لأن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة فقال: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) ، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة.

* * *

وقوله: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ، لأن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره , فكان معلومًا أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا. ولكن كان يكون طالبًا مدفوعًا , وكان يكون ذلك شهادة على كذبه .

19134 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال: أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبُل لقد صدقت وهو من الكاذبين.

----------------------

الهوامش:

(44) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص : 24 ، 25 .

(45) الأثر : 19098 - في المطبوعة :" نوف الشيباني" ، وهو خطأ محض ، مأتاه من سوء كتابة المخطوطة ، وإن كانت واضحة بعض الوضوح ، والصواب" نوف الشامي" ، وهو :" نوف ابن فضالة البكالي الحميري، الشامي" ، انظر ما سلف رقم : 18923 ، والتعليق عليه .

(46) الأثر : 19099 -" العلاء بن عبد الجبار" ،" أبو الحسن العطار" ، روى عن حماد بن سلمة ، وروى عنه الحميدي ، وابنه عبد الجبار بن العلاء . صالح الحديث . مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 358 .

(47) الأثر : 19100 -" أبو بكر الهذلي" ، كلن يكذب ، متروك الحديث . مضى مرارًا ، آخرها رقم : 17616 ، 18439 ، ولكن حديث أبي هريرة مطولا رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 6 : 344 - 348 ) ، ومسلم في صحيحه 16 : 106 ، ورواه أحمد في المسند : 8057 ، 8058 بإسناد صحيح ، وانظر شرح أخي رحمه الله .

(48) الأثر : 19103 -" أيوب بن جابر بن سيار اليمامي" ، ضعيف . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 410 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 242 ، وميزان الاعتدال 1 : 132 .

(49) قوله :" ذو رأي برأيه" ، أي كان الشاهد رجلا ذا رأي ، قال ذلك برأيه . وانظر الأثر التالي رقم : 19127 .

(50) الأثر : 19108 - حديث حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، حديث طويل ، رواه أحمد في مسنده رقم : 2822 ، 2823، 2824 ، 2825 ، وفي آخره : قال" قال ابن عباس : تكلم أربعة صغار ، عيسى بن مريم ، وصاحب جريج ، وشاهد يوسف ، وابن ماشطة فرعون" ، ولم يرفع هذا القول الأخير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإسناده إسناد صحيح .

(51) الأثر : 19114 -" عبد الملك بن الصباح المسمعي" ، ثقة / مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 354 .

التدبر :

وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ المبادرة المباشرة للدفاع عن النفس عند أي اتهام يوجه لك في أي موضوع كان.
وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ دافع عن أبشع تهمة بأربع کلمات فحسب، فالصادق واثق في نفسه، متوكل على ربه.
وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ لم يسبقها يوسف بالكلام سِترًا لها وصونًا لعرضها، فلما اتهمته زورًا اضطر للدفاع عن نفسه.
وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ ليس للفاسق حرمة! قال الإمام القشيري: «أفصح يوسف عليه السلام بجرمها، إذ ليس للفاسق حرمة يجب حفظها».
وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ فقط، ولم يكثر الكلام، مع أن التهمة كبيرة! ما دمت على الحق فلست بحاجة لكثرة الكلام ورفع الصوت.
وقفة
[26] ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ يوسف بريء ومع ذلك سجنوه ظلمًا وزورًا، لكن الله ناصر المظلومين ولو بعد حين.
عمل
[26] إذا أردت أن تبرئ ساحتك من الاتهام؛ فاجعل لك شاهدًا ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾.
عمل
[26] إذا أردت أن تبرئ ساحتك من الاتهام؛ فاجعل لك شاهدًا ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَاَ﴾.
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ تلحظ العناية بشأن الشهادة، حيث ذكرت في لفظين متجاورين، فـ(شهد) يمثل القيام بالفعل -وهو الشهادة- و(شاهد) يبيِّن أنَّ الذي قام بالفعل من أبرز صفاته: الشهادة، ولولا هذا المعنى لقيل: (وشهد بعض أهلها)، وتقييد الشاهد بكونه (من أهلها) فيه دلالة على قوة شهادته إذا شهد عليها؛ لأنَّ المتوقع في مثل هذه الحالة أن يشهد لها لا عليها، بسبب الحميَّة.
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ إنما قال: (مِّنْ أَهْلِهَا) ليكون أولى بالقبول في حق المرأة، لأن الظاهر من حال من يكون من أقرباء المرأة ومن أهلها أن لا يقصدها بالسوء والإضرار.
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ من أين جاء الشاهد؟! لا تخف، فالله يظهر الصدق بعين شاهد أو لسان ملهم أو رأي حكيم (كن صادقًا يكن الله معك).
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ إذا اتقى العبد ربه جعل له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، حتى أقرب الناس إلى خصمه يشهدون له ويؤيدون دعواه.
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ من أهلها وشهد ضدها! إذا كان العبد مع الله سخر له قلب أبعد الناس وجاءه الفرج من باب الهلكة.
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ ضاقت السبل والأنفاس وحار الفكر حقًا، إنها لحظة عصيبة، من كان الله معه؛ فلا يقلق ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
وقفة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ الذي عليك هو أن تكون مع الله، وبعد ذلك ستبهرك الكرامات.
لمسة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ قال الإمام الرازي: «إنما قال: من أهلها ليكون أولى بالقبول في حق المرأة، لا الظاهر من حال من يكون من أقرباء المرأة ومن أهلها ألا يقصدها بالسوء والإضرار».
لمسة
[26] ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ كان من فطنة الشاهد، ومن لطف الله بيوسف أن بدأ بالاحتمال الذي يبرىء المرأة، مع علمه المسبق أنها مذنبة، وذلك حتى لا يتهمه أحد بأنه متحيز ضدها، أو أنه يصدر قراره عن انطباع سابق.
عمل
[26] إذا سمعت اتهامًا لأحد؛ فعليك بالبينة قبل الحكم ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.
لمسة
[26، 27] ﴿فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، ﴿فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، شهد بالحق ولكن لم يسلم من حظوظ النفس؛ فقدمها وأخر يوسف في الموضعين.

الإعراب :

  • ﴿ قال هي راودتني عن نفسي:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو والجملة بعده: في محل نصب مفعول به -مقول القول- هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. راودتني: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. والنون نون الوقاية. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. عن نفسي: جار ومجرور متعلق براودتني والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وجملة \"راودتني\" في محل رفع خبر هي.
  • ﴿ وشهد شاهد من أهلها:
  • الواو عاطفة. شهد: فعل ماضٍ مبني على الفتح. شاهد: فاعل مرفوع بالضمة. من أهل: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من شاهد و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. بمعنى شهد شاهد فقال.
  • ﴿ إن كان قميصه:
  • إنْ: حرف شرط جازم. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإنْ. وقيل المعنى \"يكن\" وقيل إنّ حروف الشرط تردّ الماضي إلى المستقبل إلّا في كان ورأي آخر يقول إنّ \"كان\" يعبر بها عن الماضي والحاضر والأمر لقوتها. قميصه: اسم \"كان\" مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والجملة الشرطية وجوابها في محل نصب مفعول به بقال.
  • ﴿ قدّ من قبل:
  • الجملة في محل نصب خبر \"كان\" قدّ: أي: شقّ: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. من قبل: جار ومجرور متعلق بقدّ. أي من أمام بمعنى: من قبل القميص.
  • ﴿ فصدقت:
  • الجملة: جواب شرط جازم في محل جزم بإنْ والجواب فعل ماضٍ لفظًا ومعنى مقرونًا بقد مقدرة مسبوقة بالفاء أي فقد صدقت. صدقت: تعرب إعراب راودت.
  • ﴿ وهو من الكاذبين:
  • الواو: عاطفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. من الكاذبين: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"هو\" وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

يوسف: 26﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
الأحقاف: 10﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا اتهمت المرأةُ يوسفَ عليه السلام ؛ نفى يوسف عليه السلام هذا الاتهام الباطل عن نفسه، ثم شهد صبي في المهد مِن أهلها بما يلي: 1- إن كان قميصُه شُقَّ من الأمام فصدقت في اتِّهامها له، وهو من الكاذبين، قال تعالى:
﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قبل. دبر:
قرئا:
1- بضم الباء فيهما والتنوين، وهى قراءة الجمهور.
2- بتسكينها وبالتنوين، وهى لغة الحجاز وأسد، وبها قرأ الحسن، وأبى عمرو، فى رواية.
3- بثلاث ضمات، وهى قراءة ابن يعمر، وابن أبى إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبى سبرة، بخلاف عنه.
4- بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، وهى قراءة ابن يعمر، وابن أبى إسحاق، والجارود أيضا، فى رواية عنهم.

مدارسة الآية : [27] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن ..

التفسير :

[27] وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها، وهو من الصادقين.

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} لأن ذلك يدل على هروبه منها، وأنها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب.

وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أى من خلف فَكَذَبَتْ في دعواها على أنه أراد بها سوءا، لأن ذلك يدل على أنه حاول الهرب منها، فتعقبته حتى الباب، وأمسكت به من الخلف وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواه أنها راودته عن نفسه.

وسمى القرآن الكريم ذلك الحكم بينهما شهادة، لأن قوله هذا يساعد على الوصول إلى الحق في قضية التبس فيها الأمر على العزيز.

وقدم الشاهد في شهادته الغرض الأول وهو- إن كان قميصه قد من قبل- لأنه إن صح يقتضى صدقها، وقد يكون هو حريصا على ذلك بمقتضى قرابته لها، إلا أن الله- تعالى- أظهر ما هو الحق، تكريما ليوسف- عليه السلام- أو يكون قد قدم ذلك باعتبارها سيدة، ويوسف فتى، فمن باب اللياقة أن يذكر الفرض الأول رحمة بها.

وزيادة جملة «وهو من الكاذبين» بعد «فصدقت» وزيادة جملة «وهو من الصادقين» بعد «فكذبت» تأكيد لزيادة تقرير الحق كما هو الشأن في إصدار الأحكام.

( وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ، وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها ، فقدت قميصه من ورائه .

وقد اختلفوا في هذا الشاهد : هل هو صغير أو كبير ، على قولين لعلماء السلف ، فقال عبد الرزاق :

أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وشهد شاهد من أهلها ) قال : ذو لحية .

وقال الثوري ، عن جابر ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : كان من خاصة الملك . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق : إنه كان رجلا .

وقال زيد بن أسلم ، والسدي : كان ابن عمها .

وقال ابن عباس : كان من خاصة الملك .

وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( وشهد شاهد من أهلها ) قال : كان صبيا في المهد . وكذا روي عن أبي هريرة ، وهلال بن يساف ، والحسن ، وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم : أنه كان صبيا في الدار . واختاره ابن جرير .

وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - أخبرني عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تكلم أربعة وهم صغار " ، فذكر فيهم شاهد يوسف .

ورواه غيره عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس; أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : كان من أمر الله ، ولم يكن إنسيا . وهذا قول غريب .

وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلا (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دُبر . وقال: إنه لا ينبغي أن يكون في الحقّ إلا ذاك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ من خفايا لطف الله أنه قد ينجي عبده ببلاء، بل وبموضع هذا البلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ
  • ذذالآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. ومن دبر: أي من دبر القميص شأنها شأن \"من قبل\" وتنكير الكلمتين معناه: من جهة. '

المتشابهات :

يوسف: 26﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
يوسف: 27﴿وَ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     2- إن كان قميصُه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها، وهو من الصادقين، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قبل. دبر:
قرئا:
1- بضم الباء فيهما والتنوين، وهى قراءة الجمهور.
2- بتسكينها وبالتنوين، وهى لغة الحجاز وأسد، وبها قرأ الحسن، وأبى عمرو، فى رواية.
3- بثلاث ضمات، وهى قراءة ابن يعمر، وابن أبى إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبى سبرة، بخلاف عنه.
4- بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، وهى قراءة ابن يعمر، وابن أبى إسحاق، والجارود أيضا، فى رواية عنهم.

مدارسة الآية : [28] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن ..

التفسير :

[28] فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف، وقال لزوجته:إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها النساء-، إنَّ مكركن عظيم.

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} عرف بذلك صدق يوسف وبراءته، وأنها هي الكاذبة.فقال لها سيدها:{ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} وهل أعظم من هذا الكيد، الذي برأت به نفسها مما أرادت وفعلت، ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام

وقوله- سبحانه- فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ... بيان لما قاله زوجها بعد أن انكشفت له الحقيقة انكشافا تاما.

أى: فلما رأى العزيز قميص يوسف قد قطع من الخلف. وجه كلامه إلى زوجته معاتبا إياها بقوله: إن محاولتك اتهام يوسف بما هو برىء منه، هو نوع من «كيدكن» ومكركن وحيلكن «إن كيدكن عظيم» في بابه، لأن كثيرا من الرجال لا يفطنون إلى مراميه.

وهكذا واجه ذلك الرجل خيانة زوجه له بهذا الأسلوب الناعم الهادئ، بأن نسب كيدها ومكرها لا إليها وحدها بل الجنس كله «إنه من كيدكن» .

وقوله : ( فلما رأى قميصه قد من دبر ) أي : فلما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ، ( قال إنه من كيدكن ) أي : إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ، ( إن كيدكن عظيم )

فلما رأى إطفير قميصَه قدَّ من دُبر عرف أنه من كيدها , فقال: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم).

19135 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: قال ، يعني: الشاهدُ من أهلها ، : القميصُ يقضي بينهما، ( إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ

وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).

* * *

قال أبو جعفر: وإنما حذفت " أنَّ" التي تتلقَّى بها " الشهادة " لأنه ذهب بالشهادة إلى معنى " القول " , كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه ، كما قيل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ [سورة النساء: 11]، لأنه ذهب بالوصية إلى " القول ".

* * *

وقوله: (فلما رأى قميصه قدّ من دبر) ، خبر عن زوج المرأة , وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن ، أي: صنيعكن , يعني من صنيع النساء (52) ، ( إن كيدكن عظيم ).

* * *

وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائلُ ذلك.

* * *

----------------------

الهوامش:

(52) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف 15 : 558 ، تعليق : 2 والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[28] ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾ جميل أن تنطلق أحكامنا من أدلة وبراهين.
وقفة
[28] إذا أردت أن تحكم فانظر للقرائن ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾.
لمسة
[28] ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ تعوض المرأة ضعفها دائمًا بلجوئها إلى الكيد، والكيد موجود في الرجال والنساء، لكن النساء أخفي کیدًا وأنفذ حيلة، ورغم أن الخطاب لامرأته يقتضي قوله: (إنه من كيدك)، لكنه استعمل صيغة الجمع، إشارة إلى أن هذه طبيعة مغروسة في جميع النساء.
وقفة
[28] ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ خلعوا قميصه عند البئر، ومزقت قميصه في القصر، وقال اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي ترى لماذا اختار يوسف عليه السلام القميص؟
وقفة
[28] ﴿قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ عظيم والله! فكيد الشيطان ضعيف، والكيد الذي يتفوق على كيد الشيطان، كيف لا يكون عظيم؟
وقفة
[28] لما اشترته ادعت عليه بمراودتها، وهي امرأة العزيز، والقول قولها، وتملك طمس الحقيقة، ولكن الحق لا يموت؛ ليظهره الله ﴿قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾.
وقفة
[28] ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ أمامه آثمة واحدة، ولكنه يوزع تهمتها على بقية الآثمات: تخفيف صرامة الاتهام هزيمة.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ قد كان يوسف عليه السلام شابًا، عزبًا، في بلاد غربة، مملوكًا، لامرأة ذات منصب وجمال، وهو في دارها بعيدًا عن الرقابة، آمنًا من الفضيحة، وهي غير آبية، بل هي اللتي طلبت وتوعدت، وأعملت الحيل، ولها زوج ضعيف الغيرة والحزم، ومع هذا كله استعصم يوسف بربه وقال: معاذ الله.
لمسة
[28] ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ السياق في الإغراء فكيدهن في الإغراء عظيم: تعطر، تزين، كلمة، ضحكة، وهذا نقص عقلها، ومن سلمت من ذلك فهو من كمال عقلها.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ صفة الكيد في المرأة سلاح ذو حدين، والممدوح منه كيدها في إغراء زوجها بطرق مختلفة ما دامت في حدود المشروع.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ قال الطاهر بن عاشور: «هذا الوصف لمن في حكمِ امرأة العزيز، وإلا فكثير من النساء ذوات تقى ومنزلة رفيعة».
لمسة
[28] أخطأ من فهم آية: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ على أنه أعظم من كيد الشيطان: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، فاﻷولى قالها عزيز مصر لامرأته، والثانية قالها الله عن الشيطان.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، فلماذ؟ الجواب: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ هذا الكلام قول السيّد أو قول الشاهد -لما رأى قميصه قد من دبر- ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، هذه ليست قول الله فيهن، وليست حكمًا من الله، أما كيد الشيطان فالله تعالى هو الذي قال: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، كيد الشيطان بالنسبة لكيد الله ضعيف، ويذهب كيد الشيطان بالاستعاذة منه.

الإعراب :

  • ﴿ فلمّا رأى قميصه:
  • الفاء استئنافية. لما: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. رأى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"رأى\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف \"لما\". قميصه: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قدّ من دبر:
  • الجملة: في محل نصب حال لأن الرؤية بصرية. قدّ: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. من دبر: جار ومجرور متعلق بقدّ بمعنى من خلف القميص فحذف المضاف إليه وحل المضاف محله
  • ﴿ قال:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"قال\" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إنّه من كيدكنّ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- إنّه: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل -ضمير الغائب- وهو ضمير الشأن في محل نصب اسم \"انّ\" أو بمعنى إن هذا الأمر أو إنّ قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا. من كيدكنّ: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"إنّ\". والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. والنون علامة جمع الإناث.
  • ﴿ إنّ كيدكنّ عظيم:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. كيد: اسم \"إنّ\" منصوب بالفتحة. والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. والنون علامة جمع الإناث. عظيم: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد عرض الاحتمالين؛ رأى العزيزُ قميصَ يوسف قد قُطِعَ من الخلف، فوجه كلامه إلى زوجته معاتبًا إياها، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي ..

التفسير :

[29] قال عزيز «مصر»:يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فلا تذكره لأحد، واطلبي -أيتها المرأة- المغفرة لذنبك؛ إنك كنتِ من الآثمين في مراودة يوسف عن نفسه، وفي افترائك عليه.

ثم إن سيدها لما تحقق الأمر، قال ليوسف:{ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي:اترك الكلام فيه وتناسه ولا تذكره لأحد، طلبا للستر على أهله،{ وَاسْتَغْفِرِي} أيتها المرأة{ لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} فأمر يوسف بالإعراض، وهي بالاستغفار والتوبة.

ثم وجه كلامه إلى يوسف فقال له «يوسف أعرض عن هذا» أى: يا يوسف أعرض عن هذا الأمر الذي دار بينك وبينها فاكتمه. ولا تتحدث به خوفا من الفضيحة، وحفاظا على كرامتي وكرامتها.

وقوله: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ خطاب منه لزوجته التي ثبتت عليها الجريمة ثبوتا تاما.

أى: واستغفري الله من ذنبك الذي وقع منك، بإساءتك فعل السوء مع يوسف، ثم اتهامك له بما هو برىء منه.

وجملة: «إنك كنت من الخاطئين» تعليل لطلب الاستغفار. أى توبي إلى الله مما حدث منك، لأن ما حدث منك مع يوسف جعلك من جملة القوم المتعمدين لارتكاب الذنوب، وجعلها من جملة الخاطئين للتخفيف عليها في المؤاخذة.

وهكذا نجد هذا الرجل- صاحب المنصب الكبير- يعالج الجريمة التي تثور لها الدماء في العروق، وتستلزم حسما وحزما في الأحكام، بهذا الأسلوب الهادئ البارد، شأن المترفين في كل زمان ومكان، الذين يهمهم ظواهر الأمور دون حقائقها وأشكالها دون جواهرها، فهو يلوم امرأته لوما خفيفا يشبه المدح، ثم يطلب من يوسف كتمان الأمر، ثم يطلب منها التوبة من ذنوبها المتعمدة.. ثم تستمر الأمور بعد ذلك على ما هي عليه من بقاء يوسف معها في بيتها، بعد أن كان منها معه ما يستلزم عدم اجتماعهما.

هذا ومن العبر والعظات والأحكام التي نأخذها من هذه الآيات الكريمة:

1- أن اختلاط الرجال بالنساء. كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع في الفاحشة وذلك لأن ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل أمر طبيعي، وما بالذات لا يتغير.

ووجود يوسف- عليه السلام- مع امرأة العزيز تحت سقف واحد في سن كانت هي فيه مكتملة الأنوثة، وكان هو فيها فتى شابا جميلا ... أدى إلى فتنتها به، وإلى أن تقول له في نهاية الأمر بعد إغراءات شتى له منها: «هيت لك» .

ولا شك أن من الأسباب الأساسية التي جعلتها تقول هذا القول العجيب وجودهما لفترة طويلة تحت سقف واحد.

لذا حرم الإسلام تحريما قاطعا الخلوة بالأجنبية، سدا لباب الوقوع في الفتن، ومنعا من تهيئة الوسائل للوقوع في الفاحشة.

ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار، أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت » . والحمو هو قريب الزوج كأخيه وابن عمه.

وسئلت امرأة انحرفت عن طريق العفاف، لماذا كان منك ذلك فقالت: قرب الوساد، وطول السواد .

أى: حملني على ذلك قربى ممن أحبه وكثرة محادثتى له! 2- أن هم الإنسان بالفعل، ثم رجوعه عنه قبل الدخول في مرحلة التصميم والتنفيذ، لا مؤاخذة فيه.

قال القرطبي ما ملخصه: «الهم الذي هم به يوسف، من نوع ما يخطر في النفس، ولا يثبت في الصدر، وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه.

وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قالت الملائكة يا ربنا ذلك عبدك يريد أن يعمل سيئة- وهو أبصر به- فقال: ارقبوه فإن قالوا: وهذه الكلمة كانت لابنة الخص، اعتذرت بها عن نفسها بعد أن فتنت فقيل لها لماذا هذا السلوك وأنت سيدة قومك؟

عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من أجلى» .

وفي الصحيح: «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به » .

3- أن من الواجب على المؤمن إذا ما دعى إلى معصية أن يستعيذ بالله من ذلك، وأن يذكّر الداعي له بضررها، وبسوء عاقبة المرتكب لها ... كما قال يوسف- عليه السلام- مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

4- أن يوسف- عليه السلام- قد خرج من هذه المحنة مشهودا له بالبراءة ونقاء العرض، من الله- تعالى- ومن خلقه الذين سخرهم لهذه الشهادة.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة، يوسف- عليه السلام- وتلك المرأة وزوجها، ورب العالمين.. والكل شهد ببراءة يوسف عن المعصية، أما يوسف- عليه السلام- فقد قال «هي راودتني عن نفسي» وقال: «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه» ..

وأما امرأة العزيز فقد قالت: «أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين» .

وأما زوجها فقد قال: «إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم..» .

أما شهادة رب العالمين ببراءته ففي قوله- تعالى-: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ.

فقد شهد الله- تعالى- على طهارته في هذه الآية أربع مرات، أولها: لنصرف عنه السوء» وثانيها «الفحشاء» وثالثها «إنه من عبادنا» ورابعها «المخلصين» .

5- أن موقف العزيز من امرأته كان موقفا ضعيفا متراخيا ... وهذا الموقف هو الذي جعل تلك المرأة المتحكمة في زمام زوجها، تقول بعد ذلك بكل تبجح وتكشف واستهتار: «ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن، وليكونا من الصاغرين» .

6- أن القرآن الكريم صور تلك المحنة في حياة يوسف وامرأة العزيز، تصويرا واقعيا صادقا، ولكن بأسلوب حكيم، بعيد عما يخدش الحياء أو يجرح الشعور قال بعض العلماء: «والذي خطر لي أن قوله- تعالى-: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ هو نهاية موقف طويل من الإغراء، بعد ما أبى يوسف في أول الأمر واستعصم، وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف، ثم الاعتصام بالله في النهاية والنجاة، ولكن السياق القرآنى لم يفصل في تلك المشاعر البشرية المتداخلة المتعارضة المتغالبة، لأنه المنهج القرآنى لا يريد أن يجعل من هذه اللحظة معرضا يستغرق أكثر من مساحته المناسبة في محيط القصة وفي محيط الحياة البشرية المكتملة كذلك فذكر طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته، مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعا..» .

ثم حكت السورة الكريمة بعد ذلك ما قالته بعض النساء، بعد أن شاع خبر امرأة العزيز مع فتاها، وما فعلته معهن من أفعال تدل على شدة مكرها ودهائها، وما قاله يوسف- عليه السلام- بعد ان سمع ما سمع من تهديدهن وإغرائهن.. قال- تعالى-:

ثم قال آمرا ليوسف ، عليه السلام ، بكتمان ما وقع : ( يا يوسف أعرض عن هذا ) أي : اضرب عن هذا [ الأمر ] صفحا ، فلا تذكره لأحد ، ( واستغفري لذنبك ) يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلا أو أنه عذرها; لأنها رأت ما لا صبر لها عنه ، فقال لها : ( واستغفري لذنبك ) أي : الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ، ثم قذفه بما هو بريء منه ، استغفري من هذا الذي وقع منك ، ( إنك كنت من الخاطئين )

القول في تأويل قوله تعالى : يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)

قال أبو جعفر: وهذا فيما ذكر عن ابن عباس , خبرٌ من الله تعالى ذكره عن قِيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف.

* * *

يعني بقوله: (يوسف) يا يوسف ، (أعرض عن هذا) ، يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه، فلا تذكره لأحد، (53) كما:-

19136 - حدثنا يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: (يوسف أعرض عن هذا) ، قال: لا تذكره ,(واستغفري) أنت زوجك , يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبتِ , وأن يصفح عنه فيستره عليك.

* * *

، (إنك كنت من الخاطئين) , يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه.

* * *

يقال منه: " خَطِئ" في الخطيئة " يخطَأ خِطْأً وخَطَأً" (54) كما قال جل ثناؤه: إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [سورة الإسراء: 31]، و " الخطأ " في الأمر.

وحكي في" الصواب " أيضًا " الصوابُ"، و " الصَّوْبُ"، (55) كما قال: الشاعر: (56)

لَعَمْــرُكَ إِنَّمَــا خَـطَئِي وَصَـوْبِي

عَــلَيَّ وَإِنَّ مَــا أَهْلَكْــتُ مَــالُ (57)

وينشد بيت أمية:

عِبَــادُكَ يُخْــطِئُونَ وَأَنْــتَ رَبٌّ

بِكَـــفَّيْكَ الْمَنَايَـــا وَالْحُـــتُومُ (58)

من خطئ الرجل.

* * *

وقيل: (إنك كنت من الخاطئين) ، لم يقل: من الخاطئات , لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء , وإنما قصد به الخبر عمَّن يفعل ذلك فيخطَأ.

* * *

----------------------

الهوامش:

(53) انظر تفسير" الإعراض" فيما سلف 15 : 407 ، تعليق : 1 ، والمراجع .

(54) انظر تفسير" خطئ" فيما سلف 2 : 110 / 6 : 143 .

(55) في المطبوعة والمخطوطة :" أيضًا الصواب ، والصوب" ، وكأن الصواب ما أثبت . وأخشى أن يكون :" والخطأ" و" الخطاء" في الأمر ، وحكي في" الصواب ..." ، يعني المقصور و الممدود .

(56) هو أوس بن غلفاء .

(57) نوادر أبي زيد : 47 ، طبقات فحول الشعراء : 140 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 241 ، اللسان ( صوب ) ، من أبيات يقولها لامرأته :

أَلا قــالَتْ أُمَامَــةُ يَــوْمَ غُـوْلٍ :

تَقَطَّــعَ بِــابنِ غَلْفــاء الحِبــالُ

ذَرِينــي إنَّمــا خَـطَئِي وصَـوْبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَــإِنْ تَــرَنِي أُمَامَـة قَـلَّ مـالِي

وَأْلَهــانِي عَــنِ الغَــزْوِ ابْتِـذَالُ

فَقَـدْ ألْهُـو مَـعَ النَّفَـرِ النَّشَـاوَى

لِــيَ النَّسَـبُ المُـوَاصَلُ والخِـلالُ

(58) ديوانه : 4 ، واللسان ( خطأ ) ، ( حتم ) ، وقبل البيت :

سَــلامَكَ رَبَّنــا فِـي كُـلِّ فَجْـرٍ

بَرِيئًــا مــا تَلِيــقُ بِـكَ الذًّمُـومُ

وبعده :

غَــــدَاةَ يَقُــــولُ بَعْضُهُـــمْ

ألاَ يَــــاليْتَ أُمَّكُـــمُ عَقِيـــمُ

.

التدبر :

وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا﴾ بلا أداة نداء، وكأنه يهمس بها في أذنه لئلا يسمعه الحرس.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا﴾ تجاوز؛ أنت أكبر من ذلك.
وقفة
[29] يوسف عليه السلام اتهم ومع ذلك قال الله له: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا﴾، فكم نحن بحاجة للإعراض عن يوميات لنا كثيرة يحصل لنا فيها ما هو أقل بكثير من اتهام يوسف عليه السلام.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ طلب من زوجته أن تستغفر لذنبها، هذا هو إجراء الزوج فقط؛ الغيرة عندما تنعدم تنتج أكثر من ذلك.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ حتى لسانه أنف أن يذكر اسم زوجته، لقد كان يشعر بقرف منها.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ رغم أن عزيز مصر كان مشركًا إلا أنه يرى أن الفواحش من الذنوب، فأمر امرأته بالاستغفار.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ ما دلالة تحول الخطاب من يوسف إلى امرأة العزيز؟ وما دلالة الواو في (وَاسْتَغْفِرِي)؟ التحول في الخطاب وارد في اللغة، أنت تكلم شخصًا ما ثم تلتفت إلى آخر فتكلمه، حتى في كلامنا العادي، تكلم فلانًا ثم تقول وأنت يا فلان، هذا ممكن، المتحدث واحد؟ نعم، سيّدها، هذا يسمى تحول الخطاب، والواو للاستئناف، تستأنف أمرًا جديدًا لشخص آخر، اسمها واو الاستئناف قد تكون للخطاب، وقد تكون عطف جملة على جملة.
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِـِٔينَ﴾ يوسف ظهرت براءته، فلماذا قيل له أعرض؟ الجواب: قائل ذلك هو زوج المرأة عزيز مصر، فهو يقول ليوسف: «اعرض عن هذا الموضوع»، وقال لزوجته: «استغفري لربك».
وقفة
[29] ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِـِٔينَ﴾ هل هذا يدل على اعتراف العزيز بخطأ زوجته؟ ولماذا سكت عن خطأ زوجته وعوقب يوسف؟ كان مطواعًا لها، وجملًا ذلولًا زمامه في يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات، وعمل برأيها في سجنه لإلحاق الصغار به كما أوعدته، وذلك لما أيست من طاعته، وطمعت في أن يذله السجن ويسخره لها.
عمل
[29] أرسل رسالة تذكر فيها باستحباب الستر على المسيء غير المجاهر، وكراهية إشاعة أخبار الفواحش بين الناس، ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِـِٔينَ﴾.
وقفة
[29] ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ حتى الكفار يرون الزنا ذنبًا يجب الاستغفار منه، لا حرية شخصية ينبغي السكوت عنها.
تفاعل
[29] ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾ استغفر الآن.
وقفة
[29] لما اكتفى العزيز بقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾، ولم يتخذ موقفًا يليق بالجريمة تمادت ودعت النساء وأعدت المتكأ، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
وقفة
[29] ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ ما معنى الاستغفار إن لم يقترن بتوبة؟ والتوبة تقتضي ترك مقدمات الذنوب، والخلوة من هذه المقدمات وكذلك التبرج، وبقاء هذه المقدمات مع طلب الاستغفار حرث في بحار وعلامة استهتار.
لمسة
[29] ﴿إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ الخاطئ غير المخطئ، فالخاطئ هو الذي تعمد الخطأ، لا الذي وقع فيه رغمًا عنه، وقد خططت المرأة ودبرت وغلقت وتهيأت في سبيل أن تظفر بهذا الذنب؛ فلذا خاطبها بهذا الوصف.
لمسة
[29] ﴿إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ لماذا لم يقل من الخاطئات؟! والجواب: لأن المراودة تقع غالبًا من الرجال، وقَلَّ أن تراود امرأة رجلًا، فكان في كلام العزیز مزید تقريع وتوبيخ لامرأته.

الإعراب :

  • ﴿ يوسف:
  • منادى مفرد حذف منه أداة النداء أي يا يوسف. لأنه منادى قريب وفي هذا النداء تقريب له وتلطيف لمحله. مبني على الضم في محل نصب. أو حذف حرف النداء اكتفاء بالمنادى لتضمنه معنى الخطاب.
  • ﴿ أعرض:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت.
  • ﴿ عن هذا:
  • جار ومجرور متعلق بأعرض. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بعن. والإشارة إلى الأمر. أي أعرض عن هذا الأمر واكتمه.
  • ﴿ واستغفري لذنبك:
  • الواو: عاطفة. استغفري: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. لذنبك: جار ومجرور متعلق باستغفري والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنك كنت:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبة- في محل نصب اسم \"إن\". كنت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله لضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع اسم كان.
  • ﴿ من الخاطئين:
  • جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"كان\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد بمعنى: من جملة القوم المتعمدين للذنب وجاء بلفظ التذكير تغليبًا للذكور على الأناث. وكان مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر\"ان\". '

المتشابهات :

يوسف: 29﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ
غافر: 55﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
محمد: 19﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     وبعد أن عاتب العزيزُ زوجته؛ وجه كلامه هنا إلى يوسف: اكتم الخبر، ولا تتحدث به، فقال له:
﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ ..

التفسير :

[30] ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به، وقلن منكرات على امرأة العزيز:امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسها، وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها -وهو غلافه-، إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح.

يعني:أن الخبر اشتهر وشاع في البلد، وتحدث به النسوة فجعلن يلمنها، ويقلن:{ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أي:هذا أمر مستقبح، هي امرأة كبيرة القدر، وزوجها كبير القدر، ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه،.ومع هذا فإن حبه قد بلغ من قلبها مبلغا عظيما.{ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أي:وصل حبه إلى شغاف قلبها، وهو باطنه وسويداؤه، وهذا أعظم ما يكون من الحب،{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} حيث وجدت منها هذه الحالة التي لا تنبغي منها، وهي حالة تحط قدرها وتضعه عند الناس، وكان هذا القول منهن مكرا، ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها، وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام إلى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز لتحنق امرأة العزيز، وتريهن إياه ليعذرنها، ولهذا سماه مكرا، فقال:{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ}

قوله- سبحانه- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ..

حكاية لما تناقلته الألسنة عن امرأة العزيز، فقد جرت العادة بين النساء، أن يتحدثن عن أمثال هذه الأمور في مجالسهن، ولا يكتمنها خصوصا إذا كانت صاحبة الحادثة من نساء الطبقة المرموقة.. كامرأة العزيز.

والنسوة: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومفردة من حيث المعنى: امرأة.

والمراد بالمدينة: مدينة مصر التي كان يعيش فيها العزيز وزوجته والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنسوة.

أى: وقال نسوة من نساء مدينة مصر- على سبيل النقد والتشهير والتعجب- إن امرأة العزيز، صاحبة المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، بلغ بها الحال في انقيادها لهواها، وفي خروجها عن طريق العفة.. أنها تراود فتاها عن نفسه، أى: تطلب منه مواقعتها، وتتخذ لبلوغ غرضها شتى الوسائل والحيل.

ولم يبين لنا القرآن الكريم عدد هؤلاء النسوة ولا صفاتهم، لأنه لا يتعلق بذلك غرض نافع، ولأن الذي يهدف إليه القرآن الكريم هو بيان أن ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز، قد شاع أمره بين عدد من النساء في مدينة كبيرة كمصر وفي وصفها بأنها «امرأة العزيز» زيادة في التشهير بها. فقد جرت العادة بين الناس، بأن ما يتعلق بأصحاب المناصب الرفيعة من أحداث، يكون أكثر انتشارا بينهم، وأشد في النقد والتجريح.

والتعبير بالمضارع في قوله- سبحانه- تُراوِدُ يشعر بأنها كانت مستمرة على ذلك، دون أن يمنعها منه افتضاح أمرها، وقول زوجها لها «واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين» .

والمراد بفتاها يوسف- عليه السلام- ووصفنه بذلك لأنه كان في خدمتها، والمبالغة في رميها بسوء السلوك، حيث بلغ بها الحال في احتقار نفسها، أن تكون مراودة لشخص هو خادم لها..

وجملة «قد شغفها حبا» بيان لحالها معه، وهي في محل نصب حال من فاعل تراود أو من مفعوله والمقصود بها تكرير لومها، وتأكيد انقيادها لشهواتها.

وشغف مأخوذ من الشغاف- بكسر الشين- وهو غلاف القلب، أو سويداؤه أو حجابه، يقال: شغف الهوى قلب فلان شغفا، أى بلغ شغافه.

والمراد أن حبها إياه قد شق شغاف قلبها. وتمكن منه تمكنا لا مزيد عليه و «حبا» تمييز محول عن الفاعل، والأصل: شغفها حبها إياه.

وجملة إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مقررة لمضمون ما قبلها من لوم امرأة العزيز، وتحقير سلوكها، والمراد بالضلال: مخالفة طريق الصواب.

أى: إنا لنرى هذه المرأة بعين بصيرتنا، وصادق علمنا. في خطأ عظيم واضح بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء، لأنها- وهي المرأة المرموقة وزوجة الرجل الكبير- تراود خادمها عن نفسه.

والتعبير «بإنا لنراها ... » للإشعار بأن حكمهن عليها بالضلال ليس عن جهل، وإنما هو عن علم وروية، مع التلويح بأنهن يتنزهن عن مثل هذا الضلال المبين الصادر عنها.

قال صاحب المنار: «وهن ما قلن هذا إنكارا للمنكر، وكرها للرذيلة، ولا حبا في المعروف، ونصرا للفضيلة. وإنما قلنه مكرا وحيلة، ليصل إليها قولهن فيحملها على دعوتهن، وإراءتهن بأعين أبصارهن، ما يبطل ما يدعين رؤيته بأعين بصائرهن، فيعذرنها فيما عذلنها عليه فهو مكر لا رأى» .

وهنا تحكى السورة الكريمة كيف قابلت تلك المرأة الداهية الجريئة، مكر بنات جنسها وطبقتها بمكر أشد من مكرهن بها فقال- تعالى-:

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أى: باغتيابهن لها. وسوء مقالتهن فيها، وسمى ذلك مكرا لشبهه به في الإخفاء والخداع.

أو قصدن بما قلنه- كما سبق أن أشرنا- إثارتها، لكي تطلعهن على فتاها الذي راودته عن نفسه، ليعرفن السر في هذه المراودة، وعلى هذا يكون المكر على حقيقته. ومثل هذا المكر ليس غريبا على النساء في مثل هذه الأحوال.

يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ، وهي مصر ، حتى تحدث الناس به ، ( وقال نسوة في المدينة ) مثل نساء الأمراء [ و ] الكبراء ، ينكرن على امرأة العزيز ، وهو الوزير ، ويعبن ذلك عليها : ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) أي : تحاول غلامها عن نفسه ، وتدعوه إلى نفسها ، ( قد شغفها حبا ) أي قد : وصل حبه إلى شغاف قلبها . وهو غلافه .

قال الضحاك عن ابن عباس : الشغف : الحب القاتل ، والشغف دون ذلك ، والشغاف : حجاب القلب .

( إنا لنراها في ضلال مبين ) أي : في صنيعها هذا من حبها فتاها ، ومراودتها إياه عن نفسه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر , وشاع من أمرهما فيها ما كان , فلم ينكتم , وقلن: ( امرأة العزيز تراود فتاها )، (59) عبدها (60) ، ( عن نفسه )، كما:-

19137 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: وشاع الحديث في القرية , وتحدث النساء بأمره وأمرها , وقلن: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) ، أي: عبدها.

* * *

وأما " العزيز " فإنه: " الملك " في كلام العرب، (61) ومنه قول أبي دؤاد:

دُرَّةٌ غَـــاصَ عَلَيْهَـــا تَــاجِرٌ

جُــلِيَتْ عِنْــدَ عَزِيـزٍ يَـوْمَ طَـلِّ (62)

يعني بالعزيز، الملك , وهو من " العزّة ". (63)

* * *

وقوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول قد وصل حبُّ يوسف إلى شَغَاف قلبها فدخل تحته، حتى غلب على قلبها.

* * *

و " شَغَاف القلب ": حجابه وغلافه الذي هو فيه , وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله:

وَقَــدْ حَـالَ هَـمٌّ دُونَ ذَلِـكَ دَاخِـلٌ

دُخُــولَ شَـغَافٍ تَبْتَغِيـهِ الأصَـابِعُ (64)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

19138 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني عمرو بن دينار , أنه سمع عكرمة يقول في قوله: (شغفها حبًّا) قال: دخل حبه تحت الشَّغاف.

19139 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (قد شغفها حبًّا) ، قال: دخل حبه في شَغافها.

19140 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: دخل حبه في شَغافها.

19141 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: كان حبه في شَغافها.

19142 - .... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثل حديث الحسن بن محمد , عن شبابة .

19143 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول: عَلَّقها حبًّا.

19144 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: (قد شغفها حبًّا) ، قال: غَلَبها.

19145 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي: (قد شغفها حبًّا) ، قال: " المشغوف ": المحب , و " المشعوف "، (65) المجنون. (66)

19146 - .... وبه قال، حدثنا أبي , عن أبي الأشهب , عن أبي رجاء والحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال أحدهما: قد بَطَنَها حبًّا. وقال الآخر: قد صَدَقها حبًّا.

19147 - حدثني يعقوب , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , في قوله: (قد شغفها حبا) ، قال: قد بطنَها حبًّا ، قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل المدينة يقولون: " قد بَطَنها حبًّا ".

19148 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن &; 16-65 &; الحسن , قال: سمعته يقول في قوله: (قد شغفها حبا) ، قال: بَطنَها حبًّا . وأهل المدينة يقولون ذلك.

19149 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن قرة , عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: قد بَطَن بها حبًّا. (67)

19150 - حدثنا الحسن , قال: حدثنا أبو قطن , قال: حدثنا أبو الأشهب , عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: بَطَنها حبه.

19151 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة . عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: بطَن بها.

19152 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (قد شغفها حبًّا) ، قال: استبطنها حبها إياه.

19153 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (قد شغفها حبًّا) ، أي: قد عَلَّقها.

19154 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي يحيى , عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: قد عَلَّقَها حبًّا.

19155 - حدثنا بن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك , قال: هو الحب اللازق بالقلب.

19156 - حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد , قال: سمعت الضحاك , في قوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول: هلكت عليه حبًّا، و " الشَّغَاف ": شَغَاف القلب.

19157 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا &; 16-66 &; أسباط , عن السدي: (قد شغفها حبًّا) ، قال: و " الشَّغاف ": جلدة على القلب يقال لها ": لسان القلب "، (68) يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.

* * *

وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين: (قَدْ شَغَفَهَا) ، على معنى ما وصفت من التأويل.

* * *

وقرأ ذلك أبو رجاء: " قَدْ شَعَفَهَا " بالعين. (69)

19158 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو قطن , قال: حدثنا أبو الأشهب , عن أبي رجاء: " قَدْ شَعَفَهَا ".

19159 - .... قال: حدثنا خلف , قال: حدثنا هشيم , عن أبي الأشهب , أو عوف عن أبي رجاء: " قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا "، بالعين.

19160 - .... قال: حدثنا خلف , قال: حدثنا محبوب , قال: قرأه عوف: " قَدْ شَعَفَهَا ".

19161 - .... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن هارون , عن أسيد , عن الأعرج: " قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا " ، وقال: شَعَفَهَا إذا كان هو يحبها.

* * *

ووجَّه هؤلاء معنى الكلام إلى أنَّ الحبَّ قد عمَّها.

* * *

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: هو من قول القائل: &; 16-67 &; " قد شُعفَ بها " , كأنه ذهب بها كل مَذهب، من " شَعَف الجبال " , وهي رؤوسها.

* * *

وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: " الشغف "، شغف الحب ، و " الشعف "، شعف الدابة حين تذعر .

19162 - حدثني بذلك الحارث , عن القاسم , أنه قال: يروى ذلك عن أبي عوانة , عن مغيرة عنه .

، قال الحارث: قال القاسم , يذهب إبراهيم إلى أن أصل " الشَّعَف "، هو الذعر . قال: وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل , إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال امرؤ القيس:

أَتَقْتُلُنِــي وَقَــدْ شَــعَفْتُ فُؤَادَهَـا

كَمَـا شَـعَفَ المَهْنُـوءَة الرَّجُلُ الطَّالِي (70)

قال: و " شعف المرأة " من الحبّ , و " شعف المهنوءة " من الذعر , فشبه لوعة الحب وجَوَاه بذلك.

* * *

وقال ابن زيد في ذلك ما: -

19163 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (قد شغفها حبًّا) قال: إن " الشغف " و " الشعف "، مختلفان , و " الشعف "، في البغض ، و " الشغف " في الحب.

* * *

وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له , لأن " الشعف " في كلام العرب بمعنى عموم الحب، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندنا من القراءة: (قَدْ شَغَفَهَا) ، بالغين، لإجماع الحجة من القرأة عليه.

* * *

وقوله: (إنا لنراها في ضلال مبين) ، قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه، وغلبة حبه عليها، لفي خطأ من الفعل، وجَوْر عن قصد السبيل ، " مبين "، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال، وخطأ غير صواب ولا سداد. (71) وإنما كان قيلهنّ ما قلن من ذلك، وتحدُّثهن بما تحدَّثن به من شأنها وشأن يوسف، مكرًا منهن، فيما ذكر، لتريَهُنَّ يوسف.

----------------------

الهوامش:

(59) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص : 53 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(60) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف 8 : 188 .

(61) هذا التفسير من عزيز اللغة ، وليس في المعاجم ، فليقيد في مكانه .

(62) لم أجد البيت في مكان آخر .

(63) انظر تفسير" العزة" فيما سلف من فهارس اللغة ( عزز ) .

(64) ديوانه : 38 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 308 ، وغيرهما ، مع اختلاف في روايته ، وقبله :

عَـلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا

وَقُلْـتُ : أَلَمَّـا تَصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ ?

و"الأصابع" يعني أصابع الأطباء . وجعله الطبري من" الشغاف" بالفتح ، واللغويون يجعلونه من" الشغاف" ( بضم الشين" ، وهو داء يأخذ تحت الشراسيف من الشق الأيمن . وإذا اتصل بالطحال قتل صاحبه . وهذا أجود الكلاميين .

(65) " المشعوف" ، بالعين المهملة ، وكان في المطبوعة بالغين المعجمة ، وهو خطأ . وأراد الشعبي أن يفرق بينهما .

(66) الأثر : 19145 -" أيوب بن عائذ المدلجي الطائي" ، ثقة ، مضى برقم : 10338 ، 10339

(67) في المخطوطة :" بطن لها" ، وانظر رقم : 19151 .

(68) هكذا في المطبوعة والمخطوطة ، وأنا أرجح أن الصواب" لباس القلب" ، لأنهم قالوا في شرح اللفظ :" الشغاف : غلاف القلب ، وهو جلدة دونه كالحجاب ، وسويداؤه" ، وقالوا" هو غشاء القلب" وقال أبو الهيثم :" يقال لحجاب القلب ، وهي شحمة تكون لباسًا للقلب الشغاف" .

(69) هكذا في المخطوطة :" شعفها" ، وظني أن الصواب :" شغف بها ، إذا كان هو يحبها" ، وذلك بالبناء للمجهول ، أما هذا الذي قاله ، فمما لا يعرف .

(70) ديوانه : 142 ، واللسان" شعف" ، وغيرها ، من قصيدة البارعة ، يقول وقد ذكر صاحبته وبعلها :

فَـأَصْبحْتُ مَعْشُـوقًا وَأَصْبَــحَ بَعْلُهـا

عَلَيْـه القَتـامُ سَـيِّءَ الظَّـنِّ وَالبـالِ

يَغِـط غَطِيـطَ البَكْــرِ شُــدَّ خِناقُـهُ

لِيَقْتُلَنِــي , والمــرْءُ لَيْسَ بقَتَّــالِ

أَيَقْتُلَنــي والمَشْــرَفِيُّ مُضَــاجِعِي

وَمَسْــنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيــابِ أَغْـوَالِ

ولَيْسَ بــذي رُمْــحٍ فَيَطْعُنُنـي بـهِ

وَلَيْسَ بِــذي سَـيْفٍ , ولَيْسَ بِنَبَّـالِ

أيقتُلَنــي أنِّــي شــعفتُ فُؤَادهـا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَـدْ عَلِمَـتْ سَـلْمَى , وإنْ كانَ بَعلَها

بِــأَنَّ الفَتَــى يَهْـذِي ولَيْسَ بفَعَّـال

(71) انظر تفسير" الضلال" و" مبين" فيما سلف من فهارس اللغة ( ضلل ) ، ( بين ) .

التدبر :

لمسة
[30] لماذا استخدم صيغة المذكر: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾؟ الجمع الذي ليس له مفرد من نوعه يمكن معاملته معاملة المذكر والمؤنث، والتذكير يدلّ على القلة، لأن النسوة كانوا قِلّة، والتأنيث يدل على الكثرة: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا﴾ [الحجرات: 14] وهكذا في القرآن كله.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ تتميز بعض النسوة بدقة الملاحظة، وتحليل الخبر ثم نشره على نطاق واسع!
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ لو رفع الله عنا ستره لصرنا حديث المجالس، يا رب سترك.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ أضفن المرأة للعزيز، حتى ينتشر الخبر سريعًا، لمكانة زوجها، فكن على حذر من حيل الشيطان ومكره.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ رغم أنها (غلّقت الأبواب) إلا أن فضيحتها عمّت البلد؛ فلا تأمن مكر الله وأنت تعصيه.
وقفة
[30] ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ [23] اليوم فضيحتك يحتويها البيت، وغدًا تتصدّع عنها أسوار المدينة ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ (تُرَاوِدُ)، (رَاوَدْتُهُ)، (مَاآمُرُهُ) من بشاعة الزنا أن الزناة والفسّاق لا يستسيغون التصريح بلفظه!
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ لم يقولوا (زليخا)، وإنما (امرأة العزيز)، ولم يقولوا تراود (رجلًا)، وإنما (فتاها)؛ ليمعنوا في التشنيع والتقريع.
وقفة
[30] نساء المدن أشد في الكيد وأبعد غورًا من نساء الريف ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾؛ يردن تهييجها ليرينه.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ أردن غِيبتها ونشر قبحها؛ فأظهرن ذلك في لباس الإنكار والطهر، كيدًا ومكرًا!
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ عندما تتصف المرأة بخصال تشينها خلقًا أو دينًا فإنها تجتهد في توريط بنات جنسها بذلك وبشتى الوسائل، تأمل قصة امرأة العزيز مع نسوة المدينة فبعد استنكارهن الباطل، استدرجتهن امرأة العزيز للنظر إليه، فأصبحن أعوانًا للشر، وكذلك بعض الرجال من رفقاء السوء ونحوه، فالحذر الحذر من رفقاء السوء ومسالكهم.
لمسة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ قال ابن القيم: «هذا الكلام متضمن لوجوه من المكر: أحدها: قولهن: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ ولم يسموها باسمها، بل ذكروها بالوصف الذي ينادي عليها بقبیح فعلها بكونها ذات بعل، فصدور الفاحشة من ذات الزوج أقبح من صدورها ممن لا زوج لها، الثاني: أن زوجها عزیز مصر، ورئيسها، وكبيرها، وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها، الثالث: أن الذي تراوده مملوك لا حر، وذلك أبلغ في القبح، الرابع: أنه فتاها الذي هو في بيتها، وتحت كنفها، فحكمه حكم أهل البيت، بخلاف من تطلب ذلك من الأجنبي البعيد، والخامس: أنها هي المراودة الطالبة، السادس: أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ، حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها، السابع: أنه أعف منها وأبر، وأوفي، حيث كانت هي المراودة الطالبة، وهو الممتنع، عفافًا وکرمًا وحياءً، وهذا غاية الذم لها، الثامن: أنهن أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل الدالة على الاستمرار والوقوع حالًا واستقبالًا، ولم يقلن: راودت فتاها، التاسع: قولهن ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الاستقباح، دليل على أنه من أقبح الأمور، وأنه مما لا ينبغي أن تُساعَد عليه، ولا يحسن معاونتها عليه، العاشر: أنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط، والطلب المفرط، فلم تقتصد في حبها، ولا في طلبها».
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ كُنَّ أضل منها، لكنهن قلن ذلك؛ احتيالًا لرؤية يوسف، قال ابن إسحاق: «بل بلغهن حُسن یوسف، فأحببن أن يرينه، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته».
وقفة
[30] ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ أضافوها إلى زوجها لإشاعة الخبر؛ فإن النفس إلى سماع أخبار أولي المكانة أميل.
وقفة
[30] ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ لم يقولوا: (زليخا)، وإنما امرأة العزيز، ولم يقولوا: (تراود رجلًا)، وإنما فتاها؛ ليمعنوا في التشنيع والتقريع.
لمسة
[30] تأمل قوله تعالى عن النسوة: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ ولم يقلن: (فتى العزيز راود سيدته)، وفي هذا طمأنة لأصحاب المبادئ، الذين يتعرضون لتشويه السمعة، وإلصاق التهم عن طريق الإشاعات والافتراء، إذ سرعان ما تتضح مواقفهم، وتظهر براءتهم ساطعة كالشمس: ﴿حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ﴾ [51].
وقفة
[30] من دقيق حيل الشيطان أن يذكر الإنسان أخاه بذنب ارتكبه بأسلوب الإنكار لفعله، بينما هو يتقصد أغراضًا أخرى، كالتشهير به وبأهله وانتقاصه، تأمل: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ حيث أضيفت المرأة للعزيز -دون اسمها- حتى ينتشر الخبر سريعًا؛ لمكانة زوجها، فكن على حذر من حيل الشيطان ومكره.
لمسة
[30] ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ في كلمة (فتاها) إشارتان: الأولى: عيب على امرأة العزيز أن تفعل هذا مع (فتي) يصغرها، الثانية: (فتی) بمعنی مملوك يعمل في خدمتها، فكيف تنزل نفسها إلى من دونها منزلة ومكانة؟!
لمسة
[30] ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ نعم الأدب هذا الذي سار عليه المصريون القدماء في تسمية العبد: (فتی)، وهو من أخلاق الإسلام، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺقَالَ: «لاَيَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِى وَأَمَتِى، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» [مسلم 2249].
وقفة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ كل أسير له سجانه إﻻ أسير الهوى هو الساجن نفسه ومعذبها!
وقفة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ رأت ملامح شكله؛ فتعلقت به، ولو رأت ملامح روحه وإخلاصه لرسالة ربه؛ لتعلقت بمن صنعه على عينه.
وقفة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ الحذر من المحبة التي يخشى ضررها؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحُّدها بيوسف، وحبها الشديد له؛ الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه؛ فسجن بسببها مدة طويلة.
لمسة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ أي وصل حبه إلى شغاف قلبها، أو أن حبها له أحاطت کإحاطة الشغاف بالقلب، وصار حجابًا بينها وبين ما سواه، فلا ترى غيره، ولا يخطر ببالها إلا إياه.
وقفة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ قيل لهند بنت الخُسِّ إحدى أميرات العرب -وقد زنت بعبدها-: لم زنیت وأنت سيدة قومك؟! فقالت: «قرب الوساد وطول السُّهاد»، تريد قرب مضجعه منها، وطول مسارته (حديثه معها في السر) إياها.
وقفة
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ أقسام الحب ستة! قال ابن القيم: «فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته، والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع، عليها مدار محابِّ الخلق».
عمل
[30] ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ كان حديث نسوة المدينة عاقلًا، لكن كان هذا قبل أن يشاهدن يوسف؛ إذن: ابعد عن مواطن الفتن تسلم.
عمل
[30] ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ كنَّ يرينها في ضلال مبين فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن، فلا تظهر الشماتة بأخيك فيُعافيه الله ويبتليك.
وقفة
[30، 31] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾، ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ بعض المكر والتشهير يكون في صورة إنكار للأخطاء، ولكن هذا سريعًا ما ينكشف للعقلاء.
وقفة
[30، 31] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ كنَّ يرينها في ضلال مبين، لكن قال الله عنهن لما رأينه: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾؛ فلا تظهر الشماتة بأخيك فيُعافيه الله ويبتليك.

الإعراب :

  • ﴿ وقال نسوة في المدينة:
  • واو: استئنافية. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. نسوة: فاعل مرفوع بالضمة أي جماعة من النسوة. والنسوة: اسم مفرد لجمع المرأة وقيل هو جمع قلة ونساء جمع كثرة. وتأنيث نسوة غير حقيقي ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث. في المدينة: جار ومجرور متعلق بقال أو بصفة محذوفة من نسوة.
  • ﴿ امرأة العزيز تراود فتاها:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- امرأة: مبتدأ مرفوع بالضمة. العزيز: مضاف إليه مجرور بالكسرة ومعنى العزيز: الملك بلسان العرب: تراود: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. فتىً: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة وجملة \"تراود فتاها\" في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ عن نفسه قد شغفها حبًا:
  • جار ومجرور متعلق بتراود والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. قد: حرف تحقيق. شغف: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو و\"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والشغاف حجاب القلب أي شقّ شغاف قلبها أي تركها مشغوفة. حبًا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إنّا لنراها:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"نا\" مدغمة بإنّ: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\" اللام: لام التوكيد -مزحلقة-. نرى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة \"لنراها في ضلال مبين\" في محل رفع خبر \"إنّ\".
  • ﴿ في ضلال مبين:
  • شبه الجملة: في محل نصب مفعول ثانٍ إذا جعلت الرؤية بمعنى الظن والعلم. وفي محل نصب حال من الضمير \"ها\" إذا جعلت الرؤية بصرية. مبين: صفة -نعت- لضلال مجرورة مثلها بالكسرة. '

المتشابهات :

يوسف: 30﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ
يوسف: 51﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     ورغم الحرص على كتمان الأمر؛ شاعَ الخبرُ في المدينة، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قد شغفها:
وقرئ:
بإدغام الدال فى الشين، وهى قراءة النحويين، وحمزة، وهشام، وابن محيصن.
شغفها:
قرئ:
1- شغفها، بكسر الغين المعجمة، وهى قراءة ثابت البناني.
2- شغفها، بفتحها، وهى قراءة الجمهور.
3- شعفها، بفتح العين المهملة، وهى قراءة على بن أبى طالب، وعلى بن الحسين، وابنه محمد بن على، وابنه جعفر بن محمد، والشعبي، وعوف الأعرابى، وكذلك قتادة، وابن هرمز، ومجاهد، وحميد، والزهري، بخلاف عنهم.
4- شعفها، بكسر العين المهملة، وهى قراءة ثابت البناني، وأبى رجاء.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف