512101112131415

الإحصائيات

سورة الفتح
ترتيب المصحف48ترتيب النزول111
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات4.50
عدد الآيات29عدد الأجزاء0.22
عدد الأحزاب0.45عدد الأرباع1.80
ترتيب الطول43تبدأ في الجزء26
تنتهي في الجزء26عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 9/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (10) الى الآية رقم (12) عدد الآيات (3)

مدحُ أهلِ بيعةِ الرِّضوانِ في الحديبيةِ، وذمُّ المُتخلِّفين عن الخُروجِ معَ النَّبيﷺ من الأعرابِ، الذينَ ظنُّوا أنَّ النَّبيﷺ ومَن معَه سيَهْلكُونَ ولن يَرْجعُوا إلي أهليهِم في المدينةِ أبدًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (13) الى الآية رقم (15) عدد الآيات (3)

تهديدُ المُتخلِّفينَ بعذابِ الآخرةِ، ثُمَّ بيانُ كَذبِهم في ادِّعائِهم الانشغالَ بالمالِ والأهلِ بدليلِ طلَبِهم السيرَ معَ النَّبيﷺ إلى خَيبرَ لِما توقَّعُوا من مَغانمَ يأخذُونَها، ورفضُ طَلبِهم فكانتْ خَيبرُ لِمَن شهِدَ الحُديبيةَ خاصةً.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الفتح

الفتوحات الربانية

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سورة الفتوحات الربانية والكرم الرباني::   نزلت بعد صلح الحديبية في ظروف إحباط شديد للصحابة، نزلت والنفوس جريحة.في السنة السابعة -وبعد غزوة الأحزاب- كان الصراع على أشده بين المسلمين والمشركين، ورأى النبي ﷺ في الرؤيا أنه يدخل المسجد الحرام، فتجهّز مع الصحابة للذهاب إلى مكة معتمرين غير مقاتلين، لكنهم لما وصلوا إلى الحديبية رفض المشركون السماح لهم بالدخول إلى مكة، فقرر النبي ﷺ عقد صلح مع مشركي مكة، والذي عرف فيما بعد بـ (صلح الحديبية). لكن بنود هذا الصلح كانت مجحفة بحق المسلمين، فحزن الصحابة حزنًا شديدًا لقبول النبي ﷺ بها، وزاد من حزنهم أنهم منعوا من دخول البيت الحرام لأداء العمرة، ومنعوا من قتال المشركين، وشعروا أنهم يعطون الدنية في دينهم. تخيّل نفسك الآن مكان الصحابة! في هذا الوقت العصيب نزلت سورة الفتح، وسمت هذا الصلح «فَتْحًا مُّبِينًا»، نعم كان فتحًا مبينًا، ألم تكن هذه الفترة من أهم الفترات التي انتشر فيها الإسلام؟! بلا شك، فبعد إبرام هذا الصلح بعامين فقط كان فتح مكة. فالسورة تقول لنا: افهموا عن الله، افهموا سنن الله، عليكم طاعة النبي ﷺ والامتثال له، وانتظروا الفتح من الله.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الفتح».
  • • معنى الاسم ::   أصل الفتح: إزالة الإغلاق، وفتح البلد: دخله عنوة أو صلحًا.
  • • سبب التسمية ::   لأنها بدأت ببشرى الفتح، وتكرر فيها لفظ (فتحًا) 3 مرات.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   طاعة النبي ﷺ والامتثال له مهما كانت الظروف، ففيها الخير العظيم.
  • • علمتني السورة ::   أن صلح الحديبية كان بداية فتح عظيم على الإسلام والمسلمين.
  • • علمتني السورة ::   وجوب تعظيم وتوقير رسول الله ﷺ: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن مكانة بيعة الرضوان عند الله عظيمة، وأن أهلها من خير الناس على وجه الأرض: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾.
    • عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِـ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الفتح من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أكثر سورة تكرر فيها لفظ (السكينة)، حيث تكرر فيها 3 مرات.
    • أكثر سورة في القرآن فيها ثناء على الصحابة.
    • سورة تجعلنا نعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لحظات فتح مكة، ونستبشر بنصر الله لنا إذا اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصفاتهم التي ذُكرت في الآية الأخيرة.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نلزم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره مهما كانت الظروف.
    • أن نحسن الظن بالله؛ فرب الخير لا يأتي منه إلا كل خير، ومن أحسن ظنه به فلن يخيب ظنه، وسيعطيه فوق ما يتمنى: ﴿... الظَّانِّينَ بِاللَّـهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ (6).
    • أن نعظم النبي صلى الله عليه وسلم ونوقره: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ (9).
    • أن نجعل لنا وردًا من التسبيح والأذكار في الصباح والمساء: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (9).
    • أن نتذكَّر مواثيقَنا وعهودَنا مع اللهِ أو مع النَّاسِ، ونعمل على الوفاءِ بها: ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ (10).
    • أن نتعاون مع أهلنا على عبادة من العبادات: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ (11).
    • ألا نتملق للناس بل نتملق لمن ملكه السماوات والأرض، الذي إن رضى عنا أسعدنا، وجعل هذا الكون كله يسير لصالحنا: ﴿وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (14).
    • ألا نهتم بالمظاهر، فإن أعظم البيعات كانت مراسمها تُعقد تحت شجرة: ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ (18).
    • ألا نحكم على أحَدٍ بفعلِه الظَّاهرِ، فلسنا نحن من يُقسِم رحمةَ اللهِ: ﴿لِّيُدْخِلَ اللَّـهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ﴾ (25).
    • أن نلزم قول: «إن شاء الله تعالى» فيما تخبر به للمستقبل: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ﴾ (27).

تمرين حفظ الصفحة : 512

512

مدارسة الآية : [10] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ..

التفسير :

[10] إن الذين يبايعونك -أيها النبي-ﺑ«الحديبيَة» على القتال إنما يبايعون الله، ويعقدون العقد معه ابتغاء جنته ورضوانه، يد الله فوق أيديهم، فهو معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فمن نقض بيعته فإنما يعود وبال ذلك على نفسه، ومن أوفى بما

هذه المبايعة التي أشار الله إليها هي{ بيعة الرضوان} التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن لا يفروا عنه، فهي عقد خاص، من لوازمه أن لا يفروا، ولو لم يبق منهم إلا القليل، ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها، فأخبر تعالى:أن الذين بايعوك حقيقة الأمر أنهم{ يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ويعقدون العقد معه، حتى إنه من شدة تأكده أنه قال:{ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي:كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها، ولهذا قال:{ فَمَنْ نَكَثَ} فلم يف بما عاهد الله عليه{ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} أي:لأن وبال ذلك راجع إليه، وعقوبته واصلة له،{ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} أي:أتى به كاملا موفرا،{ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه.

ثم مدح- سبحانه- الذين عاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم ووفوا بعهودهم أكمل وفاء، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ..

وقوله- سبحانه-: يُبايِعُونَكَ من المبايعة أو من البيعة، بمعنى المعاهدة أو العهد، وسميت المعاهدة مبايعة، لاشتمال كل واحدة منهما على معنى المبادلة، وعلى وجوب الصدق والوفاء.

والمراد بهذه المبايعة، ما كان من المؤمنين في صلح الحديبية، عند ما عاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الثبات وعلى مناجزة المشركين بعد أن أشيع أنهم قتلوا عثمان- رضى الله عنه-. أى: إن الذين يبايعونك على الموت أو على عدم الفرار عند لقاء المشركين، إنما يبايعون ويعاهدون الله- تعالى- على ذلك قبل أن يبايعوك أنت، لأن المقصود من هذه البيعة إنما هو طاعته- سبحانه- وامتثال أمره، كما قال- تعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ. فالمقصود بقوله: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ تأكيد وجوب الوفاء بما عاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليه من الثبات وعدم الفرار، والطاعة له في كل ما يأمرهم به.

وقوله- سبحانه-: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ زيادة في تأكيد وجوب الوفاء.

ومذهب السلف في هذه الآية وأمثالها من آيات الصفات: أنه يجب الإيمان بها، وتفويض علم معناها المراد منها إلى الله- تعالى- وترك تأويلها مع تنزيهه- تعالى- عن حقيقتها، لاستحالة مشابهته- تعالى- بالحوادث، كما قال- سبحانه-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

أما الخلف فمذهبهم تأويل هذه الصفات على معنى يليق بجلاله، فيؤولون اليد هنا بالقوة أو القدرة. أى: قوة الله- تعالى- وقدرته ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم، كما يقال: اليد في هذه المسألة لفلان، أى: الغلبة والنصرة له.

أو المعنى: يد الله- تعالى- بالوفاء بما وعدهم من الخير والنصرة فوق أيديهم..

والمقصود بهذه الجملة- كما أشرنا- زيادة التأكيد على وجوب الوفاء والثبات.

قال صاحب الكشاف: لما قال- سبحانه-: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أكده تأكيدا على سبيل التمثيل، فقال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يريد أن يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تعلو أيدى المبايعين: هي يد الله، والله- تعالى- منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام..

وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق من الرسول صلّى الله عليه وسلّم كعقده مع الله- تعالى- .

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الناكثين فقال: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ أى: فمن نقض العهد بعد إبرامه وتوثيقه، فإنما عاقبة نقضه يعود وبالها وشؤمها عليه.

فقوله نَكَثَ مأخوذ من النّكث- بكسر النون- وهو فك الخيوط المغزولة بعد غزلها، وقوله: وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً أى: ومن ثبت على الوفاء بما عاهد الله- تعالى- عليه فسيعطيه- سبحانه- من فضله أجرا عظيما على ذلك.

والهاء في قوله: عَلَيْهُ قرأها حفص بالضم، توصلا إلى تفخيم لفظ الجلالة، الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام، وقرأها الجمهور بالكسر.

هذا، وقد وردت أحاديث متعددة، تصرح بأن الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في صلح الحديبية قد بايعوا جميعا النبي صلّى الله عليه وسلّم على الموت أو على عدم الفرار، سوى جماعة من المنافقين، امتنعوا عن هذه البيعة، لمرض قلوبهم، وسوء طويتهم..

ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت الشجرة، قيل: على أى شيء؟ قال: على الموت.

وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنه سئل: كم كان عددكم يوم الحديبية؟

قال: كنا أربع عشرة مائة، فبايعنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم على أن لا نفر- سوى الجد بن قيس فإنه اختفى تحت بطن بعيره، ولم يسرع مع القوم..

وهكذا فاز المؤمنون الصادقون بشرف هذه البيعة وحرم منها المنافقون لمرض قلوبهم.

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن المتخلفين، الذين لم يخرجوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى صلح الحديبية، فتحكى أعذارهم الزائفة، وتفضحهم على رءوس الأشهاد، وترد على أقوالهم الباطلة، وتأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإعراض عنهم، وإهمال أمرهم، فهم قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله..

ثم قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - تشريفا له وتعظيما وتكريما : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) كقوله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] ، ( يد الله فوق أيديهم ) أي : هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كقوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة : 111 ] .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري ، حدثنا علي بن بكار ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سل سيفه في سبيل الله ، فقد بايع الله " .

وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أخبرنا جرير ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجر : " والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان ينظر بهما ، ولسان ينطق ، به ويشهد على من استلمه بالحق ، فمن استلمه فقد بايع الله " ، ثم قرأ : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) .

ولهذا قال هاهنا : ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) أي : إنما يعود وبال ذلك على الناكث ، والله غني عنه ، ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) أي : ثوابا جزيلا . وهذه البيعة هي بيعة الرضوان ، وكانت تحت شجرة سمر بالحديبية ، وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ قيل : ألف وثلاثمائة . وقيل : أربعمائة . وقيل : وخمسمائة . والأوسط أصح .

ذكر الأحاديث الواردة في ذلك :

قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن جابر قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة .

ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ، به . وأخرجاه أيضا من حديث الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : كنا يومئذ ألفا وأربعمائة ، ووضع يده في ذلك الماء ، فنبع الماء من بين أصابعه ، حتى رووا كلهم .

وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم سهما من كنانته ، فوضعوه في بئر الحديبية ، فجاشت بالماء ، حتى كفتهم ، فقيل لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : كنا ألفا وأربعمائة ، ولو كنا مائة ألف لكفانا . وفي رواية [ في ] الصحيحين عن جابر : أنهم كانوا خمس عشرة مائة .

وروى البخاري من حديث قتادة ، قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة .

قلت : فإن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال : كانوا أربع عشرة مائة . قال رحمه الله : وهم ، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .

قال البيهقي : هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول : خمس عشرة مائة ، ثم ذكر الوهم فقال : أربع عشرة مائة .

وروى العوفي عن ابن عباس : أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين . والمشهور الذي رواه غير واحد عنه : أربع عشرة مائة ، وهذا هو الذي رواه البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن العباس الدوري ، عن يحيى بن معين ، عن شبابة بن سوار ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ألفا وأربعمائة . وكذلك هو في رواية سلمة بن الأكوع ، ومعقل بن يسار ، والبراء بن عازب . وبه يقول غير واحد من أصحاب المغازي والسير . وقد أخرج صاحبا الصحيح من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : كان أصحاب الشجرة ألفا وأربعمائة ، وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين .

وروى محمد بن إسحاق في السيرة ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، أنهما حدثاه قالا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، كل بدنة عن عشرة نفر ، وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني عنه يقول : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .

كذا قال ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه ، فإن المحفوظ في الصحيحين أنهم كانوا بضع عشرة مائة

ذكر سبب هذه البيعة العظيمة :

قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة : ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله ، إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته .

فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف . فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قتل .

قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : " لا نبرح حتى نناجز القوم " . ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة . فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت . وكان جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعهم على الموت ، ولكن بايعنا على ألا نفر .

فبايع الناس ، ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة ، فكان جابر يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس ، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي كان من أمر عثمان باطل .

وذكر ابن لهيعة عن الأسود . عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق ، وزاد في سياقه : أن قريشا بعثوا وعندهم عثمان [ بن عفان ] سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما هم عندهم إذ وقع كلام بين بعض المسلمين وبعض المشركين ، وتراموا بالنبل والحجارة ، وصاح الفريقان كلاهما ، وارتهن كل من الفريقين من عنده من الرسل ، ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بالبيعة ، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا ، فسار المسلمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو تحت الشجرة فبايعوه على ألا يفروا أبدا ، فأرعب ذلك المشركين ، وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين ، ودعوا إلى الموادعة والصلح .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا تمتام ، حدثنا الحسن بن بشر ، حدثنا الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان [ رضي الله عنه ] رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله " . فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم .

قال ابن هشام : حدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ، عن أبي مليكة ، عن ابن عمر قال : بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى .

وقال عبد الملك بن هشام النحوي : فذكر وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن أول من بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي .

وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي : حدثنا سفيان ، حدثنا ابن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة ، كان أول من انتهى إليه أبو سنان [ الأسدي رضي الله عنه ] ، فقال : ابسط يدك أبايعك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " علام تبايعني ؟ " . فقال أبو سنان : على ما في نفسك . هذا أبو سنان [ بن ] وهب الأسدي [ رضي الله عنه ] .

وقال البخاري : حدثنا شجاع بن الوليد ، سمع النضر بن محمد : حدثنا صخر [ بن الربيع ] ، عن نافع ، قال : إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر ، وليس كذلك ، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار أن يأتي به ليقاتل عليه ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع عند الشجرة ، وعمر لا يدري بذلك ، فبايعه عبد الله ، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر ، وعمر يستلئم للقتال ، فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع تحت الشجرة ، فانطلق ، فذهب معه حتى بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر .

ثم قال البخاري : وقال هشام بن عمار : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عمر بن محمد العمري ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، أن الناس كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية قد تفرقوا في ظلال الشجر ، فإذا الناس محدقون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - يعني عمر - : يا عبد الله ، انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فوجدهم يبايعون ، فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع .

وقد أسنده البيهقي عن أبي عمرو الأديب ، عن أبي بكر الإسماعيلي ، عن الحسن بن سفيان ، عن دحيم : حدثني الوليد بن مسلم فذكره .

وقال الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه ، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، وقال : بايعناه على ألا نفر ، ولم نبايعه على الموت . رواه مسلم عن قتيبة عنه .

وروى مسلم عن يحيى بن يحيى ، عن يزيد بن زريع ، عن خالد ، عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج ، عن معقل بن يسار ، قال : لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس ، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ، ونحن أربع عشرة مائة ، قال : ولم نبايعه على الموت ، ولكن بايعناه على ألا نفر .

وقال البخاري : حدثنا المكي بن إبراهيم ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة . قال يزيد : قلت : يا أبا مسلم ، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال : على الموت .

وقال البخاري أيضا : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ، قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ثم تنحيت ، فقال : " يا سلمة ألا تبايع ؟ " قلت : بايعت ، قال : " أقبل فبايع " . فدنوت فبايعته . قلت : علام بايعته يا سلمة ؟ قال : على الموت . وأخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد . وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم ، أنهم بايعوه على الموت .

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه سلمة بن الأكوع قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أربع عشرة مائة ، وعليها خمسون شاة لا ترويها ، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جباها - يعني الركي - فإما دعا وإما بصق فيها ، فجاشت ، فسقينا واستقينا . قال : ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى البيعة في أصل الشجرة . فبايعته أول الناس ، ثم بايع وبايع ، حتى إذا كان في وسط الناس قال - صلى الله عليه وسلم - : " بايعني يا سلمة " . قال : قلت : يا رسول الله ، قد بايعتك في أول الناس . قال : " وأيضا " . قال : ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلا فأعطاني حجفة - أو درقة - ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا تبايع يا سلمة ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم . قال : " وأيضا " . فبايعته الثالثة ، فقال : " يا سلمة ، أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك ؟ " . قال : قلت : يا رسول الله ، لقيني عامر عزلا فأعطيتها إياه : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " إنك كالذي قال الأول : اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي " قال : ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض فاصطلحنا . قال : وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، أسقي فرسه وأحسه وآكل من طعامه ، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله . فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة ، واختلط بعضنا ببعض ، أتيت شجرة فكسحت شوكها ، ثم اضطجعت في أصلها في ظلها ، فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة ، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبغضتهم ، وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا ، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي : يا للمهاجرين ، قتل ابن زنيم . فاخترطت سيفي ، فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود ، فأخذت سلاحهم وجعلته ضغثا في يدي ، ثم قلت : والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ، قال : ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له : " مكرز " من المشركين يقوده ، حتى وقفنا بهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعين من المشركين ، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه " ، فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله [ عز وجل ] : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ) الآية [ الفتح : 24 ] .

وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه ، أو قريبا منه .

وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة ، عن طارق ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كان أبي ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة . قال : فانطلقنا من قابل حاجين ، فخفي علينا مكانها ، فإن كان تبينت لكم ، فأنتم أعلم .

وقال أبو بكر الحميدي : حدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزبير ، حدثنا جابر ، قال : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة ، وجدنا رجلا منا يقال له " الجد بن قيس " مختبئا تحت إبط بعيره " .

رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن ابن الزبير ، به .

وقال الحميدي أيضا : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع جابرا ، قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنتم خير أهل الأرض اليوم " . قال جابر : لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة . قال سفيان : إنهم اختلفوا في موضعها . أخرجاه من حديث سفيان .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا الليث . عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن هارون الفلاس المخرمي ، حدثنا سعد بن عمرو الأشعثي ، حدثنا محمد بن ثابت العبدي ، عن خداش بن عياش ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر " . قال : فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره ، فقلنا : تعال فبايع . فقال : أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع .

وقال عبد الله بن أحمد : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي حدثنا قرة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من يصعد الثنية ، ثنية المرار ، فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل " . فكان أول من صعد خيل بني الخزرج ، ثم تبادر الناس بعد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر " . فقلنا : تعال يستغفر لك رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] . فقال : والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم . فإذا هو رجل ينشد ضالة . رواه مسلم عن عبيد الله ، به .

وقال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابرا يقول : أخبرتني أم مبشر أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة : " لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد " . قالت : بلى يا رسول الله . فانتهرها ، فقالت لحفصة : ( وإن منكم إلا واردها ) [ مريم : 71 ] ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قد قال الله : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) [ مريم : 72 ] ، رواه مسلم .

وفيه أيضا عن قتيبة ، عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ; أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكو حاطبا ، فقال : يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كذبت ، لا يدخلها ; فإنه قد شهد بدرا والحديبية " .

ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) [ الفتح : 10 ] ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ) [ الفتح : 18 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ ) بالحديبية من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدوّ, ولا يولُّوهم الأدبار ( إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله, لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ ) قال: يوم الحديبية.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية.

وفي قوله ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) وجهان من التأويل: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة, لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ; والآخر: قوّة الله فوق قوّتهم في نصرة رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, لأنهم إنما بايعوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على نُصرته على العدو.

وقوله ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) يقول تعالى ذكره: فمن نكث بيعته إياك يا محمد, ونقضها فلم ينصرك على أعدائك, وخالف ما وعد ربه ( فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) يقول: فإنما ينقض بيعته, لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الحنة بوفائه بالبيعة, فلم يضرّ بنكثه غير نفسه, ولم ينكث إلا عليها, فأما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه, نكث الناكث منهم, أو وفى ببيعته.

وقوله ( وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ )... الآية, يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدوّ في سبيل الله ونُصرة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على أعدائه ( فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) يقول: فسيعطيه الله ثوابا عظيما, وذلك أن يُدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله, ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الأيمان.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) وهي الجنة.

التدبر :

وقفة
[10] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ﴾ مكانة بيعة الرضوان عند الله عظيمة، وأهلها من خير الناس على وجه الأرض.
وقفة
[10] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ محظوظون ومحروم واحد، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنه سئل: كَمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: «كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِىَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ غَيْرَ جَدِّ ابْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِىِّ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ» [مسلم 1856].
وقفة
[10] ﴿يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ كل عمل تعمله لله وبالله وتريد به رضى الله؛ فإن الله سيباركه، ويضع له القبول، ويكتب له التوفيق، وسيعينك عليه.
عمل
[10] ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ تذكر مواثيقك وعهودك التي عقدتها مع الله سبحانه أو مع الناس، واعمل على الوفاء بها.
وقفة
[10] ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة؛ فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله ﷺ فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه؛ نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته.
وقفة
[10] ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ العهد والوعد الذي تقطعه وتمني البعض به ثم تخلفه فأنت بذلك لا تستخف بهم، بل تستخف بنفسك وتقلل قدرها.
وقفة
[10] ﴿فَمَن نَكَثَ فَإِنَّما يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ﴾ أول شخص يُصاب بعاقبة نقض العهود والمواثيق هو نفسه.
وقفة
[10] لا خوف على دين الله، فدين الله عزيز ومنصور، وإنما الخاسر من خسر نفسه، بأن تولى ونكص على عقبيه: ﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه﴾، ﴿وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾ [محمد: 38]؛ فنسأل الله الثبات على الحق غير مبدلين ولا مغيرين.
وقفة
[10] ثلاث سترجع على صاحبها شاء أم أبى: المكر: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43]، والبغي: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [يونس: 23]، والنكث: ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾.
عمل
[10] حافظ على الصلاة؛ فهي من العهد الذي يجب الوفاء به ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وقفة
[10] تتغير الأزمنة والأماكن والأحوال ويبقى أمر الله سبحانه وتعالى منهجًا ثابتًا مطردًا إلى قيام الساعة، لا يتغير ولا يتبدل: ﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما﴾.
لمسة
[10] ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ﴾ الضم في كلمة ﴿عَلَيْهُ﴾ أنسب، مع أن الكسر هو ما يناسب السياق؛ لأنه يؤدي لتفخيم لفظ الجلالة المناسب لتفخيم العهد مع الله، والهاء مرفوعة لرفع شأن هذه البيعة، وسبب ثاني أن الضمة هي أثقل الحركات، وهذا العهد أثقل العهود؛ لأنه عهد على الموت وعدم الفرار؛ فجاء أثقل الحركات مع أثقل العهود.
وقفة
[10] ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ﴾ عندما توفي بعهدك للناس فسيجعلون لك قدرًا لأنك شخص يحترم كلمته، فكيف إن كان هذا الوفاء مع الله!
وقفة
[10] الآية الوحيدة في القرآن وردت الهاء مضمومة في سورة الفتح ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ وليس (عَلَيْهِ).
وقفة
[10] ﴿ومن أوفى بما عاهد عليه الله﴾ أعظم العهود ما كان مع الله، ثم تأمل العطاء بعده: ﴿فسيؤتيه أجرا عظيما﴾.
وقفة
[10] ﴿ومن أوفى بما عاهد عليهُ اللـه فسيؤتيه أجرا عظيما﴾ هنيئًا لمن وفى بعهده مع عظيم!
وقفة
[10] ﴿وَمَن أَوفى بِما عاهَدَ عَلَيهُ اللَّهَ فَسَيُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا﴾ لم يحدد سبحانه صفة هذا الأجر، إلا أنه سيكون عظيمًا؛ لتذهب النفس كل مذهب فى تصور كيف سيكون.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان» يبايعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة «يبايعونك» صلة الموصول لا محل لها. بمعنى: ان الذين يعاهدونك على البقاء معك نصرة للاسلام ومقارعة أعدائه
  • ﴿ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ:
  • كافة ومكفوفة. يبايعون: أعربت. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة والجملة الفعلية في محل رفع خبر «ان» ويجوز أن تكون الجملة الاسمية يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» في محل رفع خبر «ان» وجملة يُبايِعُونَ اللهَ» اكدها سبحانه على طريق التمثيل.
  • ﴿ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.فوق: ظرف مكان منصوب متعلق بخبر المبتدأ وهو مضاف. أيدي:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء للثقل و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. المراد: ان يد رسول الله التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام.
  • ﴿ فَمَنْ نَكَثَ:
  • الفاء: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه-جزائه-في محل رفع خبر«من» نكث: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى فمن نقض العهد منهم.
  • ﴿ فَإِنَّما يَنْكُثُ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن.الفاء واقعة في جواب الشرط‍.ينكث: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «انما» كافة ومكفوفة
  • ﴿ عَلى نَفْسِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بينكث والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب- في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَمَنْ أَوْفى:
  • معطوفة بالواو على «من نكث» وتعرب اعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر
  • ﴿ بِما عاهَدَ:
  • الباء حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. عاهد: تعرب اعراب «نكث» وجملة «عاهد» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أو تكون «ما» مصدرية وجملة «عاهد» صلتها لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأوفى. التقدير: ومن أوفى بعهده لله.
  • ﴿ عَلَيْهُ اللهَ:
  • جار ومجرور متعلق بعاهد. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ فَسَيُؤْتِيهِ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن.الفاء رابطة لجواب الشرط‍ -جزائه السين حرف تسويف-استقبال-يؤتيه:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره. هو والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب- في محل نصب مفعول به أول.
  • ﴿ أَجْراً عَظِيماً:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. عظيما: صفة -نعت-لأجرا منصوبة بالفتحة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ أنَّه مُرسَلٌ؛ ذَكَرَ هنا أنَّ مَن بايَعَه في بيعةِ الرِّضوانِ في الحديبيةِ فقد بايَعَ اللهَ تعالى، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ولَمَّا أتَمَّ التَّرهيبَ؛ أتْبَعَه التَّرغيبَ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ينكث:
قرئ:
1- بكسر الكاف، وهى قراءة زيد بن على.
عاهد:
وقرئ:
عهد.
فسيؤتيه:
1- بالياء، وهى قراءة الحميدي.
وقرئ:
2- بالنون، وهى قراءة الحرميين، وابن عامر، وزيد بن على.

مدارسة الآية : [11] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ..

التفسير :

[11] سيقول لك -أيها النبي- الذين تخلَّفوا من الأعراب عن الخروج معك إلى «مكة» إذا عاتبتهم:شغلتنا أموالنا وأهلونا، فاسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا، يقولون ذلك بألسنتهم، ولا حقيقة له في قلوبهم، قل لهم:فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم شرّاً أو خيراً؟ ل

يذم تعالى المتخلفين عن رسوله، في الجهاد في سبيله، من الأعراب الذين ضعف إيمانهم، وكان في قلوبهم مرض، وسوء ظن بالله تعالى، وأنهم سيعتذرون بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في الجهاد، وأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم، قال الله تعالى:{ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فإن طلبهم الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ندمهم وإقرارهم على أنفسهم بالذنب، وأنهم تخلفوا تخلفا يحتاج إلى توبة واستغفار، فلو كان هذا الذي في قلوبهم، لكان استغفار الرسول نافعا لهم، لأنهم قد تابوا وأنابوا، ولكن الذي في قلوبهم، أنهم إنما تخلفوا لأنهم ظنوا بالله ظن السوء.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: لما بين- سبحانه- حال المنافقين، ذكر المتخلفين- بعد ذلك- فإن قوما من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة، لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا: أهل مكة قاتلوه على باب المدينة.. فكيف يذهب إليهم.. واعتذروا عن الخروج معه صلّى الله عليه وسلّم .

والمخلفون: جمع مخلّف، وهو المتروك في مكان خلف الخارجين من البلد كالنساء والصبيان، فإنهم في العادة لا يخرجون مع الرجال للجهاد، وعبر عنهم بالمخلفين على سبيل الذم لهم.

والأعراب: اسم جنس لبدو العرب، واحده أعرابى، والأنثى أعرابية، والمقصود بهم هنا سكان البادية من قبائل غفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وأسلم، والدّيل، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد دعاهم إلى الخروج معه إلى مكة، ليساعدوه على إقناع قريش في الإذن بدخول مكة للطواف بالبيت الحرام.. ولكنهم اعتذروا.

وقوله- سبحانه- سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا.. إعلام من الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بما سيقوله هؤلاء المتخلفون له، بعد عودته إليهم من صلح الحديبية.

أى: سيقول المخلفون لك- أيها الرسول الكريم-: إننا ما تخلفنا عنك باختيارنا، ولكن انشغالنا بحفظ ورعاية أموالنا ونسائنا وأولادنا الصغار، حال بيننا وبين الخروج معك إلى الحديبية، وما دام الأمر كذلك فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله- تعالى- لكي يغفر لنا ذنوبنا التي وقعنا فيها بسبب هذا التخلف الذي لم يكن عن تكاسل أو معصية لك.

ولما كان قولهم هذا لم يكن صحيحا، فقد رد الله- تعالى- عليهم بقوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ. أى: هم ليسوا صادقين فيما يقولون، والحق أنهم يقولون قولا من أطراف ألسنتهم، دون أن تؤيده قلوبهم، فإن السبب الحقيقي لعدم خروجهم معك، هو ضعف إيمانهم، ومرض قلوبهم، وتذبذب نفوسهم.

فالجملة الكريمة تكذيب لهم فيما قالوه، وفضيحة لهم على رءوس الأشهاد.

ثم أمر الله- تعالى- أن يجابههم بقوله: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً.. والاستفهام للإنكار والنفي.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المتخلفين من الأعراب لا أحد يستطيع أن يمنع عنكم قضاء الله- تعالى-، إن أراد بكم ما يضركم من قتل أو هزيمة، أو إن أراد بكم ما ينفعكم، من نصر أو غنيمة لأن قضاء الله- تعالى- لا دافع له، كما قال- سبحانه-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ..

ثم أضرب- سبحانه- عن ذلك وقال: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أى: إن تخلفكم ليس سببه ما زعمتم، بل الحق أن تخلفكم كان بسبب ضعف إيمانكم، والله- تعالى- مطلع على أحوالكم اطلاعا تاما، وسيجازيكم بما تستحقون.

يقول تعالى مخبرا رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا المسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذروا بشغلهم بذلك ، وسألوا أن يستغفر لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد ، بل على وجه التقية والمصانعة ; ولهذا قال تعالى : ( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ) أي : لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس ، وهو العليم بسرائركم وضمائركم ، وإن صانعتمونا وتابعتمونا ; ولهذا قال : ( بل كان الله بما تعملون خبيرا ) .

القول في تأويل قوله تعالى : سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)

يقول تعالى ذكره لنييه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: سيقول لك يا محمد الذين خلفهم الله في أهليهم عن صحبتك, والخروج معك في سفرك الذي سافرت, ومسيرك الذي سرت إلى مكة معتمرا, زائرا بيت الله الحرام إذا انصرفت إليهم, فعاتبتهم على التخلف عنك, شغلتنا عن الخروج معك معالجة أموالنا, وإصلاح معايشنا وأهلونا, فاستغفر لنا ربنا لتخلُّفنا عنك, قال الله جل ثناؤه مكذبهم في قيلهم ذلك: يقول هؤلاء الأعراب المخلَّفون عنك بألسنتهم ما ليس في قلوبهم, وذلك مسألتهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الاستغفار لهم, يقول: يسألونه بغير توبة منهم ولا ندم على ما سلف منهم من معصية الله في تخلفهم عن صحبة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمسير معه ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره لنبيه: قل لهؤلاء الأعراب الذين يسألونك أن تستغفر لهم لتخلفهم عنك: إن أنا استغفرت لكم أيها القوم, ثم أراد الله هلاككم أو هلاك أموالكم وأهليكم, أو أراد بكم نفعا بتثميره أموالكم وإصلاحه لكم أهليكم, فمن ذا الذي يقدر على دفع ما أراد الله بكم من خير أو شرّ, والله لا يعازّه أحد, ولا يغالبه غالب.

وقوله ( بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يظن هؤلاء المنافقون من الأعراب أن الله لا يعلم ما هم عليها منطوون من النفاق, بل لم يزل الله بما يعملون من خير وشرّ خبيرا, لا تخفى عليه شيء من أعمال خلقه, سرّها وعلانيتها, وهو محصيها عليهم حتى يجازيهم بها، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما ذُكر عنه حين أراد المسير إلى مكة عام الحُديبية معتمرا استنفر العرب ومن حول مدينته من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه حذرا من قومه قريش أن يعرضوا له الحرب, أو يصدّوه عن البيت, وأحرم هو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالعمرة, وساق معه الهدي, ليعلم الناس أنه لا يريد حربا, فتثاقل عنه كثير من الأعراب, وتخلَّفوا خلافه فهم الذين عَنَى الله تبارك وتعالى بقوله ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا )... الآية.

وكالذي قلنا في ذلك قال أهل العلم بسير رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومغازيه, منهم ابن إسحاق.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق بذلك. حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ) قال: أعراب المدينة: جهينة ومزينة, استتبعهم لخروجه إلى مكة, قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه, فقتلوا أصحابه فنقاتلهم ! فاعتلوا بالشغل.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا ) فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة ( ضَرًّا ) بفتح الضاد, بمعنى: الضّر الذي هو خلاف النفع. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين ( ضُرّا ) بضم الضاد, بمعنى البؤس والسَّقم.

وأعجب القراءتين إليّ الفتح في الضاد في هذا الموضع بقوله ( أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ) , فمعلوم أن خلاف النفع الضرّ, وإن كانت الأخرى صحيحا معناها.

التدبر :

وقفة
[11] ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ نحتاج فعلًا إلى تلافي أعذار لا يقبلها الله في ترك الواجبات.
وقفة
[11] ﴿سَيَقولُ لَكَ المُخَلَّفونَ مِنَ الأَعرابِ شَغَلَتنا أَموالُنا وَأَهلونا﴾ بالتأمل فى أحوال الآباء نجدهم منشغلون مع أبنائهم، وأين القرآن فى حياتهم؟! لا أثر له، إلا من رحم ربى.
وقفة
[11] ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ البحث عن الحجج والتذرع بها من سمات النفوس الخالية من الهمة والصدق مع الغير والذات.
وقفة
[11] ﴿شغلتنا أموالنا وأهلونا﴾ المال والأهل أكثر أعذار المتخلفين عن الأعمال الجادَّة.
وقفة
[11] المتُكاسِلون عن الطَّاعاتِ عُذرُهُم واحدٌ: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾.
عمل
[11] تصدق بصدقة ولو قليلة ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾.
عمل
[11] تعاون أنت وبعض أهلك على عبادة من العبادات ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾.
وقفة
[11] النبي وصحبه يعملون والمنافقون يعتذرون ويُخذلون ﴿لو أطاعونا ما قتلوا﴾ [آل عمران: 168]، ﴿بيوتنا عورة﴾ [الأحزاب: 13]، ﴿شغلتنا أموالنا وأهلونا﴾، ﴿لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا﴾ [النساء: 77].
عمل
[11] احذر أن تتخلى عن نصرة دينك وتعتذر بذلك العذر القبيح: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾.
عمل
[11] ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ مهما كانت ارتباطاتك لا شيء يشغلك عن ذكر الله، اللهم لا تشغلنا عن طاعتك وذكرك.
وقفة
[11] ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ الصدق تاج يجمل صاحبه، وأما الكاذب وإن تظاهر الناس بتصديقه لكنه ساقط من عينهم، ولا قيمة له عندهم.
وقفة
[11] ﴿يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ الخطر العظيم: أن يخالف الظاهر الباطن.
وقفة
[11] لم يذكر الله تعالى قولًا مقرونًا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولًا زورًا، كقوله: ﴿يقولون بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 167]، وقوله: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: 5]، وقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[11] لما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد، بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾، وهذا هو صنيع المنافقين.
وقفة
[11] اختلاف القلب عن اللسان ليس من صفة أهل الإيمان: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
عمل
[11] انتبه! ما نطق به اللسان ولم يعقد عليه القلب ليس بعمل صالح! قال الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[11] لا أحد يدفع ضره ولا نفعه تعالى؛ فليس الشغل بالأهل والمال عذرًا؛ فلا ذاك يدفع الضر إن أراده عز وجل، ولا مغافصة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعًا.
عمل
[11] ﴿فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا﴾ إن كتب الله عليك قضاء فمن سيرد قدره؟ وإن كتب لك منفعة فمن سيمنع نفعه، فاترك الناس وتعلق برب الناس.
عمل
[11] ﴿بَلْ كَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ تستر عن كل العيون وافعل كل ما تريد، لكن انتبه لعين ليست ككل العيون، فهو الخبير بكل حركة منك بالسر.

الإعراب :

  • ﴿ سَيَقُولُ لَكَ:
  • السين: حرف تسويف-استقبال-يقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. لك: جار ومجرور متعلق بيقول.
  • ﴿ الْمُخَلَّفُونَ:
  • فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. أي الذين تخلفوا عن نصرتك.
  • ﴿ مِنَ الْأَعْرابِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من المخلفين. و «من» حرف جر بياني. التقدير: حالة كونهم من الاعراب.
  • ﴿ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول- شغلت: فعل ماض مبني على الفتح. التاء تاء التأنيت الساكنة لا محل لها من الاعراب. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. أموال: فاعل مرفوع بالضمة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة
  • ﴿ وَأَهْلُونا:
  • معطوفة بالواو على «أموالنا» وتعرب اعرابها وعلامة رفعها الواو لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم. وحذفت النون للاضافة.
  • ﴿ فَاسْتَغْفِرْ لَنا:
  • الفاء: استئنافية، فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لنا: جار ومجرور متعلق باستغفر.وحذف المفعول اختصارا لأنه معلوم. أي استغفر لنا ربنا.
  • ﴿ يَقُولُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بِأَلْسِنَتِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيقولون. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أو بحال محذوف بتقدير ناطقين
  • ﴿ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. في قلوب: جار ومجرور متعلق بخبر «ليس» التقدير: ما ليس كائنا في قلوبهم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة والجملة صلة الموصول لا محل لها. بمعنى يقولونه نفاقا.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. والجملة الاسمية بعده: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ فَمَنْ يَمْلِكُ:
  • الفاء استئنافية أو واقعة في جواب شرط‍ مقدم. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يملك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو
  • ﴿ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً:
  • جار ومجرور متعلق بيملك والميم علامة جمع الذكور.من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بحال محذوفة من «شيئا» لأنه متعلق بصفة مقدمة. شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِنْ أَرادَ:
  • حرف شرط‍ جازم. أراد: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وحذف جواب الشرط‍ لتقدم معناه.
  • ﴿ بِكُمْ ضَرًّا:
  • جار ومجرور متعلق بأراد والميم علامة جمع الذكور. ضرا:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً:
  • معطوفة بأو للتخيير على إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا» وتعرب اعرابها. والقول الكريم فيه حذف اختصارا. التقدير: ومن يحرمكم النفع إن اراد بكم نفعا؟ .
  • ﴿ بَلْ كانَ اللهُ:
  • حرف استئناف للاضراب. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسم «كان» مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: تعرب اعراب «يقولون» خبيرا: خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة وجملة «تعملون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: بما تعملونه ويجوز أن تكون «ما» مصدرية وجملة «تعملون» صلتها لا محل من الاعراب و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقا بخبر «كان».'

المتشابهات :

آل عمران: 167﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ
الفتح: 11﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     ولَمَّا حَذَّر مِنَ النَّكْثِ، ورغَّبَ في الوفاءِ؛ أتْبَعَ ذلك بذِكرِ التَّخلُّفِ عن الانضِمامِ إلى جيشِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ الخروجِ إلى عُمرةِ الحُدَيبيَةِ، وهو ما فعَلَه الأعرابُ الَّذينَ كانوا نازِلينَ حوْلَ المدينةِ، بعدَ أن بايَعوه على الخروجِ معه، قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

شغلتنا:
وقرئ:
بتشديد الغين، حكاها الكسائي، وهى قراءة إبراهيم بن نوح بن باذان، عن قتيبة.
ضرا:
1- بفتح الضاد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة الأخوين.
وهما لغتان.

مدارسة الآية : [12] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ..

التفسير :

[12] وليس الأمر كما زعمتم من انشغالكم بالأموال والأهل، بل إنكم ظننتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من أصحابه سيَهْلكون، ولا يَرْجعون إليكم أبداً، وحسَّن الشيطان ذلك في قلوبكم، وظننتم ظنّاً سيئاً أن الله لن ينصر نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم-

فظنوا{ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} أي:إنهم سيقتلون ويستأصلون، ولم يزل هذا الظن يزين في قلوبهم، ويطمئنون إليه، حتى استحكم، وسبب ذلك أمران:

أحدها:أنهم كانوا{ قَوْمًا بُورًا} أي:هلكى، لا خير فيهم، فلو كان فيهم خير لم يكن هذا في قلوبهم.

ثم أكد- سبحانه- كذبهم بإضراب آخر عن أقوالهم فقال: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً، وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً والبور في الأصل: مصدر كالهلك، يوصف به المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث.

وهو هنا مستعمل بمعنى اسم الفاعل. وقيل: هو جمع بائر، كحائل وحول.

قال صاحب الكشاف والبور من بار، كالهلك من هلك بناء ومعنى، ولذلك وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ويجوز أن يكون جمع بائر كعائذ وعوذ.. .

والمعنى: ليس الأمر كما زعمتم- أيها المخلفون- من أن أموالكم وأولادكم هي التي شغلتكم عن الخروج مع رسولكم صلّى الله عليه وسلّم ولكن الحق أنكم ظننتم أن العدو سيستأصل شأفة المؤمنين بالقتل والإهلاك. وأنهم لن يعودوا بعد ذلك إلى أهليهم أبدا..

وزين الشيطان هذا الظن الفاسد في قلوبكم، ومكنه من نفوسكم فقبعتم في دياركم، وظننتم، في كل ما يتعلق بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبأتباعه الصادقين ظَنَّ السَّوْءِ أى: الظن الذي كله سوء وشر ومنكر..

وَكُنْتُمْ في علم الله- تعالى- وحكمه قَوْماً بُوراً أى: قوما هالكين فاسدين، لا تصلحون لشيء من الخير، ولا تستحقون إلا الخزي والعقاب.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد ذم هؤلاء المتخلفين وفضحهم وتوعدهم بسوء المصير، لأسباب متعددة، منها: سوء ظنهم بالله- تعالى- وبرسوله، صلّى الله عليه وسلّم فقد توهموا أن الرسول والمؤمنين سيقتلون على يد أعدائهم، وأنهم لن يعودوا إلى أهليهم أبدا.

ومنها: اعتذارهم الكاذب، بانشغالهم بأموالهم وأهليهم..

ومنها: تعمدهم الكذب. وتفوههم بالكلام الذي لا تؤيده قلوبهم.

ثم ختم- سبحانه- هذا الذم والتهديد للمتخلفين بقوله: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً.

أى: ومن لم يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وبصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كل ما جاء

ثم قال : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ) أي : لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص ، بل تخلف نفاق ، ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ) أي : اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم ، ولا يرجع منهم مخبر ، ( وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) أي : هلكى . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد . وقال قتادة : فاسدين . وقيل : هي بلغة عمان .

القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عند منصرَفه من سفره إليهم بقولهم شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ما تخلفتم خلاف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين شخص عنكم, وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم, بل تخلفتم بعده في منازلكم, ظنا منكم أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومن معه من أصحابه سيهلكون, فلا يرجعون إليكم أبدا باستئصال العدوّ إياهم وزيِّن ذلك في قلوبكم, وحسَّن الشيطان ذلك في قلوبكم, وصححه عندكم حتى حسُن عندكم التخلف عنه, فقعدتم عن صحبته (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) يقول: وظننتم أن الله لن ينصر محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه المؤمنين على أعدائهم, وأن العدوّ سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ ... إلى قوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) قال: ظنوا بنبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك, وأنهم سيهلكون, فذلك الذي خلفهم عن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وقوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) يقول: وكنتم قوما هَلْكى لا يصلحون لشيء من خير. وقيل: إن البور في لغة أذرعات: الفاسد; فأما عند العرب فإنه لا شيء. ومنه قول أبي الدرداء: فأصبح ما جمعوا بُوْرا أي ذاهبا قد صار باطلا لا شيء منه; ومنه قول حسان بن ثابت:

لا يَنْفَـعُ الطُّـولُ مِن نُوك القُلوب وقدْ

يَهْـدِي الإلَـهُ سَـبِيلَ المَعْشَـر البُـورِ (1)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) قال: فاسدين. وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) قال: البور الذي ليس فيه من الخير شيء.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) قال: هالكين.

------------------------

الهوامش:

(1) البيت لحسان بن ثابت يهجو قوما بأن طول أجسامهم لا خير فيه ما داموا ذوى نوك أي حمق . والبور : الهلكى . قال في ( اللسان : بور ) ورجل بور وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث . وفي التنزيل : " وكنتم قومًا بورا " قال : وقد يكون بور هنا جمع بائر ، مثل حول وحائل . وحكى الأخفش عن بعضهم أنه لغة وليس بجمع لبائر ، كما يقال : أنت بشر ، وأنتم بشر . قال : وقال الفراء في قوله " وكنتم قوما بورا " : البور : مصدر يكون واحد وجمعا . وفي معاني القرآن ( الورقة 305 ) عن ابن عباس قال : البور في لغة أزد عمان : الفاسد ، " وكنتم قوما بورا " : قوما فاسدين . والبور في كلام العرب : " لا شيء " . ويقال أصبحت أعمالهم بورا ، ومساكنهم قبورا .

التدبر :

وقفة
[12] ﴿بَلْ ظَنَنتُمْ﴾ هذه الظنون كم بعدت بين القريب والأقرب، وكم قلبت المودة الى عداوة، فتثبت وتبين ولا تصغي للظنون، فالملقي لها الشيطان.
وقفة
[12] ﴿وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وإنما جعل ذلك الظن مزينًا في اعتقادهم؛ لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال؛ وهو أن يرجع الرسول ﷺ سالمًا، وهكذا شأن العقول الواهية والنفوسُ الهاوية: ألَّا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورةَ التي تلوح لها في بادىء الرأي.
وقفة
[12] ﴿وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ الشيء المعوج هو الذي يتزين ويتملق ليدخل للقلب، أما الشيء المستقيم فيدخل مباشرة للنفس دون كل هذا؛ لأنه مستقيم.
وقفة
[12] ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ سوء الظن بالله من أسباب الوقوع في المعصية، وقد يوصل إلى الكفر.
وقفة
[12] ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ قد يسيء بعض الناس بك الظن، وقد يظنك آخرون أطهر من ماء الغمام، ولن ينفعك هؤلاء، ولن يضرك أولئك؛ المهم حقيقتك وما يعلمه الله عنك.
عمل
[12] أحسن الظن بربك في كل شيء؛ لأن سوء الظن بالله من صفات المنافقين ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ:
  • حرف اضراب للاستئناف. ظننتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ:
  • مخففة من الثقيلة وهي حرف مشبه بالفعل واسمها ضمير شأن محذوف تقديره أنه وخبرها الجملة الفعلية بعدها في محل رفع و «ان» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «ظن» ويجوز أن تكون «أن» ملغاة لأن العرب اذا جمعت بين حرفين عاملين ألغت أحدهما. لن: حرف نصب ونفي واستقبال. ينقلب: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. الرسول: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ:
  • معطوفة بالواو على الرسول مرفوعة بالواو لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً:
  • جار ومجرور متعلق بينقلب وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.أبدا: ظرف زمان للمستقبل يدل على الاستمرار وهو منصوب بمعنى بل أحسبتم أن الرسول والمؤمنين لن يرجعوا إلى أهليهم أبدا لأن قريشا ستهلكهم. وحذفت النون من «أهليهم» للاضافة.
  • ﴿ وَزُيِّنَ ذلِكَ:
  • الواو عاطفة. زين: فعل ماض مبني على الفتح مبني للمجهول. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل.اللام للبعد والكاف: حرف خطاب. بمعنى: زيّن الشيطان ذلك.
  • ﴿ فِي قُلُوبِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بزين. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ:
  • معطوفة بالواو على «ظننتم» وتعرب إعرابها. ظن:مفعول مطلق-مصدر-لبيان النوع. السوء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وأضيف الظن الى السوء للذم.
  • ﴿ وَكُنْتُمْ قَوْماً:
  • الواو عاطفة. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسمها والميم علامة جمع الذكور. قوما: خبرها منصوب بالفتحة
  • ﴿ بُوراً:
  • صفة-نعت-لقوما منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى: هلكى. ومفرده:بائر ولغة لا جمع لبائر مثل بشر ولذلك وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا زعموا انشغالهم بالأموال والأولاد؛ كَذَّبَهم اللهُ هنا، وبَيَّنَ السببَ الحقيقي في تخلفِهم، وهو ظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه سيَهْلكون، ولن يرجع منهم أحدٌ إلى المدينة، قال تعالى:
﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أهليهم:
وقرئ:
أهلهم، بغير ياء، وهى قراءة عبد الله.
وزين:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل.

مدارسة الآية : [13] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ..

التفسير :

[13] ومن لم يصدِّق بالله وبما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل بشرعه، فإنه كافر مستحق للعقاب، فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعير في النار.

الثاني:ضعف إيمانهم ويقينهم بوعد الله، ونصر دينه، وإعلاء كلمته، ولهذا قال:{ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي:فإنه كافر مستحق للعقاب،{ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}

ثم ختم- سبحانه- هذا الذم والتهديد للمتخلفين بقوله: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً.

أى: ومن لم يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وبصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كل ما جاء به من عند ربه، ويطيعه في كل ما أمر به أو نهى عنه، عاقبناه عقابا شديدا، فإنا قد هيأنا للكافرين نارا مسعرة، تحرق الأبدان، وتشوى الوجوه..

ثم قال : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله ) أي : من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله ، فإن الله تعالى سيعذبه في السعير ، وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين من الأعراب, ومن لم يؤمن أيها الأعراب بالله ورسوله منكم ومن غيركم, فيصدّقه على ما أخبر به, ويقرّ بما جاء به من الحقّ من عند ربه, فإنا أعددنا لهم جميعا سعيرا من النار تستعر عليهم في جهنم إذا وردوها يوم القيامة; يقال من ذلك: سعرت النار: إذا أوقدتها, فأنا أسعرها سعرا; ويقال: سعرتها أيضا إذا حرّكتها. وإنما قيل للمِسْعر مِسْعر, لأنه يحرّك به النار, ومنه قولهم: إنه لمِسْعر حرب: يراد به موقدها ومهيجها.

التدبر :

وقفة
[13] ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ عدم الإيمان برسول الله سبب دخول النار، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [مسلم 153].
تفاعل
[13] ﴿فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ استعذ بالله من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبره.
  • ﴿ لَمْ يُؤْمِنْ:
  • حرف نفي وجزم وقلب. يؤمن: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره فعل الشرط‍ في محل جزم بلم والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ بِاللهِ وَرَسُولِهِ:
  • اسم: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمن. الواو عاطفة.رسوله: مجرور أيضا وعلامة جره الكسرة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَإِنّا أَعْتَدْنا:
  • الجملة: جواب شرط‍ مقترن بالفاء في محل جزم بمن. الفاء واقعة في جواب الشرط‍ ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».والفعل «اعتد» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل وجملة «اعتدنا» وما بعدها: في محل رفع خبر «ان» أي هيأنا.
  • ﴿ لِلْكافِرِينَ سَعِيراً:
  • جار ومجرور متعلق باعتدنا وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. سعيرا:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى نارا متقدة ونكرت الكلمة لأنها نار مخصوصة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ حالَ المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبَيَّنَ فساد ظنهم؛ أشارَ هنا إلى أن هذا الظن قد يفضي إلى الكفر، فحرَّضهم على الإيمان بالله والتوبة إليه مما بدَر منهم، قال تعالى:
﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ ..

التفسير :

[14] ولله ملك السموات والأرض وما فيهما، يتجاوز برحمته عمن يشاء فيستر ذنبه، ويعذِّب بعدله من يشاء. وكان الله سبحانه وتعالى غفوراً لمن تاب إليه، رحيماً به.

أي:هو تعالى المنفرد بملك السماوات والأرض، يتصرف فيهما بما يشاء من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية، والأحكام الجزائية، ولهذا ذكر حكم الجزاء المرتب على الأحكام الشرعية، فقال:{ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} وهو من قام بما أمره الله به{ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ممن تهاون بأمر الله،{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي:وصفه اللازم الذي لا ينفك عنه المغفرة والرحمة، فلا يزال في جميع الأوقات يغفر للمذنبين، ويتجاوز عن الخطائين، ويتقبل توبة التائبين، وينزل خيره المدرار، آناء الليل والنهار.

ثم بين- سبحانه- أنه هو المالك لكل شيء فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وتصرفا يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أن يغفر له وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أن يعذبه.

وَكانَ- سبحانه- وما زال غَفُوراً أى: واسع المغفرة رَحِيماً أى:

واسع الرحمة.

ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السماوات والأرض : ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما ) أي : لمن تاب إليه وأناب ، وخضع لديه .

وقوله ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: ولله سلطان السموات والأرض, فلا أحد يقدر أيها المنافقون على دفعه عما أراد بكم من تعذيب على نفاقكم إن أصررتم عليه أو منعه من عفوه عنكم إن عفا, إن أنتم تبتم من نفاقكم وكفركم, وهذا من الله جلّ ثناؤه حثّ لهؤلاء الأعراب المتخلفين عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على التوبة والمراجعة إلى أمر الله في طاعة رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, يقول لهم: بادروا بالتوبة من تخلفكم عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فإن الله يغفر للتائبين ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) يقول: ولم يزل الله ذا عفو عن عقوبة التائبين إليه من ذنوبهم ومعاصيهم من عباده, وذا رحمة بهم أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد توبتهم منها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[14] ﴿وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا تتملق للناس؛ بل تملق لمن ملكه السماوات والأرض، الذي إن رضي عنك أسعدك، وجعل هذا الكون كله يسير لصالحك.
وقفة
[14] سبحانه! متفرِّد بملك السماوات والأرض، يتصرف فيها بما يشاء من الأحكام القدرية، فلا يقع فيها إلا ما قدَّر، والأحكام الشرعية بتقرير الحلال والحرام، ثم الأحكام الجزائية المترتبة على أحكامه الشرعية بالثواب والعذاب.
وقفة
[14] أي هو غني عن عباده، في خلقهم ليستكثر بهم من قلة، ولا ليستغني بهم من حاجة، وإنما ابتلاهم بالتكليف؛ ليثيب من آمن، ويعاقب من عصى.
تفاعل
[14] ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
عمل
[14] ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ﴾ لا تحتقر عاصيًا؛ فربما يُغفر له، ولا تغتر بعملك؛ فربما لا يقبل.
وقفة
[14] بالنظر للقرآن نجد أنه قدم المغفرة أربع مرات، وذلك في سياق المؤمنين في البقرة، وآل عمران، والمائدة، والفتح، كقوله: ﴿يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء﴾، على حين أننا نجد أن الله تعالى في المائدة لما ذكر الحدود القصاص والسرقة، وهذا عذاب لمقترفيها قدم العذاب: ﴿يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء﴾ [المائدة: 40].
وقفة
[14] إن لم تكن شدتك ورحمتك منضبطة بضابط الشرع؛ فأنت أهوج أعوج تخدم هواك وتهدم دينك ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
تفاعل
[14] ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
عمل
[14] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ صفحاتك السوداء إن عرضتها لربك بندم؛ فسيمحوها لك، ويرحم طبعك البشري المجبول على الخطأ، فندمك يحبه الله منك.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً
  • هذه الآية الكريمة تعرب اعراب الآية الكريمة الرابعة. يغفر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.لمن: اللام حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بيغفر. يشاء: تعرب اعراب «يغفر» وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم.
  • ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ:
  • معطوفة بالواو على يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ» وتعرب اعرابها.و«من» اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.'

المتشابهات :

البقرة: 284﴿أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ
آل عمران: 129﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ
المائدة: 18﴿بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ
المائدة: 40﴿يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ
الفتح: 14﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتخلفين عنه الذين طلبوا الاستغفار لهم؛ بَيَّنَ هنا أن المغفرة والعذاب بيده وحده، فهو الذي يملك هذا الكون بما فيه، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :الفتح     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى ..

التفسير :

[15] سيقول المخلَّفون إذا انطلقت -أيها النبي- أنت وأصحابك إلى غنائم «خيبر» التي وعدكم الله بها:اتركونا نذهب معكم إلى «خيبر»، يريدون أن يغيِّروا بذلك وعد الله لكم. قل لهم:لن تخرجوا معنا إلى «خيبر»؛ لأن الله تعالى قال لنا من قبل رجوعنا إلى «المدينة»:إن غ

لما ذكر تعالى المخلفين وذمهم، ذكر أن من عقوبتهم الدنيوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا انطلقوا إلى غنائم لا قتال فيها ليأخذوها، طلبوا منهم الصحبة والمشاركة، ويقولون:{ ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ} بذلك{ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} حيث حكم بعقوبتهم، واختصاص الصحابة المؤمنين بتلك الغنائم، شرعا وقدرا.{ قُلْ} لهم{ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} إنكم محرومون منها بما جنيتم على أنفسكم، وبما تركتم القتال أول مرة.

{ فَسَيَقُولُونَ} مجيبين لهذا الكلام، الذي منعوا به عن الخروج:{ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} على الغنائم، هذا منتهى علمهم في هذا الموضع، ولو فهموا رشدهم، لعلموا أن حرمانهم بسبب عصيانهم، وأن المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية، ولهذا قال:{ بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا}

ثم عادت السورة الكريمة إلى حكاية أقوال هؤلاء المنافقين، وإلى الرد عليها، فقال- تعالى-: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ ...

والمراد بالمخلفين هنا: السابقون الذين وصفوا بأنهم من الأعراب، فاللام للعهد.

أى: سيقول المخلفون عن الخروج معك يا محمد إلى مكة بعد أن خاب ظنهم فرجعتم سالمين إليهم بعد صلح الحديبية، سيقولون لك ولأصحابك: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ أى: اتركونا لنسير معكم، لنشارككم في جمع الغنائم التي تنالونها من أعدائكم.

فقوله ذَرُونا بمعنى اتركونا ودعونا.

قال الآلوسى: والمراد بالمغانم هنا: مغانم خيبر- كما عليه عامة المفسرين- ولم نقف على خلاف في ذلك، وأيد بأن السين تدل على القرب، وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية- كما علمت-، فإرادتها كالمتعينة، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن الله- تعالى- وعد أهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر، إذا قفلوا موادعين لا يصيبون شيئا» .

وقد كان رجوع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من صلح الحديبية في ذي الحجة من السنة السادسة، وخروجهم إلى خيبر كان في المحرم من السنة السابعة، وقد أصاب المسلمون من خيبر غنائم كثيرة، وقد جعلها صلّى الله عليه وسلّم لمن شهد معه صلح الحديبية دون غيرهم.

وقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ أى: يريد هؤلاء المخلفون بقولهم ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ أن يغيروا حكم الله- تعالى- الذي حكم به، وهو أن غنائم خيبر خاصة لمن شهد صلح الحديبية، أما هؤلاء المخلفون فلا نصيب لهم فيها.

ثم لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم الرد الذي يخرسهم فقال: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ... أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المخلفين- على سبيل الإقناط والتيئيس والزجر- لا تتبعونا ونحن متجهون إلى خيبر لفتحها. فالنفي في قوله لَنْ تَتَّبِعُونا بمعنى النهى للمبالغة في منعهم من الخروج مع المؤمنين إلى خيبر.

وقوله: كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أى: مثل هذا النهى الصادر منى قد قاله الله- تعالى- من قبل رجوعنا من الحديبية، فقد أمرنى بمنعكم من الخروج معى إلى خيبر، وبحرمانكم من غنائمها، عقابا لكم على معصيتكم لي، وعلى سوء ظنكم بي وبأصحابى..

ثم حكى- سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد مجابهتهم بتلك الحقيقة فقال:

فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا، بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا.

أى: فسيقولون لك- أيها الرسول الكريم- بعد منعك إياهم من الخروج معكم إلى خيبر، وبعد أن ذكرت لهم حكم الله فيهم.. سيقولون لك على سبيل السفاهة وسوء الأدب:

أنتم أيها المؤمنون تريدون بسبب هذا المنع من الخروج معكم إلى خيبر، أن تحسدونا وتمنعونا حقنا في الغنيمة، والله- تعالى- لم يأمركم بمنعنا، وإنما أنتم الذين فعلتموه حسدا لنا.

وقوله: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا إضراب عن قولهم هذا على سبيل التسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم أى: ليس الحق كما زعموا، بل الحق أنهم قوم دأبهم الحمق والجهالة، ولا يفقهون من أمور الدين إلا فقها قليلا، لا يسمن ولا يغنى من جوع.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما الفرق بين حرفى الإضراب؟ قلت: الأول إضراب معناه: رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. والثاني: إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين، إلى وصفهم بما هو أطم منه، وهو الجهل وقلة الفقه..

يقول تعالى مخبرا عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية ، إذ ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها : أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم ، وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم ، فأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - ألا يأذن لهم في ذلك ، معاقبة لهم من جنس ذنبهم . فإن الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين ، فلا يقع غير ذلك شرعا وقدرا ; ولهذا قال : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله )

قال مجاهد ، وقتادة ، وجويبر : وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية . واختاره ابن جرير .

وقال ابن زيد : هو قوله : ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) [ التوبة : 83 ] .

وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ; لأن هذه الآية التي في " براءة " نزلت في غزوة تبوك ، وهي متأخرة عن غزوة الحديبية .

وقال ابن جريج : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) يعني : بتثبيطهم المسلمين عن الجهاد .

( قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) أي : وعد الله أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم ، ( فسيقولون بل تحسدوننا ) أي : أن نشرككم في المغانم ، ( بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ) أي : ليس الأمر كما زعموا ، ولكن لا فهم لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا (15)

يقول تعالى ذكره لنييه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: سيقول يا محمد المخلفون في أهليهم عن صحبتك إذا سرت معتمرا تريد بيت الله الحرام, إذا انطلقت أنت ومن صحبك في سفرك ذلك إلى ما أفاء الله عليك وعليهم من الغنيمة ( لِتَأْخُذُوهَا ) وذلك ما كان الله وعد أهل الحديبية من غنائم خيبر ( ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ) إلى خيبر, فنشهد معكم قتال أهلها( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) يقول: يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية, وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم, ووعدهم ذلك عوضا من غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح, ولم يصيبوا منهم شيئا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: رجع, يعني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن مكة, فوعده الله مغانم كثيرة, فعجلت له خيبر, فقال المخلفون ( ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) وهي المغانم ليأخذوها, التي قال الله جلّ ثناؤه ( إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ) وعرض عليهم قتال قوم أولي بأس شديد.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن رجل من أصحابه, عن مقسم قال: لما وعدهم الله أن يفتح عليهم خيبر, وكان الله قد وعدها من شهد الحديبية لم يعط أحدا غيرهم منها شيئا, فلما علم المنافقون أنها الغنيمة قالوا( ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) يقول: ما وعدهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ ).... الآية, وهم الذين تخلفوا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الحديبية. ذُكر لنا أن المشركين لما صدّوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الحديبية عن المسجد الحرام والهدي, قال المقداد: يا نبيّ الله, إنا والله لا نقول كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون; فلما سمع ذلك أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تبايعوا على ما قال; فلما رأى ذلك نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صالح قريشا, ورجع من عامه ذلك ".

وقال آخرون: بل عنى بقوله ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) إرادتهم الخروج مع نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في غزوه, وقد قال الله تبارك وتعالى فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ )... الآية, قال الله عزّ وجلّ حين رجع من غزوه, فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا .... الآية يريدون أن يبدّلوا كلام الله: أرادوا أن يغيروا كلام الله الذي قال لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ويخرجوا معه وأبى الله ذلك عليهم ونبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وهذا الذي قاله ابن زيد قول لا وجه له, لأن قول الله عزّ وجلّ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إنما نـزل على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنْصَرَفَه من تَبوك, وعُنِي به الذين تخلَّفوا عنه حين توجه إلى تبوك لغزو الروم, ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة أيضا, فكيف يجوز أن يكون الأمر على ما وصفنا معنيا بقول الله ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) وهو خبر عن المتخلفين عن المسير مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, إذ شخص معتمرا يريد البيت, فصدّه المشركون عن البيت, الذين تخلَّفوا عنه في غزوة تبوك, وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نـزلت هذه الآية, ولا كان أُوحِيَ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قوله فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا .

فإذ كان ذلك كذلك, فالصواب من القول في ذلك: ما قاله مجاهد وقتادة على ما قد بيَّنا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة, وبعض قرّاء الكوفة ( كَلامَ اللهِ ) على وجه المصدر, بإثبات الألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( كَلِمَ اللهِ ) بغير ألف, بمعنى جمع كلمة, وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وإن كنتُ إلى قراءته بالألف أَمْيل.

وقوله ( قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء المخلفين عن المسير معك يا محمد: لن تتبعونا إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم لقتالهم ( كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) يقول: هكذا قال الله لنا من قبل مَرْجِعنا إليكم, إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا, ولستم ممن شهدها, فليس لكم أن تَتَّبعونا إلى خيبر, لأن غنيمتها لغيركم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) أي إنما جعلت الغنيمة لأهل الجهاد, وإنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب.

وقوله ( فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ) أن نصيب معكم مغنما إن نحن شهدنا معكم, فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ) أن نصيب معكم غنائم.

وقوله ( بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه: ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب من أنكم إنما تمنعونهم من اتباعكم حسدا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدوّ مغنما, بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم وعليهم من أمر الدين إلا قليلا يسيرا, ولو عقلوا ذلك ما قالوا لرسول الله والمؤمنين به, وقد أخبروهم عن الله تعالى ذكره أنه حرمهم غنائم خيبر, إنما تمنعوننا من صحبتكم إليها لأنكم تحسدوننا.

التدبر :

وقفة
[15] ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ ضعاف الإيمان قليلون عند الفزع، كثيرون عند الطمع.
وقفة
[15] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ﴾ أي يريدون أن يبدلوا وعد الله لأهل الحديبية؛ وذلك أن الله وعدهم أن يعوضهم من غنيمة مكة غنيمة خيبر وفتحها، وأن يكون ذلك مختصًّا بهم دون غيرهم، وأراد المخلفون أن يشاركوهم في ذلك، فهذا هو ما أرادوا من التبديل.
لمسة
[15] ﴿كذلكم قال الله﴾ بلفظ الجمع، وليس له نظير، وهو خطاب للمضمرين في قوله: ﴿لن تتبعونا﴾.
وقفة
[15] ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ تفسيرُنا لنُصح الآخرين بأنَّه حسدٌ؛ يحرمنا من فرصةِ الانتفاعِ بالنَّصيحةِ.
وقفة
[15] ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ لن تعرف حقيقة نفسك إن كنت ترى أن كل ناصح لك هو حاسد.
وقفة
[15] ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ لا ينبغي للانسان الذي ينصحه ناصح أن يفسر ذلك النصح أنه حسد، فهذه من المكابرة التي أهلكت الأمم.
وقفة
[15] ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ الدخول في النوايا مهنة قديمة. ‏
وقفة
[15] ﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ على الغنائم، وهذا منتهى علمهم في هذا الموضع، ولو فهموا رشدهم لعلموا أن حرمانهم بسبب عصيانهم، وأن المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية؛ ولهذا قال: ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[15] حين يُطرد المنافقون فإن حجتهم واحدة: ﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾، وتكفل الله بالإجابة: ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ:
  • السين حرف استقبال-تسويف-يقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. المخلفون: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ إِذَا انْطَلَقْتُمْ:
  • ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه متعلق بجوابه مبني على السكون متضمن معنى الشرط‍.انطلق: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «انطلقتم» في محل جر بالاضافة وحذف جواب الشرط‍ لتقدم معناه. أي سيقول الذين تخلفوا عن نصرتك في الحديبية.
  • ﴿ إِلى مَغانِمَ:
  • جار ومجرور متعلق بانطلقتم وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل» بمعنى: الى غنائم خيبر ومفردها مغنم أي غنيمة.
  • ﴿ لِتَأْخُذُوها:
  • اللام حرف جر للتعليل. تأخذوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل-ضمير الغائبة-مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة «تأخذوها» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب و «ان» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بانطلقتم.
  • ﴿ ذَرُونا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.ذروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى دعونا أو اتركونا.
  • ﴿ نَتَّبِعْكُمْ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه: سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة الجمع.
  • ﴿ يُرِيدُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل
  • ﴿ أَنْ يُبَدِّلُوا:
  • حرف نصب ومصدرية. يبدلوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «يبدلوا» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. و «أن» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ليريدون.
  • ﴿ كَلامَ اللهِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. بمعنى: يريدون أن يغيروا وعد الله.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:أنت وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ لَنْ تَتَّبِعُونا:
  • حرف نصب ونفي واستقبال، تتبعوا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ كَذلِكُمْ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب نائب عن مفعول مطلق-محذوف بتقدير: قال الله مثل ذلك القول. أو يكون صفة- نعتا-لمفعول مطلق محذوف بتقدير: قال الله قولا مثل ذلك. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة اللام للبعد الكاف حرف خطاب والميم علامة الجمع.
  • ﴿ قالَ اللهُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ:
  • حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة والجار والمجرور متعلق بقال. فسيقولون: أعربت.
  • ﴿ بَلْ تَحْسُدُونَنا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-بل:حرف عطف للاضراب. معناه: رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم واثبات الحسد. تحسدون: تعرب اعراب «يقولون» و «نا» أعربت في تتبعونا.
  • ﴿ بَلْ كانُوا:
  • حرف عطف للاضراب عن وصفهم باضافة الحسد الى المؤمنين وقلة الفقه الى وصفهم بما هو اكثر منه وهو الجهل. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة.
  • ﴿ لا يَفْقَهُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» لا: نافية لا عمل لها. يفقهون: تعرب اعراب «يقولون».
  • ﴿ إِلاّ قَلِيلاً:
  • أداة حصر لا عمل لها. قليلا: صفة-نعت-لمفعول مطلق- مصدر-محذوف بمعنى الا فهما قليلا'

المتشابهات :

الفتح: 11﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا
الفتح: 15﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ المُخَلَّفينَ وذَمَّهم؛ ذكَرَ هنا أنَّ مِن عقوبتِهمُ الدُّنيويَّةِ حِرمانَهم مِنَ الغنائمِ، واختِصاصَ الصَّحابةِ المؤمِنينَ بها، قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كلام الله:
2- بألف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- كلم، جمع «كلمة» ، وهى قراءة الأخوين.
تحسدوننا:
وقرئ:
بكسر السين، وهى قراءة أبى حيوة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف