386678910111213

الإحصائيات

سورة القصص
ترتيب المصحف28ترتيب النزول49
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.00
عدد الآيات88عدد الأجزاء0.56
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول14تبدأ في الجزء20
تنتهي في الجزء20عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 14/29طسم: 2/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (7) الى الآية رقم (9) عدد الآيات (3)

لمَّا وُلِدَ موسى عليه السلام خافتْ أمُّه عليه من فرعونَ، فألهمَها اللهُ أن ترضعَه ثُمَّ تضعَه في صندوقٍ وتلقيه في نهرِ النيل، فيلتقطَهُ آلُ فرعونَ، وامرأةُ فرعونَ تَتَّخِذَهُ ولدًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (10) الى الآية رقم (13) عدد الآيات (4)

لم تصبرْ أمُّ موسى على فراقِه حتى كادتْ أن تُظْهِرَ أنَّه ولدُها فصبَّرَها اللهُ، وأختُه تراقبُ الصُّندوقَ، وتُقنِعُ آلَ فرعونَ بمن يقبلُ ثديَها من النِّساءِ، فردَّهُ اللهُ إلى أمِّه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة القصص

الدعوة إلى التوحيد، وبيان أن إرادة الله وحده هي النافذة/ الثقة بوعد الله/ عاقبة الطغيان والفساد

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة القصص؟:   المحور الأساسي في سورة القصص هو قصة موسى عليه السلام. هل ذكرت السورة كل جوانب قصة موسى عليه السلام؟ الجواب: لا، بل ركزت على جوانب محددة من قصته: مولده، رميه في البحر، نشأته في قصر فرعون، خروجه من مصر إلى مدين وزواجه، ثم عودته إلى بلده بعد عشر سنين، وانتصاره على فرعون. سورة القصص هي السورة الوحيدة في القرآن التي ركّزت على مولد موسى ونشأته وخروجه إلى مدين، بينما لم تركز على بني إسرائيل ومشاكلهم مع موسى كما في باقي السور، فلماذا؟ تعالوا نتعرف على وقت نزول السورة لعلنا نجد الجواب. وقت نزول السورة: نزلت السورة وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه من مكة إلى المدينة حزينًا لفراق بلده، فأراد الله أن يطمئن قلبه بأنه سيرده إلي مكة مرة أخرى؛ فقص عليه قصة موسى عليه السلام، منذ مولده وفراقه لأمه، ثم عودته إليها. نزلت السورة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك ستعود إلي مكة يا رسول الله منتصرًا بعد أن خرجت منها متخفيًا.
  • • في أول السورة وعد، وفي آخرها وعد::   فتأمل العلاقة بينهما: 1- الأول: وعد الله لأم موسى في أول السورة: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾ (7). 2- الثاني: وعد الله للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر السورة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ (85). عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. (البخاري 4773). ونلاحظ استعمال نفس الكلمة في الوعدين: (راد). وكأن المعنى: يا محمد إن الذي صدق وعده مع موسى وأمه، سيعيدك إلى مكة فاتحًا منتصرًا. فهدف سورة القصص هو الثقة بوعد الله، واليقين بأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «القصص».
  • • معنى الاسم ::   قصَّ علىَّ خبرَه: أورده، والقصَص: الخبر المقصوص، والقِصص: جمع قِصَّة.
  • • سبب التسمية ::   لورود هذا اللفظ (القصص) في الآية (25)؛ ولأن ‏الله ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏موسى ‏مفصلة ‏موضحة ‏من ‏حين ‏ولادته ‏إلى ‏حين ‏رسالته.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة طسم» تسمية للسورة بما افتتحت به، و«سورة موسى»؛ لذكر ‏قصته ‏فيها ‏مفصلة.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الثقة بوعد الله، وأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم ومستمر.
  • • علمتني السورة ::   أن العاقبة للحق وأهله، وأن إرادة الله وحده هي النافذة.
  • • علمتني السورة ::   اليقين في الله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ ، أم تخاف على ابنها من فرعون تلقي به في البحر؟!
رابعًا : فضل السورة :
  • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة القصص من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة القصص من (الطواسين أو الطواسيم)، وهي ثلاث سور نزلت متتالية، ووضعت في المصحف متتالية أيضًا، وهي: الشعراء، النمل، القصص، وسميت بذلك؛ لأنها افتتحت بالحروف المقطعة طسم (في الشعراء والقصص)، وطس (في النمل)، ويكاد يكون منهاجها واحدًا، في سلوك مسلك العظة والعبرة، عن طريق قصص الغابرين، وجميعها افتتحت بذكر قصة موسى عليه السلام، وكذلك جميعها اختتم بالتهديد والوعيد للمعاندين والمخالفين.
    • قصة موسى عليه السلام ذكرت في كثير من سور القرآن (تكرر اسم موسى 136 مرة في 34 سورة، وأكثر السور التي ذكرت قصته بالتفصيل: الأعراف، طه، القصص)، ولكن نجد أنها في سورة القصص ركزت على قصة سيدنا موسى من مولده إلى بعثته، وذكرت تفاصيل لم تذكر في سواها: كقتله المصري، وخروجه إلى مدين، وزواجه من بنت الرجل الصالح، وفصلت أكثر في محنة ميلاده ونشأته في قصر فرعون.
    • احتوت سورة القصص على آية تدل على فصيح القرآن الكريم وإعجازه، وهي: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (7)؛ لأنها اشتملت على: أَمرْين ونهيين وخبرين وبشارتين؛ أما الأمران فهما: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، و﴿فَأَلْقِيهِ﴾، وأما النهيان فهما: ﴿وَلَا تَخَافِي﴾، و﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾، وأما الخبران فهما: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾، و﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾، وأما البشارتان فهما: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، و﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن تمتلأ قلوبنا بهذا العمل القلبي العظيم: اليقين والثقة في الله.
    • ألا نخاف علو الظالم وقوته؛ فلله إرادة سيمليها على كونه إملاءًا، وسينتهي الفساد، وسيعلو الحق، وسيأتي التمكين: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ... وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (4-6).
    • ألا نستعجل النصر؛ قال الله عن بني إسرائيل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواَ﴾ (5)، ولم يأتِ النصر إلا بعد أربعين سنة.
    • أن نستخدم الحيلة المشروعة للتخلص من ظلم الظالم: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ (12).
    • أن نصلح بين اثنين متخاصمين: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ...﴾ (15).
    • أن نلجأ إلى الله دومًا: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (21).
    • أن نفعل الخير ونمضي؛ لا ننتظر الجزاء من الناس: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ (24).
    • أن نكافئ شخصًا أحسن إلينا؛ فإن هذا من دأب الصالحين: ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ (25).
    • أن نستعن بمن يعيننا على القيام بدعوتنا ممن يملك المواصفات المناسبة: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ (34).
    • أن نحذر من اتباع الهوى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ﴾ (50).
    • أن نعرض عن اللغو: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ (55).
    • أن نحذر الظلم؛ فإنه من أسباب هلاك الأمم السابقة: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ (59).
    • ألا يشغلنا طعام ولا لباس ولا مسكن في الدنيا عن الآخرة: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ (60).
    • أن نحسن سريرتنا؛ فإن الله يعلم ما في الصدور: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (69).
    • أن نرضى بما قسم الله لنا: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (82).

تمرين حفظ الصفحة : 386

386

مدارسة الآية : [6] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي ..

التفسير :

[6] ونمكن لهم في الأرض، ونجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من هذه الطائفة المستضعفة ما كانوا يخافونه مِن هلاكهم وذهاب ملكهم، وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بني إسرائيل.

{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة اللّه، وجرت بها مشيئته،{ و} كذلك نريد أن{ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وزيره{ وَجُنُودَهُمَا} التي بها صالوا وجالوا، وعلوا وبغوا{ مِنْهُمْ} أي:من هذه الطائفة المستضعفة.{ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} من إخراجهم من ديارهم، ولذلك كانوا يسعون في قمعهم، وكسر شوكتهم، وتقتيل أبنائهم، الذين هم محل ذلك، فكل هذا قد أراده اللّه، وإذا أراد أمرا سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب -التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه- ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود.

فأول ذلك، لما أوجد اللّه رسوله موسى، الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه.

وقوله- تعالى-: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أى: ونجعلهم أقوياء راسخى الأقدام في الأرض التي نورثهم إياها، بعد القوم الظالمين.

وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما أى: ونطلع فرعون وهامان- وهو وزير فرعون- وجنودهما التابعين لهما مِنْهُمْ أى: من بنى إسرائيل المستضعفين في الأرض ما كانُوا يَحْذَرُونَ أى ما كانوا يحاولون دفعه واتقاءه، فقد كان فرعون وجنده يقتلون الذكور من بنى إسرائيل، خوفا من ظهور غلام منهم يكون هلاك فرعون على يده.

قال ابن كثير: أراد فرعون بحوله وقوته، أن ينجو من موسى. فما نفعه ذلك، بل نفذ الله- تعالى- حكمه. بأن يكون إهلاك فرعون على يد موسى، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده- يا فرعون-، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك ... وهلاكك وهلاك جندك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا، هو القاهر الغالب العظيم، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن .

وهكذا تعلن السورة الكريمة في مطلعها، أن ما أراده الله- تعالى- لا بد أن يتم، أمام أعين فرعون وجنده، مهما احتاطوا ومهما احترسوا، وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

ثم فصل- سبحانه- الحديث عن موسى- عليه السلام- فذكر ما ألهمه لأمه عند ولادته. وما قالته امرأة فرعون له عند التقاط آل فرعون لموسى، وما كانت عليه أم موسى من حيرة وقلق، وما قالته لأخته، وكيف رد الله- تعالى- بفضله وكرمه موسى إلى أمه..

لنستمع إلى السورة الكريمة، وهي تفصل هذه الأحداث، بأسلوبها البديع المؤثر فتقول:

ولهذا قال : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) . وقد فعل تعالى ذلك بهم ، كما قال : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) [ الأعراف : 137 ] وقال : ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] ، أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى ، فما نفعه ذلك مع قدر الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون إهلاك فرعون على يديه ، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده ، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك ، وفي دارك ، وغذاؤه من طعامك ، وأنت تربيه وتدلله وتتفداه ، وحتفك ، وهلاكك وهلاك جنودك على يديه ، لتعلم أن رب السموات العلا هو القادر الغالب العظيم ، العزيز القوي الشديد المحال ، الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

القول في تأويل قوله تعالى : وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)

وقوله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ) يقول: ونوطئ لهم في أرض الشام ومصر ( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا ) كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل, فكانوا من ذلك على وجل منهم, ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم, ويستحيي نساءهم, فأرى الله فرعونَ وهامان وجنودهما، من بني إسرائيل على يد موسى بن عمران نبيه، ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) شيئًا ما حذّر القوم.

قال: وذُكر لنا أن حازيا حزا لعدوّ الله فرعون, فقال: يولد في هذا العام غلام من بني إسرائيل يسلبك ملكك, فتتبَّع أبناءهم ذلك العام، يقتل أبناءهم, ويستحيي نساءهم، حذرًا مما قال له الحازي.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره, يعني أنه كاهن, فقال له: إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم, فكان فرعون يذبح أبناءهم, ويستحيي نساءهم حذرا, فذلك قوله: ( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ).

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والبصرة، وبعض الكوفيين: ( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ) بمعنى: ونري نحن، بالنون عطفا بذلك على قوله: ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ ). وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: " وَيَرَى فِرْعَوْنُ" على أن الفعل لفرعون, بمعنى: ويعاين فرعون، بالياء من يرى, ورفع فرعون وهامان والجنود.

والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء, فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب, لأنه معلوم أن فرعون لم يكن ليرى من موسى ما رأى, إلا بأن يريه الله عزّ وجلّ منه, ولم يكن ليريه الله تعالى ذكره ذلك منه إلا رآه.

التدبر :

وقفة
[5، 6] ﴿ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ * ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ طريق الإمامة والتمكين ينطلق من مجتمع المستضعفين لا من عالم المترفين!
وقفة
[5، 6] ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ النصر والتمكين عاقبة المؤمنين.
وقفة
[5، 6] هاتان الآيتان صدرت بهما سورة القصص، التي تحدثت عن المستضعفين -ومنهم موسى في نشأته صغيرًا- وكيف مكن له الله في آخر أمره، وفي ذلك عزاء لإخواننا المستضعفين في فلسطين وغيرها فيما يلاقونه من بلاء وشدة، يعقبها قوة وتمكين بإذن الله.
وقفة
[6] ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ قد ترى أهل الباطل وقد علا كعبهم في الدنيا؛ فلا يضيق صدرك من ذلك، فهذا استدراج، فالله لن يمكن إلا لأصحاب الحق.
وقفة
[6] ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ أرى الله فرعون وقومه ما كانوا يخافون منه، وهو ما رآه فرعون في رؤياه أن هلاکه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل، بعض الرؤى تتحقق، ولو كانت من کافر!
وقفة
[6] ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ لا يُغني حذر من قدَر، ولا يوقف إرادة الله بشر، فلا رادَّ لقضائه، ولا معارض لسلطانه.
عمل
[6] ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ دوام الحال من المحال، والأيام دُوَل، فلا ييأسِ المستضعفون، ولا يغترَّ المستكبرون.
وقفة
[6] التمكين في الأرض يحتاج إلى صبر، وإعداد، وبذل جهد ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
وقفة
[6] لا تدوم حال المستضعف في دينه، بل يمكن له ربه من حيث يحذره الذي كان يستضعفه ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
وقفة
[6] قد يبتلي الله المؤمن بظالم لا يخاف الله فيه، فإن اعتصم به مكنه ممن ظلمه فرأى منه ما كان يحذر ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
وقفة
[6] ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾ آلاف الأجراء والأعوان والخدم هلكوا وأصبحوا في طي التاريخ (جنودهما) هكذا بلا أسماء، حياة تافهة.
وقفة
[6] ﴿ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ ذات الشيء الذي أخذوا كل احتياطاتهم وحذروهم منه, أرغمهم الله به.
وقفة
[6] ﴿ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ الظالم وإن طال به الأمد سيتجرع كأس الذل والهوان، من نفس اليد التي حاول بترها.
وقفة
[6] ﴿وَجُنُودَهُمَا﴾ هل كان لهامان جنود؟ 1- قد يكون له جنود خاصين به. 2- أو هم جنود فرعون، لكنهم يأتمرون بأمر هامان، الذي هو أمر فرعون، أو يكون لهامان سلطة شبيهة بفرعون.

الإعراب :

  • ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ:
  • معطوفة بالواو على نَمُنَّ» وتعرب إعرابها.لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بنمكن. في الأرض: جار ومجرور متعلق بنمكن أو بحال محذوفة من «هم» في لَهُمْ» أو بصفة محذوفة على المعنى للمفعول المحذوف بمعنى ونجعل لهم مكانا.
  • ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ:
  • تعرب اعراب وَنُمَكِّنَ» فرعون: مفعول به أول منصوب بالفتحة. وهامان: معطوفة بالواو على فِرْعَوْنَ» وتعرب إعرابها. والكلمتان ممنوعتان من الصرف «التنوين» للعجمة. و هامانَ» هو وزير فرعون.
  • ﴿ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ:
  • معطوفة بالواو على فِرْعَوْنَ وَهامانَ» منصوبة بالفتحة.والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور والألف علامة التثنية لا محل لها. منهم: جار ومجرور متعلق بنرى أوبيحذرون و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. أي من بني اسرائيل.
  • ﴿ ما كانُوا:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل جر رفع اسم «كان» والألف فارقة.
  • ﴿ يَحْذَرُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية كانُوا يَحْذَرُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: ما كانوا يحذرونه. أي يتوقعونه. أو ما حذروه من هلاكهم على يد موسى.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعد الإشارة إلى التمكين لبني إسرائيل؛ يأتي هنا التصريح به، قال تعالى:
﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ونمكن:
1- بالنصب، عطفا على «نمن» ، الآية: 5، وهى قراءة الجمهور.
قرئ:
2- ولنمكن، بلام «كى» ، وهى قراءة الأعمش.
ونرى:
1- مضارع «أرينا» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مضارع «رأى» ، ورفع ما بعده، وهى قراءة عبد الله، وحمزة، والكسائي.

مدارسة الآية : [7] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ ..

التفسير :

[7] وألْهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل:أن أرضعيه مطمئنة، فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل، دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه، ودون حزن على فراقه، إنا رادُّو ولدك إليك وباعثوه رسولاً

وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها.

{ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأن أحسست أحدا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم،{ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} أي نيل مصر، في وسط تابوت مغلق،{ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله اللّه رسولا.

وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها، فإنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، فساقه اللّه تعالى.

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ابتدأ بذكر أوائل نعمه في هذا الباب فقال: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ .

والوحى إلى أم موسى، يجوز أن يكون عن طريق الإلهام، كما في قوله- تعالى-:

وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ... أو عن طريق المنام، أو عن طريق إرسال ملك أخبرها بذلك.

قال الآلوسى: والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافي ذلك الإجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة- عليهم السلام- قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم.

والظاهر- أيضا- أن هذا الإيحاء كان بعد الولادة.. وقيل: كان قبلها ... .

وأَنْ في قوله أَنْ أَرْضِعِيهِ مفسرة، لأن الوحى فيه معنى القول دون حروفه.

والخوف: حالة نفسية تعترى الإنسان، فتجعله مضطرب المشاعر، لتوقعه حصول أمر يكرهه.

والحزن: اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه، كموت عزيز لديه. أو فقده لشيء يحبه..

وفي الكلام حذف يعرف من السياق، والتقدير: وحملت أم موسى به في الوقت الذي كان فرعون يذبح الأبناء، ويستحيى النساء، وأخفت حملها عن غيرها، فلما وضعته أصابها ما أصابها من خوف وفزع على مصير ابنها، وهنا ألهمناها بقدرتنا وإرادتنا. وقذفنا في قلبها أن أرضعيه في خفاء وكتمان فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ من فرعون وحاشيته أن يقتلوه كما قتلوا غيره من أبناء بنى إسرائيل.

فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أى: في البحر والمراد به نهر النيل، وسمى بحرا لاتساعه، وإن كان الغالب إطلاق البحر على المياه غير العذبة.

وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي أى: ولا تخافي عليه من حصول مكروه له، ولا تحزني لمفارقته لك، فهو في رعايتنا وحمايتنا، ومن رعاه الله- تعالى- وحماه، فلا خوف عليه ولا حزن.

وجملة إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ تعليل للنهى عن الخوف والحزن، وتبشير لها بأن ابنها سيعود إليها، وسيكون من رسل الله- عز وجل-.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما المراد بالخوفين- في الآية- حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟.

قلت: أما الأول، فالخوف عليه من القتل، لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته، فينموا عليه. وأما الثاني: فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع، ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوتة من قبل فرعون في تطلب الولدان.

فإن قلت: ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت: الخوف، غم يلحق الإنسان لشيء متوقع.

والحزن: غم يلحقه لشيء وقع، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحي إليها، ووعدت بما يسليها، ويطمئن قلبها، ويملؤها غبطة وسرورا، وهو رده إليها. وجعله من المرسلين.. .

وهكذا نجد الآية الكريمة قد اشتملت على أبلغ الأساليب وأبدعها، في بيان قدرة الله- تعالى- ورعايته لمن يريد رعايته.

قالوا: مدح الأصمعى امرأة لإنشادها شعرا حسنا، فقرأت هذه الآية الكريمة ثم قالت له: أبعد هذه الآية فصاحة، لقد اشتملت على أمرين وهما أَرْضِعِيهِ فَأَلْقِيهِ ونهيين وهما لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي وخبرين إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وبشارتين في ضمن الخبرين وهما: الرد والجعل المذكوران.

ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة . فقالوا لفرعون : إنه يوشك - إن استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم ، وغلمانهم لا يعيشون ، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال ، فيخلص إلينا ذلك . فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما ، فولد هارون ، عليه السلام ، في السنة التي يتركون فيها الولدان ، وولد موسى ، عليه السلام ، في السنة التي يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك ، وقوابل يدرن على النساء ، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها ، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط ، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن ، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون ، بأيديهم الشفار المرهفة ، فقتلوه ومضوا قبحهم الله . فلما حملت أم موسى به ، عليه السلام ، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ، ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا ، وخافت عليه خوفا شديدا وأحبته حبا زائدا ، وكان موسى ، عليه السلام ، لا يراه أحد إلا أحبه ، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا قال الله تعالى : ( وألقيت عليك محبة مني ) [ طه : 39 ] . فلما ضاقت ذرعا به ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها ، كما قال الله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) . وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتا ، ومهدت فيه مهدا ، وجعلت ترضع ولدها ، فإذا دخل عليها أحد ممن تخاف جعلته في ذلك التابوت ، وسيرته في البحر ، وربطته بحبل عندها . فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وأرسلته في البحر وذهلت عن أن تربطه ، فذهب مع الماء واحتمله ، حتى مر به على دار فرعون ، فالتقطه الجواري فاحتملنه ، فذهبن به إلى امرأة فرعون ، ولا يدرين ما فيه ، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها . فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه ، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه ، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)

يقول تعالى ذكره: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) حين ولدت موسى ( أَنْ أَرْضِعِيهِ ).

وكان قَتادة يقول, في معنى ذلك ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ): قذفنا في قلبها.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) وحيًا جاءها من الله, فقذف في قلبها, وليس بوحي نبوة, أن أرضعي موسى، ( فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي )... الآية..

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قوله: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) قال: قذف في نفسها.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: أمر فرعون أن يذبح مَن وُلِد من بني إسرائيل سنة, ويتركوا سنة; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى; فلما أرادت وضعه, حزنت من شأنه, فأوحى الله إليها( أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ).

واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أمّ موسى أن تلقي موسى في اليم, فقال بعضهم: أُمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر, وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبيّ بعد حال سقوطه من بطن أمه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح، وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك (فَأَلْقِيهِ) حينئذ (فِي الْيَمِّ) فذلك قوله: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ).

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر بن عبد الله, قال: لم يقل لها: إذا ولدتيه فألقيه في اليمّ, إنما قال لها: ( أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ) بذلك أُمرت, قال: جعلته في بستان, فكانت تأتيه كلّ يوم فترضعه, وتأتيه كلّ ليلة فترضعه, فيكفيه ذلك.

وقال آخرون: بل أُمِرت أن تلقيه في اليمّ بعد ولادها إياه, وبعد رضاعها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما وضعته أرضعته، ثم دعت له نجارا، فجعل له تابوتًا، وجعل مفتاح التابوت من داخل, وجعلته فيه, فألقته في اليمِّ.

وأولى قول قيل في ذلك بالصواب, أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر أمّ موسى أن ترضعه, فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليمّ. وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه; وأيّ ذلك كان, فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه, ولا خبر قامت به حجة, ولا فطرة في العقل لبيان أيّ ذلك كان من أيٍّ, فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه، واليمّ الذي أُمِرَت أن تلقيه فيه هو النيل.

كما حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي (فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ) قال: هو البحر, وهو النيل. وقد بيَّنا ذلك بشواهده, وذكر الرواية فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.

وقوله: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) يقول: لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه, ولا تحزني لفراقه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) قال: لا تخافي عليه البحر, ولا تحزني لفراقه؛( إنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).

وقوله: ( إِنَّا رَادًّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) يقول: إنا رادّو ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه, وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله, وفعل الله ذلك بها وبه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ) وباعثوه رسولا إلى هذا الطاغية, وجاعلو هلاكه، ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه.

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾ من عظمة هذا الدين وعدله أن الكرامات لا تختص فقط للرجال، بل حتى للنساء، فقط اقترب من الله؛ وأبشر أي كان جنسك.
وقفة
[7] ‏﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾ ليس المقصود هنا وحي النبوة؛ بل المعنى على الراجح أنه وحي إلهام، وليس إعلام.
وقفة
[7] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ الوحي هنا: إلهام روحي تعرفه الأم وحدها، الأم تجاه (ابنها) ملهمة.
وقفة
[7] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ أرضعيه حتى يتذوق حليب أمه؛ فيعاف بعدها كل المرضعات.
وقفة
[7] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ذكر القرطبي في تفسيره أن الله تعالى جمع في هذه الآية بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين، فتأملها فتح الله على قلبك.
وقفة
[7] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فبين أنه يلهم المؤمنين الإيمان وما ينفعهم؛ وذلك إيحاء إليهم وإن لم يكونوا أنبياء.
وقفة
[7] ﴿وَأَوحَينا إِلى أُمِّ موسى أَن أَرضِعيهِ فَإِذا خِفتِ عَلَيهِ فَأَلقيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخافي وَلا تَحزَني إِنّا رادّوهُ إِلَيكِ وَجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلينَ﴾ لم يرد الحزن فى كتاب الله العزيز إلا منهيًّا عنه.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ﴾ إذا خفنا على أبنائنا نتشبث بهم، وهي إن خافت على ابنها تلقيه! تلقيه لأن العناية الإلهية وحدها ستمسكه.
عمل
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ﴾ ألق كل مخاوفك في يم التوكل.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ﴾ سبحان الله تخاف عليه وتلقيه؟! إذا تولاك الله بعنايته؛ فكل المخاوف أمان.
وقفة
[7] في الأزمات: ‏فكرةُ التَّباعد الاجتماعي للحفاظ على بعض، ‏أنَّ بقاءَنا مرهونٌ بابتعادِنا، ‏وأنَّ افتراقَنا هو عينُ اجتماعنا، ‏فكرةٌ قديمة: ‏﴿فإذا خِفْتِ عليه؛ فَأَلْقيهِ﴾، ‏والقلوب عندَ بعضها.
عمل
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ أطع الله في كل شؤون حياتك، وإن كنت ترى من منظورك أن فيه هلاكك، فالله لا يأمر بأمر إلا وفيه نجاتك.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ هذا والله التسليم للشريعة، ألفته دون أن تسأل عن الحكمة مع شدة غرابة الأمر.
عمل
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ أَلْــقِ كل المخاوف والهموم في بحر التوكل؛ لينزل على قلبك برد اليقين.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ تدبير الله لعباده الصالحين بما يسلمهم من مكر أعدائهم.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ علق الأمر بإلقائه على خوفها، لعلها لو لم تخف لحفظه الله في حجرها.
عمل
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، ﴿فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم﴾ [40]، اليمُّ مشترك بينهما لكن اختلاف الحال والخاتمة، موسى كان في غاية الضعف ولم يستطع اليم أن يضره، وفرعون في قمة عزه وجبروته فغمره اليم وكان من المغرقين؛ فقط استعينوا بالله.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ اليم مخيف، والإلقاء ليس طريقة آمنة، لكن حين تكون في (أمان الله)؛ فلا قيمة لطبائع الأشياء، فلا شيء يخيف.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي﴾ إذا خفتَ أمرًا ثم تيقنت أن الله معك؛ فاعلم أن مخاوفك قد انتهت.
وقفة
[7] قال الله لأم موسي عليه السلام: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾، من حفظه الله ورعاه فلا يضره أي بحر احتواه.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ من تمام قوة الله ورعايته أن استجاب لأم موسى فأرسل ابنها لمن تخاف أن يفتك به ليحفظه لها قد تكون النجاة بين أنياب الهلكة.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ يأمرها بزيادة أسباب الخوف وينهاها عن الخوف! وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ قوة اليقين بوعد الله؛ تبدد جميع المخاوف مهما عظمت.
وقفة
[7] ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ المخاوف أمان إذا كان اﷲ معك، وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ.
وقفة
[7] ﴿فإذا خِفتِ عليه فألقيهِ في اليَمّ ولا تخافي ولا تحزني﴾ ‏تخافُ عليهِ وتُلقيهِ في اليَمّ؟! يا للغرابة كيف إذا خافت تلقيه في اليم، بدلًا من إخفائه؟! ثم أبعد أن تُلقيهِ في اليَمِّ، يقال لها: لا تخافِ ولا تحزني؟!‏ مجرّدُ الأسئلةِ لوحدها مخيفة‏، ولكنّها تأتي بردًا على القلب ‏ما دام الآمِرُ هو الله‏ الذي لا يكتفي بـ: ﴿إنّا رادّوه إليكِ﴾، ‏بل ويزيد: ﴿وجاعِلوه من المرسلين﴾.
وقفة
[7] أمه: ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾، أمه الثانية: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ [9]، أخته: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: 40]، زوجته: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [26]، لا يوجد رجل عظيم ليس للنساء يد فيه.
وقفة
[7] ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ موسي عليه السلام كان رضيعًا ضعيفًا ولم يضرَّه اليمّ، وفرعون كان في قمة جبروته وغمره اليمُّ؛ فمن كان مع الله فلن يضرَّه ضعفُه، ومن لم يكنْ مع الله فلن تنفعَه قوتُه.
وقفة
[7] ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ رب محن في طياتها منحًا ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
وقفة
[7] ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ الله أرحم بنا من الناس كلهم مهما كانت مرتبتهم في أنفسنا، وهو الذي يعلم مخاوفنا وحزننا، فيعرف بلطفه كيف يخففه.
وقفة
[7] ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ مِن لطف ربي أن يلطف بالقلب الخائف الحزين فيرد للأم وليدها.
وقفة
[7] ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قد تأتي المنح مع المحن؛ فإن الله تعالى يَعِدُ أم موسى في لحظة كربتها بالفرج مع فضل عظيم، وهو جعل ابنها نبيًّا مرسلًا.
عمل
[7] ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: 28] يا الله، عطايا عظيمة بعد خوف، اطرد الخوف بالأمل.
عمل
[7] ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ لربما كانت آلامك هي منبع سعادتك؛ فلْتطمئن نفسك بما قسم الله لك.
عمل
[7] وجه رسالة إلى أسرة ظلم أحد أفرادها وبشرهم بهذه الآية: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
وقفة
[7] ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ لن ينام الليلة إلا في حضنكِ، فلا تخافي.
وقفة
[7] ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ فيها تسلية لكل من أبعد عنه ثمرة فؤاده؛ أن الله حافظه وراده إليه وجامع إليه شمله، فهو خير حافظًا.
وقفة
[7] ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ من عمق البحر، من بطش فرعون، أعاده الله لمأواه بين نبضات قلبها، أمحنتك أكبر؟! لا بلية إلا ويكشفها الله، اليقين بالله.
وقفة
[7] ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ ثقي بي!
وقفة
[7] ليس بين قوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، وقوله: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ﴾ [13]، إلا يقين بموعود الله.
وقفة
[7] ﴿وأصبح فؤاد أمِّ موسى فارغاً﴾ [10]، ما أقدس وأرق قلب الأم! فرغم: ﴿إنا رادوه إليكِ﴾ إلا أن فقد الولد أفرغ القلب من الوعد، اللهم لا تفرِّق بين أم وولدها.
وقفة
[7] ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ موسى كان طفلًا مقذوفًا في اليم، ثم شابًا هاربًا من طاغوت، ثم علا شأنه، فلا تقلق من البدايات الصعبة.
وقفة
[7] بشارة لأمر تفطر قلبها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، ومن كرم الكريم وعادته التفضل: ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
وقفة
[7] ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي أن الحفظ ليس لأجلك، بل إن له مهمة أعظم، وهي الرسالة.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَوْحَيْنا:
  • الواو: استئنافية. أوحى: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ إِلى أُمِّ مُوسى:
  • جار ومجرور متعلق بأوحينا. موسى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة.
  • ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ:
  • ان: حرف تفسير لا محل له والجملة بعده: تفسيرية لا محل لها. أو تكون أَنْ» حرفا مصدريا مسبوقا بحرف جر أي بأن أرضعيه. ارضعيه: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الياء ضمير متصل-ضمير المخاطبة-في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل -ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به. وجملة أَرْضِعِيهِ» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها. و أَنْ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأوحينا. أي أوحينا الى أم موسى بارضاعه.
  • ﴿ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ:
  • الفاء استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه. خفت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبة-مبني على الكسر في محل رفع فاعل. عليه: جار ومجرور متعلق بخفت. بمعنى: أوحينا اليها بأن ترضعه وتخفيه. فإن خافت عليه من القتل والجملة الفعلية خِفْتِ عَلَيْهِ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.الفاء واقعة في جواب الشرط‍.القيه: تعرب اعراب أَرْضِعِيهِ» في اليم:جار ومجرور متعلق بألقيه. أي في البحر وقيل: هو نيل بمصر.
  • ﴿ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تخافي:فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. والياء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. ولا تحزني: معطوفة بالواو على لا تَخافِي» وتعرب إعرابها. بمعنى: ولا تخافي عليه من الغرق والضياع.
  • ﴿ إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم أَنْ» رادوه: خبرها مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم وحذفت النون للاضافة. والهاء ضمير متصل- ضمير الغائب-مبني على الضم في محل جر بالاضافة. وقد أضيف اسم الفاعل الى مفعوله. اليك: جار ومجرور متعلق برادوه.
  • ﴿ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ:
  • معطوفة بالواو على رَادُّوهُ إِلَيْكِ» وتعرب إعرابها. وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. و مِنَ الْمُرْسَلِينَ» في مقام المفعول به الثاني لاسم الفاعل جاعِلُوهُ».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أنه يريد أن يمن على بني إسرائيل؛ بدأ الحديث هنا عن موسى عليه السلام الذي جعلَ اللهُ استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه، قال تعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أن أرضعيه:
وقرئ:
بكسر نون «أن» ، بعد حذف الهمزة، على غير قياس، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة، وهى الفتحة، إلى النون، كقراءة ورش.

مدارسة الآية : [8] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ ..

التفسير :

[8]فوضعته في صندوق وألقته في النيل، فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه، فكانت عاقبةُ ذلك ما قَدَّره الله بأن يكون موسى عدوّاً لهم بمخالفة دينهم، وموقعاً لهم في الحزن بإغراقهم وزوال مُلْكهم على يده. إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مشركين.

{ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} فصار من لقطهم، وهم الذين باشروا وجدانه،{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} أي:لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط، أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل، قيض اللّه أن يكون زعيمهم، يتربى تحت أيديهم، وعلى نظرهم، وبكفالتهم.

وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة.

وبالطبع، إنه لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا، وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف -الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص اللّه علينا بعضه - أن صار بعض أفراده، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض، كما سيأتي بيانه.

وهذا مقدمة للظهور، فإن اللّه تعالى من سنته الجارية، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا، ولا تأتي دفعة واحدة.

وقوله:{ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} أي:فأردنا أن نعاقبهم على خطئهم ونكيد هم، جزاء على مكرهم وكيدهم.

والفاء في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.. هي الفصيحة.

والالتقاط: وجود الشيء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد.

والمراد بآل فرعون: جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذي به موسى، وحملوه إلى فرعون. والحزن- بالتحريك، وبضم فسكون- نقيض السرور، وفعله كفرح.

يقال: حزنه الأمر وأحزنه. أى: جعله حزينا.

واللام في قوله: لِيَكُونَ ... هي لام العاقبة والصيرورة.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا، فاللام في لِيَكُونَ لام العاقبة والصيرورة، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا، فذكر الحال بالمآل كما في قول الشاعر:

وللمنايا تربى كل مرضعة ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أى: فعاقبة البناء: الخراب، وإن كان في الحال مفروحا به .

ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل، بمعنى، أن الله- تعالى- سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله. لالتقاط موسى، ليجعله لهم عدوا وحزنا، فكأنه- سبحانه- يقول: قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا، ليكون لهم عدوا وحزنا.

إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله: قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك- أى: لم يريدوا بالتقاطه العداوة والحزن-، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا. ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق، فإنه تبقى اللام للتعليل، لأن معناه: أن الله- تعالى- قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه .

ومع وجاهة الرأيين، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني، لأنه- كما قال الإمام ابن كثير- أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولأن قوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ يشير إلى أن اللام للتعليل..

والمعنى: ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها، فأرضعت ابنها موسى. وألقته في اليم حين خافت عليه القتل، فالتقطه آل فرعون من اليم، ليكون لهم عدوا وحزنا، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

وقوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ تعليل لما قبله، وخاطِئِينَ أى: مرتكبين للخطيئة التي هي الذنب العظيم، كقوله- تعالى- في قوم نوح- عليه السلام-: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً....

وكقوله- سبحانه- في شأن الكافرين بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .

أى: فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله، لأن فرعون ووزيره هامان، وجنودهما الذين يناصرونهما، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة في كل ما يأتون ويذرون، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل، وإبقاؤهم لإناثهم.

ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة . فقالوا لفرعون : إنه يوشك - إن استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم ، وغلمانهم لا يعيشون ، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال ، فيخلص إلينا ذلك . فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما ، فولد هارون ، عليه السلام ، في السنة التي يتركون فيها الولدان ، وولد موسى ، عليه السلام ، في السنة التي يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك ، وقوابل يدرن على النساء ، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها ، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط ، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن ، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون ، بأيديهم الشفار المرهفة ، فقتلوه ومضوا قبحهم الله . فلما حملت أم موسى به ، عليه السلام ، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ، ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا ، وخافت عليه خوفا شديدا وأحبته حبا زائدا ، وكان موسى ، عليه السلام ، لا يراه أحد إلا أحبه ، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا قال الله تعالى : ( وألقيت عليك محبة مني ) [ طه : 39 ] . فلما ضاقت ذرعا به ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها ، كما قال الله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) . وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتا ، ومهدت فيه مهدا ، وجعلت ترضع ولدها ، فإذا دخل عليها أحد ممن تخاف جعلته في ذلك التابوت ، وسيرته في البحر ، وربطته بحبل عندها . فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وأرسلته في البحر وذهلت عن أن تربطه ، فذهب مع الماء واحتمله ، حتى مر به على دار فرعون ، فالتقطه الجواري فاحتملنه ، فذهبن به إلى امرأة فرعون ، ولا يدرين ما فيه ، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها . فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه ، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه ، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها ; ولهذا قال ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا [ وحزنا ] ) .

قال محمد بن إسحاق وغيره : " اللام " هنا لام العاقبة لا لام التعليل ; لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك . ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل ; لأن معناه أن الله تعالى ، قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه ; ولهذا قال : ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) .

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتابا إلى قوم من القدرية ، في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق : وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن ، قال الله تعالى : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ، وقلتم أنتم : لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليا ونصيرا ، والله يقول : ( ليكون لهم عدوا وحزنا ) .

القول في تأويل قوله تعالى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)

يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه; وأصله من اللقطة, وهو ما وُجد ضالا فأخذ، والعرب تقول: لما وردت عليه فجأة، من غير طلب له ولا إرادة، أصبته التقاطا, ولقيت فلانا التقاطا; ومنه قول الراجز:

وَمَنْهَـــلٍ وَرَدْتُـــهُ الْتِقَاطَـــا

لَـــمْ أَلْــقَ إِذْ وَرَدْتُــهُ فُرَّاطَــا (1)

يعني فجأة.

واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: (آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى, حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون, فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن, فوجدن التابوت, فأدخلنه إلى آسية, وظننّ أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية, وقعت عليها رحمته فأحبته; فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه, فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها, قال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل, وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا, فذلك قول الله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ).

وقال آخرون: بل عني به ابنة فرعون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال: كانت بنت فرعون برصاء, فجاءت إلى النيل, فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج, فأخذته بنت فرعون, فلما فتحت التابوت, فإذا هي بصبي, فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص, فجاءت به إلى أمها, فقالت: إن هذا الصبيّ مبارك لما نظرت إليه برئت, فقال فرعون: هذا من صبيان بني إسرائيل, هلمّ حتى أقتله, فقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ .

وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: أصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة: فبينما هو جالس, إذ مرّ النيل بالتابوت يقذف به, وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه, فقالت: إن هذا لشيء في البحر, فأتوني به, فخرج إليه أعوانه, حتى جاءوا به, ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده, فألقى الله عليه محبته, وعطف عليه نفسه, قالت امرأته آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا .

ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عزّ وجلّ: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ)

وقد بيَّنا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا.

وقوله: ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوّا وحَزنا فالتقطوه, فيقال: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدّم ذكره، ولكنه إن شاء الله كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق, في قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) قال: ليكون في عاقبة أمره عدوّا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه, ولكن امرأة فرعون قالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ فكان قول الله: (ليكون لهم عدوّا وحزنا) لما هو كائن في عاقبة أمره لهم, وهو كقول الآخر إذا قَرَّعه لفعل، كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندِّما له على فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك, ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه, غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنًّا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم, ليكون قرّة عين لهم, فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه.

وقوله: (عَدُوًّا وَحَزَنًا) يقول: يكون لهم عدوّا في دينهم, وحَزنًا على ما ينالهم منه من المكروه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) عدوا لهم في دينهم, وحزنا لما يأتيهم.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَحَزَنًا) بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: " وَحُزْنًا " بضم الحاء وتسكين الزاي. والحَزَن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا, والحُزْن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم، ونحوه.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنـزلة العَدَم, والعُدْم, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين, فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.

------------------------

الهوامش:

(1) هذا بيتان من مشطور الرجز، لنقادة الأسدي، أوردهما في (اللسان: لقط) وأورد معهما بيتًا ثالثا، وهو * إلا الحمــام الـورق والغطـاط *

قال: ولقيته التقاطًا: إذا لقيته من غير أن ترجوه أو تحسبه؛ قال نقادة الأسدي: "ومنهل وردته.." الأبيات الثلاثة: وقال سيبويه: التقاطا: أي فجأة، وهو من المصادر التي وقعت أحوالا، نحو جاء ركضا. ووردت الماء والشيء التقاطا: إذا هجمت عليه بغتة، ولم تحتسبه. وحكى ابن الأعرابي: لقيته لقاطًا: مواجهة. وفي حديث عمر أن رجلا من تميم التقط شبكة، فطلب أن يجعلها له. الشبكة: الآبار القريبة الماء. والتقاطه: عثوره عليها من غير طلب. اه. وقال في (فرط): وفراطا القطا: متقدماتها إلى الوادي والماء. وأنشد البيت ونسبه إلى نقادة الأسدي. (وفي غطط): والغطاط القطا، بفتح الغين. وقيل: ضرب من القطا، واحدته:غطاطة. وقيل القطا: ضربان؛ فالقصار الأرجل، الصفر الأعناق، السود القوام. الصهب الخوافي هي الكدرية والجونية (بضم أولهما) والطوال الأرجل، البيض البطون، الغبر الظهور، الواسعة العيون: هي الغطاط. وقيل: الغطاط: ضرب من الطير، ليس من القطا، هن غبر البطون والظهور والأبدان، سود الأجنحة. وقيل: سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف. اه. وانظر أقوالا أخرى في (اللسان: غطط). والبيت الأول في (معجم ما استعجم للبكري طبعة القاهرة بترتيب مصطفى السقا ص 779). وفي الكتاب لسيبويه (1: 186).

التدبر :

وقفة
[8] ﴿فَالتَقَطَهُ آلُ فِرعَونَ﴾ لا تفرح بكل ما تجده فى طريقك، فقد يكون وبالًا عليك: ﴿لِيَكونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾
وقفة
[8] ﴿فَالتَقَطَهُ آلُ فِرعَونَ لِيَكونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ لا يعلم الغيب إلا الله.
وقفة
[8] ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ أحرقوا قلب الأم بالحزن على طفلها؛ فأحرق الله قلوبهم بطفل كان السبب في حزن مملكة بأكملها.
عمل
[8] ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ ما يأتيك فجأة وبدون مقابل أو طلب؛ فاخْشَ منه واحذره.
وقفة
[8] ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ تدبير الظالم يؤول إلى تدميره.
وقفة
[8] ﴿فَالتقطه آلُ فرعون لِيكون لهم عدوا وحزنا إِنَّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خَاطِئِينَ﴾ لا يغني حذر من قدر، كم حذر فرعون ظهور الحق! وكم قتل وذبح وظلم لمنعه! لكن مشيئة الله أن يتربى موسى حيث كان رأس الظلم ومنبع الشر وأصل الباطل، فيظهر الحق شامخًا بأمر عزيز مقتدر.
لمسة
[8] ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ اللام للتعليل، أي أن الله ألهم آل فرعون ليلتقطوه ليكون لهم عدوًا وعقوبة على ظلمهم، أو هي لام العاقبة والصيرورة، أي أن الوليد الذي التقطوه سيكون سبب القضاء على ملكهم وسلطانهم.
وقفة
[8] ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ سنة الله بالبشر لن تتغير، فالأضداد لا يمكن أن يلتقوا، فالمنحرف لن ينجذب إليه إلا المنحرف، فبينهم كيمياء متفاعلة.
وقفة
[8] ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ لا فرق في حكم الله بين الطغاة وجنودهم إذا أعانوهم على طغيانهم.
وقفة
[8] ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ الثلاثة في الخطأ سواء فرعون الملك، وهامان الوزير، وسائر الجند، لعنة الظلم حين تحل على الجميع!
وقفة
[8] ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ قال أبو حيان في البحر المحيط: «أضيف الجند إلى فرعون وهامان، وإن كان هامان لا جنود له؛ لأن أمر الجنود لا يستقيم إلا بالملك والوزير، إذ بالوزير تحصل الأموال، ولا يكون قوام الجند إلا بالأموال».
وقفة
[8] ﴿إِنَّ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما كانوا خاطِئينَ﴾ حكم العقل قبل أى قرار.

الإعراب :

  • ﴿ فَالْتَقَطَهُ:
  • الفاء عاطفة. التقطه: فعل ماض معطوف على فعل مقدر يدل عليه السياق مبني على الفتح والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ آلُ فِرْعَوْنَ:
  • فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. فرعون: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف -التنوين-للعجمة.
  • ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ:
  • اللام حرف جر للتعليل أو هي لام العاقبة بمعنى الصيرورة وليست للتعليل أي انّ معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم الى الالتقاط‍ أن يكون لهم عدوا وحزنا ولكن المحبة والتبني هذا ما ذكره كشاف الزمخشري وأضاف أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك ضربته ليتأدب. وأن هذه اللام استعيرت لما يشبه التعليل. يكون: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل-لام كي-أو بمعنى لأن يكون وعلامة نصب الفتحة واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بمفعول له. وجملة «يكون لهم عدوا» صلة إِنَّ» المضمرة لا محل لها. و إِنَّ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بالتقطه.
  • ﴿ عَدُوًّا وَحَزَناً:
  • خبر «يكون» منصوب بالفتحة. وحزنا: معطوفة بالواو على عَدُوًّا» وتعرب اعرابها بمعنى: سبب حزن لهم لأن الكلمة حَزَناً» مصدر و عَدُوًّا» اسم فحذف المضاف المنصوب «سبب» وحل محله المضاف اليه «حزن» فنصب.
  • ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. فرعون:اسم إِنَّ» منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهامان: معطوف بالواو على فِرْعَوْنَ» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة وهما ممنوعان من الصرف.
  • ﴿ وَجُنُودَهُما:
  • معطوفة بالواو على فِرْعَوْنَ وَهامانَ» منصوبة مثلهما بالفتحة.والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. و «ما» للتثنية. أو تكون الميم علامة جمع الذكور والألف علامة التثنية.
  • ﴿ كانُوا خاطِئِينَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر إِنَّ» كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. خاطئين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: متعمدين للخطيئة فهم مجرمون. ويجوز أن يكون «حزن» لغة في «حزن» والجملة من «ان فرعون مع خبرها» لا محل لها لأنها اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولَمَّا خافتْ أمُّ موسى عليه من فرعون، وألهمَها اللهُ أن تضعَه في صندوقٍ، وتلقيه في نهرِ النيل؛ فعلت ما أمرها اللهُ به؛ فالتقطَهُ آلُ فرعونَ، وكان إهلاكُهم على يده، قال تعالى:
﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

حزنا:
1- بفتح الحاء والزاى، وهى لغة قريش، وبها قرأ الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الحاء وإسكان الزاى، وهى قراءة ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وابن سعدان.

مدارسة الآية : [9] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ ..

التفسير :

[9] ولمَّا شاهدته امرأة فرعون ألقى الله محبته في قلبها، وقالت لفرعون:هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك، لا تقتلوه؛ فقد نصيب منه خيراً أو نتخذه ولداً، وفرعون وآله لا يدركون أن هلاكهم على يديه.

فلما التقطه آل فرعون، حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة "آسية "بنت مزاحم "وَقَالَتِ "هذا الولد{ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} أي:أبقه لنا، لِتقرَّ به أعيننا، ونستر به في حياتنا.

{ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي:لا يخلو، إما أن يكون بمنزلة الخدم، الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه منزلة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا، ونكرمه، ونجله.

فقدَّر اللّه تعالى، أنه نفع امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه اللّه وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي اللّه عنها وأرضاها.

قال اللّه تعالى هذه المراجعات [والمقاولات] في شأن موسى:{ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ما جرى به القلم، ومضى به القدر، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله، شأن آخر.

وقوله- سبحانه-: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى- عليه السلام-.

قال الجمل: وامرأة فرعون هي: آسيا بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم .

ويكفى في مدحها قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

أى: وقالت امرأة فرعون بعد أن أخرج موسى من التابوت، ورأته بين أيدى فرعون وآله: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أى: هذا الطفل هو قرة عين لي ولك، أى: هو محل السرور والفرح لعيني ولعينك يا فرعون.

فالجملة الكريمة كناية عن السرور به، إذ لفظ قُرَّتُ مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار، وذلك لأن العين إذا رأت ما تحبه، استقر نظرها عليه، وانشغلت به عن غيره.

ثم أضافت إلى ذلك قولها لا تَقْتُلُوهُ والخطاب لفرعون وجنده.

ثم عللت النهى عن قتله بقولها: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا في مستقبل حياتنا، فنجني من ورائه خيرا.

أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً لنا، فإن هيئته وصورته تدل على النجابة والجمال واليمن وهكذا شاءت إرادة الله- تعالى-، أن تجعل امرأة فرعون، سببا في إنقاذ موسى من القتل، وفي أن يعيش في بيت فرعون، ليكون له في المستقبل عدوا وحزنا.

وقوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ جملة حالية، أى: فعلوا ما فعلوا والحال أنهم لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يديه.

والظاهر أن هذه الجملة من كلام الله- تعالى-، وليست حكاية لما قالته امرأة فرعون.

وقوله تعالى : ( وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ) يعني : أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفا من أن يكون من بني إسرائيل فجعلت امرأته آسية بنت مزاحم تحاج عنه وتذب دونه ، وتحببه إلى فرعون ، فقالت : ( قرة عين لي ولك ) فقال : أما لك فنعم ، وأما لي فلا . فكان كذلك ، وهداها الله به ، وأهلكه الله على يديه ، وقد تقدم في حديث الفتون في سورة " طه " هذه القصة بطولها ، من رواية ابن عباس مرفوعا عن النسائي وغيره .

وقوله " : ( عسى أن ينفعنا ) ، وقد حصل لها ذلك ، وهداها الله به ، وأسكنها الجنة بسببه . وقولها : ( أو نتخذه ولدا ) أي : أرادت أن تتخذه ولدا وتتبناه ، وذلك أنه لم يكن لها ولد منه .

وقوله تعالى : ( وهم لا يشعرون ) أي : لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه ، من الحكمة العظيمة البالغة ، والحجة القاطعة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9)

يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا(قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا, أو هو. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون, قال فرعون: أما لك فنعم, وأما لي فلا فكان كذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال: قالت امرأة فرعون: ( قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) قال فرعون: قرّة عين لك, أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ, لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا ".

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: اتخذه فرعونُ ولدا, ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا, فبينما هي ترقصه

وتلعب به، إذ ناولته فرعون, وقالت: خذه، قرّة عين لي ولك, قال فرعون: هو قرّة عين لكِ, لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به, ولكنه أَبَى.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك: موسى.

حدثنا العباس بن الوليد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبح بن يزيد, قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون: يكون لكِ, فأما لي فلا حاجة لي فيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ, لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ, وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ".

وقوله: ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده.

* ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته:

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه, فأخذ موسى بلحيته فنتفها, قال فرعون: علي بالذباحين, هو هذا! قالت آسية ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) إنما هو صبيّ لا يعقل, وإنما صَنع هذا من صباه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته.

وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه, وفي زمانه.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني سفيان, عن معمر, عن قَتادة (أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: إن هلاكهم على يديه.

حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) بما هو كائن من أمرهم وأمره.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: قالت امرأة فرعون آسية: ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول الله: وهم لا يشعرون أي: بما هو كائن بما أراد الله به.

وقال آخرون: بل معنى قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه.

* ذِكر من قال ذلك.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيل أنَّا التقطناه.

والصواب من القول في ذلك, قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به؛ لأنه عقِيب قوله: ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) وإذا كان ذلك عقبه, فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره.

التدبر :

وقفة
[9] ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ من يريده الله لنفسه يضع محبته بين عباده فتأنس به النفوس، وتقر به العيون لأن الله اختاره وقربه.
وقفة
[9] ﴿وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه﴾ المرأة الحصيفة تُمهِّد بعبارات لطيفة قبل طلباتها.
وقفة
[9] عندما تحاك المؤامرات ضد بلد أو مجتمع أو فرد يجب أن يقوم العقلاء رجالًا ونساء بما يقدرون عليه لمنع الإفساد أو التخفيف منه؛ كل حسب طاقته ومكانته، تدبر أثر موقف امرأة فرعون عندما أرادوا قتل موسى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ﴾، وتأمل أثر موقف أعقل أولاد يعقوب عندما تمالؤوا على قتل يوسف: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ [يوسف: 10]، فلا عذر لأحد مهما كان موقعه لا يقوم بواجبه.
وقفة
[9] ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا﴾ تفاءلتْ آسية فنجت، ألْقِ آمالك في بحر التفاؤل.
وقفة
[9] مهما كان جبروت زوجك، فطيب خطابك ومنطق حوارك يثنيه ﴿وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا﴾.
وقفة
[9] ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ وإنما أمرها الله بإرضاعه لتقوى بُنيته بلبان أمه؛ فإنه أسعد بالطفل في أول عمره من لبان غيرها، وليكون له من الرضاعة الأخيرة -قبل إلقائه في اليمّ- قوت يشد بنيته فيما بين قذفه في اليم وبين التقاط آل فرعون إياه، وإيصاله إلى بيت فرعون.
وقفة
[9] ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ امرأة حكيمة عاقلة استطاعت التأثير على طاغية جبار!
تفاعل
[9] سل الله تعالى أن يجعل زوجتك وذريتك قرة عين لك ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
اسقاط
[9] تأمل في روعة هذا الخطاب: متانةً ورقةً وإقناعًا: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، ثم انظر كيف أثر في أعظم طاغية عرفه التاريخ البشري؟ فأين نساؤنا ورجالنا عن هذا الهدي القرآني الرفيع؟
اسقاط
[9] ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ أن تكون زوجتك قرة عينك وأنت قرة عينها، مطلب من مطالب الزواج، لا أن تختلفا كل يوم.
لمسة
[9] ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ قال الآلوسي: «وعدلت عن قولها (لنا) إلى قولها: (لِّي وَلَكَ) لتفخيم شأن القرة، وقدمت نفسها عليه لما تعلم من مزيد حب فرعون إياها، وأن مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه، فيكون ذلك أبلغ في ترغيبه بترك قتله».
وقفة
[9] ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ مغاليق القلوب لا تنفتح إلا لمن أذن الله له، فيُلقي الله محبتك في قلوب الخلق إن أحبَّك وقرَّبك.
وقفة
[9] قالت امرأة فرعون: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ من خذلان الله لفرعون أن دعاء زوجته بقرار العين تضمن: ١-عزلت نفسها عنه؛ فلم تقل: (لنا). ٢- بدأت بنفسها وهو يسمع.٣ - ذكرت قرار العين مع نفسها فقط ولم تكرر الفعل؛ فلم تقل: (وقرة عين لك) فكأن له الفضلة في قرار العين.
وقفة
[9] ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ﴾ طيب فرعون الطاغية خاطر زوجته، ولكن كثيرًا من الفراعنة لم يفعلوا.
وقفة
[9] قالت امرأة فرعون: ﴿قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا﴾ بسبب حلمها ورقة كلامها؛ أقنعت زوجها، وأنهت جدالها، وتفاءلت بمستقبلها، وصدقها ربها.
وقفة
[9] ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ إذا أراد الله بعبد خيرًا ألقى في قلوب من حوله مشجعات ومحفزات يبذلون بسببها الخير له.
وقفة
[9] ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ كم سيكون ثقل هذه الكلمة في ميزان آسيا بنت مزاحم، أنجت بها أعظم ثالث رجل في تاريخ العالم، لا تستهن بكلمة حق.
وقفة
[9] أمه: ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [7]، أمه الثانية: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾، أخته: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: 40]، زوجته: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [26]؛ لا يوجد رجل عظيم ليس للنساء يد فيه!
وقفة
[9] ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ كانت سبب بسلامة موسى من القتل؛ وجود الصالحين بين المفسدين حفظ وأمان للشعوب.
عمل
[9] ﴿عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا﴾ بالفَألِ كانت نجاتُها، فتفاءلْ وثقْ بربِّكَ.
وقفة
[9] ﴿عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا﴾ بفطرته علم أن الإكرام مجلبة لنفع المستقبل، والبعض يظن أن ابنه لن يبره إلا إذا أهانه وقسا عليه في صغره.
وقفة
[9] ﴿عسى أن ينفعنا﴾ أسلوب اﻹقناع والحوار لو أن الزوجين استخدما هذا اﻷسلوب في قضاياهما لما نشأت المشكلات.
وقفة
[9] ﴿عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ فقَدَّر الله تعالى أنه نفع امرأة فرعون التي قالت تلك المقالة؛ فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبًّا شديدًا، فلم يزل لها بمنْزلة الولد الشفيق حتى كبر، ونبأه الله وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي الله عنها وأرضاها.
وقفة
[9] ﴿عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا﴾ قيلت في النبيين الكريمين يوسف وموسى عليهما السلام، كلاهما عاشا في مصر، وكلاهما تربيا في القصر، وكلاهما عاشا في عائلة لا تنجب، وكلاهما رميا، فيوسف رمي في الجب وموسى رمي في اليم.
وقفة
[9] قيل إن فرعون وافق على بقاء موسى لرغبة زوجته، ورغبة ابنته التي كانت برصاء، ورأت في منامها أن شفاءها بشيء يخرج من البحر، فلما جاء موسى أخذت من ريقه ووضعته على جلها فشفيت، وتمسكتا به، فوافق فرعون على ذلك، وفي هذا إشارة إلى تأثير الزوجة والولد على صاحب الأمر، لأجل هذا نزه الله تعالى نفسه عن ذلك، أن يؤثر عليه أحد، وتكون هناك مراكز قوى تغير من أمره كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: 3].

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ:
  • الواو عاطفة. قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. امرأة: فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. فرعون: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-للعجمة.
  • ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به-مقول القول- قرة: خبر مبتدأ محذوف بدليل قراءة ابن مسعود لا تقتلوه قرة عين لي ولك أي هذا أو هو قرة عين لي ولك بمعنى: هذا تسلية لي ولك. عين: مضاف اليه مجرور بالاضافة. وعلامة جره الكسرة. لي: جار ومجرور متعلق بصفة لقرة عين. ولك: معطوفة بالواو على لِي».وتعرب اعرابها
  • ﴿ لا تَقْتُلُوهُ:
  • لا: ناهية جازمة. تقتلوه: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الهاء ضمير متصل -ضمير المخاطب-في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا:
  • عسى: فعل ماض تام مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. ان: حرف مصدري ناصب. ينفعنا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة يَنْفَعَنا» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها. و أَنْ» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لعسى. وجملة عَسى» مع الفاعل ابتدائية لا محل لها.
  • ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً:
  • أو: حرف عطف للتخيير. نتخذه: معطوفة على يَنْفَعَنا» والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن. والهاء ضمير متصل -ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. ولدا: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. لا:نافية لا عمل لها. يشعرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا يَشْعُرُونَ» في محل رفع خبر هُمْ» بمعنى: وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه لأنه سيكون سبب هلاكهم.'

المتشابهات :

يوسف: 21﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ
القصص: 9﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا التقطَهُ آلُ فرعونَ وأخرجوه من الصندوق؛ حَنَّنَ اللهُ عليه امرأةَ فرعون آسيةَ بنتَ مُزاحِمٍ، وألقى في قلبِها محبتَه، قال تعالى:
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [10] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ..

التفسير :

[10] وأصبح فؤاد أم موسى خالياً من كل شيء في الدنيا إلا من همِّ موسى وذكره، وقاربت أن تُظهِر أنه ابنها لولا أن ثبتناها، فصبرت ولم تُبْدِ به؛ لتكون من المؤمنين بوعد الله الموقنين به.

ولما فقدت موسى أمه، حزنت حزنا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا من القلق الذي أزعجها، على مقتضى الحالة البشرية، مع أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها برده.

{ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي:بما في قلبها{ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فثبتناها، فصبرت، ولم تبد به.{ لِتَكُونَ} بذلك الصبر والثبات{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك، على أن استمرار الجزع مع العبد، دليل على ضعف إيمانه.

ثم صورت السورة الكريمة تصويرا بديعا مؤثرا، ما كانت عليه أم موسى من لهفة وقلق، بعد أن فارقها ابنها، فقال- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ... أى: وبعد أن ألقت أم موسى به في اليم، والتقطه آل فرعون، وعلمت بذلك أصبح قلبها وفؤادها خاليا من التفكير في أى شيء في هذه الحياة، إلا في شيء واحد وهو مصير ابنها موسى- عليه السلام-.

وفي هذا التعبير ما فيه من الدقة في تصوير حالتها النفسية، حتى لكأنها صارت فاقدة لكل شيء في قلبها سوى أمر ابنها وفلذة كبدها.

قال ابن كثير: قوله- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وقتادة.... وغيرهم .

وإِنْ في قوله- تعالى-: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وتبدى بمعنى تظهر، من بدا الشيء يبدو بدوا وبداء إذا ظهر ظهورا واضحا.

والضمير في بِهِ يعود إلى موسى- عليه السلام-.

أى: وصار فؤاد أم موسى فارغا من كل شيء سوى التفكير في مصيره، وإنها كادت لتصرح للناس بأن الذي التقطه آل فرعون، هو ابنها، وذلك لشدة دهشتها وخوفها عليه من فرعون وجنده.

وجواب الشرط في قوله- تعالى-: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها محذوف دل عليه ما قبله.

أى: لولا أن ربطنا على قلبها بقدرتنا وإرادتنا. بأن ثبتناه وقويناه، لأظهرت للناس أن الذي التقطه آل فرعون هو ابنها.

وأصل الربط: الشد والتقوية للشيء. ومنه قولهم فلان رابط الجأش، أى: قوى القلب.

وقوله- تعالى-: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ علة لتثبيت قلبها وتقويته، فهو متعلق بقوله:

رَبَطْنا.

أى: ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله- تعالى-، وأنه سيرد إليها ابنها، كي تقر عينها ولا تحزن.

يقول تعالى مخبرا عن فؤاد أم موسى ، حين ذهب ولدها في البحر ، إنه أصبح فارغا ، أي : من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو عبيدة ، والضحاك ، والحسن البصري ، وقتادة ، وغيرهم .

( إن كادت لتبدي به ) أي : إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد ، وتخبر بحالها ، لولا أن الله ثبتها وصبرها ، قال الله تعالى : ( لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين)

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)

اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا, فقال بعضهم: الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا: كل شيء سوى ذكر ابنها موسى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن العلاء, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: ثنا الأعمش, عن مجاهد, وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فرغ من كلّ شيء إلا من ذكر مُوسى.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فارغًا من كلّ شيء إلا من ذكر موسى.

حدثنا محمد بن عمارة, قال: ثنا عبد الله, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن رجل, عن ابن عباس ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فارغا من كلّ شيء إلا من همّ موسى.

حدثنا عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: يقول: لا تذكر إلا موسى.

حدثنا محمد بن عمارة, قال: ثنا عبد الله, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: من كل شيء غير ذكر موسى.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فرغ من كل شيء، إلا من ذكر موسى.

حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي, قال: ثنا ضمرة بن ربيعة, عن ابن شوذب, عن مطر, في قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فارغا من كل شيء، إلا من هم موسى.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ): أي: لاغيًا من كلّ شيء, إلا من ذكر موسى.

حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فرغ من كلّ شيء، غير ذكر موسى.

وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها، , إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها, فقال الله عز وجل: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) من وحينا الذي أوحيناه إليها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) قال: فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر, ولا تخاف ولا تحزن، قال: فجاءها الشيطان, فقال: يا أمّ موسى, كرهت أن يقتل فرعون موسى, فيكون لك أجره وثوابه، وتولَّيت قتله, فألقيتيه في البحر وغرقتيه, فقال الله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) من الوحي الذي أوحاه إليها.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر بن عبد الله, قال: ثني الحسن, قال: أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها, والوعد الذي وعدناها أن نردَّ عليها ابنها, فنسيت ذلك كله, حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر, هل تسمع له بذكر؟ حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت, فعرفت الصفة, ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه, وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه، قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه.

وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) من الحزن, لعلمها بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ (2) أي لا قود ولا دية; وهذا قول لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: معناه: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) من كلّ شيء، إلا من همّ موسى.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لدلالة قوله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ) ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي، لم يعقب بقوله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي, فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه, وولوعها به. ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة.

وإذا كان ذلك كذلك، بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحي إليها. وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب, ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء, فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه: " وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَازِعًا " من الفزع.

وقوله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله: (بِهِ) فقال بعضهم: هي من ذكر موسى, وعليه عادت.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: ثنا الأعمش, عن مجاهد وحسان أبي الأشرس, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) أن تقول: يا ابناه.

قال: ثني يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) أن تقول: يا ابناه.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) أن تقول: يا ابناه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) أي: لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما جاءت أمه أخذ منها, يعني الرضاع, فكادت أن تقول: هو ابني, فعصمها الله, فذلك قول الله ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ).

وقال آخرون: بِما أوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا: أي تظفر.

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنياه؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك, وأنه عقيب قوله: ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ) فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى, لقربه منه, أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.

وقال بعضهم: بل معنى ذلك (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي) بموسى فتقول: هو ابني. قال: وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلى فرعون, وقيل: ابن فرعون. وعنى بقوله: (لتُبْدِي بِهِ) لتظهره وتخبر به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ): لتشعر به.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) قال: لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين.

وقوله: ( لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ) يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: قال الله ( لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ): أي بالإيمان ( لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: كادت تقول: هو ابني, فعصمها الله, فذلك قول الله: ( إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ).

وقوله: ( لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها, وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها( لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بوعد الله, الموقنين به.

------------------------

الهوامش:

(2) في (اللسان: فرغ) يقال: ذهب دمه فرغًا وفرغًا (بفتح الفاء وكسرها مع سكون الراء) أي باطلا هدرًا، لم يطلب به

.

التدبر :

وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ فقد جزء من النفس وقطعة من الروح صعب، فمكانه لن يسده أحد، وفراغه لن يشغله أحد، فتبقى النفس ترقب رجوعه.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ فارغًا من كل شيء وعن كل شيء، إلا من ذكر ابنها, وأقوال السلف تدور على هذا، فمن أراد أن يعرف قلب الأم من داخله حين يفارقها ولدها فليقرأ هذه الآية.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ مع أنها في بيتها وتأكل من طعامها، لكن إذا اضطربت الروح لم يستقر البدن.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ فإذا كان فؤاد من فقدت ابنها أصبح فارغًا، فكيف بمن فقد الله!
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ ترحل بي هذه الآية إلى البعيد البعيد، الرب العظيم ينقل مشاعر امرأة حزينة.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ الفراغ أدق تعبير يعبر عن حالة الخوف، أنني أشعر بفراغ فيزيائي في قلبي عند الرعب.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ بعد ساعات قليلة من فراقه، ومع وعد الله لها، أي قلوب هي قلوب الأمهات.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ كل القلوب ستملأ الفراغ الذي أحدثه فقدك، إلا قلب أمك.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ الأم بدون أبنائها منخورة الفؤاد؛ لجوفها صفير.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ إن الله يقدِّر على عبده بعض المشاق، لينيله سرورًا أعظم من ذلك، أو يدفع عنه ‏شرًّا أكثر منه.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾ قوة عاطفة الأمهات تجاه أبنائهن.
وقفة
[10] ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا﴾ لا تلوموا أمهات المعتقلين، أفئدتهم فارغة من كل شيء حتى يعود الأبناء، فإذا عادوا حدثهم عما تشاء.
وقفة
[10] ﴿وأصبح فؤاد أمِّ موسى فارغاً﴾ ما أقدس وأرق قلب الأم! فرغم: ﴿إنا رادوه إليكِ﴾ [7]؛ إلا أن فقد الولد أفرغ القلب من الوعد، اللهم لا تفرِّق بين أم وولدها.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ قلب امرأة يطوى حزنا عميق، يلتفت إليه الله ويصفه بدقة متناهية، ويرحم حال قلب لوعة الفراق: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ [13]، فلا أرحم من الله بنا.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ كل من فقدك قد يسكن قلبه غيرك؛ إلا أمك، فلا يعوضها عن فقدك إلا وجودك؛ فأشفقوا على قلوب أمهاتكم.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ هذا حال قلب من فقد حبيبه؛ فكيف بحال قلب من فقد ربه وخالقه؟!
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ لا تجرح فؤاد أمك بما تفعله بنفسك؛ لأنها ترى أن فؤادها هو أنت!
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ لن تجد شخصًا يحمل همَّك مثل أمِّك، قال ابن كثير: «أصبح فارغًا من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى».
وقفة
[10] ما الفرق بين لفظ الفؤاد والقلب في القرآن؟ الجواب باختصار: القلب في سياق المسائل العقلية العلمية: ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب﴾ [ق: 37]، ﴿أم لهم قلوب يعقلون بها﴾ [الحج: 46]، والفؤاد في سياق المسائل العاطفية الرقيقة: ﴿وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغًا﴾.
وقفة
[10] ما لا تود التحدث به؛ فلا تملأ قلبك تفكيرًا به، وإلا سيغلبك ويخرج، ولو كنت كارهًا ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ فارغًا من كل شيء إلا موسي.
وقفة
[10] ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها﴾ تأمل (فارغًا) يا ﷲ! هذا حال قلب أمك إذا تأخرت عليها.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ تأملوا عظمة الموقف! وعظمة التعبير عنه! حين نفقد من نحب تفرغ قلوبنا إلا منه.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف إيمانه.
وقفة
[10] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قيل: فارغًا من كل شيء إلا من ذكر موسى.
وقفة
[10] ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ كادت من لهفتها أن تقول: «يا ابناه»، شغف الأم بولدها يسطره القرآن، يا ويلهم أزواج يحرمون مطلقاتهم من رؤية أبنائهن.
وقفة
[10] ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ بعض المصائب ينفتح لهولها القلب، فيرحم الله عبده برباط، فما أضعف العبد! وما أرحم الرب!
وقفة
[10] ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَاأَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ كل أطراف الحياة لو اجتمعت لتطمئن خوفك ما أسكنت رعشة واحدة، وحده الله أمان وملاذ وسكينة.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ أمر القلوب هو الذي لا يملكه صاحبه، ولا سلطان عليه، فإن سار فلا يستطيع ايقافه إلا أن تداركه رحمة ربه.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ وربطنا على قلوبهم، لولا ربط الله على القلوب، لتساقط الثقات عند الفتن.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ حين تشعر بحاجة قلبك كحاجة العضو الواهن للشد عليه، لا تبحث عن مخلوق تشكو إليه أو حضن ترتمي فيه، قل: يا رب، اربط على قلبي.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ لولا أن الله ربط على قلبها لذهب عقلها، ولا سلطان لأحد على قلب أحد إلا الله.
وقفة
[10] ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾ أحداث الحياة تعرِّض قلوبنا للتمزق والتشظي والشَّتات، الله وحده من يربط عليها.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ الرحمن يداوي قلب المرأة ويتولاه بحفظ خاص لشدة ضعفه وتأثره وسرعة الكسر إليه، خاصة إذا حرم فلذة كبده وقرة عينه.
عمل
[10] قد يتمزق قلبك من أمور الحياة أو مفارق الأحباب، ليس البشر أو الخواطر والرسائل تربطه، ادع ربك أن يربط على قلبك ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾.
وقفة
[10] عن فتية الكهف: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ [الكهف: 14]، وفي المطر يوم بدر: ﴿وليربط على قلوبكم﴾ [الأنفال: 11]، وعن أم موسى: ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾، ما الربط على القلب؟ ولم هذا التعبير؟ لنتأملها: الربط على قلوبهم يتضمن: الشد عليها بالصبر والتثبيت، وتقويتها وتأييدها بنور الإيمان، حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش، وفروا بدينهم إلى الكهف، والربط على القلب عكس الخذلان، فالخذلان حَلَّهُ من رباط التوفيق، فيغفل عن ذكر ربه، ويتبع هواه، ويصير أمره فرطًا، والربط على القلب شده برباط التوفيق، فيتصل بذكر ربه، ويتبع مرضاته، ويجتمع عليه شمله.
وقفة
[10] صور ثبات بعضهم على نحوٍ قد لا تستطيع تصوره لشدته، قد لا يفسرها لك إلا قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾.
تفاعل
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ادع الله تعالى أن يربط على قلبك، ويثبتك في السراء والضراء.
وقفة
[10] ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الصبر عند المصائب منة من الله تعالى، فاسأل الله إياها.
وقفة
[10] ﴿لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين﴾ إذا استحكم الهمُّ وعظُم اليأس فلا رابط للقلب سوى اليقين والإيمان.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤادُ:
  • الواو عاطفة. أصبح: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. فؤاد: اسم أَصْبَحَ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ أُمِّ مُوسى فارِغاً:
  • أم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. موسى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-وقدرت الحركة على الألف للتعذر. فارغا: خبر أَصْبَحَ» منصوب بالفتحة بمعنى: خاليا من العقل خوفا على ابنها من وقوعه في يد فرعون.
  • ﴿ إِنْ كادَتْ:
  • إن: مخففة من «انّ» الثقيلة. مهملة لا عمل لها لدخولها على جملة فعلية. كادت: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والتاء تاء التأنيث لا محل لها.
  • ﴿ لَتُبْدِي بِهِ:
  • اللام فارقة وهي نفسها اللام المزحلقة للتوكيد سميت فارقة لأنها تفرق وتميز بين إِنْ» المخففة من «انّ» الثقيلة وبين إِنْ» النافية. تبدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي والجملة الفعلية «تبدي به» في محل نصب خبر «كاد».به: جار ومجرور متعلق بتبدي بمعنى: لتصحر به أي تظهر به. أي بموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها.
  • ﴿ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا:
  • لولا: حرف شرط‍ غير جازم-حرف امتناع لوجود- وحذف جوابه لتقدم معناه و إِنْ» حرف مصدري. ربط‍: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة رَبَطْنا» صلة إِنْ» المصدرية لا محل لها. و إِنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ خبره محذوف وجوبا والجملة من المبتدأ مع خبره المحذوف ابتدائية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ عَلى قَلْبِها:
  • جار ومجرور متعلق بربطنا و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى: لولا أن ثبتناها بإلهام الصبر. أو لولا أن طمأنا قلبها وسكنا قلقه.
  • ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • اللام حرف جر للتعليل. تكون: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد اللام واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي. من المؤمنين: جار ومجرور متعلق بخبر «تكون» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. وجملة لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» صلة إِنْ» المضمرة لا محل لها. و إِنْ» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بربطنا. بمعنى: لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا أخْبَرَ اللهُ عَنْ حالِ مَن لَقِيَهُ؛ أخْبَرَ هنا عَنْ حالِ مَن فارَقَهُ، فذكرَ ما كانت عليه أمُّ موسى من لهفةٍ وقلقٍ، حتى كادتْ أن تُظْهِرَ أنَّه ولدُها؛ فصبَّرَها اللهُ، قال تعالى:
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فؤاد:
وقرئ:
فواد، بالواو، وهى قراءة أحمد بن موسى.
فارغا:
وقرئ:
1- فزعا، بالزاي والعين المهملة، من الفزع، وهى قراءة فضالة بن عبيد، والحسن، ويزيد بن قطيب، وأبى زرعة بن عمرو بن جرير.
2- قرعا، بالقاف، وكسر الراء، من: قرع، وهو انحسار الشعر، وهى قراءة ابن عباس.
3- قرعا، بالقاف وسكون الراء، من القارعة، وهى: الهم العظيم، ورويت لابن عباس أيضا.
4- فزغا، بالفاء مكسورة وسكون الزاى، والغين المنقوطة، ومعناه: ذاهبا هدرا تالفا، وهى قراءة بعض الصحابة.
5- فرغا، بضم الفاء والراء، وهى قراءة الخليل بن أحمد.

مدارسة الآية : [11] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ ..

التفسير :

[11] وقالت أم موسى لأخته حين ألقته في اليم:اتَّبِعي أثر موسى كيف يُصْنَع به؟ فتتبعت أثره فأبصرته عن بُعْد، وقوم فرعون لا يعرفون أنها أخته، وأنها تتبع خبره.

{ وَقَالَتِ} أم موسى{ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي:اذهبي [فقصي الأثر عن أخيك وابحثي عنه من غير أن يحس بك أحد أو يشعروا بمقصودك فذهبت تقصه]{ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي:أبصرته على وجه، كأنها مارة لا قصد لها فيه.

وهذا من تمام الحزم والحذر، فإنها لو أبصرته، وجاءت إليهم قاصدة، لظنوا بها أنها هي التي ألقته، فربما عزموا على ذبحه، عقوبة لأهله.

ثم بين- سبحانه- ما فعلته أم موسى بعد ذلك فقال: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. أى لم تسكت أم موسى بعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له، بل قالت لأخت موسى قُصِّيهِ أى تتبعى أثره وخبره وما آل إليه أمره. يقال: قص فلان أثر فلان فهو يقصه، إذا تتبعه، ومنه القصص للأخبار المتتبعة.

والفاء في قوله- سبحانه-: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ هي الفصيحة. والجنب:

الجانب.

أى: فقصت أخت موسى أثره، فأبصرته عن جانب منها، وكأنها لا تريد أن تطلع أحدا على أنها تبحث عن أخيها. وتتبع أثره والجار والمجرور حال من الفاعل، أى: بصرت به مستخفية كائنة عن جنب.

قال الآلوسى: عَنْ جُنُبٍ أى عن بعد، وقيل عن شوق إليه.. وقال الكرماني جُنُبٍ صفة لموصوف محذوف، أى عن مكان جنب بعيد وكأنه من الأضداد، فإنه يكون بمعنى القريب- أيضا- كالجار الجنب. وقيل على جانب.. وقيل: النظر عن جنب، أن تنظر الشيء كأنك لا تريده .

والتعبير بقوله- تعالى- فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يشعر بأن أخت موسى أبصرت أخاها إبصارا فيه مخادعة لآل فرعون، حتى لا تجعلهم يشعرون بأنها تبحث عنه.

ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أى: وهم- أى آل فرعون- لا يشعرون أنها أخته تبحث عنه وتتبع أخباره.

أي : أمرت ابنتها - وكانت كبيرة تعي ما يقال لها - فقالت لها : ( قصيه ) أي : اتبعي أثره ، وخذي خبره ، وتطلبي شأنه من نواحي البلد . فخرجت لذلك ، ( فبصرت به عن جنب ) ، قال ابن عباس : عن جانب .

وقال مجاهد : ( فبصرت به عن جنب ) : عن بعيد .

وقال قتادة : جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده .

وذلك أنه لما استقر موسى ، عليه السلام ، بدار فرعون ، وأحبته امرأة الملك ، واستطلقته منه ، عرضوا عليه المراضع التي في دارهم ، فلم يقبل منها ثديا ، وأبى أن يقبل شيئا من ذلك . فخرجوا به إلى سوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته ، فلما رأته بأيديهم عرفته ، ولم تظهر ذلك ولم يشعروا بها .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)

يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتْ) أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم (قُصّيهِ) يقول: قصي أثر موسى, اتبعي أثره, تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( لأخْتِهِ قُصِّيهِ ) قال: اتبعي أثره كيف يصنع به.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد (قُصِّيهِ) أي قصي أثره.

حدثنا ابن حميد, ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ ) قال: اتبعي أثره.

حدثنا بشر بن معاذ, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ ) أي انظري ماذا يفعلون به.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ ) يعني: قصي أثره.

حدثني العباس بن الوليد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ ) أي قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا, أحيّ ابني أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه؟ونسيتِ الذي كان الله وعدها. وقوله: ( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ) يقول تعالى ذكره: فقصت أخت موسى أثره, فبصرت به عن جُنُب: يقول فبصرت بموسى عن بُعد لم تدن منه ولم تقرب, لئلا يعلم أنها منه بسبيل، يقال منه: بصرت به وأبصرته, لغتان مشهورتان , وأبصرت عن جنب, وعن جنابة, كما قال الشاعر:

أَتَيْــتُ حُرَيْثًـا زَائِـرًا عَـنْ جَنَابَـةٍ

فَكَـانَ حُـرَيْثُ عَـنْ عَطَـائِي جَاحِدَا (3)

يعني بقوله: عن جنابة: عن بُعد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (عَنْ جُنُبٍ) قال: بُعد.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد (عَنْ جُبٍ) قال: عن بُعد. قال ابن جُرَيج (عَنْ جُنُبٍ) قال: هي على الحدّ في الأرض, وموسى يجري به النيل وهما متحاذيان كذلك تنظر إليه نظرة, وإلى الناس نظرة, وقد جعل في تابوت مقير ظهره وبطنه, وأقفلته عليه.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي سفيان, عن معمر, عن قَتادة: ( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ) يقول: بصرت به وهي محاذيته لم تأته.

حدثني العباس بن الوليد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: ثني القاسم بن أبي أيوب, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ) والجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد, وهو إلى جنبه لا يشعر به.

وقوله: ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: وقوم فرعون لا يشعرون بأخت موسى أنها أخته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال: آل فرعون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أنها أخته, قال: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أنها أخته.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أي لا يعرفون أنها منه بسبيل.

------------------------

الهوامش:

(3) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة ص 65) قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي، وقد صغر اسمه تحقيرًا له وذمًا. وعن جنابة عن بعد وغربة. ورجل جنب أيضًا: يعني غريب. والجاحد: الذي ينكر ما يعلم. جحده حقه، وبحقه. قاله في اللسان. والشاهد في البيت "عن جنابة" ومعناه: عن بعد.

.

التدبر :

وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ﴾ لن تجد كأختك رقة وعذوبة حين تبحث عنك، هنيئًا لمن له أخت.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ أختك تقتحم الأهوال من أجلك، هل تعرف ماذا يعني أن يكون لك أخت؟!
عمل
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ تأمَّل حرصَهَا على ابنِها مع أنَّ اللهَ قد تكفَّلَ بحفظِه، لا تلُمْ أمَّكَ في زيادةِ حرصِها عليكَ، قلبُها العظيمُ لا يتحملُ.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ ما الغرض من التعبير القرآني بلفظ (لأخته) دون أن يقال: (لبنتها)؟ قال أبو السعود: «للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالأمر».
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ الثقة بوعد لا تتعارض مع الركض نحو أهدافنا والكفاح من أجلها.
وقفة
[11] ﴿وَقالَت لِأُختِهِ قُصّيهِ﴾ البنت سر أمها.
عمل
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ لا تتبرم من قلق أمك عليك وملاحقتها لأخبارك، أم موسى وعدها الله؛ وهي مع ذلك تتقصى.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾، ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [35] في المواقف الصعبة والشدائد ستجد إخوانك وأخواتك هم من تستطيع الاتكاء والاعتماد عليهم.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾، ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [35] في صغره وقفتْ معه أخته، وفي كبره أخوه، وإنْ بلَغتَ مقام النبوة لا غنى لك عن دفء الأخوة.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ لن يتفقدك ويبحث عنك ليطمئن عليك مثل أختك؛ فاحرص أن تكسب ودها؛ فلن تجد من يتقصي أمرك مثلها.
وقفة
[11] ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ قال ابن حجر عن أخته: «كانت قارئة، كاتبة، وهى أمى بعد أمى، كانت بي برة رفيقة محسنة».
وقفة
[11] تعلمنا سورة القصص: أن للمرأة دورًا في حياة العظماء، أمًّا كانت أو أختًا أو زوجة، فهنيئًا لمن أدَّت وظيفتها على أكمل وجه ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾.
وقفة
[11] البنت البارة تشارك أهلها همومهم، وتساهم فى حلها، فإن كلفها ذلك بعض المخاطر استعانت بالله وتسلحت بالحذر ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
لمسة
[11] ﴿قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ﴾، ولم يقل (قصيه فقصته فبصرت به) وهو يدل على سرعة في الامتثال، وتلهف على معرفة حال موسى عليه السلام.
وقفة
[11] ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾ معناها: رأته، ولكن معنى الإبصار يختلف عن معنى الرؤية، فالإبصار أنها رأته دون أن يرى أحد أنها رأته، وهذا عكس الرؤيا، بدليل قول الله تعالى عن السامري: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: 96].
وقفة
[11] ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ فتاة صغيرة تخترق نظام مراقبة شديد، عندما يريد الله شيئًا تصاب إمكانيات البشر بالعطب.
وقفة
[11] ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ قال المراغي: «أي وهم لا شعور لهم بما خبأه لهم القدر، وبما يؤول إليه أمرهم معه من عظائم الأمور التي تؤدي إلى هلاكهم، وإنما علم ذلك لدي علام الغيوب».
وقفة
[7-11] إن العبد ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد الله نافذ لا بد منه، فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي أُمِرَ بها، ولا يكون ذلك منافيًا لإيمانه بخبر الله؛ فإن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك اجتهدت في رده، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَتْ لِأُخْتِهِ:
  • الواو عاطفة. قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. لأخته: جار ومجرور متعلق بقالت والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ قُصِّيهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الياء ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به بمعنى: اتبعي أثره وتتبعي خبره.
  • ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ:
  • الفاء استئنافية أو سببية. بصرت: تعرب اعراب قالَتْ» به: جار ومجرور متعلق ببصرت. عن جنب: جار ومجرور متعلق بحال من ضمير «بصرت» بمعنى: فنظرت اليه عن بعد.
  • ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة. بمعنى: وهم لا يحسون بها أو بأنها أخته.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     وبعد بيان قلق أمِّ موسى؛ بَيَّنَ اللهُ هنا ما فعَلَتْه لتطمئن عليه، فأمرت أختَه أن تراقبَ الصُّندوق، وتنظر أين يُلقيه النيل، وقوم فرعون لا يعرفون أنها أخته، قال تعالى:
﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

جنب:
1- بضمتين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الجيم وسكون النون، وهو الجانب، وهى قراءة قتادة، والحسن، والأعرج، وزيد بن على.
3- بفتحهما، ورويت عن قتادة أيضا.
4- بضم الجيم وإسكان النون، وهى قراءة الحسن أيضا.
5- جانب، وهى قراءة النعمان بن سالم.

مدارسة الآية : [12] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ..

التفسير :

[12] وحرَّمنا على موسى المراضع أن يرتضع منهن مِن قبل أن نردَّه إلى أمه، فقالت أخته:هل أدلكم على أهل بيت يحسنون تربيته وإرضاعه، وهم مشفقون عليه؟ فأجابوها إلى ذلك.

ومن لطف اللّه بموسى وأمه، أن منعه من قبول ثدي امرأة، فأخرجوه إلى السوق رحمة به، ولعل أحدا يطلبه، فجاءت أخته، وهو بتلك الحال{ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}

وهذا جُلُّ غرضهم، فإنهم أحبوه حبا شديدا، وقد منعه اللّه من المراضع فخافوا أن يموت، فلما قالت لهم أخته تلك المقالة، المشتملة على الترغيب، في أهل هذا البيت، بتمام حفظه وكفالته والنصح له، بادروا إلى إجابتها، فأعلمتهم ودلتهم على أهل هذا البيت.

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر حكمته وقدرته وتدبيره لأمر موسى كي يعود إلى أمه، فقال- تعالى-. وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ....

والمراد بالتحريم هنا: المنع، والمراضع: جمع مرضع- بضم الميم وكسر الضاد- وهي المرأة التي ترضع.

أى: ومنعنا موسى بقدرتنا وحكمتنا من أن يرضع من المرضعات وكان ذلك من قبل أن تعلم بخبره أمه وأخته.

قال ابن كثير: قوله- تعالى-: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ أى: تحريما قدريا، وذلك لكرامة الله له، صانه عن أن يرتضع غير ثدي أمه، لأنه- سبحانه- جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه، لترضعه وهي آمنة بعد أن كانت خائفة.. .

وقوله- سبحانه-: فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ حكاية لما قالته أخت موسى لفرعون وحاشيته، والاستفهام للتحضيض.

أى: وبعد أن بصرت أخت موسى به عن جنب، ورأت رفضه للمراضع، وبحثهم عمن يرضعه، قالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أى: يقومون بتربيته وإرضاعه من أجل راحتكم وراحته، وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أى: وهم لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وغذائه، ولا يقصرون فيما يعود عليه بالخير والعافية.

قال الله تعالى : ( وحرمنا عليه المراضع من قبل ) أي : تحريما قدريا ، وذلك لكرامة الله له صانه عن أن يرتضع غير ثدي أمه ; ولأن الله - سبحانه - جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه ، لترضعه وهي آمنة ، بعدما كانت خائفة . فلما رأتهم [ أخته ] حائرين فيمن يرضعه قالت : ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه ) لكم وهم له ناصحون .

قال ابن عباس : لما قالت ذلك أخذوها ، وشكوا في أمرها ، وقالوا لها : وما يدريك نصحهم له وشفقتهم عليه ؟ فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظئورة الملك ورجاء منفعته . فأرسلوها ، فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم ، ذهبوا معها إلى منزلهم ، فدخلوا به على أمه ، فأعطته ثديها فالتقمه ، ففرحوا بذلك فرحا شديدا . وذهب البشير إلى امرأة الملك ، فاستدعت أم موسى ، وأحسنت إليها ، وأعطتها عطاء جزيلا وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة ، ولكن لكونه وافق ثديها . ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه ، فأبت عليها وقالت : إن لي بعلا وأولادا ، ولا أقدر على المقام عندك . ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت . فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك ، وأجرت عليها النفقة والصلات والكساوي والإحسان الجزيل . فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية ، قد أبدلها الله من بعد خوفها أمنا ، في عز وجاه ورزق دار . ولهذا جاء في الحديث : " مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير ، كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل : يوم وليلة ، أو نحوه ، والله [ سبحانه ] أعلم ، فسبحان من بيديه الأمر! ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجا ، وبعد كل ضيق مخرجا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)

يقول تعالى ذكره: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه، ذكر أن أختا لموسى هي التي قالت لآل فرعون: ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: أرادوا له المرضعات, فلم يأخذ من أحد من النساء, وجعل النساء يطلبن ذلك لينـزلن عند فرعون في الرضاع, فأبى أن يأخذ, فذلك قوله: ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ ) أخته ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) فلما جاءت أمه أخذ منها.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ) قال: لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ) قال: كان لا يؤتى بمرضع فيقبلها.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ) قال: لا يرضع ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ) قال: جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها, قال: (فَقَالَتْ) أخته ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ).

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: جمعوا المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه, فلا يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فيرمضهم (4) ذلك, فيؤتي بمرضع بعد مرضع, فلا يقبل شيئا منهنّ(فَقَالَتْ) لهم أخته حين رأت من وجدهم به, وحرصهم عليه ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ) , ويعني بقوله: ( يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ): يضمونه لكم. وقوله: ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) ذكر أنها أخذت, فقيل: قد عرفته, فقالت: إنما عنيت أنهم للملك ناصحون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما قالت أخته ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) أخذوها, وقالوا: إنك قد عَرَفت هذا الغلام, فدلينا على أهله, فقالت: ما أعرفه, ولكني إنما قلت: هم للملك ناصحون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) قال: فعلقُوها حين قالت: وهم له ناصحون, قالوا: قد عرفته, قالت: إنما أردت هم للملك ناصحون.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) أي لمنـزلته عندكم, وحرصكم على مسرّة الملك, قالوا: هاتي.

------------------------

الهوامش:

(4) ‌في (اللسان: رمضى) والرمض: حرقة الغيظ. وقد أرمضني هذا الأمر، فرمضت. ويقال: أرمضني: أوجعني.

التدبر :

وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ قد يحرم الله عليك كل الأوطان ليعود لك وطنك الأصلي.
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ أرأيت الأشياء السهلة المقدورة؟! والله إن لم يردها الله فستكون من المستحيلات، وإليه يرجع الأمر كله.
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ قال ابن عاشور: «هو تحريم تكويني، أي: قدرنا في نفس الطفل الامتناع من التقام أثداء المراضع وكراهيتها؛ ليضطر آل فرعون إلى البحث عن مرضع يتقبل ثديها».
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ أن الله قد يحرمك ما تريد، ليعطيك فوق ما تريد.
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ قد يحجب الله عنك خيرًا تراه، فإذا بخير أعظم يساق إليك من باب الحجب، ما أعظم رحمة الله بالعباد!
اسقاط
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ غير الله سنة كونية لأجل أم! لكي تقر عينها ولا تحزن؛ أفلا تغير أنت جدول مواعيدك وبعض خططك لأجل أمك؟!
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ قد يحجب الله عنك خيرًا تراه، فإذا بخير أعظم يساق إليك من باب الحجب.
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ عجز بيت فرعون عن إرضاع طفل، «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ» [الترمذي 2516، وصححه الألباني].
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ أمر ظاهره الهلاك ولكن عاقبته أن يرجع الطفل إلى أحضان أمه، إياك أن تيأس.
وقفة
[12] لكي يرجع موسي لأمه قال الله: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾، إذا اراد الله شيئًا هيئ أسبابه؛ وإلا فطفل جائع ضائع كيف يعاف الرضاع؟!
وقفة
[12] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ كانوا فى الصباح باهتمام كيف يقتلونه؟! وأمسوا وهم فى جهد كيف يعدونه؟! هذا تدبير الله.
وقفة
[12] تُغلق أمامك أبواب كثيرة، وأنت ربما لا تستغني عنها ‏﴿وحَرّمنا عليه المراضعَ من قبل﴾؛‏ ليُفْتح لك الباب المناسب. ﴿فقالت هل أدلّكم على أهل‏ بيت يكفلونه﴾.
وقفة
[12] ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ من التصرف الحكيم أن تبرز حاجة الأخرين في أمر تريده منهم، من غير أن تشعرهم بحاجتك.
وقفة
[12] ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ جواز استخدام الحيلة المشروعة للتخلص من ظلم الظالم.
وقفة
[12] ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: «فأخذوها فقالوا: ما يدريك ما نصحهم له وشفقتهم عليه؟ هل تعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك، فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك رجاء منفعة، فأرسلوها».
وقفة
[12] ﴿فَقالَت هَل أَدُلُّكُم عَلى أَهلِ بَيتٍ يَكفُلونَهُ لَكُم وَهُم لَهُ ناصِحونَ﴾ المحاضنُ المأمومة ينبغي أن تُسوِّق لنفسها، فالمنافس الفاسدُ كثير!
وقفة
[12] ﴿فَقالَت هَل أَدُلُّكُم عَلى أَهلِ بَيتٍ يَكفُلونَهُ لَكُم وَهُم لَهُ ناصِحونَ﴾ حنان الأخت الكبرى على إخوتها الأصغر منها يقارب حنان الأم نفسها وعطفها.
وقفة
[12] لما كان صغيرًا قالت أخته: ﴿هل أدلكم﴾، ولما كبر قال: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي﴾ [طه: 29، 30]؛ دور أخته سبق دور أخيه.
وقفة
[12] ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ عَدَل ربنا عن الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية، وذلك لتأكيد أن النصح بالنسبة لأم موسى وابنتها هو من سجاياهم ومما ثبت لهم، ولذلك لم يقل ربنا: (وينصحون له)، كما قال: ﴿يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾؛ لأن الكفالة أمر سهل يستطيع أن يقوم به أي امرئ منهم بحفظ وكفالة ما يعول، وأما النصح والعناية فهو أمر أعقد وأشد، يحتاج إلى دراية ودقة وحنكة.
وقفة
[12، 13] ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ حرَّم الله على موسى المراضع؛ ليعطيه ما هو خير ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ﴾، قد يكون منع الله ﷻ لك عطاء.
وقفة
[12، 13] قد يُحرمك الله شيئًا وتتألم ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾، والسبب لأنه خبأ لك الأفضل، فلا يريدك أن تنشغل بغيره ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَحَرَّمْنا:
  • الواو عاطفة. حرم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بمعنى: ومنعنا. استعير التحريم للمنع لأنه بمعناه.
  • ﴿ عَلَيْهِ الْمَراضِعَ:
  • جار ومجرور متعلق بحرمنا. المراضع: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وهي جمع «مرضع» أي المرأة التي ترضع. أو جمع «مرضع» وهو موضع الرضاع أي الثدي فامتنع موسى من الرضاعة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ:
  • جار ومجرور متعلق بحرمنا. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن. أي من قبل قص أخته أثره.
  • ﴿ فَقالَتْ:
  • الفاء عاطفة. قالت: فعل ماض مبني على الفتح معطوف على فعل مضمر بمعنى فامتنع فقالت والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها.
  • ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ:
  • هل: حرف استفهام لا عمل له. أدلكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. الكاف ضمير متصل- ضمير المخاطبين-في محل نصب مفعول به والميم علامة الجمع.
  • ﴿ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأدلكم. بيت: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ:
  • الجملة الفعلية: في محل جر صفة-نعت-لأهل بيت- وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب في محل نصب مفعول به. لكم: اللام حرف جر والكاف ضمير المخاطبين في محل جر باللام والميم علامة جمع الذكور والجار والمجرور متعلق بيكفلونه بمعنى: يقومون بأمره لأجلكم.
  • ﴿ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية في محل نصب حال. هم: ضمير منفصل-ضمير الغائبين في محل رفع مبتدأ. له: جار ومجرور متعلق بخبر هُمْ» ناصحون: خبر هُمْ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والضمير في لَهُ» يعود الى موسى كما عنت أو أرادت أخته وفيه تورية حسنة أرادت أنهم لفرعون ناصحون دفعا لاتهامها بمعرفته.'

المتشابهات :

يوسف: 11﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
القصص: 12﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا استقرَ موسى عليه السلام في بيت فرعون؛ منعَه اللهُ أن يقبلَ ثديًا غير ثدي أمه، وهنا اقترحت أختُه عليهم أهل بيت يحسنون تربيته وإرضاعه، قال تعالى:
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ ..

التفسير :

[13] فرددنا موسى إلى أمه؛ كي تَقَرَّ عينها به، ووفينا لها بالوعد؛ إذ رجع إليها سليماً مِن قتل فرعون، ولا تحزنَ على فراقه، ولتعلم أن وعد الله حق فيما وعدها مِن ردِّه إليها وجعله من المرسلين. إن الله لا يخلف وعده، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حق

{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} كما وعدناها بذلك{ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} بحيث إنه تربى عندها على وجه تكون فيه آمنة مطمئنة، تفرح به، وتأخذ الأجرة الكثيرة على ذلك،{ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فأريناها بعض ما وعدناها به عيانا، ليطمئن بذلك قلبها، ويزداد إيمانها، ولتعلم أنه سيحصل وعد اللّه في حفظه ورسالته،{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فإذا رأوا السبب متشوشا، شوش ذلك إيمانهم، لعدم علمهم الكامل، أن اللّه تعالى يجعل المحن الشاقة والعقبات الشاقة، بين يدي الأمور العالية والمطالب الفاضلة، فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند آل فرعون، يتربى في سلطانهم، ويركب مراكبهم، ويلبس ملابسهم، وأمه بذلك مطمئنة، قد استقر أنها أمه من الرضاع، ولم يستنكر ملازمته إياها وحنوها عليها.

وتأمل هذا اللطف، وصيانة نبيه موسى من الكذب في منطقه، وتيسير الأمر، الذي صار به التعلق بينه وبينها، الذي بان للناس أنه هو الرضاع، الذي بسببه يسميها أُمَّا، فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله، صدقا وحقا.

وقوله- سبحانه-: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ معطوف على كلام محذوف، والتقدير: فسمعوا منها ما قالت، ودلتهم على أمه، فرددناه إليها، كي يطمئن قلبها وتقر عينها برجوع ولدها إليها، ولا تحزن لفراقه.

ولتعلم أن وعد الله- تعالى- حق، أى: أن وعده- سبحانه- لا خلف فيه، بل هو كائن لا محالة.

وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة حق العلم، ولذا يستعجلون الأمور، دون أن يفطنوا إلى حكمته- سبحانه- في تدبير أمر خلقه.

وبذلك نرى هذه الآيات قد صاغت لنا بأبلغ أسلوب، جانبا من حياة موسى- عليه السلام-، ومن رعاية الله- تعالى- له، وهو ما زال في سن الرضاعة.

ثم قص علينا- سبحانه- جانبا من حياة موسى- عليه السلام- بعد أن بلغ أشده واستوى، فقال- تعالى-:

ولهذا قال تعالى : ( فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ) أي : به ، ( ولا تحزن ) أي : عليه : ( ولتعلم أن وعد الله حق ) أي : فيما وعدها من رده إليها ، وجعله من المرسلين . فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين ، فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعا وشرعا .

وقوله : ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : حكم الله في أفعاله وعواقبها المحمودة ، التي هو المحمود عليها في الدنيا والآخرة ، فربما يقع الأمر كريها إلى النفوس ، وعاقبته محمودة في نفس الأمر ، كما قال تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) [ البقرة : 216 ] وقال تعالى : ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) [ النساء : 19 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13)

يقول تعالى ذكره: (فَرَدَدْنَا) موسى (إِلَى أُمِّهِ) بعد أن التقطه آل فرعون, لتقرّ عينها بابنها, إذ رجع إليها سليما من قَتل فرعون (وَلا تَحْزَن) على فراقه إياها( وَلِتَعْلَمَ &; 19-535 &; أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ ) الذي وعدها إذ قال لها فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي ... الآية,(حقّ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ) فقرأ حتى بلغ ( لا يَعْلَمُونَ ) ووعدها أنه رادّه إليها وجاعله من المرسلين, ففعل الله ذلك بها.

وقوله: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حقّ, لا يصدقون بأن ذلك كذلك.

التدبر :

وقفة
[13] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [10] قلب امرأة يطوي حزنًا عميقًا يلتفت إليه الله ويصفه بدقة متناهية، ويرحم حال قلب لوعة الفراق: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾، فلا أرحم من الله بنا!
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ﴾ رحمته وهو العظيم في جلاله، لا تغيب حتى في أنفس علاقة، علاقة الأم بولدها، فكيف برحماته لو جاهدت بالعروة الوثقى?! إلى أقدس علاقة، علاقة العبد بربه.
عمل
[13] قد يحرمك الله شيئًا ليعطيك ما هو أحسن منه، حرَّم الله على موسى المراضع ثم أكرمه بـ ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ﴾، فلا تحزن، وتفاءل بالخير.
وقفة
[13] ليس بين قوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ [7]، وقوله: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ﴾ إلا يقين بموعود الله.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾، ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: 26]، ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ﴾ [الأحزاب: 51] ألم تر أن كل هذه الآيات عن النساء! ألم تلحظ أن قرار أعينهن عزيز عند الله!
اسقاط
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ الوالدان يأملان أن يكون أبناءهما قرة عين لهم؛ فهل نحن قرة عين لوالدينا؟!
عمل
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ لا تغب عنها كثيرًا، فإن ذلك يؤلمها ويحزنها، من له والدة فليتابعها بالزيارة والاتصال.
اسقاط
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ ربك العظيم الجليل يرد الوليد إلى أمه كي لا تحزن؛ فكيف تجرؤ أنت وتحزن أمك؟!
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ كل ما رأته أم موسي في الكون لم يملأ عينها حتي رأت ابنها، فرحم الله أعين الأمهات.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ الرب الرحيم يُرجع الطفل حتى لا تحزن أمه، فواهًا لمن جرَّع أمه غصص الحزن وفارقها بلا مبرر شرعي.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ الدنيا كلها عند الأم لا تساوي رؤية ولدها.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ الله أرحم بنا من الناس أجمعين، فهو الذي يعرف مصدر ألمنا، ويعرف كيف يخففه بالوقت الذي يريد.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ من أجمل اللحظات التي تقر عين أمك عودتك بعد غياب وشعورها بقربك منها.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ غيابه يجعل عيناها مضطربة قلقة كأنها تبحث عنه تتعجل عودته ويشقى به القلب، لا يرحل حزنها إلا برؤيته.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ بدون الأم لن تكتمل مقومات الحياة.
وقفة
[13] ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ قد يتأخر الفرج أو يتعجل! قال ابن كثير: «ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل: يوم وليلة»، وقد يتأخر الفرج لعشرات السنين كما حدث في عودة يوسف لأبيه يعقوب عليها السلام، وكما تأخر الفرج لأيوب بعد أن لازمه مرضه سنين عديدة.
وقفة
[13] الحمد لله ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾، لا شيء عند الأم يساوي (رؤية الولد)!
عمل
[13] ﴿فَرَدَدناهُ إِلى أُمِّهِ كَي تَقَرَّ عَينُها وَلا تَحزَنَ وَلِتَعلَمَ أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ لا بد أن تستوقفك أنعم الله عليك، فتقف عليها متأملًا متدبرًا مدركًا لأسباب حدوثها وشاكرًا لها.
وقفة
[13] ﴿كي تقر عينها ولا تحزن﴾ إذا هدأت العين برد القلب.
عمل
[13] ﴿كيْ تقرَّ عينُها ولا تحزن﴾ سعادة الأم وأنسها بوجود أبنائها حولها، فاتَّقِ الله يا من تعاقب زوجتك السابقة بحرمانها منهم ومنعها من رؤيتهم.
وقفة
[13] ﴿تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ أي: لأجل أن تستقر عينها, لما رأي الله عين أم موسي عليه السلام رحم حالها فرد عليها ولدها, فما أرحم الله بعباده! فارحم اللهم أعين أمهاتنا.
وقفة
[13] ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ لتعلم أم موسی ونعلم جميعًا! قال ابن كثير: «أي: في ما وعد من رده إليها، وجعله من المرسلين، فحينئذٍ تحققت برده إليها بإنه كائن من المرسلين».
وقفة
[13] ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ تحقيق وعد الله واقع لا محالة.
وقفة
[13] ﴿إنَّ وعد الله حقٌّ﴾ أي لا شكَّ فيه، وهذا مما يُعين على الصبر؛ فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملًا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسَّر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.
تفاعل
[13] ﴿وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾ اللهم اجعلنا من عبادك القليل.

الإعراب :

  • ﴿ فَرَدَدْناهُ:
  • الفاء عاطفة. ردد: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به. أي فأرجعناه.
  • ﴿ إِلى أُمِّهِ:
  • جار ومجرور متعلق برددناه. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب- في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها:
  • كي: حرف جر للتعليل. تقر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد كَيْ» وعلامة نصبه الفتحة. عين: فاعل مرفوع بالضمة. و«ها» ضمير متصل-ضمير الغائبة-في محل جر بالاضافة. و أَنَّ» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بكي والجار والمجرور متعلق برددناه. وجملة تَقَرَّ عَيْنُها» صلة «أن» لا محل لها.
  • ﴿ وَلا تَحْزَنَ:
  • الواو عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. تحزن معطوفة على تَقَرَّ» منصوبة مثلها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. بمعنى: كي تسر وتفرح ولا تحزن. وتعرب اعراب تَقَرَّ».
  • ﴿ وَلِتَعْلَمَ:
  • الواو عاطفة. اللام حرف جر للتعليل. تعلم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. وجملة «تعلم» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. و أَنَّ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق برددناه.
  • ﴿ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:
  • أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. وعد: اسم أَنَّ» منصوب بالفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. حق: خبر أَنَّ» مرفوع بالضمة و أَنَّ» وما بعدها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «تعلم».
  • ﴿ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ:
  • الواو استئنافية. لكن: حرف مشبه بالفعل. اكثر: اسم لكِنَّ» منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بمعنى ولكن أكثر الناس.
  • ﴿ لا يَعْلَمُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر لكِنَّ» لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى لا يعلمون أنه حق فيخافون.'

المتشابهات :

طه: 40﴿إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ
القصص: 13﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا وافقوا على اقتراح أخته؛ جاء هنا الوفاء بالوعد، وردَّ اللهُ موسى عليه السلام لأمِّه، قال تعالى:
﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف