149152153154155156157

الإحصائيات

سورة الأنعام
ترتيب المصحف6ترتيب النزول55
التصنيفمكيّةعدد الصفحات23.00
عدد الآيات165عدد الأجزاء1.17
عدد الأحزاب2.35عدد الأرباع9.40
ترتيب الطول5تبدأ في الجزء7
تنتهي في الجزء8عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 2/14الحمد لله: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (152) الى الآية رقم (153) عدد الآيات (2)

بقيةُ الوصايا العشرِ: 6- المحافظةُ على مالِ اليتيمِ. 7- إيفاءُ الكيلِ والميزانِ بالقسطِ. 8- العدلُ في القولِ أو الحكمِ. 9- الوفاءُ بالعهدِ. 10- اتباعُ الصراطِ المستقيمِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (154) الى الآية رقم (157) عدد الآيات (4)

لَمَّا ذَكَرَ اللهُ الصِراطَ المُستقيمَ أتْبَعَه بالحديثِ عن كتابِ موسَى عليه السلام لأنَّ التكاليفَ المذكورةَ ثابتةٌ إلى قيامِ القيامةِ، وأنَّ إنزالَ التوراةِ والقرآنِ حجَّةٌ على المشركينَ، فلم يعدْ لهم عذرٌ، كيفَ وهذا الكتابُ بينَ أيديِهِم؟

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأنعام

التوحيد الخالص في الاعتقاد والسلوك/ مجادلة المشركين في إثبات التوحيد والرسالة والبعث/ قذائف الحق

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إذًا كيف هذا؟ وما علاقة هذا بالأنعام؟:   الأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم. والمشركون من العرب اعترفوا بوجود الله، وكانوا ينظرون للأنعام على أنها الثروة الأساسية وعصب الحياة، فهي الأكل والشرب والمواصلات والثروة. تعامل المشركون من العرب مع الأنعام على أنها تخصهم ولا علاقة لله تعالى بها بزعمهم، فأحلوا وحرموا بعضِ الزروعِ والأنعامِ، وجعلوا لله جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام، يقدمونه للمساكين وللضيوف، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء للأوثان والأنصاب، ومثل ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها، وتركوها لآلهتهم وامتنعوا عن نحرها وركوبها، وسموها "بحيرة"، وسموا أخرى "سائبة" وأخرى "وصيلة".
  • • ما العلاقة بين الأنعام وبين سورة تتحدث عن توحيد الله؟:   الله هو الذي خلق الأنعام، وسخرها للإنسان؛ وبالتالي فهو وحده المشرع للأحكام المتعلقة بها.فالتوحيد ليس معناه أنْ يقول المرء في نفسه أنا أوحّد الله وواقع حياته لا يشهد بذلك. وكثير من الناس يوحّدون الله اعتقادًا؛ فهو يجزم بهذا الأمر، ولا مجال للنقاش أو الشك في توحيده لله عزّ وجلْ، ولكن إذا تأملنا واقع حياته، وهل يطبق شرع الله تعالى في كل تصرفاته؟؛ فإننا سنجد أنّ الأمر مختلف. توحيد الله تعالى لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل لا بد من توحيده في كل تصرفاتنا وحياتنا اليومية.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأنعام»
  • • معنى الاسم ::   النَّعَمُ: واحد الأنعام، والأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم.
  • • سبب التسمية ::   لأنها عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، وتكرر فيها لفظ (الأنعام) 6 مرات، (أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ)، وجاءت بحديث طويل عنها استغرق 15 آية (من 136 إلى 150).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة الحجة»، وتسمى الأنعام والأعراف: «الطُّولَيَيْن» (أي: أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن توحيد الله لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل يجب أن يشمل الاعتقاد والسلوك.
  • • علمتني السورة ::   أن توحيد الله تعالى أجلى حقائق الكون وأوضحها، وأن المنكر لذلك معاند مكابر.
  • • علمتني السورة ::   أن الله أرحم بنا من أي أحد، ولذا عرفنا بنفسه، وأرسل لنا رسله، وأنزل علينا كتبه، ووعظنا بأحوال السابقين حتى لا نلقي مصيرهم.
  • • علمتني السورة ::   الأنعام أن الاستغفار من أسباب رفع البلاء وتخفيفه؛ لأن البلاء ينزل بالذنوب: ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأنعام من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة. • عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «الْأَنْعَامُ مِنْ نَوَاجِبِ الْقُرْآنِ».
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ: الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا: هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة مكية في ترتيب المصحف.
    • نزلت جملة واحدة.
    • تعتبر من أطول السور المكية بعد سورة الأعراف؛ لذا توصف الأنعام والأعراف بـ: (الطُّولَيَيْن).
    • هي أطول سورة في مُحَاجَّةِ المشركين لإثبات عقيدة التوحيد.
    • تكرر فيها لفظ (الأنعام) ست مرات، وهي أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ.
    • تكررت فيها كلمة (قل) 44 مرة، وهي أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ.
    • أنها أجمع سورة لأحوال العرب في الجاهلية.
    • تضمنت أكثر الآيات في مُحَاجَّةِ المشركين لإثبات عقيدة التوحيد.
    • ذكرت أسماء 18 رسولًا -من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن- في أربع آيات (الآيات 83-86)، وهي بذلك تكون أكثر سورة ذُكِرَ فيها أسماء الأنبياء، تليها سورة الأنبياء حيث ذُكِرَ فيها أسماء 16 نبيًا.
    • اختصت بذكر (الوصايا العشر) التي نزلت في كل الكتب السابقة (الآيات 151- 153).
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: «البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل».
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نوحد الله في الاعتقاد والسلوك، ولا نكون كمشركي العرب في فعلهم في الأنعام.
    • أن نُكْثِر من حمد الله سبحانه، فإن حمد الله وشكره من أعظم العبادات التي تقرب إلى الله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...﴾ (1).
    • أن نكثر من طاعات السر: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ (3).
    • أن نأخذ العظة والعبرة من الأمم السابقة: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (6).
    • ألا نحزن إذا استهزأ بنا أحد، ونتذكر الرسل من قبلنا: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ (10).
    • أن نردد عند الهم بمعصية: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (15).
    • ألا نحزن إذا فاتنا شيء من أمور الدنيا، ونعلق همنا بالآخرة: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (32).
    • ألا نستغرب تكذيب الناس عندما ندعوهم إلى الخير؛ فإن الناس قد كذبت المرسلين: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾ (34).
    • ألا نغتر بما يفتح الله به علينا، فليس كل عطية علامة على رضاه: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ (44)، فالفتح الوارد ذكره هنا ثمرة للعصيان، وهو استدراج؛ كما قال r: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ r: «﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ...﴾».
    • أن نبين لمن حولنا حقيقة الكهان والعرافين والمنجمين: ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّـهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ (50).
    • أن نشكر الله دائمًا على نعمه علينا: ﴿اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ (53).
    • أن نسعى في الصلح بين شخصين أو فئتين متنازعتين: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ (65).
    • أن نتجنب الجلوس في مجالس أهل الباطل واللغو، ولا نعود لهم إلا في حال إقلاعهم عن ذلك: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ (68).
    • أن نسأل الله الثبات على دينه حتى نلقاه: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾ (71).
    • أن نقتدي بأبينا إبراهيم عليه السلام الذي واجه ضلال قومه بثبات ويقين: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (74).
    • أن نتنزّل مع الخصوم أثناء النقاش والحوار معهم: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي﴾ (77). • أن نقتدي بالأنبياء: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (90).
    • أن نلزم الوحي من الكتاب والسنة الصحيحة، ولا نستبدل بهما شيئًا آخر: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ (106).
    • ألا نسب آلهة الذين كفروا حتى لا يسبوا الله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (108).
    • احرص على إطابة مطعمك بأن تأكل المذبوحات التي ذُكِرَ عليها اسم الله، وتترك ما عدا ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ (121). • ادع الله تعالى أن يشرح صدرك للحق حيث كان: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ (125).
    • أن نحترس من مجرد الاقتراب من المعاصي؛ فالاقتراب بداية الوقوع: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ﴾ (151)، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ (152).
    • أن نقبل على كتاب الله متدبرين متعظين بما فيه؛ حتى ننال من بركته وخيره: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (155).

تمرين حفظ الصفحة : 149

149

مدارسة الآية : [152] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ ..

التفسير :

[152] ولا تقربوا أيها الأوصياء مال مَن مات أبوه وهو صغير إلا بالحال التي تصلح بها أمواله ويَنْتَفِع بها، حتى يصل إلى سن البلوغ ويكون راشداً، فإذا بلغ ذلك فسلموا إليه ماله، وأوفوا الكيل والوزن بالعدل الذي يكون به تمام الوفاء. وإذا بذلتم جهدكم فلا حرج عليكم

{ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} بأكل، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم، أو أخذ من غير سبب.{ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي:إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم، وينتفعون بها. فدل هذا على أنه لا يجوز قربانها، والتصرف بها على وجه يضر اليتامى، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة،{ حَتَّى يَبْلُغَ} اليتيم{ أَشُدَّه} أي:حتى يبلغ ويرشد، ويعرف التصرف، فإذا بلغ أشده، أُعطي حينئذ مالُه، وتصرف فيه على نظره. وفي هذا دلالة على أن اليتيم -قبل بلوغ الأشُد- محجور عليه، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ، وأن هذا الحجر ينتهي ببلوغ الأشُد.{ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} أي:بالعدل والوفاء التام، فإذا اجتهدتم في ذلك، فـ{ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي:بقدر ما تسعه، ولا تضيق عنه. فمَن حرَص على الإيفاء في الكيل والوزن، ثم حصل منه تقصير لم يفرط فيه، ولم يعلمه، فإن الله عفو غفور . وبهذه الآية ونحوها استدل الأصوليون، بأن الله لا يكلف أحدا ما لا يطيق، وعلى أن من اتقى الله فيما أمر، وفعل ما يمكنه من ذلك، فلا حرج عليه فيما سوى ذلك.{ وَإِذَا قُلْتُمْ} قولا تحكمون به بين الناس، وتفصلون بينهم الخطاب، وتتكلمون به على المقالات والأحوال{ فَاعْدِلُوا} في قولكم، بمراعاة الصدق فيمن تحبون ومن تكرهون، والإنصاف، وعدم كتمان ما يلزم بيانه، فإن الميل على من تكره بالكلام فيه أو في مقالته من الظلم المحرم. بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع، فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبُعدها منه. وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين، في لحظه ولفظه.{ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد من القيام بحقوقه والوفاء بها، ومن العهد الذي يقع التعاقد به بين الخلق. فالجميع يجب الوفاء به، ويحرم نقضه والإخلال به.{ ذَلِكُمْ} الأحكام المذكورة{ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ما بينه لكم من الأحكام، وتقومون بوصية الله لكم حق القيام، وتعرفون ما فيها، من الحكم والأحكام.

والوصية السادسة تأتى في مطلع الآية الثانية فتقول: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.

أى: لا تقربوا مال اليتيم الذي فقد الأب الحانى، ولا تتعرضوا لما هو من حقه بوجه من الوجوه إلا بالوجه الذي ينفعه في الحال أو المآل، كتربيته وتعليمه، وحفظ ماله واستثماره.

وإذن، فكل تصرف مع اليتيم أو في ماله لا يقع في تلك الدائرة- دائرة الأنفع والأحسن- محظور، ومنهى عنه.

قال بعض العلماء: وكثيرا ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشيء، وضابطه بالاستقراء: أن كل منهى عنه كان من شأنه أن تميل إليه النفوس وتدفع إليه الأهواء النهى فيه عن «القربان» ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم، وكان من ذلك في الوصايا السابقة النهى عن الفواحش، ومن هذا الباب وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ولا تَقْرَبُوا الزِّنى وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ إلخ.

أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها ولا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيها أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه. ومن ذلك في الوصايا السابقة الشرك بالله، وقتل الأولاد، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، فإنها وإن كان الفعل المنهي عنه فيها أشد قبحا وأعظم جرما عند الله من أكل مال اليتيم وفعل الفواحش، إلا أنها ليست ذات دوافع نفسية يميل إليها الإنسان بشهوته، وإنما هي في نظر العقل على المقابل من ذلك، يجد الإنسان في نفسه مرارة من ارتكابها، ولا يقدم عليها إلا وهو كاره لها أو في حكم الكاره».

وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

ليس غاية للنهى، إذ ليس المعنى فإذا بلغ أشده فاقربوه لأن هذا يقتضى إباحة أكل الولي له بعد بلوغ الصبى، بل هو غاية لما يفهم من النهى كأنه قيل: احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموا إليه ماله.

والخطاب للأولياء والأوصياء. أى: احفظوا ماله حتى يبلغ الحلم فإذا بلغه فادفعوه إليه.

والأشد: قوة الإنسان واشتعال حرارته: من الشدة بمعنى القوة والارتفاع. يقال: شد النهار إذا ارتفع. وهو مفرد جاء بصيغة الجمع. ولا واحد له.

والوصية السابعة: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.

أى: أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون.

فالجملة الكريمة أمر من الله- تعالى- لعباده بإقامة العدل في التعامل: بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ولا بخس، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.

والكيل والوزن: مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن، كالعيش بمعنى ما يعاش به.

وبالقسط حال من فاعل أوفوا أى: أوفوهما مقسطين أى: متلبسين بالقسط. ويجوز أن يكون حالا من المفعول أى: أوفوا الكيل والميزان بالقسط أى: تامّين.

وهذه الوصية هي مبدأ العدل والتعادل، وكل مجتمع محتاج إليها، فالناس لا بد لهم من التعامل، ولا بد لهم من التبادل، والكيل والوزن هما وسيلة ذلك، فلا بد من أن يكونا منضبطين بالقسط.

والمجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها أحدا يغبن عن جهل أو غفلة، وهي أيضا المجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها من يحاول أن يأخذ أكثر من حقه. أو يعطى أقل مما يجب عليه.

وقوله لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

أى: لا نكلف نفسا إلا ما يسعها ولا يعسر عليها.

والجملة مستأنفة جيء بها عقيب الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالعدل، للترخيص فيما خرج عن الطاقة، ولبيان قاعدة من قواعد الإسلام الرافعة للحرج وذلك لأن التبادل التجارى لا يمكن أن يتحقق على وجه كامل من المساواة أو التعادل، فلا بد من تقبل اليسير من الغبن في هذا الجانب أو ذاك.

والوصية الثامنة تقول: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى.

أى: وإذا قلتم قولا فاعدلوا فيه ولو كان المقول له أو عليه صاحب قرابة منكم.

إذ العدل هو أساس الحكم السليم: العدل في القول، والعدل في الحكم، والعدل في كل فعل.

وإنما خصصت الآية العدل في القول مع أن العدل مطلوب في الأقوال والأفعال وفي كل شيء، لأن أكثر ما يكون فيه العدل أقوال كالشهادة، والحكم، ثم الأقوال هي التي تراود النفوس في كل حال. فالإنسان حين تصادفه قضية من القضايا القولية أو العملية يحدث نفسه في شأنها، ويراوده معنى العدل وكأنه يطالبه بأن ينطق به ويؤيده، فيقول في نفسه سأفعل كذا لأنه العدل، فإذا لم يكن صادقا في هذا القول فقد جافى العدل وقال زورا وكذبا.

أما قوله وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى

فهو أخذ بالإنسان عما جرت به عادته من التأثر بصلات القربى في المحاباة للأقرباء والظلم لغيرهم.

فالقرآن يرتفع بالضمير البشرى إلى مستوى سامق رفيع، على هدى من العقيدة في الله، بأن يكلفه بتحرى العدل في كل أحواله ولو إزاء أقرب المقربين إليه.

أما الوصية التاسعة والأخيرة في هذه الآية فهي قوله- تعالى- وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

أى:

كونوا أوفياء مع الله في كل ما عهد إليكم به من العبادات والمعاملات وغيرها.

إذ الوفاء أصل من الأصول التي يتحقق بها الخير والصلاح، وتستقر عليها أمور الناس.

وقوله: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

يفيد الحصر لتقديم المعمول، وفي هذا إشعار بأن هناك عهودا غير جديرة بأن تنسب إلى الله، وهي العهود القائمة على الظلم أو الباطل، أو الفساد، فمثل هذه العهود غير جديرة بالاحترام، ويجب العمل على التخلص منها.

ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

أى: ذلكم المتلو عليكم في هذه الآية من الأوامر والنواهي وصاكم الله به في كتابه رجاء أن تتذكروا وتعتبروا وتعملوا بما أمرتم به وتجتنبوا ما نهيتم عنه أو رجاء أن يذكّر بعضكم بعضا فإن التناصح واجب بين المسلمين.

قال عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الآية [ النساء : 10 ] ، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله ويفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) [ البقرة : 220 ] ، قال : فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم . رواه أبو داود .

وقوله : ( حتى يبلغ أشده ) قال الشعبي ، ومالك ، وغير واحد من السلف : يعني : حتى يحتلم .

وقال السدي : حتى يبلغ ثلاثين سنة ، وقيل : أربعون سنة ، وقيل : ستون سنة . قال : وهذا كله بعيد هاهنا ، والله أعلم .

وقوله : ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء ، كما توعد على تركه في قوله تعالى : ( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين : 1 - 6 ] . وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان .

وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي ، من حديث الحسين بن قيس أبي علي الرحبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان : " إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم . ثم قال : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسين ، وهو ضعيف في الحديث ، وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا .

قلت : وقد رواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث شريك ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة : المكيال والميزان .

وقوله تعالى : ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) أي : من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه .

وقد روى ابن مردويه من حديث بقية ، عن مبشر بن عبيد ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها ) فقال : " من أوفى على يده في الكيل والميزان ، والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما ، لم يؤاخذ " وذلك تأويل ( وسعها ) هذا مرسل غريب .

وقوله : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) كما قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) [ المائدة : 8 ] ، وكذا التي تشبهها في سورة النساء [ الآية : 135 ] ، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال ، على القريب والبعيد ، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد ، في كل وقت ، وفي كل حال .

وقوله : ( وبعهد الله أوفوا ) قال ابن جرير : يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا . وإيفاء ذلك : أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم ، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله ، وذلك هو الوفاء بعهد الله .

ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) يقول تعالى : هذا وصاكم به ، وأمركم به ، وأكد عليكم فيه ( لعلكم تذكرون ) أي : تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا ، وقرأ بعضهم بتشديد " الذال " ، وآخرون بتخفيفها .

القول في تأويل قوله : وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره ، كما:-

14147- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن ليث, عن مجاهد: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، قال: التجارة فيه.

14148- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، فليثمر مالَه .

14149- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق العنـزي, عن سليط بن بلال, عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، قال: يبتغي له فيه, ولا يأخذ من ربحه شيئًا . (1)

14150- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، قال: " التي هي أحسن "، أن يأكل بالمعروف إن افتقر, وإن استغنى فلا يأكل. قال الله: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ، [سورة النساء: 6]. قال: وسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر الله الكسوة، إنما ذكر الأكل .

* * *

وأما قوله: (حتى يبلغ أشده)، فإن " الأشُدّ" جمع " شَدٍّ", كما " الأضُرّ" جمع " ضر ", وكما " الأشُرّ" جمع " شر "، (2) و " الشد " القوة, وهو استحكام قوة شبابه وسنه, كما " شَدُّ النهار " ارتفاعه وامتداده. يقال: " أتيته شدَّ النهار ومدَّ النهار ", وذلك حين امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:

عَهْــدِي بِــهِ شَـدَّ النَّهَـارِ كَأَنَّمَـا

خُــضِبَ اللَّبَــانُ وَرَأْسُـهُ بِـالْعِظْلِمِ (3)

ومنه قول الآخر: (4)

تُطِيــفُ بِــهِ شَـدَّ النَّهَـارِ ظَعِينَـةٌ

طَوِيلَــةُ أَنْقَــاءِ اليَــدَيْنِ سَـحُوقُ (5)

وكان بعض البصريين يزعم أن " الأشد " مثل " الآنُك ". (6)

* * *

فأما أهل التأويل، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل: " بلغ أشدّه ".

فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحُلُم .

* ذكر من قال ذلك:

14151- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، أخبرني يحيى بن أيوب, عن عمرو بن الحارث, عن ربيعة في قوله: (حتى يبلغ أشده)، قال: الحلم .

14152- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه, مثله = قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله . (7)

14153- حدثت عن الحماني قال، حدثنا هشيم, عن مجاهد, عن عامر: (حتى يبلغ أشده)، قال: " الأشد "، الحلم, حيث تكتب له الحسنات، وتكتب عليه السيئات .

* * *

وقال آخرون: إنما يقال ذلك له، إذا بلغ ثلاثين سنة .

* ذكر من قال ذلك:

14154- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (حتى يبلغ أشده)، قال: أما " أشده "، فثلاثون سنة, ثم جاء بعدها: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ . [سورة النساء: 6].

* * *

وفي الكلام محذوف، ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حذف . وذلك أن معنى الكلام: " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ", فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدًا، فادفعوا إليه ماله = لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يُقرب مال اليتيم في حال يُتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، ليحِلَّ لوليّه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ, (8) ولكنه نهاهم أن يقرَبوه حياطةً منه له، وحفظًا عليه، (9) ليسلموه إليه إذا بلغ أشده .

* * *

القول في تأويل قوله : وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا = وأن أوفوا الكيل والميزان. يقول: لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم, ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة (10) =" بالقسط"، يعني بالعدل ، كما:-

14155- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (بالقسط)، بالعدل .

* * *

وقد بينا معنى: " القسط" بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته . (11)

* * *

وأما قوله: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها)، فإنه يقول: لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه . (12) وذلك أن الله جل ثناؤه، علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجبُ عليها له, فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه, لما في النقصان عنه من ضيق نفسه. فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق, فلذلك قال: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) .

وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته . (13)

* * *

القول في تأويل قوله : وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا)، وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم, واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، (14) ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم، ذا قرابة لكم, ولا تحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره, أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه =(وبعهد الله أوفوا)، يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم, وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وذلك هو الوفاء بعهد الله . (15)

وأما قوله: (ذلكم وصاكم به)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين, هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا، ووصاكم بها ربكم، وأمركم بالعمل بها = لا بالبحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، وقتل الأولاد، ووأد البنات، واتباع خطوات الشيطان (16) =(لعلكم تذكرون)، يقول: أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها, لتتذكروا عواقبَ أمركم، وخطأ ما أنتم عليه مقيمون, فتنـزجروا عنها، وترتدعوا وتُنيبوا إلى طاعة ربكم .

* * *

وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات، هنَّ الآيات المحكمات .

14156- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن علي بن صالح, عن أبي إسحاق, عن عبد الله بن قيس, عن ابن عباس قال: هن الآيات المحكمات, قوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . (17)

14157- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيب, عن مرثد بن عبد الله, عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار قال، سمع كعب الأحبار رجلا يقرأ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ، فقال: والذي نفس كعب بيده, إنّ هذا لأوَّل شيء في التوراة: " بسم الله الرحمن الرحيم "، قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ . (18)

14158- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن سعيد بن مسروق, عن رجل, عن الربيع بن خثيم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

14159- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي, عن أبي سنان, عن عمرو بن مرة قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ = لم يقل: " خاتمها " = فقرأ هذه الآيات: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ .

14160- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحابَ محمد، فحدثنا عن الوَحي. فقرأ عليهم هذه الآيات من " الأنعام ": قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، قالوا: ليس عن هذا نسألك ! قال: فما عندنا وحيٌ غيره .

14161- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن .

14162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإذا قلتم فاعدلوا)، قال: قولوا الحق .

-----------------

الهوامش :

(1) الأثر : 14149 - (( فضيل بن مرزوق العنزي )) ، الرقاشي ، الأغر . مضى برقم : 5437 . و (( سليط بن بلال )) ، لا أدري من هو ، ولم أجد له ترجمة .

(2) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة : (( الأضر )) و (( الأشر )) ، ولم أجد لشيء من ذلك أصلا في كتب العربية ، وهذان اللفظان محرفان فيما أرجح ، ولكني تركتهما على حالهما ، حتى أقف على الصواب في قراءتهما إن شاء الله . ولكنهم مثلوا له بقولهم (( قد )) و (( أقد)) وهو قريب التحريف في الأولى ، ولكن الثانية مبهمة .

(3) من معلقته المشهورة ، وهذا البيت من أبيات وصف فيها بطلا مثله ، يقول قبله :

لَمَّــا رَآنِــي قَـدْ قَصَـدْتُ أُرِيــدُهُ

أَبْـــدَى نَوَاجِــذَهُ لِغَــيْرِ تَبَسُّــمِ

فَطَعَنْتُــهُ بِــالرُّمْحِ ثُــمَّ عَلَوْتُــهُ

بِمُهَنَّــدٍ صَــافِي الحَــدِيدَةِ مِخْـذَمِ

و (( اللبان )) الصدر . و (( العظلم )) ، صبغ أحمر . يصفه قتيلا سال دمه ، فخصب رأسه وأطرافه ، لا حراك به .

(4) لم أعرف قائله .

(5) (( الظعينة )) ، يعني زوجته . (( الأنقاء )) جمع (( نقو )) ( بكسر فسكون ) ، وهو كل عظم فيه مخ ، كعظام اليدين والساقين ، وامرأة (( سحوق )) : طويلة كأنها نخلة مستوية قد انجرد عنها كربها .

(6) (( آنك )) ( بالمد وضم النون ) هو . الرصاص القلعي ، وهو القزدير . ويعني أنه مفرد لا جمع .

(7) الأثران : 14151 ، 14152 - (( أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري )) ، مضى برقم : 2747 ، 6613 ، 10330 ، وهو ابن أخي (( عبد الله بن وهب )) و (( عمه )) ، هو : (( عبد الله بن وهب )) .

(8) في المطبوعة : (( ويحل )) بالواو ، والذي في المخطوطة حق السياق .

(9) في المطبوعة : (( أن يقربوا )) ، والصواب ما في المخطوطة .

(10) انظر تفسير (( الإيفاء )) فيما سلف 9 : 426 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(11) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف 10 : 334 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(12) انظر تفسير (( التكليف )) فيما سلف 5 : 45 / 6 : 129 ، 130 / 8 : 579 .

= وتفسير (( الوسع )) فيما سلف 5 : 45 /6 : 129 ، 130 .

(13) انظر ما سلف 5 : 45 ، 46 / 6 : 129 ، 130 .

(14) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( عدل ) .

(15) انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف من فهارس اللغة ( عهد ) .

= وتفسير (( الإيفاء )) فيما سلف ص : 224 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(16) انظر تفسير (( وصى )) فيما ص : 221 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(17) الأثر : 14156 - (( على بن صالح بن صالح بن حي الهمداني )) ثقة ، مضى برقم : 178 ، 11975 .

وفي المخطوطة والمطبوعة : (( علي بن أبي صالح )) ، وهو خطأ لا شك فيه ، والزيادة سهو من الناسخ ، وإنما هو (( علي بن صالح )) ، فهو الذي يروي عن إسحاق السبيعي ، ويروي عنه وكيع ، وكما في المستدرك ، كما سيأتي في التخريج .

و (( أبو إسحاق )) هو السبيعي .

و (( عبد الله بن قيس )) ، راوى هذا الخبر ، خص براوية هذا الخبر عن ابن عباس ، ورواية أبي إسحاق السبيعي عنه . مترجم في التهذيب ( 5 : 365 ) ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 138 .

وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2 : 288 ، وقال : (( صحيح )) ، ووافقه الذهبي . وقد أشرت إلى ذلك في تخريج الخبر رقم : 6573 ، فراجعه .

ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك 2 : 317 ، بإسناد آخر من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، عن ابن عباس ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي .

و (( عبد الله بن خليفة الهمداني )) ، مضى برقم : 5796 .

(18) الأثر : 14157 - (( وهب بن جرير بن حازم الأزدي )) ، الحافظ الثقة .

وأبو (( جرير بن حازم الأزدي )) ، ثقة ، روى له الجماعة .

و (( يحيى بن أيوب الغافقي )) ، ثقة ، مضى برقم : 3877 ، 4330 .

و (( يزيد بن أبي حبيب المصري )) ، مضى مرارًا ، آخرها : 11871 .

و (( مرثد بن عبد الله اليزني )) ، الفقيه المصري ، مضى برقم : 2839 ، 2840 ، 10890 .

و (( عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي )) ثقة ، قليل الحديث ، من فقهاء قريش وعلمائهم ، أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين . مترجم في التهذيب .

وهذا خبر إسناده صحيح إلى كعب الأحبار .

التدبر :

وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ القلوب الجريحة تريد من يضمدها ويقف بجانبها؛ لا أن نزيد في آلامها ونزف دمائها.
لمسة
[152] قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ ولم يقل: (لا تأكلوا مال اليتيم) أو: (لا تأخذوا)؛ لأن النهي عن القرب منه أبلغ في التحذير من النهي عن الوقوع فيه، فمن لم يقترب لم ير ولم يطمع، ومن ثم الوقوع في المنهي أبعد.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ في قلب اليتيم جراح غائرة بسبب اليُتْم؛ فلا تزد آلامه بأخذ ماله.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ما أقبح أن تضاعف جراح اليتيم بأخذ ماله دون وجه حق!
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ هذا نهي عن قربانه، فكيف بمن قد خاض فيه خوض الظالمين؟!
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ انظر إلى هذا السياج المنيع الذي ضربه الله حول اليتيم، فهو ضعيف بفقد النصير من الوالدين، ولكنه محاط بحفرة من نار، والاقتراب منها مؤذن بالهلاك، هذه هي الصورة التي رسمها الله لليتيم، ولذلك عبر عن صون ماله بقوله: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ﴾، ولم يقل: (لا تأكلوا مال اليتيم) أو: (لا تأخذوا)؛ لأن النهي عن القرب منه أبلغ في التحذير من النهي عن الوقوع فيه، وفي هذا اللفظ: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ﴾ ضمان لماله وصونٌ له أبلغ من النهي عن الأخذ، فمن لم يقترب لم ير ولم يطمع، ومن ثم الوقوع في المنهي أبعد.
وقفة
[152] إذا كان النهي عن قرب مال اليتيم إلا لمن ابتغى تثميره وصلاحه، فما بال من سرق مال اليتيم وأكله! ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ لا يجوز التصرف في مال اليتيم إلا في حدود مصلحته، ولا يُسلَّم ماله إلَّا بعد بلوغه الرُّشْد.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ الإحسان؛ حتى مع اليتامى والضعفاء.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أي: بما فيه صلاحه وتثميره؛ وذلك بحفظ أصوله، وتثمير فروعه.
وقفة
[152] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ ووجه تخصيص حق اليتيم في ماله بالحفظ: أن ذلك الحق مظنة الاعتداء عليه من الولي، وهو مظنة انعدام المدافع عنه.
عمل
[152] لقد حَذَّر الله من العبث بحقوق اليتامى، ومن أكل أموالهم؛ فابتعد عن ذلك أشد الابتعاد ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾.
عمل
[152] اكفل يتيمًا مباشرة، أو عن طريق مؤسسة موثوق فيها؛ فإن الله تعالى وصى باليتيم في ماله، فكيف بمن يكفله من عنده؟! ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾.
عمل
[152] من كان له عملٌ وتجارةٌ قائمة على الكيل والوزن فليخشَ الله تعالى، وليحذر من التطفيف ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾.
وقفة
[152] ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ أي: بقدر ما تسعه ولا تضيق عنه، فمن حرص على الإيفاء في الكيل والوزن، ثم حصل منه تقصير لم يُفَرِّط فيه ولم يعلمه فإن الله عفو غفور.
عمل
[152] انصح بعض الباعة المطففين في المكيال والميزان ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾، لا يضعك الله في مواقف لا تستطيع التغلب عليها، الله يعلم أنك تملك القدرة على تجاوزها وتحملها، اطمئن لأن الله يقول: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾!
وقفة
[152] قصة يرويها رجل معاصر يقول: «في لحظات خسرت صحتي ومالي وبيتي وحريتي، وبفضل الله تجاوزتها جميعًا، وخلاصة تجربتي أن الله لا يكلف نفسًا من الإبتلاءات والمصائب إلا ما كان في وسع الإنسان أن يتجاوزها، مصداق لقوله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسًا الا وسعها﴾ [البقرة: 286]، وقوله تعالى: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾».
وقفة
[152] ﴿إلَّا وُسْعهَا﴾ الأمر الذي تظن أنَّه فوق طاقتك؛ تأكد أن الله لن يضعه أمامك إلا وجعل بيديك القدرة على تجاوُزه.
وقفة
[152] ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ أشنع صور الظلم الأقوال الغاشمة.
وقفة
[152] قد نحب من كانت سيئاته أكثر من حسناته، وقد نكره العكس، وهذا أمر قلبي يصعب دفعه، لكن المهم الإنصاف: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾، الشرف في الخصومة دلالة إيمان وتقوى وشهامة.
عمل
[152] ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ تعاهد نفسك بقول العدل في كل أمر، ولو على نفسك.
وقفة
[152] ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ في الثقافة العائلية والقبلية، أنت تقف مع أسرتك وعائلتك حتى لو خالفت القانون، إلا في ديننا الإسلامي، فأنت تقف مع الحق ضد أسرتك!
وقفة
[152] ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ مراعاة الصدق فيمن تحبون ومن تكرهون، والإنصاف، وعدم كتمان ما يلزم بيانه.
وقفة
[152] ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ إن قلتَ: لم خصَّ العدل بالقول، مع أن الفعل إلى العدل أحوج، فإن الضَّررَ الناشىء من الجور الفعلي، أقوى من الضَّرر الناشىء من الجور القوليِّ. قلتُ: إنما خصَّه بالقول، ليُعلم وجوب العدل في الفعل بالأولى، كما في قوله تعالى: ﴿ولا تقُلْ لهما أُفٍّ﴾ [الإسراء: 33].
وقفة
[152] على الحكمين اللذَين يحكمان بين الزوجين -من قرابتهما- أن يتقيا الله تعالى، ويعلما أنهما حُكِّما في أمر عظيم، فيختارا الأصلح للزوجين من الجمع أو التفريق، فليس كل منهما وكيلًا عن صاحبه، بل هو حاكم يتحرى العدل ويجتهد في إصلاح ذات البين، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَقْرَبُوا:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقربوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف فارقة.
  • ﴿ مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا:
  • مال: مفعول به منصوب بالفتحة. اليتيم: مضاف اليه مجرور بالكسرة. إلّا: أداة حصر لا عمل لها.
  • ﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:
  • جار ومجرور متعلق بتقربوا. الباء: حرف جر. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بموصوف محذوف تقديره. بالطريقة التي. هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. أحسن: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» وجملة «هِيَ أَحْسَنُ» مع المضاف اليه المقدر المحذوف أي: هي أحسن الطرق: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ:
  • حتى: حرف جر. يبلغ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» وعلامة نصبه الفتحة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أشدّه: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. و «أن» المضمرة وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بتقربوا.
  • ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ:
  • الواو: عاطفة. أوفوا: فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الكيل: مفعول به منصوب بالفتحة. والميزان: معطوفة بالواو على «الْكَيْلَ» منصوبة مثلها بالقسط: جار ومجرور متعلق بأوفوا. أي بالعدل.
  • ﴿ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها:
  • لا: نافية لا عمل لها. نكلف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. نفسا: مفعول به منصوب بالفتحة. إلّا: أداة استثناء لا عمل لها لأنها مسبوقة بكلام تام منفي. وسع: بدل من «نَفْساً» منصوب مثلها بالفتحة. و«ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا:
  • الواو استئنافية. إذا: ظرف زمان مبني على السكون خافض لشرطه منصوب بجوابه أداة شرط غير جازمة. قلتم: بمعنى«حكمتم» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «قُلْتُمْ» في محل جر مضاف اليه. فاعدلوا: الفاء واقعة في جواب الشرط. اعدلوا: تعرب إعراب «أَوْفُوا» وجملة «فَاعْدِلُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى:
  • الواو: حالية. لو: حرف شرط غير جازم كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. بمعنى: لو كان الخصم قريبا لكم. ذا: خبر «كانَ» منصوب بالألف لأنه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. قربى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. وجملة «لَوْ كانَ ذا قُرْبى» في محل نصب حال. ويجوز أن تكون الواو اعتراضية.
  • ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا:
  • الواو: عاطفة. بعهد: جار ومجرور متعلق بأوفوا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أوفوا: سبق إعرابها. أي بتقدير: أوفوا بعهد الله واخرت الجملة الفعلية «أَوْفُوا» ويجوز أن يكون المعنى واذا عاهدتم فأوفوا.
  • ﴿ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ:
  • تعرب إعراب «ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» في الآية الكريمة السابقة. تذكرون: أصلها «تتذكرون» حذفت احدى التاءين تخفيفا. '

المتشابهات :

الأنعام: 152﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
الإسراء: 34﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا بِالْعَهْد

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [152] لما قبلها :     6- المحافظةُ على مالِ اليتيمِ. 7- إيفاءُ الكيلِ والميزانِ بالقسطِ. 8- العدلُ في القولِ أو الحكمِ. 9- الوفاءُ بالعهدِ، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

القراءات :

تذكرون:
قرئ:
1- بتخفيف الذال، وهى قراءة حفص، والأخوين.
2- بتشديدها، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [153] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ..

التفسير :

[153] ومما وصاكم الله به أن هذا الإسلام هو طريق الله تعالى المستقيم فاسلكوه، ولا تسلكوا سبل الضلال، فتفرقكم وتبعدكم عن سبيل الله المستقيم. ذلكم التوجه نحو الطريق المستقيم هو الذي وصَّاكم الله به؛ لتتقوا عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.

ولما بين كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمة، أشار إليها وإلى ما هو أعم منها فقال:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} أي:هذه الأحكام وما أشبهها، مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر.{ فَاتَّبِعُوهُ} لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح.{ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أي:الطرق المخالفة لهذا الطريق{ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} أي:تضلكم عنه وتفرقكم يمينا وشمالا، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم.{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين، ووحد الصراط وأضافه إليه لأنه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه.

أما الوصية العاشرة فهي قوله- تعالى- في الآية الثالثة من هذه الآيات: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.

قرأ الجمهور بفتح همزة أَنَّ وتشديد النون. ومحلها مع ما في حيزها الجر بحذف لام العلة. أى: ولأن هذا الذي وصيتكم به من الأوامر والنواهي طريقي وديني الذي لا اعوجاج فيه، فمن الواجب عليكم أن تتبعوه وتعملوا به.

ويحتمل أن يكون محلها مع ما في حيزها النصب على ما حَرَّمَ أى: وأتلو عليكم أن هذا صراطي مستقيما.

وقرأ حمزة والكسائي «إن» بكسر الهمزة على الاستئناف.

وقوله وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعنى الأديان الباطلة، والبدع والضلالات الفاسدة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ أى. فتفرقكم عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لكم.

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً.

وقد أفرد- سبحانه- الصراط المستقيم وهو سبيل الله، وجمع السبل المخالفة له لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة، والبدع الفاسدة، والشبهات الزائفة، والفرق الضالة وغيرها.

ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أى: ذلكم المذكور من اتباع سبيله- تعالى- وترك اتباع السبل وصاكم الله به لعلكم تتقون اتباع سبل الكفر والضلالة، وتعملون بما جاءكم به هذا الدين.

قال أبو حيان: ولما كانت الخمسة المذكورة في الآية الأولى من الأمور الظاهرة الجليلة مما يجب تعلقها وتفهمها ختمت الآية بقوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ولما كانت الأربعة المذكورة في الآية الثانية خافية غامضة ولا بد فيها من الاجتهاد والتفكر حتى يقف الإنسان فيها على موضع الاعتدال ختمت بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف، وأمر- سبحانه- باتباعه ونهى عن اتباع السبل المختلفة ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية».

وبعد: فهذه هي الوصايا العشر التي جاءت بها هذه الآيات الكريمة، والمتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة في توحيد الله- تعالى- وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين والرحمة بالأبناء، وحفظت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض، ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله التي هي منبع كل خير وسبيل كل فلاح.

فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا؟ إنهم لو عملوا بها لعزوا في دنياهم ولسعدوا في أخراهم، فهل تراهم فاعلون؟.

اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك وجنبنا مالا يرضيك.

ولما كان هذا الصراط قديما، والديانات قبله كانت في اتجاهه، أشار- سبحانه- إلى موسى وكتابه، وبين منزلة هذا القرآن، وأمر الناس باتباعه فقال:

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) وقوله ( أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [ الشورى : 13 ] ، ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا . قاله مجاهد ، وغير واحد .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا الأسود بن عامر : شاذان ، حدثنا أبو بكر - هو ابن عياش - عن عاصم - هو ابن أبي النجود - عن أبي وائل ، عن عبد الله - هو ابن مسعود ، رضي الله عنه - قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما " وخط على يمينه وشماله ، ثم قال : " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .

وكذا رواه الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي بكر بن عياش ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وهكذا رواه أبو جعفر الرازي ، وورقاء وعمرو بن أبي قيس ، عن عاصم ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن ابن مسعود به مرفوعا نحوه .

وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي ، عن يحيى بن حبيب بن عربي - وابن حبان ، من حديث ابن وهب - أربعتهم عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به .

وكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى ، عن الحماني ، عن حماد بن زيد ، به .

ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق ، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، به كذلك . وقال : صحيح ولم يخرجاه .

وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم ، من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود . به مرفوعا .

وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحماني ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، به .

فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين ، ولعل هذا الحديث عند عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة كلاهما عن ابن مسعود ، به ، والله أعلم .

قال الحاكم : وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي عن جابر ، من وجه غير معتمد .

يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد ، وعبد بن حميد جميعا - واللفظ لأحمد - حدثنا عبد الله بن محمد - وهو أبو بكر بن أبي شيبة - أنبأنا أبو خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخط خطا هكذا أمامه ، فقال : " هذا سبيل الله " وخطين عن يمينه ، وخطين عن شماله ، وقال : " هذه سبيل الشيطان " ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .

ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه ، والبزار عن أبي سعيد بن عبد الله بن سعيد ، عن أبي خالد الأحمر ، به .

قلت : ورواه الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن أبي سعيد الكندي ، حدثنا أبو خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ، وخط عن يمينه خطا ، وخط عن يساره خطا ، ووضع يده على الخط الأوسط وتلا هذه الآية : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) .

ولكن العمدة على حديث ابن مسعود ، مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثرا ، وقد روي موقوفا عليه .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبان; أن رجلا قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد ، وعن يساره جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم . فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الآية .

وقال ابن مردويه : حدثنا أبو عمرو ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا أبان بن عياش ، عن مسلم بن أبي عمران ، عن عبد الله بن عمر : سأل عبد الله عن الصراط المستقيم ، فقال له ابن مسعود : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وذكر تمام الحديث كما تقدم ، والله أعلم .

وقد روي من حديث النواس بن سمعان نحوه ، قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث - يعني ابن سعد - عن معاوية بن صالح ; أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه ، عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعن جنبتي الصراط سوران ، فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : أيها الناس ، ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ، ولا تتفرجوا ، وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك . لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " .

ورواه الترمذي والنسائي ، عن علي بن حجر - زاد النسائي - وعمرو بن عثمان ، كلاهما عن بقية بن الوليد ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقوله : ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) إنما وحد سبحانه سبيله لأن الحق واحد; ولهذا جمع لتفرقها وتشعبها ، كما قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة : 257 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يبايعني على هذه الآيات الثلاث؟ " ثم تلا ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) حتى فرغ من ثلاث الآيات ، ثم قال : " ومن وفى بهن ، أجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا أدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه ، وإن شاء عفا عنه "

القول في تأويل قوله : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم، أيها الناس، في هاتين الآيتين من قوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ، وأمركم بالوفاء به, هو " صراطه " = يعني: طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده =(مستقيمًا)، يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحق (19) =(فاتبعوه)، يقول: فاعملوا به, واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه، فاتبعوه (20) =(ولا تتبعوا السبل)، يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه, ولا تركبوا منهجًا غيره, ولا تبغوا دينًا خلافه (21) ، من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل, فإنها بدع وضلالات =(فتفرق بكم عن سبيله)، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان, اتباعُكم إياها =" عن سبيله ", يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه, وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم (22) =(ذلكم وصاكم به)، يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: " أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل "، وصاكم به " لعلكم تتقون ", يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها, وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه . (23)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

14163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، قال: البدع والشبهات .

14164- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

14165- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ولا تتبعوا السبل) ، البدع والشبهات .

14166- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) , وقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [سورة الشورى: 13]، ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة, وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .

14167- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، يقول: لا تتبعوا الضلالات .

14168- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد, عن عاصم, عن أبي وائل, عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . (24)

14169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، قال: " سبيله "، الإسلام, و " صراطه "، الإسلام . نهاهم أن يتبعوا السبل سواه =(فتفرق بكم عن سبيله) ، عن الإسلام .

14170- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه, وطرفُه في الجنة, وعن يمينه جوادُّ, وعن يساره جَوَادُّ, وثمَّ رجال يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به إلى النار, ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود: (وأن هذا صراطي مستقيمًا)، الآية .

* * *

قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا).

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَنَّ) بفتح " الألف " من " أن ", وتشديد " النون ", ردًّا على قوله: أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، بمعنى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ," وأن هذا صراطي مستقيمًا ".

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: " وَإِنَّ" بكسر " الألف " من " أن ", وتشديد " النون " منها، على الابتداء وانقطاعها عن الأول, إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه، عندهم . (25)

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار وعوامّ المسلمين، (26) صحيح معنياهما, فبأيِّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته .

وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله, كما أمر عباده الأنبياء . (27) وإن أدخل ذلك مُدْخِلٌ فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ، وما أمركم به, ففتح على ذلك " أن "، فمصيب = وإن كسرها، إذ كانت " التلاوة " قولا وإن كان بغير لفظ " القول " لبعدها من قوله: " أتل ", وهو يريد إعمال ذلك فيه، فمصيبٌ = وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأول و " التلاوة ", وأن ما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أُمِر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك, فمصيب .

* * *

وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصري: " وَأنْ" بفتح الألف من " أن " وتخفيف النون منها, بمعنى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ," وأنْ هذا صراطي"، فخففها، إذ كانت " أن " في قوله: أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، مخففة, وكانت " أن " في قوله: (وأن هذا صراطي)، معطوفة عليها, فجعلها نظيرةَ ما عطفت عليه .

وذلك وإن كان مذهبًا, فلا أحب القراءة به، لشذوذها عن قراءة قرأة الأمصار، وخلاف ما هم عليه في أمصارهم .

-------------------

الهوامش :

(19) انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) فيما سلف ص : 113 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(20) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة ( تبع ) .

(21) في المخطوطة : (( دينا خلاه)) ، وعلى (( خلاه )) ، حرف ( ط ) دلالة على الخطأ أو الشك ، والذي في المخطوطة مستقيم جيد .

(22) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .

(23) انظر تفسير (( الوصية )) و (( الاتقاء )) فيما سلف من فهارس اللغة ( وصى ) و ( وقي ) .

(24) الأثر : 14168 - صحيح الإسناد ، رواه أحمد في المسند رقم : 4142 ، 4437 ، بنحوه . وقد فصل ابن كثير في تفسيره شرح هذا الإسناد ، وما فيه من اختلاف الرواية 3 : 427 - 429 . وسيأتي برقم : 14170 ، موقوفًا على ابن مسعود .

(25) يعني بقوله : (( دونه عندهم )) ، دون النبي صلى الله عليه وسلم ، عند من قرأ ذلك كذلك ، كما سيظهر ذلك من الآتي بعد ، انظر التعليق رقم : 3 .

(26) (( عوام المسلمين )) يعني : عامة المسلمين ، لا يعني (( العوام )) كما استعملت بمعنى : الذين لم يتعلموا العلم .

(27) في المطبوعة : (( عباده بالأشياء )) ، وهو كلام ساقط ، لم يحسن قراءة المخطوطة فغير وزاد . وفي المخطوطة : (( عباده الأساء )) ، والصواب قراءتها ما أثبت . ويعني أن هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء .

التدبر :

وقفة
[153] وردت كلمة: (صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) في سورة الأنعام ٥ مرات، وهي مناسبة لموضوع السورة وأهدافها.
وقفة
[153] ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ يا للَعجب من بيانِ القرآن وبيِّناته وإعجازِه بفنون إيجازه! القرآن يأمرك بالتدبُّر واستعمال الحواس الظاهرة والباطنة في وظائفها الفطرية قبل أن يأمرك بـ (الاتباع)؛ حتى تطمئن إلى أنك إنما تتبعه فيما فيه حق وخير ورحمة.
وقفة
[153] سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن الصراط المستقيم، فقال: «تركنا محمد  في أدناه في الجنة، وعن يمينه جوادٌ، وعن شماله جوادٌ، وثمَّ رجال يدعون مَنْ مرَّ بهم، فمن أخذَ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة»، ثم قرأ ابن مسعود: ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾.
وقفة
[153] الطريق موصل دون شك، ولكن أكثر الناس لا يسلكونه ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾.
وقفة
[153] ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية، وسائر أهل الملل، وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل، والخوض في الكلام؛ هذه كلها عُرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد.
وقفة
[153] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ  خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾. (أحمد 4437، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن].
وقفة
[153] عجبًا لهذا القرآن؛ حقًا كلما ضللنا وانحرفنا صاح بنا هذا الطريق الصحيح ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾.
لمسة
[153] ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ إنما وحد سبيله لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل؛ لتفرقها، وتشعبها.
وقفة
[153] ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ سبل الضلال كثيرة، وسبيل الله وحده هو المؤدي إلى النجاة من العذاب.
وقفة
[153] ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ انظروا للآثار الطيبة لوحدة الصف على أمر معروف.
لمسة
[153] ﴿وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ﴾ وحَّدَ سبيلَه؛ لأنه فى نفسه واحد لا تعدد فيه، وجَمَعَ السُّبُلَ المخالفة؛ لأنها كثيرة متعددة.
وقفة
[153] ﴿وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ﴾ لا خيار، إما طريق الله ففوز ونجاة، وإما سبل الهوي وحينها الضياع والشقاء.
وقفة
[153] التزام الإسلام، والبراءة من غيره من الملل والطرق المنحرفة والمبتدعة هو الطريق المستقيم الموصل إلى الجنة ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
وقفة
[153] هدى للعالمين؛ حتى يكون الكدح سيرًا إلى رضا الله، لا إلى عذابه ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
عمل
[153] لا تنتظر أن تتنزَّل عليك الهداية، فالهداية طريق واحد لا بد أن تسلكه، وهو اتباع كتاب الله وسنة محمد ﷺ، ثم لا تزال تدعو الله أن يثبت قدميك على هذا الطريق حتى تلقى الله، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وقفة
[153] الفرق بين الجنة والنار: أن الجنة لها طريق واحدة طويلة، أما النار فلها كثير من الطرق المختصرة، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وقفة
[153] ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ السُّبُلَ: الطرق المختلفة في الدين من: اليهودية، والنصرانية، وغيرها من الأديان الباطلة، ويدخل فيه أيضا البدع والأهواء المضلة.
وقفة
[153] إننا كادحون إلى الله كدحًا فملاقوه، لا خيار للبشرية في ذلك أبدًا! وإنما وصية الله جاءت ببيان الصراط المستقيم هدى للعالمين؛ حتى يكون الكدح سيرًا إلى رضا الله، لا إلى عذابه ﴿ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
وقفة
[153] ذكر الله في خاتمة الأنعام عشر وصايا، وفي كل آية نقرأ: ﴿ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ ﴾، أرأيت لو أنها وصية أبيك أتفرط فيها؟! فوصية الله أعظم وآكد.
وقفة
[153، 154] ﴿ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ (ثم) هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقوع، ولا يلزم من ترتيب الأخبار ترتيب الوقوع، ولا ريب في تقديم إيتاء موسى الكتاب على وصيته لهذه الأمة.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً:
  • الواو عاطفة. وما بعده: معطوف على «أن لا تشركوا» لكون المعنى: أتل عليكم نفي الاشراك والتوحيد وأتل عليكم أنّ هذا صراطي مستقيما وهذا الإعراب في حالة جعل «أن» ناصبة للفعل في «أَلَّا تُشْرِكُوا» وذلك لأن الصحيح جعل «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً» علة للاتباع بمعنى «ولأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه». أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «أَنَّ». صراطي: خبرها مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. مستقيما: حال منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَاتَّبِعُوهُ:
  • الفاء استئنافية. اتبعوه: فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تتبعوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. السبل: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ:
  • الفاء سببية وهي حرف عطف. تفرق: أي تتفرق وقد حذفت احدى التاءين اختصارا وتخفيفا، فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. بكم: جار ومجرور متعلق بتفرق والميم علامة جمع الذكور. عن سبيله: جار ومجرور متعلق بحال محذوف من الضمير في «تفرق» والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق والتقدير: ليكن منكم عدم اتباع السبل أي المذاهب والأديان المختلفة فعدم تفرقها إياكم عن سبيل الله. وجملة «تفرق» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
  • تعرب إعراب «ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» الواردة في الآية الكريمة الحادية والخمسين بعد المائة. وحذف المفعول «تَتَّقُونَ» اختصارا لأنه معلوم. '

المتشابهات :

الأنعام: 151﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
الأنعام: 152﴿وَبِعَهْدِ اللَّـهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
الأنعام: 153﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [153] لما قبلها :     10- اتباعُ الصراطِ المستقيمِ، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

القراءات :

وأن:
قرئ:
1- بكسر الهمزة وتشديد النون، وهى قراءة الأخوين.
2- بفتحها وتخفيف النون، وهى قراءة ابن عامر.
3- بفتحها وتشديد النون، وهى قراءة الباقين.
فتفرق:
وقرئ:
فتفرق، بإدغام التاء وتشديدها.

مدارسة الآية : [154] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا ..

التفسير :

[154] ثم قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين:إن الله تعالى هو الذي آتى موسى التوراة تماماً لنعمته على المحسنين من أهل ملته، وتفصيلاً لكل شيء من أمور دينهم، وهدى ودلالة على الطريق المستقيم ورحمة لهم؛ رجاء أن يصدِّقوا بالبعث بعد الموت والحساب والجزاء، ويعملوا

{ ثُمَّ} في هذا الموضع، ليس المراد منها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى عليه السلام، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب، وإنما المراد الترتيب الإخباري. فأخبر أنه آتى{ مُوسَى الْكِتَابَ} وهو التوراة{ تَمَامًا} لنعمته، وكمالا لإحسانه.{ عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} من أُمة موسى، فإن الله أنعم على المحسنين منهم بنِعَم لا تحصى. من جملتها وتمامها إنزال التوراة عليهم. فتمت عليهم نعمة الله، ووجب عليهم القيام بشكرها.{ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} يحتاجون إلى تفصيله، من الحلال والحرام، والأمر والنهي، والعقائد ونحوها.{ وَهُدًى وَرَحْمَةً} أي:يهديهم إلى الخير، ويعرفهم بالشر، في الأصول والفروع.{ وَرَحْمَةٌ} يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير.{ لَعَلَّهُمْ} بسبب إنزالنا الكتاب والبينات عليهم{ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة على البعث والجزاء بالأعمال، ما يوجب لهم الإيمان بلقاء ربهم والاستعداد له.

قال الآلوسى: قوله ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ. إلخ. كلام مستأنف مسوق من جهته- تعالى- تقريرا للوصية وتحقيقا لها، وتمهيدا لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه، فعلنا ذلك ثُمَّ آتَيْنا وقيل عطف على ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ. وعند الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة، كأنه قيل: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ثم أتل عليهم ما آتاه الله موسى .

وكلمة ثم لا تفيد الترتيب الزمنى هنا، وإنما تفيد عطف معنى على معنى، فكأنه- سبحانه- يقول: لقد بينت لكم في هذه الوصايا ما فيه صلاحكم ثم أخبركم بأنا آتينا موسى الكتاب وهو التوراة ليكون هدى ونورا.

وقوله: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ قرأ الجمهور أحسن بفتح النون على أنه فعل ماض وفاعله ضمير الذي، أى: آتينا موسى الكتاب تماما للكرامة والنعمة على من أحسن القيام به كائنا من كان. فالذي لجنس المحسنين.

وتدل عليه قراءة عبد الله «تماما على الذين أحسنوا» وقراءة الحسن «على المحسنين» .

ويجوز أن يكون فاعل أحسن ضمير موسى- عليه السلام- ومفعوله محذوف أى: آتينا موسى الكتاب تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل أمر وهو موسى- عليه السلام- و «تماما» مفعول لأجله أى: آتيناه لأجل تمام نعمتنا، أو حال من الكتاب، أى: حال كونه أى الكتاب تاما. أو مصدر لقوله «آتينا» من معناه، لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة. كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماما. فهو «كنباتا» في قوله: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً أى إنباتا.

وقرأ يحيى بن يعمر «على الذي أحسن» بضم النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و «الذي» وصف للدين أى: تماما على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه.

قال ابن جرير: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار» .

وقوله: وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ معطوف على ما قبله، أى: وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه قومه في أمور دينهم ودنياهم.

وقوله: وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ أى: هذا الكتاب هداية لهم إلى طريق الحق، ورحمة لمن عمل به لعلهم- أى قوم موسى وسائر أهل الكتاب- يصدقون بيوم الجزاء، ويقدمون العمل الصالح الذي ينفعهم في هذا اليوم الشديد.

قال ابن جرير : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) تقديره : ثم قل - يا محمد - مخبرا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب ، بدلالة قوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) .

قلت : وفي هذا نظر ، و " ثم " هاهنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر ، لا للترتيب هاهنا ، كما قال الشاعر :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده

وهاهنا لما أخبر الله تعالى عن القرآن بقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) عطف بمدح التوراة ورسولها ، فقال : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة ، كقوله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) [ الأحقاف : 12 ] ، وقوله في أول هذه السورة : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) [ الآية : 91 ] ، وبعدها ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ) الآية [ الأنعام : 92 ] ، وقال تعالى مخبرا عن المشركين : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) قال تعالى : ( أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون ) [ القصص : 48 ] ، وقال تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) [ الأحقاف : 30 ] .

وقوله تعالى : ( تماما على الذي أحسن وتفصيلا ) أي : آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماما كاملا جامعا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته ، كما قال : ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء ) الآية [ الأعراف : 145 ] .

وقوله : ( على الذي أحسن ) أي : جزاء على إحسانه في العمل ، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا ، كقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] ، وكقوله ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [ البقرة : 124 ] ، وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ السجدة : 24 ] .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) يقول : أحسن فيما أعطاه الله .

وقال قتادة : من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة .

واختار ابن جرير أن تقدير الكلام : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما ) على إحسانه . فكأنه جعل " الذي " مصدرية ، كما قيل في قوله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) [ التوبة : 69 ] أي : كخوضهم وقال ابن رواحة :

فثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصرا كالذي نصروا

وقال آخرون : " الذي " هاهنا بمعنى " الذين "

قال ابن جرير : وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرؤها : " تماما على الذين أحسنوا "

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) قال : على المؤمنين والمحسنين ، وكذا قال أبو عبيدة . قال البغوي : والمحسنون : الأنبياء والمؤمنون ، يعني : أظهرنا فضله عليهم .

قلت : كما قال تعالى : ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) [ الأعراف : 144 ] ، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل ، عليهما السلام لأدلة أخر .

قال ابن جرير : وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها " تماما على الذي أحسن " رفعا ، بتأويل : " على الذي هو أحسن " ، ثم قال : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، وإن كان لها في العربية وجه صحيح .

وقيل : معناه : تماما على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه ، حكاه ابن جرير ، والبغوي .

ولا منافاة بينه وبين القول الأول ، وبه جمع ابن جرير كما بيناه ، ولله الحمد .

وقوله : ( وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة ) فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)

القول في تأويل قوله : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ثم آتينا موسى الكتاب)، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتابَ = فترك ذكر " قل ", إذ كان قد تقدم في أول القصّة ما يدلّ على أنه مرادٌ فيها, وذلك قوله : (28) قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ، فقصَّ ما حرم عليهم وأحلّ, ثم قال: ثم قل: "آتينا موسى ", فحذف " قل " لدلالة قوله: " قل " عليه, وأنه مراد في الكلام .

وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلام, لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بُعث بعد موسى بدهر طويل، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه. ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدًا بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه. و " ثم " في كلام العرب حرف يدلّ على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي قبلها .

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (تمامًا على الذي أحسن)، فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين .

* ذكر من قال ذلك:

14171- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن)، قال: على المؤمنين.

14172- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن)، المؤمنين والمحسنين.

* * *

= وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده .

* * *

فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: (على الذي أحسن)، فيوحِّد " الذي", والتأويل على الذين أحسنوا؟

قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في" الذي" وفي" الألف واللام "، إذا أرادت به الكل والجميع, كما قال جل ثناؤه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، [سورة العصر: 2،1] ، وكما قالوا: " كثر الدِّرهم فيه في أيدي الناس ". (29)

وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ ذلك: " تمامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا "، وذلك من قراءته كذلك، يؤيد قول مجاهد .

وإذا كان المعنى كذلك, كان قوله: " أحسن "، فعلا ماضيًا, فيكون نصبه لذلك .

* * *

وقد يجوز أن يكون " أحسن " في موضع خفض, غير أنه نصب إذ كان " أفعل ", و " أفعل "، لا يجري في كلامها . (30)

فإن قيل: فبأيِّ شيء خفض؟

قيل: ردًّا على " الذي"، إذ لم يظهر له ما يرفعه = فيكون تأويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي هو أحسن, ثم حذف " هو ", وجاور " أحسن "" الذي", فعرِّب بتعريبه, (31) إذ كان كالمعرفة من أجل أن " الألف واللام " لا يدخلانه," والذي" مثله, كما تقول العرب: " مررت بالذي خيرٍ منك، وشرٍّ منك ", (32) كما قال الراجز: (33)

إِنَّ الزُّبَــيْرِيَّ الَّــذِي مِثْـلَ الحَـلَمْ

مَسَّــى بِأَسْــلابِكُمُ أَهْــلَ الْعَلَــمْ (34)

فأتبع " مثل "" الذي"، في الإعراب . ومن قال ذلك، لم يقل: مررت " بالذي عالمٍ", لأن " عالمًا " نكرة،" والذي" معرفة, ولا تتبع نكرة معرفة . (35)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: " تمامًا على الذي أحسن "، موسى، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه .

* ذكر من قال ذلك:

14173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذين أحسن)، فيما أعطاه الله.

14174- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الآخرة .

14175- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، يقول: من أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة.

* * *

وعلى هذا التأويل الذي تأوّله الربيع، يكون " أحسن "، نصبًا, لأنه فعل ماض, و " الذي" بمعنى " ما " = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى = أي: آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الآخرة، تمامًا على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته .

* * *

وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم .

* ذكر من قال ذلك:

14176- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، قال: تمامًا من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام, وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا، لنعمته عليه وإحسانه .

* * *

" وأحسن " على هذا التأويل أيضًا، في موضع نصب، على أنه فعل ماض،" والذي" على هذا القول والقول الذي قاله الربيع، بمعنى: " ما " .

* * *

وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك: " تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ" رفعًا= بتأويل: على الذي هو أحسن .

14177- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا الحجاج, عن هارون, عن أبي عمرو بن العلاء, عن يحيى بن يعمر .

* * *

قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح, لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار .

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا = لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام, وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة. فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة .

* * *

ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد، كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسنّا = أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن .

وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب، ثم صرفه الخبر بقوله: " أحسن ", إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين = الدليلُ الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد .

* * *

وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه " الذي" إلى معنى الجميع، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك. بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه . وإذا تنوزع في تأويل الكلام، كان أولى معانيه به أغلبُه على الظاهر, إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليلٌ واضح على أنه معنيٌّ به غير ذلك .

* * *

وأما قوله: (وتفصيلا لكل شيء)، فإنه يعني: وتبيينًا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به . (36)

* * *

= فتأويل الكلام إذًا: ثم آتينا موسى التوراة تمامًا لنعمنا عنده وأيادينا قِبَله, تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربَّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه, وتبيينًا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم، (37) كما:-

14178- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وتفصيلا لكل شيء)، فيه حلاله وحرامه .

* * *

القول في تأويل قوله : وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلا لكل شيء =(وهدى)، يعني بقوله " وهدى "، تقويمًا لهم على الطريق المستقيم, وبيانًا لهم سُبُل الرشاد لئلا يضلوا =(ورحمة)، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة, لننجيهم من الضلالة وَعمى الحيرة . (38)

وأما قوله: (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)، فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تمامًا لكرامة الله موسى، على إحسان موسى, وتفصيلا لشرائع دينه, وهدًى لمن اتبعه، ورحمة لمن كان منهم ضالا لينجيه الله به من الضلالة, وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه فيه, فيرتدع عما هو عليه مقيمٌ من الكفر به, وبلقائه بعد مماته, فيطيع ربه, ويصدِّق بما جاءه به نبيه موسى صلى الله عليه وسلم .

--------------------

الهوامش :

(28) في المطبوعة والمخطوطة : (( ذلك قوله )) بغير واو ، والسياق يقتضي إثباتها .

(29) في المطبوعة : (( أكثر الذي هم في أيدي الناس )) ، وهو كلام غث لا معنى له ، زاد (( فيه )) على ما كان في المخطوطة . وكان فيها : (( أكثر الدرهم في أيدي الناس )) ، وصواب قراءتها ما أثبت ، أو : (( ما أكثر الدرهم في أيدي الناس )) .

وقد سلف هذا البحث فيما مضى ، وفيه نحو هذا الشاهد 4 : 263 ، 270 / 6 : 125 .

(30) الإجراء : الصرف .

(31) في المطبوعة : (( فعرف بتعريفه )) ، وهو كلام لا معنى له ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، إذ كانت غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها . و (( التعريب )) ، هو (( الإعراب )) .

(32) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 365 ، وفيها خطأ ظاهر ، لأنه كتب هناك : (( مررت بالذي هو خير منك ، وشر منك )) ، فزادوا (( هو )) ، والصواب حذفها ، فلتصحح هناك .

(33) لم أعرفه .

(34) معاني القرآن للفراء 1 : 365 ، وروايته كما في مطبوعة المعاني :

مَشَّــى بِأَسْـلابِكَ فِـي أَهْـلِ الَعَلَـمْ

كأنه يعني أنه سلبه ثيابه ولبسهما ، وهو يمشي بها في الناس . (( ومشى )) بتشديد الشين . يقال : (( مشى )) و (( تمشي )) و (( مشى )) بمعنى واحد .

وأما رواية أبي جعفر ، فهي بالسين لا بالشين ، لا شك في ذلك ، كأنه يقول : صبحه بالغارة ، ثم أمسى بما سلبه عند (( أهل العلم )) ، وهو موضع . و (( العلم )) ، الجبل . و (( الحلم )) ( بفتحتين ) : القراد الصغير ، يصف هذا الزبيرى الذي سلبه ثيابه وأمواله ، بأنه قميء قصير .

(35) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 365 .

(36) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف 113 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(37) في المطبوعة : (( ما لقومه )) باللام ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

(38) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) و ( رحم ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[154] أزمتنا أزمة يقين! لو أيقنوا بلقاء الله لاستعدوا له، وعملوا بالكتاب، فكان لهم هدى ورحمة.
وقفة
[154] ﴿وآتينا موسى الكتاب﴾ إذا أراد الله بعبد كرامة آتاه الكتاب إنزالًا، أو حفظًا، أو فهمًا، أو تدبرًا، أو عملًا، أو تلاوةً.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ:
  • حرف عطف للترتيب وما بعده: معطوفة على «وَصَّاكُمْ بِهِ» في الأية الكريمة السابقة على تقدير: ذلكم وصّاكم به ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى الكتاب. آتينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. موسى: مفعول به أول منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. الكتاب: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ:
  • تماما: مفعول لاجله منصوب بالفتحة. على: حرف جر. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بآتينا. أحسن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ومعموله محذوف تقديره. أحسن القيام به. وجملة «أحسن القيام به» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ:
  • وتفصيلا: معطوفة بالواو على «تَماماً» وتعرب إعرابها. لكل: جار ومجرور متعلق بأتينا. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَهُدىً وَرَحْمَةً:
  • الاسمان: معطوفان بواوي العطف على «تَماماً» منصوبان مثلها بالفتحة بالنسبة الى كلمة «رَحْمَةً» وبالفتحة المقدرة على الألف للتعذر في آخر «هُدىً» قبل تنوينها: ونوّنت الكلمة لأنها اسم ثلاثي نكرة.
  • ﴿ لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ:
  • لعل: حرف مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسمها. بلقاء: جار ومجرور متعلق بيؤمنون. ربّ: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يُؤْمِنُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة: في محل رفع خبر «لّعل». '

المتشابهات :

الأنعام: 154﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
الأعراف: 145﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ
يوسف: 111﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [154] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل الوصايا العشر في الآيات الثلاث السابقة؛ ذكرَ اللهُ هنا ما يشبه القرآن في التشريع، ويسير على نهجه في الهداية، وهو كتاب موسى عليه السلام الذي اشتهر عند مشركي العرب، وعرفوا بالسماع خبره، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ

القراءات :

أحسن:
وقرئ:
برفع النون، على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهى قراءة يحيى بن يعمر، وابن أبى إسحاق.

مدارسة الآية : [155] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ..

التفسير :

[155] وهذا القرآن كتاب أنزلناه على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، خيره كثير فاتبعوه فيما يأمر به وينهى عنه، واتقوا الله أن تخالفوا له أمراً؛ رجاء أن ترحموا فتنجوا من عذابه، وتظفروا بثوابه.

{ وَهَذَا} القرآن العظيم، والذكر الحكيم.{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} أي:فيه الخير الكثير والعلم الغزير، وهو الذي تستمد منه سائر العلوم، وتستخرج منه البركات، فما من خير إلا وقد دعا إليه ورغب فيه، وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه، وما من شر إلا وقد نهى عنه وحذر منه، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله وعواقبها الوخيمة{ فَاتَّبِعُوهُ} فيما يأمر به وينهى، وابنوا أصول دينكم وفروعه عليه{ وَاتَّقُوا} الله تعالى أن تخالفوا له أمرا{ لَعَلَّكُمْ} إن اتبعتموه{ تُرْحَمُونَ} فأكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب، علما وعملا.

ثم بين- سبحانه- منزلة القرآن فقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ أى: وهذا القرآن الذي قرأ عليكم أوامره ونواهيه رسولنا صلى الله عليه وسلم كتاب عظيم الشأن أنزلناه بواسطة الروح الأمين، وهو جامع لكل أسباب الهداية الدائمة، والسعادة الثابتة.

فَاتَّبِعُوهُ أى: اعملوا بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام.

وَاتَّقُوا مخالفته واتباع غيره.

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أى: لترحموا بواسطة اتباعه والعمل بما فيه.

فيه الدعوة إلى اتباع القرآن ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وهذا كتاب أنـزلناه مبارك)، وهذا القرآن الذي أنـزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم =" كتاب أنـزلناه مبارك فاتبعوه "، (39) يقول: فاجعلوه إمامًا تتّبعونه وتعملون بما فيه، أيها الناس (40) =(واتقوا)، يقول: واحذروا الله في أنفسكم، أن تضيعوا العمل بما فيه, وتتعدّوا حدودَه, وتستحلُّوا محارمه . (41) كما:-

14179- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة,قوله: (وهذا كتاب أنـزلناه مبارك)، وهو القرآن الذي أنـزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام =(فاتبعوه)، يقول: فاتبعوا حلاله، وحرّموا حرامه .

* * *

وقوله: (لعلكم ترحمون)، يقول: لترحموا، فتنجوا من عذاب الله، وأليم عقابه .

---------------------

الهوامش :

(39) انظر تفسير (( مبارك )) فيما سلف 7 : 25 /11 : 530 .

(40) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة ( تبع ) .

(41) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[155] قال السعدي: «فأكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب علمًا وعملًا».
وقفة
[155] ﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ﴾ ثلاث مرات، أشير له بالقرب (هذا) لمن أراد الهدى به والاتباع والبركة فهو قريب منه، ﴿ذلك الكتاب﴾ [البقرة: 2] مرة واحدة في البقرة، أشير له بالبعد (ذلك) لما كان المقصود التحدي، فمحال أن يؤتى بمثله، وبعيد مناله.
وقفة
[155] ﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ﴾ تستخرج منه البركات؛ فما من خير إلا وقد دعا إليه، ورغَّب فيه، وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه، وما من شر إلا وقد نهى عنه، وحَذَّر منه، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله، وعواقبها الوخيمة.
وقفة
[155] في قوله صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ» [مسلم 804]، وفي قوله تعالى: ﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ﴾، هل البركة خاصة لأمور الآخرة أم شاملة؟ وما حكم قراءة سورة البقرة لحصول البركة؟ الجواب: بركة القرآن شاملة لكل شيء في حياة المسلم: الوقت والمال والصحة وأمور الدنيا والآخرة، ولا مانع من قراءة سورة البقرة لأجل الحصول على البركة مع وجود الأصل، وهو أن يكون ذلك لله وابتغاء الأجر والثواب والبركة منه سبحانه.
وقفة
[155] ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بقدرِ اتِّباعك للقرآن علمًا وعملًا تكونُ رحمةُ الله لك.
وقفة
[155] ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فأكبر سبب لنيل رحمه الله اتباع هذا الكتاب علمًا وعملًا.
وقفة
[155] ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ من اتبع هدايات القرآن رحمه الله.
وقفة
[155] ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ اتباع هذا الكتاب علمًا وعملًا من أعظم أسباب نيل رحمة الله.
وقفة
[155] ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، و﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، ضع هاتين الجملتين: ﴿ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ و﴿ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ بين قوسين، لعل قارئها يستشعر أن هاتين الآيتين هما جواز الداخل إلى أقطار القرآن، ويعرف حق القرآن عليه! ووظيفته التي يجب أن يقوم بها نحوه، وهي: التدبر لمعانيه واتباعه.
وقفة
[155] أكثر الناس اتباعاً لكتاب الله أكثرهم قربًا من رحمة الله ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقفة
[155] عنايتك بالقرآن لا تعني إقامة حروفه وتضييع حدوده واتخاذه ظهريًّا، وإنما تعني تلاوته وتدبره واتباعك لما جاء به، قال تعالى: ﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ومما جاء به الأمر باتباع النبي ﷺ، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
وقفة
[155] ربُّك يريد لك الجنة :إذا غفلت قال: ﴿اتَّقُوا﴾، وإذا تكاسلت قال: ﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: 21]، وإذا مرضت قال: ﴿اصْبِرُوا﴾ [آل عمران: 200]، وإذا غنيت قال: ﴿أَنفِقُوا﴾ [البقرة: 254]، وإذا قويت قال: ﴿جَاهِدُوا﴾ [التوبة: 41].

الإعراب :

  • ﴿ وَهذا كِتابٌ:
  • الواو: استئنافية. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كتاب: خبر «هذا» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وجملة «أَنْزَلْناهُ» في محل رفع صفة لكتاب مبارك: صفة ثانية لكتاب مرفوعة مثله بالضمة.
  • ﴿ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا:
  • الفاء: استئنافية. اتبعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. واتقوا: معطوفة بالواو على «اتبعوا» وتعرب إعرابها ومعمولها محذوف تقديره: واتقوا الله.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
  • لعل: حرف مشبه بالفعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسمها والميم علامة جمع الذكور. ترحمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة: في محل رفع خبر «لعّل». '

المتشابهات :

الأنعام: 92﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا
الأنعام: 155﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [155] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل أنَّه أعطى موسى عليه السلام التوراة؛ ذكر هنا أنه أعطى محمدًا وأمته القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [156] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ ..

التفسير :

[156] وأنزلنا هذا القرآن؛ لئلا تقولوا -يا كفار العرب-:إنما أُنزل الكتاب من السماء على اليهود والنصارى، وقد كنا عن قراءة كتبهم في شغل، ونحن ليس لنا بها علم ولا معرفة.

{ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} أي:أنزلنا إليكم هذا الكتاب المبارك قطعا لحجتكم، وخشية أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أي:اليهود والنصارى.{ وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} أي:تقولون لَمْ تنزل علينا كتابا، والكتب التي أنزلتها على الطائفتين ليس لنا بها علم ولا معرفة، فأنزلنا إليكم كتابا، لم ينزل من السماء كتاب أجمع ولا أوضح ولا أبين منه.

ثم قطع- سبحانه- عذر كل من يعرض عن هذا الكتاب فقال: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ.

أى: أنزلنا هذا الكتاب لهدايتكم كراهة أن تقولوا يوم القيامة، أو لئلا تقولوا لو لم ننزله:

إنما أنزل الكتاب الناطق بالحجة على جماعتين كائنتين من قبلنا وهما اليهود والنصارى، وإنا كنا عن تلاوة كتابهم لغافلين لا علم لنا بشيء منها لأنها ليست بلغتنا.

فقوله: أَنْ تَقُولُوا مفعول لأجله والعامل فيه أنزلناه مقدرا مدلولا عليه بنفس أنزلناه الملفوظ به في الآية السابقة أى: أنزلناه كراهية أن تقولوا.

وقيل إنه مفعول به والعامل فيه قوله في الآية السابقة- أيضا- وَاتَّقُوا ... أى. واتقوا قولكم كيت وكيت. وقوله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ معترض جار مجرى التعليل.

والمراد بالكتاب جنسه المنحصر في التوراة والإنجيل والزبور.

وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا من بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام.

والخطاب لكل من أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جرير : معناه : وهذا كتاب أنزلناه لئلا يقولوا : ( إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ) .

يعني : لينقطع عذرهم ، كما قال تعالى : ( ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ) [ القصص : 47 ] .

وقوله : ( على طائفتين من قبلنا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم اليهود والنصارى وكذا قال مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، وغير واحد .

وقوله : ( وإن كنا عن دراستهم لغافلين ) أي : وما كنا نفهم ما يقولون; لأنهم ليسوا بلساننا ، ونحن مع ذلك في شغل وغفلة عما هم فيه .

القول في تأويل قوله : أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)

قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في العامل في" أن " التي في قوله: (أن تقولوا) وفي معنى هذا الكلام.

فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ، (42) كراهيةَ أن تقولوا: " إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ".

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك في موضع نصب بفعل مضمر. قال: ومعنى الكلام: فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون = اتقوا أن تقولوا . قال: ومثله يقول الله أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ، [ سورة الحجرات: 2].

* * *

وقال آخرون منهم: هو في موضع نصب . قال: ونصبه من مكانين: أحدهما: أنـزلناه لئلا يقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا (43) = والآخر من قوله: (اتقوا). قال: ولا يصلح في موضع " أن " كقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [ سورة النساء: 176]. (44)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: نصب " أن " لتعلقها: بالإنـزال, لأن معنى الكلام: وهذا كتاب أنـزلناه مبارك لئلا تقولوا: " إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ".

* * *

فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله, وأخبر أنه إنما أنـزل كتابه على نبيه محمد لئلا يقول المشركون: " لم ينـزل علينا كتاب فنتبعه, ولم نؤمر ولم نُنْه, فليس علينا حجة فيما نأتي ونَذَر, إذ لم يأت من الله كتاب ولا رسول ", (45) وإنما الحجة على الطائفتين اللتين أنـزل عليهما الكتاب من قبلنا = فإنهما اليهود والنصارى، (46) وكذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

14180- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، وهم اليهود والنصارى .

14181- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، اليهود والنصارى يُخاف أن تقوله قريش .

14182- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، قال: اليهود والنصارى. قال: أن تقول قريش .

14183- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، وهم اليهود والنصارى .

14184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، أما الطائفتان: فاليهود والنصارى .

* * *

وأما(وإن كنا عن دِرَاستهم لغافلين)، فإنه يعني: أن تقولوا: وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتابَ الذي أنـزلتُ عليهم (47) =" غافلين ", لا ندري ما هي, (48) ولا نعلم ما يقرؤون وما يقولون، وما أنـزل إليهم في كتابهم, لأنهم كانوا أهله دوننا, ولم نعن به ولم نؤمر بما فيه, ولا هو بلساننا, فيتخذوا ذلك حجة . فقطع الله بإنـزاله القرآنَ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حجتهم تلك . (49)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

14185- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين)، يقول: وإن كنا عن تلاوتهم لغافلين .

14186- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين)، أي: عن قراءتهم .

14187- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين)، قال: " الدراسة "، القراءة والعلم. وقرأ: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ، [سورة الأعراف: 169]. قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالة .

14188- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين)، يقول: وإن كنا عن قراءتهم لغافلين، لا نعلم ما هي .

-----------------

الهوامش :

(42) أرجح أن صواب العبارة : (( معنى ذلك : وهذا كتاب أنزلناه مبارك ، كراهية أن تقولوا ... )) فإنه هو القول الذي اختاره أبو جعفر بعد . ولعله سهو منه أو من الناسخ .

(43) في المطبوعة والمخطوطة : (( إنما أنزل الكتاب على )) وقطع ، وزدت بقية الآية .

(44) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 36 .

(45) في المطبوعة : (( لم يأت )) ، وفي المخطوطة مثلها ، وضرب عليها ، ووضع حرف ( ط ) دلالة على الخطأ أو الشك ، ورأين قراءتها ، فهذا حق السياق .

(46) انظر تفسير (( الطائفة )) فيما سلف 6 : 500 ، 506 / 9 : 141 .

(47) انظر تفسير (( الدراسة )) فيما سلف 6 : 546 / 12 : 25 - 31 .

(48) في المخطوطة : (( ما هم )) ، ويؤيد ما في المطبوعة ، ما سيأتي بعد في رقم : 14188 .

(49) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف من فهارس اللغة (( غفل )) .

التدبر :

وقفة
[156] قد يحتج بعض المشركين بأن التوراة والإنجيل لو أُنزِلت عليهم لكانوا أهدى من اليهود والنصارى، فقطع الله عليهم كل عذر بأن أنزل إليهم القرآن.

الإعراب :

  • ﴿ أَنْ تَقُولُوا:
  • أن: حرف نصب ومصدرية. تقولوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «أَنْ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول له «لاجله» بمعنى: ذلك كراهية قولكم. وجملة «تَقُولُوا» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-. إنّما: كافة ومكفوفة. أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الكتاب: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا:
  • جار ومجرور متعلق بأنزل وعلامة جر الاسم الياء لأنه مثنى والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. من قبل: جار ومجرور متعلق بحال محذوف من «الْكِتابُ» ومن حرف جر بياني و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِنْ كُنَّا:
  • الواو: عاطفة إن: مخففة عن الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف أي وإنه. كنّا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان» والجملة الفعلية «كُنَّا» في محل رفع خبر «إن» أي وإننا كنا عن قراءتهم لكتبهم لغافلين.
  • ﴿ عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بغافلين. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. لغافلين: اللام: مزحلقة وهي اللام الفارقة بين «إن» المخففة من «إنّ» الثقيلة التي هي حرف مشبه بالفعل. غافلين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [156] لما قبلها :     وبعد ذكرِ القرآن؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا المراد من إنزاله، وهو: إقامة الحجة البالغة، أي: حتى لا يقول مشركو العرب: 1- إنما أنزل الله التوراة والإنجيل على اليهود والنصارى من قبلنا، ولم يُنزل علينا كتابًا، وإنا لا ندري تلاوة كتبهم؛ لأنها بلُغتهم، وليست بلُغتنا، قال تعالى:
﴿ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [157] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ ..

التفسير :

[157] ولئلا تقولوا -أيها المشركون-:لو أنَّا أُنزل علينا كتاب من السماء، كما أُنزل على اليهود والنصارى، لكنَّا أشدَّ استقامة على طريق الحق منهم، فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربي مبين، وذلك حجة واضحة مِن ربكم وإرشاد إلى طريق الحق، ورحمةٌ لهذه الأمة. فلا أحد أشد

{ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} أي:إما أن تعتذروا بعدم وصول أصل الهداية إليكم، وإما أن تعتذروا، بـ[عدم] كمالها وتمامها، فحصل لكم بكتابكم أصل الهداية وكمالها، ولهذا قال:{ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وهذا اسم جنس، يدخل فيه كل ما يبين الحق{ وَهُدًى} من الضلالة{ وَرَحْمَةٌ} أي:سعادة لكم في دينكم ودنياكم، فهذا يوجب لكم الانقياد لأحكامه والإيمان بأخباره، وأن من لم يرفع به رأسا وكذب به، فإنه أظلم الظالمين، ولهذا قال:{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} أي:أعرض ونأى بجانبه.{ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ} أي:العذاب الذي يسوء صاحبه ويشق عليه.{ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} لأنفسهم ولغيرهم، جزاء لهم على عملهم السيء{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وفي هذه الآيات دليل على أن علم القرآن أجل العلوم وأبركها وأوسعها، وأنه به تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم، هداية تامة لا يحتاج معها إلى تخرص المتكلمين، ولا إلى أفكار المتفلسفين، ولا لغير ذلك من علوم الأولين والآخرين. وأن المعروف أنه لم ينزل جنس الكتاب إلا على الطائفتين، [من] اليهود والنصارى، فهم أهل الكتاب عند الإطلاق، لا يدخل فيهم سائر الطوائف، لا المجوس ولا غيرهم. وفيه:ما كان عليه الجاهلية قبل نزول القرآن، من الجهل العظيم وعدم العلم بما عند أهل الكتاب، الذين عندهم مادة العلم، وغفلتهم عن دراسة كتبهم.

ثم ساق- سبحانه- آية أخرى لقطع أعذارهم فقال أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ.

أى: وأنزلنا الكتاب- أيضا- خشية أن تقولوا معتذرين يوم القيامة لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الذين من قبلنا، لكنا أهدى منهم إلى الحق وأسرع منهم استجابة لله ولرسوله لمزيد ذكائنا، وتوقد أذهاننا، وتفتح قلوبنا.

وقوله: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ جواب قاطع لأعذارهم وتعلاتهم أى:

فقد جاءكم من ربكم عن طريق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الواضح المبين، والذي هو هداية لكم إلى طريق الحق، ورحمة لمن يعمل بما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات.

وقوله: فَقَدْ جاءَكُمْ متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أى:

لا تعتذروا فقد جاءكم ... وإما شرط له أى: إن صدقتم فيما كنتم تعدون به. فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بينة من ربكم.

والاستفهام في قوله فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها للإنكار والنفي. أى:

لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وأعرض عنها بعد أن جاءته ببيناتها الكاملة، وهداياتها الشاملة.

والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فإن مجيء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه أى: وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم..؟ ومعنى: وصدف عنها أى:

أعرض عنها غير متفكر فيها، أو صرف الناس عنها وصدهم عن سبيلها. فجمع بين الضلال والإضلال.

ثم ختم- سبحانه- الآية بتهديد أولئك المعرضين عن آياته بقوله:

سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ أى: سنجزيهم أسوأ العذاب وأشده بسبب تكذيبهم لآياتنا وإعراضهم عنها.

فالآيتان الكريمتان تقطعان كل عذر قد يتعلل به يوم القيامة المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم، وتتوعدهم بأشد ألوان العذاب.

ثم يمضى القرآن في تهديدهم خطوة أخرى. ردا على ما كانوا يطلبون من الآيات الخارقة، وتحذيرا من إعراضهم وتقاعسهم عن طريق الحق مع أن الزمن لا يتوقف، والفرص لا تعود فيقول:

وقوله : ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) أي : وقطعنا تعللكم أن تقولوا : لو أنا أنزل علينا ما أنزل عليهم لكنا أهدى منهم فيما أوتوه ، كقوله : (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ) [ فاطر : 42 ] ، وهكذا قال هاهنا : ( فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) يقول : فقد جاءكم من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي - قرآن عظيم ، فيه بيان للحلال والحرام ، وهدى لما في القلوب ، ورحمة من الله بعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه .

وقوله : ( فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ) أي : لم ينتفع بما جاء به الرسول ، ولا اتبع ما أرسل به ، ولا ترك غيره ، بل صدف عن اتباع آيات الله ، أي : صرف الناس وصدهم عن ذلك قاله السدي .

وعن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( وصدف عنها ) أعرض عنها .

وقول السدي هاهنا فيه قوة; لأنه قال : ( فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ) كما تقدم في أول السورة : ( وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم ) [ الآية : 26 ] ، وقال تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ) [ النحل : 88 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : ( سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ) .

وقد يكون المراد فيما قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ) أي : لا آمن بها ولا عمل بها ، كقوله تعالى : ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) [ القيامة : 32 ، 31 ] ، ونحو ذلك من الآيات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه ، وترك العمل بجوارحه ، ولكن المعنى الأول أقوى وأظهر ، والله تعالى أعلم .

القول في تأويل قوله : أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ , لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش: إِنَّمَا أُنْـزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا , أو: لئلا يقولوا: لو أنّا أنـزل علينا الكتاب كما أنـزل على هاتين الطائفتين من قبلنا, فأمرنا فيه ونُهِينا, وبُيِّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه =(لكنا أهدى منهم) ، أي: لكنا أشدَّ استقامة على طريق الحق، واتباعًا للكتاب, وأحسن عملا بما فيه، من الطائفتين اللتين أنـزل عليهما الكتاب من قبلنا . (50) يقول الله: (فقد جاءكم بينة من ربكم)، يقول: فقد جاءكم كتابٌ بلسانكم عربيٌ مبين, حجة عليكم واضحة بيّنة من ربكم (51) =(وهدى)، يقول: وبيان للحق, وفُرْقانٌ بين الصواب والخطأ =، (ورحمة) لمن عمل به واتّبعه، كما:-

14189- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (أو تقولوا لو أنا أنـزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم)، يقول: قد جاءكم بينة، لسانٌ عربي مبين, حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين, وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم .

14190- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (أو تقولوا لو أنا أنـزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم)، فهذا قول كفار العرب =(فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ).

* * *

القول في تأويل قوله : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشدّ عدوانًا منكم، أيها المشركون, المكذبون بحجج الله وأدلته = وهي آياته (52) =(وصدف عنها)، يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته, فلم يؤمن بها، ولم يصدِّق بحقيقتها .

وأخرج جل ثناؤه الخبر بقوله: (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله)، مخرج الخبر عن الغائب, والمعنيّ به المخاطبون به من مشركي قريش .

* * *

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وصدف عنها)، قال أهل التأويل . (53)

* ذكر من قال ذلك:

14191- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (وصدف عنها)، يقول: أعرض عنها .

14192- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (يصدفون عن آياتنا)، يعرضون عنها, و " الصدف "، الإعراض.

14193- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وصدف عنها)، أعرض عنها,(سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)، أي: يعرضون .

14194- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وصدف عنها)، فصدَّ عنها.

* * *

وقوله: (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب)، يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها، (54) ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله، وحقيقة نبوة نبيه، (55) وصدق ما جاءهم به من عند ربهم =(سوء العذاب)، يقول: شديد العقاب, وذلك عذاب النار التي أعدَّها الله لكفرة خلقه به =(بما كانوا يصدفون)، يقول: يفعل الله ذلك بهم جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا، فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .

--------------------

الهوامش :

(50) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

(51) انظر تفسير (( البينة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .

(52) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم )

= وتفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .

(53) انظر تفسير (( صدف )) فيما سلف 11 : 366 .

(54) انظر تفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .

(55) في المطبوعة : (( وحقية نبوة نبيه )) ، فعل بها ما فعل بأخواتها من قبل . انظر ما سلف 11 : 475 تعليق : 3 ، والمراجع هناك . و (( حقيقة )) مصدر بمعنى (( حق )) .

التدبر :

وقفة
[157] ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ من أعظم الناس ظلمًا؟! صدف عن الشيء أي انصرف عنه وصرف عنه غيره، فجمع بين الضلال والإضلال، فحمل أوزاره وأوزار من تبعه.
وقفة
[157] ﴿وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ صدف عن الشيء أي انصرف عنه وصرف عنه غيره، فجمع بين الضلال والإضلال، فحمل أوزاره وأوزار من تبعه.
وقفة
[157] ﴿وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ جاء بالفعل صدف دون أعرض لأن أعرض يعني رفض الإنسان للهدى وحسب أما الفعل صدف فإنه يدل على إعراض الإنسان عن قبول الحق والهدى ولكنه لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى الآخرين فيصد الناس عن الحق فقوله ﴿وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ تضمن إعراضهم عنها وصرفهم للناس عن لآلئها وهديها.
تفاعل
[157] ﴿سُوءَ الْعَذَابِ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ أَوْ تَقُولُوا لَوْ:
  • أو: حرف عطف. تقولوا: معطوفة على «تَقُولُوا» الاولى وتعرب مثلها. لو: حرف شرط غير جازم.
  • ﴿ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ:
  • أنّ: حرف مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أن». أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. علينا: جار ومجرور متعلق بأنزل. الكتاب: نائب فاعل مرفوع بالضمة. وجملة «أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ» في محل رفع خبر «أن» و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره: ثبت. التقدير: لو ثبت إنزال الكتاب لكنّا أهدى منهم.
  • ﴿ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ:
  • اللام واقعة في جواب «لَوْ». كنّا: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». أهدى: خبرها منصوب بالفتحة المقدرة على الالف للتعذر. منهم: جار ومجرور متعلق بأهدى و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن. وجملة «أَهْدى مِنْهُمْ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ:
  • الفاء: رابطة لجواب شرط محذوف على معنى: إن صدقتكم فيما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم بينة من ربكم فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذف والجملة بلفظ التعنيف والتبكيت لهم جواب شرط جازم محذوف مقترن بالفاء في محل جزم. قد: حرف تحقيق. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور وقد ذكر الفعل لأنّ معنى الفاعل «بَيِّنَةٌ» بيان. أو كون الفعل مفصولا عن فاعله بضمير المخاطبين بيّنة: فاعل مرفوع بالضمة
  • ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من بينة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وهدى ورحمة: اسمان معطوفان بواوي العطف على «بَيِّنَةٌ» مرفوعان مثلها بالضمة وقد قدرت الضمة على آخره «هُدىً» منع من ظهورها التعذر.
  • ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ:
  • الفاء: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أظلم: خبر «من» مرفوع بالضمة ولم ينوّن لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل». ممن: مكونة من «من» حرف جر و «من» اسم موصول في محل جر بمن.
  • ﴿ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. كذّب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بآيات: جار ومجرور متعلق بكذب. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي:
  • معطوفة بالواو على «كَذَّبَ بِآياتِ» وتعرب إعرابها. سنجزي: السين حرف استقبال- تسويف- للقريب. نجزي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ الَّذِينَ يَصْدِفُونَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول. يصدفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بمعنى «يعرضون» وجملة «يَصْدِفُونَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ:
  • جار ومجرور متعلق بيصدفون و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. سوء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. العذاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بنجزي. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يصدفون: سبق إعرابها. وجملة «يَصْدِفُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «كانُوا يَصْدِفُونَ» صلة الموصول. '

المتشابهات :

الأنعام: 157﴿ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ
الأعراف: 173﴿ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [157] لما قبلها :     2- لو أنزل اللهُ علينا كتابًا كما أنزله على اليهود والنصارى لكُنَّا أكثر استقامة منهم، قال تعالى:
﴿ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ

القراءات :

تقولوا:
وقرئ:
يقولوا، بياء الغيبة أي: كفار قريش، وهى قراءة ابن محيصن.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف