269151617181920212223242526

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (23) عدد الآيات (9)

أدلَّةٌ أُخرى: تثْبيتُ الأرضِ بالجبالِ، وإجراءُ الأنهارِ، وبعدَ ذكرِ هذه الأدلَّةِ والتي تُعتبرُ شرحًا لأنواعِ نعمِ اللهِ تعالى، بَيَّنَ أنَّ العبادةَ لا تليقُ إلا بالقادرِ على ما سبقَ، المُنْعِمِ بكلِّ هذهِ النِّعمِ، ولا تليقُ بغيرِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (24) الى الآية رقم (26) عدد الآيات (3)

بعدَ ذكرِ أدلَّةِ التَّوحيدِ وأدلَّةِ بطلانِ عبادةِ الأصنامِ، أعقَبَ ذلك ببيانِ شبهاتِ المشركينَ، وأولُها: الطَّعنُ في القرآنِ، فقالُوا: أساطيرُ الأولينَ، ثُمَّ بَيَّنَ عقوبَتَهم في الدنيا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة:: فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل:: انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «النحل».
  • • معنى الاسم :: النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية :: قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة :: أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة :: أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة :: أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

مدارسة الآية : [15] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن ..

التفسير :

[15] وأرسى في الأرض جبالاً تثبتها حتى لا تميل بكم، وجعل فيها أنهاراً؛ لتشربوا منها، وجعل فيها طرقاً؛ لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها.

تفسير الآيتين 15 و 16:ـ

أي:{ وَأَلْقَى} الله تعالى لأجل عباده{ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} وهي:الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق فيتمكنون من حرث الأرض والبناء والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا، يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارا على وجه الأرض، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا، أي:طرقا توصل إلى الديار المتنائية{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.

ولفظ: «رواسى» جمع راس من الرسو- بفتح الراء وسكون السين- بمعنى الثبات والتمكن في المكان، يقال رسا الشيء يرسو إذا ثبت. وهو صفة لموصوف محذوف. أى:

جبالا رواسى.

و «تميد» أى تضطرب وتميل. يقال: ماد الشيء يميد ميدا، إذا تحرك، ومادت الأغصان إذا تمايلت أى: وألقى- سبحانه- في الأرض جبالا ثوابت لكي تقر وتثبت ولا تضطرب.

فقوله «أن تميد بكم» تعليل لإلقاء الجبال في الأرض.

قال القرطبي: وروى الترمذي بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتضطرب، فخلق الجبال عليها فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال. قالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال نعم، الحديد. قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال نعم النار. قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال نعم الماء، قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال نعم الريح.

قالوا يا رب: فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال نعم، ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله» .

هذا، ومن الآيات التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ..» .

وقوله- تعالى-: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً .

ثم بين- سبحانه- نعما أخرى لما ألقاه في الأرض فقال: وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. أى: وجعل في الأرض «أنهارا» تجرى من مكان إلى آخر، فهي تنبع في مواضع. وتصب في مواضع أخرى، وفيها نفع عظيم للجميع، إذ منها يشرب الناس والدواب والأنعام والنبات.

وجعل فيها كذلك طرقا ممهدة، يسير فيها السائرون من مكان إلى آخر. «لعلكم تهتدون» بتلك السبل إلى المكان الذي تريدون الوصول إليه. بدون تحير أو ضلال.

وقد كرر القرآن الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله تعالى-: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً. لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً .

ثم ذكر تعالى الأرض ، وما جعل فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات ، لتقر الأرض ولا تميد أي : تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ; ولهذا قال : ( والجبال أرساها ) [ النازعات : 32 ] .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن قتادة ، سمعت الحسن يقول : لما خلقت الأرض كانت تميد ، فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خلقت الجبال ، لم تدر الملائكة مم خلقت الجبال .

وقال سعيد عن قتادة ، عن الحسن ، عن قيس بن عبادة : أن الله تعالى لما خلق الأرض ، جعلت تمور ، فقالت الملائكة : ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : أي رب ، تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث ؟ قال : فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان إقرارها كاللحم يترجرج . .

وقوله : ( وأنهارا وسبلا ) أي : وجعل فيها أنهارا تجري من مكان إلى مكان آخر ، رزقا للعباد ، ينبع في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر ، فيقطع البقاع والبراري والقفار ، ويخترق الجبال والآكام ، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله . وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة ، وجنوبا وشمالا وشرقا وغربا ، ما بين صغار وكبار ، وأودية تجري حينا وتنقطع في وقت ، وما بين نبع وجمع ، وقوي السير وبطيئه ، بحسب ما أراد وقدر ، وسخر ويسر فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

وكذلك جعل فيها سبلا أي : طرقا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد ، حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممرا ومسلكا ، كما قال تعالى : ( وجعلنا فيها فجاجا سبلا ) [ الأنبياء : 31 ] .

يقول تعالى ذكره: ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا، أن ألقى في الأرض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال. وقوله ( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) يعني: أن لا تميد بكم، وذلك كقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا والمعنى: أن لا تضلوا. وذلك أنه جلّ ثناؤه أرسى الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها، بل وقد كانت مائدة قبل أن تُرْسَى بها.

كما حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد: أن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض جعلت تمور ، قالت الملائكة. ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال ، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب، عن عليّ بن أبي طالب، قال: لما خلق الله الأرض قمصت، وقالت: أي ربّ أتجعل عليّ بني آدم يعملون عليّ الخطايا ويجعلون عليّ الخبث ، قال: فأرسى الله عليها من الجبال ما ترون وما لا ترون، فكان قرارها كاللحم يترجرج ، والميد: هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفينة تميد ميدا: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) : أن تكفأ بكم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين. قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، في قوله ( وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) قال: الجبال أن تميد بكم. قال قتادة: سمعت الحسن يقول: لما خلقت الأرض كادت تميد، فقالوا: ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا ، فأصبحوا وقد خُلقت الجبال، فلم تدر الملائكة مم خُلقت الجبال.

وقوله ( وأنهَارًا) يقول: وجعل فيها أنهارا، فعطف بالأنهار على الرواسي، وأعمل فيها ما أعمل في الرواسي، إذ كان مفهوما معنى الكلام والمراد منه ، وذلك نظير قول الراجز:

تَسْــمَعُ فــي أجْــوَافِهِنَّ صَـوْرَا

وفــي اليَــدَيْنِ حَشَّــةً وبَــوْرا (1)

والحشة: اليُبس، فعطف بالحشة على الصوت، والحشة لا تسمع، إذ كان مفهوما المراد منه وأن معناه وترى في اليدين حَشَّةً.

وقوله ( وَسُبُلا) وهي جمع سبيل، كما الطرق: جمع طريق ، ومعنى الكلام: وجعل لكم أيها الناس في الأرض سُبلا وفجاجا تسلكونها ، وتسيرون فيها في حوائجكم ، وطلب معايشكم رحمة بكم ، ونعمة منه بذلك عليكم ولو عماها عليكم لهلكتم ضلالا وحيرة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( سُبُلا) أي طرقا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( سُبُلا) قال: طرقا.

وقوله ( لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) يقول: لكي تهتدوا بهذه السبل التي جعلها لكم في الأرض إلى الأماكن التي تقصدون والمواضع التي تريدون، فلا تضلوا وتتحيروا.

------------------------

الهوامش:

(1) هذا من الرجز ، ولم أقف على قائله . والصور الصوت ( اللسان ) ، أو لعله محرف عن الضور بالضاد ، والمراد به : الصوت يشبه الأنين في الجوف من شدة الجوع ، قال في اللسان : الضور : شدة الجوع . والتضور ، التلوي والصياح ، من وجع الضرب أو الجوع . وتضور الذئب والكلب والأسد والثعلب : صاح عند الجوع . والحشة ، بتشديد الشين " اليبس ، يقال حشت اليد وأحشت وهو محش : يبست . وأكثر ذلك في الشلل . والبور بالفتح : مصدر بار ، بمعنى هلك وفسد . والبور أيضًا : الهالك الفاسد ، ولعله يريد وصف ناقته بأنه أضر بها الجوع فصاحت ، وأن في يديها يبسا أي شللا وفسادا . وقد بين الإمام الطبري موضع الشاهد في التفسير.

المعاني :

رَوَاسِيَ :       جِبَالًا ثَوَابِتَ السراج
أَنْ تَمِيدَ :       لِئَلَّا تَمِيلَ، وَتَضْطَرِبَ السراج
أن تميد بكم :       لئلا تتحرّك و تضطرب بكم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[15] تأمل خلق الأرض حين خُلقت ساكنة؛ ليتمكن الخلق من السعي عليها، والجلوس لراحتهم ونومهم، والقيام بأعمالهم، ولو كانت رجراجة لم يستطيعوا على ظهرها قرارًا، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة، ولا تجارة، ولا حراثة، واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل، كيف تصيرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها، وقد نبَّه الله على ذلك بقوله: ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾.
وقفة
[15] كلما ازداد حجم الجبل ارتفاعًا ورسوخًا كان أقوى في ثبات الأرض، وعدم اضطرابها بأهلها، تدبر هاتين الآيتين: ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾، ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ﴾ [المرسلات: 27]، فكذلك أثر العالم في تثبيت الأمة أزمنة الفتن، حسب رسوخه وعلو اهتماماته.
وقفة
[15] ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ في الآيات من أصناف نعم الله على العباد شيء عظيم، مجمل ومفصل، يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره وذكره ودعائه.
وقفة
[15] ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ في هذه الآية أدل دليل على استعمال الأسباب.
لمسة
[15] ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ سمى القرآن الجبال بالرواسي؛ تشبيهًا لها بالسفينة التي ترسو ويغوص جزء كبير منها في الماء، وهذا شبيه بالجبال، فهي ترسو وتغوص في قشرة الأرض.
لمسة
[15] ﴿وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لماذا (في الأرض) وليس (على الأرض) ؟ أولًا: لأن (في) تدل على التمكن والثبات. ثانيًا: لأن الجزء الظاهر من الجبل للناظر مقابله جزء عظيم مغروس في باطن الأرض، وقد يصل إلى عشرة أضعاف الجزء الظاهر.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ:
  • الواو: عاطفة. ألقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. في الأرض: جار ومجرور متعلق بألقى. رواسي: مفعول به منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-مفاعل-وهي جمع «راسي» أي جبالا شامخة.
  • ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. تميد: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.بكم: جار ومجرور متعلق بتميد والميم علامة جمع الذكور. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر متعلق بمفعول لأجله-له-التقدير: كراهة أن تميد بكم وتضطرب. أو بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بألقى التقدير: لئلا تميد بكم أي كي لا تميد بكم. وجملة تَمِيدَ بِكُمْ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً:
  • الواو: عاطفة. أنهارا: مفعول به لفعل مضمر يفسره «ألقى» لأنه بمعنى «جعل» منصوب بالفتحة وسبلا معطوفة بالواو على «أنهارا» منصوبة مثلها بالفتحة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:
  • تعرب اعراب لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة. بمعنى: لعلكم تهتدون لغاياتكم. '

المتشابهات :

النحل: 15﴿ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
لقمان: 10﴿ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ
الأنبياء: 31﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     11- النعمة الحادية عشرة: تثبيت الأرض بالجبال، قال تعالى
﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

التفسير :

[16] وجعل في الأرض معالم تستدلُّون بها على الطرق نهاراً، كما جعل النجوم للاهتداء بها ليلاً.

تفسير الآيتين 15 و 16:ـ

أي:{ وَأَلْقَى} الله تعالى لأجل عباده{ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} وهي:الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق فيتمكنون من حرث الأرض والبناء والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا، يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارا على وجه الأرض، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا، أي:طرقا توصل إلى الديار المتنائية{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.

والمراد بالعلامات في قوله- تعالى-: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ الأمارات والمعالم التي يضعها الناس على الطرق بإلهام من الله- تعالى- للاهتداء بها عند السفر.

والمراد بالنجم: الجنس، فيشمل كل نجم يهتدى به المسافر.

أى ومن مظاهر نعمه- أيضا-، أنه- سبحانه- جعل في الأرض معالم وأمارات من جبال كبار، وآكام صغار، وغير ذلك، ليهتدى بها المسافرون في سفرهم، وتكون عونا لهم على الوصول إلى غايتهم، وبمواقع النجوم هم يهتدون في ظلمات البر والبحر، إلى الأماكن التي يبغون الوصول إليها.

والضمير «هم» في قوله وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يشمل كل سالك في ظلمات البر والبحر، ويدخل فيه دخولا أوليا أهل مكة، لأنهم كانوا كثيرى الأسفار للتجارة، كما كانوا معروفين بالاهتداء في سيرهم بمواقع النجوم.

وقدم- سبحانه- المتعلق وهو «وبالنجم» للاهتمام به، إذ أن الاهتداء بالنجوم، أمر هام في حياة المسافرين ولا سيما الذين يسافرون في البحر.

وعدل- سبحانه- عن الخطاب إلى الغيبة في قوله «هم يهتدون» على سبيل الالتفات، ليزداد الكلام طلاوة وانتباها إلى ما اشتمل عليه.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .

وإلى هنا نرى السورة الكريمة، التي هي سورة النعم، قد حدثتنا في بضع عشرة آية. عن ألوان متنوعة من نعم الله- تعالى- على عباده.

حدثتنا عن نعمة الروح الذي يحيى القلوب الميتة وينقذها من الكفر والضلال.

وحدثتنا عن نعمة خلق الإنسان، وخلق السموات والأرض.

وحدثتنا عن نعمة خلق الأنعام، والخيل والبغال والحمير.

وحدثتنا عن نعمة إنزال الماء من السماء، وما يترتب على هذه النعمة من فوائد ومنافع.

وحدثتنا عن نعمة تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم لمصلحة الإنسان.

وحدثتنا عن نعمة تسخير البحر وتذليله للانتفاع بخيراته.

وحدثتنا عن كل ذلك وغيره. لكي يخلص الإنسان عبادته لخالقه، ولكي يطيعه حق الطاعة، ويشكره عليها، ويستعملها فيما خلقت له.

وبعد أن حدثتنا السورة عن كل ذلك، ساقت لنا جملة من صفات الله- تعالى- ووبخت المشركين على شركهم، وأبطلته بأبلغ أسلوب، ودعتهم إلى الدخول في الدين الحق، فقال- تعالى-:

وقوله : ( وعلامات ) أي : دلائل من جبال كبار وآكام صغار ، ونحو ذلك ، يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطريق [ بالنهار ] .

وقوله : ( وبالنجم هم يهتدون ) أي : في ظلام الليل ، قاله ابن عباس .

وعن مالك في قوله : ( وعلامات ) يقولون : النجوم ، وهي الجبال .

اختلف أهل التأويل في المعني بالعلامات، فقال بعضهم: عني بها معالم الطرق بالنهار.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) يعني بالعلامات: معالم الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون بالليل.

وقال آخرون: عني بها النجوم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدى به.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

قال المثنى: قال: ثنا إسحاق خالف قبيصة وكيعا في الإسناد.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) والعلامات: النجوم، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلَّف ما لا علم له به.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَعَلامَاتٍ ) قال النجوم.

وقال آخرون: عني بها الجبال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي ( وَعَلامَاتٍ ) قال: الجبال.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم ، وفجاج سبُلهم ، فداخل في قوله ( وَعَلامَاتٍ ) والطرق المسبولة: الموطوءة، علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدى بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم.

فتأويل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم. ونجوما تهتدون بها ليلا في سُبلكم.

المعاني :

وَعَلامَاتٍ :       مَعَالِمَ مِنْ جِبَالٍ كِبَارٍ وَصِغَارٍ، تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطَّرِيقِ نَهَارًا السراج
علامات :       معالم للطرق تهتدون بها معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ تأمل سر تعليق الاهتداء بالنجم؛ لأن النجوم المرادة ثابتة لا تتغير، ولا تنكسف، وضوؤها مستقر لا يختلف لذاتها، وإنما لعوامل أخرى، ومعرفتها أيسر من معرفة منازل القمر، وعلى قدر إتقانها تكون الدلالة على الطريق والوصول إلى الهدف، فكذلك أدلة المنهج فهي ثابتة مطردة بينة ميسرة، وعلى قدر معرفتها والالتزام بها تكون السلامة والوصول إلى الغاية، وإلا كان الاضطراب والضلال والهلاك.
وقفة
[16] ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ هذا أصل لمراعاة النجوم لمعرفة الأوقات والقبلة والطرق.

الإعراب :

  • ﴿ وَعَلاماتٍ:
  • الواو عاطفة. علامات: مفعول به بفعل مضمر تقديره واوجد لكم علامات أي معالم ترشدكم في سيركم. منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ:
  • الواو: استئنافية. بالنجم: جار ومجرور متعلق بيهتدون. هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. يهتدون: في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي يهتدون بالنجم في ظلمات الليل. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     12- النعمة الثانية عشرة: خلق النجوم، قال تعالى:
﴿ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وبالنجم:
وقرئ:
1- بضم النون والجيم، وهى قراءة ابن وثاب.
وقيل: هذه قراءة الحسن.
وقرأها ابن وثاب بضمة واحدة.

مدارسة الآية : [17] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ..

التفسير :

[17] أتجعلون الله الذي يخلق كل هذه الأشياء وغيرها في استحقاق العبادة كالآلهة المزعومة التي لا تخلق شيئاً؟ أفلا تتذكرون عظمة الله، فتفردوه بالعبادة؟

لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة، وما أنعم به من النعم العميمة ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له فقال:{ أَفَمَنْ يَخْلُقُ} جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد{ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} شيئا لا قليلا ولا كثيرا،{ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته.

والاستفهام في قوله- سبحانه-: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ.. للإنكار والتوبيخ لأولئك المشركين الذين عبدوا غير الله- تعالى- أى: أفمن يخلق هذه الأشياء العجيبة، والمخلوقات البديعة، التي بينا لكم بعضها، وهو الله- عز وجل- كمن لا يخلق شيئا على سبيل الإطلاق، بل هو مخلوق، كتلك الأصنام والأوثان وغيرها، التي أشركتموها في العبادة مع الله- تعالى-؟

إن فعلكم هذا لدليل واضح على جهلكم- أيها المشركون- وعلى انطماس بصيرتكم، وقبح تفكيركم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت من لا يخلق أريد به الأصنام، فلماذا جيء بمن الذي هو لأولى العلم؟.

قلت: فيه أوجه: أحدها أنهم سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولى العلم.

الثاني: المشاكلة بينه وبين من يخلق.

الثالث: أن يكون المعنى: أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم، فكيف بما لا علم عنده. كقوله- تعالى- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها.. يعنى أن الآلهة- التي عبدوها- حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب لأن هؤلاء أحياء وهم أموات، فكيف تصح لهم العبادة، لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا.

فإن قلت الآية إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله- تعالى-: فكان من حق الإلزام أن يقال: أفمن لا يخلق كمن يخلق؟

قلت حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له، وسووا بينه، فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيها بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ...

وقوله- سبحانه-: أَفَلا تَذَكَّرُونَ زيادة في توبيخهم وفي التهكم بهم.

أى: أبلغ بكم السفه والجهل أنكم سويتم في العبادة بين من يخلق ومن لا يخلق، والحال أن هذه التسوية لا يقول بها عاقل، لأن من تفكر أدنى تفكر، وتأمل أقل تأمل، عرف وتيقن أنه لا يصح التسوية في العبادة بين الخالق والمخلوق، فهلا فكرتم قليلا في أمركم، لكي تفيئوا إلى رشدكم، فتخلصوا العبادة لله الخلاق العليم.

ثم قال تعالى منبها على عظمته ، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان ، التي لا تخلق شيئا بل هم يخلقون ; ولهذا قال : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون )

يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول: أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرّفهم بذلك عظم جهلهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، وقلَّة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عدّدها عليهم ، التي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جلّ ثناؤه موبخهم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أيها الناس يقول: أفلا تذكرون نعم الله عليكم ، وعظيم سُلطانه وقُدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالألوهة؟

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) والله هو الخالق الرازق، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تملك لأهلها ضرّا ولا نفعا، قال الله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . وقيل (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) هو الوثن والصنم، و " من " لذوي التمييز خاصة، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق ، ومحكيّ عن العرب: اشتبه عليّ الراكب وجمله، فما أدرى من ذا ومن ذا، حيث جمعا ، وأحدهما إنسان حسنت من فيهما جميعا. ومنه قول الله عزّ وجلّ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وقوله .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[17] ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ عبَّر عن الأصنام غير العاقلة بصيغة التعبير عن العاقل (من لا يخلق)، وليس: (ما لا يخلق)؛ لأن المشركين أجروها مجرى العقلاء بعبادتها.
وقفة
[17] قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ هذا من عكس التشبيه، إذْ مقتضَى الظاهر العكسُ، لأن الخطابَ لعُبَّادِ الأوثان حيثُ سموها آلهةً تشبيهًا به تعالى، فجعلوا غيرَ الخالقِ كالخالق، فَخُولف في خطابهمِ، لأنهم بالغوا في عبادتها، حتَّى صارت عندهم أصلًا في العبادة، والخالقُ فرعًا، فجاء الِإنكار على وَفقِ ذلك، ليفهموا المراد على معتقدهم. إن قلتَ: المرادُ بـ (مَنْ لَا يَخْلُقُ) الأصنام، فكيف جيء بـ (مَنْ) المختصَّة بأولي العلمِ؟! قلتُ: خاطبهم على معتقدهم؛ لأنهم سمَّوها آلهةً وعبدوها، فأجروها مجرى أولي العلم، ونظيرهُ قولُه تعالى: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 195].

الإعراب :

  • ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ:
  • الهمزة: همزة تقرير بلفظ‍ استفهام: الفاء: تزيينية. من:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يخلق: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي أفمن يخلق كائنات غاية في الإبداع كمن لا يخلق شيئا. وجملة «يخلق» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ كَمَنْ لا يَخْلُقُ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ «من» وهو مضاف. من يخلق: أعربت. لا نافية لا عمل لها. و «من» اسم موصول في محل جر بالاضافة مبني على السكون.
  • ﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ:
  • الهمزة: همزة توبيخ بلفظ‍ استفهام. الفاء: زائدة-تزيينية- لا: نافية لا عمل لها. تذكرون. أي تتعظون أو تعتبرون. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وأصلها: تتذكرون حذفت احدى التاءين لأجل التخفيف. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد ذكرِ كل هذه النعم، وهي أيضًا أدلة على وحدانية الله وقدرته واستحقاقه العبادة وحده؛ أنكرَ اللهُ هنا على المشركين شركهم، وعبادتهم غيره معه، فقال موبخًا:
﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ ..

التفسير :

[18] وإن تحاولوا حَصْرَ نِعَم الله عليكم لا تَفُوا بحَصْرها؛ لكثرتها وتنوعها. إن الله لَغفور لكم رحيم بكم؛ إذ يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعم، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يعاجلكم بالعقوبة.

وكما أنه ليس له مشارك إذ أنشأكم وأنشأ غيركم، فلا تجعلوا له أندادا في عبادته بل أخلصوا له الدين،{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ} عددا مجردا عن الشكر{ لَا تُحْصُوهَا} فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى،{ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير.

ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمه على سبيل الإجمال، بعد أن فصل جانبا منها في الآيات السابقة فقال- تعالى- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها.

والمراد بالنعمة هنا جنسها، الذي يشمل كل نعمه، لأن لفظ العدد والإحصاء قرينة على ذلك، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع اعتمادا على القرينة- من أبلغ الأساليب الكلامية.

أى: وإن تعدوا نعمة الله- تعالى- التي أنعمها عليكم، في أنفسكم، وفيما سخره لكم لا تستطيعون حصر هذه النعم لكثرتها ولتنوعها.

وما دام الأمر كذلك فاشكروه عليها ما استطعتم، وأخلصوا له العبادة والطاعة.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ استئناف قصد به فتح باب الأمل أمامهم لكي يتداركوا ما فرط منهم من جحود وتقصير في حقه- سبحانه-.

أى: إن الله- تعالى- لغفور لعباده على ما فرط منهم متى تابوا إليه توبة نصوحا، رحيم بهم، حيث لم يؤاخذهم بذنوبهم. بل منحهم نعمه مع تقصيرهم في شكره- تعالى.

قال ابن كثير- رحمه الله- قوله: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أى يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازى على اليسير».

ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ، فقال : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ) أي : يتجاوز عنكم ، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم ، يغفر الكثير ، ويجازي على اليسير .

وقال ابن جرير : يقول : ( إن الله لغفور رحيم ) لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك ، إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، ( رحيم ) بكم أن يعذبكم ، [ أي ] : بعد الإنابة والتوبة .

( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) لا تطيقوا أداء شكرها ، ( إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول جلّ ثناؤه: إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الإنابة إليه والتوبة.

المعاني :

لا تُحصوها :       لا تطيقوا حصرها لعدم تناهيها معاني القرآن

التدبر :

لمسة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ما الفرق بين كلمة (النِعمة) و(النَعمة) في القرآن؟ (نِعمة) بالكسر تأتي في الخير، أما (نَعمة) بالفتح لم ترد في القرآن كلِّه إلا في السوء والشر والعقوبات، مثل: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ [المزمل: 11].
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ إذا جلست على مائدة طعامك، فحاول أن تحسب أنت وأهلك عدد أنواع المطاعم والمشارب التي عليها، كل هذه النعم اجتمعت لك في لحظة واحدة، وفوقها نعمة العافية والأمن، وفوقها جميعًا نعمة الإيمان، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ لا تَضْبُطُوا عَدَدَها، ولا تَبْلُغُهُ طاقَتُكم، فَضْلًا أنْ تُطِيقُوا اَلْقِيامَ بِحَقِّها مِن أداءِ اَلشُّكْرِ.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ فضلا على أن تشكروها، وأكثر النعم لا يدريها الإنسان؛ لأنه يألفها فلا يشعر بها إلا حين يفتقدها، وهذا تركيب جسده ووظائفه متى يشعر بما فيه من إنعام إلا حين يدركه المرض فيحس بالاختلال.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (وَإِن تَعُدُّوا) جاءت (إن) التي تفيد الشك، أي وإن حاولتم أن تعدوا نعمة الله لا تحصوها؛ لأنه لا يمكن إحصاؤها.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ إنه الإله، هذه النعم التي لا تحصى جاءت من غير سؤال منا.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ أنفاسك الآن وسلاسة دخول الهواء وخروجه نعمة لا يمكنك إحصاؤها! فحمدًا لك ربنا.
وقفة
[18] سورة النحل سورة النعم، سورة حافلة بذكر نعم المنعم سبحانه على عباده، ومهما اجتهد الناس في العد، فإن نعم الله أعظم ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
وقفة
[18] لو تفكر المسلم بما أُعطي وما لم يُعطَ؛ لأدرك عظم منة الله عليه، فشكره على تلك النعم العظيمة: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
اسقاط
[18] يغسلون كليته 30 مرة خلال شهرين ويكاد يُجن من الألم، والمعافى تغسل كليته طبيعيًا 32 مرة يوميًا دون أن يشعر ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
وقفة
[18] لما فرغ من تعديد الآيات التي هي بالنسبة إلى المكلفين نِعم، قال: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص النعم على الإنسان، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل، فهو سبحانه يدير بدن هذا الإنسان على الوجه الملائم له، مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر بعض نعم الله عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها؟!
اسقاط
[18] أصبحت معافى في بدنك، آمنًا في بيتك، مؤمنًا بربك، لا تجثو عند صنم، ولا تغدو إلى بيعة، ولا تروح إلى كنيسة، لا منة لأحد من الخلق عليك في رزقك ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
عمل
[18] يتمنى العاطل وظيفة بنصف راتبك الشهري؛ كن من الشاكرين لا من المتسخطين ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ﴾ عددًا مجردًا عن الشكر، ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ فضلًا عن كونكم تشكرونها؛ فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير.
عمل
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لن تستطيع شكر جميع النعم؛ ولكن كن من عباد الله الشكورين؛ أي المكثرين للشكر.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ التقصير في شكر النعمة بحاجة إلى غفران ورحمة مؤكدتين، ولولا هذه المغفرة وهذه الرحمة لهلك الناس.
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ كان الحسن يكرر الآية، ويقول: «إن فيها معتبرًا، ما نرفع طرفًا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر».
وقفة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ عندما ينعم علينا أحد من الخلق بنعمة محدودة نشكره ونثني عليه ونحفظ له هذا الصنيع، فكيف بالذي نِعَمَهُ وفضائله وكرمه علينا لا تعد ولا تحصى؟!
لمسة
[18] ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قدم ذكر (الغفور) على (الرحيم)؛ لأن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة قبل الغنيمة.
وقفة
[18] ذكر من أول السورة إلى هنا أنواعًا من مخلوقاته تعالى على وجه الاستدلال بها على وحدانيته، ولذلك أعقبها بقوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾، وفيها أيضًا تعداد لنعمه على خلقه؛ ولذلك أعقبها بقوله: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، ثم أعقب ذلك بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: يغفر لكم التقصير في شكر نعمه.
وقفة
[18] آيتان مُتشابهتان بخاتمتين مُختلفتين: ﴿وإن تَعُدُّوا نعمة الله لا تُحصُوها إنّ الإنسانَ لظلومٌ كَفّار﴾ [إبراهيم: 34]، ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ الأولى: خُتِمَت بتعامُل الإنسان مع الله، والثانية: خُتِمت بتعامل الله مع العبد.
وقفة
[18] ﴿وإن تَعُدُّوا نعمة الله لا تُحصُوها إنّ الإنسانَ لظلومٌ كَفّار﴾ [إبراهيم: 34]، ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ إنما خصَّ سورة إبراهيم بوصف المُنعَم عليه؛ لأنه في مساق وصف الإنسان، وسورة النحل بوصف المُنعم؛ لأنه في مساق صفات الله وإثبات ألوهيته.
وقفة
[18] ما أحسن ما ختم به هذا الامتنان الذي لا يلتبس على إنسان مشيرًا إلى عظيم غفرانه وسعة رحمته، فقال: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: كثير المغفرة والرحمة لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها، والعجز عن القيام بأدناها، ومن رحمته إدامتها عليكم وإدرارها في كل لحظة وعند كل نفس تتنفسونه وحركة تتحركون بها.
وقفة
[18] ﴿لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (غفور رحيم) تكرر في النحل 4 مرات، لا يمكن لأحد أن يشكر نعم الله حق شكرها، ولا بد من تقصير؛ فتفتح أبواب المغفرة والرحمة.
وقفة
[18] شُكر النِّعم: لو حُوسب الإنسان على النِّعَم التِّي أولاهُ اللهُ إيَّاها في مُقابل أعمالِهِ الصَّالحة ما بَقِيَ لهُ شيئًا؛ لأنَّهُ مأمُورٌ بالشُّكْر على كُلِّ هذهِ النِّعَم، ثُمَّ إذا حُوسِب ووُضع السَّمع، البصر، العقل، جميع النِّعم التِّي لا تُعد ولا تُحصى، لو وُضِعت نِعمة من هذهِ النِّعم في مُقابِلِ أعمالِهِ لَرَجَحَتْ بِها، وذكرنا في درسٍ مضى أنَّ الإنسان لو أنَّ الإصبع الصَّغير الخِنصر ظلَّ واقفًا لا ينثني تَعِبَ منهُ تعبًا شديدًا ما فيه ألم؛ لكنَّهُ لا ينثني، تَعِبَ منهُ تعبًا شديدًا؛ ترى ليس بالأمر السَّهل أنْ يستمر الإصبع واقف هكذا فضلًا عن اليد كُلها أو الرِّجل يتأذَّى بها، فكُلُّ مفْصَل من المفاصل نِعمة من نِعم الله تعالى تحتاجُ إلى شُكرٍ في كُلِّ يوم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في سورة ابراهيم في الآية الرابعة والثلاثين. '

المتشابهات :

ابراهيم: 34﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
النحل: 18﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد أن فَصَّلَ اللهُ عز وجل بعضًا من نعمه على خلقه؛ نبَّه هنا على كثرة هذه النعم، فالعبدُ لا يستطيع عدَّها، فضلًا عن القيام بشكرها، ومهما أتعَبَ العبدُ نفسَه في القيامِ بالطَّاعاتِ والعباداتِ، وبالغ في شُكرِها؛ فإنَّه يكونُ مُقَصِّرًا، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا/ ولَمَّا كان العباد مُستحِقِّينَ لسَلبِ النِّعَمِ؛ أشارَ اللهُ عز وجل هنا إلى سبَبِ بقائها، قال تعالى: /إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا ..

التفسير :

[19] والله سبحانه يعلم كل أعمالكم، سواء ما تخفونه منها في نفوسكم وما تظهرونه لغيركم، وسيجازيكم عليها.

تفسير الآيتين 19 و20:ـ

وكما أن رحمته واسعة وجوده عميم ومغفرته شاملة للعباد فعلمه محيط بهم،{ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بخلاف من عبد من دونه، فإنهم{ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا} قليلا ولا كثيرا{ وَهُمْ يُخْلَقُونَ} فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى؟"

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ بيان لكمال علمه- تعالى- وتحذير من الوقوع فيما نهى عنه، لأنه- تعالى- لا تخفى عليه خافية.

أى: والله- تعالى- وحده، يعلم ما تسرونه من أقوال وأفعال، وما تظهرونه منها، وهو محص عليكم ذلك، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.

ثم وصف- سبحانه- الأوثان التي يعبدها المشركون من دونه، بثلاثة أوصاف. تجعلها بمعزل عن النفع، فضلا عن استحقاقها للعبادة، فقال- تعالى- وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ، وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر ، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

يقول تعالى ذكره: والله الذي هو إلهكم أيها الناس، يعلم ما تسرّون في أنفسكم من ضمائركم فتخفونه عن غيركم، فما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وما تعلنونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو محص ذلك كله عليكم، حتى يجازيكم به يوم القيامة، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء منكم بإساءته، ومُسائلكم عما كان منكم من الشكر في الدنيا على نعمه التي أنعمها عليكم فيها التي أحصيتم ، والتي لم تحصوا .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾، ﴿يعلَمُ مَا فِي السَّماوَتِ وَالأرضِ ويعلَمُ مَا تُسرُّونَ وما تُعلِنُون﴾ [التغابن: 4]، سبحان من يعلم السر في نفس الإنسان! والسر أدق وأخفى.
وقفة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
وقفة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ من كان ينوي في قلبه أنه سيعصي إلى أن يشبع ثم يتوب بعد ذلك، ألم يتذكر أن الله الآن يطلع على ما في قلبه؟!
وقفة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ لا تخادع نفسك بإخفاء ذنبك فربك أعلم بك منك، ولا تظنن أن الله يضيع ما أسررت من دمعة صادقة أو نية حسنة أو خبيئة عمل صالحة، فربك يستوي عنده السر والعلانية.
لمسة
[19] ﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ قد يظن ظان أن الله يعلم السر والعلانية، لكن علم العلانية أسهل عليه، فقدم الله علم السر تنبيهًا على أن الأمرين مستويان.

الإعراب :

  • ﴿ وَاللهُ يَعْلَمُ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «يعلم» في محل رفع خبر المبتدأ. بمعنى: الله يعلم ما تخفونه من أعمالكم وما تبدون منها وفي الآية وعيد لهم.
  • ﴿ ما تُسِرُّونَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.تسرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تسرون» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل بالفعل لأنه مفعول به التقدير: ما تسرونه: بمعنى:ما تخفونه.
  • ﴿ وَما تُعْلِنُونَ:
  • معطوفة بالواو على ما تُسِرُّونَ» وتعرب إعرابها وما تعلنونه. '

المتشابهات :

النمل: 25﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
النحل: 19﴿وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
التغابن: 4﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا جرت العادةُ بأنَّ المكفورَ إحسانُه يُبادِرُ إلى قَطعِه عند عِلمِه بالكُفرِ، فكان ربَّما توهَّمَ مُتوَهِّمٌ أنَّ سبَبَ مُواترةِ الإحسانِ عدمُ العِلمِ بالكُفرانِ؛ لذا بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا لعباده أنه عالم بجميع ما يصدر منهم، لا تخفى عليه خافية، قال تعالى:
﴿ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تسرون وما تعلنون ... والذين يدعون:
قرئت:
1- بالتاء، فى جميعها، وهى قراءة الجمهور، ومجاهد، والأعرج، وشيبة، وأبى جعفر، وهبيرة عن عاصم.
2- بالتاء فى الأوليين، وبالياء فى «يدعون» ، وهى قراءة عاصم، فى مشهوره.

مدارسة الآية : [20] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ..

التفسير :

[20] والآلهة التي يعبدها المشركون لا تخلق شيئاً وإن صَغُر، فهي مخلوقات صنعها الكفار بأيديهم، فكيف يعبدونها؟

تفسير الآيتين 19 و20:ـ

وكما أن رحمته واسعة وجوده عميم ومغفرته شاملة للعباد فعلمه محيط بهم،{ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بخلاف من عبد من دونه، فإنهم{ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا} قليلا ولا كثيرا{ وَهُمْ يُخْلَقُونَ} فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى؟"

فوصفها- أولا- بالعجز التام، فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ...

أى: وهذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله- تعالى- لا تخلق شيئا من المخلوقات مهما صغرت، بل هم يخلقون بأيديكم، فأنتم الذين تنحتون الأصنام. كما قال- سبحانه- حكاية عن إبراهيم- عليه السلام- الذي قال لقومه على سبيل التهكم بهم: قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ .

وإذا كان الأمر كذلك فكيف تعبدون شيئا أنتم تصنعونه بأيديكم، أو هو مفتقر إلى من يوجده؟! وهذه الآية الكريمة أصرح في إثبات العجز للمعبودات الباطلة من سابقتها التي تقول:

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ.. لأن الآية السابقة نفت عن المعبودات الباطلة أنها تخلق شيئا، أما هذه الآية التي معنا فنفت عنهم ذلك، وأثبتت أنهم مخلوقون لغيرهم وهو الله- عز وجل-، أو أن الناس يصنعونهم عن طريق النحت والتصوير، فهم أعجز من عبدتهم، وعليه فلا تكرار بين الآيتين.

ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، كما قال الخليل : ( أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ) [ الصافات : 95 ، 96 ] .

وقوله ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يقول تعالى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون الله أيها الناس آلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدبرا ، لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرّا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[20] ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أرسل رسالة تبين فيها أن من يُدعَون من دون الله تعالى لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا عن أن يملكوه لغيرهم.
وقفة
[20] ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ هل سمعتم عن أحد من الخلق خلق أي شيء؟! ولو كان ذرة واحدة؟! ائتوني به.
وقفة
[20، 21] ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ (لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا) من المخلوقات أصلًا، لا كبيرًا ولا صغيرًا، ولا جليلًا ولا حقيرًا، (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي: وصفتهم أنهم يخلقون، فكيف يتمكن المخلوق من أن يخلق غيره؟! ففي هذه الآية زيادة بيان؛ لأنه أثبت لهم صفة النقصان بعد أن سلب عنهم صفة الكمال، بخلاف قوله: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [17]، فإنه اقتصر على مجرد سلب صفة الكمال، ثم ذكر صفة أخرى من صفاتهم فقال: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ يعني: أن هذه الأصنام أجسادها ميتة، لا حياة بها أصلًا، فزيادة (غير أحياء)؛ لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التي تموت بعد ثبوت الحياة لها، بل لا حياة لهذه أصلًا، فكيف يعبدونها وهم أفضل منها؟! لأنهم أحياء.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يدعون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. من دون: جار ومجرور متعلق بيدعون أو بحال محذوفة من مفعول. يدعون الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أي والآلهة الذين يدعونهم أي يعبدونهم والعائد في «يدعون» ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به التقدير يدعونهم.
  • ﴿ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً:
  • الجملة: في محل رفع خبر المبتدأ. لا: نافية لا عمل لها. ويخلقون تعرب إعراب «يدعون».شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ:
  • الواو حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يخلقون: في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. '

المتشابهات :

النحل: 20﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ
الفرقان: 3﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا أثبتَ اللهُ عز وجل لنَفسِه كمالَ القُدرةِ، وتمامَ العِلمِ، وأنَّه المُنفَرِدُ بالخَلقِ؛ وصف هنا الأوثان التى يعبدها المشركون من دونه، بثلاثة أوصاف تجعلها بمعزل عن النفع، فضلًا عن استحقاقها للعبادة: 1) لا تخلق شيئًا من المخلوقات مهما صغرت، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تسرون وما تعلنون ... والذين يدعون:
قرئت:
1- بالتاء، فى جميعها، وهى قراءة الجمهور، ومجاهد، والأعرج، وشيبة، وأبى جعفر، وهبيرة عن عاصم.
2- بالتاء فى الأوليين، وبالياء فى «يدعون» ، وهى قراءة عاصم، فى مشهوره.

مدارسة الآية : [21] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ ..

التفسير :

[21] هم جميعاً جمادات لا حياة فيها ولا تشعر بالوقت الذي يبعث الله فيه عابديها، وهي معهم ليُلقى بهم جميعاً في النار يوم القيامة.

ومع هذا ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء لا علم، ولا غيره{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا، أفتتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين، فتبا لعقول المشركين ما أضلها وأفسدها، حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا، وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال، ولا شيء من الأفعال، وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فله العلم المحيط بكل الأشياء والقدرة العامة والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم، والحمد والمجد والكبرياء والعظمة، التي لا يقدر أحد من الخلق أن يحيط ببعض أوصافه

وأما الصفة الثانية لتلك الأصنام فهي قوله- تعالى- أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ.

أى: هؤلاء المعبودون من دون الله- تعالى-، هم أموات لا أثر للحياة فيهم، فهم لا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يغنون عن عابديهم شيئا، فقد دلت هذه الصفة على فقدانهم للحياة فقدانا تاما.

وجملة «غير أحياء» جيء بها لتأكيد موتهم، وللدلالة على عراقة وصفهم بالموت، حيث إنه لا توجد شائبة للحياة فيهم، ولم يكونوا أحياء- كعابديهم- ثم ماتوا، بل هم أموات أصلا. أو جيء بها على سبيل التأسيس، لأن بعض مالا حياة فيه من المخلوقات، قد تدركه الحياة فيما بعد، كالنطفة التي يخلق الله- تعالى- منها حياة، أما هذه الأصنام فلا يعقب موتها حياة، وهذا أتم في نقصها، وفي جهالة عابديها.

وأما الصفة الثالثة لتلك الأصنام فهي قوله- تعالى-: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

ولفظ «أيان» ظرف زمان متضمن معنى متى.

وهذه الصفة تدل على جهلهم المطبق، وعدم إحساسهم بشيء.

أى: أن من صفات هذه المعبودات الباطلة، أنها لا تدرى متى يبعثها الله- تعالى- لتكون وقودا للنار.

وبعضهم يجعل الضمير في «يشعرون» يعود على الأصنام، وفي «يبعثون» يعود على العابدين لها، فيكون المعنى: وما تدرى هذه الأصنام التي تعبد من دون الله- تعالى- متى تبعث عبدتها للحساب يوم القيامة.

قال صاحب فتح القدير ما ملخصه: قوله: «وما يشعرون أيان يبعثون» الضمير في «يشعرون» للآلهة وفي «يبعثون» للكفار الذين يعبدون الأصنام.

والمعنى: وما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أيان يبعث عبدتهم من الكفار، ويكون هذا على طريقة التهكم بهم، لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من الأمور الظاهرة. فضلا عن الأمور التي لا يعلمها إلا الله- سبحانه-.

ويجوز أن يكون الضمير في الفعلين للآلهة. أى: وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث. ويدل على ذلك قوله تعالى-: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ...

وقوله : ( أموات غير أحياء ) أي : هي جمادات لا أرواح فيها فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل .

( وما يشعرون أيان يبعثون ) أي : لا يدرون متى تكون الساعة ، فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء ؟ إنما يرتجى ذلك من الذي يعلم كل شيء ، وهو خالق كل شيء .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش: والذين تدعون من دون الله أيها الناس ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ) وجعلها جلّ ثناؤه أمواتا غير أحياء، إذ كانت لا أرواح فيها.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) وهي هذه الأوثان التي تُعبد من دون الله أموات لا أرواح فيها، ولا تملك لأهلها ضرّا ولا نفعا ، وفي رفع الأموات وجهان: أحدهما أن يكون خبرا للذين، والآخر على الاستئناف وقوله ( وَمَا يَشْعُرُونَ ) يقول: وما تدري أصنامكم التي تدعون من دون الله متى تبعث ، وقيل: إنما عنى بذلك الكفار، إنهم لا يدرون متى يبعثون.

المعاني :

أَيَّانَ :       وَقْتَ السراج

التدبر :

لمسة
[21] ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ قوله سبحانه: (غَيْرُ أَحْياءٍ) فائدة ذكره أن بعض ما لا حياة فيه قد تعتريه الحياة؛ كالنطفة, فجيء به للاحتراز عن مثل هذا البعض, فكأنه قيل: هم أموات وغير قابلين للحياة مآلًا.
وقفة
[21] ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ هي الأصنام لا ترى ولا تسمع، ولا تنفع ولا تضر، قال ابن عباس: تبعث الأصنام، وتركب فيها الأرواح، ومعها شياطينها، فيتبرءون من عبدتها ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى النار.
وقفة
[21] ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ جهل العوام! قال محمد رشيد رضا: «قد سمعت امرأة مصرية تدعو وتستغيث في أمر أهمها: يا متبولي، يا متبولي، فقلت لها بعد أن هدأ روعها: لماذا تدعين المتبولي ولا تدعين الله تعالى؟! قال المتبولي ما (بيستناش)، أي لا يتأخر في إجابة من دعاه واستغاث به!».
وقفة
[21] ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ إن قلتَ: ما فائدةُ قوله في وصف الأصنام (غير أحياء) بعد قوله (أمواتٌ)؟ قلتُ: فائدتُه أنها أمواتٌ لا يَعْقبُ موتَها حياةٌ، احترازًا عن أمواتٍ يعقبُ موتَها حياةٌ، كالنُّطَفِ، والبيض، والأجسادِ الميتة، وذلك أبلغُ في موتها، كأنه قال: أمواتٌ في الحالِ، غيرُ أحياءٍ في المآل.
وقفة
[21] ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ إن قلتَ: كيف عابَ الأصنام بأنهم لا يعلمون، مع أنَّ المؤمنين كذلك؟ قلتُ: معناه وما تشعر الأصنام متى تبعث عُبَّادها؟ فكيف تكونُ آلهةً مع الجهل؟ بخلاف المؤمنين فإنهم يعلمون أنه يوم القيامة.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْواتٌ:
  • أي: جمادات لا حياة فيها. وهي خبر مرفوع بالضمة لمبتدإ محذوف تقديره هم أموات.
  • ﴿ غَيْرُ أَحْياءٍ:
  • غير: صفة-نعت-لأموات مرفوعة مثلها بالضمة. أحياء:مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَما يَشْعُرُونَ:
  • الواو عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. يشعرون: أي يعلمون وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَيّانَ يُبْعَثُونَ:
  • أيان: اسم استفهام بمعنى «متى» مبني على الفتح في محل نصب ظرف زمان. وهو مفعول«يشعرون» ولكونه اسم استفهام فلم يعرب. وتعلق بيبعثون. يبعثون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل وهو عائد للداعين. بمعنى: لا يشعرون متى تبعث عبدتهم وفيه تهكم بالمشركين وأنّ آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم. '

المتشابهات :

النحل: 21﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
النمل: 65﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     2) جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئًا. 3) لا تدري متى يوم القيامة، قال تعالى:
﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أيان:
وقرئ:
إيان، بكسر الهمزة، وهى قراءة أبى عبد الرحمن.

مدارسة الآية : [22] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ ..

التفسير :

[22] إلهكم المستحق وحده للعبادة هو الله الإله الواحد، فالذين لا يؤمنون بالبعث قلوبهم جاحدة وحدانيته سبحانه؛ لعدم خوفهم من عقابه، فهم متكبرون عن قبول الحق، وعبادة الله وحده.

{ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وهو الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد.

فأهل الإيمان والعقول أجلته قلوبهم وعظمته، وأحبته حبا عظيما، وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية، وأعمال القلوب وأعمال الجوارح، وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله المقدسة،{ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق جهلا وعنادا وهو:توحيد الله{ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} عن عبادته.

وبعد أن أبطل- سبحانه- عبادة غيره بهذا الأسلوب المنطقي الحكيم، صرح بأنه لا معبود بحق سواه، فقال: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.

أى إلهكم المستحق للعبادة والطاعة هو إله واحد لا شريك له، لا في ذاته ولا في صفاته:

فأخلصوا له العبادة، ولا تجعلوا له شركاء.

ثم بين- سبحانه- الأسباب التي جعلت المشركين يصرون على كفرهم ويستحبون العمى على الهدى، فقال- تعالى-: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.

أى: فالكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب قلوبهم منكرة للحق، جاحدة لنعم الله، منصرفة عن وحدانية الله- تعالى- وعن الأدلة الدالة عليها، وحالهم فوق ذلك أنهم مستكبرون مغرورون، لا يستمعون إلى موعظة واعظ، ولا إلى إرشاد مرشد. ومتى استولت على إنسان هاتان الصفتان- الجحود والاستكبار-، حالفه البوار والخسران، وآثر سبيل الغي على سبيل الرشد.

والتعبير عن المشركين بالموصول وصلته «فالذين لا يؤمنون بالآخرة..» دون التصريح بذواتهم، لاشتهارهم بتلك الصفات القبيحة، وللإيمان بأن عدم إيمانهم بالآخرة، هو أساس خيبتهم، وخسرانهم وجحودهم ...

وعبر بالجملة الاسمية في قوله «قلوبهم منكرة وهم مستكبرون» للدلالة على تأصل صفتي الجحود والاستكبار في قلوبهم، وعلى أن الإنكار للحق سمة من سماتهم التي لا يتحولون عنها مهما وضحت لهم الأدلة على بطلانها، وعلى أن التعالي والغرور لا ينفك عنهم، وأنهم ممن قال- سبحانه- فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ . أى: صاغرين أذلاء.

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد ، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك ، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) وقال تعالى : ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) [ الزمر : 45 ] .

وقوله : ( وهم مستكبرون ) أي : عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده ، كما قال : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ]

يقول تعالى ذكره: معبودكم الذي يستحقّ عليكم العبادة ، وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء: معبود واحد، لأنه لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة وأخلصوا له العبادة ، ولا تجعلوا معه شريكا سواه ( فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ) يقول تعالى ذكره: فالذين لا يصدّقون بوعد الله ووعيده ، ولا يقرّون بالمعاد إليه بعد الممات قلوبهم منكرة ، يقول تعالى ذكره: مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة الله وعظمته ، وجميل نعمه عليهم، وأن العبادة لا تصلح إلا له ، والألوهة ليست لشيء غيره يقول: وهم مستكبرون عن إفراد الله بالألوهة ، والإقرار له بالوحدانية، اتباعا منهم لما مضى عليه من الشرك بالله أسلافهم.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ) لهذا الحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[22] ﴿إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ استعذ بالله من الكبر والاستكبار.
وقفة
[22] ﴿إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ إذا دب الإيمان بالقلب لحقه التواضع ويزيد بزيادته وينقص بنقصانه، كذلك يزيد الكبر بزيادة الكفر.
لمسة
[22] ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ قال ابن عاشور: وعبر بالجملة الاسمية: ﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ للدلالة على أن الإنكار ثابت لهم، دائم لاستمرارهم على الإنكار بعد ما تبين من الأدلة، وذلك يفيد أن الإنكار صار لهم سجية، وتمكن من نفوسهم.
لمسة
[22] ﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ في كون (منكرة) اسم فاعل رد على من يدعي أن كفر الکافر إجبار من الله، والحق أن علم الله علم إخبار لا علم إجبار.

الإعراب :

  • ﴿ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. إله: خبر مرفوع بالضمة. واحد: توكيد لإله مرفوع بالضمة أيضا.
  • ﴿ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • الفاء: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بيؤمنون والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ:
  • جملة اسمية في محل رفع خبر «الذين».قلوب: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. منكرة: خبر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ:
  • الواو عاطفة. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مستبكرون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. '

المتشابهات :

النحل: 22﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
المنافقون: 5﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّـهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     ولَمَّا أبطلَ اللهُ عز وجل عبادةَ غيره بهذا الأسلوب المنطقى الحكيم؛ صرح هنا بالنتيجة الحتمية لما سبق، وهي أنه لا معبود بحق سواه، قال تعالى:
﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ..

التفسير :

[23] حقّاً أنَّ الله يعلم ما يخفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال، وما يظهرونه منها، وسيجازيهم على ذلك، إنه عز وجل لا يحب المستكبرين عن عبادته والانقياد له، وسيجازيهم على ذلك.

{ لَا جَرَمَ} أي:حقا لا بد{ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} من الأعمال القبيحة{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم من جنس عملهم{ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}

ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم، فقال: لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ.

وكلمة «لا جرم» وردت في القرآن في خمسة مواضع، وفي كل موضع كانت متلوة بأن واسمها، وليس بعدها فعل.

وجمهور النحاة على أنها مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر ومعناها بعد التركيب معنى الفعل: حق وثبت، والجملة بعدها فاعل.

قال الخليل: لا جرم، كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا، يقال: فعلوا ذلك، فيقال:

لا جرم سيندمون.

وقال الفراء: «لا جرم» كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزله حقا فلذلك يجاب عنها باللام، كما يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لآتينك.

والمعنى: حق وثبت أن الله- تعالى- يعلم ما يسره هؤلاء المشركون وما يعلنونه من أقوال وأفعال، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات، لأنه- سبحانه- لا يحب المستكبرين عن الاستجابة للحق، المغرورين بأموالهم وأولادهم، الجاحدين لنعم الله وآلائه.

قال القرطبي: قال العلماء: وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه، إلا الكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله.

وفي الحديث الصحيح: «إن المتكبرين يحشرون أمثال الذرّ يوم القيامة، يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم» أو كما قال صلى الله عليه وسلم: «تصغر لهم أجسامهم في المحشر حتى يضرهم صغرها، وتعظم لهم في النار حتى يضرهم عظمها».

وبعد أن أقامت السورة الكريمة الأدلة الساطعة، على وحدانية الله، وقدرته، وعلى بطلان عبادة غيره.. أتبعت ذلك بحكاية بعض أقاويل المشركين، وردت عليها بما يدحضها، وببيان سوء عاقبتهم، وعاقبة أشباههم من قبلهم، فقال- تعالى-:

ولهذا قال هاهنا : ( لا جرم ) أي : حقا ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) أي : وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ، ( إنه لا يحب المستكبرين )

يعني تعالى ذكره بقوله: لا جرم حقا أن الله يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنباء في هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد، واستكبارهم على الله، وما يعلنون من كفرهم بالله وفريتهم عليه ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) يقول: إن الله لا يحب المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الآلهة والأنداد.

كما حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا مسعر، عن رجل: أن الحسن بن عليّ كان يجلس إلى المساكين، ثم يقول ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِين ) .

المعاني :

لَا جَرَمَ :       حَقًّا السراج
لا جَرَم :       حقّ و ثبت ، أو لا محالة أو حقّاً معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ ذكر هذه الجملة يفيد أن الخضوع لله والتواضع لمن دعى إلى الله سبب لمحبة الله، وأن التكبر على الدعاة الهداة الذين يذكرون بالله موجب لسخطه عز وجل، ولهذا كان أقرب إلى رحمة الله عاص يقابل الناصح بالاعتذار وسؤال الله التوبة من آخر مزدر له أو مراغم.
عمل
[23] تربية القلب بالقرآن: مر الحسن بن علي رضي الله عنهما على مساكين يأكلون فدعوه؛ فأجابهم وأكل معهم، وتلا: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾، ثم دعاهم إلى منزله فأطعمهم وأكرمهم.
تفاعل
[23] ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ:
  • لا جرم: بمعنى: حقا. وفيه طرق متعددة تناولها علماء اللغة. قيل: لا: نافية. جرم: بمعنى حقّ. وفي اعرابها: لا صد ولا منع عن أن الله .... أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله: اسم «انّ» منصوب للتعظيم بالفتحة ويجوز ان تكون انّ وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع أي حق ذلك.
  • ﴿ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة عشرة. وهي هنا: في محل رفع خبر «أن».
  • ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم «انّ» لا: نافية لا عمل لها و «يحب» فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ» في محل رفع خبر «إنّ».
  • ﴿ الْمُسْتَكْبِرِينَ:
  • مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

هود: 22﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ
النحل: 23﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ
النحل: 62﴿وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ
النحل: 109﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ
غافر: 43﴿ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     ولَمَّا صرح اللهُ عز وجل بأنه لا معبود بحق سواه؛ هَدَّدَ المشركين هنا وتوعدهم على أعمالهم، وعلل سوء صنيعهم بشدة استكبارهم، قال تعالى:
﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [24] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ ..

التفسير :

[24] وإذا سُئِل هؤلاء المشركون عَمَّا نزل على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا كذباً وزوراً:ما أتى إلا بقصص السابقين وأباطيلهم.

يقول تعالى -مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ْ} أي:إذا سألوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد، فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها أم تكفرون وتعاندون؟فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه:إنه{ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ْ} أي:كذب اختلقه محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب، فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها

وقوله- سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ حكاية لبعض ما كان يدور بين أولئك المستكبرين، وبين غيرهم من أسئلة واستفسارات حول القرآن الكريم.

والأساطير: جمع أسطورة، كأعاجيب وأعجوبة، وأحاديث وأحدوثة.

والمراد بها: الأكاذيب والترهات التي لا أصل لها، والتي كانت مبثوثة في كتب الأولين.

والمعنى: وإذا قال قائل لهؤلاء الكافرين المستكبرين، أى شيء أنزل ربكم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

قالوا له على سبيل الجحود للحق: لم ينزل عليه شيء، وإنما هذا القرآن الذين يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم على أتباعه، هو من أساطير الكهنة الأولين، نقله من كتبهم ثم قرأه على من يستمع إليه.

روى ابن أبى حاتم عن السدى قال: اجتمعت قريش فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله، فانظروا ناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين، فمن جاءه يريده ردوه عنه.

فخرج ناس في كل طريق، فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ووصل إليهم، قال أحدهم: أنا فلان بن فلان، فيعرفه نسبه، ثم يقول للوافد: أنا أخبرك عن محمد صلى الله عليه وسلم إنه رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له، فيرجع الوافد. فذلك قوله- تعالى- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد، فقالوا له مثل ذلك قال: بئس الوافد لقومي أنا، إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم- من مكة- رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل، وأنظر ما يقول، وآتى قومي ببيان أمره. فيدخل مكة، فيلقى المؤمنين فيسألهم: ماذا يقول محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: خيرا..» .

وعبر- سبحانه- بالفعل «قيل» المبنى للمجهول، للإشارة إلى أن هذا القول الذي تفوه به عتاة الكافرين، كانوا يقولونه لكل من يسألهم عن القرآن الكريم، لكي يصدوه عن الدخول في الإسلام. وجملة «ماذا أنزل ربكم» نائب فاعل لقيل.

وقولهم- كما حكى القرآن عنهم- «أساطير الأولين» خبر لمبتدأ محذوف.

أى: قالوا هو أساطير الأولين أو المسئول عنه: أساطير الأولين.

ولقد حكى القرآن قولهم الباطل هذا، ورد عليه بما يدحضه في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.

يقول تعالى : وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : ( ماذا أنزل ربكم قالوا ) معرضين عن الجواب : ( أساطير الأولين ) أي : لم ينزل شيئا ، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين ، أي : مأخوذ من كتب المتقدمين ، كما قال تعالى : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) [ الفرقان : 5 ] أي : يفترون على الرسول ، ويقولون [ فيه ] أقوالا مختلفة متضادة ، كلها باطلة كما قال تعالى : ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) [ الفرقان : 9 ] وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ ، وكانوا يقولون : ساحر ، وشاعر ، وكاهن ، ومجنون . ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي ، لما ( فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) [ المدثر : 18 - 24 ] أي : ينقل ويحكى ، فتفرقوا عن قوله ورأيه ، قبحهم الله .

يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين ، ماذا أنـزل ربكم ، أيّ شيء أنـزل ربكم ، قالوا: الذي أنـزل ما سطَّره الأوّلون من قبلنا من الأباطيل.

وكان ذلك كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَاذَا أَنـزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) يقول: أحاديث الأوّلين وباطلهم ، قال ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا مرّ بهم أحد من المؤمنين ، يريد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لهم: أساطير الأوّلين، يريد: أحاديث الأوّلين وباطلهم.

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) يقول: أحاديث الأوّلين.

المعاني :

أَسَاطِيرُ :       قِصَصُ، وَأَبَاطِيلُ السراج
أساطير الأوّلين :       أباطيلهم المسطّرة في كتبهم معاني القرآن

التدبر :

لمسة
[24] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ قال: (رَبُّكُمْ)، وليس: (ربنا)؛ وهذا من باب الوعظ، وتذكير المخاطب بأن له ربًا يرزقه ويرعاه، فكيف يعانده ويعصيه؟!
وقفة
[24] وصفوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلُّف القديم فقالوا: ﴿أساطير الأولين﴾ وقالوا: ستموت دعوته بموته ووصفوه بـ (الأبتر)؛ فماتوا ومات دينهم، وبقي ذكر محمد ودينه.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ:
  • الواو: استئنافية. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. لهم: جار ومجرور متعلق بقيل. والميم علامة جمع الذكور و «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو اداة شرط‍ غير جازمة. وجملة قِيلَ لَهُمْ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع نائب فاعل للفعل «قيل» ماذا: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بمعنى: أيّ شيء أنزله ربكم: أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. ربّ: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة أَنْزَلَ رَبُّكُمْ» في محل رفع خبر «ماذا» ويجوز أن يكون «ماذا» في محل نصب مفعولا به مقدما بأنزل. بمعنى: أي شيء أنزل ربكم. وثمة وجه آخر لاعراب «ماذا» وهو أنّ «ما» اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. و «ذا» اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع خبر «ما».
  • ﴿ قالُوا:
  • الجملة وما بعدها: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.والألف فارقة.
  • ﴿ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:
  • أساطير: خبر مبتدأ محذوف التقدير: المنزل أساطير الأولين بمعنى: هو أساطير الأولين أو بمعنى: ما يدعون نزوله أساطير الأولين. الأولين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والجملة الاسمية أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» بعد التقدير في محل نصب مفعول به مقول القول. '

المتشابهات :

النحل: 24﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
النحل: 30﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     وبعد ذكرِ أدلَّةِ التَّوحيدِ وأدلَّةِ بطلانِ عبادةِ الأصنامِ؛ أعقَبَ ذلك ببيانِ شبهاتِ المشركين: الشُبْهَةُ الأولى: الطَّعنُ في القرآنِ، فقالُوا: أساطيرُ الأولينَ، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أساطير:
قرئ:
1- بالنصب، وهى قراءة شاذة.
2- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [25] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ..

التفسير :

[25] ستكون عاقبتهم أن يحملوا آثامهم كاملة يوم القيامة -لا يُغْفَر لهم منها شيء- ويَحْملوا من آثام الذين كذبوا عليهم؛ ليبعدوهم عن الإسلام من غير نقص من آثامهم. ألا قَبُحَ ما يحملونه من آثام.

وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة.وقوله:{ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ْ} أي:من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون فكلٌّ مستقلٌّ بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا{ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ْ} أي:بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم، من وزرهم ووزر من أضلوه.

ثم بين- سبحانه- عاقبة كفرهم، ونطقهم بالباطل، فقال- تعالى-: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ....

واللام في قوله- «ليحملوا» هي التي تسمى بلام العاقبة، وذلك لأنهم لما وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين، كانت عاقبتهم تلك العاقبة السيئة.

والأوزار جمع وزر- بكسر الواو وسكون الزاى- بمعنى الشيء الثقيل.

المراد بها الذنوب والآثام التي يثقل حملها على صاحبها يوم القيامة، كما قال- تعالى-:

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ.

والمعنى: قالوا ذلك في القرآن الكريم، لتكون عاقبتهم أن يحملوا أوزارهم كاملة غير منقوصة يوم القيامة.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله «ليحملوا» متعلق- بقالوا- كما هو الظاهر.. واللام للعاقبة، لأن الحمل مترتب على قولهم وليس باعثا ولا غرضا لهم.

وعن ابن عطية: أنها تحتمل أن تكون لام التعليل ومتعلقة بفعل مقدر لا بقالوا، أى: قدر صدور ذلك منهم ليحملوا ....

وقال- سبحانه- كامِلَةً لتأكيد أنه لا يرفع عنهم شيء من ذنوبهم، بل سيعاقبون عليها جميعا دون أن ينقص منها شيء.

قال الفخر الرازي: وهذا يدل على أن الله- تعالى- قد يسقط بعض العقاب على المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلا في حق الكل، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل معنى...

وقال بعض العلماء: «ويصور التعبير هذه الذنوب بكونها أحمالا ذات ثقل- وساءت أحمالا وأثقالا-، فهي توقر النفوس كما توقر الأحمال الظهور، وهي تثقل القلوب، كما تثقل الأحمال العواتق، وهي تتعب وتشقى كما تتعب الأثقال حاملها، بل هي أدهى وأنكى».

وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها، وأنتنه ريحا، فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء زاده فزعا، وكلما تخوف من شيء زاده خوفا. فيقول له بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فيقول له وما تعرفني؟

فيقول: لا. فيقول: أنا عملك كان قبيحا فلذلك تراني قبيحا، وكان منتنا فلذلك تراني منتنا. طأطئ إلى أركبك، فطالما ركبتني في الدنيا، فيركبه، وهو قوله- تعالى- لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ.. .

وقوله: «ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم» بيان لأثقال أخرى يحملونها فوق أثقالهم.

أى: أن أولئك المستكبرين، قالوا في القرآن إنه أساطير الأولين، فكانت عاقبة قولهم الباطل أن حملوا آثامهم الخاصة، وأن حملوا فوقها جانبا من آثام من كانوا سببا في ضلالهم.

قال ابن كثير: أى يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم،واقتداء أولئك بهم، كما جاء في الحديث: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» .

كما قال- تعالى-: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ.

فهذه الآية وأمثالها، لا تعارض بينها وبين قوله- تعالى- وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.

لأن هؤلاء المستكبرين لم يكتفوا بضلالهم في أنفسهم، بل تسببوا في إضلال غيرهم، فعوقبوا على هذا التسبب السيئ، الذي هو فعل من أفعالهم القبيحة.

وقوله «بغير علم» في موضع الحال من الضمير المنصوب في قوله «يضلونهم» .

أى: يضلون ناسا لا علم عندهم، فهم كالأنعام بل هم أضل، وفي ذلك ما فيه من مدح أهل العلم والتفكير، لأن الآية الكريمة قد بينت أن أئمة الكفر، يستطيعون إضلال من لا علم عنده، أما أصحاب العقول السليمة فلن يستطيعوا إضلالهم.

قالوا: واستدل بالآية على أن المقلد يجب عليه أن يبحث، وأن يميز بين الحق والباطل، ولا يعذر بسبب جهله.

وقيل: إن قوله «بغير علم» في موضع الحال من الضمير المرفوع في قوله «يضلونهم» .

أى: هم يضلون غيرهم حالة كونهم غير عالمين بما يترتب على ذلك من آثام وعقاب، إذ لو علموا ذلك لما أقدموا على هذا الإضلال لغيرهم.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ. قال الجمل:

و «ساء» فعل ماض لإنشاء الذم بمعنى بئس، و «ما» تمييز بمعنى شيئا، أو فاعل بساء، و «يزرون» صفة لما والعائد محذوف، أو «ما» اسم موصول، وقوله «يزرون» صلة الموصول، والعائد محذوف أى: يزرونه، والمخصوص بالذم محذوف».

والتقدير: بئس شيئا يزرونه ويحملونه نتيجة كفرهم وكذبهم وإضلالهم لغيرهم وافتتحت الجملة الكريمة بأداة الاستفتاح «ألا» للاهتمام بما تضمنه التحذير، حتى يقلعوا عن كفرهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويحترسوا عن الوقوع في الباطل من القول.

ثم سلى الله- تعالى- نبيه والمؤمنين، فبين لهم أن هؤلاء المستكبرين الذين قالوا في القرآن: إنه أساطير الأولين، سيحيق بهم مكرهم السيئ، كما حاق بالذين من قبلهم.

قال الله تعالى : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) أي : إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم ، أي : يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم ، وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم ، كما جاء في الحديث : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " .

وقال [ الله ] تعالى : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) [ العنكبوت : 13 ] .

وهكذا روى العوفي عن ابن عباس في قوله : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) إنها كقوله : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) [ العنكبوت : 13 ] .

وقال مجاهد : يحملون أثقالهم : ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئا .

يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون لمن سألهم ، ماذا أنـزل ربكم الذي أنـزل ربنا فيما يزعم محمد عليه: أساطير الأوّلين، لتكون لهم ذنوبهم التي هم عليها مقيمون من تكذيبهم الله ، وكفرهم بما أنـزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذنوب الذين يصدّونهم عن الإيمان بالله يضلون يفتنون منهم بغير علم ، وقوله ( أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) يقول: ألا ساء الإثم الذي يأثمون ، والثقل الذي يتحملون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن نجيح، عن مجاهد، قوله ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ومن أوزار من أضلوا احتمالهم ذنوب أنفسهم ، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. نحوه، إلا أنه قال: ومن أوزار الذين يضلونهم حملهم ذنوب أنفسهم، وسائر الحديث مثله.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ ) قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علم، ( أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) يقول: يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ يقول: يحملون مع ذنوبهم الذين يُضِلُّونهم بغير علم.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع ، ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ من غَيْرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَلَهُ مِثْلَ أُجُورِهِمْ من غَيْرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ".

حدثني المثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رجل، قال: قال زيد بن أسلم: " أنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده فزعا وكلما تخوّف شيئا زاده خوفا، فيقول: بئس الصاحب أنت ، ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا فيقول: أنا عملك كان قبيحا ، فلذلك تراني قبيحا، وكان منتنا فلذلك تراني منتنا، طأطئ إليّ أركبك فطالما ركبتني في الدنيا ، فيركبه، وهو قوله ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

المعاني :

أَوْزَارَهُمْ :       آثًامَهُمْ السراج
أوزارهم :       آثامهم و ذنوبهم معاني القرآن

التدبر :

اسقاط
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قال حبيب الفارسي: «إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه».
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قال بعض الصالحين: «إنفاق درهم مزيف أشد من سرقة مائة درهم؛ لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت، وإنفاق المزيف قد يكون عليه وزرها بعد موته إلى مائة سنة أو مائتي سنة إلى أن يفنى ذلك الدرهم، ويكون عليه ما فسد من نقص أموال الناس».
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي ليحملوا أوزار كفرهم مباشرةً، ومِثلَ أو بعضَ أوزارِ كفرِ مَنْ أضلُّوهم، بتسبّبهم في كفرهم، فـ (مِنْ) زائدة، أو تبعيضيَّة، وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ [الزمر: 7] فمعناه وزرًا لا مَدْخل لها فيه، ولا تعلُّق له بها بتسبُّب ولا غيرِه.
عمل
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ استغفر الله من كل رسالةٍ أو خبرٍ أو قصةٍ نشرتها؛ فيها إثم؛ فإنك تحمل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ يُضِلُّونَ مَن لا يعلم أنهم ضُلال على الباطل, وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على ذي لُبّ, وإنما يُقلِّدُهُم الجهلة الأغبياء, وفيه زيادة تعيير لهم وذم؛ إذ كان عليهم إرشاد الجاهلين لا إضلالهم، واستدل بالآية على أن المقلِّد يجب عليه أن يبحث ويميز بين المُحِقِّ والمُبْطِل، ولا يُعذرُ بالجهل.
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ مساواة المُضِل للضال في جريمة الضلال؛ إذ لولا إضلاله إياه لاهتدى بنظره أو بسؤال الناصحين.
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ بعض الآباء يدع قنوات السوء بأيدي أهله وبنيه، كأن الأمر لا يعنيه، وهو يعلم أنها تنوء بالسوء، وربما خادع نفسه بأنه يثق بهم، لقد لعن رسول الله ﷺ في الربا: الآكل والمؤكل والكاتب، وفي الرشوة: الراشي والمرتشي والرائش، وبئس في تلك القنوات جالبها والناظر إليها.
وقفة
[25] ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ يا حسرة من فتح على نفسه باب شر وفتنة لا يغلق حتى بعد موته !
اسقاط
[25] تويتر، سناب، انستجرام، واتس آب، فيس بوك، وسائل التواصل: لا تكتب إلا ما تتمنى أن تشاهده أمامك يوم القيامة، وأسأل نفسك هل تتحمل أثام تجري؟ ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
وقفة
[25] كيف نجمع بين قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ [الزمر: 7]، وبين قوله: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم﴾ [العنكبوت: 13]؟ الجواب: أن الإنسان لا يعاقب على ذنب فعله غيره، ونصوص القرآن في تقرير هذا المعنى عديدة، لكن صاحب الذنب قد يعاقب على ذنب فعله غيره؛ باعتبار أن هؤلاء الحاملين لأوزار غيرهم إنما نالوا هذا العقاب من جهة أنهم كانوا السبب فهو عملهم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى؛ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ؛ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» [مسلم 2674].

الإعراب :

  • ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ:
  • بمعنى فحملوا أوزارهم نتيجة قولهم أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» وفيه إضلال للناس. اللام: حرف جر للتعليل من غير أن يكون غرضا.يحملوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أوزارهم:أي ذنوبهم جمع «وزر» مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بقالوا وجملة «يحملوا أوزارهم» صلة «أن» المصدرية المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • كاملة: حال منصوب بالفتحة. يوم: ظرف زمان متعلق بيحملوا منصوب بالفتحة. القيامة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ:
  • الواو: عاطفة. من أوزار: جار ومجرور متعلق بيحملوا. و «من» للتبعيض. وقد حذف المفعول لأنّ «من» تدل عليه.الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ يُضِلُّونَهُمْ:
  • بمعنى: وبعض أوزار من ضل بضلالهم. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من المفعول: أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضالون. علم: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ:
  • ألا: حرف استفتاح للتنبيه. ساء: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم لأنها تعني «بئس» وفيها معنى التعجب بتقدير: ما أسوأ ذنبهم. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «ما»: نكرة بمعنى: شيء في محل نصب تمييز. يزرون: تعرب إعراب «يضلّون» ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فتكون هي وما بعدها: بتأويل مصدر في محل رفع فاعل الفعل «ساء» التقدير: ساء ذنبهم. وجملة «يزرون» صلة «ما» لا محل لها من الإعراب. '

المتشابهات :

الأنعام: 31﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
النحل: 25﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     ولَمَّا طعنَ المشركون في القرآن، وقالوا أنه أساطير الأولين؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا عاقبة كفرهم، ونطقهم بالباطل، قال تعالى:
﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [26] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ..

التفسير :

[26] قد دبَّر الكفار مِن قَبْل هؤلاء المشركين المكايد لرسلهم، وما جاؤوا به من دعوة الحق، فأتى أمر الله بنيانهم من أساسه وقاعدته، فسقط عليهم السقف مِن فوقهم، وأتاهم الهلاك مِن مأمنهم، من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون أنه يأتيهم منه.

{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ْ} برسلهم واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاءوهم به وبنوا من مكرهم قصورا هائلة،{ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ْ} أي:جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها،{ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ْ} فصار ما بنوه عذابا عذبوا به،{ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ْ} وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب فصار عذابهم فيما بنوه وأصَّلوه.وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه.

فقال- تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

وقوله- سبحانه- «مكر» من المكر، وهو التدبير المحكم، أو صرف الغير عما يريده بحيلته، وهو مذموم إن تحرى به الماكر الشر والباطل، ومحمود إن تحرى به الخير والحق.

والمراد به هنا النوع الأول.

والمراد بالذين من قبلهم: الكفار الذين كانوا قبل كفار مكة، كقوم نوح وهود وصالح.

وقوله: «فأتى الله بنيانهم..» أى: أهلكهم، كما في قوله- تعالى- ... فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا.. .

ويقال: أتى فلان من مأمنه أى: نزل به الهلاك من جهة أمنه. وأتى عليه الدهر. أى:

أهلكه وأفناه. ومنه الأتوّ. وهو الموت والبلاء.

يقال: أتى على فلان أتوّ، أى موت أو بلاء يصيبه.

والقواعد: جمع قاعدة. وهي أساس البناء، وبها يكون ثباته واستقراره.

والمعنى: لا تهتم- أيها الرسول الكريم- بما يقوله المستكبرون من قومك في شأن القرآن الكريم لكي يصرفوا الناس عن الدخول في الإسلام، فقد مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم، فكانت عاقبة مكرهم أن أتى الله بنيانهم من القواعد، بأن اجتث هذا البنيان من أصله واقتلعه من أساسه «فخر عليهم السقف من فوقهم» أى: فسقط عليهم سقف بنيانهم فأهلكهم «وأتاهم العذاب» المبير المدمر «من حيث لا يشعرون» ولا يحتسبون بأنه سيأتيهم من هذه الجهة، بل كانوا يتوقعون أن ما شيدوه سيحميهم من المهالك.

فالآية الكريمة تصور بأسلوب بديع معجز، كيف أن هؤلاء الماكرين، قد حصنوا أنفسهم بالبناء المحكم المتين، ليتقوا ما يؤذيهم، إلا أن جميع هذه التحصينات قد هوت وتساقطت على رءوسهم، أمام قوة الله- تعالى- التي لا ترد، فإذا بالبناء الذي بنوه ليحتموا به، قد صار مقبرة لهم.

وصدق الله إذ يقول: وَمَكَرُوا مَكْراً، وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

.

وقال- سبحانه-: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ مع أن السقف لا يكون إلا من فوق، لتأكيد الكلام وتقويته.

وقال القرطبي: قال ابن الأعرابى: وكد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته، والعرب تقول:

خر علينا سقف، ووقع علينا حائط، إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه. فجاء بقوله: «من فوقهم» ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب، فقال: «من فوقهم» أى: عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا..».

هذا ومن المفسرين الذين رجحوا أن الآية مسوقة على سبيل التمثيل، الفخر الرازي.

فقد قال: وفي قوله- سبحانه- فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ قولان:

الأول: أن هذا محض التمثيل.

والمعنى أنهم رتبوا حيلا ليمكروا بها على أنبياء الله، فجعل الله- تعالى- حالهم في تلك الحيل، مثل حال قوم بنوا بنيانا وعموده بالأساطين، فانهدم ذلك البناء، وضعفت تلك الأساطين، فسقط السقف عليهم، ونظيره قولهم: من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه.

- ووجه الشبه أن ما عدوه سبب بقائهم، صار سبب استئصالهم وفنائهم.

الثاني: أن المراد منه ما دل عليه الظاهر، وهو أن الله- تعالى- أسقط عليهم السقف وأماتهم تحته.

والأول أقرب إلى المعنى.

ومن المفسرين الذين رجحوا أن الكلام على حقيقته، الإمام ابن جرير فقد قال- بعد أن سرد بعض الأقوال-: وأولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك، تساقطت عليهم سقوف بيوتهم، إذ أتى على أصولها وقواعدها أمر الله، فانكفأت بهم منازلهم، لأن ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان وخرّ السقف.

وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر الأعرف منها، أولى من توجيهها إلى غير ذلك ما وجد إليه سبيل».

ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير- رحمه الله- أولى بالقبول، لأنه مادام اللفظ صالحا للحمل على الحقيقة، فلا داعي لصرفه عن ذلك.

وقد حكى لنا القرآن الكريم صنوفا من العذاب الذي أنزله الله- تعالى- بالظالمين، ومن ذلك قوله- تعالى-: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً. وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .

قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( قد مكر الذين من قبلهم ) قال : هو نمرود الذي بنى الصرح .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد نحوه .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض نمرود ، فبعث الله عليه بعوضة ، فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه ، وكان جبارا أربعمائة سنة ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ثم أماته الله . وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء ، وهو الذي قال الله : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد )

وقال آخرون : بل هو بختنصر . وذكروا من المكر الذي حكى الله هاهنا ، كما قال في سورة إبراهيم : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ إبراهيم : 46 ] .

وقال آخرون : هذا من باب المثل ؛ لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره ، كما قال نوح ، عليه السلام : ( ومكروا مكرا كبارا ) [ نوح : 22 ] أي : احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة ، كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة : ( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) [ الآية ] [ سبأ : 33 ] .

وقوله : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) أي : اجتثه من أصله ، وأبطل عملهم ، وأصلها كما قال تعالى : ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) [ المائدة : 64 ] .

وقوله : ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) [ الحشر : 2 ] .

وقال هاهنا : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)

يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين الذين يصدّون عن سبيل الله ، من أراد اتباع دين الله، فراموا مغالبة الله ببناء بَنَوه، يريدون بزعمهم الارتفاع إلى السماء لحرب من فيها ، وكان الذي رام ذلك فيما ذُكر لنا جبار من جبابرة النَّبَط ، فقال بعضهم: هو نمرود بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبارهما في سورة إبراهيم. وقيل: إن الذي ذُكر في هذا الموضع هو الذي ذكره الله في سورة إبراهيم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: أمر الذي حاجّ إبراهيم في ربه بإبراهيم فأُخْرِج، يعني من مدينته، قال: فلقي لوطا على باب المدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إني مهاجر إلى ربي ، وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم، فأخذ أربعة أفراخ من فِراخ النسور، فرباهنّ باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن، فربطهنّ في تابوت، وقعد في ذلك التابوت ثم رفع لهنّ رجلا من لحم، فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدبّ كدبيب النمل ، ثم رفع لهنّ اللحم، ثم نظر فرأى الأرض محيطا بها بحر كأنها فلكة في ماء ، ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة، فلم ير ما فوقه وما تحته، ففزع، فألقى اللحم، فاتبعته منقضَّات ، فلما نظرت الجبال إليهنّ، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهنّ، فزعت الجبال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن وذلك قول الله تعالى وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ وهي في قراءة ابن مسعود: " وَإنْ كَادَ مَكْرُهُمْ". فكان طَيْرُورتهن به من بيت المقدس ووقوعهن به في جبل الدخان ، فلما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ في بنيان الصرح، فبنى حتى إذا شيده إلى السماء ارتقى فوقه ينظر، يزعم إلى إله إبراهيم، فأحدث، ولم يكن يُحدث وأخذ الله بنيانه من القواعد ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصرح، فتنقَّض بهم ، فسقط ، فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت بابل ، وإنما كان لسان الناس من قبل ذلك بالسريانية.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي. عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) قال: هو نمرود حين بنى الصرح.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم: إن أوّل جبار كان في الأرض نمرود، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربع مئة سنة يُضرب رأسه بالمطارق، أرحم الناس به من جمع يديه ، فضرب رأسه بهما، وكان جبارا أربع مئة سنة، فعذّبه الله أربع مئة سنة كمُلكه، ثم أماته الله ، وهو الذي كان بنى صَرْحا إلى السماء، وهو الذي قال الله: ( فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) . وأما قوله ( فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) فإن معناه: هدم الله بنيانهم من أصله ، والقواعد: جمع قاعدة، وهي الأساس ، وكان بعضهم يقول: هذا مثَل للاستئصال ، وإنما معناه: إن الله استأصلهم ، وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشيء.

وقوله ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخرّ عليهم السقف من فوقهم: أعالي بيوتهم من فوقهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) إي والله ، لأتاها أمر الله من أصلها( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) والسقف: أعالي البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم ( وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ )

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) قال: أتى الله بنيانهم من أصوله، فخرّ عليهم السقف.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) قال: مكر نمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيم في ربه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال آخرون: عنى بقوله ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) أن العذاب أتاهم من السماء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) يقول: عذاب من السماء لمَّا رأوه استسلموا وذلوا.

وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: معنى ذلك: تساقطت عليهم سقوف بيوتهم، إذ أتى أصولها وقواعدها أمر الله، فائتفكت بهم منازلهم لأن ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان ، وخرّ السقف، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر الأعرف منها، أولى من توجيهها إلى غير ذلك ما وُجِد إليه سبيل ( وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: وأتى هؤلاء الذين مكروا من قَبْل مشركي قريش، عذاب الله من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه.

المعاني :

القواعد :       الدعائم و العمد . أو الأساس معاني القرآن
فَخَرَّ :       فَسَقَطَ السراج

التدبر :

وقفة
[26] ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم﴾ وكذلك سيخر السقف وتتضعضع أركان كل بناء من بعدهم يراد به كيد دعوة الإسلام.
وقفة
[26] ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ فأتى الله بنيانهم من القواعد، منهج القرآن في استئصال الشبهات اقتلاع جذورها وقواعدها.
وقفة
[26] عقوبة الظالم لا تستأذنه ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
وقفة
[26] ﴿فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾ لإقتلاع الأفكار الباطلة لا بد من الحفر في جذورها، واجتثاثها من أصولها.
عمل
[26] لا تيأس، ولا يغرنَّك قوة الفاجر وبأسه، فإن الله إذا أراد إهلاكه أتاه من مصدر قوته ﴿فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾.
عمل
[26] ﴿فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ انقضّ على جذور المشكلة في حياتك ينهار سقفها.
وقفة
[26] ﴿فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ طريقة القرآن في إزهاق الباطل اجتثاثه من قواعده وجذوره.
وقفة
[26] ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾ دل صوت الخرير على سرعة السقوط، مما دل على شدة العذاب الذي ينتج عنه تدمير القواعد، فتكون سرعة سقوط السقف، وصدور صوت الخرير.
وقفة
[26] ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾ دلالة على أن الله دمرهم مع بيوتهم؛ فالمكر يدمر صاحبه وما ملك.
لمسة
[26] ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ ما دلالة (مِن فَوْقِهِمْ) مع أنه معلوم أن السقف يخر من فوقهم؟ خر عليهم السقف يعني انهدم ووقع، لكن ليس شرطًا أن يكونوا تحته، أما قوله: (مِن فَوْقِهِمْ) يعني هم كانوا تحته ووقع عليهم تحديدًا، هكذا تكون المصيبة أكبر، وعندنا التوكيد للمعنى كما تقول: رأيته بعيني وسمعته بأذني.
وقفة
[26] ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: من حيث ظنوا أنهم في أمان.
وقفة
[26] ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
تفاعل
[26] ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[26] ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَخْذ الله للمجرمين فجأة أشد نكاية؛ لما يصحبه من الرعب الشديد، بخلاف الشيء الوارد تدريجيًّا.
وقفة
[26] عقوبة الله للظالمين تأتي غالبًا بطرق غير معتادة وبوسائل لم تخطر في بالهم ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾، ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ [الحشر: 2].

الإعراب :

  • ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:
  • قد: حرف تحقيق. مكر: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. من قبل: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا تقديره مضوا وبمعنى كانوا من قبلهم. وجملة «مضوا من قبلهم» صلة الموصول لا محل لها. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ:
  • الفاء: سببية. أتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بمعنى: فجاء أمر الله. بنيان: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» أعربت.
  • ﴿ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ:
  • جار ومجرور متعلق بأتى أي من قواعد البنيان أو بمعنى: من جهة القواعد. الفاء: عاطفة. خرّ: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ:
  • أي فسقط‍ عليهم. على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بخرّ. السقف: فاعل مرفوع بالضمة. من فوقهم: جار ومجرور متعلق بخر و «هم» في محل جر بالاضافة أي بسبب كفرهم.
  • ﴿ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ:
  • الواو: عاطفة. أتى العذاب تعرب اعراب «أتى الله» و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ مِنْ حَيْثُ:
  • من: حرف جر. حيث: اسم مبني على الضم في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأتاهم والجملة الفعلية بعده في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا يَشْعُرُونَ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يشعرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

الرعد: 42﴿وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّـهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا
النحل: 26﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل عاقِبةَ إضلالِ المُشرِكينَ وصَدِّهم السَّائلينَ عن القُرآنِ والإسلامِ في الآخِرةِ؛ هَدَّدَهم هنا بأنْ يقَعَ لهم ما وقَعَ فيه أمثالُهم في الدُّنيا مِن الخِزيِ والعذابِ، قال تعالى:
﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بنيانهم:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بنيتهم، وهى قراءة فرقة.
3- بينهم، وهى قراءة جعفر.
4- بيوتهم، وهى قراءة الضحاك.
السقف:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
1- السقف بضمتين، وهى قراءة الأعرج.
2- السقف، بضم السين فقط، وهى قراءة مجاهد.
3- السقف، بفتح السين وضم القاف، وهى لغة.

البحث بالسورة

البحث في المصحف