1312829303132333435

الإحصائيات

سورة الأنعام
ترتيب المصحف6ترتيب النزول55
التصنيفمكيّةعدد الصفحات23.00
عدد الآيات165عدد الأجزاء1.17
عدد الأحزاب2.35عدد الأرباع9.40
ترتيب الطول5تبدأ في الجزء7
تنتهي في الجزء8عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 2/14الحمد لله: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (28) الى الآية رقم (32) عدد الآيات (5)

لمَّا تمَنُّوا العودةَ إلى الدُّنيا ليعملُوا صالحًا؛ كذَّبَهم اللهُ هنا وبَيَّنَ أنَّهم لو رُدُّوا إلى الدُّنيا لعادُوا إلى ما نَهَاهم اللهُ عنه من الكفرِ، ثُمَّ ذِكْرُ حقيقةِ الدُّنيا ومقارنتُها بالآخرةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (33) الى الآية رقم (35) عدد الآيات (3)

بعدَ الحديثِ عن أحوالِ المشركينَ في الدُّنيا والآخرةِ وحزنِ الرسولِ لتكذيبِهم له، تأتي مواساةُ اللهِ له بأنَّ هذا لم يحدثْ له وحدَهُ، بل هي سُنَّةُ المُشْركينَ في معاملةِ الرسلِ، وأنَّه لا حِيلةَ له إلا الصَّبرِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأنعام

التوحيد الخالص في الاعتقاد والسلوك/ مجادلة المشركين في إثبات التوحيد والرسالة والبعث/ قذائف الحق

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إذًا كيف هذا؟ وما علاقة هذا بالأنعام؟: الأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم. والمشركون من العرب اعترفوا بوجود الله، وكانوا ينظرون للأنعام على أنها الثروة الأساسية وعصب الحياة، فهي الأكل والشرب والمواصلات والثروة. تعامل المشركون من العرب مع الأنعام على أنها تخصهم ولا علاقة لله تعالى بها بزعمهم، فأحلوا وحرموا بعضِ الزروعِ والأنعامِ، وجعلوا لله جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام، يقدمونه للمساكين وللضيوف، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء للأوثان والأنصاب، ومثل ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها، وتركوها لآلهتهم وامتنعوا عن نحرها وركوبها، وسموها "بحيرة"، وسموا أخرى "سائبة" وأخرى "وصيلة".
  • • ما العلاقة بين الأنعام وبين سورة تتحدث عن توحيد الله؟: الله هو الذي خلق الأنعام، وسخرها للإنسان؛ وبالتالي فهو وحده المشرع للأحكام المتعلقة بها.فالتوحيد ليس معناه أنْ يقول المرء في نفسه أنا أوحّد الله وواقع حياته لا يشهد بذلك. وكثير من الناس يوحّدون الله اعتقادًا؛ فهو يجزم بهذا الأمر، ولا مجال للنقاش أو الشك في توحيده لله عزّ وجلْ، ولكن إذا تأملنا واقع حياته، وهل يطبق شرع الله تعالى في كل تصرفاته؟؛ فإننا سنجد أنّ الأمر مختلف. توحيد الله تعالى لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل لا بد من توحيده في كل تصرفاتنا وحياتنا اليومية.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «الأنعام»
  • • معنى الاسم :: النَّعَمُ: واحد الأنعام، والأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم.
  • • سبب التسمية :: لأنها عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، وتكرر فيها لفظ (الأنعام) 6 مرات، (أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ)، وجاءت بحديث طويل عنها استغرق 15 آية (من 136 إلى 150).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة الحجة»، وتسمى الأنعام والأعراف: «الطُّولَيَيْن» (أي: أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل يجب أن يشمل الاعتقاد والسلوك.
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله تعالى أجلى حقائق الكون وأوضحها، وأن المنكر لذلك معاند مكابر.
  • • علمتني السورة :: أن الله أرحم بنا من أي أحد، ولذا عرفنا بنفسه، وأرسل لنا رسله، وأنزل علينا كتبه، ووعظنا بأحوال السابقين حتى لا نلقي مصيرهم.
  • • علمتني السورة :: الأنعام أن الاستغفار من أسباب رفع البلاء وتخفيفه؛ لأن البلاء ينزل بالذنوب: ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾

مدارسة الآية : [28] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ ..

التفسير :

[28] ليس الأمر كذلك، بل ظهر لهم يومَ القيامة ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا، وإن كانوا يُظهرون لأتباعهم خلافه. ولو فرض أن أعيدوا إلى الدنيا فأُمهلوا لرجعوا إلى العناد بالكفر والتكذيب. وإنهم لكاذبون في قولهم:لو رُددنا إلى الد

{ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم، أنهم كانوا كاذبين، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات. ولكن الأغراض الفاسدة، صدتهم عن ذلك، وصرفت قلوبهم عن الخير، وهم كذبة في هذه الأمنية، وإنما قصدهم، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب.{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}

ثم يعقب- سبحانه- على قولتهم هذه فيما لو أجيبوا إلى طلبهم على سبيل الفرض والتقدير فيقول: بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

بل هنا للإضراب عما يدل عليه تمنيهم من إدراكهم لقبح الكفر وسوء مغبته، ولحقيقة الإيمان وحسن عاقبته.

والمعنى: ليس الأمر كما يوهمه كلامهم في التمني من أنهم يريدون العودة للهداية، بل الحق أنهم تمنوا العودة إلى الدنيا بعد أن استقبلتهم النار بلهبها، وبعد أن ظهر لهم ما كانوا يخفونه في الدنيا من أعمال قبيحة، ومن أفعال سيئة، وبعد أن بدا لهم ما كانوا يكذبون به، وينكرون تحققه، ولو أنهم ردوا إلى الدنيا بمتعها وشهواتها وأهوائها لعادوا لما نهوا عنه من التكذيب بالآيات، والسخرية من المؤمنين، وإنهم لكاذبون في كل ما يدعون.

فالآية الكريمة تصور ما طبع عليه هؤلاء الجاحدون من فجور وعناد وافتراء، لأنهم حتى لو أجيبوا إلى طلبهم- على سبيل الفرض والتقدير- لما تخلوا عن كفرهم ومحاربتهم للأنبياء وللمصلحين.

قال تعالى : ( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) أي : بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة ، وإن أنكروها ، في الدنيا أو في الآخرة ، كما قال قبل هذا بيسير ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم )

ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا ، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كما قال تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لفرعون : ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) الآية [ الإسراء : 102 ] . قال تعالى مخبرا عن فرعون وقومه : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) [ النمل : 14 ] .

ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين كانوا يظهرون للناس الإيمان ويبطنون الكفر ، ويكون هذا إخبارا عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار ، ولا ينافي هذا كون هذه [ السورة ] مكية ، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت ، فقال : ( وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) [ العنكبوت : 11 ] ; وعلى هذا فيكون إخبارا عن حال المنافقين في الدار الآخرة ، حين يعاينون العذاب يظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والشقاق والنفاق ، والله أعلم .

وأما معنى الإضراب في قوله : ( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) فهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان ، بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر ، فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ; ولهذا قال : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) أي : في تمنيهم الرجعة رغبة ومحبة في الإيمان .

ثم قال مخبرا عنهم : إنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا ، لعادوا لما نهوا عنه [ من الكفر والمخالفة ] ( وإنهم لكاذبون ) أي : في قولهم : ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين )

القول في تأويل قوله : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء العادلين بربهم، (1) الجاحدين نبوتك، يا محمد، في قيلهم إذا وقفوا على النار: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ = الأسَى والندمُ على ترك الإيمان بالله والتصديق بك، (2) لكن بهم الإشفاق مما هو نازلٌ بهم من عقاب الله وأليم عذابه، على معاصيهم التي كانوا يخفونها عن أعين الناس ويسترونها منهم, فأبداها الله منهم يوم القيامة وأظهرها على رؤوس الأشهاد, ففضحهم بها، ثم جازاهم بها جزاءَهم .

يقول: بل بدا لهم ما كانوا يخفون من أعمالهم السيئة التي كانوا يخفونها " من قبل ذلك في الدنيا, فظهرت " وَلَوْ رُدُّوا " ، يقول: ولو ردّوا إلى الدنيا فأمْهلوا =" لعادوا لما نهوا عنه " ، يقول: لرجعوا إلى مثل العمل الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك، من جحود آيات الله، والكفر به، والعمل بما يسخط عليهم ربِّهم =" وإنهم لكاذبون " ، في قيلهم: " لو رددنا لم نكذب بآيات ربّنا وكنا من المؤمنين ", لأنهم قالوه حين قالوه خشية العذاب، لا إيمانًا بالله.

* * *

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

13181 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " ، يقول: بدت لهم أعمالهم في الآخرة، التي أخفوها في الدنيا .

13182 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " ، قال: من أعمالهم .

13183 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولو ردُّوا لعادُوا لما نهوا عنه " ، يقول: ولو وصل الله لهم دُنيا كدنياهم, لعادوا إلى أعمالهم أعمالِ السوء.

المعاني :

بَدَا :       ظَهَرَ الميسر في غريب القرآن
مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ :       أي: عن أَتْباعهِم من أَمْرِ البعثِ، وصِدْقِ الرُّسُلِ الميسر في غريب القرآن
لَكَٰذِبُونَ :       في أنهم لو عادُوا إلى الدنيا لآمَنوا الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[28] بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك، فيقولون: ﴿وَاللَّـهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام 23]، فينطق الله جوارحهم، فتشهد عليهم بالكفر.
وقفة
[28] ﴿بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ هذا هو اليوم الذي تنتهك فيه الأستار، وتنكشف الأسرار، ويبدو للضعفاء ما أخفاه عنهم الزعماء، وما أغلقوا أبوابهم عليه من فضائح وأوزار.
وقفة
[28] ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ علم الله أن نفوسهم خبيثة، فلو رأت الغيب واطلعت على العذاب، ما أفادها ذلك في حصول الثواب أو المتاب.
وقفة
[28] ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ من رداءة بعض الأنفس أنها تعود لضررها ولو بعد البعث.

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ بَدا لَهُمْ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف. بدا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. لهم: جار ومجرور متعلق ببدا. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام.
  • ﴿ ما كانُوا يُخْفُونَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل «بَدا». كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان». يخفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «يُخْفُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «كانُوا يُخْفُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف اختصارا وهو منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: يخفونه.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ:
  • من: حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم في محل جر بمن لانقطاعه عن الاضافة والجار والمجرور متعلق بيخفونه.
  • ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم ردّوا:فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والالف فارقة. لعادوا: اللام واقعة في جواب «لَوْ». عادوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «لَعادُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها بمعنى لا تبعوا أهواءهم.
  • ﴿ لِما نُهُوا عَنْهُ:
  • ار ومجرور متعلق بعادوا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. نهوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. عنه: جار ومجرور متعلق بنهوا. وجملة «نُهُوا عَنْهُ» صلة الموصول لا محل لها بمعنى إلى ما نهوا.
  • ﴿ َإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
  • الواو: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». لكاذبون: اللام: لام التوكيد المزحلقة. كاذبون: خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 28﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
المؤمنون: 90﴿بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
الصافات: 152﴿أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّـهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     لمَّا ندم المشركون وتمَنُّوا العودةَ إلى الدُّنيا ليعملُوا صالحًا؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنهم كاذبون في هذا الندم، وبَيَّنَ أنَّهم لو رُدُّوا إلى الدُّنيا لعادُوا إلى ما نَهَاهم اللهُ عنه من الشرك، قال تعالى:
﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

القراءات :

ردوا:
وقرئ:
بكسر الراء، على نقل حركة الدال من «ردوا» إلى الراء، وهى قراءة إبراهيم، ويحيى بن وثاب، والأعمش.

مدارسة الآية : [29] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ..

التفسير :

[29] وقال هؤلاء المشركون المنكرون للبعث:ما الحياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها، وما نحن بمبعوثين بعد موتنا.

}{ وَقَالُوا} منكرين للبعث{ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي:ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا، إلا الحياة الدنيا وحدها.{ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}

ثم بين- سبحانه- بعض مفترياتهم في الدنيا واغترارهم بها فقال- تعالى- وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

أى: أن هؤلاء الكافرين قد بلغ بهم الحب للدنيا والتعلق بها أنهم قالوا: ما الحياة التي تسمى حياة في نظرنا إلا هذه الدنيا التي نتمتع فيها بما نريد من شهوات وما نحن بمبعوثين ولا محاسبين بعد ذلك.

فالآية الكريمة تحكى عنهم أنهم ينكرون أى حياة سوى الحياة التي يعيشونها، وينفون وقوع البعث والحساب والثواب والعقاب نفيا مؤكدا بالباء وبالجملة الاسمية.

ويرى جمهور المفسرين أن هذه الآية الكريمة تتمة للآية السابقة لها من حيث المعنى، وأن قوله وَقالُوا معطوف على لَعادُوا والتقدير، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر وسيئ الأعمال وقالوا ما الحياة إلا حياتنا الدنيا، ويكون قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ جملة اعتراضية مؤكدة لمعنى عودتهم إلى ما كانوا عليه إن عادوا إلى الدنيا، إذ هي تكذيب لادعائهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم.

( وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) أي : لعادوا لما نهوا عنه ، إنهم لكاذبون ولقالوا : ( إن هي إلا حياتنا ) أي : ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ، ثم لا معاد بعدها ; ولهذا قال : ( وما نحن بمبعوثين )

القول في تأويل قوله : وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين، العادلين به الأوثان والأصنام، الذين ابتدأ هذه السورة بالخبرعنهم.

يقول تعالى ذكره: " وقالوا إنْ هي إلا حياتنا الدنيا " ، يخبر عنهم أنهم ينكرون أنّ الله يُحيي خلقه بعد أن يُميتهم, ويقولون: " لا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور بعد الفناء ". فهم بجحودهم ذلك، وإنكارهم ثوابَ الله وعقابَه في الدار الآخرة, لا يبالون ما أتوا وما ركبوا من إثم ومعصية، لأنهم لا يرجون ثوابًا على إيمان بالله وتصديق برسوله وعملٍ صالح بعد موت, ولا يخافون عقابًا على كفرهم بالله ورسوله وسيّئٍ من عمل يعملونه. (3)

* * *

وكان ابن زيد يقول: هذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الكفرة الذين وقفوا على النار: أنهم لو ردُّوا إلى الدنيا لقالوا: " ما هي إلا حياتُنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ".

13184- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، وقالوا حين يردون: " إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ".

-----------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة: "ما قصد هؤلاء" ، وهو لا شيء ولكن حمله عليه أنه في المخطوطة"ما هؤلاء العادلين" ، واستظهرت الصواب من قوله بعد: "لكن بهم الإشفاق".

(2) السياق: "ما بهؤلاء العادلين بربهم . . . الأسى والندم . . .".

(3) في المطبوعة: "وشيء من عمل" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.

المعاني :

بِمَبۡعُوثِينَ :       بعد الموتِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[29] اليقين بالبعث من أسباب الصلاح، شتم رجلٌ عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: «لولا يوم القيامة لأجبتك».

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو: استئنافية. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا:
  • إن: بمعنى «ما» حرف نفي لا عمل لها. هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. حياتنا: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الدنيا: صفة- نعت- للحياة مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. وجملة «إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ وَما نَحْنُ:
  • معطوفة بالواو على «إِنْ هِيَ» وتعرب إعرابها وضمير الرفع «نَحْنُ» مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. او اسم «ما» بمعنى- ليس».
  • ﴿ بِمَبْعُوثِينَ:
  • الباء: حرف جر زائد. مبعوثين: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه خبر المبتدأ «نَحْنُ» أو منصوب محلا لأنه خبر «ما» الحجازية وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 29﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
المؤمنون: 37﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
الجاثية: 24﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     لما ذَكَرَ اللهُ عز وجل أنَّ المشركين لو رُدُّوا إلى الدُّنيا لعادُوا إلى ما نَهَاهم اللهُ عنه من الكفرِ؛ بَيَّنَ هنا أنهم لو ردوا إلى الدنيا لأنكروا البعث والحساب والجزاء، قال تعالى:
﴿ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ..

التفسير :

[30] ولو ترى -أيها الرسول- منكري البعث إذ حُبسوا بين يدي الله تعالى لقضائه فيهم يوم القيامة، لرأيت أسوأ حال، إذ يقول الله جل وعلا:أليس هذا بالحق، أي:أليس هذا البعث الذي كنتم تنكرونه في الدنيا حقّاً؟ قالوا:بلى وربِّنا إنه لحق، قال الله تعالى:فذوقوا الع

أي:{ وَلَوْ تَرَى} الكافرين{ إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} لرأيت أمرا عظيما، وهَوْلًا جسيما،{ قَالَ} لهم موبخا ومقرعا:{ أَلَيْسَ هَذَا} الذي ترون من العذاب{ بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} فأقروا، واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك،{ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}

ثم بين- سبحانه- حالهم عند ما يقفون ليستمعوا إلى ما يوجهه إليهم ربهم من توبيخ وتقريع بسبب كفرهم فقال:

وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ.

أى: قال لهم- سبحانه- أليس هذا البعث الذي تشاهدونه بأعينكم ثابتا بالحق؟ وهنا يجيبون خالقهم مصدقين لأن الواقع يحتم عليهم ذلك فيقولون- كما حكى القرآن عنهم- بَلى وَرَبِّنا أى: قالوا: بلى يا ربنا إنه للحق الذي لا شك فيه، ولا باطل يحوم من حوله، وأكدوا اعترافهم بالقسم شاهدين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين في الدنيا.

وهنا يحكم الله فيهم بحكمه العادل فيقول: قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أى:

إذا كان الأمر كما ذكرتم وشهدتم على أنفسكم، فانغمسوا في العذاب ذائقين لآلامه وأهواله بسبب كفركم بآيات الله، وإنكاركم لهذا اليوم العصيب.

والذوق هنا كناية عن الإحساس الشديد بالعذاب بعد أن وقعوا فيه.

ثم قال ( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) أي : أوقفوا بين يديه قال : ( أليس هذا بالحق ) أي : أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون؟ ( قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) أي : بما كنتم تكذبون به ، فذوقوا اليوم مسه ( أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ) [ الطور : 15 ]

القول في تأويل قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " لو ترى " ، يا محمد، هؤلاء القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين =" إذ وقفوا " ، يوم القيامة، أي: حبسوا, (4) " على ربهم "، يعني على حكم الله وقضائه فيهم =" قال أليس هذا بالحق " ، يقول: فقيل لهم: أليس هذا البعثُ والنشر بعد الممات الذي كنتم تنكرونَه في الدنيا، حقًّا ؟ فأجابوا، فقالوا: " بَلَى " والله إنه لحقّ =" قال فَذُوقُوا الْعَذَابَ" ، يقول: فقال الله تعالى ذكره لهم: فذوقوا العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون (5) =" بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ" ، يقول: بتكذيبكم به وجحودكموه الذي كان منكم في الدنيا .

--------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير"وقف" فيما سلف قريبا ص: 316.

(5) انظر تفسير"ذاق العذاب" فيما سلف ص: 47 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

المعاني :

وُقِفُواْ :       حُبِسوا. الميسر في غريب القرآن
وُقفوا على ربّهم :       حُبسوا على حُكمه تعالى للسّؤال معاني القرآن
هَٰذَا :       أي: البعثُ الذي كنتم تُنْكِرونه الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[30] ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ من عدل الله تعالى أنه يجمع العابد والمعبود والتابع والمتبوع في عَرَصات القيامة ليشهد بعضهم على بعض.
وقفة
[30] ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ الإيقاف للمساءلة! شبهت حالهم في الإحضار للحساب بعملية القبض على الجناة، للوقوف بين يدي ربهم.
تفاعل
[30] ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ:
  • سبق إعرابها في الآية الكريمة السابعة والعشرين. و «هم» في ربّهم ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى «على حكم ربهم» فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. أو يكون المعنى عند ربهم.
  • ﴿ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي سبحانه وتعالى وجملة قال هي رد على قول قائل سأل ماذا قال لهم ربهم إذا وقفوا على جزائه؟ فقيل: قال: أليس: الهمزة: همزة توبيخ بلفظ استفهام. ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع اسم «لَيْسَ» بالحق: الباء حرف جر زائد. الحق: اسم مجرور لفظا بحرف الجر منصوب محلا لأنه خبر «لَيْسَ» وجملة «أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ قالُوا بَلى وَرَبِّنا:
  • قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بلى: حرف جواب لا عمل له وهو جواب نفي. وربنا: أي وحق ربنا. الواو: حرف جر وهي واو القسم. ربنا: مقسم به مجرور للتعظيم بالواو وعلامة الجر الكسرة و «نا» ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف.
  • ﴿ قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ:
  • قال: سبق إعرابها. فذوقوا: الفاء: زائدة. ذوقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. العذاب: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «فَذُوقُوا الْعَذابَ» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بذوقوا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تكفرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تَكْفُرُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» صلة الموصول لا محل لها. '

المتشابهات :

الأنعام: 27﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ
الأنعام: 30﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِالْحَقِّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     لما ذَكَرَ اللهُ عز وجل إنكار المشركين للبعث؛ بَيَّنَ هنا حالهم عندما يقفون ليستمعوا إلى ما يوجهه إليهم ربهم من توبيخ وتقريع بسبب كفرهم، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء ..

التفسير :

[31] قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الموت، حتى إذا قامت القيامة وفوجئوا بسوء المصير، نادَوا على أنفسهم بالحسرة على ما ضيَّعوه في حياتهم الدنيا، وهم يحملون آثامهم على ظهورهم، فما أسوأ الأحمال الثقيلة السيئة التي يحملونها!

أي:قد خاب وخسر، وحرم الخير كله، من كذب بلقاء الله، فأوجب له هذا التكذيب، الاجتراء على المحرمات، واقتراف الموبقات{ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ} وهم على أقبح حال وأسوئه، فأظهروا غاية الندم. و{ قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} ولكن هذا تحسر ذهب وقته،{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} فإن وزرهم وزر يثقلهم، ولا يقدرون على التخلص منه، ولهذا خلدوا في النار، واستحقوا التأبيد في غضب الجبار.

ثم صور- سبحانه- عاقبتهم السيئة، وخسارتهم التي ليس بعدها خسارة فقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ.

أى: أن أولئك الكفار الذين أنكروا البعث والحساب قد خسروا أعز شيء في هذه الحياة، ومن مظاهر ذلك أنهم خسروا الرضا الذي سيناله المؤمنون من ربهم، وخسروا العزاء الروحي الذي يغرس في قلب المؤمن الطمأنينة والصبر عند البلاء، لأن المؤمن يعتقد أن ما عند الله خير وأبقى، بخلاف الكافر فإن الدنيا منتهى آماله.

وإن هؤلاء الخاسرين سيستمرون في تكذيبهم بالحق وإعراضهم عنه حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا: يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها.

أى: حتى إذا جاءتهم الساعة مباغته مفاجئة وهم في طغيانهم يعمهون، اعتراهم الهم، وحل بهم البلاء وقالوا: بعد أن سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا يا حسرتنا أقبلى فهذا أوانك، فإننا لم نستعد لهذا اليوم، بل أهملناه ولم نلتفت إليه. وعلى ذلك يكون المراد بالساعة يوم القيامة وما فيه من حساب.

وقيل: المراد بالساعة وقت مقدمات الموت، فالكلام على حذف المضاف، أى: جاءتهم مقدمات الساعة وهي الموت وما فيه من الأهوال. فلما كان الموت من مبادئ الساعة سمى باسمها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم «من مات فقد قامت قيامته» .

وسميت القيامة ساعة لسرعة الحساب فيها، ولأنها تحمل أشد الأهوال ولأنها فاصلة بين نوعين من الحياة: فانية وأخرى باقية.

وفي قوله- تعالى- حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً إشارة إلى أنها تفاجئهم بأهوالها من غير أن يكونوا مستعدين لها أو متوقعين لحدوثها، أما المؤمنين- فإنهم رغم عدم علمهم بمجيئها- فإنهم يكونون في حالة استعداد لها بالإيمان والعمل الصالح.

والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير إعداد له، وكلمة بَغْتَةً يصح أن تكون مصدرا في موضع الحال من فاعل جاءتهم أى: جاءتهم مباغتة، ويصح أن تكون مفعولا مطلقا لفعل محذوف من لفظها أى: تبغتهم بغتة، والحسرة: شدة الغم والندم على ما فات وانقضى.

ثم قال- تعالى-: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ.

الأوزار جمع وزر وهو- بكسر الواو- الحمل الثقيل، ويطلق على الإثم والذنب لأنهما أثقل الأحمال النفسية التي تنوء بها القوة.

والجملة الكريمة من قبيل الاستعارة التمثيلية حيث شبهت حالهم وما يحملونه يوم القيامة من ذنوب ثقيلة مضنية، بهيئة المثقل المجهد بحمل كبير يحمله على ظهره وينوء به. ثم حذفت الهيئة الدالة على المشبه به ورمز إليها بشيء من لوازمها.

وقيل إن الكلام على حقيقته وأنهم سيحملون ذنوبهم على ظهورهم فعلا، حيث إن الذنوب والأعمال ستتجسم يوم القيامة، وبهذا الرأى قال كثير من أهل السنة.

والمعنى: إن هؤلاء الكافرين يأتون يوم القيامة وهم يحملون ذنوبهم وآثامهم على ظهورهم، ألا ما أسوأ ما حملوا، وما أشد ما سيستقبلونه بعد ذلك من عذاب أليم.

يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقاء الله وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة ، وعن ندامته على ما فرط من العمل ، وما أسلف من قبيح الفعال ولهذا قال : ( حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها )

وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة [ الدنيا ] وعلى الأعمال ، وعلى الدار الآخرة ، أي : في أمرها .

وقوله ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ) أي : يحملون . وقال قتادة : يعملون .

[ و ] قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي مرزوق قال : ويستقبل الكافر - أو : الفاجر - - عند خروجه من قبره كأقبح صورة رآها وأنتن ريحا ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أو ما تعرفني؟ فيقول : لا والله إلا أن الله [ قد ] قبح وجهك ونتن ريحك . فيقول : أنا عملك الخبيث ، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه ، طالما ركبتني في الدنيا ، هلم أركبك ، فهو قوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم [ ألا ساء ما يزرون ] )

وقال أسباط : عن السدي أنه قال : ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه ، أسود اللون ، منتن الرائحة عليه ثياب دنسة ، حتى يدخل معه قبره ، فإذا رآه قال : ما أقبح وجهك! قال : كذلك كان عملك قبيحا قال : ما أنتن ريحك! قال : كذلك كان عملك منتنا ! قال : ما أدنس ثيابك ، قال : فيقول : إن عملك كان دنسا . قال له : من أنت؟ قال : أنا عملك! قال : فيكون معه في قبره ، فإذا بعث يوم القيامة قال له : إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات ، وأنت اليوم تحملني . قال : فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار ، فذلك قوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون )

القول في تأويل قوله : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله " ، قد هلك ووُكس، في بيعهم الإيمان بالكفر (6) =" الذين كذبوا بلقاء الله ", يعني: الذين أنكروا البعثَ بعد الممات، والثواب والعقابَ، والجنةَ والنارَ, من مشركي قريش ومَنْ سلك سبيلهم في ذلك =" حتى إذا جاءَتهم الساعة "، يقول: حتى إذا جاءتهم السَّاعة التي يَبْعث الله فيها الموتى من قبورهم.

* * *

وإنما أدخلت " الألف واللام " في" الساعة ", لأنها معروفة المعنى عند المخاطبين بها, وأنها مقصود بها قصدُ الساعة التي وصفت.

* * *

ويعني بقوله: " بغتة " ، فجأةً، من غير علم من تفجؤه بوقت مفاجأتها إيّاه.

* * *

يقال منه: " بغتُّه أبغته بَغْتةً"، إذا أخذته كذلك:

* * *

=" قالوا يا حَسْرتَنا على ما فرّطنا فيها " ، يقول تعالى ذكره: وُكس الذين كذبوا بلقاء الله ببيعهم منازلهم من الجنة بمنازل من اشتروا منازله من أهل الجنة من النار, فإذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا، وتبيَّنوا خسارة صفقة بَيْعهم التي سلفت منهم في الدنيا، تندُّمًا وتلهُّفًا على عظيم الغَبْن الذي غبنوه أنفسهم، وجليلِ الخسران الذي لا خسرانَ أجلَّ منه =" يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " ، يقول: يا ندامتنا على ما ضيّعنا فيها، يعني: صفقتهم تلك. (7)

* * *

و " الهاء والألف " في قوله: " فيها " ، من ذكر " الصفقة ", ولكن اكتفى بدلالة قوله: " قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله " عليها من ذكرها, إذ كان معلومًا أن " الخسران " لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت. (8)

* * *

وإنما معنى الكلام: قد وُكس الذين كذبوا بلقاء الله, ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به من الله رضوانَه وجنته، بالكفر الذي يستوجبون به منه سَخَطه وعقوبته, ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك، حتى تقوم الساعة, فإذا جاءتهم الساعة بغتةً فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم، قالوا حينئذ، تندمًا: " يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ".

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13185 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " ، أمّا " يا حسرتنا "، فندامتنا =" على ما فرطنا فيها "، فضيعنا من عمل الجنة .

13186 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا يزيد بن مهران قال، حدثنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " يا حسرتنا " ، قال: " يرى أهلُ النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا ". (9)

* * *

القول في تأويل قوله : وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين كذَّبوا بلقاء الله،" يحملون أوزارهم على ظهورهم ". وقوله: " وهم " من ذكرهم =" يحملون أوزارهم "، يقول: آثامهم وذنوبهم.

* * *

واحدها " وِزْر ", يقال منه: " وَزَر الرجل يزِر "، إذا أثم, قال الله: " ألا ساء ما يزرون ". (10) فإن أريد أنهم أُثِّموا، (11) قيل: " قد وُزِر القوم فهم يُوزَرُون، وهم موزورون ".

* * *

قد زعم بعضهم أن " الوِزْر " الثقل والحمل. ولست أعرف ذلك كذلك في شاهد، ولا من رواية ثِقة عن العرب.

* * *

وقال تعالى ذكره: " على ظهورهم " ، لأن الحمل قد يكون على الرأس والمنكِب وغير ذلك, فبيَّن موضع حملهم ما يحملون منْ ذلك.

* * *

وذكر أنّ حملهم أوزارهم يومئذ على ظهورهم، نحو الذي:-

13187 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير بن سَلْمان قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبُه ريحًا, (12) فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد طيَّب ريحك وحسَّن صورتك ! فيقول: كذلك كنت في الدنيا, أنا عملك الصالح, طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم! وتلا يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ، [سورة مريم: 85]. وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنُه ريحًا, فيقول، هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد قَبّح صورتك وأنتن ريحك ! فيقول: كذلك كنتُ في الدنيا, أنا عملك السيئ، طالما ركبتني في الدنيا، فأنا اليوم أركبك = وتلا " وهم يحملون أوزارهم على ظُهورهم ألا ساء ما يزرون ". (13)

13188 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ، فإنه ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره، (14) إلا جاء رجل قبيح الوجه، أسودُ اللون، مُنتن الريح، عليه ثياب دَنِسة, حتى يدخل معه قبره, فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك! قال: كذلك كان عملك قبيحًا! قال: ما أنتن ريحك! قال: كذلك كان عملك منتنًا! قال: ما أدْنس ثيابك! قال فيقول: إن عملك كان دنسًا. قال: من أنت؟ قال: أنا عملك! قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذَّات والشهوات, فأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخلَه النار، فذلك قوله: " يحملون أوزارهم على ظهورهم ".

* * *

وأما قوله تعالى ذكره: " ألا ساء ما يزرون " ، فإنه يعني: ألا ساء الوزر الذي يزرون - أي: الإثم الذي يأثمونه بربهم، (15) كما:-

13189 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " ألا ساء ما يزرون " ، قال: ساء ما يعملون .

-----------------------

الهوامش :

(6) انظر تفسير"خسر" فيما سلف ص: 294 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(7) انظر تفسير"الحسرة" فيما سلف 3: 295/7 : 335.

(8) في المطبوعة: "قد خسرت" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.

(9) الأثر: 13186 -"يزيد بن مهران الأسدي" ، الخباز ، أبو خالد. صدوق ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يغرب". مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4/2/290.

وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9 ، وقال: "أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب بسند صحيح ، عن أبي سعيد الخدري" ، وذكر الخبر.

(10) في المطبوعة ، حذف قوله: "قال الله: ألا ساء ما يزرون".

(11) "أثموا" بضم الهمزة وتشديد الثاء المكسورة ، بالبناء للمجهول أي: رموا بالإثم.

(12) في المطبوعة: "استقبله عمله في أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، وهو كلام غث غير مستقيم ، وكان في المخطوطة: "استقبله أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، سقط من الناسخ ما أثبته"شيء" ، واستظهرته من قوله بعد: "يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحًا".

(13) الأثر: 13187 -"الحكم بن بشير بن سلمان النهدي" ، ثقة ، مضى مرارًا رقم: 1497 ، 2872 ، 3014 ، 6171 ، 9646. وكان في المطبوعة هنا"سليمان" وهو خطأ ، صححته في المخطوطة ، والمراجع ، كما سلف أيضًا.

و"عمرو بن قيس الملائي" ، مضى مرارًا ، رقم: 886 ، 1497 ، 3956 ، 6171 ، 9646.

وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9 ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم. وإسناد أبي حاتم فيما رواه ابن كثير في تفسيره 3: 303: "حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي مرزوق" ، وساق الخبر مختصرًا بغير هذا اللفظ.

(14) في المطبوعة: "قال ليس من رجل ظالم يموت" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(15) كان في المطبوعة: "الذي يأثمونه كفرهم بربهم" ، زاد"كفرهم" ، وأفسد الكلام.

وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب المحض. وقد بينت آنفا معنى قوله"أثم فلان بربه" 4: 530 ، تعليق: 3/6: 92/11: 180 ، تعليق: 3.

المعاني :

ٱلسَّاعَةُ :       يومُ القيامةِ الميسر في غريب القرآن
بغتة :       فجأة من غير شعور معاني القرآن
عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا :       على ما قَدَّمْناه في حياتِنا الدُّنيا الميسر في غريب القرآن
فرّطنا فيها :       قصّرنا و ضيّعنا في الحياة الدّنيا معاني القرآن
أَوۡزَارَهُمۡ :       ذنوبَهم الميسر في غريب القرآن
أوزارهم :       ذنوبهم و خطاياهم معاني القرآن
يَزِرُونَ :       يَحْمِلون الميسر في غريب القرآن

التدبر :

عمل
[31] حدد عبادة تتمنى فعلها، ولكن أخرتها بالتسويف، ثم بادر بفعلها اليوم ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾.
وقفة
[31] ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ خسارة وحسرة مهيبة حاملين آثام الغفلة في الدنيا على ظهورهم يواجهون العدالة وبئس المصير.
عمل
[31] ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ هذا مشهد من مشاهد حسرات الكفار التي يتألمون فيها يوم القيامة على تفريطهم في أيام المهلة، وها هي العشر المباركة بلغتنا؛ فلنحذر أن نقف موقف الندم غدًا إذا فرطنا فيها!
عمل
[31] أكثر اليوم من الأعمال الصالحة، وزد في صلاتك النافلة؛ حتى لا تتحسر يوم القيامة على التفريط ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾.
اسقاط
[31] قضاء الأوقات بالاستمتاع بغير ما يقربك من الله؛ هو اختزال وتقصير لعمرك الذي وهبك الله إياه، وإضاعة لمنحة ربانية لا تتكرر أبدًا، فيما طول حسرة الغافلين والمفرطين: ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾!
اسقاط
[31] لو تعاملنا مع أوقاتِنا كأموالنا؛ لما صرفنا منها ساعة إلا فيما يغلب على الظن نفعه ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾.
وقفة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ الأوزار المعنوية في الدنيا ستتجسم على صورة كتل حسية في الآخرة، حتى تكون الفضيحة علنية؛ فمن سرق شاة أو بقرة سيبعث يوم القيامة وهو يحملها على ظهره.
وقفة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ عذابهم نوعان: معنوي بتحسرهم على ما فات، ومادي بتكبد مشقة حمل الأوزار الثقال.
وقفة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ تخيل منظرهم وجميع سيئاتهم فوق ظهورهم، المعاصي= فضيحة.
وقفة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ ما أقبح الذنوب تطفئ نور القلب في الدنيا ويثقل حملها في الآخرة!
لمسة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ وليس (ذنوبهم)، فالمرء إذا حمل شيئًا على ظهره أنهك قواه، فكيف بهؤلاء المشركين وهم يحملون أوزارًا وليس ذنوبًا؟! لأن الوزر هو الحِمل الثقيل؛ ليصور لنا ثقل ما يحملون في عرصات الآخرة من الذنوب والجنايات التي ينوء عن حملها الرجال.
وقفة
[31] اليوم طويل، والشمس تدنو من الرؤوس، والأجساد لا تقوى، والحمل ثقيل؛ فهلا تخففت من الآن! ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾.
وقفة
[31] ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ أطلق العنان لخيالك لتعاين هذا المشهد الصوري الذي تضفيه هذه الآية على المشركين، فالمرء إذا حمل شيئًا على ظهره أنهك قواه، فكيف بهم وهم يحملون أوزارًا وليس ذنوبًا! لأن الوزر هو الحِمل الثقيل ليصور لنا ثقل ما يحملون من الذنوب والجنايات التي ينوء عن حملها الرجال، فيوم القيامة تراهم يقفون في عرصات الآخرة مثقلين متعبين بما كسبوا من الأوزار.
وقفة
[31] الذنوب أسوأ حمل يحمله الإنسان يوم القيامة ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ:
  • قد: حرف تحقيق. خسر: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل وحذف المفعول أي خسروا ثواب اعمالهم.
  • ﴿ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. كذّبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة: بلقاء: جار ومجرور متعلق بكذبوا. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ:
  • حتى: حرف ابتداء وغاية لكذّبوا: إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة. جاءتهم: فعل ماض مبني على الفتح لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. وحركت الميم بالضم للاشباع. وجملة «جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف «إِذا».
  • ﴿ السَّاعَةُ بَغْتَةً:
  • الساعة: فاعل مرفوع بالضمة. بغتة: أي فجأة: حال منصوب بالفتحة بمعنى اسم الفاعل باغتة ويجوز أن تعرب مفعولا مطلقا على المصدر بتقدير: بغتتهم الساعة بغتة.
  • ﴿ قالُوا:
  • تعرب إعراب «كَذَّبُوا» وجملة «قالُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب
  • ﴿ يا حَسْرَتَنا:
  • يا أداة نداء. حسرتنا: منادى منصوب بالفتحة مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَلى ما فَرَّطْنا فِيها:
  • جار ومجرور متعلق بحسرتنا: ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى. فرطنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. فيها: جار ومجرور متعلق بفرطنا. وجملة «فَرَّطْنا» صلة الموصول لا محل لها. وجملة «يا حسرتنا وما بعدها» في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يحملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أوزارهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هُمْ» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة «يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ» في محل رفع خبر المبتدأ «هُمْ» والجملة الاسمية «هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ» في محل نصب حال. أي ذنوبهم.
  • ﴿ عَلى ظُهُورِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيحملون. و «هُمْ» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ:
  • أي بئس شيئا يزرون وزرهم. ألا: أداة استفتاح وهي هنا من أساليب العرض تفيد الذم. ساء: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم لأنها تعني «بئس» والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره ما. نكرة تامة مبنية على السكون في محل نصب تمييز. يزرون: تعرب إعراب «يَحْمِلُونَ» وجملة «يَزِرُونَ» في محل نصب صفة ل «ما» أي بئس شيئا يزرون وزرهم بمعنى قبح ما يحملون. '

المتشابهات :

الأنعام: 31﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً
يونس: 45﴿يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
الأنعام: 140﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     وبعد بيان حال الذين أنكروا البعث والحساب؛ صور اللهُ عز وجل هنا خسارتهم التي ليس بعدها خسارة، فقال تعالى:
﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ ..

التفسير :

[32] وما الحياة الدنيا في غالب أحوالها إلا غرور وباطل، والعمل الصالح للدار الآخرة خير للذين يخشون الله، فيتقون عذابه بطاعته واجتناب معاصيه. أفلا تعقلون -أيها المشركون المغترون بزينة الحياة الدنيا- فتُقدِّموا ما يبقى على ما يفنى؟

هذه حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، أما حقيقة الدنيا فإنها لعب ولهو، لعب في الأبدان ولهو في القلوب، فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها كلعب الصبيان. وأما الآخرة، فإنها{ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره{ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أي:أفلا يكون لكم عقول، بها تدركون، أيّ الدارين أحق بالإيثار.

ثم عقد- سبحانه- مقابلة بين الحياة الدنيا والآخرة. بين فيها أن الحياة الآخرة هي الحياة العالية السامية الباقية، أما الحياة الدنيا فهي إلى زوال وانتهاء فقال- تعالى-:

وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ.

اللعب: هو العمل الذي لا يقصد به مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة، واللهو: هو طلب ما يشغل عن معالى الأمور وعما يهم الإنسان ويعنيه.

والمعنى: إن هذه الحياة التي نعتها الكفار بأنها لا حياة سواها ما هي إلا لهو ولعب لمن يطلبها بأنانية وشره من غير استعداد لما يكون وراءها من حياة أخرى فيها الحساب والجزاء، وفيها النعيم الذي لا ينتهى، وفيها السعادة التي لا تحد، بالنسبة للذين اتقوا ربهم، ونهوا أنفسهم عن الهوى.

فالحياة الدنيا لعب ولهو لمن اتخذوها فرصة للتكاثر والتفاخر وجمع الأموال من حلال وحرام، ولم يقيموا وزنا للأعمال الصالحة التي كلفهم الله- تعالى- بها. أما بالنسبة للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فإن الحياة الدنيا تعتبر وسيلة إلى رضا الله الذي يظفرون به يوم القيامة، وإن ما يحصل عليه المؤمنون في هذا اليوم من ثواب جزيل ومن نعيم مقيم هو خير من الدنيا وما فيها من متعة زائلة ومن شهوات لا دوام لها.

والاستفهام في قوله- تعالى- أَفَلا تَعْقِلُونَ للحث على التدبر والتفكر والموازنة بين اللذات العاجلة الفانية التي تكون في الدنيا، وبين النعيم الدائم الباقي الذي يكون في الآخرة.

ثم أخذ القرآن الكريم في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تسليته عما أصابه من قومه فقال:

وقوله : ( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ) أي : إنما غالبها كذلك ( وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )

القول في تأويل قوله : وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32)

قال أبو جعفر: وهذا تكذيب من الله تعالى ذكره هؤلاء الكفارَ المنكرين البعثَ بعد الممات في قولهم: إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ , [سورة الأنعام : 29].

يقول تعالى ذكره، مكذبًا لهم في قبلهم ذلك: " ما الحياة الدنيا " ، أيها الناس =" إلا لعب ولهو " ، يقول : ما باغي لذاتِ الحياة التي أدْنيت لكم وقرّبت منكم في داركم هذه، (16) ونعيمَها وسرورَها، فيها، (17) والمتلذذُ بها، والمنافسُ عليها, إلا في لعب ولهو، لأنها عما قليل تزول عن المستمتع بها والمتلذذِ فيها بملاذّها, أو تأتيه الأيام بفجائعها وصروفها، فَتُمِرُّ عليه وتكدُر، (18) كاللاعب اللاهي الذي يسرع اضمحلال لهوه ولعبه عنه, ثم يعقبه منه ندمًا، ويُورثه منه تَرحًا. يقول: لا تغتروا، أيها الناس، بها, فإن المغتر بها عمّا قليل يندم =" وللدار الآخرة خير للذين يتقون " ، يقول: وللعمل بطاعته، والاستعدادُ للدار الآخرة بالصالح من الأعمال التي تَبقى منافعها لأهلها، ويدوم سرورُ أهلها فيها, خيرٌ من الدار التي تفنى وشيكًا، (19) فلا يبقى لعمالها فيها سرور، ولا يدوم لهم فيها نعيم =" للذين يتقون " ، يقول: للذين يخشون الله فيتقونه بطاعته واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى رضاه =" أفلا تعقلون " ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذّبون بالبعث حقيقةَ ما نخبرهم به، من أن الحياة الدنيا لعب ولهوٌ, وهم يرون من يُخْتَرم منهم، (20) ومن يهلك فيموت، ومن تنوبه فيها النوائب وتصيبُه المصائب وتفجعه الفجائع. ففي ذلك لمن عقل مدَّكر ومزدجر عن الركون إليها، واستعباد النفس لها = ودليلٌ واضح على أن لها مدبِّرًا ومصرفًا يلزم الخلقَ إخلاصُ العبادة له، بغير إشراك شيءٍ سواه معه .

------------------------

الهوامش :

(16) انظر تفسير"الحياة الدنيا" فيما سلف 1: 245.

(17) سياق الجملة: "ما باغي لذات الحياة . . . ونعيمها وسرورها" ، بالعطف ثم قوله: "فيها" ، سياقه: "ما باغي لذات الحياة . . . فيها". وقوله بعد: "والمتلذذ بها" مرفوع معطوف على قوله: "ما باغي لذات الحياة".

(18) في المطبوعة: "فتمر عليه وتكر" غير ما في المخطوطة ، وهو ما أثبته ، وهو الصواب"تمر" من"المرارة" ، أي: تصير مرة بعد حلاوتها ، وكدرة بعد صفائها.

(19) في المطبوعة ، حذف قوله"وشيكا" ، كأنه لم يحسن قراءتها."وشيكا": سريعًا.

(20) "اخترم الرجل" (بالبناء للمجهول) و"اخترمته المنية من بين أصحابه" ، أخذته من بينهم وخلا منه مكانه ، كأن مكانه صار خرمًا في صفوفهم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[32] نصيحة القرآن للعقلاء بأن لا يغتروا بالحياة الدنيا ويهملوا شأن الآخرة؛ فهي خير للعبد.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أما حقيقة الدنيا: فإنها لعب ولهو؛ لعب في الأبدان، ولهو في القلوب؛ فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها كلعب الصبيان، وأما الآخرة فإنها ﴿خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ ليس من اللهو واللعب ما كان من أمور الآخرة؛ فإن حقيقة اللعب: ما لا ينتفع به، واللهو: ما يلهى به، وما كان مرادًا للآخرة خارج عنهما، قال ابن عباس: «هذه حياة الكافر؛ لأنه يزجيها في غرور وباطل، فأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة، فلا تكون لهوًا ولعبًا».
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ لا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ الدنيا نعيمها قليل فلا تغرك.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أراد الله أن يصغر الحياة الدنيا في نظرك، فبماذا شبهها؟ جعل الله الحياة الدنيا لعبًا ولهوًا، فكأنه قال الحياة الدنيا لعب، الحياة الدنيا لهو، فلِمَ شُبهت الدنيا بهذين الأمرين اللعب واللهو؟ وقع هذا التشبيه والقصر؛ لأن الأعمال الحاصلة في الحياة كثيرة، وأغلب أعمال الناس تقع تحت إطاري اللعب واللهو، إلا من آمن وعمل صالحًا.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ لِمَ مثَّل الله الدنيا باللعب واللهو معًا ولم يقتصر على أحدهما؟ اللعب هو عمل أو قول في خفة وسرعة وطيش، ليست له غاية مفيدة، بل غايته إراحة البال، وتقصير الوقت، واستجلاب العقول في حالة ضعفها كعقل الصغير، وأكثره أعمال صبيان، ولذلك فهو مشتق من اللعاب، وهو ريق الصبي السائل، وأما اللهو فهو ما يشتغل به الإنسان مما ترتاح إليه نفسه، ولا يتعب بالاشتغال به عقله، فلا يطلق إلا على ما فيه استمتاع ولذة وشهوة.
لمسة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ سمى ربنا الحياة الآخرة بالدار؛ لأن الدار هي محل إقامة الناس، وفي هذا إيماء للمؤمن بأن الدنيا هي ممر لا مقر.
وقفة
[32] حقيقة الدارَين: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾.
وقفة
[32] ﴿وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لَعِب وَلَهْوٌ وَلَلدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ الانشغال باللهو واللعب ليس حال المتقين ممن آثروا الآخرة فاعقل.
عمل
[32] لا تحزن إن فاتك شيء من أمور الدنيا، فهي لا تستحق، وعلق همك بالآخرة ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
وقفة
[32] هل أدركنا حقيقة الدنيا؟ تأملوا: ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ هذه هي الدنيا، كم تألمت فيها قلوبنا! كم حزنت نفوسنا عليها! كم أخذت من أوقاتنا! كم، وكم، وكم!
وقفة
[32] ﴿وَلَلدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ الدار الآخرة خير من الدنيا لمن اتقى، إن كنت تعقل.
عمل
[32] ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ لیکن حزنك على ما فات من آخرتك أضعاف حزنك على ما فات من دنياك، وإلا لم تكن عاقلًا: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
وقفة
[32] من لزم التقوی زهد في دنياه وهانت عليه مصائبه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. الحياة: مبتدأ مرفوع بالضمة وكتبت بالواو على لغة من يفخم وزيدت الالف تشبيها بواو الجماعة. الدنيا: صفة للحياة مرفوعة بالضمة المقدرة للتعذر على الألف.
  • ﴿ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. لعب: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولهو: معطوفة بالواو على «لَعِبٌ» مرفوعة مثلها بالضمة.
  • ﴿ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ:
  • الواو: عاطفة. اللام: لام التأكيد. الدار الآخرة: معطوفة على «الْحَياةُ الدُّنْيا» وتعرب إعرابها ويجوز أن تكون الواو استئنافية واللام لام الابتداء تفيد التوكيد وعلامة رفع الآخرة الضمة الظاهرة.
  • ﴿ خَيْرٌ لِلَّذِينَ:
  • خبر المبتدأ «الدار» مرفوع بالضمة. للذين: جار ومجرور متعلق بخير. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام.
  • ﴿ يَتَّقُونَ:
  • صلة الموصول. فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
  • الألف: ألف توبيخ في لفظ استفهام. الفاء: زائدة- تزيينية- لا: نافية لا عمل لها. تعقلون: تعرب إعراب «يَتَّقُونَ '

المتشابهات :

الأنعام: 32﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ فَلَا تَعْقِلُونَ
الأعراف: 156﴿وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
الأعراف: 169﴿وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     وبعد ذكر الساعة، وما يَلحَقُ المشرِكين فيها من الحَسرةِ والندامة؛ جاء هنا التذكير بأن الدنيا زائلة، وأهمية الاستعداد للآخرة، قال تعالى:
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

القراءات :

تعقلون:
قرئ:
1- بالتاء، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وحفص.
2- بالياء، وهى قراءة الباقين.

مدارسة الآية : [33] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي ..

التفسير :

[33] إنا نعلم إنه ليُدْخل الحزنَ إلى قلبك تكذيبُ قومك لك في الظاهر، فاصبر واطمئن؛ فإنهم لا يكذبونك في قرارة أنفسهم، بل يعتقدون صدقك، ولكنهم لظلمهم وعدوانهم يجحدون البراهين الواضحة على صدقك، فيكذبونك فيما جئت به.

أي:قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوءك، ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية. فلا تظن أن قولهم صادر عن اشتباه في أمرك، وشك فيك.{ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} لأنهم يعرفون صدقك، ومدخلك ومخرجك، وجميع أحوالك، حتى إنهم كانوا يسمونه -قبل البعثة- الأمين.{ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي:فإن تكذيبهم لآيات الله التي جعلها الله على يديك .

قَدْ هنا للتحقيق وتأكيد العلم وتكثيره، والتحقيق هنا جاء من موضوعها لا من ذاتها كما أن التكثير راجع إلى متعلقات العلم، لا إلى العلم نفسه، لأن صفة القديم لا تقبل الزيادة والتكثير وإلا لزم حدوثها. والحزن ألم يعترى النفس عند فقد محبوب، أو امتناع مرغوب أو حدوث مكروه.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم. في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ أى: قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم وقوله فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أى: هم لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر، ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبى إسحاق عن ناجية عن على قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك يا محمد ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وعن أبى يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقى أبا جهل فصافحه فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله إنى لأعلم أنه لنبي، ولكن متى كنا لبنى عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .

يقول تعالى مسليا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ) أي : قد أحطنا علما بتكذيب قومك لك ، وحزنك وتأسفك عليهم ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ فاطر : 8 ] كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) [ الشعراء : 3 ] ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) [ الكهف : 7 ]

وقوله : ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) أي : لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر ( ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) أي : ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم ، كما قال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي [ رضي الله عنه ] قال : قال أبو جهل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب ما جئت به ، فأنزل الله : ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )

ورواه الحاكم ، من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة ، حدثنا بشر بن المبشر الواسطي ، عن سلام بن مسكين ، عن أبي يزيد المدني ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي أبا جهل فصافحه ، قال له رجل : ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟ ! فقال : والله إني أعلم إنه لنبي ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟ ! وتلا أبو يزيد : ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )

قال أبو صالح وقتادة : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون .

وذكر محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل ، هو وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ، ولا يشعر واحد منهم بالآخر . فاستمعوها إلى الصباح ، فلما هجم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر : ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له ثم تعاهدوا ألا يعودوا ، لما يخافون من علم شباب قريش بهم ، لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيئان ، لما تقدم من العهود ، فلما أجمعوا جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، ثم تعاهدوا ألا يعودوا . فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها [ ثم تفرقوا ]

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به .

ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه في بيته فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه ، قال : فقام عنه الأخنس وتركه

وروى ابن جرير ، من طريق أسباط ، عن السدي ، في قوله : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة : يا بني زهرة ، إن محمدا ابن أختكم ، فأنتم أحق من كف عنه . فإنه إن كان نبيا لم تقاتلوه اليوم ، وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا هاهنا حتى ألقى أبا الحكم ، فإن غلب محمد رجعتم سالمين ، وإن غلب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا . فيومئذ سمي الأخنس : وكان اسمه " أبي " فالتقى الأخنس وأبو جهل ، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد : أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يسمع كلامنا . فقال أبو جهل : ويحك! والله إن محمدا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجاب والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله : ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) فآيات الله : محمد - صلى الله عليه وسلم - .

القول في تأويل قوله : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قد نعلم "، يا محمد، إنه ليحزنك الذي يقول المشركون, وذلك قولهم له: إنه كذّاب =" فإنهم لا يكذبونك " .

* * *

واختلفت القرأة في قراءة ذلك

[فقرأته جماعة من أهل الكوفة: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) بالتخفيف]، (21) بمعنى: إنهم لا يُكْذِبونك فيما أتيتهم به من وحي الله, ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا، بل يعلمون صحته, ولكنهم يجحَدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به.

* * *

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون: " أكذبت الرجل "، إذا أخبرت أنه جاءَ بالكذب ورواه. قال: ويقولون: " كذَّبْتُه " ، إذا أخبرت أنه كاذبٌ. (22)

* * *

وقرأته جماعة من قرأة المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بمعنى: أنهم لا يكذّبونك علمًا, بل يعلمون أنك صادق = ولكنهم يكذبونك قولا عنادًا وحسدًا .

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة, ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم.

وذلك أن المشركين لا شكَّ أنه كان منهم قوم يكذبون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويدفعونه عما كان الله تعالى ذكره خصه به من النبوّة، فكان بعضهم يقول: " هو شاعر ", وبعضهم يقول: " هو كاهن ", وبعضهم يقول: " هو مجنون "، وينفي جميعُهم أن يكون الذي أتَاهم به من وحي السماء، ومن تنـزيل رب العالمين، قولا. وكان بعضهم قد تبين أمرَه وعلم صحة نبوّته, وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.

* * *

فالقارئ: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) = بمعنى (23) أن الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول, يجحدونَ أن يكون ما تتلوه عليهم من تنـزيل الله ومن عند الله، قولا - وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علمًا صحيحًا = مصيبٌ، (24) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته.

وفي قول الله تعالى في هذه السورة: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ [سورة الأنعام : 20] ، أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم المعاند في جحود نبوّته صلى الله عليه وسلم, مع علمٍ منهم به وبصحة نبوّته. (25)

* * *

وكذلك القارئ: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) = (26) بمعنى: أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عنادًا، لا جهلا بنبوّته وصدق لَهْجته = مصيب، (27) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم مَنْ هذه صفته.

وقد ذَهب إلى كل واحد من هذين التأويلين جماعة من أهل التأويل .

* * *

* ذكر من قال: معنى ذلك: فإنهم لا يكذبونك ولكنهم يجحدون الحقّ على علم منهم بأنك نبيٌّ لله صادق .

13190 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح في قوله: " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك " ، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينٌ, فقال له: ما يُحزنك؟ فقال: كذَّبني هؤلاء! قال فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك، هم يعلمون أنك صادق," ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " .

13191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل, عن أبي صالح قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين, فقال له: ما يحزنك؟ . فقال: كذَّبني هؤلاء! فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك, إنهم ليعلمون أنك صادق," ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " .

13192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ، قال: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون .

13193 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط: عن السدي في قوله: " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ، لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة, إن محمدًا ابن أختكم, فأنتم أحقُّ مَنْ كَفَّ عنه، (28) فإنه إن كان نبيًّا لم تقاتلوهُ اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته! قفوا ههنا حتى ألقى أبا الحكم فإن غُلب محمدٌ [صلى الله عليه وسلم] رجعتم سالمين, وإن غَلَب محمدٌ فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئًا = فيومئذ سمّي" الأخنس ", وكان اسمه " أبيّ" = (29) فالتقى الأخنس وأبو جهل, فخلا الأخنس بأبي جهل, فقال: يا أبا الحكم, أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال أبو جهل: وَيْحك, والله إن محمدًا لصادق, وما كذب محمّد قط, ولكن إذا ذهب بنو قُصَيِّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة, فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: " فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ،" فآيات الله "، محمدٌ صلى الله عليه وسلم .

13194- حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير: " فإنهم لا يكذبونك " ، قال: ليس يكذّبون محمدًا, ولكنهم بآيات الله يجحدون .

* * *

* ذكر من قال: ذلك بمعنى: فإنهم لا يكذّبونك، ولكنهم يكذِّبون ما جئت به.

13195 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن ناجية قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نتهمك, ولكن نتَّهم الذي جئت به! فأنـزل الله تعالى ذكره: " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " .

13196- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن ناجية بن كعب: أنّ أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذبك, ولكن نكذب الذي جئت به! فأنـزل الله تعالى ذكره: " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك، فإنهم لا يبطلون ما جئتهم به .

* ذكر من قال ذلك:

13197 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب: " فإنهم لا يكذبونك " ، قال: لا يبطلون ما في يديك .

* * *

وأما قوله: " ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ، فإنه يقول: ولكن المشركين بالله، بحجج الله وآي كتابه ورسولِه يجحدون, فينكرون صحَّة ذلك كله.

* * *

وكان السدي يقول: " الآيات " في هذا الموضع، معنيٌّ بها محمّد صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبلُ. (30)

----------------------

الهوامش :

(21) هذه الزيادة بين القوسين ، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة ، ولكن زيادتها لا بد منها ، واستظهرتها من نسبة هذه القراءة ، فهي قراءة علي ونافع والكسائي. انظر معاني القرآن للفراء 1: 331 ، وتفسير أبي حيان 4: 111 ، وغيرهما.

(22) انظر معاني القرآن للفراء 1: 331.

(23) في المطبوعة: "يعني به" وفي المخطوطة: "معنى أن الذين . . ." ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(24) السياق: "فالقارئ . . . مصيب".

(25) في المطبوعة: " . . . على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوته . . . مع علم منهم به وصحة نبوته" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب ، إلا أنه في المخطوطة أيضًا"به وصحة نبوته" ، فرأيت السياق يقتضي أن تكون"وبصحة" ، فأثبتها.

(26) في المطبوعة: "يعني أنهم . . ." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(27) السياق: "وكذلك القارئ . . . مصيب".

(28) في تفسير ابن كثير 3: 305 ، في هذا الموضع: "فأنتم أحق من ذب عنه".

(29) سمى"الأخنس" ، لأنه من"خنس يخنس خنوسا" ، إذا انقبض عن الشيء وتأخر ورجع.

(30) انظر آخر الأثر السالف رقم: 13193.

المعاني :

لَا يُكَذِّبُونَكَ :       في قَرارةِ أنفسِهم، بل يعتقدون صِدْقَك الميسر في غريب القرآن

التدبر :

لمسة
[33] ﴿قَدْ نَعْلَمُ﴾ (قد) إذا دخلت على المضارع تفيد التقليل، أو تأتي للتحقيق والتكثير، وهذه اللغة الأعلى في التعبير، وهذه لغة العرب.
وقفة
[33] ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ تعزية من الله وتسلية لنبيه، فسِر في حياتك على هذا النهج الرباني مع كل مصاب.
وقفة
[33] ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ انظر شدة حرص النبي  على أن تستجيب له أمته، وهكذا قلب کل داعية، عليه أن يكون رؤوفًا رحيمًا بأمته.
وقفة
[33] ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ حين تشكو للناس فهم يقيسون حزنك بحجم السبب وتقييمهم له، وربما بدا لهم تافهًا، لكن ربك يعلم قدر حزنك أنت.
وقفة
[33] من المهم أن يدرك خصمك في قرارة نفسه أنك صادق في دعوتك، ثابت على منهجك، ولو خالفك وآذاك ورماك بأبشع التهم، تدبر هذه الآيات: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ﴾، ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]، ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: 102].
وقفة
[33] ﴿إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ طريقة القرآن في معالجة الحزن تغيير قناعاتنا واستنهاض قوانا الداخلية للتخلص منه.
لمسة
[33] ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ ما الفرق بين الكفر والتكذيب؟ الكفر أعمُّ من التكذيب؛ لأن التكذيب حالة من حالات الكفر، والتكذيب جزء من الكفر بآيات الله.
وقفة
[33] ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ تسلية النبي  ومواساته بإعلامه أن هذا التكذيب لم يقع له وحده، بل هي طريقة المشركين في معاملة الرسل السابقين.
وقفة
[33] ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾، وفى آخر السورة: ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ﴾ [147] كيف؟ الجواب: أنهم لا يكذبونك في الباطن، لأنك عندهم معروف بالأمين، وإنما يكذبونك في الظاهر ليصدوا عنك.
وقفة
[33] ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ﴾ نفى عنهم التكذيب، وأثبت الجحود، ومعلوم أن التكذيب باللسان لم يكن منتفيًا عنهم، فعلم أنه نفى عنهم تكذيب القلب.
وقفة
[33] ﴿وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ﴾ الظلم نقل حق إلى غير مستحقه، وأبشع أنواع الظلم: الشرك؛ لأنه نقل حق الذات الإلهية المستحق وحده للعبادة إلى من لا يستحقها.

الإعراب :

  • ﴿ قَدْ نَعْلَمُ:
  • قد: بمعنى «ربّ» التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته. نعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن.
  • ﴿ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ:
  • إنّ: حرف مشبه بالفعل والهاء ضمير الشأن مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». ليحزنك: اللام: مزحلقة للتوكيد. يحزنك: فعل مضارع مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدّم.
  • ﴿ الَّذِي يَقُولُونَ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل «يحزن» وجملة «لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ» في محل رفع خبر «إن» وإنّ ومعمولها أي الجملة من أنّ واسمها وخبرها في محل نصب سدّت مسد مفعولي «نَعْلَمُ» يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب المحل بيقولون محذوف والتقدير: يقولونه.
  • ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ:
  • الفاء: تعليلية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» لا: نافية لا عمل لها. يكذّبونك: تعرب إعراب «يَقُولُونَ». والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة «لا يُكَذِّبُونَكَ» في محل رفع خبر «إن».
  • ﴿ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. لكنّ: حرف مشبه بالفعل يفيد الاستدراك. الظالمين: اسم «لكِنَّ» منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد.
  • ﴿ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بيجحدون. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. يجحدون: تعرب إعراب «يَقُولُونَ» والجملة الفعلية «يَجْحَدُونَ» في محل رفع خبر «لكِنَّ». '

المتشابهات :

الأنعام: 33﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ
الحجر: 97﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
النحل: 103﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: > أخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن أبا جهل قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل اللهفَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير. قال ابن العربيهذه سخافة من أبي جهل تدل على تحقق اسمه فيه، ومن كذّب قول المخبر فقد كذب المخبر، فإن كان خفي ذلك عليه فلقد أحاط به الخذلان، وإن كان ذلك استهزاءً فقد كفى الله رسوله المستهزئين وما يستهزئون إلا بأنفسهم وما يشعرون والصحيح في المعنى أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب كان صدوقاً أميناً عفيفاً شريفاً حتى حدث عن الله ففاضت عقولهم من الحسد غيظاً، وفاضت نفوسهم من الحسد فيضاً، ولا يحزنك ما يقولون فإنهم لا يكذبونك مخففة أي لا يجدونك كذاباً أبداً كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً، وإن كانت مُثَقَّلَة فالمعنى بأنهم لا يردون ما جئت به عن حقيقة في نفوسهم فقد علموا أن الذي جئت به حق ولكنهم يظهرون الرد نفاسة ويكون تقدير الكلام فإنهم لا يكذبونك بحقيقة يجدونها في أنفسهم من تكذيبك، ولكن الظالمين يجحدون بآيات الله وقد استيقنوها ظلماً وعلواً) اهـ.وخالف في سبب النزول ابن عاشور فقالولا أحسب هذا هو سبب نزول الآية لأن أبا جهل إن كان قد قال ذلك فقد أراد الاستهزاء، كما قال ابن العربي في العارضة: ذلك أن التكذيب بما جاء به تكذيب له لا محالة، فقوله: لا نكذبك، استهزاء بأطماع التصديق) اهـ.والظاهر - والله أعلم - أن ما ذكره الطاهر بن عاشور ليس علةً لرد السبب لأن أبا جهل إن كان صادقاً فيما يقول فالله قد قالفَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ) وهذا يدل على تناقضه إذ كيف يصدقه بنفسه ويجحد ما جاء به من الآيات البينات.وإن كان قال هذا مستهزِئاً فالاستهزاء لا يعدو اللسان أما القلب فقد انعقد رغماً عنه على تصديق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويكون قوله تعالىفَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ) أي: بقلوبهم وإن قالوا: بألسنتهم غير ذلك، ومما يدل على أن أبا جهل كان يعرف صدق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ما روى ابن إسحاق عن الزهري أنه حُدِّث أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق فذكر الحديث إلى أن قال (أي الأخنس): يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعتَ من محمد؟ فقال: ماذا سمعتُ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه) اهـ باختصار. * النتيجة: أن سبب النزول وإن كان مرسلاً فإن موافقته للفظ الآية وتصريحه بالنزول، وسياق المفسرين له عند تفسيرها يدل على أن له أصلاً والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     بعدَ الحديثِ عن تكذيب المشركين بالآخرة؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا تأثير كفرهم في نفس الرسولِ صلى الله عليه وسلم وحزنه مما يقولون وإعراضهم عن دعوته، قال تعالى:
﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ

القراءات :

يكذبونك:
قرئ:
1- بالتخفيف، وهى قراءة على، ونافع، والكسائي.
2- بالتشديد، وهى قراءة باقى السبعة، وابن عباس.

مدارسة الآية : [34] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ..

التفسير :

[34] ولقد كذَّب الكفار رسلاً من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم وأوذوا في سبيله، فصبروا على ذلك ومضَوْا في دعوتهم وجهادهم حتى أتاهم نَصْرُ الله. ولا مبدل لكلمات الله، وهي ما أنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- مِن وعده إياه بالنصر على مَن عاداه. ولقد

{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا.{ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك.

فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما كان يصيبه من المشركين ومما لا شك فيه أنه- عليه الصلاة والسلام- كان حريصا على إسلامهم، فإذا ما رآهم معرضين عن دعوته حزن وأسف، وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة منها قوله- تعالى-:

فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً عموم البلوى مما يخفف وقعها فقال: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا.

أى: أن الرسل من قبلك- يا محمد- قد كذبتهم أقوامهم وأنزلت بهم الأذى، فليس بدعا أن يصيبك من أعدائك ما أصاب الأنبياء من قبلك، ولقد صبر أولئك الأنبياء الكرام على التطاول والسفه فكانت نتيجة صبرهم أن آتاهم الله النصر والظفر، فعليك- وأنت خاتمهم وإمامهم- أن تصبر كما صبروا حتى تنال ما نالوا من النصر، فإن سنة الله لا تتخلف في أى زمان أو مكان.

وجاء قوله- تعالى- وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ مؤكدا بقد وباللام، للإشارة إلى تأكيد التسلية والتعزية، وإلى تأكيد التمسك بفضيلة الصبر التي سيعقبها النصر الذي وعد الله به الصابرين.

وما في قوله عَلى ما كُذِّبُوا مصدرية، وَأُوذُوا معطوف على قوله كُذِّبَتْ أى:

كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك.

وقوله حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا غاية للصبر، أى: صبروا على التكذيب وما قارنه من الإيذاء إلى أن جاءهم نصرنا وفيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا للتسلية بأنه- سبحانه- سينصره على القوم الظالمين.

وقوله- تعالى- وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ معناه: لا مغير لكلمات الله وآياته التي وعد فيها عباده الصالحين بالنصر على أعدائه، ومن ذلك قوله- تعالى- كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» .

وقوله- تعالى- وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ . وقوله- تعالى- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ . إلى غير ذلك من الآيات التي بشر فيها عباده المؤمنين بالفلاح وحسن العاقبة.

ويرى المحققون من العلماء أن المراد بكلمات الله: شرائعه، وصفاته، وأحكامه، وسننه في كونه، ويدخل فيها دخولا أولياء ما وعد الله به أنبياءه وأولياءه من النصر والظفر. وهذا الرأى أرجح من سابقه لأنه أعم وأشمل.

وإضافة الكلمات إليه- سبحانه- للإشعار باستحالة تبديلها أو تغييرها لأنه- سبحانه- لا يغالبه أحد في فعل من الأفعال، ولا يقع منه خلف في قول من الأقوال، فما دام المؤمنون يخلصون له العبادة والقول والعمل ويجتهدون في مباشرة الأسباب واتخاذ الوسائل النافعة، فإنه- سبحانه- سيجعل العاقبة لهم.

وقوله- تعالى- وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ تأكيد وتقرير لما قبله أى: ولقد جاءك من أخبار المرسلين وأنبائهم- مما قصه عليك في كتابه- ما فيه العظات والعبر، فلقد صبر المرسلون على الأذى فكافأهم الله- تعالى- على ذلك بالظفر على أعدائهم.

وقوله ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ) هذه تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعزية له فيمن كذبه من قومه ، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ووعد له بالنصر كما نصروا ، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة ، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ، ثم جاءهم النصر في الدنيا ، كما لهم النصر في الآخرة ; ولهذا قال : ( ولا مبدل لكلمات الله ) أي : التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] .

وقوله : ( ولقد جاءك من نبإ المرسلين ) أي : من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم ، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة .

القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)

قال أبو جعفر: وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وتعزيةٌ له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحق من عند الله .

يقول تعالى ذكره: إن يكذبك، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك, فيجحدوا نبوّتك, وينكروا آيات الله أنّها من عنده, فلا يحزنك ذلك, واصبر على تكذيبهم إياك وما تلقى منهم من المكروه في ذات الله, حتى يأتي نصر الله, (31) فقد كُذبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم، فنالوهم بمكروه, فصبروا على تكذيب قومهم إياهم، ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر الله الذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه, حتى حكم الله بينهم وبينهم =" ولا مبدّل لكلمات الله " ، يقول: ولا مغيِّر لكلمات الله = و " كلماته " تعالى ذكره: ما أنـزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من وعده إياه النصر على من خَالفه وضادّه, والظفرَ على من تولّى عنه وأدبر =" ولقد جاءك من نبإ المرسلين " ، يقول: ولقد جاءك يا محمد، من خبر من كان قبلك من الرسل، (32) وخبر أممهم, وما صنعتُ بهم = حين جحدوا آياتي وتمادَوا في غيهم وضلالهم = أنباء = وترك ذكر " أنباء " ، لدلالة " مِنْ" عليها.

يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النصرة والظفر مثل الذي كان منِّي فيمن كان قبلك من الرسل إذ كذبهم قومهم, واقتد بهم في صبرهم على ما لَقُوا من قومهم.

* * *

وبنحو ذلك تأوَّل من تأوَّل هذه الآية من أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13198 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا "، يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون, ويخبره أن الرسل قد كُذّبت قبله، فصبروا على ما كذبوا، حتى حكم الله وهو خير الحاكمين .

13199 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: " ولقد كذبت رسل من قبلك " ، قال: يعزّي نبيَّه صلى الله عليه وسلم .

13200 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " ولقد كذبت رسل من قبلك " ، الآية، قال: يعزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم .

---------------------------

الهوامش :

(31) إذ في المخطوطة: "حتى أتاهم نصر الله" ، وهو سهو من الناسخ ، صوابه ما في المطبوعة.

(32) انظر تفسير"النبأ" فيما سلف ص: 262 ، تعليق: 3 ، والمراجع.

المعاني :

لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ :       لِآياتِه التي وَعَدَ فيها النبيَّ ﷺ بالنصرِ الميسر في غريب القرآن
لكلمات الله :       آيات وعده بنصر رسله معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[34] على الداعية أن لا يستغرب تكذيب الناس له؛ فإن الناس قد كذبت المرسلين من قبله.
وقفة
[34] لم يمكن الله للرسل وهم أفضل البشر إﻻ بعد ابتلاءات في الدين أو النفس أو اﻷهل ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] إذا واجه المؤمن إيذاء من كاره الحق وتكذيبًا، ثم صبر على ذلك فليتحين نصر الله ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] صاحب الحق لا يخسر، ولكن يبتلى ويؤذى؛ ليستحق النصر ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] كل رسالة حق لها خصوم، والخصومة تطول ولكنها تزول، والصبر أعظم أسباب زوالها ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
عمل
[34] ادعُ أحد أقاربك أو معارفك للخير، واصبر على أذاهم ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] ﴿ولقد كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فصبروا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصرنا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ لو شاء الله لانتصر خير الخلق عليهم السلام دون أذى أو تكذيب، لكنها سنة الله في الابتلاء قبل التمكين.
وقفة
[34] ﴿ولقد كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فصبروا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصرنا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ طريق النصر مفعم بالأذى والتكذيب والابتلاء؛ فتصبَّر.
عمل
[34] ﴿فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا.
وقفة
[34] ﴿فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ إذا بلغ أعداء الحق درجة تكذيب أهله وإيذائهم، فهذه علامة قرب النصر بشرط أن يحققوا الصبر.
وقفة
[34] بعض أهل الحق لا ينتصرون لأنهم يستعجلون النهايات فيتعثرون بالبدايات، والحق بلا صبر لا ينتصر ﴿فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] إذا بلغ أعداء الحق درجة تكذيب أهله وإيذائهم؛ فإن ذلك علامة قرب نصر الله شريطة أن يحققوا الصبر ﴿فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[34] لا يُرجى النَّصر إلَّا مِن عند الله؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾، ولم يَقُل: نَصَرهم هذا أو ذاك.
وقفة
[34] ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: من أخبارهم؛ ويعني بذلك صبرهم ثم نصرهم، وهذا أيضا تقوية للوعد والحض على الصبر.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ:
  • الواو: استئنافية. اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. كذّبت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء حرف تأنيث لمسايرة لفظ نائب الفاعل لا معناه. رسل: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا:
  • ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رُسُلٌ» أو متعلق بحال في محل نصب بمحذوف تقديره: ارسلوا من قبلك والكاف ضمير متصل- ضمير المخاطب- في محل جر بالاضافة. صبروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا:
  • جار ومجرور متعلق بصبروا. ما: مصدرية. كذبوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. وأوذوا: الواو عاطفة و «أُوذُوا» معطوفة على «كُذِّبُوا» وتعرب إعرابها. «ما» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بعلى بتقدير: على تكذيبهم وإيذائهم. وجملة «كُذِّبُوا» صلة «ما» المصدرية.
  • ﴿ حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا:
  • حتى: حرف غاية وابتداء أي الى أن أتاهم نصرنا. أتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. نصرنا: فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ َلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية للجنس تعمل عمل «ان». مبدّل: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. لكلمات: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» المحذوف أي لا مبدل موجود لوعد الله. الله: لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَلَقَدْ جاءَكَ:
  • ولقد: سبق إعرابها. جاءك: فعل ماض مبني على الفتح. الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ:
  • أي جاءك من قصص المرسلين ما فيه تثبيت لك. من: حرف جر زائد أو للتبعيض. نبأ: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لانه فاعل «جاء». المرسلين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. وحرف الياء الموضوع تحت الصفر المستدير في كلمة «نبأى: زائد. '

المتشابهات :

الأنعام: 34﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ
يوسف: 110﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     وبعد ذكر حزن الرسولِ صلى الله عليه وسلم لتكذيبِ المشركين له؛ تأتي هنا مواساةُ اللهِ له بأنَّ هذا لم يحدثْ له وحدَهُ، بل هي سُنَّةُ المُشْركينَ في معاملةِ الرسلِ، وأنَّ هؤلاء الرسل صَبَروا حتَّى أتاهم النَّصْرُ؛ فوجَب أن يَقْتديَ بهم في الصبر، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [35] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ..

التفسير :

[35] وإن كان عَظُمَ عليك -أيها الرسول- صدود هؤلاء المشركين وانصرافُهم عن الاستجابة لدعوتك، فإن استطعت أن تتخذ نفقاً في الأرض، أو مِصْعَداً تصعد فيه إلى السماء، فتأتيهم بعلامة وبرهان على صحة قولك غير الذي جئناهم به فافعل. ولو شاء الله لَجَمعهم على الهدى ال

{ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} أي:شق عليك، من حرصك عليهم، ومحبتك لإيمانهم، فابذل وسعك في ذلك، فليس في مقدورك، أن تهدي من لم يرد الله هدايته.{ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} أي:فافعل ذلك، فإنه لا يفيدهم شيئا، وهذا قطع لطمعه في هدايته أشباه هؤلاء المعاندين.{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ولكن حكمته تعالى، اقتضت أنهم يبقون على الضلال.{ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين لا يعرفون حقائق الأمور، ولا ينزلونها على منازلها.

ثم بين- سبحانه- أنه لا سبيل إلى إيمان هؤلاء الجاحدين إلا بمشيئة الله وإرادته فقال وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ.

كبر عليك: أى شق وعظم عليك. والنفق: السرب النافذ في الأرض الذي يخلص إلى مكان.

والمعنى: وإن كان- يا محمد- قد شق عليك إعراض قومك عن الإيمان وظننت أن إتيانهم بما اقترحوه من آيات يكون سببا في إيمانهم، فإن استطعت أن تطلب مسلكا عميقا في جوف الأرض، أو مرقاة ترتقى بها إلى السماء لتأتيهم بما اقترحوا من مطالب فافعل فإن ذلك لن يفيد شيئا لأن هؤلاء المشركين لا ينقصهم الدليل الدال على صدقك، ولكنهم يعرضون عن دعوتك عنادا وجحودا.

ثم قال- تعالى- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ.

أى: لو شاء الله جمعهم على ما جئت به من الهدى والرشاد لفعل، بأن يوفقهم إلى الإيمان فيؤمنوا، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنهم بسوء اختيارهم آثروا الحياة الدنيا، فلا تكونن من الجاهلين بحكمة الله في خلقه، وبسننه التي اقتضاها علمه.

ثم قال تعالى : ( وإن كان كبر عليك إعراضهم ) أي : إن كان شق عليك إعراضهم عنك ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : النفق : السرب ، فتذهب فيه ( فتأتيهم بآية ) أو تجعل لك سلما في السماء فتصعد فيه فتأتيهم بآية أفضل مما آتيتهم به ، فافعل .

وكذا قال قتادة والسدي ، وغيرهما .

وقوله : ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ) كما قال تعالى : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ] ) [ يونس : 99 ] ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى ، فأخبر الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول .

القول في تأويل قوله : وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن كان عظم عليك، يا محمد، إعراض هؤلاء المشركين عنك، وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحق الذي بعثتُك به, فشقَّ ذلك عليك، ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم (33) =" فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض " ، يقول: فإن استطعت أن تتَّخذ سَرَبا في الأرض مثلَ نَافِقاء اليَرْبُوع, وهي أحد جِحَرِته فتذهب فيه (34) =" أو سُلمًا في السماء " ، يقول: أو مصعدًا تصعد فيه، كالدَّرَج وما أشبهها, كما قال الشاعر: (35)

لا تُحْـرِزُ الْمَـرْءُ أَحْجَـاءُ البِلادِ, وَلا

يُبْنَـى لَـهُ فِـي السَّـمَاوَاتِ السَّـلالِيم (36)

=" فتأتيهم بآية " ، منها = يعني بعلامةٍ وبرهان على صحة قولك، (37) غير الذي أتيتك = فافعل. (38)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك: قال بعض أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

13201 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء "، و " النفق " السَّرب, فتذهب فيه =" فتأتيهم بآية ", أو تجعل لك سلَّمًا في السماء, (39) فتصعد عليه، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به، فافعل .

13202 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض " ، قال: سَرَبًا =" أو سلمًا في السماء " ، قال: يعني الدَّرَج .

13203 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء " ، أما " النفق " فالسرب, وأما " السلم " فالمصعد.

13204- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله: " نفقًا في الأرض " ، قال: سربًا .

* * *

وتُرِك جواب الجزاء فلم يذكر، لدلالة الكلام عليه، ومعرفة السامعين بمعناه. وقد تفعل العرب ذلك فيما كان يُفهم معناه عند المخاطبين به, فيقول الرجل منهم للرجل: " إن استطعت أن تنهض معنا في حاجتنا، إن قدرت على مَعُونتنا ", ويحذف الجواب, وهو يريد: إن قدرت على معونتنا فافعل. فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معنى الكلام إلا بإظهار الجواب، لم يحذفوه. لا يقال: " إن تقم ", فتسكت وتحذف الجواب، لأن المقول ذلك له لا يعرف جوابه إلا بإظهاره, حتى يقال: " إن تقم تصب خيرًا ", أو: " إن تقم فحسن ", وما أشبه ذلك. (40) ونظيرُ ما في الآية مما حذف جَوَابه وهو مراد، لفهم المخاطب لمعنى الكلام قول الشاعر: (41)

فَبِحَـــظٍّ مِمَّـــا نَعِيشُ, وَلا تَــذْ

هَـبْ بِـكِ التُّرَّهَـاتُ فِـي الأهْـوَالِ (42)

والمعنى: فبحظٍّ مما نعيش فعيشي. (43)

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار، يا محمد، فيحزنك تكذيبهم إياك, لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدِّين، وصوابٍ من محجة الإسلام، حتى تكون كلمة جميعكم واحدة، وملتكم وملتهم واحدة, لجمعتهم على ذلك, ولم يكن بعيدًا عليَّ، لأنّي القادرُ على ذلك بلطفي, ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي، ونافذ قضائي فيهم، من قبل أن أخلقهم وأصوِّر أجسامهم =" فلا تكونن " ، يا محمد،" من الجاهلين "، يقول: فلا تكونن ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجَمع على الهدى جميع خلقه بلطفه, (44) وأنَّ من يكفر به من خلقه إنما يكفر به لسابق علم الله فيه، ونافذ قضائه بأنه كائنٌ من الكافرين به اختيارًا لا إضطرارًا, فإنك إذا علمت صحة ذلك، لم يكبر عليك إعراضُ من أعرض من المشركين عما تدعُوه إليه من الحق، وتكذيبُ من كذَّبك منهم .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13205 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنى معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: يقول الله سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين.

* * *

قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره، الدلالةُ الواضحة على خطإ ما قال أهل التَّفْويض من القدريّة، (45) المنكرون أن يكون عند الله لطائف لمن شاءَ توفيقه من خلقه, يلطفُ بها له حتى يهتدِيَ للحقّ, فينقاد له، وينيبَ إلى الرشاد فيذعن به ويؤثره على الضلال والكفر بالله. وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه لو شاءَ الهداية لجميع من كفر به، حتى يجتمعوا على الهدى، فعلَ. ولا شك أنه لو فعل ذلك بهم، كانوا مهتدين لا ضلالا. وهم لو كانوا مهتدين، كان لا شك أنّ كونهم مهتدين كان خيرًا لهم. وفي تركه تعالى ذكره أن يجمعهم على الهدى، تركٌ منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما هو خيرٌ لهم فيه، مما هو قادر على فعله بهم، وقد ترك فعله بهم. وفي تركه فعل ذلك بهم، أوضحُ الدليل أنه لم يعطهم كل الأسباب التي بها يصلون إلى الهداية، ويتسبّبون بها إلى الإيمان.

* * *

---------------

الهوامش :

(33) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص: 262 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(34) انظر تفسير"ابتغى" فيما سلف 10: 394 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(35) هو تميم بن أبي بن مقبل.

(36) من قصيدة له جيدة ، نقلها قديمًا ، والبيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 190 ، وشرح شواهد المغني: 227 ، واللسان (سلم) (حجا) ، وغيرها ، وقبل البيت ، وهي أبيات حسان:

إنْ يَنْقُـصِ الدّهْـرُ مِنِّي، فالفَتَى غَرَضٌ

لِلدَّهْــرِ، مـن عَـوْدهِ وَافٍ وَمَثْلُــومُ

وَإنْ يَكُـنْ ذَاكَ مِقْـدَارًا أُصِبْــتُ بِـهِ

فَسِــيرَة الدَّهْــرِ تَعْــوِيجٌ وتَقْـويمُ

مَـا أطْيَـبَ العَيْشَ لَـوْ أَن الفَتَى حَجَرٌ

تَنْبُـو الحَـوَادِثَ عَنْـهُ وهـو مَلْمُـومُ

لا يمنــع المــرءَ أنصـارٌ وَرَابيـةٌ

تَــأْبَى الهَــوَانَ إذَا عُـدَّ الجَـرَاثِيمُ

لا يُحْــرِزُ المَــرْءَ . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و"أحجاه البلاد": نواحيها وأطرافها. ويروى"أعناء البلاد" ، وهو مثله في المعنى.

(37) انظر تفسير"آية" فيما سلف في فهرس اللغة (أيي).

(38) قوله: "فافعل" ، أي: "إن استطعت أن تبتغي نفقًا . . . فافعل".

(39) في المخطوطة: "تجعل لهم سلمًا" ، والجيد ما في المطبوعة.

(40) انظر معاني القرآن للفراء 1: 331 ، 332.

(41) هو عبيد بن الأبرص.

(42) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 3: 284. وكان البيت في المخطوطة على الصواب كما أثبته ، وإن كان غير منقوط. أما المطبوعة ، فكان فيها هكذا.

فتحـــطْ ممــا يعش ولا تــذهب

بــك التُرهّــات فــي الأهــوال

أساء قراءة المخطوطة ، وحرفه.

(43) في المطبوعة: "والمعنى: فتحط مما يعش فيعشى" ، وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة.

(44) انظر تفسير"الجاهل" فيما سلف 2: 182 ، وتفسير"جهالة" 8: 88 - 92.

(45) "أهل التفويض": هم الذين يقولون: إن الأمر فوض إلى الإنسان ، فإرادته كافية في إيجاد فعله ، طاعة كان أو معصية ، وهو خالق لأفعاله ، والاختيار بيده. انظر ما سلف 1: 162 ، تعليق: 1.

وأما "القدرية" ، و"أهل القدر" ، فهم الذين ينفون القدر. وأما الذين يثبتون القدر ، وهم أهل الحق ، فهم: "أهل الإثبات". وانظر ما سلف 1: 162 ، تعليق: 1.

المعاني :

كَبُرَ :       عَظُمَ السراج
كبُر عليك :       شقّ و عظُم عليك معاني القرآن
نَفَقࣰا :       مَنْفَذاً، وسَرَباً الميسر في غريب القرآن
نفقا في الأرض :       سربا فيها ينفذ إلى ما تحتها معاني القرآن
سُلَّمࣰا :       دَرَجاً تَرْتقي عليه الميسر في غريب القرآن
فَتَأۡتِيَهُم بِٔأَيَةࣲ :       بغيرِما جِئْنا به الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[35] في الآية ما لا يخفى من حرص النبي  وبذله كل ما يستطيع لهداية قومه، حتى لو قدر أن يأتيهم بآية من أعماق الأرض أو عنان السماء، لما تأخر.
وقفة
[35] أمر الله نبيه  ألا يشتد حزنه عليهم إذا كانوا لا يؤمنون، كما أنه لا يستطيع هداهم.
وقفة
[35] من تمام علمك بالخلق أن تدرك بدعوتك لهم أنه قد قُدِّر لكثير منهم الضلال؛ فلا تعجب !وتدبر: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
وقفة
[35] ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ شدة الخطاب للنبي  فيها سر لطيف، وهو تبعیدُ جنابِه الكريمِ عن الحِرص على ما لا يكون، والجزع في مواطن الصبر، ممَّا لا يليقُ إلا بالجاهلين، ولا يقتضي هذا إقدامَه على الجهل كما في قوله: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: 1] لا يدلُّ على أنَّه  أطاعَهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ كانَ كَبُرَ:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. والفعل «كانَ» فعل الشرط في محل جزم بإن. كبر: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بكبر. إعراض: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وجملة «كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ» في محل نصب خبر «كانَ».
  • ﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم وكسرت نونه لالتقاء الساكنين. استطعت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك في محل جزم بإن فعل الشرط. والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَنْ تَبْتَغِيَ:
  • أن: حرف مصدري ونصب. تبتغي: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وأن وما تلاها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به. وجملة «تَبْتَغِيَ» صلة «إِنْ» لا محل لها.
  • ﴿ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. في الأرض: جار ومجرور متعلق بتبتغي أو بصفة محذوفة من «نَفَقاً» بمعنى طريقا يوصلك في باطن الأرض. أو سلما إلى السماء: معطوفة بأو على «نَفَقاً فِي الْأَرْضِ» وتعرب إعرابها بمعنى تصعد به الى السماء.
  • ﴿ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ:
  • فتأتي: معطوفة بالفاء على «تَبْتَغِيَ» وتعرب إعرابها و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بآية: جار ومجرور متعلق بتأتيهم. أي بآية منها وجواب الشرط محذوف لوجود دليل دلّ عليه واستغنى عنه بالشرط. أي بمعنى فان استطعت .. فافعل والجملة من ان استطعت مع ما فيها من شرط وجزاء في محل جزم جواب الشرط الأول.
  • ﴿ َلَوْ شاءَ اللَّهُ:
  • الواو: عاطفة. لو: حرف شرط غير جازم. شاء: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وحذف مفعول «شاءَ» اختصارا لانه معلوم. أي لو شاء الله هدايتهم.
  • ﴿ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ». جمع: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. على الهدى: جار ومجرور متعلق بجمعهم. وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. وجملة «لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فَلا تَكُونَنَّ:
  • الفاء: حرف استئناف. لا: ناهية جازمة. تكوننّ: فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا واسمها ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ مِنَ الْجاهِلِينَ:
  • جار ومجرور في محل نصب خبر «تكون» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 35﴿وَ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ
يونس: 71﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     وبعد مواساة اللهِ عز وجل للرسولِ صلى الله عليه وسلم بأنَّ هذا لم يحدثْ له وحدَهُ، بل هي سُنَّةُ المُشْركينَ في معاملةِ الرسلِ؛ أخبره هنا بأنَّه لا حِيلةَ له غيرُ الصَّبرِ؛ فإنَّه لا سبيلَ إلى إيمانِ هؤلاء الجاحدينَ إلا بمشيئةِ الله وإرادتِه، فقال تعالى:
﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف