248104105106107108109110111

الإحصائيات

سورة يوسف
ترتيب المصحف12ترتيب النزول53
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول11تبدأ في الجزء12
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 6/29آلر: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (105) الى الآية رقم (108) عدد الآيات (4)

لمَّا ذكرَ الدليلَ على صدقِ نُبُوَّتِه ﷺ بَيَّنَ هنا غفلةَ الذينَ كفرُوا عن التّأملِ في السماواتِ والأرضِ، وأن النَّبيَ ﷺ ومن اتَّبعه من المؤمنينَ يدْعُونَ إلى اللهِ على بصيرةٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (109) الى الآية رقم (111) عدد الآيات (3)

بعدَ إثباتِ نُبُوّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بدليلِ إخبارِه عن الغيبياتِ، ردَّ اللهُ هنا على منكرِي النّبوةِ، فقد كانَ من شُبَهِهم أنَّ اللهَ لو أرادَ إرسالَ رسولٍ لبعثَ ملَكًا، ثُمَّ بيانُ ما في قصصِ القرآنِ من عبرٍ وعظاتٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يوسف

الثقة في تدبير الله (اصبر ولا تيأس)/ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ/ الصبر الجميل/ يوسف الإنسان قصة نجاح

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إلى هؤلاء وإلى كل مسلم نزلت سورة يوسف.: نزلت تهمس في أذن كل مسلم في فترات الضيق أو البلاء؛ لتقول له: تعلَّم من يوسف عليه السلام الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف. وبالمقابل: تعلَّم منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان، وذلك بالتواضع والإخلاص لله عز وجل. فالسورة ترشدنا أن حياة الإنسان هي عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة، فلا يوجد إنسان قط كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلها فترات شدة، وهو في الحالتين: الرخاء والشدة، يُختبر.
  • • سورة يوسف أحسن القصص:: لأنها اشتملت على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وإجداب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحل وترحال، وذل وعز. وعالجت مشاكل تربوية واجتماعية ونفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية.
  • • سورة يوسف أحسن القصص:: لأن في نهايتها حسن المآل وطيب العافية، فيعقوب عليه السلام رد إليه بصره وظفر بفلذة كبده، ويوسف عليه السلام آتاه الله الملك والحكمة، والأخوة تاب الله عليهم، ومنهم أو من ذريتهم اصطفى الله أسباط بني إسرائيل، وامرأة العزيز أقرت بذنبها وحسنت توبتها، وأهل مصر اجتازوا السبع الشداد حتى صار الناس يأتونهم من جميع الأقطار للمؤنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «‏يوسف».
  • • معنى الاسم :: هو نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم عليهم السلام.
  • • سبب التسمية :: لأنها ذكرت قصة ‏يوسف عليه السلام كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، بل لم يذكر اسمه إلا في سورة الأنعام آية (84) ، وغافر آية (34).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: الثقة بتدبير الله، والأمل، والصبر، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
  • • علمتني السورة :: رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات المحن.
  • • علمتني السورة :: أن القصص فيها الحسن والسيِّئ، وأن قصص القرآن أحسن القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾
  • • علمتني السورة :: العفو والصفح ثم الإحسان بالدعاء من أخلاق الأنبياء: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

مدارسة الآية : [104] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ..

التفسير :

[104] وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم للإيمان، إن الذي أُرسلتَ به من القرآن والهدى عظة للناس أجمعين يتذكرون به ويهتدون.

{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} يتذكرون به ما ينفعهم ليفعلوه، وما يضرهم ليتركوه.

وقوله وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ زيادة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إعلاء شأنه.

أى أنك- أيها الرسول الكريم- ما تسألهم على هذا القرآن الذي تتلوه عليهم لهدايتهم وسعادتهم من أجر ولو كان زهيدا ضئيلا. كما يفعل غيرك من الكهان والأحبار والرهبان ...

وإنما تفعل ما تفعل ابتغاء رضا الله- تعالى- ونشر دينه.

وقوله إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أى: ما هذا القرآن الذي تقرؤه عليهم إلا تذكير وعظة وهداية للعالمين كافة لا يختص به قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس.

قالوا: وهذه الجملة كالتعليل لما قبلها، لأن التذكير العام لكل الناس، يتنافى مع أخذ الأجرة من البعض دون البعض، وإنما تتأتى الأجرة، إذا كانت الدعوة خاصة وليست عامة.

وقوله : ( وما تسألهم عليه من أجر ) أي : وما تسألهم يا محمد على هذا النصح والدعاء إلى الخير والرشد من أجر ، أي : من جعالة ولا أجرة على ذلك ، بل تفعله ابتغاء وجه الله ، ونصحا لخلقه .

( إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي : يتذكرون به ويهتدون ، وينجون به في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل، يا محمد، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك، على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن ، ( من أجر ) ، يعني: من ثواب وجزاء منهم، (1) بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله. يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابًا , فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننـزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمر ربك، ونصيحةً منك لهم , وأن لا يستغشُّوك.

* * *

وقوله: ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ، يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك، يا محمد، من النبوة والرسالة ، ( إلا ذكر ) ، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين , ليتعظوا ويتذكَّروا به. (2)

* * *

----------------------

الهوامش:

(1) ‌انظر تفسير" الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة ( أجر ) .

(2) ‌انظر تفسير" الذكر" فيما سلف من فهارس اللغة ( ذكر ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[104] ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ الداعية إلى الله لا يبتغي من وراء دعوته أجرًا دنيويًا، بل هو حريص على الأجر الأخروي.
وقفة
[104] ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ عملك لله لا تلتفت من خلاله للعوالق الأرضية؛ المال، الجاه، الثناء، فأوصل قلوبهم لله وكفى.
وقفة
[104] ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ الداعية الذي يقصد التربح من وراء دعوته يسقط سقوطًا مريعًا من أعين الناس.
وقفة
[104] ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ عفاف الدعاة! ففي الآية دليل على أن من تصدر للإرشاد من تعليم ووعظ، فإن عليه اجتناب ما يمنع من قبول كلامه.
عمل
[104] عنوان مشاويرك أيها الداعية: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾، لا تنتظر منا أي شيء؟ أنت تقول ذلك!

الإعراب :

  • ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ:
  • الواو عاطفة: ما: اسم موصول مبني علي السكون في محل رفع مبتدأ. تسأل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. عليه: جار ومجرور متعلق بتسأل. والجملة: صلة الموصول لا محل لها بمعنى وما تطلب إليهم على نشر الدين والقرآن.
  • ﴿ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ
  • هو: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من \"ما\". إنْ: مهملة بمعنى \"ما\" نافية لأنَّها مخففة. هو: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ:
  • إلَّا: أداة حصر لا عمل لها. ذكر: خبر \"هو\" مرفوع بالضمة. للعالمين: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"ذكر\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد وجملة المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول \"ما\". '

المتشابهات :

الأنعام: 90﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ
يوسف: 104﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
ص: 87﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
التكوير: 27﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
القلم: 52﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [104] لما قبلها :     وبعد بيان أن أكثر الناس لن يؤمنوا؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا لنبيِّه تسليةً له: لا يسوءك عدم إيمانهم، فأنت لا تطلب من قومك أجرًا على دعوتهم للإيمان، بل إيمانهم لفائدتهم، قال تعالى:
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تسألهم:
وقرئ:
نسألهم، بالنون، وهى قراءة بشر بن عبيد.

مدارسة الآية : [105] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[105] وكثير من الدلائل الدالة على وحدانية الله وقدرته منتشرة في السموات والأرض، كالشمس والقمر والجبال والأشجار، يشاهدونها وهم عنها معرضون، لا يفكرون فيها ولا يعتبرون.

{ وَكَأَيِّنْ} أي:وكم{ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} دالة لهم على توحيد الله{ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المشركين تطالعهم الدلائل والبراهين الدالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، ولكنهم في عمى عنها فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ.

وكَأَيِّنْ كلمة مركبة من كاف التشبيه وأى الاستفهامية المنونة، ثم تنوسى معنى جزئيتها وصارت كلمة واحدة بمعنى كم الخبرية المفيدة للتكثير.

والمراد بالآية هنا: العبرة والعظمة الدالة على وحدانية الله وقدرته يمر بها هؤلاء المشركون فلا يلتفتون إليها، ولا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بها، لأن بصائرهم قد انطمست بسبب استحواذ الأهواء والشهوات والعناد عليها.

قال ابن كثير ما ملخصه: يخبر- تعالى- في هذه الآية عن غفلة أكثر الناس عن التفكير في آيات الله ودلائل توحيده، بما خلقه- سبحانه- في السموات من كواكب زاهرات، وسيارات وأفلاك ... وفي الأرض من حدائق وجنات، وجبال راسيات، وبحار زاخرات، وحيوانات ونبات ... فسبحان الواحد الأحد، خالق أنواع المخلوقات، المنفرد بالدوام والبقاء والصمدية ... » .

يخبر تعالى عن [ غفلة ] أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده ، بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت ، وسيارات وأفلاك دائرات ، والجميع مسخرات ، وكم في الأرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات ، وبحار زاخرات ، وأمواج متلاطمات ، وقفار شاسعات ، وكم من أحياء وأموات ، وحيوان ونبات ، وثمرات متشابهة ومختلفات ، في الطعوم والروائح والألوان والصفات ، فسبحان الواحد الأحد ، خالق أنواع المخلوقات ، المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي الأسماء والصفات .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)

قال أبو جعفر: يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله , وعبرةٍ وحجةٍ، (3) وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض ، ( يمرُّون عليها ) ، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها , وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء، فدبَّرها.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19953 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها ) ، وهي في مصحف عبد الله:: " يَمْشُونَ عَلَيْهَا "، السماء والأرض آيتان عظيمتان.

----------------------

الهوامش:

(3) ‌انظر تفسير" كأين" فيما سلف 7 : 263 .

المعاني :

وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ :       كَثِيرٌ مِنَ الآيَاتِ السراج
كأيّن من آية :       كم من آية – كثير من الآيات معاني القرآن

التدبر :

عمل
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ لا تكن غافلًا عن آيات الله تعالى المبثوثة في السماوات والأرض.
عمل
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ تفكّر في آية من آيات الله التي تمرُّ عليها في الصباح أو في المساء.
وقفة
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ العقول الجاحدة لنور الحق لاتكترث للدلائل والبراهين على وجود الخالق!
عمل
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ تأمل في الآيات الكونية من اختلاف الليل والنهار وتسخير الرياح ونزول الأمطار في بقع معينة من الأرض والكسوف والخسوف وغيرها من الآيات، فبمقدار تأثرك واتعاظك يكون إيمانك، والعكس بالعكس، فالنقص ليس في الآيات والعبر ولكن في البصيرة والبصر.
عمل
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ احذر أن يكون فيك شبه من أولئك المعرضين.
وقفة
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ الإلف يفقد الدهشة.
وقفة
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ من أغمض عينيه لم يستمتع بضوء نهاره، وكذلك من قصر في تفكره واعتبار لم يحظ بكنز عرفانه واستبصاره.
وقفة
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ التأمل عبادة ترسّخ شجرة التوحيد في القلب، غفل عنها خلق كثير.
عمل
[105] ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ تأمل حالك مع ما يمر بك من تلك الآيات الكونية، والتي تعددت هذه الأيام، فبمقدار تأثرك واتعاظك يكون إيمانك، وإلا فاحذر أن يكون فيك شبه من أولئك المعرضين.
وقفة
[105] عبادة التفكر مهمة جدًا، فقد أثنى الله على المتفكرين: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 191]، وذم الله الغافلين: ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا﴾ [الروم: 8]، ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا﴾ [الأعراف: 185]، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ [السجدة: 27]، فالفكر للقلب كالإصغاء للأذن، فالله عز وجل يمتدح المتفكرين ويذم المعرضين.
وقفة
[105] قارن: كيف ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته؟! ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾، ومدح عباده المؤمنين: ﴿لِّأُوْلِي الألباب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [آل عمران: 190، 191] قائلين: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ [آل عمران: 191].

الإعراب :

  • ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ:
  • الواو استئنافية. كأين: كناية عن عدد مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. وهي اسم مفرد بمعنى \"كم\" الخبرية يقصد بها التكثير وقيل أصلها: أي دخلت عليها كشاف التشبيه فأدمجت بكأيْ وصارت بمعنى \"كم\". من أية: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة لكأين. بمعنى: كثير من العلَّامات الباهرة والدلالات النيرة يمرون عليها.
  • ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"آية\" والأرض: معطوفة بالواو على \"السماوات\". يمرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عليها: جار ومجرور متعلق بيمرون والجملة الفعلية \"يمرون عليها\" في محل ومع خبر المبتدأ. أي يمشون عليها.
  • ﴿ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ والمبتدأ مع خبره جملة في محل نصب حال. عنها: جاو ومجرور متعلق بمعرضون. معرضون: خبر \"هم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. أي لا يعيرونها التفاتًا وَلَا يتفكرون بها. '

المتشابهات :

آل عمران: 146﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
يوسف: 105﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
الحج: 48﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ
العنكبوت: 60﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ
محمد: 13﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ
الطلاق: 8﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا
الحج: 45﴿فَـ كَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [105] لما قبلها :     وبعد بيان أن أكثر الناس لن يؤمنوا؛ أخبرَ اللهُ عز وجل هنا أن الأدلة على وحدانية الله وقدرته منتشرة في السموات والأرض، كالشمس والقمر والجبال والأشجار، وهم يمرون عليها ولا يتفكرون فيها، ولا تؤثر فيهم، قال تعالى:
﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وكأين:
وقرئ:
وكى، بياء مكسورة من غير همز ولا ألف ولا تشديد، وهى لغة، وبها قرأ الحسن.
والأرض:
وقرئ:
1- بالرفع، على الابتداء، وهى قراءة عكرمة، وعمرو بن فائد.
2- بالنصب، على الاشتغال، وهى قراءة السدى.

مدارسة الآية : [106] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ ..

التفسير :

[106] وما يُقِرُّ هؤلاء المعرضون عن آيات الله بأن الله خالقهم ورازقهم وخالق كل شيء، إلا وهم مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ومع هذا إن وجد منهم بعض الإيمان فلا{ يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبق عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفجأهم العقاب وهم آمنون.

ثم بين- سبحانه- أنهم بجانب غفلتهم وجهالتهم، لا يؤمنون إيمانا صحيحا فقال- تعالى- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.

أى: وما يؤمن أكثر هؤلاء الضالين بالله في إقرارهم بوجوده، وفي اعترافهم بأنه هو الخالق، إلا وهم مشركون به في عقيدتهم وفي عبادتهم وفي تصرفاتهم، فإنهم مع اعترافهم بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله لكنهم مع ذلك كانوا يتقربون إلى أصنامهم بالعبادة ويقولون ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.

والآية تشمل كل شرك سواء أكان ظاهرا أم خفيا، كبيرا أم صغيرا. وقد ساق ابن كثير هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى، كلها تنهى عن الشرك أيا كان لونه، منها قوله صلى الله عليه وسلم:

عند ما سئل أى الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» ومنها قوله: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء» .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: فيما يرويه عن ربه- عز وجل-: يقول الله- تعالى- «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى، تركته وشركه» .

فالآية الكريمة تنهى عن كل شرك، وتدعو إلى إخلاص العبادة والطاعة لله رب العالمين.

وقوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال ابن عباس : من إيمانهم ، إذا قيل لهم : من خلق السموات ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا : " الله " ، وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد ، وعطاء وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وهكذا في الصحيحين أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . وفي الصحيح : أنهم كانوا إذا قالوا : " لبيك لا شريك لك " يقول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قد قد " ، أي حسب حسب ، لا تزيدوا على هذا .

وقال الله تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] وهذا هو الشرك الأعظم الذي يعبد مع الله غيره ، كما في الصحيحين . عن ابن مسعود قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " .

وقال الحسن البصري في قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال : ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس ، وهو مشرك بعمله ذاك ، يعني قوله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء : 142 ] .

وثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالبا فاعله ، كما روى حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن عروة قال : دخل حذيفة على مريض ، فرأى في عضده سيرا فقطعه - أو انتزعه - ثم قال : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )

وفي الحديث : " من حلف بغير الله فقد أشرك " . رواه الترمذي وحسنه من رواية ابن عمر

وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " .

وفي لفظ لهما : " [ الطيرة شرك ] وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " .

ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن يحيى الجزار عن ابن أخي ، زينب [ عن زينب ] امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ، قالت : وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير ، قالت : فدخل فجلس إلى جانبي ، فرأى في عنقي خيطا ، قال : ما هذا الخيط ؟ قالت : قلت : خيط رقي لي فيه . قالت : فأخذه فقطعه ، ثم قال : إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . قالت : قلت له : لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف ، فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، فكان إذا رقاها سكنت ؟ قال : إنما ذاك من الشيطان . كان ينخسها بيده ، فإذا رقيتها كف عنها : إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أذهب البأس رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما " .

وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد ، عن وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى بن عبد الرحمن قال : دخلنا على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده ، فقيل له : تعلقت شيئا ؟ فقال : أتعلق شيئا! وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " من تعلق شيئا وكل إليه " ورواه النسائي عن أبي هريرة .

وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " من علق تميمة فقد أشرك " وفي رواية : " من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له "

وعن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " . رواه مسلم .

وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ، ينادي مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " . رواه أحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن يزيد - يعني : ابن الهاد - عن عمرو ، عن محمود بن لبيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " . قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء ، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " .

وقد رواه إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، أنبأنا ابن لهيعة ، أنبأنا ابن هبيرة ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " من ردته الطيرة عن حاجة ، فقد أشرك " . قالوا : يا رسول الله ، ما كفارة ذلك ؟ قال : " أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، عن أبي علي - رجل من بني كاهل - قال : خطبنا أبو موسى الأشعري فقال : يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك ، فإنه أخفى من دبيب النمل . فقام عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ، قال : بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ذات يوم ] فقال : " يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل " . فقال له من شاء الله أن يقول : فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : اللهم إنا نعوذ بك [ من ] أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه " .

وقد روي من وجه آخر ، وفيه أن السائل في ذلك هو الصديق ، كما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ، من حديث عبد العزيز بن مسلم ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي محمد ، عن معقل بن يسار قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال : حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل " . فقال أبو بكر : وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلها آخر ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " . ثم قال : " ألا أدلك على ما يذهب عنك صغير ذلك وكبيره ؟ قل : اللهم ، أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك مما لا أعلم " .

وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ، عن شيبان بن فروخ ، عن يحيى بن كثير ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا " . قال : فقال أبو بكر : يا رسول الله ، فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال : " ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟ " . قال : بلى ، يا رسول الله ، قال : " قل : اللهم ، إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم " .

قال الدارقطني : يحيى بن كثير هذا يقال له : " أبو النضر " ، متروك الحديث .

وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، والنسائي ، من حديث يعلى بن عطاء ، سمعت عمرو بن عاصم سمعت أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله إذا أصبحت ، وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعي . قال : " قل : اللهم ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه " .

وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ، [ عن مجاهد ] عن أبي بكر الصديق قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول . . . فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره : " وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء ، الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ، بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ، ( إلا وهم مشركون )، في عبادتهم الأوثان والأصنام , واتخاذهم من دونه أربابًا , وزعمهم أنَّ له ولدًا , تعالى الله عما يقولون.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19954 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله . وهم مشركون.

19955 - حدثنا هناد , قال: حدثنا أبو الأحوص , عن سماك , عن عكرمة , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض , فيقولون: الله . فذلك إيمانهم بالله , وهم يعبدون غيره.

19956 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قالا يعلمون أنه ربُّهم , وأنه خلقهم , وهم يشركون به. (4)

19957 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة، بنحوه.

19958 - .... قال: حدثنا ابن نمير , عن نضر , عن عكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.

19959 - .... قال: حدثنا أبو نعيم , عن الفضل بن يزيد الثمالي , عن عكرمة , قال: هو قول الله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38]. فإذا سئلوا عن الله وعن صفته , وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (5)

19960 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.

19961 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.

19962 - حدثني المثنى , قال: أخبرنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. , فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.

19963 - .... قال، حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا

19964 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية , عن حجاج , عن القاسم , عن مجاهد , قال: يقولون: " الله ربنا , وهو يرزقنا "، وهم يشركون به بعدُ.

19965 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.

19966 - .... قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا أبو تميلة , عن أبي حمزة , عن جابر , عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه الآية: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم , ويكفرون بما سوى ذلك.

19967 - حدثنا بشر , قال، حدثنا يزيد , قال حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه , وهو مشرك في عبادته.

19968 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: لا تسأل أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.

19969 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، يعني النصارى، يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38 ]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة الزخرف: 87]، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن: الله . وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد دونه.؟

19970 - حدثني المثنى , قال: أخبرنا عمرو بن عون , قال، أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.

19971 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن نمير , عن عبد الملك , عن عطاء: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: يعلمون أن الله ربهم , وهم يشركون به بعدُ.

19972 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن عبد الملك , عن عطاء , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم , وهم يشركون به.

19973 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله , ويعرف أن الله ربه , وأن الله خالقه ورازقه , وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراء: 75-77]؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول: " لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك , إلا شريك هو لك , تملكه وما ملك "؟ المشركون كانوا يقولون هذا.

----------------------

الهوامش:

(4) في المطبوعة :" مشركون به" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(5) الأثر : 19959 -" الفضل بن يزيد الثمالي البجلي" ، كوفي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 116 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 69 .

وكان في المخطوطة والمطبوعة :" الفضيل" بالتصغير ، وهو خطأ صرف .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[106] ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ يندرج فيهم كل مَن أقرَّ بالله تعالى وخالقيته مثلًا، وكان مرتكبًا ما يُعَدُّ شركًا كيف ما كان, ومن أولئك: عبدة القبور، الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها.
وقفة
[106] ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ فهم مؤمنون بربوبيته، مشركون في عبادته؛ كما قال النبي ﷺ لحصين الخزاعي: يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟قَالَ: سَبْعَةً، سِتًّا فِي الأَرْضِ، وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: يَاحُصَيْنُ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي. [التِّرْمِذِي 3483، وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، وضعفه الألباني].
تفاعل
[106] ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ قل: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ».
وقفة
[106] ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ قال القشيري: «الشرك الجلي أن يتخذ من دونه -سبحانه- معبودًا، والشرك الخفي أن يتخذ بقلبه عند حوائجه من دونه -سبحانه– مقصودًا»، ومن الشرك الخفي ما قاله الحسن في هذه الآية: «ذاك المنافق، يعمل إذا عمل رئاء الناس، وهو مشرك بعمله».
وقفة
[106] ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الِإيمان والشرك لا يجتمعان؟ قلتُ: معناه: وما يؤمنُ أكثرُهم بأن اللَّهَ خالقُه ورازقُه، وخالقُ كل شىءٍ قولًا، إلا وهو مشرك بعبادة الأصنام فعلًا، أو أن المراد به المنافقون، يؤمنون بألسنتهم قولًا، ويشركون بقلوبهم اعتقادًا.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يؤمن: فعل مضارع مرفوع بالضمة. أكثر: فاعل مرفوع بالضمة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمن.
  • ﴿ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ:
  • إلَّا: أداة حصر لا عمل لها. وهم مشركون: تعرب إعراب \"وهم معرضون\" في الآية الكريمة السابقة. بمعنى: إلَّا وهم مشركون به سبحانه '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [106] لما قبلها :     وبعد بيان أن أكثر الناس لن يؤمنوا؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه وإن وُجد بعض الإيمان مِمَّنْ يُعرض عن أدلة التوحيد فإنهم لا يكونوا مؤمنين؛ لأنهم يعترفون بوجود الله ويشركون معه غيره في العبادة، قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [107] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ ..

التفسير :

[107] فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله في الدنيا يعُمُّهم، أو أن تأتيهم القيامة فجأة، وهم لا يشعرون ولا يُحِسُّون بذلك.

{ أَفَأَمِنُوا} أي:الفاعلون لتلك الأفعال، المعرضون عن آيات الله{ أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} أي:عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم،{ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي:فجأة{ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي:فإنهم قد استوجبوا لذلك، فليتوبوا إلى الله، ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم.

ثم هددهم- سبحانه- بحلول قارعة تدمرهم تدميرا فقال- تعالى-: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

والغاشية كل ما يغطى الشيء ويستره، والمراد بها: ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب.

والاستفهام للتوبيخ والتقريع.

والمعنى: أفأمن هؤلاء الضالون، أن يأتيهم عذاب من الله- تعالى- يغشاهم ويغمرهم ويشمل كل أجزائهم. وأمنوا أن تأتيهم الساعة فجأة دون أن يسبقها ما يدل عليها، بحيث لا يشعرون بإتيانها إلا عند قيامها.

إن كانوا قد أمنوا كل ذلك، فهم في غمرة ساهون، وفي الكفر والطغيان غارقون، فإنه فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.

وقوله : ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ) أي : أفأمن هؤلاء المشركون [ بالله ] أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث لا يشعرون ، كما قال تعالى : ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ) [ النحل : 45 - 47 ] وقال تعالى : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) [ الأعراف : 97 - 99 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه ، ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه , على شركهم بالله (6) ، أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم (7) فيخلدهم الله عز وجل في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19974 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، قال: تغشاهم.

19975 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( غاشية من عذاب الله ) ، قال: تغشاهم.

19976 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19977 - .... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19978 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

19979 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله )، أي: عقوبة من عذاب الله.

19980 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (غاشية من عذاب الله ) ، قال: " غاشية "، وقيعة تغشاهم من عذاب الله. (8)

* * *

----------------------

الهوامش:

(6) انظر تفسير" الغاشية" فيما سلف 12 : 435 ، 436 .

(7) انظر تفسير" الساعة" فيما سلف 11 : 324 .

، وتفسير" البغتة" فيما سلف 11 : 325، 360 ، 368 / 12 : 576 / 13 : 297 .

(8) في المطبوعة :" واقعة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .

المعاني :

غَاشِيَةٌ :       عَذَابٌ يَعُمُّهُمْ السراج
غاشية :       عقوبة تغشاهم و تُجلّلهم معاني القرآن
بَغْتَةً :       فَجْأَةً السراج

التدبر :

وقفة
[107] ﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ فإن قيل: أما يؤدّى قوله: (بَغْتَةً) مؤدّى قوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) فيستغنى عنه؟! قيل: لا، فإن معنى قوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ): وهم غافلون؛ لاشتغالهم بأمور دنياهم، وفى الحديث: «مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ» [أحمد 3/424، وصححه الألباني]، وإنما كره لئلا يلقى المؤمن ربه على غفلة من غير أن يقدم لنفسه عذرًا أويجدد توبة أويرد مظالمه.
تفاعل
[107] ﴿غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَأَمِنُوا:
  • الألف: ألف تقرير بلفظ استفهام. الفاء: زائدة - تزيينية -. أمنوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ:
  • أنْ: حرف مصدري ناصب. تأتي: فعل مضارع منصوب بأنْ وعلامة نصبه الفتحة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. غاشية: فاعل مرفوع بالضمة و \"أنْ\" وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به. وجملة \"تأتيهم غاشية\" صلة \"أن\" لا محل لها.
  • ﴿ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"غاشية\". أو: عاطفة للتخيير. تأتيهم الساعة: معطوفة على \"تأتيهم غاشية\" وتعرب إعرابها و \"الله\" لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة وحركت ميم \"تأتيهم\" بالضم للإشباع.
  • ﴿ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ:
  • مصدر في موضع الحال والأصل تباغتهم القيامة بغتة؛ أي تفاجئهم منصوب بالفتحة والجملة الاسمية \"وهم لا يشعرون\" تعرب إعراب \"وهم معرضون\" الواردة في الآية الكريمة الخامسة بعد المائة بمعنى لا يشعرون بإتيانها. '

المتشابهات :

يوسف: 107﴿أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّـهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
الزخرف: 66﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [107] لما قبلها :     وبعد ذم الذين يعترفون بوجود الله ويشركون معه غيره في العبادة؛ هَدَّدَهم اللهُ عز وجل هنا بعذابٍ يعُمُّهم، أو أن تأتيهم القيامة فجأة، قال تعالى
﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [108] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى ..

التفسير :

[108] قل لهم -أيها الرسول-:هذه طريقتي، أدعو إلى عبادة الله وحده، على حجة من الله ويقين، أنا ومن اقتدى بي، وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء، ولستُ من المشركين مع الله غيرَه.

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ قُلْ} للناس{ هَذِهِ سَبِيلِي} أي:طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له،{ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي:أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه.

ومع هذا فأنا{ عَلَى بَصِيرَةٍ} من ديني، أي:على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية.{ وَ} كذلك{ مَنِ اتَّبَعَنِي} يدعو إلى الله كما أدعو على بصيرة من أمره.{ وَسُبْحَانَ اللَّهِ} عما نسب إليه مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله.

{ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} في جميع أموري، بل أعبد الله مخلصا له الدين.

ثم أمر الله- تعالى- نبيه- صلى الله عليه وسلم: أن يسير في طريقه الذي رسمه له، وأن يدعو الناس إليه فقال: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... والبصيرة:

المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس هذه طريقي وسبيلي واحدة مستقيمة لا عوج فيها ولا شبهة، وهي أنى أدعو إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، ببصيرة مستنيرة، وحجة واضحة، وكذلك أتباعى يفعلون ذلك ... ولن نكفّ عن دعوتنا هذه مهما اعترضتنا العقبات.

واسم الإشارة هذِهِ مبتدأ. وسَبِيلِي خبر، وجملة أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ ... حالية، وقد جيء بها على سبيل التفسير للطريقة التي انتهجها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته.

وقوله وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ تنزيه لله- تعالى- عن كل ما لا يليق به على أبلغ وجه.

أى: وأنزه الله- تعالى- تنزيها كاملا عن الشرك والشركاء، وما أنا من المشركين به في عبادته أو طاعته في أى وقت من الأوقات.

يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .

وقوله : ( وسبحان الله ) أي : وأنزه الله وأجله وأعظمه وأقدسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها , والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته ، ( سبيلي )، وطريقتي ودعوتي، (9) (أدعو إلى الله) وحده لا شريك له ، ( على بصيرة ) ، بذلك , ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي (10) ، ( وسبحان الله )، يقول له تعالى ذكره: وقل، تنـزيهًا لله ، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، (11) أو معبود سواه في سلطانه: ( وما أنا من المشركين ) ، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به , لست منهم ولا هم منّي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19981 - حدثني المثنى , قال: أخبرنا إسحاق , قال: حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس , في قوله: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، يقول: هذه دعوتي .

19982 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، قال: " هذه سبيلي" , هذا أمري وسنّتي ومنهاجي ، ( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) ، قال: وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه , ويذكِّر بالقرآن والموعظة , ويَنْهَى عن معاصي الله.

19983 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن أبي جعفر , عن الربيع بن أنس , قوله: ( قل هذه سبيلي ) : ، هذه دعوتي.

19984 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن أبي جعفر , عن الربيع: ( قل هذه سبيلي ) ، قال: هذه دعوتي.

* * *

----------------------

الهوامش:

(9) انظر تفسير : السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .

(10) انظر تفسير" البصيرة" فيما سلف 12 : 23 ، 24 / 13 : 343 ، 344 .

(11) انظر تفسير" سبحان" فيما سلف من فهارس اللغة ( سبح ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ﴾ إن ابتغيت لنفسك كرسي علم أو دعوة فسل نفسك لِمَ ابتغيته؟ وعلام طلبته؟
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ﴾ استدلوا بهذه الآية على وجوب الدعوة إلى الله، فقالوا: حق على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ﴾ تأمل: (إلى الله) وحده لا إلى حزب أو جماعة.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ بصيرة على علم بالدعوة وبحال المدعو وبما تأول اليه عواقب الدعوة.
وقفة
[108] العلم بالحق هو القائد الأعلى للداعية؛ والحكمة مفتاحه، والحلم حليته وتاجه؛ تأمل: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚعَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾.
وقفة
[108] لا يكفي التلميح في بيان الحق للناس بل يجب الصدع به، لكن بحكمة، فدعوة بلا أدلة وقواعد قد تؤدي للخطأ: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚعَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، فأمتنا أمة رسالة، ولذلك قيل: حق على كل من اتبعه ﷺ أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3].
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ بقدر ما تأخذ الدعوة إلى الله من حياتنا، يكون نصيبنا من سبيل الأنبياء.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ البصيرة للقلب كالبصر للعين.
وقفة
[108]﴿ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ الداعية الناجح هو الذي يعتني بالدليل، ويصبر على الأذى، ويبذل وسعه في الدعوة إلى الله مهما تنوَّعت الإغراءات، ومهما تلوَّع من التعب!
وقفة
[108] شملت هذه الآية: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ذكر بعض أركان الدعوة، ومنها: أ. وجود منهج: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ﴾. ب. ويقوم المنهج على العلم: ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾. جـ. وجود داعية: ﴿أَدْعُو﴾. د. وجود مَدْعُوِّين: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الدعوة إلى الله على بصيرة فارق بين دعوة الأنبياء وأتباعهم ودعوة غيرهم.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي ﷺ والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون.
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ قال عبد الله بن مسعود: «من كان مستنًا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد ﷺ،كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».
وقفة
[108] ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ما دلالة التسبيح في الآية؟ الجواب: أي: أن دعوتي مبنية على التوحيد وتنزيه الله عن النقائص والشريك والولد.
وقفة
[108] ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ كثير من إعراض الخلق هو من ضعف بصيرة الدعاة، قال الإمام البقاعي: «(على بصيرة) أي حجة واضحة من أمري بنظري الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وترك التقليد الدال على الغباوة والجمود».
وقفة
[108] ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ يقول الشيخ محمد الغزالي: «أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكر وإن ضل؟ لأنه سيعود إلى الحق، ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكر وإن اهتدی؛ لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح».
وقفة
[108] ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ الأكثر دعوة الأكثر اتباعًا.
وقفة
[108] لست وحدي، وإنما: ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾؛ إشارة إلى ضرورة التعاون في الدعوة إلى الله تعالى، وأهمية العمل الجماعي المؤسسي.
تفاعل
[108] ﴿وَسُبْحَانَ اللَّـهِ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[108] ﴿وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ولم يقل: (‏وما أنا مشرك)؛ فمن وقف مع الظالمين فهو ظالم، وإن لم يمارس الظلم بنفسه، وفيها دليل على أهمية البراءة من المشركين وموالاة المؤمنين وأن الإخلال بهذا الشرط ينعكس خللًا في الدعوة.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت.
  • ﴿ هَذِهِ سَبِيلِي:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - هذه: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. سبيلي: خبر \"هذه\" مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أي هذه طريقتي. والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان.
  • ﴿ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ:
  • الجملة تفسيرية للسبيل لا محل لها. أدعو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. إِلَى الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بأدعو. على بصيرة: جار ومجرور متعلق بالفعل \"أدعو\".
  • ﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي:
  • أنا ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع تأكيد للضمير المستتر - المضمر - في جملة \"أدعو\" الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على الضمير المضمر في \"أدعو\": أدعو إِلَى دينه أنا ويدعو إليه من اتبعني. ويجوز أن يكون \"أنا\" مبتدأ مؤخرًا. وشبه الجملة \"على بصيرة\" خبرًا مقدمًا. وجملة \"من اتبعني\" في محل رفع عطفًا على \"أنا\" إخبارًا مبتدأ بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان. ويجوز أن تكون \"على بصيرة\" حالًا من \"أدعو\" عاملة الرفع في \"أنا\" ومن اتبعني. اتبعني: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. النون: للوقاية والياء ضمير فتصل في محل نصب مفعول به. والجملة: صلة الوصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ:
  • الواو: عاطفة. سبحان: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره اسبح وهو مضاف. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر: الكسرة. بمعنى: أنزهه سبحانه من الشركاء.
  • ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية تعمل عمل \"ليس\" عند الحجازيين ومهملة عند بني تميم. أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم \"ما\" أو مبتدأ. من المشركين: جار ومجرور في محل نصب أو رفع متعلق بخبر \"ما\" أو بخبر \"أنا\" وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 79﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
يوسف: 108﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [108] لما قبلها :     ولَمَّا وصَفَ اللَّهُ عز وجل أكثَرَ النَّاسِ بما وصَفَ؛ أمَرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده بدعوة الناس إلى توحيد الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

هذه سبيلى:
وقرئ:
هذا سبيلى، على التذكير، و «السبيل» يذكر ويؤنث، وهى قراءة عبد الله.

مدارسة الآية : [109] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ ..

التفسير :

[109] وما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- للناس إلا رجالاً منهم ننزل عليهم وحينا، وهم من أهل الحاضرة، فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة، يصدقهم المهتدون للحق، ويكذبهم الضالون عنه، أفلم يمشوا في الأرض، فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما حلَّ بهم من اله

ثم قال تعالى{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} أي:لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من أصناف الخلق، فلأي شيء يستغرب قومك رسالتك، ويزعمون أنه ليس لك عليهم فضل، فلك فيمن قبلك من المرسلين أسوة حسنة{ نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي:لا من البادية، بل من أهل القرى الذين هم أكمل عقولا، وأصح آراء، وليتبين أمرهم ويتضح شأنهم.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} إذا لم يصدقوا لقولك،{ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كيف أهلكهم الله بتكذيبهم، فاحذروا أن تقيموا على ما أقاموا عليه، فيصيبكم ما أصابهم،{ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} أي:الجنة وما فيها من النعيم المقيم،{ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} الله في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن نعيم الدنيا منغص منكد، منقطع، ونعيم الآخرة تام كامل، لا يفنى أبدا، بل هو على الدوام في تزايد وتواصل،{ عطاء غير مجذوذ}{ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أي:أفلا تكون لكم عقول تؤثر الذي هو خير على الأدنى.

ثم بين- سبحانه- أن رسالته صلى الله عليه وسلم ليست بدعا من بين الرسالات السماوية، وإنما قد سبقه إلى ذلك رجال يشبهونه في الدعوة إلى الله، فقال- تعالى- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى....

أى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- لتبليغ أوامرنا ونواهينا إلى الناس، إلا رجالا مثلك، وهؤلاء الرجال اختصصناهم بوحينا ليبلغوه إلى من أرسلوا إليهم، واصطفيناهم من بين أهل القرى والمدائن، لكونهم أصفى عقولا. وأكثر حلما.

وإنما جعلنا الرسل من الرجال ولم نجعلهم من الملائكة أو من الجن أو من غيرهم، لأن الجنس إلى جنسه أميل، وأكثرهم تفهما وإدراكا لما يلقى عليه من أبناء جنسه.

ثم نعى- سبحانه- على هؤلاء المشركين غفلتهم وجهالتهم فقال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ....

أى: أوصلت الجهالة والغفلة بهؤلاء المشركين، أنهم لم يتعظوا بما أصاب الجاحدين من قبلهم من عذاب دمرهم تدميرا، وهؤلاء الجاحدون الذين دمروا ما زالت آثار بعضهم باقية وظاهرة في الأرض. وقومك- يا محمد- يمرون عليهم في الصباح وفي المساء وهم في طريقهم إلى بلاد الشام، كقوم صالح وقوم لوط- عليهما السلام-.

فالجملة توبيخ شديد لأهل مكة على عدم اعتبارهم بسوء مصير من كان على شاكلتهم في الشرك والجحود.

وقوله وَلَدارُ الْآخِرَةِ وما فيها من نعيم دائم خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضيه.

أَفَلا تَعْقِلُونَ أيها المشركون ما خاطبناكم به فيحملكم هذا التعقل والتدبر إلى الدخول في الإيمان، ونبذ الكفر والطغيان.

يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء . وهذا قول جمهور العلماء ، كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة : أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع .

وزعم بعضهم : أن سارة امرأة الخليل ، وأم موسى ، ومريم أم عيسى نبيات ، واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، وبقوله : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) الآية . [ القصص : 7 ] وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى - عليه السلام - وبقوله تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) [ آل عمران : 42 ، 43 ] .

وهذا القدر حاصل لهن ، ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك ، فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف ، فهذا لا شك فيه ، ويبقى الكلام معه في أن هذا : هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا ؟ الذي عليه [ أئمة ] أهل السنة والجماعة ، وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم : أنه ليس في النساء نبية ، وإنما فيهن صديقات ، كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ) [ المائدة : 75 ] فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية ، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام ، فهي صديقة بنص القرآن .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) أي : ليسوا من أهل السماء كما قلتم . وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) الآية [ الفرقان : 20 ] وقوله تعالى : ( وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ) [ الأنبياء : 8 ، 9 ] وقوله تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) الآية [ الأحقاف : 9 ] .

وقوله : ( من أهل القرى ) المراد بالقرى : المدن ، لا أنهم من أهل البوادي ، الذين هم أجفى الناس طباعا وأخلاقا . وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا ، وألطف من أهل سوادهم ، وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي; ولهذا قال تعالى : ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ) [ التوبة : 97 ] .

وقال قتادة في قوله : ( من أهل القرى ) لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود .

وفي الحديث الآخر : أن رجلا من الأعراب أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقة ، فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت ألا أتهب هبة إلا من قرشي ، أو أنصاري ، أو ثقفي ، أو دوسي " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الأعمش : هو [ ابن ] عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم " .

وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) [ يعني : هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض ] ( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أي : من الأمم المكذبة للرسل ، كيف دمر الله عليهم ، وللكافرين أمثالها ، كقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) [ الحج : 46 ] ، فإذا استمعوا خبر ذلك ، رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين ، وهذه كانت سنته تعالى في خلقه; ولهذا قال تعالى : ( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ) أي : وكما أنجينا المؤمنين في الدنيا ، كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة أيضا ، وهي خير لهم من الدنيا بكثير ، كما قال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 50 ، 51 ] .

وأضاف الدار إلى الآخرة فقال : ( ولدار الآخرة ) كما يقال : " صلاة الأولى " و " مسجد الجامع " و " عام الأول " و " بارحة الأولى " و " يوم الخميس " . قال الشاعر :

أتمدح فقعسا وتذم عبسا ألا لله أمك من هجين ولو أقوت عليك ديار عبس

عرفت الذل عرفان اليقين

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة ، ( نوحي إليهم ) آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا ، ( من أهل القرى ) ، يعني: من أهل الأمصار , دون أهل البوادي، (12) كما:-

19985 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود (13) .

* * *

وقوله: ( أفلم يسيروا في الأرض ) ، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك , وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له ، ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ، إذ كذبوا رسُلنا؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا , فنهلكهم بها , وننج منها رسلنا وأتباعنا , فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟

* * *

* ذكر من قال ذلك:

19986 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , قال: قال ابن جريج: قوله: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) ، قال: إنهم قالوا: مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: 91] ، قال: وقوله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [سورة يوسف: 103، 104]، وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا [سورة يوسف: 105]، وقوله: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ [سورة يوسف: 107] ، وقوله: ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟

* * *

وقوله: ( ولدار الآخرة خير ) ، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا , أَنّ عقوبتنا إذا نـزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها , وما في الدار الآخرة لهم خير.

* * *

، وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: ( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ) ، عليه , وأضيفت " الدار " إلى " الآخرة " , وهي" الآخرة " , لاختلاف لفظهما , كما قيل: إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ، [سورة الواقعة: 95]، وكما قيل: " أتيتك عام الأوَّل , وبارحة الأولى , وليلة الأولى , ويوم الخميس "، (14) وكما قال: الشاعر: (15)

أَتَمْــدَحُ فَقْعَسًــا وَتَــذُمُّ عَبْسًــا

أَلا للـــهِ أُمُّــكَ مِــنْ هَجِــينِ

وَلَــوْ أَقْــوَتْ عَلَيْـكَ دِيَـارُ عَبْسٍ

عَــرَفْتَ الــذُّلَّ عِرْفَــانَ اليَقِيـنِ (16)

يعني: عرفانًا له يقينًا . (17)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .

* * *

وقوله: ( أفلا تعقلون ) ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر , وغِبّ ما يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟ (18)

* * *

----------------------

الهوامش:

(12) انظر تفسير" القرية" فيما سلف 8 : 453 / 12 : 299 .

(13) قوله" أهل العمود" ، العمود ( بفتح العين ) : وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء ، والأخبية بيوت أهل البادية ، فقوله" أهل العمود" ، يعني أهل البادية ، كما يدل عليه السياق هنا ، وكما بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال :" أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية" ( تفسير أبي حيان 5 : 353 ) . وقال الزمخشري في الأساس" ويقال لأصحاب الأخبية : هم أهل عمود ، وأهل عماد ، وأهل عمد" ، وروى صاحب اللسان بيتًا ، وهو :

ومَــا أهْــلُ العَمُــود لنَـا بـأَهْلٍ

ولاَ النَّعَــمُ المُسَــامُ لَنــا بمَــالٍ

فهذا قول رجل يبرأ من أن يكون من أهل البادية ، فذكر الخصائص التي يألفها أهل البادية ، ويكونون بها أهل بادية .

(14) هذا موجز كلام الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية .

(15) لم أعرف قائله .

(16) رواهما الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية . وكان في المطبوعة :" ولو أفزت" ، وهو خطل محض ، وفي المخطوطة" ولو أفرت" ، غير منقوطة ، وهو تصحيف .

و" الهجين" ، ولد العربي لغير العربية . و" أقوت الدار" : أقفرت وخلت من سكانها . وظاهر هذا الشعر ، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس ، كان هجينًا ، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه . فهو يقول له : لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه ، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا .

(17) في المطبوعة والمخطوطة :" عرفانا به" ، وكأن الصواب ما أثبت . وفي الفراء :" عرفانًا يقينًا" ، بغير" له" ، وهو أجود .

(18) في المطبوعة :" بما قبلهم من الأمم" ، والصواب من المخطوطة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[109] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ وهذا من رحمة الله أن يكونوا رجالًا، فالرجل على الأقل يحكم عقله، وينصفك، ولا ينسف تاريخ حسناتك في لحظة غضب.
وقفة
[109] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ﴾ قال القرطبي: من أهل القرى: يريد المدائن، ولم يبعث الله نبيًا من أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على أهل البدو؛ ولأن أهل الأمصار أعقل وأحلم وأفضل وأعلم، قال الحسن: «لم يبعث الله نبيًا من أهل البادية قط، ولا من النساء، ولا من الجن».
وقفة
[109] لابد من التسليم بوجود الفوارق بين المرأة والرجل التي من ضمنها لم تكن النبوة والرسالة إلا في الرجال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ﴾، وكذلك البدو والحضر، لكن مع استصحاب ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
وقفة
[109] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ عبادة التفكر من أجَل العبادات، وهي تاج عبادات القلوب، وإن آثار الأمم البائدة يقدح زناد الفكر للاعتبار، وعدم السقوط في نفس الأخطاء والتكرار، وهذه من سمات العقلاء فضلًا عن الأبرار.
وقفة
[109] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالنص والحس والعقل عُرف تقديم الآخرة، وسواء ملك مصر أو ملك الدنيا! فالدنيا بما فيها لا تساوي جناح بعوضة بالنسبة للآخرة، فاعمل لدار البقاء وقارن بين سعيك للدنيا وسعيك للآخرة.
وقفة
[109] ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ من هذه الدار وما فيها من أنواع اللذات، فإن نعيمها قليل محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. أرسل: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا:
  • جار ومجرور متعلق بأرسلنا أو في محل نصب حال من \"رجالًا\" لأنه متعلق بصفة مقدمة منها. إلَّا: أداة حصر لا عمل لها. رجالًا: مفعول به منصوب بالفتحة. أي وما أرسلنا إِلَى الأمم إلَّا رجالًا لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون لو شاء ربَّنَا لأنزل ملائكته. والكاف في \"قبلك\" ضمير متصل في محل جر بالإضافة
  • ﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ:
  • الجملة: في محل نصب صفة - نعت - لرجالًا. نوحي: فعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. إليهم: جار ومجرور متعلق بنوحي و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بإلى.
  • ﴿ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى:
  • الجار والمجرور في محل نصب متعلق بصفة ثانية لرجالًا. القرى: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر
  • ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ:
  • الألف ألف تعجيب بلفظ استفهام. الفاء: زائدة - تزيينية - لم: حرف نفي وجزم وقلب. يسيروا: فعل مضارع مجزوم بلم. وعلامة جزمه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة. في الأرض: جار ومجرور متعلق بيسيروا. أي في أقطار الأرض و \"يسيروا\" أي يسيحوا.
  • ﴿ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ:
  • فينظروا: معطوفة بالفاء على \"يسيروا\" وتعرب إعرابها. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر \"كان\" مقدم. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. عاقبة: اسم \"كان\" مرفوع بالضمة وقد ذكر الفعل على معنى \"عاقبة\" وهو \"العقاب أو المصير\" لا على لفظها والجملة من كيف وما بعدها: في محل نصب مفعول به لينظروا.
  • ﴿ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. من قبل: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة. التقدير: الذين استقروا أو الذين مضوا من قبلهم و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ:
  • الواو: استئنافيّة. اللام: لام الابتداء للتوكيد. دار: مبتدأ مرفوع بالضمة. الآخرة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا:
  • جار ومجرور متعلق بخير. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام. اتقوا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصالها بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"اتقوا\" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب واتقوا. أي خافوا.
  • ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ:
  • الألف ألف: توبيخ في لفظ استفهام. الفاء زائدة - تزيينية - لا: نافية لا عمل لها. تعقلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

يوسف: 109﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ
النحل: 43﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
الأنبياء: 7﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [109] لما قبلها :     وبعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده بدعوة الناس إلى توحيد الله؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن رسالته صلى الله عليه وسلم ليست بدعًا من بين الرسالات السماوية، وإنما قد سبقه إلى ذلك رجال يشبهونه في الدعوة إلى الله، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نوحى:
قرئ:
1- بالنون وكسر الحاء، وهى قراءة أبى عبد الرحمن، وطلحة، وحفص.
2- بالياء وفتح الحاء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
تعقلون:
قرئ:
1- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة الحسن، وعلقمة، والأعرج، وعاصم، وابن عامر، ونافع.
2- بالياء، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [110] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ ..

التفسير :

[110] ولا تستعجل -أيها الرسول- النصر على مكذبيك، فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلاً لحكمة نعلمها، حتى إذا يئس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّ المُرسلُ إليهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما أخبروهم عن الله، جاء نصرُنا لرسلنا عند شدة الكرب، فننجي من نشاء من ال

يخبر تعالى:أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن الله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل.

حتى إن الرسل - على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده - ربما أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال{ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} وهم الرسل وأتباعهم،{ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} أي:ولا يرد عذابنا، عمن اجترم، وتجرأ على الله{ فما لهم من قوة ولا ناصر}

ثم حكى- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل فقال: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا....

وفي قوله قَدْ كُذِبُوا وردت قراءتان سبعيتان إحداهما بتشديد الذال والثانية بالتخفيف.

وعلى القراءتين فالغاية في قوله- تعالى- حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ غاية لكلام محذوف دل عليه السياق.

والمعنى على القراءة التي بالتشديد. لقد أرسلنا رسلنا لهداية الناس، فأعرض الكثيرون منهم عن دعوتهم، ووقفوا منهم موقف المنكر والمعاند والمحارب لهدايتهم، وضاق الرسل ذرعا بموقف هؤلاء الجاحدين، حتى إذا استيأس الرسل الكرام من إيمان هؤلاء الجاحدين، وظنوا- أى الرسل- أن أقوامهم الجاحدين قد كذبوهم في كل ما جاءوهم به لكثرة إعراضهم عنهم، وإيذائهم لهم ... أى: حتى إذا ما وصل الرسل إلى هذا الحد من ضيقهم بأقوامهم الجاحدين جاءهم نصرنا الذي لا يتخلف.

والمعنى على القراءة الثانية التي هي بالتخفيف: حتى إذا يئس الرسل من إيمان أقوامهم يأسا شديدا، وظن هؤلاء الأقوام أن الرسل قد كذبوا عليهم فيما جاءوهم به، وفيما هددوهم به من عذاب إذا ما استمروا على كفرهم..

حتى إذا ما وصل الأمر بالرسل وبالأقوام إلى هذا الحد، جاء نصرنا الذي لا يتخلف إلى هؤلاء الرسل، فضلا منا وكرما..

فالضمير في قوله كُذِبُوا بالتشديد يعود على الرسل، أما على قراءة التخفيف كُذِبُوا فيعود إلى الأقوام الجاحدين.

ومنهم من جعل الضمير- أيضا- على قراءة كُذِبُوا بالتخفيف يعود على الرسل، فيكون المعنى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنوا- أى الرسل- أن نفوسهم قد كذبت عليهم في تحديد موعد انتصارهم على أعدائهم لأن البلاء قد طال. والنصر قد تأخر ... جاءهم- أى الرسل- نصرنا الذي لا يتخلف.

قال الشيخ القاسمى في بيان هذا المعنى: قال الحكيم الترمذي: ووجهه- أى هذا القول السابق- أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر، أن يتخلف النصر، لا عن تهمة بوعد الله، بل عن تهمة لنفوسهم أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط، فكان النصر إذا طال انتظاره واشتد البلاء عليهم، دخلهم الظن من هذه الجهة» .

وهذا يدل على شدة محاسبة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- لنفوسهم، وحسن صلتهم بخالقهم- عز وجل-.

وقوله- سبحانه- فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ معطوف على ما قبله، ومتفرع عليه.

أى: جاءهم نصرنا الذي وعدناهم به، بأن أنزلنا العذاب على أعدائهم، فنجا من نشاء إنجاءه وهم المؤمنون بالرسل، ولا يرد بأسنا وعذابنا عن القوم المجرمين عند نزوله بهم.

يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] ، وفي قوله : ( كذبوا ) قراءتان ، إحداهما بالتشديد : " قد كذبوا " ، وكذلك كانت عائشة - رضي الله عنها - تقرؤها ، قال البخاري :

حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله : ( حتى إذا استيئس الرسل ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا ؟ فقالت عائشة : كذبوا . فقلت : فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت : أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، ( حتى إذا استيئس الرسل ) ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .

حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرنا عروة ، فقلت : لعلها قد كذبوا مخففة ؟ قالت : معاذ الله . انتهى ما ذكره .

وقال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة : أن ابن عباس قرأها : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة ، قال عبد الله هو ابن مليكة : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] ، قال ابن جريج : وقال لي ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة : أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها " وظنوا أنهم قد كذبوا " مثقلة ، للتكذيب .

وقال ابن أبي حاتم : أنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال : إن محمد بن كعب القرظي يقول هذه الآية : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) فقال القاسم : أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) تقول : كذبتهم أتباعهم . إسناد صحيح أيضا .

والقراءة الثانية بالتخفيف ، واختلفوا في تفسيرها ، فقال ابن عباس ما تقدم ، وعن ابن مسعود ، فيما رواه سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قرأ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، قال عبد الله : هو الذي تكره .

وهذا عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - مخالف لما رواه آخرون عنهما . أما ابن عباس فروى الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، ( فنجي من نشاء )

وكذا روي عن سعيد بن جبير ، وعمران بن الحارث السلمي ، وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة ، والعوفي عن ابن عباس بمثله .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عارم أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا شعيب حدثنا إبراهيم بن أبي حرة الجزري قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له : يا أبا عبد الله ، كيف هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا .

ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر : أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير عن ذلك ، فأجابه بهذا الجواب ، فقام إلى سعيد فاعتنقه ، وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .

وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ، وكذا فسرها مجاهد بن جبر ، وغير واحد من السلف ، حتى إن مجاهدا قرأها : " وظنوا أنهم قد كذبوا " ، بفتح الذال . رواه ابن جرير ، إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) إلى أتباع الرسل من المؤمنين ، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ، أي : وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا - مخففة - فيما وعدوا به من النصر .

وأما ابن مسعود فقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن حذلم قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل ) من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا ، بالتخفيف .

فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها بذلك ، وانتصر لها ابن جرير ، ووجه المشهور عن الجمهور ، وزيف القول الآخر بالكلية ، ورده وأباه ، ولم يقبله ولا ارتضاه ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى , فدعوْا من أرسلنا إليهم , فكذبوهم , وردُّوا ما أتوا به من عند الله ، ( حتى إذا استيئسَ الرسل )، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، (19) ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله ، وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم ، ( جاءهم نصرنا ).

* * *

وذلك قول جماعة من أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة , قال: حدثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس , في قوله: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم , وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم , جاءهم النصر على ذلك , فننجّي من نشاء.

19988 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس، بنحوه ، غير أنه قال في حديثه، قال: " أيست الرسل " , ولم يقل: " لما أيست ". (20)

19989 - حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير: (حتى إذا استيئس الرسل) ، أن يسلم قومهم , وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.

19990 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن ابن عباس , مثله .

19991 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ,(جاءهم نصرنا).

19992 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن حصين , عن عمران السلمي , عن ابن عباس: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. (21)

19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد , قال: حدثنا جرير, عن حصين , عن عمران بن الحارث السلمي , عن عبد الله بن عباس , في قوله: (حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، (وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.

19994 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا ابن إدريس , قال: سمعت حصينًا , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم , وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم ، (جاءهم نصرنا).

19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس , قال: حدثنا عبثر , قال: حدثنا حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , في هذه الآية: (حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا , وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا ، ( جاءهم نصرنا ). (22)

19996 - حدثنا محمد بن المثنى , قال: حدثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من نصر قومهم ، ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.

19997 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا محمد بن الصباح , قال: حدثنا هشيم , قال: أخبرنا حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم , وأن يستجيبوا لهم , وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) ، يعني الرسلَ.

19998 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس، بمثله سواء .

19999 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن هارون , عن عباد القرشي , عن عبد الرحمن بن معاوية , عن ابن عباس: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) خفيفة , وتأويلها عنده: وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا. (23)

20000 - حدثنا أبو بكر , قال: حدثنا طلق بن غنام , عن زائدة , عن الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس , قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن قومُهم أن قد كذبتهم رُسُلهم ، ( جاءهم نصرنا ) . (24)

20001 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا , فينصر الله الرسل , ويبعثُ العذابَ.

20002 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) ، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم , وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم ، ( جاءهم نصرنا ).

20003 - حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم ، ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.

20004 - .... قال: حدثنا آدم العسقلاني , قال: حدثنا شعبة , قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن , عن عمران بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفةً . وقال ابن عباس: ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم، خفيفةً.

20005 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم , وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم .

20006 - .... قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن خصيف , قال: سألت سعيد بن جبير , عن قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم , وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.

20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد , قالا حدثنا إسماعيل بن علية . قال: حدثنا كلثوم بن جبر , عن سعيد بن جبير , قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم أن يؤمنوا , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.

20008 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عارم أبو النعمان , قال: حدثنا حماد بن زيد , قال: حدثنا شعيب , قال: حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري , قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير , فقال له: يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ؟ قال: نعم , حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا . قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! (25)

20009 - حدثني المثنى , قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم , قال: حدثني أبي , أن مسلم بن يسار , سأل سعيد بن جبير ; فقال: يا أبا عبد الله , آية بلغت مني كل مبلغ: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فهذا الموتُ , أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا , أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا، مخففة! (26) قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن , حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم , وظن قومُهم أن الرسل كذبتهم ، ( جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . قال: فقام مسلم إلى سعيد , فاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عني (27)

20010 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى بن عباد , قال: حدثنا وهيب , قال: حدثنا أبو المعلى العطار , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم , ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. (28)

20011 - .... قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله ;( حتى إذا استيئس الرسل ) أن يصدقهم قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا , جاء الرسل نَصرُنا.

20012 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

20013 - حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا حماد , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.

20014 - .... قال: حدثنا حماد , عن كلثوم بن جبر , قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس الرسل من قومهم , وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. (29)

20015 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم , وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم، وأخْلِفُوا، وقرأ: ( جاءهم نصرنا ) ، قال: جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها: " كُذِبُوا ".

20016 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن سعيد , عن أبي المتوكل , عن أيوب ابن أبي صفوان , عن عبد الله بن الحارث , أنه قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من إيمان قومهم ، ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به. (30)

20017 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن جويبر , عن الضحاك , قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.

20018 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن جحش بن زياد الضبي , عن تميم بن حذلم , قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية: " حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا " ، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم , وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. (31)

20019 - حدثنا أبو المثنى , قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , &; 16-304 &; عن أبي المعلى , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من نصر قومهم , وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم. (32)

20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. (33)

20021 - .... قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا إسرائيل , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.

20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم , ويؤمنوا بهم ، " وظنوا "، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: ( كُذِبُوا ) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة , لأن ذلك عقيب قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا , وأن المضمر في قوله: ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة , وزاد ذلك وضوحًا أيضًا، إتباعُ الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: ( فنجي من نشاء ) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم، (34) فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.

* * *

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي اخترنا , ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم , وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر .

* ذكر من قال ذلك:

20023 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عثمان بن عمر , قال: حدثنا ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قرأ ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.

20024 - .... قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قرأ: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة: 214] ، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.

20025 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبد الله , أنه قرأ: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، مخففة. قال عبد الله: هو الذي تَكْرَه.

20026 - .... قال: حدثنا أبو عامر , قال: حدثنا سفيان , عن سليمان , عن أبي الضحى , عن مسروق , أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: هو الذي تكره ، مخففةً.

20027 - .... قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , أنه قال في هذه الآية: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قلت: " كُذِبوا "! قال: نعم ألم يكونوا بشرًا؟

20028 - حدثنا الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , في قوله: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ , غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب، (35) وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. (36) وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.

* * *

وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة , فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.

* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:

20029 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عثمان بن عمر , قال: حدثنا &; 16-307 &; ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قرأ ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا )، فقال: كانوا بشرًا، ضعفوا ويئسوا ، قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة , فقال: قالت عائشة: معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت , ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم . فكانت تقرؤها: " قَدْ كُذِّبُوا " ، تثقلها. (37)

20030 - .... قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج , قال: أخبرني ابن أبي مليكة , أن ابن عباس قرأ: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة، قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة: 214] ، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا , فظنوا أنهم أُخْلِفوا . قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة , أنها خالفت ذلك وأبته , وقالت: ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات , ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا " مثقَّله , للتكذيب. (38)

20031 - .... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي , قال: حدثنا إبراهيم بن سعد , قال: حدثني صالح بن كيسان , عن ابن شهاب , عن عروة , عن عائشة قال: قلت لها قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا . قلت: " كُذِبوا ". قالت: معاذ الله , لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها، (39) إنما هم أتباع الرُّسُل، لما استأخر عنهم الوحيُ، واشتد عليهم البلاء، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم ، ( جاءهم نصرنا ). (40)

20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم , وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم , جاءهم نصر الله عند ذلك. (41)

* * *

قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة , غير أنها كانت تقرأ: " كُذِّبُوا " ، بالتشديد وضم الكاف , بمعنى ما ذكرنا عنها: من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كذَّبوهم , فارتدُّوا عن دينهم , استبطاءً منهم للنصر .

وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.

* * *

وقال آخرون ممن قرأ قوله: " كُذِّبُوا " بضم الكاف وتشديد الذال , معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم , وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا . وقالوا: " الظن " في هذا بمعنى العلم، (42) من قول الشاعر: (43)

فَظُنُّــوا بِــأَلْفَيْ فَــارِسٍ مُتَلَبِّـبٍ

سَــرَاتُهُمْ فِــي الفَارِسِـيّ المُسَـرَّدِ (44)

* * *

* ذكر من قال ذلك:

20033 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن ، وهو قول قتادة ، : " حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم , وظنوا أنهم قد كُذِّبوا "، أي: استيقنوا أنه لا خير عند قومهم , ولا إيمان ، ( جاءهم نصرنا).

* * *

20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: من قومهم ، ( وظنوا أنهم قد كذِّبوا )، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا ، ( جاءهم نصرنا).

* * *

قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم , أعني بتشديد الذال من " كُذِّبُوا " وضم كافها.

* * *

وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة , لأنه لم يوجه " الظن " في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين , مع أن " الظنّ" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه " الظن " , لا تكاد تقول: " أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا " , بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا . والرسل الذين كذبتهم أممهم , لا شك أنها كانت لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة , فيقال فيها: ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.

* * *

وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة جميعهم , وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يقرأ: " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا " بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال.

* ذكر الرواية عنه بذلك:

20035 - حدثني أحمد بن يوسف , قال: حدثنا أبو عبيد , قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , أنه قرأها: " كَذَبُوا " بفتح الكاف بالتخفيف.

* * *

، وكان يتأوّله كما: -

20036 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ، ( جاءهم نصرنا ) , قال: جاء الرسلَ نصرنا . قال مجاهد: قال في" المؤمن " (45) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ، قال: قولهم: " نحن أعلم منهم ولن نعذّب " . وقوله: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ، [سورة غافر: 83] ، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.

* * *

قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، (46) لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد , وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها , وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ، ويكون " الظن " موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم , على ما تأوَّله الحسن وقتادة.

* * *

وأما قوله: ( فنجي من نشاء ) فإن القرأة اختلفت في قراءته.

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق: " فَنُنْجِي مَنْ نَشَاء "، مخفّفة بنونين، (47) بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا , دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا.

* * *

واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين , لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة , من: " أنجى ينجي" , والأخرى " النون " التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال , من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام , فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة , كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.

* * *

وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى , غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.

* * *

وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من: " نجَّيته أنجّيه ".

* * *

وقرأ ذلك بعض المكيين: " فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون والتخفيف , من: " نجا ينجو ". (48)

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه: " فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ" بنونين , لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار , وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: -

20037 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: " فننجي من نشاء " ، فننجي الرسل ومن نشاء ، ( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل , فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.

* * *

وقوله ( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا , فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.

* * *

----------------------

الهوامش:

(19) انظر تفسير" استيأس" فيما سلف ص : 203 ، 204 ، وفهارس اللغة ( يأس ) .

(20) مرة أخرى ، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا ، فضلاً عن رواية حديث نبينا صلى الله عليه وسلم . ومع ذلك كله فالسفهاء يقولون ، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين وأشباههم . فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون ، وأي سخف يتبعون . انظر ما سلف ص : 265 ، تعليق : 1 .

(21) الأثر : 19992 -" عمران السلمي" ، هو" عمران بن الحارث السلمي" ،" أبو الحكم" تابعي كوفي ثقة ، روى عن ابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمر . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 296 .

وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم : 19998 .

(22) الأثر : 19995 -" عبد الله بن أحمد بن يونس" ، هو" عبد الله بن أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي" ،" أبو حصين" ، شيخ الطبري ، سلف برقم : 12336 .

و" عبثر" ، هو" عبثر بن القاسم الزبيدي" ، ثقة ، مضى برقم : 12336 ، 12402 ، 17106 .

(23) الأثر : 19999 -" عبد الوهاب بن عطاء" ، هو الخفاف ، مضى مرارًا آخرها رقم : 16842

و" هرون" ، كأنه" هرون بن سفيان بن بشير" ،" أبو سفيان" ، المعروف بالديك ، مستملي يزيد بن هارون ، روى عن معاذ بن فضالة ، وأبي زيد النحوي ، ومطرف بن عبد الله المديني ، ومحمد بن عمر الواقدي . مترجم في تاريخ بغداد 14 : 25 ، رقم : 7357 .

و" عباد القرسي" ، هو" عباد بن موسى القرشي البصري" ، ثقة ، روى عن إسرائيل بن يونس ، وإبراهيم بن طهمان ، وسفيان الثوري ، وروى عنه هرون بن سفيان المستملي ، مترجم في التهذيب .

و" عبد الرحمن بن معاوية" ، هو" عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري ، الزرقي" ،" أبو الحويرث" ، روى عن ابن عباس ، وغيره ، مضى برقم : 15756 .

(24) الأثر : 20000 -" أبو بكر" ، لم أعرف من هو من شيوخ أبي جعفر ، وظني أن صوابه" أبو كريب" ، فهو الذي ذكروا أنه يروي عن طلق بن غنام .

و" طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي" ثقة ، لم يكن بالمتبحر في العلم ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 361 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 491 .

(25) الأثر : 20008 -" شعيب" ، هو" شعيب بن الحبحاب الأزدي" ، ثقة ، مضى برقم : 6180 ، 6442 .

و" إبراهيم بن أبي حرة الجزري" ، وثقه ابن معين ، وأحمد ، وقال ابن أبي حاتم : ثقة ، لا بأس به وضعفه الساجي ، وذكره ابن حبان في الثقات . كان قليل الحديث . مترجم في لسان الميزان 1 : 46 ، والكبير 1 / 1 / 281 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 96 ، وابن سعد 7 / 2 / 179 .

وكان في المطبوعة :" ابن أبي حمزة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك .

والفتى المذكور هنا ، هو" مسلم بن يسار : كما يظهر من الأثر التالي .

وأما كلمة الضحاك بن مزاحم ، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم قلبه ، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه المقالة ، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء ، فإن الله قد نشأهم أحسن تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم .

(26) في المخطوطة :" وظنوا أنهم قد كذبوا ، ونظن أنهم قد كذبوا مخففة ..." ، سقط من الكلام ما أتمه ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور للسيوطي 4 : 41 .

(27) الأثر : 20009 -" ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري" ، ثقة ، مضى برقم 6240 ، 12522 .

وأبوه :" كلثوم بن جبر البصري" ، ثقة ، مضى أيضًا برقم : 6240 ، 12522 .و" مسلم بن يسار البصري" ، أبو عبد الله الفقيه ، روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمر تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 275 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 198 .

وانظر الخبر الآتي رقم : 20014 .

(28) الأثر : 20010 -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا آخرها رقم : 18807 ، 18817 .

و" يحيى بن عباد الضبعي" ،" أبو عباد البصري" ، ثقة ، حدث عنه أهل بغداد ، وقال الخطيب : أحاديثه مستقيمة، لا نعلمه روى منكرًا . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 292 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14 : 144 -146 .

و"وهيب" هو" وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 4345 ، 12444 .

و" أبو المعلى العطار" ، هو" يحيى بن ميمون" ، ثقة ليس به بأس ، مضى برقم : 8346 ، 8347 ، 11162 .

(29) الأثر : 20014 - انظر الخبرين السالفين رقم : 20008 ، 20009 .

(30) الأثر : 20016 -" سعيد" ، هو" سعيد بن أبي عروبة" .

وأما" أبو المتوكل" فلا أدري ما هو ، وسيأتي أنه عند البخاري و ابن أبي حاتم :" المتوكل" ، ومع ذلك ، فلست أدري من يكون على التحقيق .

و" أيوب بن أبي صفوان" ، هكذا جاء في ترجمة" أيوب بن صفوان" في التاريخ الكبير للبخاري ، أي هكذا يقال فيه أيضًا ، وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على أنه :" أيوب بن صفوان" ، مولى عبد الله بن الحارث ، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير .

قال البخاري في ترجمته :" قال عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن متوكل ، عن أيوب بن صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أم هانئ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم" ، يعني في صلاة الضحى" . ثم ذكره في إسناد آخر هكذا" أيوب بن أبي صفوان" ، كالذي هنا .

وأما ابن أبي حاتم فقال :" أيوب بن صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، روى عن المتوكل ، عن عبد الله بن الحارث ، روى عنه سعيد بن أبي عروبة" ، وهو خلط أرجح أن صوابه :" روى عنه المتوكل ، عن عبد الله بن الحارث ، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي عروبة" .

وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى ، ولا حيلة لنا فيه ، حتى نجد شيئًا يهدي إلى الصواب فيه .

(31) الأثر : 20018 -" جحش بن زياد الضبي" ، روى عن تميم بن حذلم ، روى عنه سفيان الثوري ، وجرير ، ومحمد بن فضيل ، وأبو بكر بن عياش . لم يذكروا فيه جرحًا ، مترجم في الكبير 1 / 2 / 251 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 550 .

و" تميم بن حذلم الضبي" ، من أصحاب ابن مسعود ، ثقة ، قليل الحديث ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 13623 . في ترجمة ولده .

(32) الأثر : 20019 -" أبو المعلي" ، هو العطار ،" يحيى بن ميمون" ، مضى قريبًا برقم : 20010 .

(33) الأثر : 20020 -" عمرو بن ثابت بن هرمز البكري" ، روى عن أبيه ، ضعيف جدًا ليس بثقة ، مضى برقم : 641 ، 680 ، 5969 .

وأبوه" ثابت بن هرمز" ، الحداد ،" أبو المقدام" ، ثقة ، مضى برقم : 641 ، 680 ، 5969 ، 16645 .

(34) في المخطوطة :" إن الذين أهلكوا" ، والصواب ما في المطبوعة .

(35) في المطبوعة والمخطوطة :" هذا تأويل وقول غيره من أهل التأويل ..." بزيادة" أهل" ، وهو لا يستقيم ، لأنه لو عنى ذلك لقال :" وقول غيرهما" ، لأن الراوية قبل عند عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود . ويصحح ما فعلت من حذف هذه الزيادة ، قوله بعد :" وخلافه من القول ...." .

(36) في المطبوعة و المخطوطة :" أن المرسل إليهم" بغير الفاء ، وهي واجبة في جواب الشرط من قوله :" والرسل إن جاز أن يرتابوا ... فإن المرسل إليهم ..." .

(37) الأثر : 20029 -" عثمان بن عمر بن فارس العبدي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا . وابن جريج ، هو الإمام المشهور .

و" ابن أبي مليكة" ، هو" عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة" ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة .

وهذا إسناد صحيح ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 140 ) ، من طريق إبراهيم بن موسى ، عن هشام ، عن ابن جريج .

(38) الأثر : 20030 - مكرر الذي قبله ، وهو إسناد صحيح .

(39) في المطبوعة والمخطوطة :" تظن يومًا" ، ورجحت أن هذا تصحيف من الناسخ ، لم يحسن قراءة" بربها" ، فكتب مكانها "يومًا" ، لشبه ما بينها في الرسم ، والذي في حديث البخاري :" تظن ذلك بربها" ، وهو يؤيد ما ذهبت إليه .

(40) الأثر : 20031 - بهذا الإسناد ، عن" عبد العزيز بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان" ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 277 - 279 ) ، مطولا .

ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار . وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا مستوفى في شرح هذا الحديث .

(41) الأثر : 20032 - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة .

(42) انظر تفسير "الظن" بهذا المعنى فيما سلف من فهارس اللغة ( ظنن ) .

(43) هو دريد بن الصمة .

(44) مضى البيت بغير هذه الرواية 2 : 18 ، تعليق : 1 ، وبينت ذلك هناك .

(45) " المؤمن" هي سورة غافر ، أي : سورة مؤمن آل فرعون .

(46) في المطبوعة وحدها :" وهذه القراءة" ، غير الكلام بلا معنى .

(47) في المطبوعة أسقط" مخففة" ، وكان في المخطوطة :" فننجي مخففة من نشاء بنونين" ، والذي أثبته أولى وأجود .

(48) في المخطوطة :" من نجا عذاب الله من نشاء ينجو" وفي المطبوعة :" من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو" ، زاد" من" ليستقيم الكلام . بيد أني أقطع بأن الصواب هو ما أثبت ، كما فعل في أخواتها السالفة ، وإنما زاد الناسخ ما زاد سهوًا .

المعاني :

اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ :       يَئِسُوا مِنْ أَقْوَامِهِمْ السراج
استيأس الرّسل :       يئسوا من النّصر لتطاول الزّمن معاني القرآن
وَظَنُّوا :       أَيْقَنُوا السراج
ظنّوا :       توهّم الرّسل أو حدّثتهم أنفسهم معاني القرآن
قد كُذبوا :       كذبهم رجاؤهم النّصر في الدّنيا معاني القرآن
بَاسُنَا :       عَذَابُنَا السراج

التدبر :

لمسة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ (اسْتَيْئَسَ) بمعنى يأس، استفعل لها عدة معاني؛ ومنها أن يكون بمعنى الثلاثي لكن يُراد به المبالغة والشدة والكثرة، أي بلغوا درجة أكثر من اليأس.
لمسة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ ما الفرق بين: (يئس) و(استيأس)؟ يئس: انقطع الأمل، استيأس: فيه داعٍ لانقطاع الأمل لكنه لم ينقطع بعد.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ في لحظات الشدة والكرب والانقطاع تمر خواطر عاتية لليأس هذه الخواطر ذاتها بشائر الفرج القريب.
وقفة
[110] تأمل: ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾، وقوله: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214]، فأي دلالة على شدة الكرب وعظم الخطب أبلغ من هذا؟ وأنه بلغ مبلغًا كبيرًا ظهر أثره على خيرة الخلق وهم الرسل، فجاء بعد ذلك
وقفة
[110] عن عُرْوَة أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا﴾ أَوْ (كُذِبُوا)، قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ (كُذِبُوا)، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ. [البخاري 3389].
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ﴾ يأتي النصر حين ييأس الإنسان من الناس فلا يكون في القلوب (إلا الله)، ولهذا قال (استيأس) ولم يقل:يأس.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ إذا اشتد الكرب وضاق الحال، فإن نصر الله يأتيك كغيث على أرض أرهقها الجدب.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ ونحن نبتلى في الصباح، ونريد النصر في المساء؟! وتخبرنا الآية أنه مهما اشتد الخناق وضاق الأفق (ستُفرج)، لا تيأس ستفرج، إن مع العسر يسرًا.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ هذه سنة الحياة: مراحل الأزمات وأحلك الظروف هي مناجم التغيير المكتنزة، وذلك كي لا يكون النصر رخيصًا فتكون الدعوات هزلًا.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ هذه الآية تجعل الداعية يترقب الخروج من الضيق إلى السعة، مبشرة بعيشة راضية، ومستقبل واعد، رغم المحن القاسية، والظروف المحيطة؛ فالحوادث المؤلمة مكسبة لحظوظ جليلة من نصر مرتقب، وثواب مدخر، وتطهير من ذنب، وتنبيه من غفلة، وكل ذلك خير، فـ «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ» [مسلم 2999]، فلماذا اليأس والقنوط؟ النصر: ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾، ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ لا يوجد أداة عطف بين (كُذبوا) و(جاءهم) توحي بالتريث بل النصر فورًا.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ يأتي الفرج في أحلك لحظة، في اللحظة التي تسبق يأسك بقليل، يأتيك أكبر مما كنت تظنّ، وأجمل مما كنت ترتِّب له، وأحلى مما كنت تدعو، يرقّ على ما فاتك، ويحنو على ما أوجعك.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ اليأس علامة على قرب الفرج وزوال البلاء، فلم يأتي نصره إلا بعدما استيأس الأنبياء.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ أيها الصديق اليائس حان موعد الفرج الآن.
وقفة
[110] في الحسابات المادية تكون نظرتنا للأوضاع في سوريا (مثلًا) يائسة، ولكن حسابات القرآن تختلف ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[110] بعد أشد الأوقات ظلمة يطلع الفجر ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[110] عند انسداد الفُرَج تبدو مطالع الفرج ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وقفة
[110] ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7]، عندما يشتد الظلام، ويتزايد الألم، ويبدأ اليأس يطرق الأبواب: ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ يأتي الفرج: ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ﴾ فلا يأتي الفجر إلا بعد أشد لحظات الليل ظلمة، ولا يأتي النصر بلا ابتلاء وصبر، فالذهب الخالص لا يخلص إلا بحرارة النار، وآلام المخاض وأوجاع الولادة يعقبها أُنس المولود.
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ لا يأس أبدًا .
وقفة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد، ولا بد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد، ولا بقية من طاقة، ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، يجيء النصر من عند الله، فينجو من يستحقون النجاة؛ ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون، ويحل بأس الله بالمجرمين مدمرًا ماحقًا، لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير؛ ذلك كي لا يكون النصر رخيصًا، فتكون الدعوات هزلًا، فلو كان النصر رخيصًا لقام في كل يوم دَعِيٌّ بدعوة لا تكلفه شيئًا، أو تكلفه القليل.
لمسة
[110] ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ يأتي النصر حين ييأس الإنسان من الناس فلا يكون في القلوب إلا الله, فأعظم أسباب النصر تجريد القلوب لله وحده, ولهذا قال: (اسْتَيْأَسَ) ولم يقل: (يأس).
وقفة
[110] يستبطئ بعض المسلمين النصر فيصيبهم اليأس، ولو تأملوا ماوقع لرسل الله لانبعث فيهم الفأل ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾.
وقفة
[110] ساعات البلاء قد تطول، ولحظات الفرج قد تتأخر ولكنها لا تتخلف ﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ﴾.
وقفة
[110] ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ نسب المجيئ للنصر؛ لأن النصر ينظر للقلوب، فإذا صدقت وأخلصت جاء.
وقفة
[110] ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ النصر غائب يُقبل، وليس معدومًا يوجد.
لمسة
[110] ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ نسب المجئ للنصر, فمن لطائف ذلك: أن النصر ينظر للقلوب فإذا صدقت لربها وأخلصت في توحيدها جاء النصر.
وقفة
[110] أين النمرود؟ !أين عاد؟ !وأين ثمود؟! وأين فرعون؟! كن واثقًا من وعد الله مهما طال بك الزمان، وأنه يملي لظالم فإذا أخذه لم يفلته: ﴿وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ:
  • حَتَّى: حرف غاية للابتداء وهي متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام بتقدير: وما أرسلنا من قبلك إلَّا رجالًا فتراخى نصرهم حَتَّى إِذَا استيأسوا عن النصر. إِذَا: ظرف لما يَسْتَقْبِل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه أداة شرط غير جازمة. استيأس: فعل ماضٍ مبني على الفتح بمعنى أيس أي يئس. الرسل: فاعل مرفوع بالضمة وجملة \"استيئس الرسل\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد إِذَا.
  • ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا:
  • الواو عاطفة. ظنوا: معطوفة على \"استيأس الرسل\" وهي فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم \"أنّ\" قد: حرف تحقيق. كذبوا: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. وجملة \"قد كذبوا\" في محل رفع خبر \"أنّ\". وكذبوا: بمعنى: أخلفوا ما وعدوا من النصر على الكافرين. و \"أنّ\" مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدَّ مسدّ مفعولي \"ظنوا\".
  • ﴿ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. جاء: فعل ماضٍ مبني - على الفتح و\"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. نصر: فاعل مرفوع بالضمة و \"نا\" ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ:
  • الفاء: سببية. نجّي: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. نشاء: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. وجملة \"نشاء\" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والمراد بمن نشاء: المؤمنون.
  • ﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يردّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة مبني للمجهول. بأس: نائب فاعل مرفوع بالضمة. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي لا يرد عذابنا.
  • ﴿ عَن الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بيرد. المجرمين - صفة - نعت - للقوم مجرورة مثلها وعلامة جرها: الياء لأنَّها جمع مذكر سالم. النون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

الأنعام: 34﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ
يوسف: 110﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [110] لما قبلها :     وبعد الأمر بدعوة الناس إلى توحيد الله؛ نهى اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن استعجال النصر، فإن الرسل قبله ما كان يأتيهم النصر عاجلًا، حتى إذا يئس الرسل من قومهم، وأيقنوا أنه لا أمل في إيمانهم؛ جاءهم النصر، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كذبوا:
قرئ:
1- بتخفيف الذال، مبنيا للمفعول، وهى قراءة أبى، وعلى، وابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطلحة، والأعمش.
2- بتشديد الدال، مبنيا للمفعول، وهى قراءة باقى السبعة، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وأبى رجاء، وابن أبى ملكية، والأعرج، وعائشة، بخلاف عنها.
3- بتخفيف الذال، مبنيا للفاعل أي: ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم، وهى قراءة ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
فنجى:
قرئ:
1- بنون واحدة وشد الجيم وفتح الياء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة عاصم، وابن عامر.
2- على القراءة السابقة مع إسكان الياء، وهى قراءة مجاهد، والحسن، والجحدري، وطلحة، وابن هرمز.
3- بنونين، مضارع، «أنجى» ، وهى قراءة باقى السبعة.
4- على القراءة السابقة، مع فتح الياء، وهى قراءة فرقة.
بأسنا:
وقرئ:
بأسه، بضمير الغائب، وهى قراءة الحسن.

مدارسة الآية : [111] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ..

التفسير :

[111] لقد كان في نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك وما حلَّ بالمكذبين عظة لأهل العقول السليمة. ما كان هذا القرآن حديثاً مكذوباً مختلَقاً، ولكن أنزلناه شاهداً على صدق ما تَقدَّمه من الكتب المنزَّلة وأنها من عند الله، وبياناً لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل و

{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ} أي:قصص الأنبياء والرسل مع قومهم،{ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي:يعتبرون بها، أهل الخير وأهل الشر، وأن من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة أو إهانة، ويعتبرون بها أيضا، ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة، وأنه الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له.

وقوله:{ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي:ما كان هذا القرآن الذي قص الله به عليكم من أنباء الغيب ما قص من الأحاديث المفتراة المختلقة،{ وَلَكِنْ} كان{ تصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب السابقة، يوافقها ويشهد لها بالصحة،{ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه، ومن الأدلة والبراهين.

{ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فإنهم - بسبب ما يحصل لهم به من العلم بالحق وإيثاره - يحصل لهم الهدى، وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والآجل تحصل لهم الرحمة.

فصل

في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة التي قال الله في أولها{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} وقال{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} وقال في آخرها{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد.

فمن ذلك، أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها وأبينها، لما فيها من أنواع التنقلات، من حال إلى حال، ومن محنة إلى محنة، ومن محنة إلى منحة ومنَّة، ومن ذل إلى عز، ومن رقٍّ إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى إقرار، فتبارك من قصها فأحسنها، ووضحها وبيَّنها.

ومنها:أن فيها أصلا لتعبير الرؤيا، وأن علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وإن أغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة، فإن رؤيا يوسف التي رأى أن الشمس والقمر، وأحد عشر كوكبا له ساجدين، وجه المناسبة فيها:أن هذه الأنوار هي زينة السماء وجمالها، وبها منافعها، فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة للأرض وجمال، وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الأنوار، ولأن الأصل أبوه وأمه، وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورا وجرما، لما هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته.

ومن المناسبة أن الشمس لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكوا كب مذكرات، فكانت لأبيه وإخوته،.ومن المناسبة أن الساجد معظم محترم للمسجود له، والمسجود [له] معظم محترم، فلذلك دل ذلك على أن يوسف يكون معظما محترما عند أبويه وإخوته.

ومن لازم ذلك أن يكون مجتبى مفضلا في العلم والفضائل الموجبة لذلك، ولذلك قال له أبوه:{ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث} ومن المناسبة في رؤيا الفتيين، أنه أول رؤيا، الذي رأى أنه يعصر خمرا، أن الذي يعصر في العادة، يكون خادما لغيره، والعصر يقصد لغيره، فلذلك أوَّله بما يؤول إليه، أنه يسقي ربه، وذلك متضمن لخروجه من السجن.

وأوَّل الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، بأن جلدة رأسه ولحمه، وما في ذلك من المخ، أنه هو الذي يحمله، وأنه سيبرز للطيور، بمحل تتمكن من الأكل من رأسه، فرأى من حاله أنه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه، وذلك لا يكون إلا بالصلب بعد القتل.

وأوَّل رؤيا الملك للبقرات والسنبلات، بالسنين المخصبة، والسنين المجدبة، ووجه المناسبة أن الملك، به ترتبط أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد، وكذلك السنون بها صلاح أحوال الرعية، واستقامة أمر المعاش أو عدمه.

وأما البقر فإنها تحرث الأرض عليها، ويستقى عليها الماء، وإذا أخصبت السنة سمنت، وإذا أجدبت صارت عجافا، وكذلك السنابل في الخصب، تكثر وتخضر، وفي الجدب تقل وتيبس وهي أفضل غلال الأرض.

ومنها:ما فيها من الأدلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قصَّ على قومه هذه القصة الطويلة، وهو لم يقرأ كتب الأولين ولا دارس أحدا.

يراه قومه بين أظهرهم صباحا ومساء، وهو أمِّيٌّ لا يخط ولا يقرأ، وهي موافقة، لما في الكتب السابقة، وما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون.

ومنها:أنه ينبغي البعد عن أسباب الشر، وكتمان ما تخشى مضرته، لقول يعقوب ليوسف{ يا بني لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} ومنها:أنه يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله:{ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}

ومنها:أن نعمة الله على العبد، نعمة على من يتعلق به من أهل بيته وأقاربه وأصحابه، وأنه ربما شملتهم، وحصل لهم ما حصل له بسببه، كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} ولما تمت النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز والتمكين في الأرض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف.

ومنها:أن العدل مطلوب في كل الأمور، لا في معاملة السلطان رعيته ولا فيما دونه، حتى في معاملة الوالد لأولاده، في المحبة والإيثار وغيره، وأن في الإخلال بذلك يختل عليه الأمر، وتفسد الأحوال، ولهذا، لما قدم يعقوب يوسف في المحبة وآثره على إخوته، جرى منهم ما جرى على أنفسهم، وعلى أبيهم وأخيهم.

ومنها:الحذر من شؤم الذنوب، وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم، فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه، احتالوا لذلك بأنواع من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون، ولا تستبعد أنه قد كثر البحث فيها في تلك المدة، بل لعل ذلك اتصل إلى أن اجتمعوا بيوسف، وكلما صار البحث، حصل من الإخبار بالكذب، والافتراء، ما حصل، وهذا شؤم الذنب، وآثاره التابعة والسابقة واللاحقة.

ومنها:أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية، فإن أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر، مما هو أكبر أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والسماح التام من يوسف ومن أبيهم، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، وإذا سمح العبد عن حقه، فالله خير الراحمين.

ولهذا - في أصح الأقوال - أنهم كانوا أنبياء لقوله تعالى:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر وذريتهم، ومما يدل على ذلك أن في رؤيا يوسف، أنه رآهم كواكب نيرة، والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الأنبياء، فإن لم يكونوا أنبياء فإنهم علماء هداة.

ومنها:ما منَّ الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم، ومكارم الأخلاق، والدعوة إلى الله وإلى دينه، وعفوه عن إخوته الخاطئين عفوا بادرهم به، وتمم ذلك بأن لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به.

ثم برُّه العظيم بأبويه، وإحسانه لإخوته، بل لعموم الخلق.

ومنها:أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، فإن إخوة يوسف، لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضا، وقال قائل منهم:{ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} كان قوله أحسن منهم وأخف، وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير.

ومنها:أن الشيء إذا تداولته الأيدي وصار من جملة الأموال، ولم يعلم أنه كان على غير وجه الشرع، أنه لا إثم على من باشره ببيع أو شراء، أو خدمة أو انتفاع، أو استعمال، فإن يوسف عليه السلام باعه إخوته بيعا حراما لا يجوز، ثم ذهبت به السيارة إلى مصر فباعوه بها، وبقي عند سيده غلاما رقيقا، وسماه الله شراء ، وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم.

ومنها:الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة، والحذر أيضا من المحبة التي يخشى ضررها، فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى، بسبب توحّدها بيوسف، وحبها الشديد له، الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه، فسجن بسببها مدة طويلة.

ومنها:أن الهمَّ الذي همَّ به يوسف بالمرأة ثم تركه لله، مما يقربه إلى الله زلفى، لأن الهمّ داع من دواعي النفس الأمارة بالسوء، وهو طبيعة لأغلب الخلق، فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته، غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى. فكان ممن{ خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم:"رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال:إني أخاف الله"وإنما الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه، ويصير عزما، ربما اقترن به الفعل.

ومنها:أن من دخل الإيمان قلبه، وكان مخلصا لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه، وصدق إخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله.{ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} على قراءة من قرأها بكسر اللام، ومن قرأها بالفتح، فإنه من إخلاص الله إياه، وهو متضمن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلص عمله لله أخلصه الله، وخلصه من السوء والفحشاء.

ومنها:أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلا فيه فتنة وأسباب معصية، أن يفر منه ويهرب غاية ما يمكنه، ليتمكن من التخلص من المعصية، لأن يوسف عليه السلام -لما راودته التي هو في بيتها- فر هاربا، يطلب الباب ليتخلص من شرها، ومنها:أن القرائن يعمل بها عند الاشتباه، فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من أواني الدار، فما يصلح للرجل فإنه للرجل، وما يصلح للمرأة فهو لها، إذا لم يكن بينة، وكذا لو تنازع نجار وحداد في آلة حرفتهما من غير بينة، والعمل بالقافة في الأشباه والأثر، من هذا الباب، فإن شاهد يوسف شهد بالقرينة، وحكم بها في قد القميص، واستدل بقدِّه من دبره على صدق يوسف وكذبها.

ومما يدل على هذه القاعدة، أنه استدل بوجود الصُّواع في رحل أخيه على الحكم عليه بالسرقة، من غير بينة شهادة ولا إقرار، فعلى هذا إذا وجد المسروق في يد السارق، خصوصا إذا كان معروفا بالسرقة، فإنه يحكم عليه بالسرقة، وهذا أبلغ من الشهادة، وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر، أو وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد، حاملا فإنه يقام بذلك الحد، ما لم يقم مانع منه، ولهذا سمى الله هذا الحاكم شاهدا فقال:{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}

ومنها:ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن،.فإن جماله الظاهر، أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب، وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على ذلك أن قطعن أيديهن وقلن{ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} وأما جماله الباطن، فهو العفة العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها، وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته، ولهذا قالت امرأة العزيز:{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} وقالت بعد ذلك:{ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} وقالت النسوة:{ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}

ومنها:أن يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية، فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين - إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية - أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان، أن يكره العبد أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار.

ومنها:أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، لقول يوسف عليه السلام:{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}

ومنها:أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصية ضارا لصاحبه.

ومنها:أنه كما على العبد عبودية لله في الرخاء، فعليه عبودية له في الشدة، فــ "يوسف"عليه السلام لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن، استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك، ومن فطنته عليه السلام أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته، حيث ظنا فيه الظن الحسن وقالا له:{ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وأتياه لأن يعبر لهما رؤياهما، فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده - رأى ذلك فرصة فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما ليكون أنجح لمقصوده، وأقرب لحصول مطلوبه، وبين لهما أولا، أن الذي أوصله إلى الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم، إيمانه وتوحيده، وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وهذا دعاء لهما بالحال، ثم دعاهما بالمقال، وبين فساد الشرك وبرهن عليه، وحقيقة التوحيد وبرهن عليه.

ومنها:أنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأنه إذا سئل المفتي، وكان السائل حاجته في غير سؤاله أشد أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته، وحسن إرشاده وتعليمه، فإن يوسف - لما سأله الفتيان عن الرؤيا - قدم لهما قبل تعبيرها دعوتهما إلى الله وحده لا شريك له.

ومنها:أن من وقع في مكروه وشدة، لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين:{ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}

ومنها:أنه ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الإخلاص التام في تعليمه وأن لا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة أحد في مال أو جاه أو نفع، وأن لا يمتنع من التعليم، أو لا ينصح فيه، إذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم، فإن يوسف عليه السلام قد قال، ووصى أحد الفتيين أن يذكره عند ربه، فلم يذكره ونسي، فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف أرسلوا ذلك الفتى، وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا، فلم يعنفه يوسف، ولا وبخه، لتركه ذكره بل أجابه عن سؤاله جوابا تاما من كل وجه.

ومنها:أنه ينبغي للمسئول أن يدل السائل على أمر ينفعه مما يتعلق بسؤاله، ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه، فإن هذا من كمال نصحه وفطنته، وحسن إرشاده، فإن يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك، بل دلهم - مع ذلك - على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع، وكثرة جبايته.

ومنها:أنه لا يلام الإنسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه، وطلب البراءة لها، بل يحمد على ذلك، كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ومنها:فضيلة العلم، علم الأحكام والشرع، وعلم تعبير الرؤيا، وعلم التدبير والتربية؛ وأنه أفضل من الصورة الظاهرة، ولو بلغت في الحسن جمال يوسف، فإن يوسف - بسبب جماله - حصلت له تلك المحنة والسجن، وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الأرض، فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته.

ومنها:أن علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين:{ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} وقال الملك:{ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} وقال الفتى ليوسف:{ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ} الآيات،.فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم.

ومنها:أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل، إذا كان في ذلك مصلحة، ولم يقصد به العبد الرياء، وسلم من الكذب، لقول يوسف:{ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وكذلك لا تذم الولاية، إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها، إذا كان أعظم كفاءة من غيره، وإنما الذي يذم، إذا لم يكن فيه كفاية، أو كان موجودا غيره مثله، أو أعلى منه، أو لم يرد بها إقامة أمر الله، فبهذه الأمور، ينهى عن طلبها، والتعرض لها.

ومنها:أن الله واسع الجود والكرم، يجود على عبده بخير الدنيا والآخرة، وأن خير الآخرة له سببان:الإيمان والتقوى، وأنه خير من ثواب الدنيا وملكها، وأن العبد ينبغي له أن يدعو نفسه، ويشوقها لثواب الله، ولا يدعها تحزن إذا رأت أهل الدنيا ولذاتها، وهي غير قادرة عليها، بل يسليها بثواب الله الأخروي، وفضله العظيم لقوله تعالى:{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}

ومنها:أن جباية الأرزاق - إذا أريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم - لا بأس بها، لأن يوسف أمرهم بجباية الأرزاق والأطعمة في السنين المخصبات، للاستعداد للسنين المجدبة، وأن هذا غير مناقض للتوكل على الله، بل يتوكل العبد على الله، ويعمل بالأسباب التي تنفعه في دينه ودنياه.

ومنها:حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الأرض، حتى كثرت عندهم الغلات جدا حتى صار أهل الأقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها، لعلمهم بوفورها فيها، وحتى إنه كان لا يكيل لأحد إلا مقدار الحاجة الخاصة أو أقل، لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله.

ومنها:مشروعية الضيافة، وأنها من سنن المرسلين، وإكرام الضيف لقول يوسف لإخوته{ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}

ومنها:أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم، فإن يعقوب قال لأولاده بعد ما امتنع من إرسال يوسف معهم حتى عالجوه أشد المعالجة، ثم قال لهم بعد ما أتوه، وزعموا أن الذئب أكله{ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} وقال لهم في الأخ الآخر:{ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} ثم لما احتبسه يوسف عنده، وجاء إخوته لأبيهم قال لهم:{ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} فهم في الأخيرة - وإن لم يكونوا مفرطين - فقد جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن قال ما قال، من غير إثم عليه ولا حرج.

ومنها:أن استعمال الأسباب الدافعة للعين أوغيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها، غير ممنوع، بل جائز، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء وقدر، فإن الأسباب أيضا من القضاء والقدر، لأمر يعقوب حيث قال لبنيه:{ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}

ومنها:جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يحمد عليه العبد، وإنما الممنوع، التحيل على إسقاط واجب، أو فعل محرم.

ومنها:أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره، بأمر لا يحب أن يطلع عليه، أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب، كما فعل يوسف حيث ألقى الصُّواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه، موهما أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته، وقال بعد ذلك:{ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} ولم يقل "من سرق متاعنا"وكذلك لم يقل "إنا وجدنا متاعنا عنده"بل أتى بكلام عام يصلح له ولغيره، وليس في ذلك محذور، وإنما فيه إيهام أنه سارق ليحصل المقصود الحاضر، وأنه يبقى عند أخيه وقد زال عن الأخ هذا الإيهام بعد ما تبينت الحال.

ومنها:أنه لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه، وتحققه إما بمشاهدة أو خبر من يثق به، وتطمئن إليه النفس لقولهم:{ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}

ومنها:هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف، الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، ويحزنه ذلك أشد الحزن، فحصل التفريق بينه وبينه مدة طويلة، لا تقصر عن خمس عشرة سنة، ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة{ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} ثم ازداد به الأمر شدة، حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني شقيق يوسف، هذا وهو صابر لأمر الله، محتسب الأجر من الله، قد وعد من نفسه الصبر الجميل، ولا شك أنه وفى بما وعد به، ولا ينافي ذلك، قوله:{ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه، الشكوى إلى المخلوقين.

ومنها:أن الفرج مع الكرب؛ وأن مع العسر يسرا، فإنه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به إلى أنهى ما يكون، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب ومسهم الضر، أذن الله حينئذ بالفرج، فحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة واضطرارا، فتم بذلك الأجر وحصل السرور، وعلم من ذلك أن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء، والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد - بذلك - إيمانهم ويقينهم وعرفانهم.

ومنها:جواز إخبار الإنسان بما يجد، وما هو فيه من مرض أو فقر ونحوهما، على غير وجه التسخط، لأن إخوة يوسف قالوا:{ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} ولم ينكر عليهم يوسف.

ومنها:فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة أهلهما، أحسن العواقب، لقوله:{ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

ومنها:أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال، أن يعترف بنعمة الله عليه، وأن لا يزال ذاكرا حاله الأولى، ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها، لقول يوسف عليه السلام:{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}

ومنها:لطف الله العظيم بيوسف، حيث نقله في تلك الأحوال، وأوصل إليه الشدائد والمحن، ليوصله بها إلى أعلى الغايات ورفيع الدرجات.

ومنها:أنه ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائما في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك، ويسأل الله حسن الخاتمة، وتمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسلام:{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}

فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة، ولا بد أن يظهر للمتدبر المتفكر غير ذلك.

فنسأله تعالى علما نافعا وعملا متقبلا، إنه جواد كريم.

تم تفسير سورة يوسف وأبيه وإخوته عليهم الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين.

ثم ختم- سبحانه- هذه السورة الكريمة بقوله لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ أى: لقد كان في قصص أولئك الأنبياء الكرام وما جرى لهم من أقوامهم، عبرة وعظة لأصحاب العقول السليمة، والأفكار القويمة، بسبب ما اشتمل عليه هذا القصص من حكم وأحكام، وآداب وهدايات.

وما كانَ هذا المقصوص في كتاب الله- تعالى- حَدِيثاً يُفْتَرى أى يختلق.

وَلكِنْ كان تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب السابقة عليه، كالتوراة والإنجيل والزبور، فهو المهيمن على هذه الكتب، والمؤيد لما فيها من أخبار صحيحة، والمبين لما وقع فيها من تحريف وتغيير، والحاكم عليها بالنسخ أو بالتقرير.

وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ أى: وكان في هذا الكتاب- أيضا- تفصيل وتوضيح كل شيء من الشرائع المجملة التي تحتاج إلى ذلك.

وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: وكان هداية تامة، ورحمة شاملة، لقوم يؤمنون به، ويعملون بما فيه من أمر ونهى، وينتفعون بما اشتمل عليه من وجوه العبر والعظات.

وبعد: فهذا تفسير لسورة يوسف- عليه السلام- تلك السورة الزاخرة بالحكم والأحكام، وبالآداب والأخلاق، وبالمحاورات والمجادلات، وبأحوال النفوس البشرية في حبها وبغضها، وعسرها ويسرها، وخيرها وشرها. وعطائها ومنعها وسرها وعلانيتها، ورضاها وغضبها، وحزنها وسرورها..

أسأل الله- تعالى- أن ينفعنا بهدى كتابه، وأن يجعله شفيعا لنا يوم نلقاه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

يقول تعالى : لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم ، وكيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين ( عبرة لأولي الألباب ) وهي العقول ، ( ما كان حديثا يفترى ) أي : وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله ، أي : يكذب ويختلق ، ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي : من الكتب المنزلة من السماء ، وهو يصدق ما فيها من الصحيح ، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير ، ( وتفصيل كل شيء ) من تحليل وتحريم ، ومحبوب ومكروه ، وغير ذلك من الأمر بالطاعات والواجبات والمستحبات ، والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات ، والإخبار عن الأمور على الجلية ، وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية ، والإخبار عن الرب تبارك وتعالى بالأسماء والصفات ، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقات ، فلهذا كان : ( هدى ورحمة لقوم يؤمنون ) تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد ، ومن الضلالة إلى السداد ، ويبتغون به الرحمة من رب العباد ، في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد . فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم في الدنيا والآخرة ، يوم يفوز بالربح المبيضة وجوههم الناضرة ، ويرجع المسودة وجوههم بالصفقة الخاسرة .

آخر تفسير سورة يوسف ، ولله الحمد والمنة وبه المستعان وعليه التكلان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

القول في تأويل قوله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. (49) وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن , وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته , وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد المدة الطويلة , وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به , أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم، (50) فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان.

* * *

وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته.

* ذكر الرواية بذلك:

20038 - حدثنا محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: ( لقد كان في قصصهم عبرة ) ، ليوسف وإخوته.

20039 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته.

20040 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

20041 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قوله: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) ، قال: يوسف وإخوته.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته , ومع ذلك أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب , أنَّ قصصهم لهم عبرة , وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك , فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه. (51) والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [من] رواية ابن جريج (52) أشبه به أن تكون من قوله ; لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك.

* * *

وقوله: ( ما كان حديثًا يفترى ) ، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، (53) كما:-

20042 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( ما كان حديثًا يفترى ) ، و " الفرية ": الكذب.

* * *

، ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنـزلها قبله على أنبيائه , كالتوراة والإنجيل والزبور , يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله، كما:-

20043 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله , ويشهد عليها.

* * *

وقوله: ( وتفصيل كل شيء ) ، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. (54)

* * *

وقوله: ( وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) ، يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره , ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه، (55) إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته ، " ورحمة " لمن آمن به وعمل بما فيه , ينقذه من سخط الله وأليم عذابه , ويورِّثه في الآخرة جنانه، والخلودَ في النعيم المقيم ، ( لقوم يؤمنون ) ، يقول: لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده، وأمره ونهيه , فيعملون بما فيه من أمره، وينتهون عما فيه من نهيه .

* * *

آخر تفسير سورة يوسف

صلَّى الله عليه وسلم (56)

-------------------------

الهوامش:

(49) انظر تفسير" القصص" فيما سلف 15 : 558 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

، وتفسير" العبرة" فيما سلف 6 : 242 ، 243 .

(50) في المطبوعة :" أن يفعل مثله" ، أساء قراءة المخطوطة ، وزاد" أن" من عند نفسه .

(51) قوله :" أشبه" ليست في المخطوطة ، لأنها مضطربة هنا ، وهي زيادة حكمية .

(52) زدت" من" بين القوسين ليستقيم الكلام ، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة .

(53) انظر تفسير" الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .

(54) انظر تفسير" التفصيل" فيما سلف من فهرس اللغة ( فصل ) .

(55) في المطبوعة :" ورشاد من جهل ..." وفي المخطوطة :" ورشاده من جهل" ، فجعلتها" لمن جهل" ، وهو صواب إن شاء الله .

(56) في المخطوطة هنا ، بعد هذا ، ما نصه

المعاني :

عبرة :       عظة و تذكرة معاني القرآن
يُفترى :       يُختلق معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ لن تعيش مئات الأعوام، لكنك تستطيع الحصول على خبرة مئات الأعوام، وذلك بالنظر في قصص السابقين وتجارب الماضين، وصدق الشاعر: لَيْـــــــسَ بِإِنْسَـــــانٍ وَلَا عَاقِــلٍ ... مَنْ لَا يَعِي التَّارِيخَ فِي صَدْرِهْ وَمَنْ وَعِيَ أَحْوَالَ مَنْ قَدْ مَضَى ... أَضَافَ أَعْمَـــارًا إِلَي عُمْــــرِهْ
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ في قصة يوسف أنواع من العبرة للمظلوم، والمحسود والمبتلى بدواعي الفواحش والذنوب، وغير ذلك.
وقفة
[111] لا يُلتفت إلى غرائب القصاص وشواذهم، إنما ماوافق الكتاب والسنة قبلناه، فالقصة لها أثر كبير في التعليم والدعوة وقد استخدمها القرآن والسنة، فاقصص القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [3]، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾.
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ ما من شيء يبعث السلوى في القلب المحزون كقصص القرآن، ففيها العبرة والتثبيت على الحق وتقوية الأمل بفرج الله، فمن قصصهم التوحيد والولاء والبراء والتضحيات واليقين وحسن الظن بالله وغيرها لكنها: ﴿لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ جعل ﷻ ثلث القرآن قصصًا حتى يستقرئ المسلمون سنن الله ﷻ في الأقوام السابقين.
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ خلاصة الخلاصة؛ قال ابن الجوزي: «قرأت سورة يوسف عليه السلام، فتعجبت من مدحه عليه السلام على صبره، وشرح قصته للناس، ورفع قدره بترك ما ترك، فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفة للهوى المكروه، فقلت: واعجبًا! لو وافق هواه، من کان يکون؟! ولما خالفه لقد صار أمره عظيمًا؛ تُضرب الأمثال بصبره، ويُفتخر على الخلق باجتهاده، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة، فيا له عزًا وفخرًا أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب».
وقفة
[111] ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ إن القول بأن قصص القرآن هي مجرد تاريخ، كلام باطل ينزه القرآن عنه! بل قصصه شذور من التاريخ، تعلم الناس كيف ينتفعون بالتاريخ!
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ قال القشيري: «عبرة منها للملوك في بسط العدل کما بسط يوسف عليه السلام، وتأمينهم أحوال الرعية كما فعل يوسف حين أحسن إليهم، وعبرة في قصصهم لأرباب التقوى، فإن يوسف لما ترك هواه رقاه الله إلى ما رقاه، وعبرة لأهل الهوى في اتباع الهوى من شدة البلاء، کامرأة العزيز لما اتبعت هواها لقيت الضر والفقر، وعبرة للمماليك في حضرة السادة، كيوسف لما حفظ حرمة زليخا مُلِك مُلك العزيز، وصارت زليخا امرأته حلالًا، وعبرة في العفو عند المقدرة، كيوسف عليه السلام حين تجاوز عن إخوته، وعبرة في ثمرة الصبر، فيعقوب لما صبر على مقاساة حزنه ظفر يومًا بلقاء يوسف عليه السلام».
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ قصص القرآن تعطيك رسالة، أن كل صاحب حق ومبدأ وإن طال عليه البلاء، فهو المنتصر بالنهاية.
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أفاد أن من عمل مثل أعمالهم جوزي مثل جزائهم.
وقفة
[111] افتتحت سورة يوسف بـ ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [3]، وتضمنت أحداث عدة ليوسف: منها حسد إخوة يوسف، وعليه تم الاتفاق على إلقاءه في البئر، ولولا إلقاءه في البئر لما بيع للعزيز، ولولا بيعه للعزيز لما تعرض لفتنة المرأة، ولولا فتنة المرأة لما سُجن، ولولا السجن لما استخلصه الملك لنفسه، ولولا استخلاص الملك له لما احتاج إليه إخوته وعرفوا زللهم وشؤمه، وكل ما سبق هو بقدر الله للكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل، وبين سطور ماسبق تجد أن الآية المستصحبة للحال: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [90]، فعلًا ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، فاختتمت بنفس ما افتتحت به.
وقفة
[111] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ والهُدى الذي في القصص: العبر الباعثة على الإيمان والتقوى بمشاهدة ما جاء من الأدلة في أثناء القصص على أن المتصرف هو الله تعالى، وعلى أن التقوى هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، وكذلك الرحمة؛ فإن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم.
وقفة
[111] تناسب فواتح سورة يوسف مع خواتيمها: قال تعالى في أولها: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [3]، وقال في الخاتمة: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗمَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، إذن هذا أحسن القصص.
وقفة
[111] ختمت يوسف بـ ﴿عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، وختمت إبراهيم بـ ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [إبراهيم: 52]، وصفاتهم في الرعد بينهما.
وقفة
[111] ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كل شئ يحتاجه القلب لهدايته، وكل ما تحتاجه النفس لاستقامتها، وكل ما يتطلع إليه المجتمع لصلاحه؛ فهل من مدكر؟!
وقفة
[111] ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ليس هدى ورحمة للجميع، بل للمؤمنين فحسب؛ ولذا لا ينتفع الجميع بالقرآن، فمن لا يفهم ما يقرأ: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: 5]، والبعض كالحمار الوحشي يهرب من القرآن إذا سمعه: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ [المدثر: 50]، أمثال هؤلاء لا يهتدون بالقرآن.
عمل
[111] بعد قراءتك لسورة يوسف استخرج منها خمس فوائد تؤثر في حياتك.
وقفة
[111] السورة أرسلت لنا عدة رسائل، من أهمها: -أن الابتلاء نازل بالعبد لا محالة. -أن الكرب على شدته إلا أنه سيزول ولو طال أمده . -كلما أحسن العبد الظَّن بربه واقترب منه؛ كلما تحققت له من الكرامات مالم يدر في خلده . - عاقبة التقوى والصبر . - جزاء الإحسان وحسن الخلق. -البر سواء من الأبناء للآباء أو الآباء للأبناء . -شؤم المعصية . - التفريعات الاقتصادية في قضية جدب الأرض بمصر . - تأويل الرؤى . - العفو عند المقدرة وثمرته . - الافتقار إلى الله وأمنية الصالحين . وغيرها.
وقفة
[111] ابعث الروح لتتفيأ في ظلال سورة يوسف؛ لترتوي فألًا، وترتدي حلة سكينة لا تبلى، هي سلوة المحزون، فيها معالم الاستقرار النفسي، صبر جميل، وشكوى للرب الجليل، وتوكل على السميع العليم، ورضا بقضاء الحكيم، ودعاء الرب المجيب.
وقفة
[111] قال ابن الجوزي: «قرأت سورة يوسف، فتعجبت من مدحه على صبره، وشرح قصته للناس، ورفع قدره، فتأملت خبيئة الأمر، فإذا هي مخالفته للهوى المكروه، فقلت: واعجبًا لو وافق هواه؛ من كان يكون؟ ولـمَّـا خالفه لقد صار أمرًا عظيمًا تضرب الأمثال بصبره، ويفتخر على الخلق باجتهاده، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزًا وفخرًا، أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب».

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ:
  • اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. في قصص: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"كان\" مقدم و\"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ:
  • عبرة: اسم \"كان\" مؤخر مرفوع بالضمة. أي موعظة. لأولي: أي لأصحاب: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"عبرة\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهي بمعنى \"ذوي\" لا واحد لها وقيل هي اسم جمع واحدة: ذو بمعنى: صاحب الْأَلْبَابِ: مضاف إليه مجرور بالكسرة وهي بمعنى: العقول مفردها: لب وهو العقل ومعنى \"في قصصهم\" أي في قصص الأنبياء
  • ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى:
  • ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. أي ما كان هذا القرآن. حديثًا: خبر \"كان\" منصوب بالفتحة. يفترى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"يفترى\" في محل نصب صفة - نعت - لحديثًا.
  • ﴿ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • الواو: حرف زائد. لكن: مخففة لا عمل لها وهي حرف استدراك. تصديق خبر \"كان\" بتقدير: ما كان هذا القرآن حديثًا يفترى ولكن كان تصديق. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بصلة الموصول المحذوفة بتقدير الذي استقر أو هو مستقر بين يديه: وهو مضاف. يديه: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة أي تصديق الكتب التي تقدمته أو تصديق الذي قبله من الكتب السماوية.
  • ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً:
  • الأسماء معطوفة بواوات العطف على \"تصديق\" وهي منصوبة بالفتحة مثله. كلّ: مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور بالكسرة المنونة والفتحة علامة نصب\"هدى\" مقدرة على الألف للتعذر قبل تنوينها ونونت لأنَّها اسم ثلاثي نكرة.
  • ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"رحمة\". يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة \"يؤمنون\" في محل جر صفة - نعت - للموصوف - المعطوف عليه - قوم. '

المتشابهات :

يونس: 37﴿وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
يوسف: 111﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [111] لما قبلها :     وبعد عرض أحداث قصة يوسف عليه السلام وما فيها من دروس وعبر؛ ختمَ اللهُ عز وجل السورةَ ببيان الغرض من قصص الأنبياء الكرام، وهو العبرة والعظة لأصحاب العقول السليمة؛ لأنهم هم الذين يتفكرون ويعتبرون ويتعظون بما حدث لغيرهم، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قصصهم:
وقرئ:
بكسر القاف، وهو قراءة أحمد بن جبير الأنطاكى.
تصديق ... وتفصيل ... وهدى ورحمة:
قرئت:
1- برفعها، وهى قراءة حمران بن أعين، وعيسى الكوفي.
2- بنصبها، وهى قراءة الجمهور.

البحث بالسورة

البحث في المصحف