ترتيب المصحف | 22 | ترتيب النزول | 103 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 78 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 20 | تبدأ في الجزء | 17 |
تنتهي في الجزء | 17 | عدد السجدات | 2 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 3/10 | يا أيها الناس: 2/2 |
= البيتِ الحرامِ، وما في الحجِّ من منافعَ، ذكرَ هنا ما يزيلُ الصدّ ويؤمنُ الحجَّ، وهو الإذنُ بقتالِ المشركينَ، ثُمَّ تبشيرُهم بالنَّصرِ وتمكينُهم من عدوِّهم.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ بيانِ أن المشركينَ أَخْرَجُوا المؤمنينَ من ديارِهم بغيرِ حقِّ، أتتْ هذه الآياتُ تسليةً للنبي ﷺ، فقد كان قبلَه أنبياءٌ كُذِّبُوا، ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ مصيرَ الأممِ الظَّالمةِ، ووَبَّخَ المشركينَ الذينَ لا يعتبرُونَ ولا يتعظُونَ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم، لحكمة إلهية، فلما هاجروا إلى المدينة، وأوذوا، وحصل لهم منعة وقوة، أذن لهم بالقتال، قال تعالى:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين، فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلون، وإنما أذن لهم، لأنهم ظلموا، بمنعهم من دينهم، وأذيتهم عليه، وإخراجهم من ديارهم.{ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} فليستنصروه، وليستعينوا به .
ثم رخص- سبحانه- للمؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا....
وقوله- تعالى- أُذِنَ فعل ماض مبنى للمجهول مأخوذ من الإذن بمعنى الإباحة والرخصة. والمقصود إباحة مشروعية القتال، وقد قالوا: بأن هذه الآيات أول ما نزل في شأن مشروعية القتال.
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس قال: لما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم ليهلكن، فنزلت هذه الآيات.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي أُذِنَ بالبناء الفاعل. والمأذون لهم فيه هو القتال، وهو محذوف في قوة المذكور بدليل قوله يُقاتَلُونَ والباء في قوله بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا للسببية.
أى: أذن الله- تعالى- للمؤمنين، ورخص لهم، بأن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم، وآذوهم، واعتدوا عليه، بعد أن صبر هؤلاء المؤمنون على أذى أعدائهم صبرا طويلا.
قال الآلوسى: والمراد بالموصول أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين في مكة، فقد نقل الواحدي وغيره، أن المشركين كانوا يؤذونهم، وكانوا يأتون النبي صلّى الله عليه وسلّم بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإنى لم أومر بالقتال حتى هاجر صلّى الله عليه وسلّم فنزلت
هذه الآية. وهي أول آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية .
وقوله- تعالى-: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وعد منه- سبحانه- للمؤمنين بالنصر وحض لهم على الإقدام على الجهاد في سبيله بدون تردد أو وهن.
أى: وإن الله- تعالى- لقادر على أن ينصر عباده المؤمنين. وعلى أن يمكن لهم في الأرض، وعلى أن يجعلهم الوارثين لأعدائهم الكافرين.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ أى: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته، كما قال- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.. .
وإنما شرع- سبحانه- الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة، كان المشركون أكثر عددا. فلو أمر المسلمون بالقتال لشق ذلك عليهم ...
فلما استقروا بالمدينة. وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. .
قال العوفي ، عن ابن عباس : نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة .
وقال غير واحد من السلف هذه أول آية نزلت في الجهاد ، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية ، وقاله مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد .
وقال ابن جرير : حدثني يحيى بن داود الواسطي : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم هو البطين عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم . إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن . قال ابن عباس : فأنزل الله عز وجل : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) ، قال أبو بكر ، رضي الله تعالى عنه : فعرفت أنه سيكون قتال .
ورواه الإمام أحمد ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، به وزاد : قال ابن عباس : وهي أول آية نزلت في القتال .
ورواه الترمذي ، والنسائي في التفسير من سننيهما ، وابن أبي حاتم من حديث إسحاق بن يوسف زاد الترمذي : ووكيع ، كلاهما عن سفيان الثوري ، به . وقال الترمذي : حديث حسن ، وقد رواه غير واحد ، عن الثوري ، وليس فيه ابن عباس .
وقوله : ( وإن الله على نصرهم لقدير ) أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ، ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته ، كما قال : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم . سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) [ محمد : 4 6 ] ، وقال تعالى : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين . ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ) [ التوبة : 14 ، 15 ] ، وقال : ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) [ التوبة : 16 ] ، ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم [ الله ] الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ آل عمران : 142 ] ، وقال : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) [ محمد : 31 ] .
والآيات في هذا كثيرة; ولهذا قال ابن عباس في قوله : ( وإن الله على نصرهم لقدير ) وقد فعل .
وإنما شرع [ الله ] تعالى الجهاد في الوقت الأليق به; لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا ، فلو أمر المسلمين ، وهم أقل من العشر ، بقتال الباقين لشق عليهم; ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا نيفا وثمانين ، قالوا : يا رسول الله ، ألا نميل على أهل الوادي يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لم أؤمر بهذا " . فلما بغى المشركون ، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، وهموا بقتله ، وشردوا أصحابه شذر مذر ، فذهب منهم طائفة إلىالحبشة ، وآخرون إلى المدينة . فلما استقروا بالمدينة ، ووافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتمعوا عليه ، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك ، فقال تعالى : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير )
يقول تعالى ذكره: أذن الله للمؤمنين الذين يقاتلون المشركين في سبيله بأن المشركين ظلموهم بقتالهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة: (أُذِنَ) بضم الألف,(يُقاتَلُونَ) بفتح التاء بترك تسمية الفاعل في أُذِنَ ويُقاتَلُون جميعًا. وقرأ ذلك بعض الكوفيين وعامة قرّاء البصرة: (أُذِنَ) بترك تسمية الفاعل, و " يُقاتِلُونَ" بكسر التاء, بمعنى يقاتل المأذون لهم في القتال المشركين. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين وبعض المكيين: " أَذِنَ" بفتح الألف, بمعنى: أذن الله, و " يُقاتِلُونَ" بكسر التاء, بمعنى: إن الذين أذن الله لهم بالقتال يقاتلون المشركين. وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعنى; لأن الذين قرءوا أُذِنَ على وجه ما لم يسمّ فاعله يرجع معناه في التأويل إلى معنى قراءة من قرأه على وجه ما سمي فاعله- وإن من قرأ يُقاتِلونَ، ويُقاتَلُون بالكسر أو الفتح, فقريب معنى أحدهما من معنى الآخر- وذلك أن من قاتل إنسانا فالذي قاتله له مقاتل, وكل واحد منهما مقاتل. فإذ كان ذلك كذلك فبأية هذه القراءات قرأ القارئ فمصيب الصواب.
غير أن أحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به: أَذِنَ بفتح الألف, بمعنى: أذن الله, لقرب ذلك من قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) أذن الله في الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم, فيردُ أذنَ على قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ ) وكذلك أحب القراءات إليّ في يُقاتِلُون كسر التاء, بمعنى: الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم, فيكون الكلام متصلا معنى بعضه ببعض.
وقد اختُلف في الذين عُنوا بالإذن لهم بهذه الآية في القتال, فقال بعضهم: عني به: نبيّ الله وأصحابه.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) يعني محمدا وأصحابه إذا أخرجوا من مكة إلى المدينة; يقول الله: ( وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) وقد فعل.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جُبير, قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة, قال رجل: أخرجوا نبيهم، فنـزلت: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) الآية الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
حدثنا يحيى بن داود الواسطي, قال: ثنا إسحاق بن يوسف, عن سفيان, عن الأعمش, عن مسلم, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم, إنا لله وإنا إليه راجعون, ليهلكنّ- قال ابن عباس: فأنـزل الله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال. وهي أوّل آية نـزلت.قال ابن داود: قال ابن إسحاق: كانوا يقرءون: (أُذِنَ) ونحن نقرأ: " أَذِنَ".
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا إسحاق, عن سفيان, عن الأعمش, عن مسلم, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نحوه, إلا أنه قال: فقال أبو بكر: قد علمت أنه يكون قتال. وإلى هذا الموضع انتهى حديثه, ولم يزد عليه.
حدثني محمد بن خلف العسقلاني, قال: ثنا محمد بن يوسف, قال: ثنا قيس بن الربيع, عن الأعمش, عن مسلم, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, قال أبو بكر: إنا لله وإنا إليه راجعون, أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله ليهلكنّ جميعا! فلما نـزلت: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا )إلى قوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ عرف أبو بكر أنه سيكون قتال.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) قال: أذن لهم في قتالهم بعد ما عفا عنهم عشر سنين. وقرأ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وقال: هؤلاء المؤمنون.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ . (1)
وقال آخرون: بل عني بهذه الآية قوم بأعيانهم كانوا خرجوا من دار الحرب يريدون الهجرة, فمنعوا من ذلك.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى- وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) قال: أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة, فكانوا يمنعون, فأذن الله للمؤمنين بقتال الكفار, فقاتلوهم.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) قال: ناس من المؤمنين خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة, وكانوا يمنعون, فأدركهم الكفار, فأذن للمؤمنين بقتال الكفار فقاتلوهم. قال ابن جُرَيج: يقول: أوّل قتال أذن الله به للمؤمنين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: في حرف ابن مسعود: " أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ" قال قَتادة: وهي أوّل آية نـزلت في القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) قال: هي أوّل آية أنـزلت في القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا. وقد كان بعضهم يزعم أن الله إنما قال: أذن للذين يقاتلون بالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكفار إذا آذوهم واشتدّوا عليهم بمكة قبل الهجرة غيلة سرّا; فأنـزل الله في ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) فَلَمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة, أطلق لهم قتلهم وقتالهم, فقال: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ). وهذا قول ذُكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت.
وقوله: ( وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) يقول جل ثناؤه: وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيل الله لقادر, وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم.
------------------------
الهوامش:
(1) لعله اختصره إن لم يكن سقط منه شيء من الناسخ ، والأصل : هم والنبي وأصحابه ، أو نحو ذلك .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} أي:ألجئوا إلى الخروج بالأذية والفتنة{ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا} أن ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤهم{ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} أي:إلا أنهم وحدوا الله، وعبدوه مخلصين له الدين، فإن كان هذا ذنبا، فهو ذنبهم كقوله تعالى:{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وهذا يدل على حكمة الجهاد، وأن المقصود منه إقامة دين الله، وذب الكفار المؤذين للمؤمنين، البادئين لهم بالاعتداء، عن ظلمهم واعتدائهم، والتمكن من عبادة الله، وإقامة الشرائع الظاهرة، ولهذا قال:{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} فيدفع الله بالمجاهدين في سبيله ضرر الكافرين،{ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} أي:لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين،{ يُذْكَرَ فِيهَا} أي:في هذه المعابد{ اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} تقام فيها الصلوات، وتتلى فيها كتب الله، ويذكر فيها اسم الله بأنواع الذكر، فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لاستولى الكفار على المسلمين، فخربوا معابدهم، وفتنوهم عن دينهم، فدل هذا، أن الجهاد مشروع، لأجل دفع الصائل والمؤذي، ومقصود لغيره، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها، من فضائل المجاهدين وببركتهم، دفع الله عنها الكافرين، قال الله تعالى:{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}
فإن قلت:نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة، وحكومة غير منظمة، مع أنهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج، بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم عامرة، وأهلها آمنون مطمئنون، مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها، والله أخبر أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لهدمت هذه المعابد، ونحن لا نشاهد دفعا.
أجيب بأن هذا السؤال والاستشكال، داخل في عموم هذه الآية وفرد من أفرادها، فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها، وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت ولايتها، وداخل في حكمها، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة، وجزء من أجزاء الحكومة، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها، أو مالها، أو عملها، أو خدمتها، فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب، الدينية والدنيوية، وتخشى إن لم تفعل ذلك أن يختل نظامها، وتفقد بعض أركانها، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم، خصوصا المساجد، فإنها -ولله الحمد- في غاية الانتظام، حتى في عواصم الدول الكبار.
وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين، مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة، فتبقى الحكومة المسلمة، التي لا تقدر تدافع عن نفسها، سالمة من [كثير] ضررهم، لقيام الحسد عندهم، فلا يقدر أحدهم أن يمد يده عليها، خوفا من احتمائها بالآخر، مع أن الله تعالى لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين، ما قد وعد به في كتابه.
وقد ظهرت -ولله الحمد- أسبابه [بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل] فنحمده ونسأله أن يتم نعمته، ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع:{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أي:يقوم بنصر دينه، مخلصا له في ذلك، يقاتل في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا.
{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي:كامل القوة، عزيز لا يرام، قد قهر الخلائق، وأخذ بنواصيهم، فأبشروا، يا معشر المسلمين، فإنكم وإن ضعف عددكم وعددكم، وقوي عدد عدوكم وعدتهم فإن ركنكم القوي العزيز، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون، فاعملوا بالأسباب المأمور بها، ثم اطلبوا منه نصركم، فلا بد أن ينصركم.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقوموا، أيها المسلمون، بحق الإيمان والعمل الصالح، فقد{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
وقوله- سبحانه-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..
بيان لبعض الأسباب التي من أجلها شرع الله الجهاد في سبيله.
أى: إن الله- تعالى- لقدير على نصر المؤمنين الذين أخرجهم الكافرون من ديارهم بغير حق، وبغير أى سبب من الأسباب، سوى أنهم كانوا يقولون ربنا الله- تعالى- وحده، ولن نعبد من دونه إلها آخر.
أى: ليس هناك ما يوجب إخراجهم- في زعم المشركين- سوى قولهم ربنا الله.
ثم حرض- سبحانه- المؤمنين على القتال في سبيله، بأن بين لهم أن هذا القتال يقتضيه نظام هذا العالم وصلاحه، فقال- تعالى-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً.
والمراد بالدفع: إذن الله المؤمنين في قتال المشركين. والمراد بقوله: بَعْضَهُمْ الكافرون. وبقوله: بِبَعْضٍ المؤمنون.
والصوامع: جمع صومعة، وهي بناء مرتفع يتخذه الرهبان معابد لهم.
والبيع: جمع بيعة- بكسر الباء- وهي كنائس النصارى التي لا تختص بالرهبان.
والصلوات: أماكن العبادة لليهود.
أى: ولولا أن الله- تعالى- أباح للمؤمنين قتال المشركين، لعاث المشركون في الأرض فسادا، ولهدموا في زمن موسى وعيسى أماكن العبادة الخاصة بأتباعهما، ولهدموا في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم المساجد التي تقام فيها الصلاة.
قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ... أى:
ولولا ما شرعه الله- تعالى- للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك.
وعطلوا ما بناه أهل الديانات من مواضع العبادات ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. فالجهاد أمر متقدم في الأمم. وبه صلحت الشرائع، واجتمعت المتعبدات، فكأنه قال: أذن في القتال فليقاتل المؤمنون. ثم قوى هذا الأمر في القتال بقوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ ... الآية أى: لولا الجهاد والقتال لتغلب أهل الباطل على أهل الحق في كل أمة .. .
فالآية الكريمة تفيد أن الله- تعالى- قد شرع القتال لإعلاء الحق وإزهاق الباطل، ولولا ذلك لاختل هذا العالم، وانتشر فيه الفساد.
والتعبير بقوله- تعالى-: لَهُدِّمَتْ بالتشديد للإشعار بأن عدم مشروعية القتال، يؤدى إلى فساد ذريع، وإلى تحطيم شديد لأماكن العبادة والطاعة لله- عز وجل-.
وقدم الصوامع والبيع والصلوات على المساجد، باعتبار أنها أقدم منها في الوجود، أو للانتقال من الشريف إلى الأشرف.
ثم ساق- سبحانه- بأسلوب مؤكد سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
أى: والله لينصرن- سبحانه- من ينصر دينه وأولياءه، لأنه- تعالى- هو القوى على كل فعل يريده، العزيز الذي لا يغالبه مغالب، ولا ينازعه منازع.
وقد أنجز- سبحانه- وعده وسنته، فسلط عباده المؤمنين من المهاجرين والأنصار، على أعدائه، فأذلوا الشرك والمشركين وحطموا دولتي الأكاسرة والقياصرة، وأورثهم أرضهم وديارهم.
( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق )
قال العوفي ، عن ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق ، يعني : محمدا وأصحابه .
( إلا أن يقولوا ربنا الله ) أي : ما كان لهم إلى قومهم إساءة ، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له . وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وأما عند المشركين فهو أكبر الذنوب ، كما قال تعالى : ( يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) [ الممتحنة : 1 ] ، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود : ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) [ البروج : 8 ] . ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ، ويقولون :
لاهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول معهم آخر كل قافية ، فإذا قالوا : " إذا أرادوا فتنة أبينا " ، يقول : " أبينا " ، يمد بها صوته .
ثم قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) أي : لولا أنه يدفع عن قوم بقوم ، ويكشف شر أناس عن غيرهم ، بما يخلقه ويقدره من الأسباب ، لفسدت الأرض ، وأهلك القوي الضعيف .
( لهدمت صوامع ) وهي المعابد الصغار للرهبان ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والضحاك ، وغيرهم .
وقال قتادة : هي معابد الصابئين . وفي رواية عنه : صوامع المجوس .
وقال مقاتل بن حيان : هي البيوت التي على الطرق .
( وبيع ) : وهي أوسع منها ، وأكثر عابدين فيها . وهي للنصارى أيضا . قاله أبو العالية ، وقتادة ، والضحاك ، وابن صخر ، ومقاتل بن حيان ، وخصيف ، وغيرهم .
وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره : أنها كنائس اليهود . وحكى السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : أنها كنائس اليهود ، ومجاهد إنما قال : هي الكنائس ، والله أعلم .
وقوله : ( وصلوات ) : قال العوفي ، عن ابن عباس : الصلوات : الكنائس . وكذا قال عكرمة ، والضحاك ، وقتادة : إنها كنائس اليهود . وهم يسمونها صلوتا .
وحكى السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : أنها كنائس النصارى .
وقال أبو العالية ، وغيره : الصلوات : معابد الصابئين .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصلوات : مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق . وأما المساجد فهي للمسلمين .
وقوله : ( يذكر فيها اسم الله كثيرا ) فقد قيل : الضمير في قوله : ( يذكر فيها ) عائد إلى المساجد; لأنها أقرب المذكورات .
وقال الضحاك : الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا .
وقال ابن جرير : الصواب : لهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود ، وهي كنائسهم ، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا; لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب .
وقال بعض العلماء : هذا ترق من الأقل إلى الأكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد ، وهي أكثر عمارا وأكثر عبادا ، وهم ذوو القصد الصحيح .
وقوله : ( ولينصرن الله من ينصره ) كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) [ محمد : 7 ، 8 ] .
وقوله : ( إن الله لقوي عزيز ) وصف نفسه بالقوة والعزة ، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وبعزته لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب ، بل كل شيء ذليل لديه ، فقير إليه . ومن كان القوي العزيز ناصره فهو المنصور ، وعدوه هو المقهور ، قال الله تعالى : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون ) [ الصافات : 171 173 ] وقال [ الله ] تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] .
يقول تعالى ذكره: أذن للذين يقاتلون ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ) فالذين الثانية ردّ على الذين الأولى. وعنى بالمخرجين من دورهم: المؤمنين الذين أخرجهم كفار قريش من مكة. وكان إخراجهم إياهم من دورهم وتعذيبهم بعضهم على الإيمان بالله ورسوله, وسبهم بعضهم بألسنتهم ووعيدهم إياهم, حتى اضطرّوهم إلى الخروج عنهم. وكان فعلهم ذلك بهم بغير حقّ، لأنهم كانوا على باطل والمؤمنون على الحقّ, فلذلك قال جل ثناؤه: ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ).
وقوله: ( إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره: لم يخرجوا من ديارهم إلا بقولهم: ربنا الله وحده لا شريك له! فأن في موضع خفض ردّا على الباء في قوله: ( بِغَيْرِ حَقٍّ ) , وقد يجوز أن تكون في موضع نصب على وجه الاستثناء.
وقوله: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولولا دفع الله المشركين بالمسلمين.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) دفع المشركين بالمسلمين.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولولا القتال والجهاد في سبيل الله.
*ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) قال لولا القتال والجهاد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعدهم من التابعين.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا إبراهيم بن سعيد, قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم, عن سيف بن عمرو, عن أبي روق, عن ثابت بن عوسجة الحضرميّ, قال: حدثني سبعة وعشرون من أصحاب عليّ وعبد الله منهم لاحق بن الأقمر, والعيزار بن جرول, وعطية القرظي, أن عليا رضي الله عنه قال: إنما أنـزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) لولا دفاع الله بأصحاب محمد عن التابعين ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ ).
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لولا أن الله يدفع بمن أوجب قبول شهادته في الحقوق تكون لبعض الناس على بعض عمن لا يجوز شهادته وغيره, فأحيا بذلك مال هذا ويوقي بسبب هذا إراقة دم هذا, وتركوا المظالم من أجله, لتظالم الناس فهدمت صوامع.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) يقول: دفع بعضهم بعضا في الشهادة, وفي الحقّ, وفيما يكون من قبل هذا. يقول: لولاهم لأهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض, لهُدم ما ذكر, من دفعه تعالى ذكره بعضهم ببعض, وكفِّه المشركين بالمسلمين عن ذلك; ومنه كفه ببعضهم التظالم, كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم; ومنه كفُّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق, ونحو ذلك. وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض, لولا ذلك لتظالموا, فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيَعهم وما سمّى جل ثناؤه. ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضا دون بعض, ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسليم له, فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بيَّنته قبل لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا.
وقوله: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالصوامع, فقال بعضهم: عني بها صوامع الرهبان.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن رفيع في هذه الآية: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) قال: صوامع الرهبان.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) قال: صوامع الرهبان.
- حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) قال: صوامع الرهبان.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) قال: صوامع الرهبان.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ) وهي صوامع الصغار يبنونها (2) وقال آخرون: بل هي صوامع الصابئين.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: (صَوَامِعُ) قال: هي للصابئين.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لَهُدّمَتْ). فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: " لَهُدِمَتْ". خفيفة. وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة والبصرة: (لَهُدّمَتْ) بالتشديد بمعنى تكرير الهدم فيها مرّة بعد مرّة. والتشديد في ذلك أعجب القراءتين إليّ. لأن ذلك من أفعال أهل الكفر بذلك.
وأما قوله (وَبِيَعٌ) فإنه يعني بها: بيع النصارى.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم مثل الذي قلنا في ذلك.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن رفيع: (وَبِيَعٌ) قال: بيع النصارى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: (وَبِيَعٌ) للنصارى.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: البِيَع: بيع النصارى.
وقال آخرون: عني بالبيع في هذا الموضع: كنائس اليهود.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث. قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: (وَبِيَعٌ) قال: وكنائس.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (وَبِيَعٌ) قال: البيع للكنائس.
قوله: (وَصَلَوَاتٌ) اختلف أهل التأويل في معناه, فقال بعضهم: عني بالصلوات الكنائس.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا محمد سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: (وَصَلَوَاتٌ) قال: يعني بالصلوات الكنائس.
حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَصَلَوَاتٌ) كنائس اليهود, ويسمون الكنيسة صلوتا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: (وَصَلَوَاتٌ) كنائس اليهود.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وقال آخرون: عنى بالصلوات مساجد الصابئين.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, قال: سألت أبا العالية عن الصلوات. قال: هي مساجد الصابئين.
قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن رفيع, نحوه.
وقال آخرون: هي مساجد للمسلمين ولأهل الكتاب بالطرق.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَصَلَوَاتٌ ) قال: مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (وَصَلَوَاتٌ) قال: الصلوات صلوات أهل الإسلام, تنقطع إذا دخل العدو عليهم, انقطعت العبادة, والمساجد تهدم, كما صنع بختنصر.
وقوله: ( وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) اختلف في المساجد التي أريدت بهذا القول, فقال بعضهم: أريد بذلك مساجد المسلمين.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن رفيع, قوله: (وَمَساجِدُ) قال: مساجد المسلمين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, قال: ثنا معمر, عن قتادة: ( وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) قال: المساجد: مساجد المسلمين يذكر فيها اسم الله كثيرا.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتاده, نحوه.
وقال آخرون: عني بقوله: (وَمَساجِدُ) الصوامع والبيع والصلوات.
* ذكر من قال ذلك:- حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: (وَمَساجِدُ) يقول في كل هذا يذكر اسم الله كثيرا, ولم يخصّ المساجد.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: الصلوات لا تهدم, ولكن حمله على فعل آخر, كأنه قال: وتركت صلوات. وقال بعضهم: إنما يعني: مواضع الصلوات. وقال بعضهم: إنما هي صلوات, وهي كنائس اليهود, تدعى بالعِبرانية: صلوتا.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: لهدِّمت صوامع الرهبان وبِيَع النصارى, وصلوات اليهود, وهي كنائسهم, ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا.
وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل ذلك; لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب المستفيض فيهم, وما خالفه من القول وإن كان له وجه فغير مستعمل فيما وجهه إليه من وجهه إليه.
وقوله: ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) يقول تعالى ذكره: وليعيننّ الله من يقاتل في سبيله, لتكون كلمته العليا على عدوّه; فنصْر الله عبده: معونته إياه, ونصر العبد ربه: جهاده في سبيله, لتكون كلمته العليا.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله لقويّ على نصر من جاهد في سبيله من أهل ولايته وطاعته, عزيز في مُلكه, يقول: منيع في سلطانه, لا يقهره قاهر, ولا يغلبه غالب.
------------------------
الهوامش:
(2) لعله وهي الصوامع الصغار : أي المعابد الصغار . . الخ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحج: 40 | ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ |
---|
الحج: 74 | ﴿مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ |
---|
الحديد: 25 | ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ |
---|
المجادلة: 21 | ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولولا دفع:
1- وهى قراءة الكوفيين، وابن عامر، وقرآ «يدافع» الآية: 38.
وقرئ:
2- ولولا دفاع، وهى قراءة الحسن، وأبى جعفر، وقرآ «يدافع» الآية: 38.
لهدمت:
وقرئ:
1- مخففا، وهى قراءة الحرميين، وأيوب، وقتادة، وطلحة، وزائدة عن الأعمش، والزعفراني.
2- مشددا، وهى قراءة باقى السبعة.
وصلوات:
1- جمع صلاة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الصاد واللام، وهى قراءة جعفر بن محمد.
3- بسكون اللام وكسر الصاد، وحكيت عن خالويه.
4- بضم الصاد وفتح اللام، وحكيت عن الجحدري.
5- بفتح الصاد وسكون اللام، وحكيت عن الكلبي، وأبى العالية.
6- صلوت، بضمتين من غير ألف، وحكيت عن الجحدري أيضا.
7- صلوتا، بضمتين من غير ألف، وفتح التاء، وألف بعدها، وحكيت عن مجاهد.
8- صلوت، بضمتين من غير ألف، وبثاء منقوطة بثلاث، وحكيت عن الضحاك.
9- صلوثا، بضمتين من غير ألف، وبثاء منقوطة بثلاث، وألف، وحكيت عن أبى رجاء، والجحدري، وأبى العالية.
10- صلويثا، بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء، منقوطة بثلاث، بعدها ألف، وهى قراءة عكرمة.
11- صلواث، بضم الصاد وسكون اللام وواو مفتوحة بعدها ألف، بعدها ثاء مثلثة النقط، وهى قراءة الجحدري أيضا.
12- صلواث على القراءة السابقة، ولكن بكسر الصاد، وهى قراءة مجاهد.
13- صلوب، بالباء الموحدة، على وزن «كعوب» ، حكاها خالويه، وابن عطية، عن الحجاج، والجحدري.
14- صلوات، كقراءة الجمهور، ولكن من غير تنوين التاء، على أنه اسم موضع، رويت عن هارون، عن أبى عمرو.
التفسير :
ثم ذكر علامة من ينصره، وبها يعرف، أن من ادعى أنه ينصر الله وينصر دينه، ولم يتصف بهذا الوصف، فهو كاذب فقال:{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي:ملكناهم إياها، وجعلناهم المتسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم، ولا معارض،{ أَقَامُوا الصَّلَاةَ} في أوقاتها، وحدودها، وأركانها، وشروطها، في الجمعة والجماعات.
{ وَآتُوا الزَّكَاةَ} التي عليهم خصوصا، وعلى رعيتهم عموما، آتوها أهلها، الذين هم أهلها،{ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا، من حقوق الله، وحقوق الآدميين،{ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} كل منكر شرعا وعقلا، معروف قبحه، والأمر بالشيء والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتم إلا به، فإذا كان المعروف والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم، أجبروا الناس على التعلم والتعليم، وإذا كان يتوقف على تأديب مقدر شرعا، أو غير مقدر، كأنواع التعزير، قاموا بذلك، وإذا كان يتوقف على جعل أناس متصدين له، لزم ذلك، ونحو ذلك مما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به.
{ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} أي:جميع الأمور، ترجع إلى الله، وقد أخبر أن العاقبة للتقوى، فمن سلطه الله على العباد من الملوك، وقام بأمر الله، كانت له العاقبة الحميدة، والحالة الرشيدة، ومن تسلط عليهم بالجبروت، وأقام فيهم هوى نفسه، فإنه وإن حصل له ملك موقت، فإن عاقبته غير حميدة، فولايته مشئومة، وعاقبته مذمومة.
ثم وصف- سبحانه- هؤلاء المؤمنين الذين وعدهم بنصره بأكرم الصفات ليميزهم عن غيرهم فقال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.
أى: ولينصرن الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، والذين من صفاتهم أنهم إذا ما مكنا لهم في الأرض، ونصرناهم على أعدائهم، شكروا لنا ما أكرمناهم به، فأقاموا الصلاة في مواقيتها بخشوع وإخلاص، وقدموا زكاة أموالهم للمحتاجين، وأمروا غيرهم بالمعروف ونهوه عن المنكر، ولله- تعالى- وحده عاقبة الأمور ومردها ومرجعها في الآخرة، فيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
فالآية الكريمة تبين أن أولى الناس بنصر الله، هم هؤلاء المؤمنون الصادقون، الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ...
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .
وقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ.. .
وبعد أن أذن الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين في القتال، وبشرهم بالنصر.. أتبع ذلك بتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من حزن بسبب تكذيب المشركين له ووبخ- سبحانه- أولئك المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال- تعالى-:
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب وهشام ، عن محمد قال : قال عثمان بن عفان : فينا نزلت : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ، فأخرجنا من ديارنا بغير حق ، إلا أن قلنا : " ربنا الله " ، ثم مكنا في الأرض ، فأقمنا الصلاة ، وآتينا الزكاة ، وأمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور ، فهي لي ولأصحابي .
وقال أبو العالية : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال الصباح بن سوادة الكندي : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول : ( الذين إن مكناهم في الأرض ) الآية ، ثم قال : إلا أنها ليست على الوالي وحده ، ولكنها على الوالي والمولى عليه ، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم ، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم ، وأن يأخذ لبعضكم من بعض ، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع ، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ولا المستكرهة ، ولا المخالف سرها علانيتها .
وقال عطية العوفي : هذه الآية كقوله : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض [ كما استخلف الذين من قبلهم ] ) [ النور : 55 ] .
وقوله : ( ولله عاقبة الأمور ) ، كقوله تعالى ( والعاقبة للمتقين ) [ القصص : 83 ] .
وقال زيد بن أسلم : ( ولله عاقبة الأمور ) : وعند الله ثواب ما صنعوا .
يقول تعالى ذكره: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا, الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة. والذين ههنا ردّ على الذين يقاتلون.
ويعني بقوله: ( إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ ) إن وطنا لهم في البلاد, فقهروا المشركين وغلبوهم عليها, وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: إن نصرناهم على أعدائهم وقهروا مشركي مكة, أطاعوا الله, فأقاموا الصلاة بحدودها، وآتوا الزكاة: يقول: وأعطوا زكاة أموالهم من جعلها الله له ( وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ) يقول: ودعوا الناس إلى توحيد الله والعمل بطاعته وما يعرفه أهل الإيمان بالله ( وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) يقول: ونهوا عن الشرك بالله، والعمل بمعاصيه، الذي ينكره أهل الحقّ والإيمان بالله ( وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ ) يقول: ولله آخر أمور الخلق، يعني: أن إليه مصيرها في الثواب عليها، والعقاب في الدار الآخرة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث, قال: ثنا الحسين الأشيب, قال: ثنا أبو جعفر عيسى بن ماهان, الذي يقال له الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, في قوله: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) قال: كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده لا شريك له; ونهيهم عن المنكر أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان. قال: فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف, ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 277 | ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ﴾ |
---|
التوبة: 5 | ﴿فَإِن تَابُواْ وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ﴾ |
---|
التوبة: 11 | ﴿فَإِن تَابُواْ وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ﴾ |
---|
الحج: 41 | ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيات من 42 و44:ـ
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب، وليسوا بأول أمة كذبت رسولها{ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} أي:قوم شعيب.{ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} المكذبين، فلم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون، وفي كفرهم وشرهم يزدادون،{ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعذاب أخذ عزيز مقتدر{ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي:إنكاري عليهم كفرهم، وتكذيبهم كيف حاله، كان أشد العقوبات، وأفظع المثلات، فمنهم من أغرقه، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلك بالريح العقيم، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة، فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون، أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم ليسوا خيرا منهم، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير
والمعنى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لأن هؤلاء المشركين قد كذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وأعرضوا عنه، فإن قوم نوح، وقوم هود. وقوم صالح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى، قد كذبوا هؤلاء الأنبياء الكرام، وما يقال لك من هؤلاء المشركين، قد قيل للرسل من قبلك.
قال- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .
واستغنى في عاد وثمود عن ذكر القوم، لاشتهارهم بهذا الاسم الذي يدل دلالة واضحة على هؤلاء الظالمين.
يقول تعالى مسليا لنبيه محمد في تكذيب من خالفه من قومه " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح- إلى أن قال - وكذب موسى " أي مع ما جاء به من الآيات البينات والدلائل الواضحات.
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله, وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السبّ والتكذيب: وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتَهم به من الحق والبرهان, وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله, فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذّبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم, فلا يصدنك ذلك, فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك, كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال. فقد كذبت قبلهم يعني مشركي قريش; قوم نوح, وقوم عاد وثمود.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 184 | ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ |
---|
الأنعام: 147 | ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ |
---|
يونس: 41 | ﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيات من 42 و44:ـ
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب، وليسوا بأول أمة كذبت رسولها{ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} أي:قوم شعيب.{ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} المكذبين، فلم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون، وفي كفرهم وشرهم يزدادون،{ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعذاب أخذ عزيز مقتدر{ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي:إنكاري عليهم كفرهم، وتكذيبهم كيف حاله، كان أشد العقوبات، وأفظع المثلات، فمنهم من أغرقه، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلك بالريح العقيم، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة، فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون، أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم ليسوا خيرا منهم، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ
يقول تعالى مسليا لنبيه محمد في تكذيب من خالفه من قومه " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح- إلى أن قال - وكذب موسى " أي مع ما جاء به من الآيات البينات والدلائل الواضحات.
وقوم إبراهيم, وقوم لوط.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيات من 42 و44:ـ
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب، وليسوا بأول أمة كذبت رسولها{ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} أي:قوم شعيب.{ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} المكذبين، فلم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون، وفي كفرهم وشرهم يزدادون،{ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعذاب أخذ عزيز مقتدر{ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي:إنكاري عليهم كفرهم، وتكذيبهم كيف حاله، كان أشد العقوبات، وأفظع المثلات، فمنهم من أغرقه، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلك بالريح العقيم، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة، فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون، أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم ليسوا خيرا منهم، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير
وقال- سبحانه-: وَأَصْحابُ مَدْيَنَ ولم يقل وقوم شعيب، لأنهم هم الأسبق في التكذيب له- عليه السلام- على أصحاب الأيكة، ولأنهم هم أهله أما أصحاب الأيكة فكانوا غرباء عنه.
وقال- سبحانه-: وَكُذِّبَ مُوسى لأنه لم يكذّب من جميع قومه وهم بنو إسرائيل.
وإنما كان المكذب له هو فرعون وملأه، وللإشارة إلى أن موسى- عليه السلام- قد جاء إلى الناس بآيات واضحات تدل على صدقه، ومع ذلك فقد قوبل بالتكذيب من فرعون وملئه.
ثم بين- سبحانه- ما حل بهؤلاء من عقوبات فقال: فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.
والإملاء: الإمهال وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» .
والنكير: اسم مصدر بمعنى الإنكار، يقال: أنكرت على فلان فعله، إذا ردعته وزجرته عنه.
أى: هؤلاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم، لم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم وأمليت لهم، ثم أخذتهم أخذ عزيز مقتدر، فانظر- أيها العاقل- كيف كان إنكارى عليهم؟ لقد كان إنكارا مخيفا مهلكا فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً. وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
وقال- سبحانه- فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ بالإظهار دون الإضمار، لزيادة التشنيع عليهم والاستفهام في قوله- تعالى-: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ للتهويل والتعجيب. أى: لقد كان إنكارا فظيعا حول حياتهم إلى موت، وعمرانهم إلى خراب، وغرورهم إلى ذلة وهوان.. فعلى مشركي قريش أن يعتبروا بذلك ويتعظوا.. وإلا فالعاقبة معروفة لهم.
( فأمليت للكافرين ) أي : أنظرتهم وأخرتهم ، ( ثم أخذتهم فكيف كان نكير ) أي : فكيف كان إنكاري عليهم ، ومعاقبتي لهم؟!
ذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه : ( أنا ربكم الأعلى ) [ النازعات : 24 ] ، وبين إهلاك الله له أربعون سنة .
وفي الصحيحين عن أبي موسى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
وأصحاب مدين, وهم قوم شعيب. يقول: كذب كلّ هؤلاء رسلهم. وكذب موسى، فقيل: وكذب موسى، ولم يقل: وقوم موسى, لأن قوم موسى بنو إسرائيل, وكانت قد استجابت له ولم تكذّبه, وإنما كذّبه فرعون وقومه من القبط.
وقد قيل: إنما قيل ذلك كذلك لأنه ولد فيهم كما ولد في أهل مكة.
وقوله: ( فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ) يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم, فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب ( ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) يقول: ثم أحللت بهم العقاب بعد الإملاء ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )
يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة وتنكري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم, ألم أبدلهم بالكثرة قلة وبالحياة موتا وهلاكا وبالعمارة خرابا؟ يقول: فكذلك فعلي بمكذّبيك من قريش, وإن أمليت لهم إلى آجالهم, فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم, فأهلكناهم وأنجيتهم من بين أظهرهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 32 | ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ |
---|
الحج: 44 | ﴿وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} أي:وكم من قرية{ أَهْلَكْنَاهَا} بالعذاب الشديد، والخزي الدنيوي،{ وَهِيَ ظَالِمَةٌ} بكفرها بالله وتكذيبها لرسله، لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا،{ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي:فديارهم متهدمة، قصورها، وجدرانها، قد سقطت عروشها، فأصبحت خرابا بعد أن كانت عامرة، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة،{ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} أي:وكم من بئر، قد كان يزدحم عليه الخلق، لشربهم، وشرب مواشيهم، ففقد أهله، وعدم منه الوارد والصادر، وكم من قصر، تعب عليه أهله، فشيدوه، ورفعوه، وحصنوه، وزخرفوه، فحين جاءهم أمر الله، لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليا من أهله، قد صاروا عبرة لمن اعتبر، ومثالا لمن فكر ونظر.
وبعد هذا البيان المشتمل على سوء عاقبة هذه الأمم التي كذبت رسلها.. أتبع ذلك- سبحانه- ببيان مصير كثير من الأمم الظالمة فقال: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ، فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ.
وكلمة «كأين» مركبة من كاف التشبيه، ومن أى الاستفهامية المنونة، ثم هجر معنى جزأيها وصارت كلمة واحدة بمعنى كم الخبرية المفيدة للتكثير، ويكنى بها عن عدد مبهم فتفتقر إلى تمييز بعدها. ومميزها غالبا ما يجر بمن كما في الآية وفي غيرها. قال- تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ... ، وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ .
قال الآلوسى: وقوله: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ منصوب بمضمر يفسره قوله- تعالى-:
أَهْلَكْناها أى: فأهلكنا كثيرا من القرى أهلكناها.. أو مرفوع على الابتداء، وجملة أَهْلَكْناها خبره.
أى: فكثير من القرى أهلكناها.. وقوله: وَهِيَ ظالِمَةٌ جملة حالية من مفعول أهلكنا.. .
ولفظ خاوِيَةٌ بمعنى ساقطة أو خالية. يقال خوى البيت يخوى إذا سقط أو خلا ممن يسكنه.
والعروش: جمع عرش وهو سقف البيت، ويسمى العريش: وكل ما يهيأ ليستظل به فهو عريش.
وبئر معطلة أى: مهجورة لهلاك أهلها، يقال: بأر فلان الأرض إذا حفرها ليستخرج منها الماء.
والمشيد: المجصص بالشّيد وهو الجصّ. يقال: شاد فلان بيته يشيده، إذا طلاه بالشّيد.
والمعنى: وكثير من القوى أهلكناها بسبب ظلمهم وكفرهم، فإذا ما نظرت إليها وجدتها خالية من أهلها، وقد سقطت سقوفها على جدرانها. وكثير من الآبار التي كانت تتفجر بالماء عطلناها وصارت مهجورة، وكثير- أيضا- من القصور المشيدة الفخمة أخليناها من أهلها.
وذلك لأنهم كذبوا رسلنا، وجحدوا نعمنا، فدمرناهم تدميرا. وجعلنا مساكنهم من بعدهم أثرا بعد عين.
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الوعيد والتهديد لكفار قريش الذين كذبوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأعرضوا عن دعوته.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً .
ثم قال تعالى : ( فكأين من قرية أهلكناها ) أي : كم من قرية أهلكتها ( وهي ظالمة ) ] أي : مكذبة لرسولها ، ( فهي خاوية على عروشها ) قال الضحاك : سقوفها ، أي : قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها .
( وبئر معطلة ) أي : لا يستقى منها ، ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها .
( وقصر مشيد ) قال عكرمة : يعني المبيض بالجص .
وروي عن علي بن أبي طالب ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي المليح ، والضحاك ، نحو ذلك .
وقال آخرون : هو المنيف المرتفع .
وقال آخرون : الشديد المنيع الحصين .
وكل هذه الأقوال متقاربة ، ولا منافاة بينها ، فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ، ولا إحكامه ولا حصانته ، عن حلول بأس الله بهم ، كما قال تعالى : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) [ النساء : 78 ] .
يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية أهلكت أهلها وهم ظالمون; يقول: وهم يعبدون غير من ينبغي أن يُعبد, ويعصون من لا ينبغي لهم أن يعصوه.وقوله: ( فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) يقول: فباد أهلها وخلت, وخوت من سكانها, فخربت وتداعت, وتساقطت على عروشها; يعني على بنائها وسقوفها.
كما: حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: ثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك: ( فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) قال: خواؤها: خرابها, وعروشها: سقوفها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: (خاويَةٌ) قال: خربة ليس فيها أحد.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة. مثله.
وقوله: ( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) يقول تعالى: فكأين من قرية أهلكناها, ومن بئر عطلناها, بإفناء أهلها وهلاك وارديها, فاندفنت وتعطلت, فلا واردة لها ولا شاربة منها(وَ) من ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) رفيع بالصخور والجصّ, قد خلا من سكانه, بما أذقنا أهله من عذابنا بسوء فعالهم, فبادوا وبقي قصورهم المشيدة خالية منهم. والبئر والقصر مخفوضان بالعطف على القرية. كان بعض نحويي الكوفة يقول: هما معطوفان على العروش بالعطف عليها خفضا, وإن لم يحسن فيهما, على أن العروش أعالي البيوت، والبئر في الأرض, وكذلك القصر، لأن القرية لم تخو على القصر, ولكنه أتبع بعضه بعضا كما قال: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ فمعنى الكلام على ما قال هذا الذي ذكرنا قوله في ذلك: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة, فهي خاوية على عروشها, ولها بئر معطلة وقصر مشيد؛ ولكن لما لم يكن مع البئر رافع ولا عامل فيها, أتبعها في الإعراب العروش، والمعنى ما وصفت.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس: ( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) قال: التي قد تُرِكت.وقال غيره: لا أهل لها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) قال: عطلها أهلها, تركوها.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) قال: لا أهل لها.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) فقال بعضهم: معناه: وقصر مجصص.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني مطر بن محمد الضبي, قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: ثنا سفيان, عن هلال بن خباب عن عكرمة, في قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: مجصص.
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن هلال بن خباب, عن عكرمة, مثله.
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي, قال: ثني غالب بن فائد, قال: ثنا سفيان, عن هلال بن خباب عن عكرمة, مثله.
حدثني الحسين بن محمد العنقزي, قال: ثني أبي, عن أسباط, عن السديّ, عن عكرمة, في قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: مجصص.
حدثني مطر بن محمد, قال: ثنا كثير بن هشام. قال. حدثنا جعفر بن برقان, قال: كنت أمشي مع عكرمة, فرأى حائط آجرّ مصهرج, فوضع يده عليه وقال: هذا المشيد الذي قال الله.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا عباد بن العوامّ, عن هلال بن خباب, عن عكرمة: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: المجصص. قال عكرِمة: والجصّ بالمدينة يسمى الشيد.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: بالقصة أو الفضة.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: بالقصة يعني بالجصّ.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا الحسن, أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, عن عطاء, في قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: مجصص.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن هلال بن خباب, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: مجصص،هكذا هو في كتابي عن سعيد بن جبير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقصر رفيع طويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قال: كان أهله شيَّدوه وحصَّنوه, فهلكوا وتركوه.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عُبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) يقول: طويل.
وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: عني بالمشيد المجصص, وذلك أن الشيد في كلام العرب هو الجصّ بعينه; ومنه قول الراجز:
كَحَبَّةِ المَاءِ بينَ الطَّيّ والشِّيدِ (3)
فالمشيد: إنما هو مفعول من الشِّيد; ومنه قول امرئ القيس:
وتَيْمـاءَ لَـمْ يَـتْرُكْ بِهـا جِـذْعَ نَخْلَةٍ
وَلا أُطُمـــا إلا مَشــيدًا بِجَــنْدَلِ (4)
يعني بذلك: إلا بالبناء بالشيد والجندل. وقد يجوز أن يكون معنيا بالمشيد: المرفوع بناؤه بالشيد, فيكون الذين قالوا: عني بالمشيد الطويل نحْوا بذلك إلى هذا التأويل; ومنه قول عديّ بن زيد:
شـــادَهُ مَرْمَــرًا وَجَلَّلَــهُ كِــلْ
ســا فللطْــيَر فِــي ذُرَاهُ وُكُـورُ (5)
وقد تأوّله بعض أهل العلم بلغات العرب بمعنى المزين بالشيد من شدته أشيده. إذا زيَّنته به, وذلك شبيه بمعنى من قال: مجصص.
------------------------
الهوامش:
(3) هذا عجز بيت من البسيط ، وليس من الرجز . وقال في اللسان : وحبب الماء بالكسر ، وحببه وحبابه بالفتح : طرائقه والطي : الحجارة تبنى بها جدار البئر . والشيد ، بكسر الشين : كل ما طلي به الحائط من جص أو بلاط ، وبالفتح : المصدر تقول شاده يشيده شيدا : جصصه ، وبناء مشيد : معمول بالشيد .
(4) البيت لامرئ القيس يصف السيل في معلقته المشهورة ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ، ص 33 ) قال شارحه : تيماء : مدينة . والأطم : البيت المسطح ، ويروى " ولا أجما " ، وهو بمعنى الأطم . يقول : لم يدع السيل بيتا مبينا بحصى وحجارة إلا هدمه إلا المشيد بجندل فإنه سلم لقوته .
وفي ( اللسان : شيد ) : وبناء مشيد : معمول بالشيد . وكل ما أحكم من البناء فقد شيد ، وتشييد البناء إحكامه ورفعه ، والمشيد : المبني بالشيد وأنشد : " شاده مرمرا . . . البيت " . قال أبو عبيدة : البناء : المشيد ( بالتشديد ) : المطول . والمفهوم من نصوص اللغويين من بيت امرئ القيس ومن بيت عدي بن زيد الآتي بعد هذا ، أن البناء المشيد بالتخفيف : هو المطول الذاهب في السماء ، أو هو المحكم القوي . فيكون للمشيد إذن معنيان : الأول هو المطلي بالجص ونحوه لتزيينه . والثاني هو المبني بالجص ونحوه مع الصخور أو المرمر ...الخ .
(5) البيت لعدي بن زيد العبادي . وقد أنشده في ( اللسان : شيد ) ولم ينسبه وقال المشيد : المبني بالتشيد . أه . يريد أنه أحكم بناؤه وأحكم بالتشيد مع المرمر ، وهو نوع من الرخام صلب . والكلس قال في ( اللسان : كلس ) : مثل الصاروج يبنى به . وقيل الكلس : ما طلي به حائط أو باطن قصر ، شبه الجص من غير آجر ؛ قال عدي بن يزيد العبادي ( وذكر أربعة أبيات منها بيت الشاهد ، وهو آخرها ) ثم قال : والتكليس التمليس ، فإذا طلى ثخينا فهو المقرمد . والشاهد في بيت عدي هذا كما بيناه في بيت امرئ القيس قبله أن قوله " شاده مرمرا " يفهم منه الإحكام والتقوية ورفع البناء ، ولا يفهم منه الطلاء الخارجي بالشيد . وهو ما قاله المؤلف . والذرا بضم الذال : جمع ذروة ، وهي أعلى الشيء . والوكور : جمع وكر وهو عش الطائر ، أي أن صاحب ذلك القصر المعروف بالحضر ، رفع بناءه بالشيد والمرمر ، ثم كلسه وملسه بالجص أو بالكلس ، وإن الطير قد اتخذت وكورها في أعلاه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 146 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ |
---|
يوسف: 105 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ |
---|
الحج: 48 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ |
---|
العنكبوت: 60 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ |
---|
محمد: 13 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ |
---|
الطلاق: 8 | ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ |
---|
الحج: 45 | ﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أهلكناها:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أهلكتها، بتاء المتكلم، وهى قراءة أبى عمرو، وجماعة.
التفسير :
دعا الله عباده إلى السير في الأرض، لينظروا، ويعتبروا فقال:{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بأبدانهم وقلوبهم{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} آيات الله ويتأملون بها مواقع عبره،{ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب، ولهذا قال:{ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} أي:هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية.
ثم ينتقل القرآن الكريم من هذا التهديد الشديد، إلى التوبيخ والتقريع لهؤلاء المشركين، الذين لا يعتبرون ولا يتعظون فيقول: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ...
والاستفهام للتوبيخ والإنكار، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام.
والمعنى: إن مصارع الغابرين وديارهم، يمر بها كفار قريش، ويعرفونها، فهم يرون في طريقهم إلى الشام قرى صالح وقرى قوم لوط.. قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
.
والشأن في هذه الرؤية أن تجعل صاحبها يعتبر ويتعظ، متى كان عنده قلب يعقل ما يجب فهمه، أو أذن تسمع ما يجب سماعه وتنفيذه، ولكن هؤلاء الجاهلين يرون مصارع الغابرين فلا يعقلون، ولا يعتبرون، ويسمعون الأحاديث عن تلك الآبار المعطلة، والقصور الخالية من سكانها، والمنازل المهدمة، فلا يتعظون.
وقوله- تعالى-: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ بيان لسبب انطماس بصائرهم، وقسوة قلوبهم.
والضمير في قوله فَإِنَّها للقصة. أى: فإن الحال أنه لا يعتد بعمى الأبصار، ولكن الذي يعتد به هو عمى القلوب التي في الصدور، وهؤلاء المشركون قد أصيبوا بالعمى الذي هو أشنع عمى وأقبحه. وهو عمى القلوب عن الفهم وقبول الحق.
وذكر- سبحانه- أن مواضع القلوب في الصدور، لزيادة التأكيد، ولزيادة إثبات العمى لتلك القلوب التي حدد- سبحانه- موضعها تحديدا دقيقا.
قال الآلوسى: فالكلام تذييل لتهويل ما نزل بهم من عدم فقه القلب، وأنه العمى الذي لا عمى بعده، بل لا عمى إلا هو، أو المعنى: إن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها. وإن العمى بقلوبهم، فكأنه قيل: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب ذات بصائر، فإن الآفة ببصائر قلوبهم لا بأبصار عيونهم، وهي الآفة التي كل آفة دونها. كأنه يحثهم على إزالة المرض وينعى عليهم تقاعدهم عنها .
وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) أي : بأبدانهم وبفكرهم أيضا ، وذلك كاف ، كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " :
حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر ، حدثنا مالك بن دينار قال : أوحى الله تعالى إلى موسى ، عليه السلام ، أن يا موسى ، اتخذ نعلين من حديد وعصا ، ثم سح في الأرض ، واطلب الآثار والعبر ، حتى تتخرق النعلان وتكسر العصا .
وقال ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء : أحي قلبك بالمواعظ ، ونوره بالفكر ، وموته بالزهد ، وقوه باليقين ، وذلله بالموت ، وقرره بالفناء ، وبصره فجائع الدنيا ، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام ، واعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره ما أصاب من كان قبله ، وسر في ديارهم وآثارهم ، وانظر ما فعلوا ، وأين حلوا ، وعم انقلبوا .
أي : فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) أي : فيعتبرون بها ، ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ، ولا تدري ما الخبر . وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو أبو محمد عبد الله بن محمد ابن سارة الأندلسي الشنتريني ، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة :
يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد نادى به الناعيان : الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ، ففيم ترى
في رأسك الواعيان : السمع والبصر؟ ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان : العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ، ولا الفلك ال
أعلى ولا النيران : الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا ، وإن كرها
فراقها الثاويان : البدو والحضر
يقول تعالى ذكره: أفلم يسيروا هؤلاء المكذّبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد, فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذّبي رسل الله الذين خلوْا من قبلهم, كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب, وأوطانهم ومساكنهم, فيتفكَّروا فيها ويعتبروا بها ويعلموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها، سنة الله فيمن كفر وعبد غيره وكذّب رسله, فينيبوا من عتوّهم وكفرهم, ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحقّ( قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) حجج الله على خلقه وقدرته على ما بيَّنا( أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) يقول: أو آذان تصغي لسماع الحقّ فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل.وقوله: ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ ) يقول: فإنها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص ويروها, بل يبصرون ذلك بأبصارهم; ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن أنصار الحق ومعرفته.
والهاء في قوله: ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى ) هاء عماد, كقول القائل: إنه عبد الله قائم.
وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: " فإنَّهُ لا تَعْمَى الأبْصَارُ".وقيل: ( وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) والقلوب لا تكون إلا في الصدور, توكيدا للكلام, كما قيل: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فتكون:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فيكون، بالياء، وهى قراءة مبشر بن عبيد.