ترتيب المصحف | 13 | ترتيب النزول | 96 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 6.20 |
عدد الآيات | 43 | عدد الأجزاء | 0.35 |
عدد الأحزاب | 0.70 | عدد الأرباع | 2.70 |
ترتيب الطول | 32 | تبدأ في الجزء | 13 |
تنتهي في الجزء | 13 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 7/29 | آلمر: 1/1 |
لمَّا طلبَ الكفَّارُ آيةً حِسّيةً تدلُ على صدقِه ﷺ بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه أرسلَه ﷺ إلى أمَّتِه ليقرأَ عليهم القرآنَ، وهو كافٍ في الدِّلالةِ على صدقِه ﷺ ، ثُمَّ هدَّدَهم بداهيةٍ تحلُّ بهم.
قريبًا إن شاء الله
لمَّا طلبَ الكفارُ منه ﷺ المعجزاتِ على سبيلِ الاستهزاءِ وكانَ ذلك يشُقُّ عليه ﷺ بَيَّنَ اللهُ هنا أن أقوامَ سائرِ الأنبياءِ استهزؤوا بهم، ثُمَّ بَيَّنَ جزاءَ الكفَّارِ في الدُّنيا والآخرةِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
ثم قال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي:آمنوا بقلوبهم بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وصدقوا هذا الإيمان بالأعمال الصالحة، أعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه، وأعمال الجوارح كالصلاة ونحوها،
{ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} أي:لهم حالة طيبة ومرجع حسن.
وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والآخرة، وأن لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة، ومن جملة ذلك شجرة طوبى التي في الجنة، التي يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة.
وقوله- تعالى- الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ بيان للثواب الجزيل الذي أعده- سبحانه- للمؤمنين الصادقين.
وطوبى: مصدر كبشرى وزلفى من الطيب، وأصله طيبي، فقلبت الياء واوا لوقوعها ساكنة إثر ضمة، كما قلبت في موقن وموسر وهو من اليقين واليسر.
وقيل: طوبى، اسم شجرة في الجنة.
قال ابن كثير ما ملخصه: قوله طُوبى لَهُمْ قال ابن عباس: أى فرح وقرة عين لهم.
وقال الضحاك: أى غبطة لهم. وقال إبراهيم النخعي: أى خير لهم.
وقال قتادة: طوبى: كلمة عربية. يقول الرجل لغيره: طوبى لك أى: أصبت خيرا.
وقال سعيد جبير عن ابن عباس «طوبى لهم» قال: هي أرض الجنة بالحبشية.
وقال سعيد بن مشجوج «طوبى» اسم الجنة بالهندية.
وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: «طوبى» : شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها ...
وهكذا روى عن ابن عباس وأبى هريرة وغير واحد من السلف، أن طوبى شجرة في الجنة، في كل دار في الجنة غصن منها» .
والمآب: المرجع والمنقلب من الأوب وهو الرجوع. يقال: آب يئوب أوبا وإيابا ومآبا إذا رجع.
والمعنى: الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات لهم في آخرتهم، عيش طيب. وخير كامل، ومرجع حسن يرجعون به إلى ربهم وخالقهم.
( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فرح وقرة عين . وقال عكرمة : نعم ما لهم .
وقال الضحاك : غبطة لهم . وقال إبراهيم النخعي : خير لهم .
وقال قتادة : هي كلمة عربية يقول الرجل : " طوبى لك " ، أي : أصبت خيرا . وقال في رواية : ( طوبى لهم ) حسنى لهم .
( وحسن مآب ) أي : مرجع .
وهذه الأقوال شيء واحد لا منافاة بينها .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( طوبى لهم ) قال : هي أرض الجنة بالحبشية .
وقال سعيد بن مسجوح : طوبى اسم الجنة بالهندية . وكذا روى السدي ، عن عكرمة : ( طوبى لهم ) أي : الجنة . وبه قال مجاهد .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) وذلك حين أعجبته .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شهر بن حوشب قال : ( طوبى ) شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة .
وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، ومغيث بن سمى ، وأبي إسحاق السبيعي وغير واحد من السلف : أن طوبى شجرة في الجنة ، في كل دار منها غصن منها .
وذكر بعضهم أن الرحمن ، تبارك وتعالى ، غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة ، من عسل وخمر وماء ولبن .
وقد قال عبد الله بن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - [ مرفوعا : " طوبى : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، سمعت عبد الله بن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ] عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك . قال : " طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " . قال له رجل : وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .
وروى البخاري ومسلم جميعا ، عن إسحاق بن راهويه ، عن مغيرة المخزومي ، عن وهيب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " قال : فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي ، فقال : حدثني أبو سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " .
وفي صحيح البخاري ، من حديث يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قول الله : ( وظل ممدود ) [ الواقعة : 30 ] قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرءوا إن شئتم ( وظل ممدود ) أخرجاه في الصحيحين .
وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين - أو : مائة - سنة هي شجرة الخلد " .
وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة ، أو قال : يستظل في الفنن منها مائة راكب ، فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " . رواه الترمذي .
وقال إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال : سمعت أبا أمامة الباهلي قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها ، فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض ، وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان ، وأرق وأحسن " .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها : " تفتقي لعبدي عما شاء; فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة " .
وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا ، قال وهب ، رحمه الله : إن في الجنة شجرة يقال لها : " طوبى " ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا ووبرها كخز المرعزى من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال : فيركبونها ، فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجيا من غير مهنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى ، ولا برك راحلة برك الأخرى ، حتى إن شجرة لتتنحى عن طريقهم ، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم ، أنت السلام ومنك السلام ، وحق لك الجلال والإكرام . قال : فيقول تعالى [ عند ذلك ] أنا السلام ومني السلام ، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري " .
قال : فيقولون : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قدامك قال : فيقول الله : " إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته " فيسألونه ، حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : رب ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، رب فآتنى مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا . فيقول الله تعالى : " لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، [ وسأتحفك بمنزلتي ] ; لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد " . قال : ثم يقول : " اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال " . قال : فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة ، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة ، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة متظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما ، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه به ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك . ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ، حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له .
وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده ، عن وهب بن منبه ، وزاد : فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، وأبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور ، يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مسخر ، إذا لالتمع الأبصار ، فما كان من تلك القصور من الياقوت [ الأبيض ، فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان منها من الياقوت الأخضر ] فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر منزه بالزمرد الأخضر ، والذهب الأحمر ، والفضة البيضاء ، قوائمها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غرف من المرجان . فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قربت لهم براذين من ياقوت أبيض ، منفوخ فيها الروح ، تجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء ، منظومة بالدر والياقوت ، سروجها سرر مرضونة ، مفروشة بالسندس والإستبرق . فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ببطن رياض الجنة . فلما انتهوا إلى منازلهم ، وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ، ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم . فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم وما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان ، [ جنتان ] ذواتا أفنان ، وجنتان مدهامتان ، وفيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تبينوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعدتكم حقا ؟ قالوا : نعم وربنا . قال : هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا : ربنا رضينا فارض عنا قال : برضاي عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، فهنيئا هنيئا لكم ، ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود : 108 ] ليس فيه تنغيص ولا تصريد . فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأدخلنا دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور .
وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ولبعضه شواهد ، ففي الصحيحين : أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة : تمن " ، فيتمنى حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى : " تمن من كذا وتمن من كذا " ، يذكره ، ثم يقول : " ذلك لك ، وعشرة أمثاله " .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، عز وجل يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " الحديث بطوله .
وقال خالد بن معدان : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لها ضروع ، كلها ترضع صبيان أهل الجنة ، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة ، يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، الصالحات من الأعمال, وذلك العمل بما أمرهم ربهم(طوبى لهم) .
* * *
و " طوبى " في موضع رفع بـ" لهم ".
وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع, كما يقال في الكلام: " ويلٌ لعمرو ".
* * *
قال أبو جعفر: وإنما أوثر الرفع في (طوبى) لحسن الإضافة فيه بغير " لام ", وذلك أنه يقال فيه " طوباك ", كما يقال: " ويلك "، و " ويبك ", ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام، لكان النصب فيه أحسنَ وأفصح, كما النصب في قولهم: " تعسًا لزيد، وبعدًا له وسُحقًا " أحسن, إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طوبى لهم) .
فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم .
ذكر من قال ذلك:
20363- حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي, عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن " طوبى لهم " قال: نعم ما لهم . (1)
20364- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع, عن عكرمة في قوله: (طوبى لهم) قال: نعم ما لهم .
20365- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة, في قوله: (طوبى لهم) قال: نِعْم مَا لهم .
* * *
وقال آخرون: معناه: غبطة لهم .
*ذكر من قال ذلك:
20366- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: (طوبى لهم) قال: غبطةٌ لهم .
20367- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .
20368-... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .
* * *
وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين .
*ذكر من قال ذلك:
20369- حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال . حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (طوبى لهم) ، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين .
* * *
وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم .
*ذكر من قال ذلك:
20370- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (طوبى لهم) ، يقول: حسنى لهم, وهي كلمة من كلام العرب .
20371- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة .(طوبى لهم) ، هذه كلمة عربية, يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا .
* * *
وقال آخرون: معناه: خير لهم .
ذكر من قال ذلك:
20372- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قال: خير لهم .
20373- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: (طوبى لهم) ، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله .
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم) ، اسم من أسماء الجنة, ومعنى الكلام، الجنة لهُم .
*ذكر من قال ذلك:
20374- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (طوبى لهم) قال: اسم الجنة، بالحبشية .
20375- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم)، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية .
20376- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن مشجوج في قوله: (طوبى لهم) قال: (طوبى): اسم الجنة بالهندية .
20377- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: (طوبى) . (2)
20378- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن السدي, عن عكرمة: (طوبى لهم) قال: الجنة .
20379- ... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (طوبى لهم) قال: الجنة .
20380- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله .
20381- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) ، وذلك حين أعجبته .
20382- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك, عن ليث, عن مجاهد: (طوبى لهم) ، قال الجنة .
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة .
*ذكر من قال ذلك:
20383- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد, عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: (طوبى لهم) ، شجرة في الجنة . (3)
20384- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة يقول لها: " تَفَتَّقي لعبدي عما شاء " ! فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها, وعن الإبل بأزمّتها, وعما شاء من الكسوة . (4)
20385- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن شهر بن حوشب قال: (طوبى): شجرة في الجنة, كل شجر الجنة منها, أغصانُها من وراء سور الجنة .
20386- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها(طوبى), يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى, عن ابن ثور . (5)
20387- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء, عن شمر بن عطية, في قوله: (طوبى لهم) قال: هي شجرة في الجنة يقال لها(طوبى) .
20388- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن منصور, عن حسان أبي الأشرس, عن مغيث بن سُمَيّ قال: (طوبى): شجرة في الجنة, ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها, فيجيء الطائر فيقع، فيدعوه, فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدًا ومن الآخر شِوَاء, ثم يقول: " طِرْ" ، فيطير . (6)
20389- ... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه, ثم دملجها بين كفيه, (7) ثم غرسها وسط أهل الجنة, ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي". ففعلت, فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة, وهي" طوبى " .
20390- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل, أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها: " طوبى ", يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ; زهرها رِيَاط, (8) وورقها بُرود (9) وقضبانها عنبر, وبطحاؤها ياقوت, وترابها كافور, ووَحَلها مسك, يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل, وهي مجلسٌ لأهل الجنة . فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم, يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب, وجوهها كالمصابيح من حسنها, وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه, (10) عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت, ودفوفها من ذهب, وثيابها من سندس وإستبرق, فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه . قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر, وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة, (11) يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه, لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها, ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها, (12) حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه . قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم, فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه, فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام, وحُقَّ لك الجلال والإكرام ". قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك: " أنا السلام, ومنى السلام, وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي, مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري" .قال: فيقولون: " ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك, فأذن لنا بالسجود قدَّامك " قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة, ولكنها دارُ مُلْك ونعيم, وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة, فسلوني ما شئتم, فإن لكل رجل منكم أمنيّته ". فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها, رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا " فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك, ولقد سألت دون منـزلتك, هذا لك مني, وسأتحفك بمنـزلتي, لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ" (13) . قال: ثم يقول: " اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال ". قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم, فيكون فيما يعرضون عليهم بَرَاذين مقرَّنة, على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة, على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة, في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة, في كل قبة منها جاريتان من الحور العين, على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة, ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما, ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به, ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة, حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة, يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء, يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل, ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه, ويقولان له: " والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك "، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منـزلته التي أعدّت له . (14)
20391- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير, عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها .
20392- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن حسان بن أبي الأشرس, عن مغيث بن سمي قال: " طوبى "، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة, ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا . وما من أهل الجنة منـزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم, فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم فيأكلون منه ما شاؤوا, ويجيء الطير فيأكلون منه قديدًا وشواءً ما شاءوا, ثم يطير . (15)
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة .
*ذكر الرواية بذلك:
20393- حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام, عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, في الجنة فاكهة؟ (16) قال: نعم, فيها شجرة تدعى " طوبى ", هي تطابق الفردوس . قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك, ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة, تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا (17) .
20394- حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجزريّ, عن فرات بن أبي الفرات, عن معاوية بن قرة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لهم وحسن مآب) : ، شجرة غرسها الله بيده, ونفخ فيها من روحه، نبتتْ بالحَلْيِ والحُلل, (18) وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة . (19)
20395- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث, أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها . (20)
* * *
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرواية به, يجب أن يكون القولُ في رفع قوله: (طوبى لهم) خلافُ القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن " طوبى " اسم شجرة في الجنة, فإذْ كان كذلك، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان ذلك كذلك, لم يكن في قوله: (وحسن مآب) إلا الرفع، عطفًا به على " طوبى " .
* * *
وأما قوله: (وحسن مآب) ، فإنه يقول: وحسن منقلب ; (21) كما:-
20396- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك: (وحسن مآب) ، قال: حسن منقلب . (22)
------------------
الهوامش :
(1) الأثر : 20363 -" جعفر بن محمد البروري ، من أهل الكوفة" شيخ الطبري ، هكذا جاء في المخطوطة ، وهو ما لا أعرف . وقد مضى برقم : 9800 ، وذكرت هناك أني لم أجده ، وكان فيما سلف :" جعفر بن محمد الكوفي المروزي" ، وذكرت أنه روى عنه في التاريخ 5 : 18 ، وصح عندي أنه هو هو في المواضع الثلاثة ، لأنه روى عنه في التاريخ قال :" حدثني جعفر بن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب قالا ، حدثنا أبو زكريا يحيي بن مصعب الكلبي ، قال حدثنا عمر بن نافع" . فهذا هو بعض إسنادنا هذا .
و" أبو زكريا الكلبي" ، هو" يحيي بن مصعب الكلبي الكوفي" ، وهو" جار الأعمش" . روى عن الأعمش حكايات ، وروى عن عمر بن نافع ، وهو صدوق . مترجم في الكبير 4 / 2 / 306 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 190 .
و" عمر بن نافع الثقفي" ، متكلم فيه ، مضى قريبًا برقم : 20229 ، وكان في المخطوطة هنا :" عمرو بن نافع" ، وهو فيها على الصواب في الإسناد التالي ، أما المطبوعة فقد تبع خطأ المخطوطة الأول ، وترك صوابها الثاني !! .
(2) الأثران : 20376 ، 20377 -" سعيد بن مشجوج" أو" بن مسجوح" ، أو و" ابن مسجوع" ، وهكذا جاء مختلفًا في المخطوطة ، ثم في تفسير ابن كثير 4 : 523 ، والدر المنثور 4 : 59 ، ونسبه لابن جرير ، وأبي الشيخ . ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال ، مع مراجعته على وجوه التصحيف والتحريف .
ولكني وجدت في لسان العرب مادة ( كرم ) و ( كسا )، وفيهما قال :" سعيد بن مسحوح الشيباني" ، وفي شرح القاموس" ابن مشجوج" ونسب إليه السيرافي وابن بري شعر أبي خالد القناني الخارجي ، الذي يقول في أوله :
لَقَـــدْ زَادَ الحَيَــاة إلّــي حبًّــا
بَنَــاتِي إنَّهــن مِــنَ الضعَــافِ
وانظر الكامل 2 : 107 ، هذا غاية ما وجدته ، ولا أدري علاقة ما بين هذين الاسمين ، وفوق كل ذي علم عليم .
(3) الأثر : 20383 -" موسى بن سالم" ، مولى آل العباس ، ثقة ، حديثه عن ابن عباس مرسل ، وروى عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 284 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 143 .
(4) الأثر : 20384 -" أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني ، الحملي" الأعمى ، وينسب إلى جده فيقال :" أشعث بن جابر" ، وهو ثقة ، يعتبر بحديثه . وقال العقيلي : في حديثه وهم . ووثقه ابن معين والنسائي وابن حبان . مضى برقم : 8358 ، وهو مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 429 في" أشعث بن جابر" ثم فيه 1 / 1 / 433 في" أشعث أبو عبد الله الحملي" ، وفي ابن أبي حاتم 1 / 1 / 273 .
و" شهر بن حوشب" ، مضى مرارًا ، وثقوه ، وتكلموا فيه .
وهذا خبر موقوف على أبي هريرة . وسيأتي من طريق أخرى برقم : 20386 .
(5) الأثر : 20386 - هو مكرر الأثر السالف رقم : 20384 .
(6) الأثر : 20388 -" منصور" ، هو" منصور بن المعتمر" ، مضى مرارًا .
و"حسان أبو الأشرس" ، هو" حسان بن أبي الأشرس بن عمار الكاهلي" ، وهو" حسان بن المنذر" كنيته وكنية أبيه" أبو الأشرس" ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 32 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 235 .
و" مغيث بن سمى الأوزاعي" ، تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 24 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 391
وسيأتي هذا الخبر مطولا بإسناد آخر رقم : 20392 .
(7) " دملج الشيء دملجة" ، إذ سواه وأحسن صنعته ، كما يدملج السوار .
(8) " الرياط" جمع" ريطة" ، وهي كل ثوب لين رقيق .
(9) " برود" ، جمع" برد" ، هو من ثياب الوشي .
(10) " المرعزي" ( بكسر الميم وسكون الراء ، وكسر العين وتشديد الزاي المفتوحة ) ، هو الزغب الذي تحت شعر العنز، وهو ألين الصوف وميم" المرعزي" زائدة ، ومادته ( رعز ) .
(11) " المهنة" ( بفتحات ) جمع" ماهن" ، ويجمع على" مهان" ، نحو" كاتب ، وكتبة ، وكتاب" ، وهو الخادم .
(12) هكذا في المخطوطة ، وفي تفسير ابن كثير" برك" ، وفي الدر المنثور" لا تزل راحلة بزل صاحبتها" ، وأنا أرجح أن الصواب :" ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء ، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة .
(13) في المطبوعة :" ولا قصر يد" ، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة . و" التصريد" في العطاء تقليله .
(14) الأثر : 20390 - : الفضل بن الصباح البغدادي" ، شيخ الطبري ثقة ، مضى برقم : 2252 ، 3958 .
و" إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني" ، ثقة ، مضى برقم : 995 ، 5598 .
و" عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني" ، ثقة ، روى عن عمه وهب بن منبه ، مضى برقم : 995 .
وقد رواه ابن كثير في التفسير 4 : 524 ، وقال قبله :" روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا" ، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم ، ثم قال :" وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ، ولبعضه شواهد" .
(15) الأثر : 20392 -" حسان بن أبي الأشرس" ، سلف برقم : 20388 . و" مغيث بن سمى" ، سلف برقم 20388 .
وهو مطول الأثر السالف : 20388 .
(16) في المطبوعة :" إن في الجنة ..." ، وأثبت ما في المخطوطة .
(17) الأثر : 20393 -" سليمان بن داود القومسي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب .
و" أبو توبة" ،" الربيع بن نافع" ، ثقة مضى برقم : 3833 . و" معاوية بن سلام بن أبي سلام" ، ثقة ، روى له الجماعة ، روى عن أبيه وجده ، وأخيه زيد ، مضى برقم : 16557 .
وأخوه" زيد بن سلام بن أبي سلام" ثقة ، روى عن جده" أبي سلام" ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 361 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 564 .
و" أبو سلام" ، هو" ممطور" الأسود الحبشي ، ثقة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 16557 .
و" عامر بن زيد البكالي" ، تابعي ، ثقة ، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 320 .
و" عتبة بن عبد السلمى" ،" أبو الوليد" ، له صحبة ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم . مترجم في الإصابة ، وأسد الغابة ، والاستيعاب، والتهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 371 ، وابن سعد 7 / 2 / 132 .
فهذا إسناد جيد ، ورواه أحمد في مسنده 4 : 183 ، 184 ، مطولا ، من طريق" علي بن بحر ، عن هشام بن يوسف ، عن يحيي بن أبي كثير ، عن عامر بن زيد البكالي" ، وهو إسناد صحيح أيضًا ، ونقله عن المسند، ابن القيم في حادي الأرواح 1 : 263 ، 264 .
(18) في المطبوعة ، أسقط قوله" نبتت" وأثبتها من المخطوطة .
(19) الأثر : 20394 -" الحسن بن شبيب بن راشد" ، شيخ الطبري ، سلف برقم : 9642 ، 11383 ، قال ابن عدي،" حدث عن الثقات بالبواطيل ، ووصل أحاديث هي مرسلة" .
و" محمد بن زياد الجزري" ، لعله هو" الرقي" ، لأن الرقة معددة من الجزيرة . وهو" محمد بن زياد اليشكري الطحان ، الميمون الرقي" ، وهو كذاب خبيث يضع الحديث ، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات . مترجم في التهذيب ، وتاريخ بغداد 5 : 279 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 258 ، وميزان الاعتدال 3 : 60 ، وكان في المطبوعة" الجريري" ، غير ما في المخطوطة .
و" فرات بن أبي الفرات" ، قال ابن أبي حاتم :" صدوق ، لا بأس به" ، وذكره ابن حبان في الثقات قال :" هو حسن الاستقامة والروايات" ، ولم يذكر البخاري فيه جرحًا" ولكن قال يحيي بن معين :" ليس بشيء" ، وقال ابن عدي :" الضعف بيّن على رواياته" ، وقال الساجي" ضعيف ، يحدث بأحاديث فيها بعض المناكير" . مترجم في الكبير 4 / 1 / 129 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 80 ، وميزان الاعتدال 2 : 316 ، ولسان الميزان 4 : 432 .
و" معاوية بن إياس المزني" ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 11211 ، 11409 . وأبوه" قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني" ، له صحبة مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 180 .
وهذا خبر هالك الإسناد ، وحسبه ما فيه من أمر" محمد بن زياد" ، ولم أجده عند غير الطبري .
(20) الأثر : 20395 -" عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري" ، ثقة ، روى له الجماعة ، سلف مرارًا ، آخرها رقم : 17429 .
و" دراج" ، هو" دراج بن سمعان" ،" أبو السمح" ، متكلم فيه ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 17754 .
و" أبو الهيثم" ، هو" سليمان بن عمرو العتواري المصري" ثقة ، مضى برقم : 1387 ، 5518 .
وقد سلف مثل هذا الإسناد برقم 1387 ، وصحح هذا الإسناد أخي السيد أحمد رحمه الله . هذا، وقد نقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل :" أحاديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، فيها ضعف" وقال ابن شاهين :" ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس" ، ومقالة أحمد في دراج شديدة فقد نقل عنه عبد الله بن أحمد :" حديثه منكر" . وعندي أن تصحيح مثل هذا الإسناد فيه بعض المجازفة ، وأحسن حاله أن يكون مما لا بأس به ومما يعتبر به .
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3 : 71 من طريق ابن لهيعة . عن دراج أبي السمح ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 4 : 91 ، من طريق أسد بن موسى ، عن ابن لهيعة ، مطولا ، وصدره" أن رجلا قال له : يا رسول الله ، طوبي لمن رآك وآمن بك ! قال : طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ، فقال له رجل : وما طوبى ؟" ، الحديث .
(21) انظر تفسير" المآب" فيما سلف 6 : 258 ، 259 .
(22) انظر تفسير" المآب" فيما سلف 6 : 258 ، 259 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
طوبى:
وقرئ:
طيبى، بكسر الطاء، وهى قراءة بكرة الأعرابى.
وحسن مآب:
قرئ:
بالنصب، وهى قراءة عيسى الثقفي.
التفسير :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ} إلى قومك تدعوهم إلى الهدى{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ} أرسلنا فيهم رسلنا، فلست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك، ولست تقول من تلقاء نفسك، بل تتلو عليهم آيات الله التي أوحاها الله إليك ، التي تطهر القلوب وتزكي النفوس.
والحال أن قومك يكفرون بالرحمن، فلم يقابلوا رحمته وإحسانه -التي أعظمها أن أرسلناك إليهم رسولا وأنزلنا عليك كتابا- بالقبول والشكر بل قابلوها بالإنكار والرد، أفلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم من القرون المكذبة كيف أخذهم الله بذنوبهم،{ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وهذا متضمن للتوحيدين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.
فهو ربي الذي رباني بنعمه منذ أوجدني، وهو إلهي الذي{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في جميع أموري{ وَإِلَيْهِ متاب} أي:أرجع في جميع عباداتي وفي حاجاتي.
ثم بين- سبحانه- أن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليس بدعا، فقد سبقه رسل كثيرون إلى أقوامهم فقال- تعالى-: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ.
فالكاف في قوله كَذلِكَ للتشبيه حيث شبه- سبحانه- إرساله صلى الله عليه وسلم إلى الناس، بإرسال الرسل السابقين إلى أقوامهم.
واسم الإشارة يعود إلى الإرسال المأخوذ من فعل «أرسلناك» .
والمراد بالأمة هنا: أمة الدعوة التي أرسل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فآمن من آمن من أفرادها، وكفر من كفر.
أى: كما أرسلنا رسلا سابقين إلى أقوامهم، أرسلناك يا محمد إلى قومك الذين قد سبقهم أقوام ورسل كثيرون لكي تقرأ على مسامعهم هذا القرآن العظيم الذي أوحيناه إليك من لدنا، ولتبين لهم ما اشتمل عليه من هدايات وتشريعات، كما بين الرسل الذين سبقوك لأقوامهم ما أمرهم الله- تعالى- ببيانه.
وفي قوله- تعالى-: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ تعريض بمشركي مكة، وأنهم إذا ما استمروا في طغيانهم، فسيصيبهم ما أصاب الأمم الخالية.
وقوله لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ المقصود منه تفخيم شأن القرآن الكريم، وأنه هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم وأن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم قراءته عليهم قراءة تدبر واستجابة لما يدعوهم إليه.
وأن قول المشركين لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إنما هو قول يدل على عنادهم وغبائهم وجحودهم للحق بعد أن تبين.
وجملة وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ حالية.
أى: أرسلناك أيها الرسول الكريم إلى هؤلاء الضالين، لتتلو عليهم ما ينقذهم من الضلال، ولكنهم عموا وصموا عن سماعه، والحال أنهم يكفرون بالرحمن أى العظيم الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء.
وأوثر اختيار اسم الرحمن من بين أسمائه- تعالى- للإشارة إلى أن إرساله صلى الله عليه وسلم مبعثه الرحمة كما قال- تعالى-: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ .
وللرد عليهم في إنكارهم أن يكون الله- تعالى- رحمانا، فقد حكى القرآن عنهم ذلك في قوله وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ .
وقد ثبت في الحديث الصحيح أنهم لم يرضوا بكتابة هذا الاسم الكريم في صلح الحديبية، فعند ما قال صلى الله عليه وسلم لعلىّ: اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال أحد زعمائهم. ما ندري ما الرحمن الرحيم ...
وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بما يبطل كفرهم فقال: قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ.
أى: قل لهم أيها الرسول الكريم: الرحمن الذي تتجافون النطق باسمه الكريم هو وحده
ربي وخالقي، لا إله مستحق للعبادة سواه، عليه لا على أحد سواه توكلت في جميع أمورى، وإليه لا إلى غيره مرجعي وتوبتي وإنابتى.
فهذه الجملة الكريمة اشتملت على أبلغ رد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون الإله- جل وعلا- رحمانا، وأنه- سبحانه- هو المستحق للعبادة.
يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد في هذه الأمة : ( لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) أي : لتبلغهم رسالة الله إليهم ، كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة بالله ، وقد كذب الرسل من قبلك ، فلك بهم أسوة ، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك ، فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم ، فإن تكذيبهم لك أشد من تكذيب غيرك من المرسلين ، قال الله تعالى : ( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ) [ النحل : 63 ] وقال تعالى : ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) [ الأنعام : 34 ] أي : كيف نصرناهم ، وجعلنا العاقبة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة .
وقوله : ( وهم يكفرون بالرحمن ) أي : هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن ، لا يقرون به; لأنهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم; ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا " بسم الله الرحمن الرحيم " وقالوا : ما ندري ما الرحمن الرحيم . قاله قتادة ، والحديث في صحيح البخاري وقد قال الله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن .
( قل هو ربي لا إله إلا هو ) أي : هذا الذي تكفرون به أنا مؤمن به ، معترف مقر له بالربوبية والإلهية ، هو ربي لا إله إلا هو ، ( عليه توكلت ) أي : في جميع أموري ، ( وإليه متاب ) أي : إليه أرجع وأنيب ، فإنه لا يستحق ذلك أحد سواه .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هكذا أرسلناك يا محمد في جماعة من الناس (23) يعني إلى جماعةٍ قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه, فمضت (24) (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) ، يقول: لتبلغهم ما أرسَلْتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك(وهم يكفرون بالرحمن) ، يقول: وهم يجحدون وحدانيّة الله, ويكذّبون بها(قل هو ربي) ، يقول: إنْ كفر هؤلاء الذين أرسلتُك إليهم، يا محمد بالرحمن, فقل أنت: الله ربّي (لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) ، يقول: وإليه مرجعي وأوبتي .
* * *
وهو مصدر من قول القائل: " تبت مَتَابًا وتوبةً . (25)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك:
20397- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وهم يكفرون بالرحمن) . ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحديبية حين صالح قريشًا كتب: " هذا ما صالح عليه محمدٌ رسول الله . فقال مشركو قريش: لئن كنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلمناك! ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا يا رسول الله نقاتلهم ! فقال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون إنّي محمد بن عبد الله. فلما كتب الكاتب: " بسم الله الرحمن الرحيم " ، قالت قريش: أما " الرحمن " فلا نعرفه ; وكان أهل الجاهلية يكتبون: " باسمك اللهم ", فقال أصحابه: يا رسول الله، دعنا نقاتلهم ! قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون " .
20398- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنى حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال قوله: (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت) الآية، قال: هذا لمّا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية، كتب: " بسم الله الرحمن الرحيم " ، قالوا: لا تكتب " الرحمن ", وما ندري ما " الرحمن ", ولا تكتب إلا " باسمك اللهم " .قال الله: (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو) ، الآية .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ، (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، أي: يكفرون بالله ولو سَيَّر لهم الجبال بهذا القرآن .وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم . وجعلوا جواب " لو " مقدَّمًا قبلها, وذلك أن الكلام على معنى قيلهم: ولو أنّ هذا القرآن سُيَرت به الجبال أو قطعت به الأرض, لكفروا بالرحمن .
*ذكر من قال ذلك:
20399- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ولو أن قرآنا سُيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) قال: هم المشركون من قريش، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكَّة, وسيَّرت جبَالها, فاحترثناها, وأحييت من مات منَّا, وقُطّع به الأرض, أو كلم به الموتى ! فقال الله تعالى: (ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال أو قُطّعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا) .
20400- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، قول كفار قريش لمحمد: سيِّر جبالنا تتسع لنا أرضُنا فإنها ضيِّقة, أو قرب لنا الشأم فإنا نَتَّجر إليها, أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم ! فقال الله تعالى (26) (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) .
20401- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .
20402- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير قالوا: لو فَسَحت عنّا الجبال, أو أجريت لنا الأنهار, أو كلمتَ به الموتى! فنـزل ذلك قال ابن جريج: وقال ابن عباس: قالوا: سيِّر بالقرآن الجبالَ, قطّع بالقرآن الأرض, أخرج به موتانا .
20403- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: قالوا: لو فسحت عنا الجبال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلمت به الموتى ! فنـزل: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا .
* * *
وقال آخرون: بل معناه: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) كلامٌ مبتدأ منقطع عن قوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ . قال: وجوابُ" لو " محذوف اسْتغنيَ بمعرفة السامعين المرادَ من الكلام عن ذكر جوابها . قالوا: والعرب تفعل ذلك كثيرًا, ومنه قول امرئ القيس:
فَلَــوْ أَنَّهَــا نَفْسٌ تَمُـوتُ سَـرِيحَةً
وَلكِنَّهَـــا نَفْسٌ تَقَطَّـــعُ أَنْفُسَــا (27)
وهو آخر بيت في القصيدة, (28) فترك الجواب اكتفاءً بمعرفة سامعه مرادَه, وكما قال الآخر: (29)
فَأُقْسِــمُ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانَـا رَسُـولُهُ
سِـوَاكَ وَلكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعَا (30)
* * *
*ذكر من قال نحو معنى ذلك:
20404- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال. حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، ذكر لنا أن قريشًا قالوا: إن سَرَّك يا محمد، اتباعك أو: أن نتبعك فسيّر لنا جبال تِهَامة, أو زد لنا في حَرَمنا حتى نتَّخذ قَطَائع نخترف فيها, (31) أو أحِي لنا فلانًا وفلانًا ! ناسًا ماتوا في الجاهلية . فأنـزل الله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، يقول: لو فعل هذا بقرآنٍ قبل قرآنكم لفُعِل بقرآنكم .
20405- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أن كفّار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أذهب عنا جبال تِهَامة حتى نتّخذها زرعًا فتكون لنا أرضين, أو أحي لنا فلانًا وفلانًا يخبروننا: حقٌّ ما تقول ! فقال الله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا) ، يقول: لو كان فَعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك .
20406- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، الآية، قال: قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: سيّر لنا الجبالَ كما سُخِّرت لداود, أو قَطِّع لنا الأرض كما قُطعت لسليمان، فاغتدى بها شهرًا وراح بها شهرًا, أو كلم لنا الموتَى كما كان عيسى يكلمهم، يقول: لم أنـزل بهذا كتابًا, ولكن كان شيئًا أعطيته أنبيائي ورسلي .
20407- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، الآية، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فسيِّر عنا هذه الجبال واجعلها حروثًا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان, أو ابعث موتانَا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه ! فقال الله : (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب, فيصنع ذلك بهذا القرآن .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
قال أبو جعفر: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله (أفلم ييأس) .
فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلمْ ويتبيَّن ويستشهد لقيله ذلك ببيت سُحَيْم بن وَثيلٍ الرِّياحيّ:
أَقُــولُ لَهُـمْ بالشِّـعْبِ إِذْ يَأْسِـرُونَنِي
أَلَـمْ تَيْأَسُـوا أَنِّـي ابْـنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (32)
ويروى: " يَيْسِرُونَني", فمن رواه: " ييسرونني" فإنه أراد: يقتسمونني، من " الميسر ", كما يقسم الجزور . ومن رواه: " يأسرونني", فإنه أراد الأسر، وقال: عنى بقوله: " ألم تيأسوا "، ألم تعلموا . وأنشدوا أيضًا في ذلك: (33)
أَلَـمْ يَيْـأَسِ الأقْـوَامُ أَنِّـي أَنَـا ابْنُـهُ
وَإِنْ كُـنْتُ عَـنْ أَرْضِ العَشِـيرَةِ نَائِيَا (34)
وفسروا قوله: " ألم ييأس ": ألم يعلَم ويتبيَّن؟
* * *
وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحيّ من النَّخَع يقال لهم: وَهْبيل, تقول: ألم تيأس, كذا بمعنى: ألم تعلمه؟
* * *
وذكر عن القاسم ابن معن أنّها لغة هَوازن, وأنهم يقولون: " يئستْ كذا "، علمتُ.
* * *
وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك, (35) ويزعم أنه لم يسمع أحدًا من العرب يقول: " يئست " بمعنى: " علمت ". ويقول هو في المعنى وإن لم يكن مسموعًا: " يئست " بمعنى: علمت يتوجَّهُ إلى ذلك إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين, أنه لو شاء لهدى الناس جميعا, (36) فقال: " أفلم ييأسوا علما ", يقول: يؤيسهم العلم, فكأن فيه العلم مضمرًا, (37) كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلح علمًا, كأنه قيل: علمتُه علمًا قال: وقول الشاعر: (38)
حَــتَّى إِذَا يَئِـسَ الرُّمَـاةُ وَأَرْسُـلوا
غُضْفًــا دَوَاجِـنَ قَـافِلا أَعْصَامُهَـا (39)
معناه: حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن، إلا الذي ظهر لهم، أرسلوا, فهو في معنى: حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علمهم, فكان ما سواه يأسا . (40)
* * *
وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ذلك بمعنى: أفلم يعلَم ويتبيَّن .
*ذكر من قال ذلك
20408- حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن [مولى مولى بحير] أن عليًّا رضي الله عنه كان يقرأ: " أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا " . (41)
20409- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون, عن حنظلة, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس: (أفلم ييأس) يقول: أفلم يتبيّن .
20410- حدثنا أحمد بن يوسف قال: حدثنا القاسم قال: حدثنا يزيد, عن جرير بن حازم, عن الزبير بن الخِرِّيت أو يعلى بن حكيم, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه كان يقرؤها: " أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا " ؛ قال: كتب الكاتب الأخرى وهو ناعسٌ . (42)
20411- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جُرَيْج قال في القراءة الأولى . زعم ابن كثير وغيره: " أفلم يتَبيَّن " . (43)
20412- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (أفلم ييأس الذين آمنوا) يقول: ألم يتبين .
20413- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح, عن علي, عن ابن عباس قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) ، يقول: يعلم .
20414- حدثنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا ليث, عن مجاهد, في قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: أفلم يتبين . (44)
20415- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: ألم يتبين الذين آمنوا .
20416- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: ألم يعلم الذين آمنوا .
20417- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: ألم يعلم الذين آمنوا .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل: إن تأويل ذلك: " أفلم يتبين ويعلم "، لإجماع أهل التأويل على ذلك، والأبيات التي أنشدناها فيه .
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآن كان سُيّرت به الجبال، لسُيّر بهذا القرآن, أو قُطَعت به الأرض لُقطعت بهذا, أو كُلِّم به الموتى، لكُلِّم بهذا, ولكن لم يُفْعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيُفْعل بهذا (45) بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ، يقول ذلك: كله إليه وبيده, يهدى من يشاءُ إلى الإيمان فيوفِّقَه له، ويُضِل من يشاء فيخذله, أفلم يتبيَّن الذين آمنوا بالله ورسوله إذْ طمِعوا في إجابتي من سأل نبيَّهم ما سأله من تسيير الجبال عنهم، (46) وتقريب أرض الشأم عليهم، وإحياء موتاهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا إلى الإيمان به من غير إيجاد آية، ولا إحداث شيء مما سألوا إحداثه؟ يقول تعالى ذكره: فما معنى محبتهم ذلك، مع علمهم بأن الهداية والإهلاك إليّ وبيدي، أنـزلت آيةً أو لم أنـزلها ; أهدي من أشاءُ بغير إنـزال آية, وأضلّ من أردتُ مع إنـزالها .
------------------------
الهوامش :
(23) انظر تفسير" الأمة" فيما سلف من فهارس اللغة ( أمم ) .
(24) انظر تفسير" خلا" فيما سلف ، 350 تعليق : 3 والمراجع هناك .
(25) انظر تفسير" التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة ( توب ) .
(26) قوله :" فقال الله تعالى" ، ساقطة من المخطوطة ، وهي واجبة .
(27) ديوانه : 107 ، وروايتهم : فَلَــوْ أَنَّهَــا نَفْسٌ تَمُـوتُ جَمِيعَـةً
وَلَكِنَّهَـــا نَفْسٌ تَسَـــاقَطُ أَنْفُسَــا
وقوله :" سريحة" ، أي معجلة في سهولة ويسر ، من قولهم :" شيء سريح" ، أي سهل أو" أمر سريح" ، أي معجل .
(28) في دواوينه المنشورة ، ليس هو آخر القصيدة ، ولو أحسن ناشرو دواوين الشعر ، لأدوا إلينا الروايات المختلفة على ترتيبها ، فإن ديوان امرئ القيس المطبوع حديثًا قد أغفل ترتيب الروايات إغفالًا تامًا ، مع شدة حاجتنا إلى ذلك في فهم الشعر ، وفي إعادة ترتيبه . وهذا مما ابتلى الله به الشعر الجاهلي ، أن يحمله إلى الناس من لا يحسنه ، حتى ساء ظن الناس فيه ، وأكثروا الطعن في روايته .
(29) هو امرؤ القيس .
(30) سلف البيت وتخريجه وشرحه 15 : 277 ، 278 .
(31) " نخترف فيها" ، أي : نقيم فيها زمن الخريف ، وذلك حين ينزل المطر ، وتنبت الأرض . والذي في كتب اللغة" أخرفوا" ، أقاموا بالمكان خريفهم ، وهذا الذي هنا قياس العربية نحو" ارتبع" ، و" اصطاف" .
(32) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 332 ، وأساس البلاغة ( يأس ) ، وخرجه الأستاذ سيد صقر في مشكل القرآن : 148 ، وغريب القرآن : 228 ، واللسان ( يأس ) . وشرحه وبينه هنالك ، وغير هذه المواضع كثير . و" زهدم" فرس سحيم فيما قالوا . ولو صحت نسبة الشعر لسحيم لكان" زهدم" فرس أبيه وثيل . وهذا الشعر ينسب إلى جابر بن سحيم ، فإذا صح ذلك ، صح أن" زهدم" فرس سحيم . وانظر نسب الخيل لابن الكلبي : 17 ، وأسماء الخيل لابن الأعرابي : 63 .
(33) نسب إلى مالك بن عوف ، وإلى رياح بن عدي .
(34) معجم غريب القرآن في مسائل نافع بن الأزرق ، لابن عباس : 291 : والقرطبي : 9 : 320 ، وأبو حيان 5 : 392 ، وأساس البلاغة ( يأس ) ، ولم أعرف الشعر .
(35) هو الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية ، والآتي هو نص كلامه .
(36) في المطبوعة :" إن الله قد أوقع ..." ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الموافق لما في معاني القرآن .
(37) في معاني القرآن :" فكأن فيهم العلم" ، والصواب ما في الطبري ، وهو موافق لما في اللسان ( يأس ) .
(38) هو لبيد .
(39) معلقته المشهورة ، في صفة صيد البقرة الوحشية . يقول : أرسلوا عليها كلابًا غضف الآذان ، وهي كلاب الصيد تسترخى آذانها . و" دواجن" ضاريات قد عودن الصيد . و" القافل" اليابس . و" الأعصام" ، جمع" عصام" ، وهو قلائد من أدم تجعل في أعناق الكلاب ، وهي السواجير أيضًا .
(40) في معاني القرآن :" فكان ما وراءه يأسا" ، وهو جيد .
(41) الأثر : 20408 -" أبو إسحاق الكوفي" ، هو" عبد الله بن ميسرة" ، ضعيف واهي الحديث ، ووثقه ابن حبان ، مضى برقم : 6920 ، 13489 ، 20078 ، وكان هشيم يكنيه بابن له يقال له" إسحاق" ، وكنيته" أبو ليلى" وهشيم يدلس بهذه الكنية . وكان في المخطوطة" ابن إسحاق الكوفي" ، وهو خطأ صرف .
وأما الذي بين القوسين ، فهو هكذا جاء في المخطوطة ، وجعل مكانه في المطبوعة :" عن مولى يخبر" ، تصرف في الإسناد أسوأ التصرف وأشنعه . وهذا الذي بين القوسين ربما قرئ آخره :" مولى بحتر" ، وقد استوعبت ما في تهذيب الكمال للحافظ المزي ، في باب من روى عن" علي بن أبي طالب" ، وباب من روى عنه" أبو إسحاق الكوفي" ، فلم أجد شيئًا قريب التحريف من هذا الذي عندنا .
ومهما يكن من شيء ،فحسب هذا الإسناد وهاء أن يكون فيه" أبو سحاق الكوفي" ، ثم انظر التعليق على الأثر التالي رقم : 20410 .
وكان في المطبوعة :" كان يقول" مكان :" كان يقرأ" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأن الناسخ كتب"يقول" ثم جعل الواو" راء" ، وأدخل الألف في اللام ، ووضع عليها الهمزة ، فاختلط الأمر على الناشر .
(42) الأثر : 20410 -" أحمد بن يوسف التغلبي الأحول" ، شيخ أبي جعفر الطبري ، هو صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام ، مشهور بصحبته ، ثقة مأمون ، مضى مرارًا آخرها رقم : 12994 وهو الذي أخذ عنه أبو جعفر الطبري كتب أبي عبيد القاسم بن سلام .
و" القاسم" ، هو" القاسم بن سلام" ،" أبو عبيد" ، الفقيه القاضي ، صاحب التصانيف المشهورة ، كان إمام دهره في جميع العلوم ، وهو صاحب سنة ، ثقة مأمون ، وثناء الأئمة عليه ثناء لا يدرك .
و" يزيد" ، هو" يزيد بن هرون السلمي" ، وهو أحد الحفاظ الثقات الأثبات المشاهير ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 10484 .
و" جرير" هو" جرير بن حازم الأزدي" ، ثقة حافظ ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 14157 .
و" الزبير بن الخريت" . ثقة ، روى له الجماعة سوى النسائي ، مضى برقم : 4985 ، 11693 ، وكان في المطبوعة :" الزبير بن الحارث" ، غير ما في المخطوطة مجازفة .
و" يعلي بن حكيم" ، ثقة ، روى له الجماعة سوى الترمذي ، مضى برقم : 12748 .
فهذا خبر رجاله ثقات ، بل كل رجاله رجال الصحيحين ، سوى أبي عبيد القاسم بن سلام ، وهو أمام ثقة صدوق ، فإسناده صحيح ، لا مطعن فيه - ومع صحة إسناده لم أجد أحدًا من أصحاب الدواوين الكبار ، كأحمد في مسنده ، أو الحاكم في المستدرك ، ولا أحدًا ممن نقل عن الدواوين الكبار ، كالهيثمي في مجمع الزوائد ، أخرج هذا الخبر أو أشار إلى هذه القراءة عن ابن عباس ، أو علي بن أبي طالب ، كما جاء في الخبر الذي قبله رقم : 20408 ، بل أعجب من ذلك أن ابن كثير ، وهو المتعقب أحاديث أبي جعفر في التفسير ، لما بلغ تفسير هذه الآية ، لم يفعل سوى أن أشار إلى قراءة ابن عباس ، وأغفل هذا الخبر إغفالًا على غير عادته ، وأكبر ظني أن ابن كثير عرف صحة إسناده ، ولكنه أنكر ظاهر معناه إنكارًا حمله على السكوت عنه ، وكان خليقًا أن يذكره ويصفه بالغرابة أو النكارة ، ولكنه لم يفعل ، لأنه فيما أظن قد تحير في صحة إسناده ، مع نكارة ما يدل عليه ظاهر لفظه . وزاد هذا الظاهر نكارة عنده ، ما قاله المفسرون قبله في هذا الخبر عن ابن عباس ، حين رووه غير مسند بألفاظ غير هذه الألفاظ .
فلما رأيت ذلك من فعل ابن كثير وغيره ، تتبعت ما نقله الناقلون من ألفاظ الخبر ، فوجدت بين ألفاظ الخبر التي رويت غير مسندة ، وبين لفظ أبي جعفر المسند ، فرقًا يلوح علانية ، وألفاظهم هذه هي التي دعت كثيرًا من الأئمة يقولون في الخبر مقالة سيئة ، بلغت مبلغ الطعن في قائله بأنه زنديق ملحد ! ونعم ، فإنه لحق ما قالوه في الخبر الذي رووه بألفاظهم ، أما لفظ أبي جعفر هذا ، وإن كان ظاهره مشكلا ، فإن دراسته على الوجه الذي ينبغي أن يدرس به ، تزيل عنه قتام المعنى الفاسد الذي يبتدر المرء عند أول تلاوته .
فلما شرعت في دراسته من جميع وجوه الدراسة ، انفتح لي باب عظيم من القول في هذا الخبر وأشباهه ، من مثل قول عائشة أم المؤمنين :" يا ابن أخي ، أخطأ الكاتب" ، أي ما كتب في المصحف الإمام ، ومعاذ الله أن يكون ذلك ظاهر لفظ حديثها . وهذان الخبران وأشباه لهما يتخذهما المستشرقون وبطانتهم ممن ينتسبون إلى أهل الإسلام ، مدرجة للطعن في القرآن . أو تسويلا للتلبيس على من لا علم عنده بتنزيل القرآن العظيم ، فاقتضاني الأمر أن أكتب رسالة جامعة في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم :" أنزل القرآن على سبعة أحرف" ، وكيف كانت هذه الأحرف السبعة وما الذي بقي عندنا منها ، وانتهيت إلى أنها بحمد الله باقية بجميعها في قراءات القرأة ، وفي شاذ القراءة ، وفي رواية الحروف ، لا كما ذهب إليه أبو جعفر الطبري في مقدمة تفسيره ( 1 : 55 - 59 ) ، ومن ذهب في ذلك مذهبه . ثم بينت ما كان من أمر كتابة المصحف على عهد أبي بكر ، ثم كتابة المصحف الإمام على عهد عثمان رضي الله عنهما ، وجعلت ذلك بيانًا شافيًا كافيًا بإذن الله . وكنت على نية جعل هذه الرسالة مقدمة للجزء السادس عشر من تفسير أبي جعفر ولكنها طالت حتى بلغت أن تكون كتابًا ، فآثرت أن أفردها كتابًا يطبع على حدته إن شاء الله .
(43) الأثر : 20411 -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري ثقة ، أحد أصحاب الشافعي ، مضى مرارًا آخرها رقم : 18807 .
و" حجاج بن محمد المصيصي الأعور" ،" أبو محمد ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 18290 .
(44) الأثر : 20414 -" عمران بن موسى بن حيان القزاز" ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 8683 .
و" عبد الوارث" ، هو" عبد الوارث بن سعد بن ذكوان" ، أحد الأعلام ، مضى مرارًا آخرها رقم : 15339 .
و" ليث" ، هو" ليث بن أبي سليم القرشي" ، هو الذي يروي عن مجاهد ، مضى مرارًا ، آخرها : 9632 .
(45) كانت هذه العبارة في المطبوعة :" ولو يفعل بقرآن قبل هذا القرآن لفعل بهذا" ، وهي عبارة فاسدة كل الفساد ، صوابها ما في المخطوطة ، ولا أدري لم غيره ؟
(46) الزيادة بين القوسين ، يقتضيها السياق أو أن يحذف من الكلام" من" في قوله :" من تسيير الجبال" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 129 | ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ |
---|
هود: 88 | ﴿مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾ |
---|
يوسف: 67 | ﴿إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ﴾ |
---|
الرعد: 30 | ﴿قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ﴾ |
---|
الشورى: 10 | ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة:{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} من الكتب الإلهية{ سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} عن أماكنها{ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} جنانا وأنهارا{ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} لكان هذا القرآن.{ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} فيأتي بالآيات التي تقتضيها حكمته، فما بال المكذبين يقترحون من الآيات ما يقترحون؟ فهل لهم أو لغيرهم من الأمر شيء؟.
{ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} فليعلموا أنه قادر على هدايتهم جميعا ولكنه لا يشاء ذلك، بل يهدي من يشاء، ويضل من يشاء{ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا} على كفرهم، لا يعتبرون ولا يتعظون، والله تعالى يوالي عليهم القوارع التي تصيبهم في ديارهم أو تحل قريبا منها، وهم مصرون على كفرهم{ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} الذي وعدهم به، لنزول العذاب المتصل الذي لا يمكن رفعه،{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وهذا تهديد لهم وتخويف من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم وعنادهم وظلمهم.
ثم أشار- سبحانه- إلى عظمة هذا القرآن الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى....
والمراد بالقرآن هنا: معناه اللغوي، أى الكلام المقروء.
وجواب لو محذوف لدلالة المقام عليه.
والمعنى: ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية، سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أى: تحركت من أماكنها، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أى شققت وصارت قطعا، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بأن يعودوا إلى الحياة بعد قراءته عليهم.
ولو أن كتابا مقروءا كان من وظيفته أن يفعل ذلك لكان هذا القرآن، لكونه الغاية القصوى في الهداية والتذكير، والنهاية العظمى في الترغيب والترهيب.
وعلى هذا المعنى يكون الغرض من الآية الكريمة بيان عظم شأن القرآن الكريم، وإبطال رأى الكافرين الذين طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم آية كونية سواه.
ويصح أن يكون المعنى: ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية نزل عليك يا محمد فسيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى، لما آمن هؤلاء المعاندون.
قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... .
وعلى هذا المعنى يكون المقصود من الآية الكريمة، بيان غلوهم في العناد والطغيان، وتماديهم في الكفر والضلال، وأن سبب عدم إيمانهم ليس مرده إلى عدم ظهور الدلائل الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وإنما سببه الحسد والعناد والمكابرة.
ووجه تخصيص هذه الأشياء الثلاثة من بين الخوارق التي طلبوها منه صلى الله عليه وسلم ما ذكره الإمام ابن كثير من أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية .
وقوله- سبحانه- بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً إضراب عن مطالبهم المتعنتة إلى بيان أن الأمور كلها بيد الله، وأن قدرته- سبحانه- لا يعجزها شيء.
أى: إن الله- تعالى- لا يعجزه أن يأتى بالمقترحات التي اقترحوها، ولكن إرادته- سبحانه- لم تتعلق بما اقترحوه، لعلمه- سبحانه- بعتوهم ونفورهم عن الحق مهما أوتوا من آيات.
وقوله- سبحانه: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً تيئيس للمؤمنين من استجابة أولئك الجاحدين للحق، إلا أن يشاء الله لهم الهداية، والاستفهام للإنكار. وأصل اليأس: قطع الطمع في الشيء والقنوط من حصوله.
وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة اتجاهان:
أحدهما يرى أصحابه أن الفعل ييأس على معناه الحقيقي وهو قطع الطمع في الشيء، وعليه يكون المعنى: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان كفار قريش، ويعلموا أن الله- تعالى- لو يشاء هداية الناس جميعا لاهتدوا، ولكنه لم يشأ ذلك، ليتميز الخبيث من الطيب.
وعلى هذا الاتجاه سار الإمام ابن كثير فقد قال- رحمه الله-: وقوله- تعالى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أى: من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً فإنه ليس هناك حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن، الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي إلا وقد أوتى ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة .
ويؤيد هذا الاتجاه ما ذكره السيوطي في تفسيره من أن بعض الصحابة قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، اطلب لهم- أى للمشركين- ما اقترحوه عسى أن يؤمنوا.
أما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه أن الفعل ييأس بمعنى يعلم، وعليه يكون المعنى: أفلم يعلم المؤمنون أنه- سبحانه- لو شاء هداية الناس جميعا لآمنوا.
وهذا الاتجاه صدر به الآلوسى تفسيره فقال ما ملخصه:
ومعنى قوله- سبحانه-: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أفلم يعلموا. وهي كما قال القاسم بن معن لغة هوازن. وقال الكلبي هي لغة حي من النخع، وأنشدوا على ذلك قول سحيم بن وئيل الرباحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى ... ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
وقول رباح بن عدى:
ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقة.
وقيل مجاز لأنه متضمن للعلم فان الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ...
والفاء للعطف على مقدر. أى: أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله- تعالى- فلم يعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ... .
ثم حذر- سبحانه- الكافرين من التمادي في كفرهم، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال- تعالى-: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.
والقارعة: من القرع، وهو ضرب الشيء بشيء آخر بقوة وجمعها قوارع.
والمراد بها: الرزية والمصيبة والكارثة.
أى: ولا يزال الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم تصيبهم بسبب ما صنعوه من الكفر والضلال «قارعة» أى مصيبة تفجؤهم وتزعجهم أو تحل تلك المصيبة في مكان قريب من دارهم، فيتطاير شرها إليهم، حتى يأتى وعد الله بهلاكهم وهزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم، إن الله- تعالى- لا يخلف الميعاد، أى: موعوده لرسله ولعباده المؤمنين.
وأبهم- سبحانه- ما يصيب الكافرين من قوارع، لتهويله وبيان شدته.
والتعبير بقوله وَلا يَزالُ يشير إلى أن ما أصابهم من قوارع كان موجودا قبل نزول هذه الآية، واستمرت إصابته لهم بعد نزولها، لأن الفعل لا يَزالُ يدل على الإخبار باستمرار شيء واقع.
ولعل هذه الآية الكريمة كان نزولها في خلال سنى الجدب التي حلت بقريش والتي أشار إليها القرآن بقوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ ... .
وعبر- سبحانه- عما أصابهم من بلاء بالقارعة، للمبالغة في شدته وقوته. حتى إنه ليقرع قلوبهم فجأة فيبهتهم ويزعجهم، ولذلك سميت القيامة بالقارعة، لأنها تقرع القلوب بأهوالها.
وقال- سبحانه-: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ لبيان أنهم بين أمرين أحلاهما مرّ لأن القارعة إما أن تصيبهم بما يكرهونه ويتألمون له، وإما أن تنزل قريبا منهم فتفزعهم، وتقلق أمنهم، وهم مستمرون على ذلك حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
ولقد قضى الله- تعالى- أمره، بهزيمتهم في بدر وفي غيرها. وأتم نصره على المؤمنين بفتح مكة. وبدخول الناس في دين الله أفواجا.
ثم أخذت السورة الكريمة بعد ذلك في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وعلى بطلان الشرك، وفي بيان ما أعده للكافرين من عقاب، وما أعده للمتقين من ثواب فقال تعالى:
يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ومفضلا له على سائر الكتب المنزلة قبله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) أي : لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها ، أو تقطع به الأرض وتنشق أو تكلم به الموتى في قبورها ، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك; لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ، ولا بسورة من مثله ، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به ، جاحدون له ، ( بل لله الأمر جميعا ) أي : مرجع الأمور كلها إلى الله ، عز وجل ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، ومن يهد الله فلا مضل له .
وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة; لأنه مشتق من الجميع ، قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " خففت على داود القراءة ، فكان يأمر بدابته أن تسرج ، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته ، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه " . انفرد بإخراجه البخاري .
والمراد بالقرآن هنا الزبور .
وقوله : ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) أي : من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا ( أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ، الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله . وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " معناه : أن معجزة كل نبي انقرضت بموته ، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الفصل ليس بالهزل . من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا منجاب بن الحارث ، أنبأنا بشر بن عمارة ، حدثنا عمر بن حسان ، عن عطية العوفي قال : قلت له : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) الآية ، قالوا لمحمد ، صلى الله عليه وسلم : لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل الله هذه الآية . قال : قلت : هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، عن أبي سعيد ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .
وكذا روي عن ابن عباس ، والشعبي ، وقتادة ، والثوري ، وغير واحد في سبب نزول هذه الآية ، فالله أعلم .
وقال قتادة : لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ، فعل بقرآنكم .
وقوله : ( بل لله الأمر جميعا ) قال ابن عباس : [ أي ] لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ، ولم يكن ليفعل ، رواه ابن إسحاق بسنده عنه ، وقاله ابن جرير أيضا .
وقال غير واحد من السلف في قوله : ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) أفلم يعلم الذين آمنوا . وقرأ آخرون : " أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " .
وقال أبو العالية : قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا .
وقوله : ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم ) أي : بسبب تكذيبهم ، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ، كما قال تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) [ الأحقاف : 27 ] وقال ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ) [ الأنبياء : 44 ] .
قال قتادة ، عن الحسن : ( أو تحل قريبا من دارهم ) أي : القارعة . وهذا هو الظاهر من السياق .
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا المسعودي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال : سرية ، ( أو تحل قريبا من دارهم ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، ( حتى يأتي وعد الله ) قال : فتح مكة .
وهكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، في رواية .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال : عذاب من السماء ينزل عليهم ( أو تحل قريبا من دارهم ) يعني : نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم وقتاله إياهم .
وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وقال عكرمة في رواية عنه ، عن ابن عباس : ( قارعة ) أي : نكبة .
وكلهم قال : ( حتى يأتي وعد الله ) يعني : فتح مكة . وقال الحسن البصري : يوم القيامة .
وقوله : ( إن الله لا يخلف الميعاد ) أي : لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة ، ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) [ إبراهيم : 47 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ولا يزال) يا محمد(الذين كفروا)، من قومك(تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم بالله، وتكذيبهم إياك، وإخراجهم لك من بين أظهرهم(قارعة), وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم, بالقتل أحيانًا, وبالحروب أحيانًا, والقحط أحيانًا(أو تحل) ، أنت يا محمد, يقول: أو تنـزل أنت(قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك(حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعدك فيهم, وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف(إن الله لا يخلف الميعاد)، يقول: إن الله منجزك، يا محمد ما وعدك من الظهور عليهم, لأنه لا يخلف وعده .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20418- [حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا] أبو داود قال: حدثنا المسعوديّ, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال: سَرِيَّة (أو تحل قريبًا من دارهم) ، قال: محمد(حتى يأتي وعد الله) ، قال: فتح مكة . (47)
20419- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن المسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس، بنحوه غير أنه لم يذكر " سريّة " .
20420- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا أبو قطن قال: حدثنا المسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, تلا هذه الآية: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: " القارعة ": السريّة، (أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم(حتى يأتي وعد الله) ، قال: فتح مكة . (48)
20421- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا زهير, أن خصيفًا حدثهم, عن عكرمة, في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم) ، قال: نـزلت بالمدينة في سرايَا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم(أو تحل)، أنت يا محمد(قريبًا من دارهم) .
20422- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن النضر بن عربيّ, عن عكرمة: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: سرية(أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، قال: أنت يا محمد .
20423- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، يقول: عذابٌ من السماء ينـزل عليهم(أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، يعني: نـزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتالَه إياهم .
20424- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، تصاب منهم سَرِيَّة, أو تصاب منهم مصيبة أو يحل محمد قريبًا من دارهم وقوله: (حتى يأتي وعد الله) قال: الفتح .
20425- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عبد الله بن أبي نجيح: (أو تحل قريبًا من دارهم) ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
20426- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد نحو حديث الحسن, عن شبابة .
20427- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا قيس, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عباس: قال: (قارعة)، قال: السرايا .
20428- ... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار, عن منصور, عن مجاهد: (قارعة) قال: مصيبة من محمد(أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، قال: أنت يا محمد(حتى يأتي وعد الله) ، قال: الفتح .
20429- ... قال: حدثنا إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: (قارعة) ، قال: كتيبةً .
20430- ... قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبيه, عن سعيد بن جبير: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: سرية (أو تحل قريبًا من دارهم) ، قال: أنت يا محمد .
20431- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) أي بأعمالهم أعمال السوء وقوله: (أو تحل قريبًا من دارهم) ، أنت يا محمد(حتى يأتي وعد الله) ، ووعدُ الله: فتحُ مكة .
20432- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (قارعة) ، قال: وَقِيعة(أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، قال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم, يقول: أو تحل أنتَ قريبًا من دارهم .
20433- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن طلحة, عن طلحة, عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: سريّة . (49)
20434- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: السرايا، كان يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم(أو تحل قريبًا من دارهم) ، أنت يا محمد(حتى يأتي وعد الله) ، قال: فتح مكة .
20435-... قال، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن بعض أصحابه, عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: كتيبة .
20436- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد, في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، قال: قارعة من العذاب .
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (أو تحلّ قريبًا من دارهم) ، تحل القارعةُ قريبًا من دارهم .
*ذكر من قال ذلك:
20437- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: قال الحسن: (أو تحل قريبًا من دارهم) ، قال: ( أو تحل القارعة قريبا من دارهم) .
20438- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن قال،: (أو تحل قريبًا من دارهم) ، قال: أو تحل القارعة .
* * *
وقال آخرون في قوله: (حتى يأتي وعد الله) ، هو: يوم القيامة .
*ذكر من قال ذلك:
20439- حدثني المثنى قال: حدثنا مُعلَّى بن أسَد قال: حدثنا إسماعيل بن حكيم, عن رجل قد سماه عن الحسن, في قوله: (حتى يأتي وعد الله) قال: يوم القيامة .
-------------------
الهوامش :
(47) الأثر : 20418 - هذا إسناد لا شك أن قد سقط صدره ، وهو الذي زدته بين القوسين ، استظهارًا بإسناد سابق رقم : 2156 :" حدثنا محمد بن المثنى ، عن أبي داود ، عن المسعودي ..." و" أبو داود" هو الطيالسي الإمام الحافظ :" سليمان بن داود بن الجارود" ،
و" المسعودي" ، هو" عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود" ، مضى مرارًا كثيرة ، آخرها : 17982 .
(48) الأثر : 20420 -" أبو قطن" ، هو" عمرو بن الهيثم البغدادي" ثقة ، سلف برقم : 18674 ، 20091 .
وكان هذا الإسناد مكررًا في المخطوطة ، ثم ختمه بقوله :" عن ابن عباس بنحوه، غير أنه لم يذكر سرية" ، وهذا يناقض رواية الإسناد بعده . والظاهر أنه لما قلب الورقة ليكتب بقية الخبر ، سبق نظره إلى ختام الخبر السالف ، ثم تابع النقل على الصواب ، فكرر الإسناد ثم أتبعه الخبر .
(49) الأثر : 20433 -" محمد بن طلحة بن مصرف اليامي" ، وثقه أحمد ، وضعفه غيره ، ومضى برقم : 5088 ، 5420 .
و" طلحة" أبوه ، وهو" طلحة بن مصرف اليامي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، وهو يروي عن مجاهد . مضى برقم : 5431 ، 11145 ، 11146 . وكان في المخطوطة هنا في الهامش علامة تشكك ، وهذا هو تفسير ما تشكك فيه الناسخ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 31 | ﴿بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيَۡٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ﴾ |
---|
الحج: 55 | ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أو تحل:
قرئ:
1- بالتاء، على الخطاب، هى قراءة ابن عباس، وقتادة.
2- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة مجاهد، وابن جبير.
دارهم:
وقرئ:
ديارهم، بالجمع.
التفسير :
يقول تعالى لرسوله -مثبتا له ومسليا-{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} فلست أول رسول كذب وأوذي{ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} برسلهم أي:أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين.{ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بأنواع العذاب{ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} كان عقابا شديدا وعذابا أليما، فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ... تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب تعنت المشركين معه. ومطالبتهم له بالمطالب السخيفة التي لا صلة لها بدعوته، كطلبهم منه تسيير الجبال وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى.
والاستهزاء: المبالغة في السخرية والتهكم من المستهزأ به. والإملاء: الإمهال والترك لمدة من الزمان.
والتنكير في قوله بِرُسُلٍ للتكثير، فقد استهزأ قوم نوح به، وكانوا كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة سخروا منه.
واستهزأ قوم شعيب به وقالوا له: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .
واستهزأ قوم هود به وقالوا له: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ..... واستهزأ فرعون بموسى فقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ .
والمعنى: ولقد استهزأ الطغاة والجاحدون برسل كثيرين من قبلك- أيها الرسول الكريم- فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أى: فأمهلتهم وتركتهم مدة من الزمان في أمن ودعة.
ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أخذ عزيز مقتدر فَكَيْفَ كانَ عِقابِ فانظر كيف كان عقابي إياهم، لقد كان عقابا رادعا دمرهم تدميرا.
فالاستفهام للتعجيب مما حل بهم، والتهويل من شدته وفظاعته وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ .
قال ابن كثير: وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .
يقول تعالى مسليا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) أي : فلك فيهم أسوة ، ( فأمليت للذين كفروا ) أي : أنظرتهم وأجلتهم ، ( ثم أخذتهم ) أخذة رابية ، فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] وفي الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن يستهزئ هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الآيات تكذيبًا منهم ما جئتهم به, فاصبر على أذاهم لك وامض لأمر ربك في إنذارهم، والإعذار إليهم, (50) فلقد استهزأت أممٌ من قبلك قد خَلَت فمضتْ بُرسلِي, (51) فأطلتُ لهم في المَهَل، ومددت لهم في الأجَل, ثم أحللتُ بهم عذابي ونقمتي حين تمادَوْا في غيِّهم وضَلالهم, فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم, ألم أذقهم أليم العذاب، وأجعلهم عبرةً لأولي الألباب؟
* * *
و " الإملاء " في كلام العرب ، (52) الإطالة, يقال منه: " أمْليَتُ لفلان "، إذا أطلت له في المَهَل, ومنه: " المُلاوة من الدهر ", ومنه قولهم: " تَمَلَّيْتُ حبيبًا, (53) ولذلك قيل لليل والنهار: " المَلَوَان " لطولهما, كما قال ابن مُقبل:
أَلا يَــا دِيَــارَ الْحَــيِّ بِالسَّـبُعَانِ
أَلَــحَّ عَلَيْهَــا بِــالْبِلَى المَلَــوَانِ (54)
وقيل للخَرْقِ الواسع من الأرض: " مَلا ", (55) كما قال الشاعر: (56)
فَــأَخْضَلَ مِنْهَـا كُـلَّ بَـالٍ وَعَيِّـنٍ
وَجِــيفُ الرَّوَايَـا بِـالمَلا المُتَبـاطِنِ (57)
لطول ما بين طرفيه وامتداده .
-------------------------------
الهوامش :
(50) في المطبوعة :" في إعذارهم" ، وهو فاسد ، ونون" إنذارهم" في المخطوطة، كانت عينًا ثم جعلها الكاتب نونًا ، فعاث في رسمها ، يقال :" أعذرت إليه إعذارًا" ، أي لم تبق موضعًا للاعتذار ، لأنك بلغت أقصى الغاية في التبليغ والبيان .
(51) في المطبوعة :" برسل" ، بغير ياء ، لم يحسن قراءة المخطوطة لخفاء الياء في كتابة الكاتب .
(52) انظر تفسير" الإملاء" فيما سلف 7 : 421 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 108 ، 333 .
(53) في المطبوعة : تمليت حينًا" ، وهو خطأ صرف .
(54) مضى البيت وتخريجه ونسبته وشرحه فيما سلف 7 : 420 تعليق رقم : 3 ، 4 ، وانظر قصيدة ابن مقبل في ديوانه الذي طبع حديثًا : 335 .
(55) انظر مجاز القرآن 1 : 333 .
(56) هو الطرماح ، وهو طائي .
(57) ديوانه : 168 ، واضداد الأصمعي وابن السكيت : 44 ، 197 ، وأضداد ابن الأنباري : 256 ، واللسان ( عين ) ، وكان في المطبوع :" وجف الروايا" ، وجاء كذلك في بعض المراجع السالفة وفي الديوان ، وهو في المخطوطة" وجيف" ، وإن كان ما بعد ذلك مضطرب الكتابة وقصيدة الطرماح هذه كما جاءت في الديوان مضطربة ، سقط منها كثير ، تجد بعضها في مواضع مختلفة من المعاني الكبير لابن قتيبة ، يدل على سقوط أبيات قبل هذا البيت ، ولم استطع أن أعرف موضع هذا البيت من قصيدته ، ولذلك غمض معناه عليّ ، لتعلق الضمير في" منها" بمذكور قبله لم أقف عليه ، ولذلك أيضًا لا أستطيع أن أرجح أي اللفظين أحق بالمعنى" وجف" أو" وجيف" ، ولكني إلى الثانية أميل . ولغة البيت :" اخضل" ابتل . ويقال" سقاء عين" ، إذا سال منه الماء و" سقاء عين" في لغة طيئ جديد ، والطرماح طائي ،فهو المراد هنا . و" الوجيف" ، وضرب من سير الإبل سريع . و" الروايا" جمع" رواية" ، وهو البعير الذي يستقي عليه ، يحمل مزاد الماء . و" المتباطن" ، في شرح ديوانه ، المتطامن ، وكذلك في أمالي أبي علي القالي 2 : 7 في شرح حديث امرأة قالت :" ارم بعينك في هذا الملا المتباطن" . وعندي أن هذا التفسير في الموضعين غير جيد ، وإنما هو من قولهم :" شأو بطين" ، أي بعيد واسع ، ونص الزمخشري في الأساس على ذلك فقال :" تباطن المكان ، تباعد" ، فهذا حق اللفظ هنا ، كما نرى .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 10 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ |
---|
الأنبياء: 41 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ |
---|
الرعد: 32 | ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى:{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} بالجزاء العاجل والآجل، بالعدل والقسط، وهو الله تبارك وتعالى كمن ليس كذلك؟
ولهذا قال:{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} وهو الله الأحد الفرد الصمد، الذي لا شريك له ولا ند ولا نظير،{ قُلْ} لهم إن كانوا صادقين:{ سَمُّوهُمْ} لتعلم حالهم{ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ} فإنه إذا كان عالم الغيب والشهادة وهو لا يعلم له شريكا، علم بذلك بطلان دعوى الشريك له، وأنكم بمنزلة الذي يُعَلِّمُ الله أن له شريكا وهو لا يعلمه، وهذا أبطل ما يكون؛ ولهذا قال:{ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} أي:غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى أنه بظاهر أقوالكم.
وأما في الحقيقة، فلا إله إلا الله، وليس أحد من الخلق يستحق شيئا من العبادة، ولكن{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} الذي مكروه وهو كفرهم وشركهم، وتكذيبهم لآيات الله{ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} أي:عن الطريق المستقيمة الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته،{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لأنه ليس لأحد من الأمر شيء.
ثم أقام- سبحانه- الأدلة الساطعة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له- تعالى- فقال: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ....
والمراد بالقيام هنا: الحفظ والهيمنة على جميع شئون الخلق والاستفهام للإنكار، والخبر محذوف والتقدير: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ أى: رقيب ومهيمن عَلى كُلِّ نَفْسٍ كائنة ما كانت، عالم بما تعمله من خير أو شر فمجازيها به كمن ليس كذلك؟
وحذف الخبر هنا وهو قولنا- كمن ليس كذلك- لدلالة السياق عليه، كما في قوله- تعالى-: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ أى: كمن قسا قلبه.
وحسن حذف الخبر هنا لأنه مقابل للمبتدأ الذي هو من ولأن قوله- تعالى-:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ يدل عليه.
والمقصود من الآية الكريمة إنكار المماثلة بين الخالق العظيم، العليم بأحوال النفوس ...
وبين تلك الأصنام التي أشركوها مع الله- تعالى- في العبادة والتي هي لا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لنفسها- فضلا عن غيرها- نفعا ولا ضرا.
وجملة وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ حالية، والتقدير:
أفمن هذه صفاته، وهو الله- تعالى- كمن ليس كذلك، والحال أن هؤلاء الأغبياء قد جعلوا له شركاء في العبادة وغيرها.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة، زيادة توبيخهم، وتسفيه أفكارهم وعقولهم.
وقوله- سبحانه- قُلْ سَمُّوهُمْ تبكيت لهم إثر تبكيت.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- سموهم شركاء إن شئتم، فإن هذه التسمية لا وجود لها في الحقيقة والواقع، ولا تخرجهم عن كونهم لا يملكون لأنفسهم- فضلا عن غيرهم- نفعا ولا ضرا، لأن الله- تعالى- واحد لا شريك له.
وهذه التسمية إنما هي من عند أنفسكم ما أنزل الله بها من سلطان، كما قال تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ .
فالأمر في قوله سَمُّوهُمْ مستعمل في الإباحة المصحوبة بالتهديد، للإشارة إلى عدم الاكتراث بهم وبآلهتهم التي سموها شركاء. وهذا كما يقول العاقل للأحمق الذي لا يحسن الكلام: قل ما شئت فإن كلامك لا وزن له، ولا خير فيه.
قال الإمام الرازي عند تفسيره لهذه الآية: «واعلم أنه- تعالى- لما قرر هذه الحجة- وهي أن القائم على كل نفس ليس كمن لا يملك شيئا- زاد في الحجاج فقال: قُلْ سَمُّوهُمْ
وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال: سمه إن شئت.
يعنى: إنه أخس من أن يسمى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسما فافعل.
فكأنه- تعالى- قال: سموهم بالآلهة، والمعنى: سواء أسميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها» ...
والاستفهام في قوله- تعالى-: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ، أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ للإنكار والتوبيخ.
أى: قل أيها الرسول لهؤلاء الذين جعلوا لله شركاء وسموهم بهذا الاسم: قل لهم على سبيل الإنكار والتوبيخ: أتخبرون الله بشركاء لا وجود لهم في الأرض، لأنهم لو كان لهم وجود لعلمهم، لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أم أنكم سميتموهم شركاء بظاهر من القول أى: بظن من القول لا حقيقة له في الواقع ونفس الأمر.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله أَمْ تُنَبِّئُونَهُ أى: بل أتخبرون الله- تعالى- بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أى بشركاء مستحقين للعبادة لا يعلمهم- سبحانه- والمراد: نفيها بنفي لازمها على طريق الكناية، لأنه- سبحانه- إذا كان لا يعلمها- وهو الذي لا يعزب عن علمه شيء- فهي لا حقيقة لها أصلا.
وتخصيص الأرض بالذكر، لأن المشركين زعموا أنه- سبحانه- له شركاء فيها.
وقوله أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أى: بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير معنى متحقق في نفس الأمر، كتسمية الزنجي كافورا.
وروى عن الضحاك وقتادة، أن الظاهر من القول: الباطل منه، كما في قول القائل:
أعيرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار يا ابن ربطة ظاهر
أى: باطل زائد ... .
وقوله- سبحانه-: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ إضراب عن حجاجهم، وإهمال لشأنهم، و «زين» من التزيين وهو تصيير الشيء زينا أى: حسنا.
والمكر: صرف الغير عما يريده بحيلة. والمراد به هنا: كفرهم ومسالكهم الخبيثة ضد الإسلام والمسلمين.
والمعنى: دع عنك أيها الرسول الكريم- مجادلتهم، لأنه لا فائدة من ورائها، فإن هؤلاء الكافرين قد زين لهم الشيطان ورؤساؤهم في الفكر مكرهم وكيدهم للإسلام وأتباعه، وصدوهم عن السبيل الحق، وعن الصراط المستقيم، ومن يضلله الله- تعالى- بأن يخلق فيه الضلال لسوء استعداده، فما له من هاد يهديه ويرشده إلى ما فيه نجاته.
هذا، وقد اشتملت هذه الآية على ألوان من الحجج الساطعة التي تثبت وجوب إخلاص العبادة لله، وتبطل الشركة والشركاء أشار إليها بعض المفسرين فقال:
قال الطيبي: في هذه الآية الكريمة احتجاج بليغ مبنى على فنون من علم البيان:
أولها: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ كمن ليس كذلك، احتجاج عليهم وتوبيخ لهم على القياس الفاسد لفقد الجهة الجامعة لهما.
ثانيها: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ من وضع المظهر موضع المضمر، للتنبيه على أنهم جعلوا شركاء لمن هو فرد واحد لا يشاركه أحد في أسمائه.
ثالثها: قُلْ سَمُّوهُمْ أى عينوا أسماءهم فقولوا فلان وفلان، فهو إنكار لوجودها على وجه برهاني ...
رابعها: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ احتجاج من باب نفى الشيء أعنى العلم بنفي لازمه وهو المعلوم وهو كناية.
خامسها: أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ احتجاج من باب الاستدراج لبعثهم على التفكر.
أى: أتقولون بأفواهكم من غير روية، وأنتم ألباء، فتفكروا فيه لتقفوا على بطلانه.
سادسها: التدرج في كل من الإضرابات على ألطف وجه، وحيث كانت الآية مشتملة على هذه الأساليب البديعة مع اختصارها، كان الاحتجاج المذكور مناديا على نفسه بالإعجاز وأنه ليس كلام البشر» .
يقول تعالى : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) أي : حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة ، يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ، ولا يخفى عليه خافية ، ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) [ يونس : 61 ] وقال تعالى : ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ) [ الأنعام : 59 ] وقال ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] وقال ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) [ الرعد : 10 ] وقال ( يعلم السر وأخفى ) [ طه : 7 ] وقال ( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) [ الحديد : 4 ] أفمن هو هكذا كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ، ولا تملك نفعا لأنفسها ولا لعابديها ، ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها ؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه ، وهو قوله : ( وجعلوا لله شركاء ) أي : عبدوها معه ، من أصنام وأنداد وأوثان .
( قل سموهم ) أي : أعلمونا بهم ، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا ، فإنهم لا حقيقة لهم; ولهذا قال : ( أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ) أي : لا وجود له; لأنه لو كان له وجود في الأرض لعلمها; لأنه لا تخفى عليه خافية .
( أم بظاهر من القول ) قال مجاهد : بظن من القول .
وقال الضحاك وقتادة : بباطل من القول .
أي إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر ، وسميتموها آلهة ، ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [ النجم : 23 ] .
( بل زين للذين كفروا مكرهم ) قال مجاهد : قولهم ، أي : ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار ، كما قال تعالى : ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) [ فصلت : 25 ] .
" وصدوا عن السبيل " : من قرأها بفتح الصاد ، معناه : أنهم لما زين لهم ما فيه وأنه حق ، دعوا إليه وصدوا الناس عن اتباع طريق الرسل . ومن قرأها ) وصدوا ) أي : بما زين لهم من صحة ما هم عليه ، صدوا به عن سبيل الله; ولهذا قال : ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) كما قال ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) [ المائدة : 41 ] وقال ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) [ النحل : 37 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أفَالرَّبُ الذي هو دائمٌ لا يَبيدُ ولا يَهْلِك ، قائم بحفظ أرزاق جميع الخَلْق, (58) متضمنٌ لها, عالمٌ بهم وبما يكسبُونه من الأعمال, رقيبٌ عليهم, لا يَعْزُب عنه شيء أينما كانوا، كَمن هو هالك بائِدٌ لا يَسمَع ولا يُبصر ولا يفهم شيئًا, ولا يدفع عن نفسه ولا عَمَّن يعبده ضُرًّا, ولا يَجْلب إليهما نفعًا؟ كلاهما سَواءٌ؟
* * *
وحذف الجواب في ذلك فلم يَقُل، وقد قيل (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) : ككذا وكذا, اكتفاءً بعلم السامع بما ذَكَر عما ترك ذِكْره . وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: (وَجعلُوا لله شُرَكاء) ، عُلِمَ أن معنى الكلام: كشركائهم التي اتخذوها آلهةً. كما قال الشاعر: (59)
تَخَـــيَّرِي خُـــيِّرْتِ أُمَّ عَـــالِ
بَيْـــنَ قَصِــيرٍ شِــبْرُهُ تِنْبَــالِ
أَذَاكَ أَمْ مُنْخَــــرِقُ السِّــــرْبَالِ
وَلا يَـــزَالُ آخِــــرَ اللَّيـــالِي
مُتْلِــفَ مَـالٍ وَمُفِيدَ مَــالِ (60)
ولم يقل وقد قال: " شَبْرُهُ تِنْبَال ", (61) وبين كذا وكذا, اكتفاء منه بقوله: " أذاكَ أم منخرق السربال ", ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على مراده في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20440- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، ذلكم ربكم تبارك وتعالى, قائمٌ على بني آدمَ بأرزاقهم وآجالهم, وحَفظ عليهم والله أعمالهم . (62)
20441- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (أفمَن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، قال: الله قائم على كل نفس. (63)
20442- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، يعني بذلك نفسه, يقول: هو معكم أينما كنتم, فلا يعمل عامل إلا والله حاضِرُه . ويقال: هم الملائكة الذين وُكِلوا ببني آدم . (64)
20443- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، وعلى رزقهم وعلى طعامهم, فأنا على ذلك قائم، وهم عبيدي، (65) ثم جعلوا لي شُركاء .
20444- حدثت عن الحُسَين بن فرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، فهو الله قائم على كل نفس بَرّ وفاجر, يرزقهم ويَكلؤُهم, ثم يشرك به منهم من أشرك . (66)
* * *
وقوله: (وجَعَلوا لله شركاءَ قُلْ سَموهم أم تنَبِّئونه بما لا يعلم في الأرض أمْ بظاهر من القول) ، يقول تعالى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء المشركين, والمدبِّرُ أمورهم, والحافظُ عليهم أعمالَهُمْ, وجعلوا لي شركاء من خلقي يعبدُونها دوني, قل لهم يا محمد: سمّوا هؤلاء الذين أشركتموهم في عبادة الله, فإنهم إن قالوا: آلهة فقد كذبوا, لأنه لا إله إلا الواحد القهار لا شريك له(أم تُنَبِّؤونُه بما لا يعلم في الأرضُ) ، يقول: أتخبرونه بأن في الأرض إلهًا, ولا إله غيرُه في الأرض ولا في السماء؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20445- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وجعلوا لله شركاء قل سمُّوهم) ، ولو سمَّوْهم آلهةً لكذبَوا وقالوا في ذلك غير الحق، لأن الله واحدٌ ليس له شريك. قال الله: (أم تُنَبؤونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول) يقول: لا يعلم الله في الأرض إلها غيره . (67)
20446- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (وجَعلوا لله شركاء قل سموهم) ، والله خلقهم .
20447- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) ، ولو سَمَّوهم كذبوا وقالوا في ذلك مَا لا يعلم الله، مَا من إله غير الله، (68) فذلك قوله: (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض).
* * *
وقوله: (أم بظاهر من القول) ، مسموع, (69) وهو في الحقيقة باطلٌ لا صحة له .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم قالوا: (أم بظاهر), معناه: أم بباطل, فأتوا بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة دون البيان عن حَقيقة تأويلها .
*ذكر من قال ذلك:
20448- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء, عن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (بظاهر من القول) ، بظنٍّ .
20449- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله .
20450- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن قتادة قوله: (أم بظاهر من القول) ، والظاهر من القول: هو الباطل .
20451- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أم بظاهر من القول) ، يقول: أم بباطل من القول وكذب, ولو قالوا قالُوا الباطلَ والكذبَ .
* * *
وقوله: (بل زُيِّن للذين كفروا مكرهم) ، يقول تعالى ذكره: ما لله من شريك في السموات ولا في الأرض, ولكن زُيِّن للمشركين الذي يدعون من دونه إلهًا، (70) مَكْرُهم, وذلك افتراؤهُم وكذبهم على الله . (71)
* * *
وكان مجاهد يقول: معنى " المكر " ، ههنا: القول, كأنه قال: يعني قَوْلُهم بالشرك بالله . (72)
20452- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (بل زين للذين كفروا مكرهم) ، قال: قولهم .
20453- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، مثله .
* * *
وأما قوله: (وصدوا عن السبيل) ، فإن القَرَأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قَرَأة الكوفيين: (وَصُدُّوا عن السَّبِيلِ) ، بضم " الصاد ", بمعنى: وصدَّهم الله عن سبيله لكفرهم به, ثم جُعلت " الصاد " مضمومة إذ لم يُسَمَّ فاعله .
* * *
وأما عامة قرأة الحجاز والبصرة, فقرأوه بفتح " الصاد "، على معنى أن المشركين هم الذين صَدُّوا الناس عن سبيل الله . (73)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمةٌ من القرأة, متقاربتا المعنى، وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الإيمان به, وهم مع ذلك كانوا يعبدون غيرهم, كما وصفهم الله به بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . [الأنفال: 36]
* * *
وقوله (ومن يُضْلل الله فمَا لهُ من هادٍ) ، يقول تعالى ذكره: ومن أضلَّه الله عن إصابة الحق والهدى بخذلانه إياه, فما له أحدٌ يهديه لإصابتهما، لأن ذلك لا يُنَال إلا بتوفيق الله ومعونته, وذلك بيد الله وإليه دُون كل أحد سواه .
-----------------------
الهوامش :
(58) انظر تفسير" القيام" فيما سلف 6 : 519 - 521 / 7 : 120 - 124 . وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 333 .
(59) هو القتال الكلابي .
(60) من رجز رواه صاحب الأغاني 20 : 164 في حديث طويل ، أخرجه إحسان عباس فيما جمعه من شعر القتال الكلابي : 83 ، والتخريج في : 113 ، ويزاد عليه اللسان ( رمل ) ، مع اختلاف في روايته ." أم عال" ، هي" عالية" ، امرأة من بني نصر بن معاوية ، كانت زوجة لرجل من أشراف الحي ، فكان القتال ينسب بها في أشعاره ، ورواية الأغاني :
* تَخَـيَّرِي خُـيِّرْتِ فـي الرِّجَـالِ *
لأن قبله :
* لَعَلَّنَـــا نَطْــرُقُ أُمَّ عَــالِ *
وفي المطبوع :" قصير شده" ، وهو خطأ .
ويقال :" فلان قصير الشبر" ، إذا كان متقارب الخطو ، وقال الزمخشري : متقارب الخلق .
ورواية الأغاني :" قصير باعه" . و" التنبال" ، القصير . وبعد هذا البيت :
وَأُمُّــــهُ رَاعِيَـــةُ الجِمَـــالِ
تَبِيــتُ بَيْــنَ القَــتِّ والجِعَــالِ
" منخرق السربال" ، ممزق السربال ، وهو القميص ، قال البكري في شرح قول ليلى الأخيلة :
وَمُخَــرَّقٍ عَنْــهُ القَمِيـصُ تَخَالُـهُ
وَسْـطَ البُيُـوتِ مِـنَ الحَيَـاء سَـقِيمَا
فيه قولان ، أحدهما : أن ذلك إشارة إلى جذب العفاة له ، والثاني : أنه يؤثر بجيد ثيابه فيكسوها . والأجود عندي أنهم يمدحون الرجل بأنه ملازم للأسفار والغزو ، يعاقب بينهما ، فلا يزال في ثياب تبلى ، لأنه غير مقيم ملازم للحي ، فلا يبالى أن يستجد ثيابًا ، وذلك من خلائق الكرم والبأس . وبعد هذا البيت ، وهو يؤيد ما قلت :
كَـــرِيمُ عَــمٍّ وَكَــرِيمُ خَــالِ
متْلِـــفُ مَــالٍ ومُفِيــدُ مَــالِ
وَلا تَـــزَالُ آخِـــرَ اللَّيَـــالِي
قَلُوصُــهُ تَعْــثُرُ فــي النِّقَــالِ
و" مفيد مال" ، مستفيد مال . ورواية اللسان :" ناقته ترمل في النقال" . و" ترمل" ، أي تسرع . و" النقال" ، المناقلة ، وهي أن تضع رجليها مواضع يديها وذلك من سرعتها .
(61) في المطبوعة هنا أيضًا :" شره" .
(62) الأثر : 20440 - الدر المنثور 4 : 64 ، وأسقط آخر الخبر .
(63) من أول قوله :" قال ..." ، ساقط من المطبوعة .
(64) الأثر : 20442 - في الدر المنثور 4 : 64 ، واقتصر علي" يعني بذلك نفسه" . وفي المطبوعة" إلا وهو حاضر" ، غير ما في المخطوطة . وقوله :" ويقال هم الملائكة ..." ، ليس من قول ابن عباس بلا ريب ، وكأنه من قول :" محمد بن سعد" ، راوي الخبر .
(65) في المخطوطة :" فأنا على ذلك وهم عبيدي" ، أسقط" قائم" .
(66) الأثر : 20444 - في المطبوعة أسقط من الإسناد :" بن الفرج" ، وزاد في نص الخبر فجعله" على كل نفس بر وفاجر" ، والذي أثبته مطابق لما في الدر المنثور : 4 : 64 .
(67) الأثر : 20445 - هو تتمة الخبر السالف في الدر المنثور 4 : 64 .
(68) في المطبوعة ، أسقط" ما" من قوله :" ما من إله" فأفسد الكلام .
(69) أسقط في المطبوعة :" وقوله" ، فجعل الكلام سياقًا واحدًا .
(70) انظر تفسير" التزيين" فيما سلف 15 : 55 ، تعليق رقم : 3 ، والمراجع هناك .
(71) انظر تفسير" المكر" فيما سلف : 68 تعليق رقم : 2 والمراجع هناك .
(72) في المطبوعة أسقط" يعني" .
(73) انظر تفسير :" الصد" فيما سلف 15 : 285 ، تعليق رقم : 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 33 | ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ |
---|
الزمر: 23 | ﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ |
---|
الزمر: 36 | ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ |
---|
غافر: 33 | ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تنبئونه:
وقرئ:
تنبئونه، من «أنبأ» ، وهى قراءة الحسن.
زين:
قرئ:
1- على البناء للفاعل، و «مكرهم» بالنصب، وهى قراءة مجاهد.
2- على البناء للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
فصدوا:
قرئ:
1- بضم الصاد، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الكوفيين.
2- بفتحها، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بكسر الصاد، وهى قراءة ابن وثاب.
4- وصد، بالتنوين، عطفا على «مكرهم» ، وهى قراءة ابن أبى إسحاق.
التفسير :
{ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} من عذاب الدنيا لشدته ودوامه،{ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} يقيهم من عذاب الله، فعذابه إذا وجهه إليهم لا مانع منه.
ثم بين- سبحانه- سوء مصير هؤلاء الكافرين فقال: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
أى: لهم عذاب شديد في الحياة الدنيا، ينزله الله- تعالى- بهم تارة عن طريق القوارع والمصائب التي يرسلها عليهم، وتارة عن طريق الهزائم التي يوقعها بهم المؤمنون، هذا في الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
من عذاب الدنيا لشدته ودوامه وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ- تعالى- ومن عذاب الآخرة مِنْ واقٍ
أى: من حائل يحول بينهم وبين عذابه- سبحانه-.
ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار : فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك : ( لهم عذاب في الحياة الدنيا ) أي : بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا ، ( ولعذاب الآخرة ) أي : المدخر [ لهم ] مع هذا الخزي في الدنيا ، " أشق " أي : من هذا بكثير ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين : " إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " وهو كما قال ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإن عذاب الدنيا له انقضاء ، وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته ، كما قال تعالى : ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) [ الفجر : 25 ، 26 ] وقال تعالى : ( بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ) [ الفرقان : 11 - 15 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء الكفار الذين وَصَف صفَتَهم في هذه السورة، عذابٌ في الحياة الدنيا بالقتل والإسار والآفاتِ التي يُصيبهم الله بها(ولعذاب الآخرة أشق) ، يقول: ولتعذيبُ الله إياهم في الدار الآخرة أشدُّ من تعذيبه إيَّاهم في الدنيا.
" وأشقّ" إنما هو " أفعلُ" من المشقَّة .
* * *
وقوله: (وما لهم من الله من وَاقٍ) ، يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفار من أحدٍ يقيهم من عذاب الله إذا عذَّبهم, لا حَمِيمٌ ولا وليٌّ ولا نصيرٌ, لأنه جل جلاله لا يعادُّه أحدٌ فيقهره، (74) فيتخَلَّصَه من عذابه بالقهر, (75) ولا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، وليس يأذن لأحد في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التَّوبة منه .
------------------------
الهوامش:
(74) عاده يعاده ، عدادًا ومعادة" ، ناهده وقارنه ، و" العد" ، بكسر العين ، القرن ، بكسر فسكون .
(75) في المطبوعة :" فيخلصه" ، و" تخلصه" ، استنقذه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 34 | ﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مِن وَاقٍ ﴾ |
---|
غافر: 21 | ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مِن وَاقٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء