ترتيب المصحف | 11 | ترتيب النزول | 52 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 14.00 |
عدد الآيات | 123 | عدد الأجزاء | 0.65 |
عدد الأحزاب | 1.30 | عدد الأرباع | 5.90 |
ترتيب الطول | 8 | تبدأ في الجزء | 11 |
تنتهي في الجزء | 12 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 5/29 | آلر: 2/5 |
نزولُ العذابِ بقومِ لوطٍ عليه السلام ، إذْ رفَعَ اللهُ القرى التي كانُوا يعيشُونَ فيها وقَلَبَها عليهم.
قريبًا إن شاء الله
القصَّةُ السادسةُ: قصَّةُ شعيبٍ عليه السلام معَ أهلِ مَدْيَنَ، يدعُوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ، وينهاهُم عن التَّطْفيفِ في المكيالِ والميزانِ والفسادِ في الأرضِ.
قريبًا إن شاء الله
أهلُ مَدْيَنَ يسْخرُونَ من دعوةِ شعيبٍ عليه السلام ، وهو ينصَحُ لهم ويبيِّنُ لهم أنَّه لا يريدُ إلا الإصلاحَ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بنزول العذاب، وإحلاله فيهم{ جَعَلْنَا} ديارهم{ عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي:قلبناها عليهم{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} أي:من حجارة النار الشديدة الحرارة{ مَنْضُودٍ} أي. متتابعة، تتبع من شذ عن القرية.
ثم حكى- سبحانه- في نهاية القصة ما حل بهؤلاء المجرمين من عذاب فقال: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
أى: «فلما أمرنا» بإهلاك هؤلاء القوم المفسدين جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها أى: جعلنا أعلى بيوتهم أسفلها، بأن قلبناها عليهم، وهي عقوبة مناسبة لجريمتهم حيث قلبوا فطرتهم، فأتوا الذكران من العالمين وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم ...
وقوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ زيادة في عقوبتهم ولعنهم.
أى: جعلنا أعلى قراهم أسفلها، وأمطرنا عليها حجارة مِنْ سِجِّيلٍ أى: من حجر وطين مختلط، قد تجحر وتصلب مَنْضُودٍ أى: متتابع في النزول بدون انقطاع موضوع بعض على بعض، من النضد وهو وضع الأشياء بعضها إلى بعض.
يقول تعالى : ( فلما جاء أمرنا ) وكان ذلك عند طلوع الشمس ، ( جعلنا عاليها ) وهي [ قريتهم العظيمة وهي ] سدوم [ ومعاملتها ] ( سافلها ) كقوله ) [ والمؤتفكة أهوى ] فغشاها ما غشى ) [ النجم : 53 ، 54 ] أي : أمطرنا عليها حجارة من " سجيل " وهي بالفارسية : حجارة من طين ، قاله ابن عباس وغيره .
وقال بعضهم : أي من " سنك " وهو الحجر ، و " كل " وهو الطين ، وقد قال في الآية الأخرى : ( حجارة من طين ) [ الذاريات : 33 ] أي : مستحجرة قوية شديدة . وقال بعضهم : مشوية ، [ وقال بعضهم : مطبوخة قوية صلبة ] وقال البخاري . " سجيل " : الشديد الكبير . سجيل وسجين واحد ، اللام والنون أختان ، وقال تميم بن مقبل :
ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصت به الأبطال سجينا
وقوله : ( منضود ) قال بعضهم : منضودة في السماء ، أي : معدة لذلك .
وقال آخرون : ( منضود ) أي : يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك، جَعَلْنَا عَالِيَهَا
يعني عالي قريتهم ، سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ، يقول: وأرسلنا عليها ، حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى سِجِّيلٍ .
فقال بعضهم: هو بالفارسية : سنك ، وكل. (1)
*ذكر من قال ذلك.
18424- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مِنْ سِجِّيلٍ ، بالفارسية، أوَّلها حَجَر، وآخرها طين.
18425- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
18426- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه.
18427- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
18428- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، قال: فارسية أعربت سنك وكل. (2)
18429- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: " السجيل "، الطين.
18430- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مِنْ سِجِّيلٍ قالا من طين.
18431- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد، عن وهب قال: سجيل بالفارسية: سنك وكل
18432- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، أما السجيل فقال ابن عباس: هو بالفارسية: سنك وجل ، " سنك "، هو الحجر، و " جل " ، هو الطين. يقول: أرسلنا عليهم حجارة من طين.
18433- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، قال: طين في حجارة.
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ما:-
18434- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، قال: السماء الدنيا. قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل، وهي التي أنـزل الله على قوم لوط.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول: " السجيل "، هو من الحجارة الصلب الشديد ، ومن الضرب، ويستشهد على ذلك بقول الشاعر: (3)
*ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّيلا* (4)
وقال: بعضُهُم يُحوِّل اللام نونًا. (5)
* * *
وقال آخر منهم: هو " فِعّيل " ، من قول القائل: " أسجلته "، أرسلته ، فكأنه من ذلك ، أي مرسلةٌ عليهم.
* * *
وقال آخر منهم: بل هو من " سجلت له سجلا " من العطاء، فكأنه قيل: مُتِحوا ذلك البلاء فأعطوه، وقالوا أسجله: أهمله.
* * *
وقال بعضهم: هو من " السِّجِلّ"، لأنه كان فيها عَلَمٌ كالكتاب.
* * *
وقال آخر منهم: بل هو طين يطبخ كما يطبخ الآجرّ، وينشد بيت الفضل بن عباس:
مَــنْ يُسَــاجِلْنِي يُسَــاجِلْ مَـاجِدًا
يَمْــلأُ الدَّلْــوَ إلَـى عَقْـدِ الكـرَب (6)
فهذا من " سجلت له سَجْلا "، أعطيته.
-----------------------
الهوامش :
(1) انظر ما سلف 1 : 14 ، تعليق : 2 ، ثم ص : 20 .
(2) الأثر : 18428 - انظر الأثر السالف قديمًا ، رقم : 5 .
(3) هو تميم بن أبي مقبل .
(4) مجاز القرآن 1 : 296 ، ومنتهى الطلب : 44 ، والمعاني الكبير : 991 ، واللسان ( سجن ) ، وغيرها ، يقول قبله :
وإنَّ فِينَــا صَبُوحًـا إنْ أَرِبْـتَ بِـهِ
جَمْعًــا بَهيًّــا وَآلافًــا ثَمَانِينَــا
وَرَجْلـةً يَضْرِبُـونَ البَيْضَ عَنْ عُرُض
ضَرْبًـا تَـواصَى بِــهِ الأبْطَالُ سِجِّينَا
.
(5) يعني بقوله : " بعضهم " ، أي بعض العرب يحول اللام نونًا ، كقول النابغة :
بِكُــلِّ مُدَجّــجٍ كــالَّليْثِ يَسْــمُو
عَــلَى أَوْصَــالِ ذَيَّــالٍ رِفَــنِّ
يريد : رفل ، هذا تمام كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن ، نقلته للتوضيح . ونسب قريش : 90 .
(6) معجم الشعراء : 309 واللسان ( سجل ) ، وغيرهما ، وقبله :
وَأَنَــا الأخْــضَرُ مَــنْ يَعْـرِفُنِي
أخْـضَرُ الجِـلْدَةِ فِـي بَيْـتِ العَـرَبْ
مَـــنْ يُسَــاجِلْنِي . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إِنَّمـــا عَبْــدُ مَنَــافٍ جَــوْهَرٌ
زَيَّــنَ الجَــوْهَرَ عَبْــدُ المُطَّلِـبْ
وهو : الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب ، وأمه آمنة بنت العباس بن عبد المطلب . وكان الفضل آدم شديد الأدمة ، ولذلك قال : " وأنا الأخضر " ، و" الخضرة " في ألوان الناس ، شدة السمرة ، والعرب تصف ألوانها بالسواد ، وتصف العجم بالحمرة . و" الكرب " الحبل الذي يشد على الدلو .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 82 | ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ﴾ |
---|
الحجر: 74 | ﴿فَـ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} أي:معلمة، عليها علامة العذاب والغضب،{ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ} الذين يشابهون لفعل قوم لوط{ بِبَعِيدٍ} فليحذر العباد، أن يفعلوا كفعلهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم.
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أى: معلمة بعلامات من عند ربك لا يعلمها إلا هو، ومعدة إعدادا خاصا لإهلاك هؤلاء القوم.
وَما هِيَ أى تلك القرى المهلكة مِنَ الظَّالِمِينَ وهم مشركو مكة بِبَعِيدٍ أى: ببعيدة عنهم، بل هي قريبة منهم، ويمرون عليها في أسفارهم إلى الشام.
قال- تعالى- وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
.
أى: وإنكم يا أهل مكة لتمرون على هؤلاء القوم المهلكين من قوم لوط في وقت الصباح أى النهار، وتمرون عليهم بالليل أفلا تعقلون ذلك فتعتبروا وتتعظوا؟؟
ويجوز أن يكون الضمير في قوله وَما هِيَ يعود إلى الحجارة التي أهلك الله بها هؤلاء القوم.
أى: وما هي تلك الحجارة الموصوفة بما ذكر من الظالمين ببعيد، بل هي حاضرة مهيئة بقدرة الله- تعالى- لإهلاك الظالمين بها.
والمراد بالظالمين ما يشمل قوم لوط، ويشمل كل من عصى الله وتجاوز حدوده، ولم يتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كانت نهاية قوم لوط، فقد انطوت صفحتهم كما انطوت من قبلهم صفحات قوم نوح وهود وصالح- عليهم الصلاة والسلام- هذا ومن العبر والأحكام التي نأخذها من هذه الآيات الكريمة، أنه لا بأس على المسلم من أن يستعين بغيره لنصرة الحق الذي يدعو إليه، ولخذلان الباطل الذي ينهى عنه.
فلوط- عليه السلام- عند ما رأى من قومه الإصرار على غوايتهم ومفاسدهم تمنى لو كانت معه قوة تزجرهم وتردعهم وتمنعهم عن فسادهم.
وقد علق الإمام ابن حزم على ما جاء في الحديث الشريف بشأن لوط- عليه السلام- فقال ما ملخصه:
وظن بعض الفرق أن ما جاء في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم «رحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد» إنما هو من باب الإنكار على لوط- عليه السلام- في قوله لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
والحق أنه لا تخالف بين القولين، بل كلاهما حق، لأن لوطا- عليه السلام- إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش. من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط- عليه السلام- أنه يأوى من ربه- تعالى- إلى أمنع قوة، وأشد ركن.
ولا جناح على لوط- عليه السلام- في طلب قوة من الناس- فقد قال الله- تعالى- وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.
وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار نصرته حتى يبلغ كلام ربه، فكيف ينكر على لوط أمرا هو فعله؟!! تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر أن لوطا كان يأوى إلى ركن شديد، يعنى من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط علم بأنهم ملائكة ... .
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك فقصت علينا ما كان بين شعيب- عليه السلام- وقومه وكيف أنه دعاهم إلى عبادة الله- تعالى- وحده بأسلوب بليغ حكيم، ولكنهم لم يستجيبوا له، فكانت عاقبتهم الهلاك كالذين من قبلهم قال- تعالى-:
وقوله : ( مسومة ) أي معلمة مختومة ، عليها أسماء أصحابها ، كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه .
وقال قتادة وعكرمة : ( مسومة ) [ أي ] مطوقة ، بها نضح من حمرة .
وذكروا أنها نزلت على أهل البلد ، وعلى المتفرقين في القرى مما حولها ، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث ، إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس ، فدمره ، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد ، حتى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد .
وقال مجاهد : أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم [ وقال ] وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن . قال : ولما قلبها كان أول ما سقط منها شذانها .
وقال قتادة : بلغنا أن جبريل أخذ بعروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جو السماء ، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، ثم أتبع شذاذ القوم سخرا - قال : وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى ، في كل قرية مائة ألف - وفي رواية : [ كانوا ] ثلاث قرى ، الكبرى منها سدوم . قال : وبلغنا أن إبراهيم - عليه السلام - كان يشرف على سدوم ، ويقول : سدوم ، يوم ، ما لك ؟ .
وفي رواية عن قتادة وغيره : بلغنا أن جبريل عليه السلام ، لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، ودمدم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .
وقال محمد بن كعب القرظي : كانت قرى قوم لوط خمس قريات : " سدوم " ، وهي العظمى ، و " صعبة " و " صعوة " و " عثرة " و " دوما " ، احتملها جبريل بجناحه ، ثم صعد بها ، حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها ، وأصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله تعالى : ( جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات .
وقال السدي : لما أصبح قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها السماء ، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك قوله ( والمؤتفكة أهوى ) [ النجم : 53 ] ، ومن لم يمت حين سقط للأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض يتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، فذلك قوله عز وجل : ( وأمطرنا عليهم ) أي : في القرى حجارة من سجيل . هكذا قال السدي .
وقوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) أي : وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ، ببعيد عنه .
وقد ورد في الحديث المروي في السنن عن ابن عباس مرفوعا " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به " .
وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يقتل ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، عملا بهذا الحديث .
وذهب الإمام أبو حنيفة [ رحمه الله إلى ] أنه يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة ، كما فعل الله بقوم لوط ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون، وهو أنها حجارة من طين، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع، وذلك قوله: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [سورة الذاريات: 33، 34]
* * *
وقد روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: هي فارسية ونبطية.
18435- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: فارسية ونبطية " سج " ، " إيل ".
* * *
فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بالفارسية " جل " لا " إيل "، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان " سِجْل " لا " سجيل "، لأن الحجر بالفارسية يدعى " سج " والطين " جل "، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية.
* * *
قال أبو جعفر : وقد بينا الصواب من القول عندنا في أوّل الكتاب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (7)
* * *
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال: كان أصل الحجارة طينًا فشُدِّدت.
* * *
وأما قوله: مَنْضُودٍ ، فإن قتادة وعكرمة يقولان فيه ما:-
18436- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.
18437- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.
* * *
وقال الربيع بن أنس فيه ما:-
18438- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله مَنْضُودٍ ، قال: نضد بعضه على بعض.
18439- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله: أما قوله: مَنْضُودٍ ، فإنها في السماء منضودة: معدَّة، وهي من عُدَّة الله التي أعَدَّ للظلمة.
* * *
وقال بعضهم: مَنْضُودٍ ، يتبع بعضه بعضًا عليهم. قال: فذلك نَضَدُه.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس، وذلك أن قوله: مَنْضُودٍ من نعت سِجِّيلٍ ، لا من نعت " الحجارة "، وإنما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نُضِد بعضه إلى بعض، فصُيِّر حجارة، ولم يُمْطَرُوا الطين ، فيكونَ موصوفًا بأنه تتابع على القوم بمجيئه.
قال أبو جعفر: وإنما كان جائزًا أن يكون على ما تأوّله هذا المتأوّل لو كان التنـزيل بالنصب " منضودةً"، فيكون من نعت " الحجارة " حينئذ.
* * *
وأما قوله: (مسوَّمة عند ربك) ، فإنه يقول: معلمة عند الله، أعلمها الله، (8) و " المسوّمة " من نعت " الحجارة "، ولذلك نصبت على النعت. (9)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
18440- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مسوّمة) ، قال: معلمة.
18441- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18442-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، مثله.
18443- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله ، قال ابن جريج: (مسوّمة ) ، لا تشاكل حجارة الأرض.
18444- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (مسومة) قالا مطوَّقة بها نَضْحٌ من حمرة. (10)
18445- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (مسومة) عليها سيما معلومة . حدّث بعضُ من رآها ، أنها حجارة مطوَّقة عليها ، أو بها نضحٌ من حمرة ، ليست كحجارتكم.
18446- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: (مسوّمة) ، قال: عليها سيما خطوط.
18447- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: (مسومة) قال: " المسومة "، المختَّمة.
* * *
وأما قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، فإنه يقول تعالى ذكره متهددًا مشركي قريش: وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط ، من مشركي قومك ، يا محمد ، ببعيد أن يمطروها ، إن لم يتوبوا من شركهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
18448- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد قال ، حدثنا شعبة قال ، حدثنا أبان بن تغلب، عن مجاهد، في قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: أن يصيبهم ما أصاب القوم. (11)
18449- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: يُرْهِب بها من يشاء.
18450- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18451-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18452- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18453- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما هي من الظالمين ببعيد)، يقول: ما أجار الله منها ظالمًا بعد قوم لوط.
18454- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (وما هي من الظالمين ببعيد)، يقول: لم يترك منها ظالمًا بعدهم. (12)
18455- حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب ، عن قتادة في قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: يعني ظالمي هذه الأمة . قال: والله ما أجارَ منها ظالمًا بعدُ!
18456- حدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا حماد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، يقول: من ظَلَمة العرب ، إن لم يتوبوا فيعذّبوا بها.
18457- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله قال : يقول: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، من ظلمة أمتك ببعيد، فلا يأمنها منهم ظالم .
* * *
وكان قلب الملائكة عَالي أرض سدوم سافلها، كما:-
18458- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا الأعمش، عن مجاهد قال: أخذ جبريل عليه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم. (13)
18459- حدثنا به أبو كريب مرة أخرى عن مجاهد قال: أدخل جبريل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط، ثم أخذهم بالجناح الأيمن، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ، ثم رفعها (14)
18460- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، كان يقول: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ، قال: لما أصبحوا غدا جبريل على قريتهم، ففتقها من أركانها، ثم أدخل جناحه، ثم حملها على خَوافي جناحه. (15)
18461-. . . . قال، حدثنا شبل قال ، فحدثني هذا ابن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر ، قال: ولم يسمعه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال، فحملها على خوافي جناحه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم قلبها. فكان أوّل ما سقط منها شِرَافها. (16) فذلك قول الله: جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، قال مجاهد: فلم يصب قومًا ما أصابهم ، إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل. (17)
18462- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال، بلغنا أن جبريل عليه السلام أخذَ بعُرْوة القرية الوُسْطى، ثم ألوَى بها إلى السماء، (18) حتى سمع أهل السماء ضَواغِي كلابهم، (19) ثم دمَّر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعهم الحجارة ، قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف. (20)
18463- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن جبريل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلى جَوّ السماء حتى سمعت الملائكة ضَواغي كلابهم، ثم دمر بعضها على بعض ثم اتبع شُذَّان القوم صخرًا . (21) قال: وهي ثلاث قرًى يقال لها " سدوم "، وهي بين المدينة والشأم. قال: وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف. وذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف [ثم] يقول (22) سدوم ، يومٌ مَا لكِ! (23)
18464- حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي قال، لما أصبحوا ، يعني قوم لوط ، نـزل جبريل، فاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا ، [حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم] ، (24) فذلك حين يقول: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [سورة النجم: 53] ، المنقلبة حين أهوى بها جبريل الأرض فاقتلعها بجناحه، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذًّا في الأرض . وهو قول الله: جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل [يتحدث] ، فيأتيه الحجر فيقتله، (25) وذلك قول الله تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ . (26)
18465- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر ، وأبو سفيان، عن معمر ، ، عن قتادة قال، بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشرَ جناحه، فانتسف به أرضهم بما فيها من قُصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سُكان السماء أصواتَ الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسةً، دمْدَمَ بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل
18466- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعث الله جبريل عليه السلام إلى المؤتفكة قرية لوط عليه السلام التي كان لوط فيهم، فاحتملها بجناحه، ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نُباح كلابها وأصوات دجاجها، ثم كفأها على وجهها، ثم أتبعها الله بالحجارة، يقول الله: جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ، فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات، وكنّ خمس قريات، " صنعة " و " صعوة " " وعثرة "، و " دوما " و " سدوم " ، وسدوم هي القرية العظمى ، ونجى الله لوطًا ومن معه من أهله، إلا امرأته كانت فيمن هلك.
----------------------
الهوامش :
(7) انظر ما سلف 1 : 13 - 20 .
(8) انظر تفسير " المسومة " فيما سلف 6 : 251 - 257 / 7 : 184 - 190 .
(9) في المطبوعة : " نصبت ونعت بها " ، وفي المخطوطة : " نصبت وانعت " ، وكأن الصواب ما أثبت .
(10) في المخطوطة : " يصح من حمرة " ، والصواب ما في المخطوطة . و"النضح " ، ما بقي له أثر ، يقال : " على ثوبه نضح دم " ، وهو اليسير منه ، الباقي أثره .
(11) الأثر : 18448 - " سهل بن حماد " ، " أبو عتاب الدلال " ، ثقة لا بأس به . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 103 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 196 .
(12) في المطبوعة : " لم يبرأ منها ظالم " ، وفي المخطوطة : " يبرا منها ظالما " ، ورأيت قراءتها كما أثبتها .
(13) الأثر : 18458 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 .
(14) الأثر : 18459- رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 .
(15) الأثر : 18460 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 .
(16) في المطبوعة : " شرفها " ، وفي المخطوطة والتاريخ " شرافها " ، كأنه على جمع " شريف " ، نحو " صغير " و " صغار " و " كبير " و " كبار " ، وكأن صوابهما " أشرافها " ، لأن " شراف " ، لم يذكر في جموع " شريف " ، ولكني أخشى أن تكون هي " شذانها " كما سيأتي في رقم : 18463 ، تعليق رقم : 6 .
(17) الأثر : 18461 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 ، مختصرًا ، أسقط منه قول مجاهد الآخر .
(18) يقال : " ألوت به العقاب " ، أي أخذته وطارت به .
(19) " ضواغي الكلاب " ، جمع " ضاغية " ، أي التي لها " ضغاء " ، وهو صوت الذليل المقهور إذا استغاث .
(20) الأثر : 18462 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 .
(21) " الشذان " جمع " شاذ " ، وهو الذي خرج من الجماعة ، فشذ عنهم .
(22) الزيادة من تاريخ الطبري . وفي التاريخ : " سدوم يوم هالك " ، وأخشى أن الصواب هو ما في التفسير ، وأن ذاك خطأ .
(23) الأثر : 18463 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 .
(24) ما بين القوسين زيادة لا بد منها من سياق الكلام ، نقلتها من نص الخبر في تاريخ الطبري .
(25) في المطبوعة والمخطوطة : " فكان الرجل يأتيه " ، وأثبت النص من التاريخ .
(26) الأثر : 18464 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 ، 158 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 83 | ﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ |
---|
الذاريات: 34 | ﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
:{ و ْ} أرسلنا{ إِلَى مَدْيَنَ ْ} القبيلة المعروفة، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين،{ أَخَاهُمْْ} في النسب{ شُعَيْبًا ْ} لأنهم يعرفونه، وليتمكنوا من الأخذ عنه.
فـ{ قَالَ ْ} لهم{ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ْ} أي:أخلصوا له العبادة، فإنهم كانوا يشركون به، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال:{ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ْ} بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط.
{ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ} أي:بنعمة كثيرة، وصحة، وكثرة أموال وبنين, فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله، فيزيلها عنكم.
{ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ْ} أي:عذابا يحيط بكم, ولا يبقي منكم باقية.
تلك هى قصة شعيب - عليه السلام - كما حكتها هذه السورة الكريمة ، وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها : سورتى الأعراف والشعراء . .
ومدين اسم للقبيلة التي تنتسب إلى مدين بن إبراهيم- عليه السلام-.
وكانوا يسكنون في المنطقة التي تسمى (معان) وتقع بين حدود الحجاز والشام.
وأهل مدين يسمون أيضا بأصحاب الأيكة.
والأيكة: منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية (معان) ، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيبا إليهم جميعا.
وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، فهو أخوهم في النسب.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيب قال: (ذلك خطيب الأنبياء) لحسن مراجعته لقومه، وقوة حجته.
وكان قومه يعبدون الأصنام. ويطففون في الكيل والميزان ... فدعاهم إلى عبادة الله وحده، ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق.
ويرى بعض العلماء: أن شعيبا أرسل إلى أمتين: أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة، وأن الله- تعالى- لم يبعث نبيا مرتين سوى شعيب- عليه السلام-.
ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة، فأهل مدين هم أصحاب الأيكة، أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة- أى السحابة- وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر.
هذا، وقوله- سبحانه- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ... معطوف على ما سبقه من قصة صالح- عليه السلام- عطف القصة على القصة.
أى: وكما أرسلنا صالحا- عليه السلام- إلى ثمود، فقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيبا- عليه السلام- فقال لهم مقالة كل نبي لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده، فإنكم لا إله لكم على الحقيقة سواه، فهو الذي خلقكم، وهو الذي رزقكم، وهو الذي إليه مرجعكم ...
ثم بعد أن أمرهم بإخلاص العبادة لله، نهاهم عن التطفيف في الكيل والميزان فقال:
وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ.
والمكيال والميزان: اسمان للآلة التي يكال بها ويوزن.
ونقص الكيل والميزان يكون من وجهين: أحدهما أن يكون الاستنقاص من جهتهم إذا باعوا لغيرهم.
وثانيهما: أن يكون الاستنقاص من جهة غيرهم إذا اشتروا منه، بأن يأخذوا منه أكثر من حقهم.
فكأنه- عليه السلام- يقول لهم: لا تنقصوا المكيال والميزان لا عند الأخذ ولا عند الإعطاء، فلا تعطوا غيركم أقل من حقه إذا بعتم، ولا تأخذوا منه أكثر من حقكم إذا اشتريتم.
وإلى هذين الأمرين أشار قوله- تعالى- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ....
ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى أمرهم ونهيهم فقال: إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ.
والخير: كلمة جامعة لكل ما يرضى الإنسان ويغنيه ويسره.
ومحيط: أى شامل بحيث لا يستطيع أحد الإفلات منه. كما يحيط الظرف بالمظروف ...
أى: أخلصوا لله عبادتكم، والتزموا العدل في معاملاتكم، فإنى أراكم تملكون الوفير من المال، وتعيشون في رغد من العيش، وفي بسطة من الرزق، ومن كان كذلك فمن الواجب عليه أن يقابل هذه النعم بالشكر لواهبها وهو الله- تعالى- وأن يستعملها استعمالا يرضيه، وأن يعطى كل ذي حق حقه.
وإنى- أيضا- أخاف عليكم إذا ما تماديتم في مخالفة ما آمركم به وما أنهاكم عنه، عذاب يوم أهواله وآلامه شاملة لكل ظالم، بحيث لا يستطيع أن يهرب منها ...
قال الشوكانى: وصف- سبحانه- اليوم بالإحاطة، والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم، أنهم لا يشذ منهم أحد عنه، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا» .
فأنت ترى أن شعيبا- عليه السلام- بعد أن أمرهم بما يصلح عقيدتهم ونهاهم عما يفسد معاملاتهم وأخلاقهم ... ذكرهم بما هم فيه من نعمة وغنى قطعا لعذرهم حتى لا يقولوا له نحن في حاجة إلى تطفيف المكيال والميزان لفقرنا، ثم أخبرهم بأنه ما حمله على هذا النصح لهم إلا خوفه عليهم.
يقول تعالى : ولقد أرسلنا إلى مدين ، وهم قبيلة من العرب ، كانوا يسكنون بين الحجاز والشام ، قريبا من بلاد معان ، في بلد يعرف بهم ، يقال لها " مدين " فأرسل الله إليهم شعيبا ، وكان من أشرفهم نسبا . ولهذا قال : ( أخاهم شعيبا ) يأمرهم بعبادة الله تعالى وحده ، وينهاهم عن التطفيف في المكيال والميزان ( إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) أي : في معيشتكم ورزقكم فأخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله ، ( وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) أي : في الدار الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى وَلَد مدين أخاهم شعيبًا، فلما أتاهم قال : (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، يقول: أطيعوه، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ، (ما لكم من إله غيره) ، يقول: ما لكم من معبود سواه يستحقّ عليكم العبادة غيره ، (ولا تنقصوا المكيال والميزان) ، يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ، (إني أراكم بخير) .
* * *
واختلف أهل التأويل في " الخير " الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به.
فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وَحذرهم غلاءه.
*ذكر من قال ذلك :
18467- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال ، حدثنا محمد بن موسى، عن الذيال بن عمرو، عن ابن عباس: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر ، (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) ، قال: غلاء سعر. (27)
18468- حدثني أحمد بن عمرو البَصري قال، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صالح بن رستم، عن الحسن، وذكر قوم شعيب قال: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر. (28)
18469- حدثني محمد بن عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي عامر الخراز، عن الحسن في قوله: (إني أراكم بخير) قال: الغنى ورُخْص السعر.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك: إنّي أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا.
ذكر من قال ذلك:-
18470- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: يعني خير الدنيا وزينتها .
18471- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : (إني أراكم بخير) ، أبصر عليهم قِشْرًا من قشر الدنيا وزينتها. (29)
18472- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: في دنياكم، كما قال الله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ، سماه " خيرًا " لأن الناس يسمون المال " خيرًا ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: (إني أراكم بخير) ، يعني بخير الدنيا. وقد يدخل في خير الدنيا ، المال وزينة الحياة الدنيا ، ورخص السعر ، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها.
* * *
وإنما قال ذلك شعيب، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم ، كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم، فقد وَسَّع الله عليكم رزقكم، ، (وإني أخاف عليكم) ، بمخالفتكم أمر الله ، وبَخْسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم ، (عذاب يوم محيط ) ، يقول: أن ينـزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه. فجعل " المحيط" نعتًا لليوم، وهو من نعت " العذاب "، إذ كان مفهومًا معناه، وكان العذاب في اليوم، فصار كقولهم : " بعْض جُبَّتك محترقة ". (30)
-------------------
الهوامش :
(27) الأثر : 18467- " الذيال بن عمرو " ، هكذا جاء هنا بالذال معجمة ، وقد سلف في رقم : 14445 ، وتعليقي عليه ، وتعليق أخي السيد أحمد رحمه الله ، في ج 12 : 589 ، رقم : 7 ، " الزباء بن عمرو " ، وفي ابن كثير : " الديال " بدال مهملة ، ولم نستطع أن نعرف من يكون . والإسناد هنا ، هو الإسناد هناك نفسه .
(28) الأثر : 18468 - " أحمد بن عمرو البصري " : شيخ الطبري ، مضى برقم : 9875 ، 13928 ، وقد مضى ما قلت فيه ، وقد روى عنه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 / 5 : 32 . وكان في المطبوعة هنا : " أحمد بن علي النصري " ، ولا أدري من أين جاء بهذا التغيير ؟ .
(29) " القشر " هو في الأصل ، قشر الشجرة ونحوها ، ثم أستعير للثياب وكل ملبوس ، مما يخلع كما يخلع القشر ، ثم أستعير لما نلبسه من زينة الحياة ثم نخلعه راضين أو كارهين .
(30) انظر تفسير " محيط " فيما سلف 15 : 93 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 85 | ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ |
---|
هود: 84 | ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ْ} أي:بالعدل الذي ترضون أن تعطوه،{ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ْ} أي:لا تنقصوا من أشياء الناس، فتسرقوها بأخذها، بنقص المكيال والميزان.
{ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ْ} فإن الاستمرار على المعاصي، يفسد الأديان، والعقائد، والدين، والدنيا، ويهلك الحرث والنسل.
ثم واصل شعيب- عليه السلام- نصحه لقومه، فأمرهم بالوفاء بعد أن نهاهم عن النقص على سبيل التأكيد، وزيادة الترغيب في دعوته فقال: وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ...
أى: ويا قوم أوفوا عند معاملاتكم أدوات كيلكم وأدوات وزنكم، ملتزمين في كل أحوالكم العدل والقسط.
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ... أى: ولا تنقصوهم شيئا من حقوقهم. يقال:
بخس فلان فلانا حقه إذا ظلمه وانتقصه. وهو يشمل النقص والعيب في كل شيء..
والجملة الكريمة تعميم بعد تخصيص، لكي تشمل غير المكيل والموزون كالمزروع والمعدود، والجيد والرديء ...
قال الجمل ما ملخصه: وقد كرر- سبحانه- نهيهم عن النقص والبخس وأمرهم بالوفاء ... لأن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح، وهو تطفيف الكيل والميزان ومنع الناس حقوقهم، احتيج في المنع منه إلى المبالغة في التأكيد، ولا شك أن التكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالمأمور به والمنهي عنه، فلهذا كرر ذلك ليقوى الزجر والمنع من ذلك الفعل ... » .
وقوله: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ تحذير لهم من البطر والغرور واستعمال نعم الله في غير ما خلقت له.
قال ابن جرير: «وأصل العثى شدة الإفساد، بل هو أشد الإفساد. يقال عثى فلان في الأرض يعنى- كرضى يرضى- إذا تجاوز الحد في الإفساد ... » .
أى: ولا تسعوا في أرض الله بالفساد، وتقابلوا نعمه بالمعاصي، فتسلب عنكم ثم أرشدهم إلى أن ما عند الله خير وأبقى مما يجمعونه عن الطريق الحرام فقال: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.
ينهاهم أولا عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس ثم أمرهم بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين ونهاهم عن العثو في الأرض بالفساد وقد كانوا يقطعون الطريق.
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: أوفوا الناس الكيل والميزان (31) ، " بالقسط"، يقول: بالعدل، وذلك بأن توفوا أهل الحقوق التي هي مما يكال أو يوزن حقوقهم ، على ما وجب لهم من التمام ، بغير بَخس ولا نقص. (32)
* * *
وقوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنًا أو غير ذلك، (33) كما:-
18473- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا علي بن صالح بن حي قال: بلغني في قوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) قال، : لا تنقصوهم.
18474- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.
* * *
وقوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، يقول: ولا تسيروا في الأرض تعملون فيها بمعاصي الله، (34) كما:-
18475- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، قال: لا تسيروا في الأرض.
18476- وحدثت عن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله : (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، يقول: لا تسعوا في الأرض مفسدين ، يعني: نقصان الكيل والميزان.
-----------------------
الهوامش :
(31) انظر " إيفاء المكيال والميزان " فيما سلف 12 : 224 ، 555 .
(32) انظر تفسير " القسط " فيما سلف 15 : 103 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .
(33) انظر تفسير " البخس " فيما سلف ص : 262 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(34) انظر تفسير " عثا " فيما سلف 12 : 542 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . ، وتفسير " الفساد في الأرض " 12 : 542 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 85 | ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ |
---|
الأنعام: 152 | ﴿وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ |
---|
الأعراف: 85 | ﴿قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَـ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ْ} أي:يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير، وما هو لكم، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية، وهو ضار لكم جدا.
{ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ْ} فاعملوا بمقتضى الإيمان،{ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ْ} أي:لست بحافظ لأعمالكم، ووكيل عليها، وإنما الذي يحفظها الله تعالى، وأما أنا، فأبلغكم ما أرسلت به.
ولفظ بَقِيَّتُ اسم مصدر من الفعل: بقي، ضد: فنى. وإضافتها إلى الله- تعالى- إضافة تشريف وتيمن.
أى: ما يبقيه الله لكم من رزق حلال، ومن حال صالح، ومن ذكر حسن، ومن أمن وبركة في حياتكم ... بسبب التزامكم بالقسط في معاملاتكم، هو خير لكم من المال الكثير الذي تجمعونه عن طريق بخس الناس أشياءهم.
وجملة «إن كنتم مؤمنين» معترضة لبيان أن هذه الخيرية لا تتم إلا مع الإيمان.
أى: ما يبقيه الله لكم من الحلال ... هو خير لكم، إن كنتم مصدقين بما أرسلت به إليكم، أما إذا لم تكونوا كذلك فلن تكون بقية الله خيرا لكم، لأنها لا تكون إلا للمؤمنين، فاستجيبوا لنصيحتى لتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وجملة «وما أنا عليكم بحفيظ» تحذير لهم من مخالفته بعد أن أدى ما عليه من بلاغ.
أى: وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ لكم أعمالكم وأحاسبكم عليها، وأجازيكم بها الجزاء الذي تستحقونه. وإنما أنا ناصح ومبلغ ما أمرنى ربي بتبليغه، وهو وحده- سبحانه- الذي سيتولى مجازاتكم.
وإلى هنا نجد شعيبا- عليه السلام- قد أرشد قومه إلى ما يصلحهم في عقائدهم، وفي معاملاتهم، وفي صلاتهم بعضهم ببعض، وفي سلوكهم الشخصي، بأسلوب حكيم جامع لكل ما يسعد ويهدى للتي هي أقوم..
فماذا كان رد قومه عليه؟
لقد كان ردهم عليه- كما حكاه القرآن الكريم- طافحا بالاستهزاء به، والسخرية منه، فقد قالوا له: يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا، أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ.
وقوله : ( بقية الله خير لكم ) قال ابن عباس : رزق الله خير لكم .
وقال الحسن : رزق الله خير [ لكم ] من بخسكم الناس .
وقال الربيع بن أنس : وصية الله خير لكم .
وقال مجاهد : طاعة الله [ خير لكم ] .
وقال قتادة : حظكم من الله خير لكم .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : " الهلاك " في العذاب ، و " البقية " في الرحمة .
وقال أبو جعفر بن جرير : ( بقية الله خير لكم ) أي : ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان ( خير لكم ) أي : من أخذ أموال الناس قال : وقد روي هذا عن ابن عباس .
قلت : ويشبه قوله تعالى : ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ) [ المائدة : 100 ] .
وقوله : ( وما أنا عليكم بحفيظ ) أي : برقيب ولا حفيظ ، أي : افعلوا ذلك لله عز وجل . لا تفعلوه ليراكم الناس ، بل لله عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: (بقية الله خير لكم) ، ما أبقاه الله لكم ، بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحلّه لكم، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان ، (إن كنتم مؤمنين)، يقول: إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده ، وحلاله وحرامه.
* * *
وهذا قولٌ روي عن ابن عباس بإسنادٍ غير مرتضى عند أهل النقل.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم معناه : طاعة الله خيرٌ لكم.
*ذكر من قال ذلك:
18477- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله خير لكم.
18478- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (بقية الله) قال: طاعة الله (خير لكم).
18479- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بقية الله) ، قال: طاعة الله.
18480- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله خير لكم.
18481- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله.
18482- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: حظكم من ربكم خير لكم.
*ذكر من قال ذلك :-
18483- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) ، حظكم من ربكم خير لكم.
18484- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (بقية الله خير لكم) ، قال: حظكم من الله خير لكم .
* * *
وقال آخرون: معناه: رزق الله خير لكم.
*ذكر من قال ذلك :
18485- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عمن ذكره، عن ابن عباس: ( بقية الله) قال رزق الله.
* * *
وقال ابن زيد في قوله ما:-
18486- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين)، قال: " الهلاك " ، في العذاب، و " البقية " في الرحمة.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترت في تأويل ذلك القولَ الذي اخترته، لأن الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بَخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظّ في الوفاء في الدنيا والآخرة ، أولى ، مع أن قوله: (بقية) ، إنما هي مصدر من قول القائل " بقيت بقية من كذا "، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقية الله التي أبقاها لكم مما لكم بعد وفائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس ببخسهم إياهم في الكيل والوزن.
* * *
وقوله: (وما أنا عليكم بحفيظ) ، يقول: وما أنا عليكم ، أيها الناس ، برقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم ، هل توفون الناس حقوقهم أم تظلمونهم؟ (35) وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربّي، فقد أبلغتكموها.
-------------------
الهوامش :
(35) انظر تفسير " حفيظ " فيما سلف ص 365 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 104 | ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ |
---|
هود: 86 | ﴿بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ |
---|
يونس: 108 | ﴿وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
بقية:
وقرئ:
1- بتخفيف الياء، وهى قراءة إسماعيل بن جعفر.
2- تقية، بالتاء، وهى قراءة الحسن.
التفسير :
قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ْ} أي:قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم، والاستبعاد لإجابتهم له.
ومعنى كلامهم:أنه لا موجب لنهيك لنا، إلا أنك تصلي لله, وتتعبد له، أفإن كنت كذلك، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا، لقول ليس عليه دليل إلا أنه موافق لك، فكيف نتبعك، ونترك آباءنا الأقدمين أولي العقول والألباب؟!
وكذلك لا يوجب قولك لنا:{ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا ْ} ما قلت لنا، من وفاء الكيل، والميزان، وأداء الحقوق الواجبة فيها، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا، لأنها أموالنا، فليس لك فيها تصرف.
ولهذا قالوا في تهكمهم:{ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ْ} أي:أئنك أنت الذي، الحلم والوقار، لك خلق، والرشد لك سجية، فلا يصدر عنك إلا رشد، ولا تأمر إلا برشد، ولا تنهى إلا عن غي، أي:ليس الأمر كذلك.
وقصدهم أنه موصوف بعكس هذين الوصفين:بالسفه والغواية، أي:أن المعنى:كيف تكون أنت الحليم الرشيد، وآباؤنا هم السفهاء الغاوون؟!!
وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه, ليس كما ظنوه، بل الأمر كما قالوه. إن صلاته تأمره أن ينهاهم، عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر، أكبر من عبادة غير الله، ومن منع حقوق عباد الله، أو سرقتها بالمكاييل والموازين، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد.
أى: قال قوم شعيب له- على سبيل التهكم والاستهزاء-: يا شعيب أصلاتك- التي تزعم أن ربك كلفك بها والتي أنت تكثر منها- تأمرك أن نترك عبادة الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا؟ والاستفهام للإنكار والتعجب من شأنه ...
وأسندوا الأمر إلى الصلاة من بين سائر العبادات التي كان يفعلها، لأنه- عليه السلام- كان كثير الصلاة، وكانوا إذا رأوه يصلى سخروا منه.
وجملة «أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء» إنكار منهم لترك ما تعودوه من نقص الكيل والميزان بعد إنكارهم لترك عبادة الأصنام.
أى: أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة الأصنام، وتأمرك أن نترك ما تعودنا فعله في أموالنا من التطفيف في الكيل والميزان ...
إن كانت صلاتك تأمرك بذلك، فهي في نظرنا صلاة باطلة، لا وزن لها عندنا، بل نحن نراها لونا من ألوان جنونك وهذيانك..
وجملة «إنك لأنت الحليم الرشيد» زيادة منهم في السخرية منه- عليه السلام- وفي التهكم عليه، فكأنهم- قبحهم الله- يقولون له: كيف تأمرنا بترك عبادة الأصنام، وبترك النقص في الكيل والميزان، مع علمك اليقيني بأن هذين الأمرين قد بنينا عليهما حياتنا، ومع زعمك لنا بأنك أنت الحليم الذي يتأنى ويتروى في أحكامه، الرشيد الذي يرشد غيره إلى ما ينفعه؟
إن هذين الوصفين لا يليقان بك، مادمت تأمرنا بذلك، وإنما اللائق بك أضدادهما، أى الجهالة والسفه والعجلة في الأحكام.
قال صاحب الكشاف: وأرادوا بقولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ نسبته إلى غاية السفه والغي، فعكسوا ليتهكموا به، كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبض حجره، فيقال له:
لو أبصرك حاتم لسجد لك. وقيل معناه: إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك. يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك وما اشتهرت به ... » .
هكذا رد قوم شعيب عليه، وهو رد يحمل السخرية في كل مقطع من مقاطعه، ولكنها سخرية الشخص الذي انطمست بصيرته، وقبحت سريرته!! ومع كل هذه السفاهة ترى شعيبا- عليه السلام- وهو خطيب الأنبياء- يتغاضى عن سفاهاتهم، لأنه يحس بقصورهم وجهلهم، كما يحس بقوة الحق الذي أتاهم به من عند ربه، فيرد عليهم بقوله: قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ...
يقولون له على سبيل التهكم ، قبحهم الله : ( أصلاتك ) ، قال الأعمش : أي : قرآنك ( تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ) أي : الأوثان والأصنام ، ( أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) فنترك التطفيف على قولك ، هي أموالنا نفعل فيها ما نريد .
[ قال الحسن ] في قوله : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ) إي والله ، إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم .
وقال الثوري في قوله : ( أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) يعنون الزكاة .
وقولهم : ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) قال ابن عباس ، وميمون بن مهران ، وابن جريج ، وابن أسلم ، وابن جرير : يقولون ذلك أعداء الله على سبيل الاستهزاء ، قبحهم الله ولعنهم عن رحمته ، وقد فعل .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب: يا شعيب ، أصَلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام (36) ، (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، من كسر الدراهم وقطعها ، وبخس الناس في الكيل والوزن ، (إنك لأنت الحليم) ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرّضى، (37) ، (الرشيد) ، يعني: رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان، (38) كما:-
18487- حدثنا محمود بن خداش قال ، حدثنا حماد بن خالد الخياط قال ، حدثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قول الله: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد) (39) قال: كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم (40) ، أو قال: قطع الدراهم، الشك من حمّاد. (41)
18488- حدثنا سهل بن موسى الرازي قال ، حدثنا ابن أبي فديك، عن أبي مودود قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أن قوم شعيب عُذِّبوا في قطع الدراهم، وجدت ذلك في القرآن: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء). (42)
18489- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: عُذّب قوم شعيب في قطعهم الدراهم فقالوا: (يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء).
18490-. . . . قال، حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قوله: (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، قال: كان مما نهاهم عنه حَذْفُ الدراهم.
18491- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال: نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا صرفناها، وإن شئنا طرَحناها!
18492- . . . . قال وأخبرنا ابن وهب قال، وأخبرني داود بن قيس المرّي : أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله: (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال زيدٌ: كان من ذلك قطع الدراهم.
* * *
وقوله: (أصلواتك) ، كان الأعمش يقول في تأويلها ما:-
18493- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري عن الأعمش في قوله: (أصلواتك) قال: قراءتك .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرتَ أنه نهاهم عنه فيها؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهَّمت. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك.
فقال بعض البصريين: معنى ذلك: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، وليس معناه: تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، لأنه ليس بذا أمرهم.
* * *
وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول قال. وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي، كأنه قال: أصلواتك تأمرك بذا ، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله " تأمرك "، وأن الثانية منصوبة عطفًا بها على " ما " التي في قوله: (ما يعبد). وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء.
* * *
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه (مَا تَشَاء).
* * *
قال أبو جعفر: فمن قرأ ذلك كذلك ، فلا مئونة فيه، وكانت " أن " الثانية حينئذ معطوفة على " أن " الأولى.
* * *
وأما قوله لشعيب: (إنك لأنت الحليم الرشيد) فإنهم أعداء الله ، قالوا ذلك له استهزاءً به ، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلام.
* * *
وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:-
18494- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (إنك لأنت الحليم الرشيد)، قال: يستهزئون.
18495- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنك لأنت الحليم الرشيد)، المستهزئون ، يستهزئون : بأنك لأنت الحليم الرشيد ! (43)
--------------------
الهوامش :
(36) في المطبوعة في هذا الموضع " أصلاتك " ، بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة .
(37) انظر تفسير " الحليم " فيما سلف ص : 406 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(38) انظر تفسير " الرشيد " فيما سلف ص : 417 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(39) جاء في المخطوطة " أصلاتك " بالإفراد ، وهي إحدى القراءتين .
(40) " حذف الشيء " ، قطعه من طرفه ، ومنه " تحذيف الشعر " ، إذا أخذت من نواحيه فسويته .
(41) الأثر : 18487 - " محمود بن خداش الطاقاني " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 187 . " وحماد بن خالد الخياط القرشي " ، ثقة ، كان أميًا لا يكتب ، وكان يقرأ الحديث . مترجم في التهذيب ، والكبير 3 / 1 / 25 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 136 .
(42) في المطبوعة هنا أيضًا : " أصلاتك " بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة . وسأردها إلى المخطوطة حيث وجدتها ، وأترك الإفراد حيث أجده ، بلا إشارة إلى ذلك .
(43) في المطبوعة : " بأنك لأنت " ، والصواب المحض ما في المخطوطة .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 70 | ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾ |
---|
ابراهيم: 10 | ﴿قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَـ مَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ |
---|
هود: 62 | ﴿أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ |
---|
هود: 87 | ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أصلواتك:
وقرئ:
1- على التوحيد، وهى قراءة ابن وثاب، والأخوين.
وأن نفعل ... ما نشاء:
1- بالنون فيهما، وهى قراءة الجمهور.
وقرئا:
2- بالتاء فيهما، على الخطاب، وهى قراءة الضحاك بن قيس، وابن أبى عبلة، وزيد بن على.
3- بالنون فى الأول والتاء، فى الثاني، وهى قراءة أبى عبد الرحمن، وطلحة.
التفسير :
{ قَالَ ْ} لهم شعيب:{ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ْ} أي:يقين وطمأنينة، في صحة ما جئت به،{ وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ْ} أي:أعطاني الله من أصناف المال ما أعطاني.
{ وَ ْ} أنا لا{ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ْ} فلست أريد أن أنهاكم عن البخس، في المكيال، والميزان، وأفعله أنا، وحتى تتطرق إليَّ التهمة في ذلك. بل ما أنهاكم عن أمر إلا وأنا أول مبتدر لتركه.
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ْ} أي:ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء بحسب استطاعتي.
ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله:{ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ْ} أي:وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي.
{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ْ} أي:اعتمدت في أموري، ووثقت في كفايته،{ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ْ} في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات، وفي [هذا] التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات.
وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد، وهما الاستعانة بربه، والإنابة إليه، كما قال تعالى:{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ْ} وقال:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ْ}
والبينة: ما يتبين به الحق من الباطل، ويتميز به الهدى من الضلال.
أى: قال شعيب لقومه بأسلوب مهذب حكيم: يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة، وبصيرة مستنيرة منحني إياها ربي ومالك أمرى.
وَرَزَقَنِي مِنْهُ- سبحانه-، رِزْقاً حَسَناً يتمثل في النبوة التي كرمني بها، وفي المال الحلال الذي بين يدي، وفي الحياة الطيبة التي أحياها.
وجواب الشرط محذوف والتقدير: أخبرونى إن كنت كذلك، هل يليق بي بعد ذلك أن أخالف أمره مسايرة لأهوائكم؟ كلا إنه لا يليق بي ذلك، وإنما اللائق بي أن أبلغ جميع ما أمرنى بتبليغه دون خوف أو تقصير.
ثم يكشف لهم عن أخلاقه وسلوكه معهم فيقول: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ....
أى: ما أريد بأمرى لكم بعبادة الله وحده، وبنهيى إياكم عن التطفيف والبخس، مجرد مخالفتكم ومنازعتكم ومعاكستكم، أو أن آمركم بشيء ثم لا أفعله، أو أنهاكم عنه ثم أفعله، من أجل تحقيق منفعة دنيوية..
كلا، كلا إنى لا أريد شيئا من ذلك وإنما أنا إنسان يطابق قولي فعلى، وأختار لكم ما أختاره لنفسي.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: قوله وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مول عنه. وخالفني عنه: إذا ولى عنه وأنت تقصده.
ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول: خالفني إلى الماء، يريد أنه ذهب إليه واردا، وهو ذهب عنه صادرا، ومنه قوله- سبحانه: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يعنى: ما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم» .
وقال الإمام ابن كثير، وعن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود- رضى الله عنه- فقالت له: أأنت الذي تنهى عن الواصلة- أى التي تصل شعرها بشعر آخر-؟ قال:
نعم. فقالت: فلعله في بعض نسائك، فقال: ما حفظت إذا وصية العبد الصالح وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ .
ثم بين لهم أنه ما يريد لهم إلا الإصلاح فيقول: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ....
أى: ما أريد بما أنصحكم به إلا إصلاحكم وسعادتكم، ومادمت أستطيع ذلك، وأقدر عليه، فلن أقصر في إسداء الهداية لكم.
ثم يفوض الأمور إلى الله- تعالى- فيقول: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
أى: وما توفيقي فيما أدعوكم إليه من خير أو أنهاكم عنه من شر إلا بتأييد الله وعونه، فهو وحده الذي عليه أتوكل وأعتمد في كل شئونى، وهو وحده الذي إليه أرجع في كل أمورى.
يقول لهم أرأيتم يا قوم ( إن كنت على بينة من ربي ) أي : على بصيرة فيما أدعو إليه ، ( ورزقني منه رزقا حسنا ) قيل : أراد النبوة . وقيل : أراد الرزق الحلال ، ويحتمل الأمرين .
وقال الثوري : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) أي : لا أنهاكم عن شيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم ، كما قال قتادة في قوله : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) يقول : لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) أي : فيما آمركم وأنهاكم ، إنما مرادي إصلاحكم جهدي وطاقتي ، ( وما توفيقي ) أي : في إصابة الحق فيما أريده ( إلا بالله عليه توكلت ) في جميع أموري ، ( وإليه أنيب ) أي : أرجع ، قاله مجاهد وغيره .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه : أن أخاه مالكا قال : يا معاوية ، إن محمدا أخذ جيراني ، فانطلق إليه ، فإنه قد كلمك وعرفك ، فانطلقت معه فقال : دع لي جيراني ، فقد كانوا أسلموا . فأعرض عنه . [ فقام متمعطا ] فقال : أما والله لئن فعلت إن الناس يزعمون أنك تأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . وجعلت أجره وهو يتكلم ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما تقول ؟ " فقال : إنك والله لئن فعلت ذلك . إن الناس ليزعمون أنك لتأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . قال : فقال : " أوقد قالوها - أوقائلهم - ولئن فعلت ذلك ما ذاك إلا علي ، وما عليهم من ذلك من شيء ، أرسلوا له جيرانه .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسا من قومي في تهمة فحبسهم ، فجاء رجل من قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فقال : يا محمد ، علام تحبس جيرتي ؟ فصمت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . [ عنه ] فقال : إن ناسا ليقولون : إنك تنهى عن الشيء وتستخلي به ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : " ما يقول ؟ " قال : فجعلت أعرض بينهما الكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبدا ، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به حتى فهمها ، فقال : " أوقد قالوها - أو : قائلها منهم - والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم ، خلوا له عن جيرانه " .
ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال : سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ، فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم ، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه " .
هذا إسناد صحيح ، وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم ، افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل : اللهم ، إني أسألك من فضلك " .
ومعناه ، والله أعلم : مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به ، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه ، ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم [ عنه ] ) .
وقال قتادة ، عن عزرة عن الحسن العرني ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق ، أن امرأة جاءت ابن مسعود قالت أتنهى عن الواصلة ؟ قال : نعم . فقالت [ المرأة ] : فلعله في بعض نسائك ؟ فقال : ما حفظت إذا وصية العبد الصالح : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) .
وقال عثمان بن أبي شيبة : حدثنا جرير ، عن أبي سليمان العتبي قال : كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي ، فيكتب في آخرها : وما كانت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح : ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال ، (ورزقني منه رزقًا حسنًا)، يعني حلالا طيّبًا.
* * *
(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) ، يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعلُ خلافه، بل لا أفعل إلا ما آمركم به، ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. كما:-
18496- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) ، يقول: لم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتيه.
* * *
، (إن أريد إلا الإصلاح)، يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم ، (ما استطعت) ، يقول: ما قدرت على إصلاحه ، لئلا ينالكم من الله عقوبة منكِّلة، بخلافكم أمره ، ومعصيتكم رسوله ، (وما توفيقي إلا بالله) يقول: وما إصابتي الحق في محاولتي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك، إلا يعنّي عليه لم أصب الحق فيه.
* * *
وقوله: (عليه توكلت) ، يقول: إلى الله أفوض أمري، فإنه ثقتي ، (44) وعليه اعتمادي في أموري. (45)
* * *
وقوله: (وإليه أنيب) ، وإليه أقبل بالطاعة ،وأرجع بالتوبة، (46) كما:-
18497- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإليه أنيب)، قال: أرجع.
18498- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18499- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، قال ،
18500- . . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وإليه أنيب) ، قال: أرجع.
18501- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (وإليه أنيب) ، قال: أرجع.
* * *
------------------------
الهوامش:
(44) في المطبوعة والمخطوطة : " فإنه ثقتي " ، ولعل الصواب ما أثبت .
(45) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف من فهارس اللغة ( وكل ) .
(46) انظر تفسير " الإنابة " فيما سلف ص : 406 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 28 | ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾ |
---|
هود: 63 | ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّـهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ |
---|
هود: 88 | ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء