224202122232425262728

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (20) الى الآية رقم (24) عدد الآيات (5)

بعدَ الحديثِ عنْ الفريقين: منْ يريدُ الدنيا، ومنْ يريدُ الآخرةَ؛ بَيَّنَ هنا عجزَهم عن الفرارِ من عذابِ اللهِ، ثُمَّ بَيَّنَ جزاءَ المؤمنينَ، ثُمَّ ضَرَبَ للفريقينِ مثلًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (25) الى الآية رقم (28) عدد الآيات (4)

بدايةُ الحديثِ عن قَصصِ الأنبياءِ للعِظةِ والعِبْرةِ وتسليةِ النَّبي ﷺ، القصَّةُ الأُولى: قِصَّةُ نوحٍ عليه السلام لَمَّا دعَا قومَه لعبادةِ اللهِ وحدَهُ فكَذَّبُوه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام:: في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ:: ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «هود».
  • • معنى الاسم :: هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية :: لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة :: أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة :: أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة :: أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).

مدارسة الآية : [20] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ..

التفسير :

[20] أولئك الكافرون لم يكونوا ليفوتوا الله في الدنيا هرباً، وما كان لهم مِن أنصار يمنعونهم من عقابه. يضاعَفُ لهم العذاب في جهنم؛ لأنهم كانوا لا يستطيعون أن يسمعوا القرآن سماع منتفع، أو يبصروا آيات الله في هذا الكون إبصار مهتد؛ لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا

{ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} أي:ليسوا فائتين الله، لأنهم تحت قبضته وفي سلطانه.

{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} فيدفعون عنهم المكروه، أو يحصلون لهم ما ينفعهم، بل تقطعت بهم الأسباب.

{ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} أي:يغلظ ويزداد، لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم.

{ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أي:من بغضهم للحق ونفورهم عنه، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا آيات الله سماعا ينتفعون به{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}{ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} أي:ينظرون نظر عبرة وتفكر، فيما ينفعهم، وإنما هم كالصم البكم الذين لا يعقلون.

ثم بين- سبحانه- أنه كان قادرا على تعذيبهم في الدنيا قبل الآخرة ولكنه أخر عذابهم إملاء لهم فقال: أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ....

وقوله: معجزين من الإعجاز بمعنى عدم المقدرة على الشيء.

أى: أولئك الذين افتروا على الله الكذب لم يكن- سبحانه- عاجزا عن إنزال العذاب الشديد بهم في الدنيا. وما كان لهم من غيره من نصراء ينصرونهم من بأسه لو أراد إهلاكهم.

قال الإمام الرازي: قال الواحدي: معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد، يقال أعجزنى فلان أى: منعني عن مرادى ...

والمقصود أن قوله أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ دل على أنه لا قدرة لهم على الفرار.

وقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ دل على أن أحدا لا يقدر على تخليصهم من عذابه. فجمع- سبحانه- بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم، ووضح بذلك انقطاع حيلهم في الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة» .

وقوله: يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ جملة مستأنفة لبيان أن من حكمة تأخير العذاب عنهم في الدنيا مضاعفة العذاب لهم في الآخرة.

وقوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ تصوير بليغ لاستحواذ الشيطان عليهم.

أى أن هؤلاء المجرمين بلغ بهم الجهل والعناد والجحود أنهم ما كانوا يستطيعون السماع للحق الذي جاءهم من ربهم لثقله على نفوسهم الفاسدة، وما كانوا يبصرون المعجزات الدالة على صدق نبيهم صلى الله عليه وسلم.

فليس المراد نفى السماع والإبصار الحسيين عنهم وإنما المراد أنهم لانطماس بصائرهم صاروا كمن لا يسمع ولا يرى.

( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء ) أي : بل كانوا تحت قهره وغلبته ، وفي قبضته وسلطانه ، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة ، ولكن ( يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ إبراهيم : 42 ] ، وفي الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته " ; ولهذا قال تعالى : ( يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) أي : يضاعف عليهم العذاب ، وذلك لأن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم [ من شيء ] ، بل كانوا صما عن سماع الحق ، عميا عن اتباعه ، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [ الملك : 10 ] ، وقال تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] ; ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه ، وعلى كل نهي ارتكبوه ; ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله: (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) ، هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدّون عن سبيل الله، يقول جل ثناؤه: إنهم لم يكونوا بالذي يُعْجِزون ربَّهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم، ولكنهم في قبضته وملكه، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه هربًا إذا طلبهم (1) ، (وما كان لهم من دون الله من أولياء) ، يقول: ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصارٌ ينصرونهم من الله ، (2) ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذبهم، وقد كانت لهم في الدنيا مَنْعَة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء ، وقوله: (يضاعف لهم العذاب) ، يقول تعالى ذكره: يزاد في عذابهم، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان. (3)

* * *

وقوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، فإنه اختلف في تأويله.

فقال بعضهم: ذلك وصَفَ الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم، وأنهم لا يسمعون الحق، ولا يبصرون حجج الله ، سَمَاعَ منتفع ، ولا إبصارَ مهتدٍ.

*ذكر من قال ذلك:

18092- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، صم عن الحقّ فما يسمعونه، بكم فما ينطقون به، عمي فلا يبصرونه، ولا ينتفعون به

18093- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) ، قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرًا فينتفعوا به، ولا يبصروا خيرًا فيأخذوا به

18094- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك ، وبين طاعته في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا ، فإنه قال: (ما كانوا يستطيعون السمع) ، وهي طاعته ، (وما كانوا يبصرون) . وأما في الآخرة ، فإنه قال: فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً ، [سورة القلم: 42، 43].

* * *

وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وما كان لهم من دون الله من أولياء) ، آلهةَ الذين يصدون عن سبيل الله. وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم ، (لم يكونوا معجزين في الأرض يضاعَفُ لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، يعني الآلهة ، أنها لم يكن لها سمعٌ ولا بصر. وهذا قولٌ روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعْفِ سَنَده.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: يُضَاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون ولا يتأمَّلون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها. قالوا: و " الباء " كان ينبغي لها أن تدخل، لأنه قد قال: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ، [سورة البقرة: 10] ، بكذبهم ، في غير موضع من التنـزيل أدخلت فيه " الباء "، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام : " لأجزينَّك ما علمت ، وبما علمت "، (4) وهذا قول قاله بعض أهل العربية.

* * *

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما قاله ابن عباس وقتادة، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحقّ سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ.

-------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الإعجاز " فيما سلف ص : 102 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير " الولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .

(3) انظر تفسير " المضاعفة " فيما سلف 12 : 417 - 419 .

(4) في المطبوعة والمخطوطة : " كقولك في الكلام : لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت " ، وهذا كلام يبرأ بعضه من بعض ، والظاهر أن الفساد كله من الناسخ ، لأنه كتب " لاحن " في آخر الصفحة ، ثم قلب ، وبدأ الصفحة الأخرى . " بما فيك ما عملت " ، وهذا عجب . والصواب الذي أثبته ، هو نص كلام الفراء في معاني القرآن .

المعاني :

مُعْجِزِينَ :       فَائِتِينَ مِنْ عَذَابِ اللهِ بِالهَرَبِ السراج

التدبر :

لمسة
[20] في قوله تعالى: ﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ﴾ لم يذكر المفعول به، أنت إذا قلت: هل فلان يسمع؟ الرد: لا يسمع، إذا جئت بمفعول فأنت تعلقه بذلك المفعول، لكن إن لم تحدد فأنت تنفي عنه صفة السمع أصلًا، وفي الآية هو لا يريد أن يحدد، فهم ليسوا معجزين لا لخالق، ولا لمخلوق، ولا لأي أحد، هم أضعف من أي شيء، هذا إطلاق، فليس لديهم صفة إعجاز يتصفون بها، نفاها عنهم أصلًا.
وقفة
[20] ﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: «لم يعجزوني أن آمر الأرض فتنخسف بهم».
وقفة
[20] ﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ إذا كانت هذه صفتهم فلماذا حددها بالأرض؟ الإنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون أليس في بلده ومستقره؟ بلى، فإن كان غريبًا؛ فلا حول له ولا قوة، هؤلاء في مكانهم معجزين، نفاها في مكانهم في موضعهم الذين هم أعز فيه، إضافة إلى ضعفهم هم ليس هنالك من ينصرهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء﴾.
وقفة
[20] ﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت: 22]، ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: 31]، هذه الآيات تضمنت التحدي: أشدها آية العنكبوت، فهي تحدٍّ من إبراهيم لملك زمانه وجاء بالباء؛ إمعانا بالتحدي، وآية هود: للأمم السابقة (أولئك)، وآية الشورى: موجهة لهذه الأمة.
لمسة
[20] ﴿مُعْجِزِينَ﴾ بالاسمية ولم تأت بالفعلية (يعجزون) مثلًا، الاسم أقوى وآكد وأثبت من الفعل، فهذه صفتهم الثابتة أصلًا، وليست صفة عابرة.
لمسة
[20] ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ هذه (من) الاستغراقية، تفيد الاستغراق والتوكيد والنفي المطلق.
وقفة
[20] ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ جَمَعَ أولياء مع أنه في آية أخرى أفرد: ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [التوبة: 116]، (من ولي) أشمل في النفي، لكن هنا لا يصح الإفراد لأن الكلام في الآخرة، والآخرة جماعات مختلفة وأزمان مختلفة، وبين الجماعات أحيانًا قرون متطاولة، هؤلاء لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد، كل واحد له وليٌّ، كل جماعة لهم وليٌّ غير الله، إضافة إلى أنه لم ترد (مِنْ أَوْلِيَاء) أبدًا في القرآن الكريم إلا في الآخرة، وعندما يقول (ولي) تكون في الدنيا.
وقفة
[20] ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ لأنهم جمعوا أكثر من حالة، فيها افتراء، وكذب على الله، وكفر بالآخرة، وصد عن سبيل الله، هذه ذنوبهم وذنوب غيرهم، ويبغونها عوجًا، إذن سيتحملون ذنوبهم وذنوب غيرهم، وقطعًا يضاعف لهم العذاب.
تفاعل
[20] ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
عمل
[20] إضلال الآخرين سبب في مضاعفة العذاب؛ فإياك أن تدل غيرك على معصية ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾.
لمسة
[20] ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ لماذا قَدَّمَ السمع على الإبصار مع أنه في الكهف قدَّم آلة الإبصار على السمع؟ في سياق آية هود ذكر ما يُسمع، ذكر الكذب، والافتراء على الله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ... هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [18]، الكذب يُسمع؛ فقدّم السمع، بينما في الكهف ذكر ما يُرى وهو عرض جهنم، قال: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: 100، 101]، هذا مما يُرى.
وقفة
[20] قال ابن عباس: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإنه قال: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾، وأما في الآخرة فإنه قال: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ [القلم: 42، 43].

الإعراب :

  • ﴿ أولئك لم يكونوا:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكونوا: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم \"يكون\" والألف فارقة. وجملة \"لم يكونوا معجزين\" في محل رفع خبر \"أولئك\".
  • ﴿ معجزين في الأرض:
  • معجزين: خبر \"يكون\" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. في الأرض: جار ومجرور متعلق بمعجزين ومفعول اسم الفاعل \"معجزين\" محذوف التقدير: معجزين الله أو يعجزون الله.
  • ﴿ وما كان لهم:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر \"كان\" مقدم.
  • ﴿ من دون الله من أولياء:
  • من دون: جار ومجرور. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. من: حرف جر زائد. أولياء: اسم مجرور لفظًا بحرف الجر الزائد مرفوع محلًّا لأنه اسم \"كان\" مؤخر والاسم ممنوع من الصرف يجر بالفتحة بدلًا من الكسرة لأنه على وزن \"أفعلاء\" والجار والمجرور \"من دون الله\" متعلق بحال مقدمة من أولياء.
  • ﴿ يضاعف لهم العذاب:
  • الجملة: اعتراضية لا محل لها من الإعراب. يضاعف: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة، لهم: جار ومجرور متعلق بيضاعف. و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام، وحرك الميم بالضم لإشباعها، و \"العذاب\" نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ما كانوا يستطيعون السمع:
  • الجملة في محل رفع خبر ثانٍ لأولئك. ما: نافية لا عمل لها. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع اسم \"كان\" والألف فارقة. يستطيعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة: في محل نصب خبر \"كان\" بمعنى: يستطيعون في حياتهم الدنيا. السمع: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وما كانوا يبصرون:
  • معطوفة بالواو على \"ما كانوا يستطيعون\" وتعرب إعرابها. '

المتشابهات :

هود: 20﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
النور: 57﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ
العنكبوت: 22﴿وَمَا أَنتُم مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
الشورى: 31﴿وَمَا أَنتُم مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا هدَّد اللهُ عز وجل الكافرينَ بأمورِ الآخرةِ؛ بَيَّنَ هنا أنه قادر على تعذيبهم في الدنيا قبل الآخرة، ثم توعدهم بالعذاب المُضاعَف في الآخرة، قال تعالى:
﴿ أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ ..

التفسير :

[21] أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم على الله، وذهب عنهم ما كانوا يفترون من الآلهة التي يدَّعون أنها تشفع لهم.

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حيث فوتوها أعظم الثواب، واستحقوا أشد العذاب،{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي:اضمحل دينهم الذي يدعون إليه ويحسنونه، ولم تغن عنهم آلهتهم التي يعبدون من دون الله لما جاء أمر ربك.

ثم أكد- سبحانه- سوء مصيرهم فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.

أى: أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، هم الذين خسروا أنفسهم وأوردوها المهالك بسبب تعمدهم الكذب على الله، وَضَلَّ عَنْهُمْ

أى: وغاب عنهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من اعتقادات باطلة وادعاءات فاسدة.

وقوله : ( أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) أي : خسروا أنفسهم لأنهم دخلوا نارا حامية ، فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين ، كما قال تعالى : ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء : 97 ] .

و ) ضل عنهم ) أي : ذهب عنهم ( ما كانوا يفترون ) من دون الله من الأنداد والأصنام ، فلم تجد عنهم شيئا ، بل ضرتهم كل الضرر ، كما قال تعالى : ( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) [ الأحقاف : 6 ] ، وقال تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 81 ، 82 ] ، وقال الخليل لقومه : ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) [ العنكبوت : 25 ] ، وقال تعالى : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) [ البقرة : 166 ] ; إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم;

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله (5) ، (وضل عنهم ما كانوا يفترون) ، وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله ، (6) بادعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلهًا من دون الله غير مسلكهم، وأخذ طريقًا غير طريقهم، فضَلّ عنهم، لأنه سلك بهم إلى جهنم، وصارت آلهتهم عدمًا لا شيء، لأنها كانت في الدنيا حجارة أو خشبًا أو نحاسًا ، أو كان لله وليًّا، فسلك به إلى الجنة، وذلك أيضًا غير مسلكهم، وذلك أيضًا ضلالٌ عنهم.

-----------------------------

الهوامش :

(5) انظر تفسير " الخسران " فيما سلف من فهارس اللغة ( خسر ) .

(6) انظر تفسير " الضلال " و " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( ضلل ) ، ( فرى ) .

المعاني :

وَضَلَّ :       ذَهَبَ السراج

التدبر :

وقفة
[21] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ خسروا أهم شيء، وهي أعمارهم التي انقضت هباء، وصدق من قال: إذا كان رأسُ المالِ عُمْرَك فاحْترِسْ ... عليهْ من الإنْفاقِ في غيرِ نافعِ
تفاعل
[21] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[21] ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ الأصنام التي عبدوها من دون الله كانت حطبًا تسعر به نار جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ أولئك:
  • اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. أي \"المفترون على الله\".
  • ﴿ الذين:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره \"هم\" وجملة \"هم الذين\" في محل رفع خبر \"أولئك\" ويجوز أن يكون خبر \"أولئك\" بداية الآية الكريمة التالية.
  • ﴿ خسروا أنفسهم:
  • صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. خسروا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وضلّ عنهم ما كانوا:
  • الواو عاطفة. ضل: فعل ماضٍ مبني على الفتح. عن حرف جر و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بضل. ما: فاعل \"ضل\" وهو اسم موصول مبني على السكون في محل رفع. كانوا: صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة اسمها والألف فارقة.
  • ﴿ يفترون:
  • الجملة: في محل نصب خبر \"كان\" وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

الأعراف: 53﴿أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ
هود: 21﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولمَّا توعدَ اللهُ عز وجل الكافرين بالعذاب المضاعف في الآخرة؛ بَيَّنَ هنا خسارتهم وسوء مصيرهم، قال تعالى:
﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [22] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ ..

التفسير :

[22] حقّاً أنهم في الآخرة أخسر الناس صفقة؛ لأنهم استبدلوا الدركاتِ بالدرجات، فكانوا في جهنم، وذلك هو الخسران المبين.

{ لَا جَرَمَ} أي:حقا وصدقا{ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} حصر الخسار فيهم، بل جعل لهم منه أشده، لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة والعذاب، نستجير بالله من حالهم.

وقوله لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ زيادة في تأكيد خسرانهم.

وكلمة لا جَرَمَ وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع. وفي كل موضع جاءت متلوة بأن واسمها.

وجمهور النحاة على أن هذه الكلمة مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر ومعناها بعد هذا التركيب معنى الفعل: حق أو ثبت، والجملة بعدها هي الفاعل لهذا الفعل.

أى: وثبت كونهم في الآخرة هم الأخسرون.

ومن النحاة من يرى أن «لا» نافية للجنس و «جرم» اسمها وما بعدها خبرها.

والمعنى. لا محالة ولا شك في أنهم في الآخرة هم الأخسرون.

ولهذا قال : ( لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة; لأنهم استبدلوا بالدركات عن الدرجات ، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ، وعن شرب الرحيق المختوم ، بسموم وحميم ، وظل من يحموم ، وعن الحور العين بطعام من غسلين ، وعن القصور العالية بالهاوية ، وعن قرب الرحمن ، ورؤيته بغضب الديان وعقوبته ، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون .

القول في تأويل قوله تعالى : لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا وفي الآخرة هم الأخسرون الذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنة من النار ; وذلك هو الخسران المبين.

* * *

وقد بينا فيما مضى أن معنى قولهم: " جَرمتُ"، كسبت الذنب و " جرمته " ، (7) وأن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الأيمان، (8) وفي مواضع " لا بد " كقولهم: " لا جرم أنك ذاهب " ، بمعنى: " لا بد "، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق ، فقالوا: " لا جَرَم لتقومن "، بمعنى: حَقًّا لتقومن. (9) فمعنى الكلام: لا منع عن أنهم، ولا صدّ عن أنهم.

------------------

الهوامش :

(7) انظر ما سلف 9 : 483 - 485 / 10 : 95 ، وكان في المطبوعة : " جرمت " ، " أجرمته " بالألف ، والصواب ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في معاني القرآن .

(8) انظر ما سلف 9 : 483 ، ولكني لم أجد هناك هذا التفصيل الذي ذكره بعد ، ولا أظنه مر شيء منه ، إلا أن يكون فاتني تقييده . وأخشى أن يكون سهوًا من أبي جعفر .

(9) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية ، وهذا بعض كلامه .

المعاني :

لَا جَرَمَ :       حَقًّا السراج
لا جرَمَ :       حقّ و ثبت أو لا محالة أو حقّا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[22] ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة؛ لأنهم: استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم، وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته.
وقفة
[22] ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ لا عجب أن يكون أخسر الناس هو من زهد في النفيس الرفيع، ورضي بالخسيس الوضيع.
وقفة
[22] ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ لا جرم بمعنى ماذا؟ تأتي بمعنى: لا بد، ولا محالة، والعرب تستعملها بمعنى القسم، بمعنى حقًا، ولذلك أحيانًا يجيبوها بالقسم، مثل: «لا جرم لآتينّك»، يعني حقًا لآتينك، ففي الآية توكيدان وليس فقط توكيدًا واحدًا: (لا جرم) و(أنّ).
تفاعل
[22] ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[22] ﴿الأَخْسَرُونَ﴾ لعلَّ تلكَ الطَّاعةَ البسيطةَ التِي تتكاسلُ عنِ القيامِ بهَا تكونُ سببًا في إنقاذِ نفسِكَ من الخسارة الأبدية.
لمسة
[22] قال تعالى: ﴿الأَخْسَرُونَ﴾ وليس (الخاسرون)، فـ(الأخسرون) هذا تفضيل يعني أعلى درجات الخسران، فالذي يخسر نفسه ماذا بقي له؟! هؤلاء أخسر الناس ليس هنالك أخسر منهم، ليس فقط أخسر وإنما الأخسر.

الإعراب :

  • ﴿ لا جرم:
  • أي حقًّا وهي في الأصل كانت جملة بمنزلة لابدّ ولا محالة. فتحولت إلى معنى القسم وصارت بمعنى حقًّا.
  • ﴿ أنهم في الآخرة هم:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم \"أن\" في الآخرة: جار ومجرور متعلق بخبر \"أن\". هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ حركت الميم بالضم للإشباع.
  • ﴿ الأخسرون:
  • خبر \"هم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. والجملة الاسمية \"هم الأخسرون\" في محل رفع خبر \"أن\" وفي \"لا جرم\" لغات عديدة واجتهادات كثيرة يرجى مراجعة الآية الثالثة والعشرين من سورة غافر. '

المتشابهات :

هود: 22﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
النحل: 109﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد بيان خسارة الكافرين في الآخرة؛ أكدَ اللهُ عز وجل هنا أنهم في الآخرة أشد الناس خُسرانًا، قال تعالى:
﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ..

التفسير :

[23] إن الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة، وخضعوا لله في كل ما أُمروا به ونُهوا عنه، أولئك هم أهل الجنة، لا يموتون فيها، ولا يَخْرجون منها أبداً.

يقول تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم، أي:صدقوا واعترفوا, لما أمر الله بالإيمان به، من أصول الدين وقواعده.

{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} المشتملة على أعمال القلوب والجوارح، وأقوال اللسان.{ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} أي:خضعوا له، واستكانوا لعظمته، وذلوا لسلطانه، وأنابوا إليه بمحبته، وخوفه، ورجائه، والتضرع إليه.

{ أُولَئِكَ} الذين جمعوا تلك الصفات{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لأنهم لم يتركوا من الخير مطلبا، إلا أدركوه، ولا خيرا، إلا سبقوا إليه.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين بعد بيان سوء عاقبة الكافرين فقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

قال الجمل: والإخبات في اللغة هو الخشوع والخضوع وطمأنينة القلب. ولفظ الإخبات يتعدى بإلى وباللام. فإذا قلت أخبت فلان إلى كذا فمعناه اطمأن إليه. وإذا قلت أخبت له فمعناه: خشع وخضع له. فقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إشارة الى جميع أعمال الجوارح. وقوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ إشارة إلى أعمال القلوب وهي الخشوع والخضوع لله- تعالى-» .

والمعنى: إن الذين آمنوا بالله- تعالى- إيمانا حقا وعملوا الأعمال الصالحات التي ترضيه- سبحانه- واطمأنوا إلى قضاء ربهم وخشعوا له أولئك الموصوفون بذلك هم أصحاب الجنة وهم الخالدون فيها خلودا أبديا وهم الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه.

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الإتيان بالطاعات وترك المنكرات ، وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات ، والسرر المصفوفات ، والقطوف الدانيات ، والفرش المرتفعات ، والحسان الخيرات ، والفواكه المتنوعات ، والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذات ، والنظر إلى خالق الأرض والسموات ، وهم في ذلك خالدون ، لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ، وينامون ولا يتغطون ، ولا يبصقون ولا يتمخطون ، إن هو إلا رشح مسك يعرقون .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا في الدنيا بطاعة الله ، و " أخبتوا إلى ربهم ".

* * *

واختلف أهل التأويل في معنى " الإخبات ".

فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربهم.

*ذكر من قال ذلك:

18095- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم)، قال: " الإخبات " ، الإنابة.

18096- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: وأنابوا إلى ربهم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا.

*ذكر من قال ذلك:

18097- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: خافوا.

* * *

وقال آخرون: معناه: اطمأنوا.

*ذكر من قال ذلك:

18098- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأخبتوا إلى ربهم) ، قال: اطمأنوا.

18099- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

18100- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا.

*ذكر من قال ذلك:

18101- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأخبتوا إليهم ربهم)، " الإخبات "، التخشُّع والتواضع

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة المعاني ، وإن اختلفت ألفاظها، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس " الإخبات " ، عند العرب : الخشوع والتواضع.

* * *

وقال: (إلى ربهم) ، ومعناه: وأخبتوا لربهم. وذلك أن العرب تضع " اللام " موضع " إلى " و " إلى " موضع " اللام " كثيًرا، كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ، [سورة الزلزلة: 5] بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله.

* * *

وقوله: (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) ، يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها، ولكنهم فيها لابثُون إلى غير نهاية. (10)

-------------------

الهوامش :

(10) انظر تفسير " أصحاب الجنة " و " الخلود " في فهارس اللغة ( صحب ) ، ( خلد ) .

المعاني :

وَأَخْبَتُوا :       خَضَعُوا لِلهِ السراج
أخبتوا إلى ربّهم :       اطمأنّوا على وعده أو خشعوا له معاني القرآن

التدبر :

عمل
[23] صلِّ ركعتين، ثم ادع الله تعالى وتضرع إليه أن يرزقك الإخبات إليه؛ أي: التواضع والتسليم له سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
وقفة
[23] ﴿وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ الخَبْت هو الوادي، الأرض المطمئنة، أخبتوا يعني اطمأنوا وخشعوا وخضعوا وانقطعوا إلى عبادة الله، ففيها معنى اطمئنان وسكينة وخشوع وتذلل.
لمسة
[23] ﴿وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ الخبت في أصل اللغة: المكان المنخفض من الأرض، وبه فسر ابن عباس وقتادة لفظ (المخبتين) وقالا: هم المتواضعون، وأما مجاهد فقال: المخبت: المطمئن إلى الله عز وجل، فهذه الأقوال تدور على معنيين للإخبات: التواضع، والرضا بقدر الله عز وجل.
تفاعل
[23] ﴿أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ إنّ الذين آمنوا:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم \"إن\". آمنوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ وعملوا الصالحات:
  • معطوفة بالواو على \"آمنوا\" وتعرب إعرابها. الصالحات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلًا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ وأخبتوا إلى ربّهم:
  • معطوفة بالواو على \"آمنوا\" وتعرب إعرابها. إلى رب: جار ومجرور متعلق بأخبتوا أي اطمأنوا \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ أولئك أصحاب الجنة:
  • الجملة: في محل رفع خبر \"إنّ\". أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. أصحاب: خبر لمبتدأ محذوف تقديره \"هم\". الجنة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وجملة \"هم أصحاب الجنة\" في محل رفع خبر \"أولئك\".
  • ﴿ هم فيها خالدون:
  • الجملة تأكيد للجملة قبلها ويجوز أن تكون في محل نصب حالًا. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فيها: جار ومجرور متعلق بخبر \"هم\" خالدون خبر \"هم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 277﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
يونس: 9﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ
هود: 23﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
الكهف: 30﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
الكهف: 107﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
مريم: 96﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا
لقمان: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ
فصلت: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
البروج: 11﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
البينة: 7﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل حالَ الأشقياءِ، أتبعه بذِكرِ حال السُّعَداءِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [24] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ ..

التفسير :

[24] مثل فريقَي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى والأصم الذي لا يسمع والبصير والسميع:ففريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه، ولا يسمع داعي الله فيهتدي به، أما فريق الإيمان فقد أبصر حجج الله وسمع داعي الله فأجابه، هل يستوي هذان الفريقان؟ أفلا تعتبرون وتتفك

{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} أي:فريق الأشقياء، وفريق السعداء.{ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} هؤلاء الأشقياء،{ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} مثل السعداء.

{ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} لا يستوون مثلا، بل بينهما من الفرق ما لا يأتي عليه الوصف،{ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} الأعمال، التي تنفعكم، فتفعلونها، والأعمال التي تضركم، فتتركونها.

ثم ضرب- سبحانه- مثلا لفريق الكافرين ولفريق المؤمنين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ.

وقوله: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ... أى: حالهم وصفتهم.

وأصل المثل بمعنى المثل. والمثل: النظير والشبيه ثم أطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه- لمورده- أى الذي ورد فيه أولا.

ولا يكون إلا فيما فيه غرابة. ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة.

وإنما تضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى، وتقريب المعقول من المحسوس وعرض الغائب في صورة الشاهد. فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب وأثبت في النفوس.

والمعنى: حال الفريقين المذكورين قبل ذلك وهما الكافرون والمؤمنون كحال الضدين المختلفين كل الاختلاف.

أما الكافرون فحالهم وصفتهم كحال وصفة من جمع بين العمى والصمم. لأنهم مع كونهم يرون ويسمعون لكنهم لم ينتفعوا بذلك فصاروا كالفاقد لهما.

وأما المؤمنون فحالهم وصفتهم كحال وصفة من جمع بين البصر السليم والسمع الواعي لأنهم انتفعوا بما رأوا من دلائل تدل على وحدانية الله وقدرته وبما سمعوا من توجيهات تدل على صحة تعاليم الإسلام.

والمقصود من هذا التمثيل. تنبيه الكافرين إلى ما هم عليه من ضلال وجهالة لعلهم بهذا التنبيه يتداركون أمرهم، فيدخلوا في دين الإسلام وتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من حق، وبذلك يزدادون إيمانا على إيمانهم.

والاستفهام في قوله هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا للإنكار والنفي، أى: هل يستوي في الصفة والحال من كان ذا سمع وبصر بمن فقدهما؟ كلا إنهما لا يستويان حتى عند أقل العقلاء عقلا وقوله: أَفَلا تَذَكَّرُونَ حض على التذكر والتدبر والتفكر.

أى: أتشكون في عدم استواء الفريقين؟ لا إن الشك في عدم استوائهما لا يليق بعاقل وإنما اللائق به هو اعتقاد تباين صفتيهما والدخول في صفوف المؤمنين الذين عملوا الأعمال الصالحات وأخبتوا إلى ربهم.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت حال الكافرين وذكرت من أوصافهم أربعة عشر وصفا أولها: افتراء الكذب ... وآخرها: الخسران في الآخرة. كما بينت حال المؤمنين وبشرتهم بالخلود في الجنة: ثم ضربت مثلا لكل فريق وشبهت حاله بما يناسبه من صفات..

وفي ذلك ما فيه من الهداية إلى الطريق المستقيم، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.

وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله ووحدانيته وعن إعجاز القرآن الكريم وعن حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة المكذبين ساقت السورة الكريمة بترتيب حكيم قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم وقد استغرق هذا القصص معظم الآيات الباقية فيها فقد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه وعن قصة هود مع قومه، وعن قصة صالح مع قومه، وعن قصة لوط مع قومه، وعن قصة شعيب مع قومه، كما تحدثت عن قصة إبراهيم مع رسل الله الذين جاءوه بالبشرى، وعن جانب من قصة موسى مع فرعون.

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما ذكر في تقرير المبدأ والمعاد دلائل ظاهرة، وبينات قاهرة، وبراهين باهرة، أتبعها بذكر قصص الأنبياء وفيه فوائد:

أحدها: التنبيه على أن إعراض الناس عن قبول هذه الدلائل والبينات ليس من خواص قوم النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السالفة، والمصيبة إذا عمت خفت. فكان ذكر قصصهم وحكاية إصرارهم وعنادهم يفيد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتخفيف ذلك على قلبه.

وثانيها: أنه- تعالى- يحكى في هذه القصص أن عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللعن في الدنيا والخسارة في الآخرة. وعاقبة أمر المحقين الى الدولة في الدنيا والسعادة في الآخرة، وذلك يقوى قلوب المحقين، ويكسر قلوب المبطلين.

وثالثها: التنبيه على أنه- تعالى- وإن كان يمهل هؤلاء المبطلين، ولكنه لا يهملهم، بل ينتقم منهم على أكمل الوجوه.

ورابعها: بيان أن هذه القصص دالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان أميا، وما طالع كتابا ولا تتلمذ على أستاذ، فإذا ذكر هذه القصص على هذا الوجه من غير تحريف ولا خطأ، دل ذلك على أنه إنما عرفه بالوحي من الله- تعالى- .

وقد بدأت السورة الكريمة قصصها بقصة نوح مع قومه، وقد وردت هذه القصة في سور متعددة منها سورة الأعراف، وسورة المؤمنون، وسورة نوح ... إلا أنها وردت هنا بصورة أكثر تفصيلا من غيرها.

ثم ضرب [ الله ] تعالى مثل الكافرين والمؤمنين ، فقال : ( مثل الفريقين ) أي : الذين وصفهم أولا بالشقاء والمؤمنين السعداء ، فأولئك كالأعمى والأصم ، وهؤلاء كالبصير والسميع . فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا ، وفي الآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه ، أصم عن سماع الحجج ، فلا يسمع ما ينتفع به ، ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ الأنفال : 23 ] ، وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب ، بصير بالحق ، يميز بينه وبين الباطل ، فيتبع الخير ويترك الشر ، سميع للحجة ، يفرق بينها وبين الشبهة ، فلا يروج عليه باطل ، فهل يستوي هذا وهذا .

( أفلا تذكرون ) أفلا تعتبرون وتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء ، كما قال في الآية الأخرى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] وقال ( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) [ فاطر : 19 - 24 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مثل فريقي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئًا ، والأصم الذي لا يسمع شيئًا ، فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به، لشغله بكفره بالله ، وغلبة خذلان الله عليه، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد، فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به، فهو مقيمٌ في ضلالته، يتردَّد في حيرته. والسميع والبصير فذلك فريق الإيمان ، (11) أبصر حجج الله، وأقر بما دلت عليه من توحيد الله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، ونبوة الأنبياء عليهم السلام ، وسمعَ داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله، كما:

18102- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) ، قال: " الأعمى " و " الأصم ": الكافر ، و " البصير " و " السميع " ، المؤمن

18103- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) ، الفريقان الكافران، والمؤمنان، فأما الأعمى والأصم فالكافران، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان.

18104- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) ، الآية، هذا مثلٌ ضربه الله للكافر والمؤمن، فأما الكافر فصم عن الحق، فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره. وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به ، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به.

* * *

يقول تعالى: (هل يستويان مثلا) ، يقول: هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيها الناس؟ فإنهما لا يستويان عندكم، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند الله ، (أفلا تذكرون) ، يقول جل ثناؤه: أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون، ، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما، فتنـزجروا عما أنتم عليه من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان؟

* * *

، فالأعمى والأصم ، والبصير والسميع ، في اللفظ أربعة، وفي المعنى اثنان. ولذلك قيل: (هل يستويان مثلا) .

وقيل: ( كالأعمى والأصم ) ، والمعنى: كالأعمى الأصمّ، وكذلك قيل (والبصير والسميع)، ، والمعنى: البصير السميع، كقول القائل: " قام الظريف والعاقل "، وهو ينعت بذلك شخصًا واحدًا.

---------------------

الهوامش :

(11) في المخطوطة والمطبوعة : " فكذلك فريق الإيمان " ، وكأن الصواب ما اثبت .

المعاني :

وَالأَصَمِّ :       الَّذِي لَا يَسْمَعُ السراج

التدبر :

وقفة
[24] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الكافر لا ينتفع بسمعه وبصره انتفاعًا يقود للإيمان، فهما كالمُنْتَفِيَين عنه بخلاف المؤمن.
وقفة
[24] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ قال قتادة: «هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن، فأما الكافر فصُمَّ عن الحق فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره، وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به».
وقفة
[24] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ العمى والصمم أخطر في القلوب والأرواح منه في الجوارح والأعضاء؛ لأنه سبب عذاب النار.
وقفة
[24] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ ماذا يضر عمى الأبصار إذا أنار نور الإيمان ضمائر الأبرار؟! قال عبد الله بن عباس بعد أن فقد بصره: إِن يَأخُذِ اللَهُ مِن عَينَيَّ نورَهُما ... فَـفـي لِسـانـي وَقَلبي مِنهُما نورُ
وقفة
[24] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الله سبحانه وتعالى ذكر صفات كثيرة كالأعمى والأصم والبصير والسميع، ولم يذكر الأبكم: هذا الفريق يتكلم، هم كذبوا على ربهم وافتروا ويصدون عن سبيل الله، إذن هو ليس أبكم.
لمسة
[24] ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ﴾ ما قال لا يستويان، لكن أراد أن يُشرك المخاطَب حتى يجيب هو؛ ليقيم الحجة ويحكم على نفسه.
وقفة
[24] ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (أفلا تتذكرون): للمسائل الطويلة التي تحتاج طولًا في التذكر نحو: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّـهِ﴾ [الأنعام: 80]، المحاجة دامت وقتًا طويلًا، (أفلا تذكرون): للمسائل الواضحة البينة التي لا تحتاج طولا في التذكر، نحو: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 17]، هذه مسألة واضحة.

الإعراب :

  • ﴿ مثل الفريقين:
  • مثل: مبتدأ مرفوع بالضمة. الفريقين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى والنون عوض عن تنوين المفرد. أي مثل المؤمن والكافر.
  • ﴿ كالأعمى والأصمّ:
  • الكاف: حرف جر ومعناها التشبيه وفي هذا القول الكريم التشبيه طباق جميل و \"الأعمى\" اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر والجار والمجرور متعلق بالخبر المحذوف للمبتدأ \"مثل\" بمعنى كمثل الأعمى والأصم: معطوفة بالواو على \"الأعمى\" مجرورة مثلها بالكسرة الظاهرة.
  • ﴿ والبصير:
  • معطوفة بالواو على \"الأعمى\" وتعرب مثلها أي كمثل البصير وعلامة جرها الكسرة الظاهرة.
  • ﴿ والسميع:
  • معطوفة بالواو على \"الأصم\" مجرورة مثلها وعلامة جرها: الكسرة وفي هذا العطف عطفت واو العطف في \"الأصم\" وفي \"السميع\" الصفة على الصفة. فكلمة \"الأصمّ\" معطوفة على الصفة \"الأعمى\" لأن التقدير أو المعنى: كالرجل الأعمى. وكلمة \"السميع\" معطوفة على الصفة \"الأصمّ\" أي واويّ العطف في \"والأصم\" وفي \"والسميع\" عطفتا الصفة على الصفة. وهناك وجه آخر وهو أنهما عطفتا على الموصوف. وهذا يتأتى من سياق المعنى.
  • ﴿ هل يستويان مثلًا:
  • هل حرف استفهام لا محل لها من الإعراب. يستويان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة \"يستويان\" في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما. بمعنى هل هما سيان؟ مثلًا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أفلا تذكرون:
  • الألف: ألف توبيخ بلفظ استفهام. الفاء زائدة \"تزيينية\" لا: نافية لا عمل لها. تذكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وأصلها: تتذكرون فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا. '

المتشابهات :

هود: 24﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
الزمر: 29﴿ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّـهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     وبعدَ أن تبيَّنَ الاختلافُ بين حالِ الكافرين المُفتَرينَ على اللهِ كَذِبًا، وبين حالِ الذين آمنوا وعَمِلوا الصَّالِحاتِ في منازِلِ الآخرةِ؛ ضربَ اللهُ عز وجل هنا مثلًا للفريقين الكافرين والمؤمنين، قال تعالى:
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [25] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ..

التفسير :

[25] ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال لهم:إني نذير لكم من عذاب الله، مبيِّن لكم ما أُرسلت به إليكم من أمر الله ونهيه.

إلى آخر القصةأي:ولقد أرسلنا رسولنا نوحا أول المرسلين إلى قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الشرك فقال لهم:{ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي:بينت لكم ما أنذرتكم به، بيانا زال به الإشكال.

وقد بدأت السورة الكريمة قصصها بقصة نوح مع قومه ، وقد وردت هذه القصة فى سور متعددة منها سورة الأعراف ، وسورة المؤمنون ، وسورة نوح . . . إلا أنها وردت هنا بصورة أكثر تفصيلا من غيرها .

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ . . . ) .

قوله : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ . . . ) جواب لقسم محذوف . أى والله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه . والدليل على هذا القسم وجود لامه فى بدء الجملة .

وافتتحت القصة بصيغة القسم لأن المخاطبين بها لما لم يحذروا ما نزل بقوم نوح بسبب كفرهم نزلوا منزلة المنكر لرسالته .

وينتهى نسب نوح - عليه السلام - إلى شيث بن آدم - عليه السلام - وقد ذكر نوح فى القرآن فى ثلاثة وأربعين موضعا .

وقوم الرجل : هم أقرباؤه الذين يجتمعون معه فى جد واحد وقد يقيم الرجل بين الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة .

وكان قوم نوح يعبدون الأصنام : فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد .

قال ابن كثير : قال ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير : " كان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا . فبنى قومهم عليهم مساجد ، وصوروا صور أولئك الصالحين فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم ، فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين : ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله - تعالى - رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده " .

وقوله : ( إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله . . . ) بيان للوظيفة التى من أجلها أرسل الله - تعالى - نوحا إلى قومه .

قال الشوكانى : قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى بفتح الهمزة فى ( إنى ) على تقدير حرف الجر أى : أرسلناه بأنى . أى : أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أنىلكم نذير مبين . وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول . أى : أرسلناه قائلا لهم ( إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) .

ونذير من الإِنذار وهو إخبار معه تخويف . .

ومبين : من الإِبانة بمعنى التوضيح والإِظهار . .

أى : أرسلناه إلى قومه فقال لهم يا قوم : إنى لكم محذر تحذيرا واضحا من موجبات العذاب التى تتمثل فى عبادتكم لغير الله - تعالى - .

واقتصر على الإِنذار لأنهم لم يعملوا بما بشرهم به وهو الفوز برضا الله - تعالى - إذا ما أخلصوا له العبادة والطاعة .

يخبر تعالى عن نوح - عليه السلام - وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه : ( إني لكم نذير مبين ) أي : ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه : إني لكم ، أيها القوم ، نذير من الله، أنذركم بأسَه على كفركم به، فآمنوا به وأطيعوا أمره.

ويعني بقوله: (مبين) ، يبين لكم عما أرسل به إليكم من أمر الله ونهيه. (12)

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله: (إني) .

فقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة وبعض المدنيين بكسر " إنّ" على وجه الابتداء إذ كان في " الإرسال " معنى " القول ".

* * *

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة بفتح " أن " على إعمال الإرسال فيها، كأن معنى الكلام عندهم: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه بأني لكم نذير مبين.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال إنهما قراءتان متفقتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ كان مصيبًا للصواب في ذلك.

---------------------

الهوامش :

(12) انظر تفسير " نذير " و " مبين " فيما سلف من فهارس اللغة ( نذر ) ، ( بين ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[25] ﴿لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه﴾ [الأعراف: 59]، ﴿ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه﴾، الأولى آية الأعراف: وحيدة بهذا اللفظ دون واو، ذلك أن اللام فيها للابتداء، مما يعني أن القصة هي أول قصة تذكر بالسورة، أما في بقية القرآن جاءت: ﴿ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه﴾ بواو العطف، (ولقد) إشارة إلى أن تلك القصص عطفت قصص أخر.
وقفة
[25] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ في آيات سورة هود خبر نوح عليه السلام وهو أول الرسل، وقد ثنّى الله ذكره في القرآن، فهو من أولي العزم، ولأوليته في القيام بأمر الله مزية، وهو أطول الأنبياء مكابدة في الدعوة، وهذا الموضع أبسط مواضع ذكره في القرآن.
وقفة
[25] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ شدة الإنذار ليست قسوة من الداعية، بل هو خوف وإشفاق على قومه من عذاب النار؛ ولذا قال مالك بن دينار: «ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم في سائر الدنيا كلها يقولون: يا أيها الناس، النار، النار».
وقفة
[25] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ بتحديد المهمة والجهة والهدف؛ اكتملت وظيفة الرسالة.
عمل
[25] ألقِ كلمة، أو ابذل نصيحة، أو غيِّر منكرًا بالأسلوب الحسن، ثم اقرأ قصص الأنبياء في سورة هود؛ فسيظهر لك من مقاصدها الشيءُ الكثير ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.
وقفة
[25، 26] اختصار الدعوة في آيتين: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ﴾ تحديد الجهة التي أرسل اليها، ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ تحديد المهمة، ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ تحديد هدفه في دعوته، ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ عاقبة الإعراض والصد، علي الداعية أن يكون واضحًا ومحددًا في دعوته.

الإعراب :

  • ﴿ ولقد أرسلنا:
  • الواو: استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد أو واقعة في جواب قسم مقدر. قد: حرف تحقيق. أرسل: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ نوحًا إلى قومه:
  • نوحًا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة ولم يمنع من الصرف رغم عجمته وتعريفه لأنه اسم مكون من ثلاثة أحرف أوسطه ساكن. إلى قومه: جار ومجرور متعلق بأرسلنا والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إني لكم نذير مبين:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- المقدر بمن أرسلنا ملتبسًا بهذا الكلام وهو قوله: إنّي لكم نذير مبين. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"انّ\". لكم: جار ومجرور في محل نصب حال لأنه متعلق بصفة مقدمة من خبر \"ان\" نذير خبر \"ان\" مرفوع بالضمة. مبين: صفة -نعت- لنذير مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد إنذارِ الكافرين؛ وعظهم اللهُ عز وجل هنا بما أصاب المكَذِّبينَ قبلهم من الأمم السابقة، وفي هذا تسليةٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عما يلاقيه من قومه، وبدأ الحديث هنا عن قَصصِ الأنبياءِ: القصَّةُ الأُولى: قِصَّةُ نوحٍ عليه السلام لَمَّا دعَا قومَه لعبادةِ اللهِ وحدَهُ فكَذَّبُوه، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إنى:
قرئ:
1- بفتح الهمزة، أي: بأنى، وهى قراءة النحويين، وابن كثير.
2- بكسرها، على إضمار القول، وهى قراءة ابن كثير.

مدارسة الآية : [26] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ..

التفسير :

[26] آمركم ألا تعبدوا إلا الله، إني أخاف عليكم -إن لم تفردوا الله وحده بالعبادة- عذاب يوم موجع.

{ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} أي:أخلصوا العبادة لله وحده، واتركوا كل ما يعبد من دون الله.{ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} إن لم تقوموا بتوحيد الله وتطيعوني.

وقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ... جواب لقسم محذوف. أى والله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه. والدليل على هذا القسم وجود لامه في بدء الجملة.

وافتتحت القصة بصيغة القسم لأن المخاطبين بها لما لم يحذروا ما نزل بقوم نوح بسبب كفرهم نزلوا منزلة المنكر لرسالته.

وينتهى نسب نوح- عليه السلام- إلى شيث بن آدم- عليه السلام- وقد ذكر نوح في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.

وقوم الرجل: هم أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد وقد يقيم الرجل بين الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة.

وكان قوم نوح يعبدون الأصنام: فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد.

قال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير: كان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا. فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك الصالحين فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم. فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين: ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله- تعالى- رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده» .

وقوله: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ... بيان للوظيفة التي من أجلها أرسل الله- تعالى- نوحا إلى قومه.

قال الشوكانى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الهمزة في إِنِّي على تقدير حرف الجر أى: أرسلناه بأنى. أى: أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أنى لكم نذير مبين.

وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول. أى: أرسلناه قائلا لهم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ .

ونذير من الإنذار وهو إخبار معه تخويف..

ومبين: من الإبانة بمعنى التوضيح والإظهار..

أى: أرسلناه إلى قومه فقال لهم يا قوم: إنى لكم محذر تحذيرا واضحا من موجبات العذاب التي تتمثل في عبادتكم لغير الله- تعالى-.

واقتصر على الإنذار لأنهم لم يعملوا بما بشرهم به وهو الفوز برضا الله- تعالى- إذا ما أخلصوا له العبادة والطاعة.

وجملة أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ بدل من قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أى أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.

وقوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ جملة تعليلية، تبين حرص نوح الشديد على مصلحة قومه ومنفعتهم.

أى إنى أحذركم من عبادة غير الله، لأن هذه العبادة ستؤدى بكم الى وقوع العذاب الأليم عليكم، وما حملني على هذا التحذير الواضح إلا خوفي عليكم، وشفقتي بكم، فأنا منكم وأنتم منى بمقتضى القرابة والنسب.

ووصف اليوم بالأليم على سبيل المجاز العقلي، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية والنهاية في ذلك، جعل الوقت الذي تقع فيه وقتا أليما أى مؤلما.

ولهذا قال : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) وقوله ( إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذابا أليما موجعا شاقا في الدار الآخرة .

وقوله: (أن لا تعبدوا إلا الله) فمن كسر الألف في قوله: (إني) جعل قوله: (أرسلنا) عاملا في " أنْ" التي في قوله: (أن لا تعبدوا إلا الله) ، ويصير المعنى حينئذ: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه، أن لا تعبدوا إلا الله، وقل لهم : إني لكم نذير مبين ، ومن فتحها ردّ " أنْ" في قوله: (أن لا تعبدوا) عليها. فيكون المعنى حينئذ: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه بأني لكم نذير مبين، بأن لا تعبدوا إلا الله.

* * *

ويعني بقوله: [بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناس]، عبادة الآلهة والأوثان ، (13)

وإشراكها في عبادته، وأفردوا الله بالتوحيد ، وأخلصوا له العبادة، فإنه لا شريك له في خلقه.

* * *

وقوله: (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم)، يقول: إني أيها القوم ، إن لم تخصُّوا الله بالعبادة، وتفردوه بالتوحيد ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان ، أخاف عليكم من الله عذابَ يوم مؤلم عقابُه وعذابُه لمن عُذِّب فيه.

* * *

وجعل " الأليم " من صفة " اليوم " وهو من صفة " العذاب "، إذ كان العذاب فيه ، كما قيل: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ، [سورة الأنعام: 96] ، وإنما " السكن " من صفة ما سكن فيه دون الليل.

---------------------------

الهوامش :

(13) هكذا جاءت الجملة في المخطوطة والمطبوعة ، والسقط فيها ظاهر بين ، وكأن الصواب إن شاء الله :

" ويعني بقوله :( أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) ، أي : اتركوا عبادة الآلهة . . . "

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[26] ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ جوهر جميع الرسالات هو التوحيد، لا إله إلا الله، جاء به جميع الرسل عليهم السلام.
لمسة
[26] ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ لمَ ذكر العذاب بعد الإنذار؟ قال ابن عاشور: لأن شأنَّ النذارة أن تثقل على النفوس، فكانت جديرة بالتعليل لدفع حرج ما يلاقونه.
وقفة
[26] ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ التوحيد من رحمة الله بالعابدين، ووقاية لهم من عذاب يوم القيامة الأليم.
وقفة
[26] ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ الداعية محب مشفق، يؤزه حب الغير للغير، وتحدوه الشفقة على الناس.
عمل
[26] ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ عبر عن مشاعرك بحرارة تجاه قومك ووطنك، أظهر مشاعرك الحقيقية على مستقبلهم، حدثهم عن حبك لمستقبل باسم لهم.
لمسة
[26] ﴿عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ وصف اليوم بأنه أليم وليس العذاب، هذا تعبير مجازي، اليوم لا يكون أليمًا، وإنما ما يقع فيه من العذاب، هذا موجود عند العرب، مثل: نهارك صائم، أو ليلك قائم، ويسمى هذا مجازًا عقليًا، هذا يدلنا على اتساع الألم وشدته بحيث الوقوع في ذلك اليوم على سبيل الاستغراق، استغراق اليوم. جاءت (إني) بالكسر على إضمار القول، على تقدير: (فقال إني لكم نذير مبين).
تفاعل
[26] ﴿عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ أنْ لا تعبدوا:
  • الجملة في محل جر بدل من قوله: إني لكم نذير: أي أرسلناه بأن لا تعبدوا وتقدير القول الأول بأني لكم نذير .. ويجوز أن تكون \"أن\" مفسرة لا عمل لها متعلقة بأرسلنا أو بنذير. لا: ناهية جازمة. تعبدوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ إلّا الله إني:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. الله: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها وخبرها: الجملة الفعلية \"أخاف\" في محل رفع.
  • ﴿ أخاف عليكم:
  • أخاف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. عليكم: جار ومجرور متعلق بأخاف.
  • ﴿ عذاب يوم أليم:
  • عذاب: مفعول به منصوب بالفتحة. يوم: مضاف إليه مجرور بالكسرة. أليم: صفة -نعت- ليوم مجرورة مثلها بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. وفي الجملة إسناد مجازي أي إسناد أليم إلى يوم لوقوع العذاب فيه. '

المتشابهات :

الأعراف: 59﴿اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
الشعراء: 135﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
الأحقاف: 21﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
هود: 3﴿وَإِن تَوَلَّوْا فَـ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
هود: 26﴿أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
هود: 84﴿إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولمَّا بَيَّنَ نوحٍ عليه السلام أنه نذير لقومه؛ حَذَّرَهم هنا من عبادة غير الله، قال تعالى:
﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [27] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن ..

التفسير :

[27] فقال رؤساء الكفر من قومه:إنك لست بمَلَك ولكنك بشر، فكيف أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أسافلنا وإنما اتبعوك من غير تفكر ولا رويَّة، وما نرى لكم علينا من فضل في رزق ولا مال لمَّا دخلتم في دينكم هذا، بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدَّعو

{ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي:الأشراف والرؤساء، رادين لدعوة نوح عليه السلام، كما جرت العادة لأمثالهم، أنهم أول من رد دعوة المرسلين.

{ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} وهذا مانع بزعمهم عن اتباعه، مع أنه في نفس الأمر هو الصواب، الذي لا ينبغي غيره، لأن البشر يتمكن البشر، أن يتلقوا عنه، ويراجعوه في كل أمر، بخلاف الملائكة.

{ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} أي:ما نرى اتبعك منا إلا الأراذل والسفلة، بزعمهم.

وهم في الحقيقة الأشراف، وأهل العقول، الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالأراذل، الذين يقال لهم الملأ، الذين اتبعوا كل شيطان مريد، واتخذوا آلهة من الحجر والشجر، يتقربون إليها ويسجدون لها، فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟.

وقولهم:{ بَادِيَ الرَّأْيِ} أي:إنما اتبعوك من غير تفكر وروية، بل بمجرد ما دعوتهم اتبعوك، يعنون بذلك، أنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم، ولم يعلموا أن الحق المبين تدعو إليه بداهة العقول، وبمجرد ما يصل إلى أولي الألباب، يعرفونه ويتحققونه، لا كالأمور الخفية، التي تحتاج إلى تأمل، وفكر طويل.

{ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي:لستم أفضل منا فننقاد لكم،{ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} وكذبوا في قولهم هذا، فإنهم رأوا من الآيات التي جعلها الله مؤيدة لنوح، ما يوجب لهم الجزم التام على صدقه.

ثم حكى- سبحانه- ما رد به قوم نوح عليه فقال: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.

والمراد بالملإ: أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وهو- كما يقول الآلوسى-: مأخوذ من قولهم فلان ملئ بكذا: إذا كان قادرا عليه ... أو لأنهم متمالئون أى متظاهرون متعاونون، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون ...

ووصفهم بالكفر، لتسجيل ذلك عليهم من أول الأمر زيادة في ذمهم.

أى: بعد هذا النصح الحكيم الذي وجهه نوح- عليه السلام- لقومه، رد عليه أغنياؤهم وسادتهم بقولهم ما نَراكَ يا نوح إلا بشرا مثلنا، أى: إلا إنسانا مثلنا، ليست فيك مزية تجعلك مختصا بالنبوة دوننا ...

فهم- لجهلهم وغبائهم- توهموا أن النبوة لا تجامع البشرية، مع أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول بشرا من جنس المرسل إليهم، حتى تتم فائدة التفاهم معه، والاقتداء به في أخلاقه وسلوكه.

وقد حكى القرآن قولهم هذا في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله- تعالى- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ... .

ثم إنهم في التعليل لعدم اتباع نبيهم لم يكتفوا بقولهم ما نراك إلا بشر مثلنا: بل أضافوا إلى ذلك قولهم: وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ومرادهم بقولهم:

أَراذِلُنا أى فقراؤنا ومن لا وزن لهم فينا.

قال الجمل: ولفظ أَراذِلُنا فيه وجهان: أحدهما أنه جمع الجمع فهو جمع أرذل- بضم الذال- جمع رذل- بسكونها- نحو كلب وأكلب وأكالب ...

ثانيهما: انه جمع مفرد وهو أرذل كأكبر وأكابر.. والأرذل هو المرغوب عنه لرداءته» .

ومرادهم بقولهم: بادِيَ الرَّأْيِ أى: أوله من البدء. يقال: بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولا وعليه تكون الياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها ويؤيده قراءة أبى عمرو «بادئ الرأى» .

أى: وما نراك اتبعك يا نوح إلا الذين هم أقلنا شأنا وأحقرنا حالا من غير أن يتثبتوا من حقيقة أمرك، ولو تثبتوا وتفكروا ما اتبعوك ويصح أن يكون مرادهم بقولهم بادِيَ الرَّأْيِ أى اتبعوك ظاهرا لا باطنا، ويكون لفظ بادِيَ من البدو بمعنى الظهور.

يقال: بدا الشيء يبدو بدوا وبدوءا وبداء أى ظهر وعليه يكون المعنى: وما نراك اتبعك يا نوح إلا الذين هم أهوننا أمرا، ومع ذلك فإن اتباعهم لك إنما هو في ظاهر أمرهم، أما بواطنهم فهي تدين بعقيدتنا.

وشبيه بهذه الجملة قوله- تعالى- قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ .

قال صاحب الكشاف: وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم أى الملأ من قوم نوح- كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام، يعتقدون ذلك، ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم، ولقد زال عنهم أن التقدم في الدنيا- مع ترك الآخرة- لا يقرب أحدا من الله وإنما يبعده، ولا يرفعه بل يضعه، فضلا عن أن يجعله سببا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها ... » .

ثم أضافوا إلى مزاعمهم السابقة زعما جديدا فقالوا: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.

والفضل: الزيادة في الشرف والغنى وغيرهما مما يتميز به الإنسان عن غيره.

والمراد هنا: آثاره التي تدل عليه.

أى: أنت يا نوح لست إلا بشرا مثلنا، وأتباعك هم أحقرنا شأنا، وما نرى لك ولمتبعيك شيئا من الزيادة علينا لا في العقل ولا في غيره، بل إننا لنعتقد أنكم كاذبون في دعواكم أنكم على الحق، لأن الحق في نظرنا هو في عبادة هذه الأصنام التي عبدها من قبلنا آباؤنا.

وهكذا نرى أن الملأ من قوم نوح- عليه السلام- قد عللوا كفرهم بما جاءهم به بثلاث علل، أولها: أنه بشر مثلهم وثانيها: أن أتباعه من فقرائهم وثالثها: أنه لا مزية له ولأتباعه عليهم..

وهي كلها علل باطلة، تدل على جهلهم، وانطماس بصيرتهم، ويدل على ذلك، رد نوح- عليه السلام- الذي حكاه القرآن في قوله- تعالى-:

( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) والملأ هم : السادة والكبراء من الكافرين منهم : ( ما نراك إلا بشرا مثلنا ) أي : لست بملك ، ولكنك بشر ، فكيف أوحي إليك من دوننا ؟ ثم ما نراك اتبعك إلا أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء [ منا ] ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكرة ولا نظر ، بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ; ولهذا قال : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) أي : في أول بادئ الرأي ، ( وما نرى لكم علينا من فضل ) يقولون : ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ، ولا رزق ولا حال ، لما دخلتم في دينكم هذا ، ( بل نظنكم كاذبين ) أي : فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة ، والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها .

هذا اعتراض الكافرين على نوح ، عليه السلام ، وأتباعه ، وذلك دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم ، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه ، فإن الحق في نفسه صحيح ، وسواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ، ولو كانوا فقراء ، والذين يأبونه هم الأراذل ، ولو كانوا أغنياء . ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته ، كما قال تعالى : ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) [ الزخرف : 23 ] ، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم . فقال هرقل : هم أتباع الرسل .

وقولهم ) بادي الرأي ) ليس بمذمة ولا عيب; لأن الحق إذا وضح لا يبقى للتروي ولا للفكر مجال ، بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء ولا يفكر وينزوي هاهنا إلا عيي أو غبي . والرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، إنما جاءوا بأمر جلي واضح .

وقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم " أي : ما تردد ولا تروى ، لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا ، فبادر إليه وسارع .

وقولهم : ( وما نرى لكم علينا من فضل ) هم لا يرون ذلك; لأنهم عمي عن الحق ، لا يسمعون ولا يبصرون : بل هم في ريبهم يترددون ، في ظلمات الجهل يعمهون ، وهم الأفاكون الكاذبون ، الأقلون الأرذلون ، وفي الآخرة هم الأخسرون .

القول في تأويل قوله تعالى : فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم ، وهم (الملأ )، ، (14) الذين كفروا بالله وجحدوا نبوة نبيهم نوح عليه السلام ، (ما نراك)، يا نوح، (إلا بشرًا مثلنا) ، يعنون بذلك أنه آدمي مثلهم في الخلق والصُّورة والجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولا إلى خلقه. (15)

* * *

وقوله: (وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) ، يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس ، دون الكبراء والأشراف ، فيما نرَى ويظهر لنا.

* * *

وقوله: (بادي الرأي) ، اختلفت القرأة في قراءته.

فقرأته عامة قرأة المدينة والعراق: ( بَادِيَ الرَّأْيِ )، بغير همز " البادي" وبهمز " الرأي"، بمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: " بدا الشيء يبدو " ، إذا ظهر، كما قال الراجز: (16)

أَضْحَـى لِخَـالِي شَـبَهِيَ بَـادِي بَدِي

وَصَــارَ لِلْفَحْــلِ لِسَــانِي وَيَـدِي (17)

" بادي بدي" بغير همز، وقال آخر:

وقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي (18)

* * *

وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: (بَادِئَ الرَّأْيِ)، مهموزًا أيضًا، بمعنى: مبتدأ الرأي، من قولهم: " بدأت بهذا الأمر "، إذا ابتدأت به قبل غيره.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأ: ( بَادِيَ الرَّأْيِ ) بغير همز " البادي"، وبهمز " الرأي"، لأن معنى ذلك الكلام: إلا الذين هم أراذلنا ، في ظاهر الرأي ، وفيما يظهر لنا.

* * *

وقوله: (وما نرى لكم علينا من فضل)، يقول: وما نتبين لكم علينا من فضل نلتموه بمخالفتكم إيانا في عبادة الأوثان إلى عبادة الله وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلبَ ذلك الفضل ، وابتغاءَ ما أصبتموه بخلافكم إيانا ، (بل نظنكم كاذبين).

* * *

وهذا خطاب منهم لنوحٍ عليه السلام، وذلك أنهم إنما كذبوا نوحًا دون أتباعه، لأن أتباعه لم يكونوا رُسلا. وأخرج الخطابَ وهو واحد مخرج خطاب الجميع، كما قيل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ، [ سورة الطلاق: 1] .

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: بل نظنك ، يا نوح ، في دعواك أن الله ابتعثك إلينا رسولا كاذبًا.

* * *

وبنحو ما قلنا في تأويل قوله (بادي الرأي) قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18105- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) ، قال: فيما ظهر لنا

------------------------

الهوامش :

(14) انظر تفسير " الملأ " فيما سلف ص : 177 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(15) انظر تفسير " البشر " فيما سلف 11 : 521 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16) أبو نخيلة السعدي .

(17) هذا الرجز والذي يليه ، من رجز أبي نخيلة السعدي ، لا شك في البيت الثاني منهما ، أما الأول فإني أرتاب في صحة إنشاده ، على الوجه الذي أنشده الفراء في معاني القرآن . وقد خرج هذا الرجز ، صديقنا وشيخنا عبد العزيز الميمني الراجكرتي في سمط اللآلئ : 293 ، 480 ، وفي اللسان ( ذرأ ) ، وتهذيب إصلاح المنطق 2 : 32 ، وسيبويه 2 : 54 ، ونوادر اليزيدي : 128 ، والأغاني ( ساسي) 18 : 151 ، وتاريخ ابن عساكر 2: 321 ، وأزيد ، تاريخ الطبري 9 : 273 ، والمعاني الكبير : 1223 ، والفراء في معاني القرآن ، ومجاز القرآن 1 : 288 ، واللسان ( بدا ) ، والأبيات هي :

كَـيْفَ التَّصَـابِي فِعْـلَ مَـنْ لَـمْ يَهْتَدِ

وَقَــد عَلَتْنِــي ذُرْأَةٌ بَــادِي بَـدى

وَرَثْيَــةٌ تَنْهَـــضُ فــي تَشَـدُّدِي

بَعْـدَ انْتِهَـاضِي فـي الشَّـبَابِ الأمْلَدِ

وَبَعْــدَ مَــا أَذْكُــرُ مِـنْ تَـأَوُّدِي

وَبَعْــدَ تَمْشَــائِي وتَطْوِيحِـي يَـدِي

وَمِشْــيَتِي تَحْـتَ الغُـدَافِ الأسْـوَدِ

وذكرها صاحب اللسان في ( بدا ) ، والتبريزي في تهذيب إصلاح المنطق ، وزاد بعد قوله " ورثيــة تنهــض فــي تشـددي

وصــار للفحــل لســاني ويـدي

أما البيت الأول ، فلم أجده في مكان ، وأخشى أن تكون " بادي بدى " فيه ، موضوعة مكان كلمة أخرى ، ولا شك أن موضع هذين البيتين ، ليس في الموضع الذي وضع أحدهما فيه صاحب اللسان والتبريزي .

(18) انظر التعليق السالف . و " الذرأة " ( بضم فسكون ) ، الشيب في مقدم الرأس .

المعاني :

الْمَلأُ :       رُؤَسَاءُ الكُفْرِ السراج
الملأُ :       السادة و الرّؤساء معاني القرآن
أَرَاذِلُنَا :       أَسَافِلُنَا السراج
بَادِيَ الرَّايِ :       مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ، وَلَا رَوِيَّةٍ السراج
بادي الرأي :       ظاهره دون تعمّق و تثبّت معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[27] لماذا قال في قصة نوح: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: 60]، بينما هنا في سورة هود قال: ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ﴾ مع أنهم نفس القوم؟ لأن تلك كانت في بداية الدعوة، ما كان فيهم مؤمنون، لكن مع تطاول القرون قسم آمن، فقال: (الَّذِينَ كَفَرُواْ) إشارة إلى أن هنالك من آمن.
وقفة
[27] ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا﴾ استبعدوا أن تكون النبوة لبشر؛ فيا عجبًا منهم إذ أثبتوا الربوبية لحجر!
عمل
[27] اعتنِ أكثر بهداية الوجهاء؛ فإنهم سبب لهداية أتباعهم ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾.
عمل
[27] أرسل رسالة تقترح فيها ثلاث وسائل لهداية الوجهاء ودعوتهم ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾.
وقفة
[27] ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ وكان هذا جهلًا منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله بما لا عيب فيه؛ لأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعًا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم.
وقفة
[27] انشغلوا بشخص الداعي وأتباعه عن رسالته ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾.
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ عندما يحيد الكافر: ينصرفون عن الكلام إلى المتكلم، وعن القول إلى القائل، وعن المنطقيات إلى الذوقيات، وعن الفكرة إلى صاحبها.
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ عندما تغدو الدنيا معيار التفوق، يتحول الأفضل إلى الأرذل، والتقي إلى غبي، والرسول إلى كاهن، والأقرب إلى الله إلى الأبعد عن الناس.
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ قال القرطبي: «الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء، كما قال هرقل لأبي سفيان: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، فقال: هم أتباع الرسل».
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ لم يكونوا من النخبة في تقديرهم.
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ هذه نظرة الكافر للمؤمن في كل العصور.
وقفة
[27] ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ عندما يجعل الإنسان من رأيه حكمًا على الشرع؛ يحدث التخبط.
وقفة
[27] ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ سُنَّة الله في أتباع الرسل أنهم الفقراء والضعفاء لخلوِّهم من الكِبْر، وخُصُومهم الأشراف والرؤساء.
وقفة
[27] ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير، والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا.
وقفة
[27] ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ تكبُّر الأشراف والرؤساء واحتقارهم لمن دونهم في غالب الأحيان.
عمل
[27] لا تحتقر أحدًا في دعوتك لمكانته الاجتماعية أو المادية ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾.
وقفة
[27] ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ إنّ نجاح المشروع الدعوى ليس رهينًا بعدد المتَّبِعين بقدر ما هو رهينٌ بعدد المبصِرين.
وقفة
[27] لم يزل أعداءُ الرسلِ يصِمون أتباعَهم بالبلاهة والسذاجة مذ قال سلفُهم: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾، إلى يوم الناس هذا.
وقفة
[27] قول الملأ من قوم نوح: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ ليس بمذمة ولا عيب؛ لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال، بل لا بد من اتباع الحق -والحالة هذه- لكل ذي زكاء وذكاء، بل لا يفكر ههنا إلا غبي أو عيي.
وقفة
[27] ﴿أَرَاذِلُنَا﴾: جمع أرذل؛ وهم سفلة الناس؛ وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم، جهلًا منهم واعتقادًا أن الشرف هو بالمال والجاه، وليس الأمر كما اعتقدوا، بل المؤمنون كانوا أشرف منهم على حال فقرهم وخمولهم في الدنيا، ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ أي: أول الرأي من غير نظر، ولا تدبير، والمعنى: اتبعك الأراذل من غير نظر، ولا تثبت.
وقفة
[27] اتهموا المؤمنين الذين اتبعوا نوحًا بالسطحية: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾، قال ابن جزي: أول الرأي من غير نظر ولا تدبير، والمعنى: اتبعك الأراذل من غير نظر ولا تثبت.
وقفة
[27] ﴿وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ هذا القول ينظر بطرف خفي لقول من قال: لا فرق بيننا وبين الصحابة، فهو قول مشبع بنظرة طينية بحتة.

الإعراب :

  • ﴿ فقال الملأ الذين:
  • الفاء: استئنافية: قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الملأ: فاعل مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع صفة للموصوف الملأ.
  • ﴿ كفروا من قومه:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. كفروا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من قومه: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول \"الذين\" والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ما نراك إلّا بشرًا مثلنا:
  • ما: نافية لا عمل لها. نراك: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. بشرًا: مفعول به منصوب ثانٍ بالفتحة. مثل: صفة لبشرًا منصوبة مثلها بالفتحة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة و \"نرى\" هنا بمعنى الظن ويجوز أن تكون \"بشرًا\" حالًا على معنى الهيئة. أي الرؤية.
  • ﴿ وما نراك اتّبعك إلّا الذين:
  • أعربت والواو عاطفة. اتبع: فعل ماضٍ مبني على الفتح والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل وجملة \"اتبعك إلّا الذين\" في محل نصب مفعول به ثانٍ ويجوز أن تكون حالًا بتقدير: ما نراك متبوعًا إلّا من قبل الذين ..
  • ﴿ هم أراذلنا:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أراذل: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ بادي الرأي:
  • بادي: ظرف زمان منصوب على الظرفية الزمانية بالفتحة بمعنى أول الرأي أو ظاهر الرأي. أصله: وقت حدوث أول رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه. الرأي: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء الظاهرة في الآخرة.
  • ﴿ وما نرى لكم علينا من فضل:
  • وما نرى: أعربت. لكم: جار ومجرور متعلق بنرى والميم علامة جمع الذكور. أو يكون الجار والمجرور في مقام مفعول \"نرى\" الثاني. من: حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. فضل: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًّا على أنه مفعول به للفعل نرى \"و\" علينا\" جار ومجرور في محل نصب حال لأنه متعلق بصفة مقدمة من \"فضل\".
  • ﴿ بل نظنكم كاذبين:
  • بل: حرف إضراب للاستئناف. نظن: تعرب إعراب \"نرى\". الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. والميم علامة جمع الذكور. كاذبين: مفعول به ثانٍ لنظنّ منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. وعلامة رفع \"نظن\" الضمة الظاهرة. '

المتشابهات :

الأعراف: 66﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
الأعراف: 90﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ
هود: 27﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا
المؤمنون: 24﴿فَـ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا حكى اللهُ عز وجل عن نوحٍ عليه السلام أنَّه دعا قَومَه إلى عبادةِ الله وحده؛ حكَى عنهم أنَّهم طَعَنوا في نبوَّتِه بثلاثةِ أنواعٍ مِن الشُّبُهاتِ: 1- أنت لست مَلك، بل بشر. 2- المتبعون لك هم الفقراء والضعفاء. 3- ليس لك ميزة تتميز بها، من مال أو جاه أو سلطان، قال تعالى:
﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بادى الرأى:
قرئ:
1- بادئ الرأى، من «بدأ» أي: أول الرأى، وهى قراءة أبى عمرو، وعيسى الثقفي.
2- بادى الرأى، بالياء، ومعناه: ظاهر الرأى، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [28] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن ..

التفسير :

[28] قال نوح:يا قومي أرأيتم إن كنتُ على حجة ظاهرة من ربي فيما جئتكم به تبيِّن لكم أنني على الحق من عنده، وآتاني رحمة من عنده، وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب جهلكم وغروركم، فهل يصح أن نُلْزمكم إياها بالإكراه وأنتم جاحدون بها؟ لا نفعل ذلك، ولكن نَك

ولهذا{ قَالَ} لهم نوح مجاوبا{ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي:على يقين وجزم، يعني، وهو الرسول الكامل القدوة، الذي ينقاد له أولو الألباب، ويضمحل في جنب عقله، عقول الفحول من الرجال, وهو الصادق حقا، فإذا قال:إني على بينة من ربي، فحسبك بهذا القول، شهادة له وتصديقا.

{ وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} أي:أوحى إلي وأرسلني، ومنَّ علي بالهداية،{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أي:خفيت عليكم، وبها تثاقلتم.

{ أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي:أنكرهكم على ما تحققناه، وشككتم أنتم فيه؟{ وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} حتى حرصتم على رد ما جئت به، ليس ذلك ضارنا، وليس بقادح من يقيننا فيه، ولا قولكم وافتراؤكم علينا، صادا لنا عما كنا عليه.

وإنما غايته أن يكون صادا لكم أنتم، وموجبا لعدم انقيادكم للحق الذي تزعمون أنه باطل، فإذا وصلت الحال إلى هذه الغاية، فلا نقدر على إكراهكم، على ما أمر الله، ولا إلزامكم، ما نفرتم عنه، ولهذا قال:{ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي.....

أى: قال نوح- عليه السلام- في رده على الملأ الذين كفروا من قومه: يا قَوْمِ أى: يا أهلى وعشيرتي الذين يسرني ما يسرهم ويؤلمنى ما يؤلمهم.

أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أى: أخبروني إن كنت على بصيرة من أمرى، وحجة واضحة من ربي، بها يتبين الحق من الباطل.

وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ أى: ومنحني بفضله وإحسانه النبوة التي هي طريق الرحمة لمن آمن بها، واتبع من اختاره الله لها. فالمراد بالرحمة هنا النبوة فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أى:

فأخفيت عليكم هذه الرحمة، وغاب عنكم الانتفاع بهداياتها، لأنكم ممن استحب العمى على الهدى.

يقال: عمّى على فلان الأمر: أى أخفى عليه حتى صار بالنسبة اليه كالأعمى قال صاحب المنار: قرأ الجمهور فعميت- بالتخفيف- كخفيت وزنا ومعنى. قال- تعالى- فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد والبناء للمفعول فَعُمِّيَتْ أى: فحجبها عنكم جهلكم وغروركم..

والتعبير بعميت مخففة ومشددة أبلغ من التعبير بخفيت وأخفيت، لأنه مأخوذ من العمى المقتضى لأشد أنواع الخفاء .

والاستفهام في قوله: أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ للإنكار والنفي.

أى: إذا كانت الهداية إلى الخير التي جئتكم بها قد خفيت عليكم مع وضوحها وجلائها، فهل أستطيع أنا وأتباعى أن نجبركم إجبارا، ونقسركم قسرا على الإيمان بي، وعلى التصديق بنبوتي، والحال أنكم كارهون لها نافرون منها.

كلا إننا لا نستطيع ذلك لأن الإيمان الصادق يكون عن اقتناع واختيار لا عن إكراه وإجبار.

قال صاحب الظلال ما ملخصه: واللفظ في القرآن قد يرسم بجرسه صورة كاملة للتناسق الفنى بين الألفاظ، ومن أمثله ذلك قوله- تعالى- في قصة نوح مع قومه أَنُلْزِمُكُمُوها ... فأنت تحس أن كلمة أنلزمكموها تصور جو الإكراه، بإدماج كل هذه الضمائر في النطق، وشد بعضها الى بعض كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون، ويشدون إليه وهم نافرون، وهكذا يبدو لون من التناسق في التعبير أعلى من البلاغة الظاهرية، وأرفع من الفصاحة اللفظية .

يقول تعالى مخبرا عن نوح ما رد على قومه في ذلك : ( أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ) أي : على يقين وأمر جلي ، ونبوة صادقة ، وهي الرحمة العظيمة من الله به وبهم ، ( فعميت عليكم ) أي : خفيت عليكم ، فلم تهتدوا إليها ، ولا عرفتم قدرها ، بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ، ( أنلزمكموها ) أي : نغصبكم بقبولها وأنتم لها كارهون .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوح لقومه إذ كذبوه ، وردّوا عليه ما جاءهم به من عند الله من النصيحة: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) ، على علمٍ ومعرفةٍ وبيان من الله لي ما يلزمني له، ويجب عليّ من إخلاص العبادة له وترك إشراك الأوثان معه فيها ، (وآتاني رحمة من عنده)، يقول: ورزقني منه التوفيق والنبوّة والحكمة، فآمنت به وأطعته فيما أمرني ونهاني (19) ، (فعميت عليكم) .

* * *

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: (فَعَمِيَتْ) بفتح العين وتخفيف الميم، بمعنى: فعَمِيت الرحمة عليكم فلم تهتدوا لها ، فتقرّوا بها ، وتصدّقوا رسولكم عليها.

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ( فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ) بضم العين وتشديد الميم، اعتبارًا منهم ذلك بقراءة عبد الله، وذلك أنها فيما ذكر في قراءة عبد الله: (فَعَمَّاهَا عَلَيْكُمْ ) .

* * *

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: ( فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ) بضم العين وتشديد الميم للذي ذكَروا من العلة لمن قرأ به، ولقربه من قوله: (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده) ، فأضَاف " الرحمة " إلى الله، فكذلك " تعميته على الآخرين "، بالإضافة إليه أولى.

* * *

وهذه الكلمة مما حوّلت العرب الفعل عن موضعه. وذلك أن الإنسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق، إذ يعمى عن إبصاره، و " الحق " لا يوصف بالعمى ، إلا على الاستعمال الذي قد جرى به الكلام. وهو في جوازه لاستعمال العرب إياه نظيرُ قولهم: " دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي"، ومعلوم أن الرجل هي التي تدخل في الخفّ، والإصبع في الخاتم، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك ، لما كان معلومًا المرادُ فيه. (20)

* * *

وقوله: (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ، يقول: أنأخذكم بالدخول في الإسلام ، وقد عماه الله عليكم ، (وأنتم لها كارهون) ، (21) يقول: وأنتم لإلزامناكُموها ، " كارهون " ، يقول: لا نفعل ذلك، ولكن نكل أمركم إلى الله ، حتى يكون هو الذي يقضي في أمركم ما يرى ويشاء. (22)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

18106- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال نوح: (يا قوم إن كنت على بينة من ربي) ، قال: قد عرفتها ، وعرفت بها أمره ، وأنه لا إله إلا هو ، (وآتاني رحمة من عنده) ، الإسلام والهدى والإيمان والحكم والنبوّة.

18107- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) ، الآية، أما والله لو استطاع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه.

18108- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا سفيان، عن داود، عن أبي العالية قال: في قراءة أبيّ: ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) .

18109- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، أخبرنا عمرو بن دينار قال، قرأ ابن عباس: ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا) ، قال ، عبد الله: " من شَطْر أنفسنا " ، من تلقاء أنفسنا.

18110- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس ، مثله.

18111- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ قُلُوبِنَا وأَنْتُمْ لَهَا كارِهُونَ ) . (23)

------------------------

الهوامش:

(19) انظر تفسير ما سلف من ألفاظ الآية في فهارس اللغة .

(20) هذا اختصار مقالة الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية .

(21) في المطبوعة والمخطوطة : " عليكم لها كارهون " ، والجيد ما أثبت ، بزيادة : " وأنتم " .

(22) انظر تفسير " الكره " فيما سلف من فهارس اللغة ( كره ) .

(23) هذه القراءة التي مرت في الأخبار السالفة ، بالزيادة في الآية ، قراءة شاذة لزيادتها على المصحف ، لا يحل لأحد أن يقرأ بها وظني أن قوله : " من شطر أنفسنا " ، أو : " من شطر قلوبنا " تفسير مدرج في كتابة الآية ، وليس قراءة .

المعاني :

أرأيتم :       أخبروني معاني القرآن
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ :       فَأُخْفِيَتْ عَلَيْكُمْ السراج
فعُمّيت عليكم :       أُخفيت عليكم معاني القرآن
أَنُلْزِمُكُمُوهَا :       أَنُجْبِرُكم عَلَى قَبُولِهَا السراج

التدبر :

وقفة
[28] رد عليهم ردًا منطقيًا وكأن هذا سؤال، أخبروني إذا كنت مرسلًا بالفعل، افترضوا أني على بينة وعلى صحة، كيف نلزمكم هذه الحجة وعندكم مانعان الآن؛ أنها مبهمة عليكم ما فهمتموها، ثم أنتم لها كارهون، تكرهون النظر فيها، لا تريدون أن تسمعوها، كيف أوصلها لكم؟!
وقفة
[28] ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ وهذا تعريض بأنهم لو تأملوا تأملًا بريئًا من الكراهية والعداوة لعلموا صدق دعوته.
وقفة
[28] ﴿يَا قَوْمِ﴾ نداء متلطِّف؛ حتى يتألفهم، لا يريد أن يثيرهم، يريد أن يتودد لهم ويتألف لهم؛ حتى يسمعوا.
وقفة
[28] ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ معناها أخبروني، فيها معنى التعجيب من موقفهم.
وقفة
[28] المرحوم من عرف الحق، والمحروم من مُنع الفهم، وأشد حرمانًا من عرف الحق وحُرم الاتباع ﴿كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾ قَدَّمَ الرحمة على الجار والمجرور، وفي موطن آخر قال: ﴿وآتاني منه رحمة﴾ [63] لماذا؟ هنا قدم الرحمة؛ لأن الكلام على الرحمة: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ فقدمها، أما في الآية الثانية الكلام عن الله تعالى: ﴿فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ [63]، لذا اقتضى السياق تقديم (مِنْهُ) على الرحمة.
وقفة
[28] ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ العمى الحقيقي هو ألا يبصر قلبك رحمات الله وهداياته.
وقفة
[28] ﴿رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾ كل الرحمات من عنده، ولكن خص الرسالة هنا بأنها من عنده، لنعلم أن النبوة والرسالة محض اصطفاء، لا تطلب بالكد.
وقفة
[28] ﴿رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾ الرحمة هنا: الإيمان.
وقفة
[28] ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ إن لم تكن موفقًا لقبول الحق فلن يستطيع أحد إكراهك ولو بذل كل الجهد في ذلك.
وقفة
[28] ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ (shall we compel you to accept it) سبع كلمات إنجليزية لترجمة كلمة واحدة من اللغة العربية وردت في القرآن الكريم، فيا لعظمة لغتنا العربية، لذلك اختارها الله لكتابه المعجز.
وقفة
[28] ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ كل شيء لا تحبه؛ لا نحبه منك.
لمسة
[28] ﴿وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ قدَّم الجار والمجرور؛ لأنهم يخصونها بالكراهة لا يطيقون سماعها، لا يكرهون شيئًا ككراهتهم لها، لو قال: (كارهون لها) لاحتمل أن يكونوا كارهين لها ولغيرها.
لمسة
[28] قال: ﴿كَارِهُونَ﴾ بالاسم ولم يعبر بالفعل (تكرهون)؛ لأن الاسم يدل على الثبوت، وهذه صفتهم الثابتة لا تتحول، ولو عبّر بالفعل قد تتغير، فالفعل يدل على الحدوث والتجدد.

الإعراب :

  • ﴿ قال يا قوم:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. يا: أداة نداء. قوم: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هى الحركة الدالة على ياء المتكلم المحذوفة. والياء المحذوفة جوازًا ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ أرأيتم:
  • بمعنى: أخبروني. الألف: استفهام لا محل لها. رأيتم: فعل ماضٍ مبنى على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. وجملة \"أرأيتم\" وما بعدها في محل نصب مفعول به -مقول القول-.
  • ﴿ إنْ كنت علي بينة:
  • إن: حرف شرط جازم. كنت: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن والتاء ضمير متصل مبنى على الضم في محل رفع اسم \"كان\". على بينة: أي على برهان: جار ومجرور متعلق بخبر \"كان\" وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. التقدير إن كنت على بينة من ربّي فأخبروني أنلزمكموها أي نكرهكم على الالتزام بها.
  • ﴿ من ربي:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"بينة\" والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وآتاني رحمة من عنده:
  • الواو عاطفة وقد تكون اعتراضية. آتاني: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. النون للوقاية والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. رحمة: وهي النبوة مفعول به ثان منصوب بالفتحة. من عنده: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"رحمة\" والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فعُميت عليكم:
  • الفاء استئنافية. عميت: أي أخفيت: فعل ماضٍ مبني للمجهول على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. عليكم: جار ومجرور متعلق بعميت والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أنلزمكموها:
  • الهمزة: حرف استفهام لا محل له. نلزمكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول الميم علامة جمع الذكور والواو لإشباع الميم. و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثانٍ. وقد جيء بضميري المفعولين متصلين جميعًا أي إنّ الضمير الثاني أوصل. أصلها: أنلزمكم إياها. وقد ذكر الزمخشري عن هذا القول الكريم: حُكي عن أبي عمرو إسكان الميم ووجهه أن الحركة الإعرابية لم تكن إلّا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكونًا والإسكان الصريح لحن عند الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه وحذّاق البصريين لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلّا في ضرورة الشعر.
  • ﴿ وأنتم لها كارهون:
  • الواو حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لها: جار ومجرور متعلق بالخبر. كارهون: خبر \"أنتم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

هود: 28﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ
هود: 63﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّـهِ إِنْ عَصَيْتُهُ
هود: 88﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد الطعن في نُبوة نوح عليه السلام بثلاثةِ أنواعٍ مِن الشُّبُهاتِ؛ جاء هنا الرد على هذه الشبهات: 1- الرد عن الشُبهةِ الأولى: إنَّ حُصولَ المُساواة في البَشَريَّةِ لا يمنَعُ مِن حُصولِ المُفارَقةِ في صِفةِ النبوَّةِ والرِّسالةِ، وقد خَصني اللهُ بالنبوة، وآتاني منه هدى ونورًا، قال تعالى:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فعميت:
قرئ:
1- فعميت، بضم العين وتشديد الميم، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الأخوين، وحفص.
2- فعميت، بفتح العين وتخفيف الميم، مبنيا للفاعل، وهى قراءة باقى السبعة.
3- فعماها، وهى قراءة أبى، وعلى، والسلمى، والحسن، والأعمش.
4- وعميت، بالواو، خفيفة، وهى قراءة ابن وثاب.

البحث بالسورة

البحث في المصحف