ترتيب المصحف | 7 | ترتيب النزول | 39 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 26.00 |
عدد الآيات | 206 | عدد الأجزاء | 1.25 |
عدد الأحزاب | 2.50 | عدد الأرباع | 10.00 |
ترتيب الطول | 4 | تبدأ في الجزء | 8 |
تنتهي في الجزء | 9 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 3/29 | آلمص: 1/1 |
بعدَ بيانِ مصيرِ الكافرينَ بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه أقامَ الحُجَّةَ عليهم بنزولِ القرآنِ، واعترافُهم يومَ القيامةِ بصدقِ الرسلِ، فيتمنُّوا أن يجدُوا شفعاءَ لهم، أو يرجعُوا إلى الدُّنيا ليعملُوا صالحًا.
لمَّا ذَكَرَ اللهُ بعضَ مظاهرِ قدرتِه في الكونِ وتفرُّدَه بالخلقِ والأمرِ المقتضِي لتفرّدِه بالعبادةِ أَمَرَ هنا بالدعاءِ وبَيَّنَ آدابَه، ثُمَّ حَرَّمَ الإفسادَ في الأرضِ.
التفسير :
بل قد{ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ} أي:بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق{ عَلَى عِلْمٍ} من اللّه بأحوال العباد في كل زمان ومكان، وما يصلح لهم وما لا يصلح، ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور، فتجهله بعض الأحوال، فيحكم حكما غير مناسب، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء، ووسعت رحمته كل شيء.{ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي:تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال، وبيان الحق والباطل، والغيّ والرشد، ويحصل أيضا لهم به الرحمة، وهي:الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فينتفى عنهم بذلك الضلال والشقاء. وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب، لم يؤمنوا بهذا الكتاب العظيم، ولا انقادوا لأوامره ونواهيه، فلم يبق فيهم حيلة إلا استحقاقهم أن يحل بهم ما أخبر به القرآن.
قوله: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ ... إلخ.
التفصيل: عبارة عن جعل الحقائق والمسائل بيانها مفصولا بعضها عن بعض بحيث لا يبقى فيها اشتباه أو لبس.
والمعنى: ولقد جئنا لهؤلاء الناس على لسانك يا محمد بكتاب عظيم الشأن، كامل التبيان، فصلنا آياته تفصيلا حكيما، وبينا فيه ما هم في حاجة إليه من أمور الدنيا والآخرة بيانا شافيا يؤدى إلى سعادتهم متى اتبعوه واهتدوا بهديه» .
والضمير لأولئك الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، وقيل هو لهم وللمؤمنين، والمراد بالكتاب: القرآن الكريم.
وقوله: عَلى عِلْمٍ حال من فاعل «فصلناه» ، أى: فصلناه على أكمل وجه وأحسنه حالة كوننا عالمين بذلك أتم العلم.
فالمراد بهذه الجملة الكريمة بيان أن ما في هذا القرآن من أحكام وتفصيل وهداية، لم يحصل عبثا، وإنما حصل مع العلم التام بكل ما اشتمل عليه من فوائد متكاثرة، ومنافع متزايدة.
وقرأ ابن محيص «فضلناه» بالضاد المعجمة. أى: فضلناه على سائر الكتب عالمين بأنه حقيق بذلك.
وقوله: هُدىً وَرَحْمَةً حال من مفعول «فصلناه» وقرئ بالجر على البدلية من «علم» وبالرفع على إضمار المبتدأ، أى: هو هدى عظيم ورحمة واسعة.
وقال: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنهم هم المنتفعون بهديه، والمستجيبون لتوجيهاته
يقول تعالى مخبرا عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسول إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول ، وأنه كتاب مفصل مبين ، كما قال تعالى : ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) الآية [ هود : 1 ] .
وقوله : ( فصلناه على علم ) أي : على علم منا بما فصلناه به ، كما قال تعالى : ( أنزله بعلمه ) [ النساء : 166 ] .
قال ابن جرير : وهذه الآية مردودة على قوله : ( كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين ) [ الأعراف : 2 ] ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ) الآية .
وهذا الذي قاله فيه نظر ، فإنه قد طال الفصل ، ولا دليل على ذلك ، وإنما لما أخبر عما صاروا إليه من الخسار في الدار الآخرة ، ذكر أنه قد أزاح عللهم في الدار الدنيا ، بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، كقوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ]
القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أقسم، يا محمد، لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب = يعني القرآن الذي أنـزله إليه. يقول: لقد أنـزلنا إليهم هذا القرآن، مفصَّلا مبيَّنًا فيه الحق من الباطل =" على علم " ، يقول: على علم منا بحقِّ ما فُصِّل فيه، من الباطل الذي مَيَّز فيه بينه وبين الحق (1) = " هدى ورحمة " ، يقول: بيناه ليُهْدَى ويُرْحَم به قومٌ يصدقون به، وبما فيه من أمر الله ونهيه، وأخباره، ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى.
وهذه الآية مردودة على قوله: كِتَابٌ أُنْـزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [ سورة الأعراف 2 ] =" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ".
* * *
و " الهدى " في موضع نصب على القطع من " الهاء " التي في قوله: " فصلناه " ، (2) ولو نصب على فعل " فصلناه "، (3) فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك = كان صحيحًا.
ولو قرئ: " هدى ورحمةٍ" كان في الإعراب فصيحًا، وكان خفض ذلك بالردِّ على " الكتاب ". (4)
---------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"التفصيل" فيما سلف ص: 402 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(2) "القطع" ، الحال ، وانظر فهارس المصطلحات.
(3) نصبه على"الفعل" ، أي: هو مفعول مطلق ، من غير فعله ، كأنه قال: فصلناه تفصيلا.
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 380.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الجاثية: 20 | ﴿هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ |
---|
الأعراف: 52 | ﴿وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
الأعراف: 203 | ﴿هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
يوسف: 111 | ﴿وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
النحل: 64 | ﴿لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فصلناه:
وقرئ:
فضلناه، بالضاد المنقوطة، وهى قراءة ابن محيصن، والجحدري.
هدى ورحمة:
قرئا:
1- بالرفع أي: هو هدى ورحمة.
2- بالخفض، على البدل من «كتاب» أو النعت، وهى قراءة زيد بن على.
التفسير :
ولهذا قال:{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} أي:وقوع ما أخبر به كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه:{ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} متندمين متأسفين على ما مضى منهم، متشفعين في مغفرة ذنوبهم. مقرين بما أخبرت به الرسل:{ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ} إلى الدنيا{ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} وقد فات الوقت عن الرجوع إلى الدنيا.{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا، ليعملوا غير عملهم كذب منهم، مقصودهم به، دفع ما حل بهم، قال تعالى:{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}{ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حين فوتوها الأرباح، وسلكوا بها سبيل الهلاك، وليس ذلك كخسران الأموال والأثاث أو الأولاد، إنما هذا خسران لا جبران لمصابه،{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} في الدنيا مما تمنيهم أنفسهم به، ويعدهم به الشيطان، قدموا على ما لم يكن لهم في حساب، وتبين لهم باطلهم وضلالهم، وصدق ما جاءتهم به الرسل
ثم بين- سبحانه- عاقبة هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن الذي أنزله الله هداية ورحمة فقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ.
النظر هنا بمعنى الانتظار والتوقع لا بمعنى الرؤية. فالمراد بينظرون: ينتظرون ويتوقعون، وتأويل الشيء: مرجعه ومصيره الذي يئول إليه ذلك الشيء والاستفهام بمعنى النفي.
والمعنى: إن هؤلاء المشركين ليس أمامهم شيء ينتظرونه بعد أن أصروا على شركهم إلا ما يئول إليه أمر هذا الكتاب وما تتجلى عنه عاقبته، من تبين صدقه، وظهور صحة ما أخبر به من الوعد والوعيد والبعث والحساب، وانتصار المؤمنين به واندحار المعرضين عنه.
فإن قيل: كيف ينتظرون ذلك مع كفرهم به؟
فالجواب: أنهم قبل وقوع ما هو محقق الوقوع، صاروا كالمنتظرين له، لأن كل آت قريب، فهم على شرف ملاقاة ما وعدوا به، وسينزل بهم لا محالة.
ثم بين- سبحانه- حالهم يوم الحساب فقال: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ.
أى: يوم يأتى يوم القيامة الذي أخبر عنه القرآن، والذي يقف الناس فيه أمام خالقهم للحساب، يقول هؤلاء الكافرون الذين جحدوا هذا اليوم عند ما تكشف لهم الحقائق، قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وتبين صدقهم ولكننا نحن الذين كذبناهم وسرنا في طريق الضلال، فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا في هذه الساعة العصيبة ويدفعوا عنا ما نحن فيه من كرب وبلاء، أو نرد إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا غير الذي كنا نعمله من الجحود واللهو واللعب.
أى: أنه لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه من العذاب الشديد إلا أحد هذين الأمرين، وهو أن يشفع لنا شفيع فلأجل تلك الشفاعة يزول هذا العذاب، أو يردنا الله إلى الدنيا حتى نعمل غير ما كنا نعمل.
فالجملة الكريمة تصور حسرتهم يوم القيامة تصويرا يهز المشاعر، ويحمل العقلاء على الإيمان والعمل الصالح.
والاستفهام في قوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ للتمني والتحسر، ومن مزيدة للاستغراق والتأكيد وشفعاء مبتدأ مؤخر ولنا خبر مقدم.
ثم بين- سبحانه- نهايتهم فقال: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
أى: قد خسر هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا أنفسهم، بسبب إشراكهم بالله، وذهب عنهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من أن أصنامهم ستشفع لهم يوم الجزاء، وأيقنوا أنهم كانوا كاذبين في دعواهم.
ثم ذكر- سبحانه- جانبا من بديع صنعه، وجليل قدرته، لكي يدل على أنه هو المعبود الحق فقال- تعالى-:
ولهذا قال : ( هل ينظرون إلا تأويله ) أي : ما وعد من العذاب والنكال والجنة والنار . قاله مجاهد وغير واحد .
وقال مالك : ثوابه . وقال الربيع : لا يزال يجيء تأويله أمر ، حتى يتم يوم الحساب ، حتى يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فيتم تأويله يومئذ .
( يوم يأتي تأويله ) أي : يوم القيامة ، قاله ابن عباس - ( يقول الذين نسوه من قبل ) أي : تركوا العمل به ، وتناسوه في الدار الدنيا : ( قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ) أي : في خلاصنا مما نحن فيه ، ( أو نرد ) إلى الدار الدنيا ( فنعمل غير الذي كنا نعمل ) كما قال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 27 ، 28 ] كما قال هاهنا : ( قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) أي : قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيه ، ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) أي : ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا ينصرونهم ، ولا يشفعون لهم ولا ينقذونهم مما هم فيه .
القول في تأويل قوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " هل ينظرون إلا تأويله " ، هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه =" إلا تأويله "، يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصِلِيِّهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به.
* * *
وقد بينا معنى " التأويل " فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14761 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " هل ينظرون إلا تأويله " ، أي: ثوابه =" يوم يأتي تأويله " ، أي ثوابه.
14762 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " ، قال: " تأويله "، عاقبته.
14763 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح: عن مجاهد،" هل ينظرون إلا تأويله " ، قال: جزاءه =" يوم يأتي تأويله " ، قال: جزاؤه.
14764 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14765 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " هل ينظرون إلا تأويله "، أما " تأويله "، فعواقبه، مثل وقعة بدر، والقيامة، وما وعد فيها من موعد. (6)
14766 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق " ، فلا يزال يقع من تأويله أمرٌ بعد أمر، حتى يتم تأويله يوم القيامة، ففي ذلك أنـزل: " هل ينظرون إلا تأويله " ، حيث أثابَ الله تبارك وتعالى أولياءَه وأعداءه ثواب أعمالهم. يقول يومئذ الذين نسوه من قبل: " قد جاءت رسل ربنا بالحق " ، الآية.
14767 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " ، قال: يوم القيامة.
14768 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يوم يأتي تأويله " ، قال: يوم يأتي حقيقته، (7) وقرأ قول الله تعالى: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ، [سورة يوسف: 100] . قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ
، [ سورة آل عمران: 7 ] ، قال: ما يعلم حقيقته ومتى يأتي، إلا الله تعالى
* * *
وأما قوله: " يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل " ، فإن معناه: يوم يجيء ما يؤول إليه أمرهم من عقاب الله =" يقول الذين نسوه من قبل " ، أي: يقول الذين ضيَّعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذ من العذاب، من قبل ذلك في الدنيا =" لقد جاءت رسل ربنا بالحق " ، أقسم المساكين حين عاينوا البلاءَ وحلّ بهم العقاب: أنّ رسل الله التي أتتهم بالنِّذارة وبلغتهم عن الله الرسالة، (8) قد كانت نصحت لهم وصَدَقتهم عن الله، وذلك حين لا ينفعهم التصديق. ولا ينجيهم من سَخَط الله وأليم عقابه كثرة القال والقيل.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14769 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق " ، أما " الذين نسوه "، فتركوه، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم، استيقنوا فقالوا: " قد جاءت رسل ربنا بالحق ".
14770 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يقول الذين نسوه " ، قال: أعرضوا عنه.
14771 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله : فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، أنهم يقولون عند حلول سَخَط الله بهم، وورودهم أليمَ عذابه، ومعاينتهم تأويل ما كانت رسلُ الله تعِدهم: هل لنا من أصدقاءَ وأولياء اليوم فيشفعوا لنا عند ربنا، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا (9) = أو نردّ إلى الدنيا مرة أخرى، فنعمل فيها بما يرضيه ويُعْتِبُه من أنفسنا؟ (10) قال هذا القولَ المساكينُ هنالك، لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم، فيذكروا ذلك في وقت لا خُلة فيه لهم ولا شفاعة.
يقول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : " قد خسروا أنفسهم "، (11) يقول: غَبَنوا أنفسهم حظوظها، ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الآخرة الدائم، بالخسيس من عَرَض الدنيا الزائل =" وضل عنهم ما كانوا يفترون " ، يقول: وأسلمهم لعذاب الله، وحار عنهم أولياؤهم، (12) الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، (13) ويزعمون كذبًا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله. (14)
14772 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " قد خسروا أنفسهم " ، يقول: شروها بخسران.
* * *
وإنما رفع قوله: " أو نردُّ" ولم ينصب عطفًا على قوله: " فيشفعوا لنا " ، لأن المعنى: هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا = أو هل نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؟ = ولم يرد به العطف على قوله: " فيشفعوا لنا ". (15)
-------------------
الهوامش :
(5) انظر تفسير"التأويل" فيما سلف 6: 199 - 206/ 8: 506 .
(6) في المطبوعة: "وما وعد فيه" وأثبت ما في المخطوطة.
(7) في المطبوعة: "يوم يأتي تحقيقه" وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.
(8) "النذارة" بكسر النون ، كالإنذار ، على وزن"الرسالة" ، وانظر ما كتبته آنفًا 10: 575 ، تعليق: 2.
(9) انظر تفسير"الشفاعة" فيما سلف 11: 547 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(10) "أعتبه من نفسه" ، أعطاه العتبى - وهي الرضا - ورجع إلى مسرته.
(11) انظر تفسير"الخسارة" فيما سلف ص: 357 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(12) في المطبوعة: "وحاد" بالدال ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.
(13) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).
(14) انظر تفسير"الافتراء" فيما سلف ص: 408 تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(15) في المخطوطة خلط وتكرار في هذه الجملة ، وصوابها ما في المطبوعة. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 380.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 53 | ﴿أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ |
---|
هود: 21 | ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أو نرد فنعمل:
قرئا:
1- برفع الدال ونصب اللام، وهى قراءة الجمهور.
2- بنصب الدال ورفع اللام، وهى قراءة الحسن، فيما نقل الزمخشري.
3- برفعهما، وهى قراءة الحسن، فيما نقل ابن عطية.
4- بنصبهما، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وأبى حيوة.
التفسير :
يقول تعالى مبينا أنه الرب المعبود وحده لا شريك له:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وما فيهما على عظمهما وسعتهما، وإحكامهما، وإتقانهما، وبديع خلقهما.{ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، فلما قضاهما وأودع فيهما من أمره ما أودع{ اسْتَوَى} تبارك وتعالى{ عَلَى الْعَرْشِ} العظيم الذي يسع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه، فاستوى على العرش، واحتوى على الملك، ودبر الممالك، وأجرى عليهم أحكامه الكونية، وأحكامه الدينية، ولهذا قال:{ يُغْشِي اللَّيْلَ} المظلم{ النَّهَارَ} المضيء، فيظلم ما على وجه الأرض، ويسكن الآدميون، وتأوى المخلوقات إلى مساكنها، ويستريحون من التعب، والذهاب والإياب الذي حصل لهم في النهار.{ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} كلما جاء الليل ذهب النهار، وكلما جاء النهار ذهب الليل، وهكذا أبدا على الدوام، حتى يطوي اللّه هذا العالم، وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار.{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} أي:بتسخيره وتدبيره، الدال على ما له من أوصاف الكمال، فخلْقُها وعظَمُها دالٌّ على كمال قدرته، وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان دال على كمال حكمته، وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه، وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له.{ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي:له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق:يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر:يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء،{ تَبَارَكَ اللَّهُ} أي:عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير، فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته، ولهذا قال:فـ{ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الألباب على أنه وحده، المعبود المقصود في الحوائج كلها أمر بما يترتب على ذلك، فقال:{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
أى: إن سيدكم ومالككم الذي يجب عليكم أن تفردوه بالعبادة هو الله الذي أنشأ السموات والأرض على غير مثال سابق في مقدار ستة أيام.
قال الشهاب: اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى في ستة أوقات. وإن أريد المتعارف وهو زمان طلوع الشمس إلى غروبها فالمعنى في مقدار ستة أيام، لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسموات فيقدر فيه مضاف .
وقال صاحب فتح البيان: «قيل هذه الأيام من أيام الدنيا، وقيل من أيام الآخرة، قال ابن عباس: يوم مقداره ألف سنة وبه قال الجمهور وقال سعيد ابن جبير، «كان الله قادرا على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأنى في الأمور» .
وقوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال الشيخ القاسمى:
ورد الاستواء على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار، ومنه اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وبمعنى القصد ومنه ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه. قال الفراء: تقول العرب استوى إلى يخاصمني أى: قصد لي وأقبل على. ويأتى بمعنى الاستيلاء.
قال الشاعر: ... قد استوى بشر على العراق
ويأتى بمعنى العلو ومنه هذه الآية.
قال البخاري في آخر صحيحه في كتاب الرد على الجهمية في باب قوله- تعالى-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. قال مجاهد: استوى وعلا على العرش.
وقال ابن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أى: علا وارتفع .
وعرش الله- كما قال الراغب- مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له- تعالى الله عن ذلك- لا محمولا.
وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية. وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.
أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة إلى أنه صفة الله- تعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- سبحانه- بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» وأنه يجب الإيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه- تعالى-.
فعن أم سلمة- رضى الله عنها- في تفسير قوله- تعالى-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أنها قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.
وقال الإمام مالك: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقال محمد بن الحسن: اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال الإمام الرازي: إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه.
وذهب بعض علماء الخلف إلى وجوب صرفه- أى الاستواء- عن ظاهره لاستحالته، وأن المراد منه- كما قال الإمام القفال- أنه استقام ملكه، واطرد أمره ونفذ حكمه- تعالى- في مخلوقاته، والله- تعالى- دل على ذاته وصفاته وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم واستقر في قلوبهم «تنبيها على عظمته وكمال قدرته» وذلك مشروط بنفي التشبيه، ويشهد بذلك قوله- تعالى-: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ .
هذا وللعلماء كلام طويل حول هذه المسألة التي تتعلق بالمحكم والمتشابه فليرجع إليها من شاء.
وقوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ التغشية: التغطية والستر، أى: يجعل الليل غاشيا للنهار مغطيا له فيذهب بنوره، ويصير الكون مظلما بعد أن كان مضيئا، ويجعل النهار غاشيا لليل فيصير الكون مضيئا بعد أن كان مظلما، وفي ذلك من منافع الناس ما فيه وبه تتم الحياة، وهو دليل القدرة والحكمة والتدبير من الإله العلى العظيم.
ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله- تعالى-:
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أو لدلالة الحال عليه، أو لأن اللفظ يحتملهما: يجعل الليل مفعولا أول والنهار مفعولا ثانيا أو بالعكس.
والآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا، لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا، فوجب جعل الليل هو الفاعل المعنوي، والنهار هو المفعول من غير عكس لئلا يلتبس المعنى.
وقد قال- تعالى- في آية أخرى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ.
وقوله: يَطْلُبُهُ حَثِيثاً أى: يطلب الليل النهار أو كلاهما بطلب الآخر طلبا سريعا حتى يلحقه ويدركه، وهو كناية عن أن أحدهما يأتى عقب الآخر ويخلفه بلا فاصل، فكأنه يطلبه طلبا سريعا لا يفتر عنه حتى يلحقه.
والحث على الشيء: الحض عليه. يقال: حث الفرس على العدو يحثه حثا صاح به أو وكزه برجل أو ضرب. وذهب حثيثا أى: مسرعا.
والجملة حال من الليل، لأنه هو المتحدث عنه أو حال من النهار أى: مطلوب حثيثا، أو من كل منهما على الرأى الثاني الذي يفسر «يطلبه حثيثا» بأن كليهما يطلب الآخر.
وقوله: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أى: وخلق الشمس والقمر والنجوم كونهن مذللات خاضعات لتصرفه، منقادات لمشيئته، كأنهن مميزات أمرن فانقدن، فتسمية ذلك أمر على سبيل التشبيه.
قال الآلوسى: ويصح حمل الأمر على الإرادة. أى: هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته: ومنهم من حمل الأمر على الأمر الكلامى وقال: إنه- سبحانه- أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة على الوجه المخصوص إلى حيث شاء ولا مانع أن يعطيها الله إدراكا وفهما لذلك » .
وقرأ الجمهور بنصب الألفاظ الثلاثة على أنها معطوفة على السموات، أى: خلق السموات وخلق الشمس والقمر والنجوم. وبنصب مُسَخَّراتٍ أيضا على أنها حال من هذه الثلاثة.
وقرأ أبو عامر بالرفع في جميعها على الابتداء والخبر مسخرات.
وقوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ألا: أداة يفتتح بها القول الذي يهتم بشأنه لأجل تنبيه المخاطب لمضمونه وحمله على تأمله. والخلق: إيجاد الشيء من العدم. والأمر: التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه. فهو- سبحانه- الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته لا شريك له في ذلك.
وهذه الجملة الكريمة كالتدليل للكلام السابق أى: أنه- سبحانه- هو الذي خلق الأشياء كلها ويدخل في ذلك السموات والأرض وغيرهما، وهو الذي دبر هذا الكون على حسب إرادته ويدخل في ذلك ما أشار إليه بقوله: مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ.
وقوله: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
تبارك: فعل ماض لا يتصرف، أى لم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل. من البركة بمعنى الكثرة من كل خير. وأصلها النماء والزيادة. أى: كثر خيره وإحسانه وتعاظمت وتزايدت بركات الله رب العالمين.
أو من البركة بمعنى الثبوت. يقال: برك البعير، إذا أناخ في موضعه فلزمه وثبت فيه. وكل شيء ثبت ودام فقد برك. أى: ثبت ودام خيره على خلقه.
أو المعنى: تعالى الله رب العالمين وتعظم وارتفع وتنزه عن كل نقص.
ثم أمر الله- تعالى- عباده أن يكثروا من التضرع إليه بالدعاء الخالص فقال:
يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم : سماواته وأرضه ، وما بين ذلك في ستة أيام ، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن ، والستة الأيام هي : الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة - وفيه اجتمع الخلق كله ، وفيه خلق آدم ، عليه السلام . واختلفوا في هذه الأيام : هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان ؟ أو كل يوم كألف سنة ، كما نص على ذلك مجاهد ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس ؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق; لأنه اليوم السابع ، ومنه سمي السبت ، وهو القطع .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال : حدثنا حجاج ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل "
فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه ، عن حجاج - وهو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج به وفيه استيعاب الأيام السبعة ، والله تعالى قد قال في ستة أيام; ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث ، وجعلوه من رواية أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، ليس مرفوعا ، والله أعلم .
وأما قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ، ليس هذا موضع بسطها ، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، و ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ الشورى : 11 ] بل الأمر كما قال الأئمة - منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري - : " من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر " وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقائص ، فقد سلك سبيل الهدى .
وقوله تعالى : ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ) أي : يذهب ظلام هذا بضياء هذا ، وضياء هذا بظلام هذا ، وكل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، أي : سريعا لا يتأخر عنه ، بل إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب هذا ، كما قال تعالى : ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 37 - 40 ] فقوله : ( ولا الليل سابق النهار ) أي : لا يفوته بوقت يتأخر عنه ، بل هو في أثره لا واسطة بينهما; ولهذا قال : ( يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) - منهم من نصب ، ومنهم من رفع ، وكلاهما قريب المعنى ، أي : الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته; ولهذا قال منبها : ( ألا له الخلق والأمر ) ؟ أي : له الملك والتصرف ، ( تبارك الله رب العالمين ) كما قال تعالى ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) [ الفرقان : 61 ] .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري ، عن عبد العزيز الشامي ، عن أبيه - وكانت له صحبة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح ، وحمد نفسه ، فقد كفر وحبط عمله . ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا ، فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه ; لقوله : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) .
وفي الدعاء المأثور ، عن أبي الدرداء - وروي مرفوعا - : " اللهم لك الملك كله ، ولك الحمد كله ، وإليك يرجع الأمر كله ، أسألك من الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله "
القول في تأويل قوله : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم، أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء (16) =" الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام "، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، كما:-
14773 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدءُ الخلق العرشُ والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وجُمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوَّدت اليهودُ يوم السبت. ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.
* * *
=" ثم استوى على العرش ".
* * *
وقد ذكرنا معنى " الاستواء " واختلاف الناس فيه، فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (17)
* * *
وأما قوله: " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا " ، فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره (18) =" يطلبه " ، يقول: يطلب الليل النهار =" حثيثًا " ، يعني: سريعًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14774 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " يطلبه حثيثًا " ، يقول: سريعًا.
14775 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا " ، قال: يغشي الليل النهارَ بضوئه، ويطلبه سريعًا حتى يدركه.
* * *
القول في تأويل قوله : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمرَه، ألا لله الخلق كله، والأمرُ الذي لا يخالف ولا يردّ أمره، دون ما سواه من الأشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تخلق ولا تأمر، تبارك الله معبودُنا الذي له عبادة كل شيء، رب العالمين. (19)
14776 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، قلَّ شكره، وحَبِط عمله. ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنـزل الله على أنبيائه، لقوله: " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ". (20)
-----------------
الهوامش :
(16) انظر تفسير"الرب" فيما سلف 1: 142- 143/ 12: 286.
(17) انظر تفسير"الاستواء" فيما سلف 1: 428- 431.
(18) انظر تفسير"الغشاوة" فيما سلف 1: 265 ، 266.
(19) انظر تفسير"تبارك" فيما سلف ص: 238 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك.
= وتفسير"رب" فيما سلف قريبًا ص: 482 ، تعليق: 2 والمراجع هناك.
= وتفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(20) الأثر: 14776 -"عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري" ، هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة ، وهكذا نقله الحافظ ابن حجر عن هذا الموضع من التفسير في ترجمة (أبو عبد العزيز) من الإصابة ، وهكذا نقله ابن كثير في تفسيره 3: 489.
ولكن الذي أطبقت عليه كتب التراجم ، والأسانيد الأخرى التي نقلها الحافظ ابن حجر ، في موضع آخر من الإصابة أنه :
"عبد الغفور بن عبد العزيز" ، وكنوه"أبو الصباح" ، ونسبوه"الواسطي" ، وهو مترجم في لسان الميزان 4: 43 ، 44 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 55 ، وميزان الاعتدال 2 : 142 ، وهو ضعيف منكر الحديث ، وأخرجه البخاري في الضعفاء .
وأبوه هو: "عبد العزيز الشامي" ، ولم أجد له ذكرًا ، إلا في أثناء هذه الأسانيد .
وأبوه ، الذي له صحبة يقال اسمه"سعيد الشامي" ، وهو مترجم بذلك في الإصابة ، وكنيته"أبو عبد العزيز" ، وهو مترجم أيضًا في باب الكنى من الإصابة ، وفي أسد الغابة 5: 247.
وهذا الخبر ، رواه الحافظ ابن حجر في الموضعين من ترجمة"أبي عبد العزيز" و"سعيد" ، وابن الأثير في أسد الغابة 5: 247 ، وابن كثير في تفسيره 3 : 489 ، والسيوطي في الدر المنثور 3 : 92 .
وهو خبر ضعيف هالك الإسناد . و"بقية بن الوليد" كما قال ابن المبارك : (( كان صدوقًا ، ولكنه يكتب عمن أقبل وأدبر )) . وقال أحمد: "إذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه". وقال يحيى بن معين: "كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث قبل أن يحدث عن الثقات". وقال أبو زرعة: "بقية عجب!! إذا روى عن الثقات فهو ثقة". وذكر قول ابن المبارك الذي تقدم ، ثم قال: "وقد أصاب ابن المبارك. ثم قال: هذا في الثقات ، فأما في المجهولين ، فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون".
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 54 | ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ﴾ |
---|
النحل: 12 | ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يغشى:
قرئ:
1- بالتضعيف، وهى قراءة الأخوين، وأبى بكر.
2- بإسكان الغين، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بفتح الياء وسكون الغين وفتح الشين ورفع «الليل» ، وهى قراءة حميد بن قيس.
والشمس والقمر والنجوم مسخرات:
وقرئت:
1- بالرفع، على الابتداء والخبر، وهى قراءة ابن عامر.
2- برفع «والنجوم مسخرات» فقط على الابتداء والخبر، وهى قراءة أبان بن تغلب.
التفسير :
الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فأمر بدعائه{ تَضَرُّعًا} أي:إلحاحا في المسألة، ودُءُوبا في العبادة،{ وَخُفْيَةً} أي:لا جهرا وعلانية، يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى.{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أي:المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء كون العبد يسأل اللّه مسائل لا تصلح له، أو يتنطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه.
التضرع: تفعل من الضراعة وهي الذلة والاستكانة. يقال: ضرع فلان ضراعة: أى خشع وذل وخضع. ويقال: تضرع، أى أظهر الضراعة والخضوع. وتضرعا حال من الضمير في ادعوا.
الخفية: بضم الخاء وكسرها- مصدر خفى كمرض بمعنى اختفى أى: استتر وتوارى ولم يجهر بدعائه.
والمعنى: سلوا ربكم- أيها الناس- حوائجكم بتذلل واستكانة وإسرار واستتار فإنه- سبحانه- يسمع الدعاء ويجيب المضطر، ويكشف السوء، وهو القادر على إيصالها إليكم، وغيره عن ذلك عاجز.
وإنما أمر الله عباده بالإكثار من الدعاء في ضراعة وإسرار، لأن الدعاء ما هو إلا اتجاه إلى الله بقلب سليم، واستعانة به بإخلاص ويقين، لكي يدفع المكروه، ويمنح الخير، ويعين على نوائب الدهر، ولا شك أن الإنسان في هذه الحالة يكون في أسمى درجات الصفاء الروحي، والنقاء النفسي، ويكون كذلك مؤديا لأشرف ألوان العبادة والخضوع لله الواحد القهار، معترفا لنفسه بالعجز والنقص. ولربه بالقدرة والكمال .
هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية من آداب الدعاء الخشوع والإسرار واستدلوا على ذلك بأحاديث وآثار متعددة منها ما جاء في الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس،اربعوا على أنفسكم- أى ارفقوا بها- وأقصروا من الصياح- فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا.
إنه معكم. إنه سميع قريب. تبارك اسمه وتعالى جده» .
وقال عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل، لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلى الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور- أى الزوار- وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا. ولقد كان المسلمون يجهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم.
وذلك أن الله- تعالى- يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا رضى فعله وهو زكريا فقال: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا .
وقال ابن المنير: «وحسبك في تعين الإسرار في الدعاء اقترانه بالتضرع في الآية، فالاخلال بالضراعة إلى الله إخلال بالدعاء. وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى. فكذلك دعاء لا خفية فيه ولا وقار يصحبه. وترى كثيرا من أهل زمانك يعمدون إلى الصراخ والصياح في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللفظ ويشتد، وتستك المسامع وتنسد، ويهتز الداعي بالناس، ولا يعلم أنه جمع بين بدعتين: رفع الصوت في الدعاء وفي المسجد، وربما حصلت للعوام حينئذ رقة لا تحصل مع خفض الصوت، ورعاية سمت الوقار، وسلوك السنة الثابتة بالآثار. وما هي إلا رقة شبيهة بالرقة العارضة للنساء والأطفال ليست خارجة عن صميم الفؤاد، لأنها لو كانت من أصل لكانت عند اتباع السنة في الدعاء. وفي خفض الصوت به أوفر وأوفى وأزكى فما أكثر التباس الباطل بالحق على عقول كثير من الخلق. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه» .
وقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الاعتداء تجاوز الحد أى: لا يحب المتجاوزين حدودهم في كل شيء، ويدخل فيه الاعتداء في الدعاء دخولا أوليا. ومن مظاهر الاعتداء في الدعاء أن يترك هذين الأمرين وهما التضرع والإخفاء، كذلك من مظاهر الاعتداء في الدعاء أن يتكلف فيه.
روى أبو داود في سننه أن سعد بن أبى وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول: اللهم إنى أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال له يا بنى: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ثم قرأ سعد هذه
الآية ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وإن بحسبك أن تقول: اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل » .
أرشد سبحانه وتعالى عباده إلى دعائه ، الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم ، فقال تعالى :
( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) قيل معناه : تذللا واستكانة ، و ) خفية ) كما قال : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) [ الأعراف : 205 ] وفي الصحيحين ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إن الذي تدعونه سميع قريب " الحديث .
وقال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله : ( تضرعا وخفية ) قال : السر .
وقال ابن جرير : ( تضرعا ) تذللا واستكانة لطاعته . ) وخفية ) يقول : بخشوع قلوبكم ، وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه ، لا جهارا ومراءاة .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : إن كان الرجل لقد جمع القرآن ، وما يشعر به الناس . وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ، وما يشعر به الناس . وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به . ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر ، فيكون علانية أبدا . ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله تعالى يقول : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال : ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) [ مريم : 3 ] .
وقال ابن جريج : يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة ، ثم روي عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله : ( إنه لا يحب المعتدين ) في الدعاء ولا في غيره . .
وقال أبو مجلز : ( إنه لا يحب المعتدين ) لا يسأل منازل الأنبياء .
وقال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن زياد بن مخراق ، سمعت أبا نعامة عن مولى لسعد; أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول : اللهم ، إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها . فقال : لقد سألت الله خيرا كثيرا ، وتعوذت بالله من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء " وقرأ هذه الآية : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) وإن بحسبك أن تقول : " اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل "
ورواه أبو داود ، من حديث شعبة ، عن زياد بن مخراق ، عن أبي نعامة ، عن ابن لسعد ، عن سعد ، فذكره والله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا الجريري ، عن أبي نعامة : أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول : اللهم ، إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها . فقال : يا بني ، سل الله الجنة ، وعذ به من النار; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور "
وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عفان به . وأخرجه أبو داود ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نعامة - واسمه : قيس بن عباية الحنفي البصري - وهو إسناد حسن لا بأس به ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ادعوا، أيها الناس، ربَّكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام =" تضرعًا " ، يقول: تذلُّلا واستكانة لطاعته (21) =" وخفية " ، يقول بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعلَ أهل النفاق والخداع لله ولرسوله، (22) كما:-
14777 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعرُ جارُه. وإن كان الرجل لقد فَقُه الفقهَ الكثير، وما يشعرُ به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْر، (23) وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدًا! ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: " ادعوا ربكم تضرعًا وخفية " ، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا فرضِي فعله فقال: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ، [ سورة مريم: 3 ] .
14778 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، (24) فأشرفوا على وادٍ يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال: " أيها الناس، اربَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا! إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم ". (25)
14779 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: " ادعوا ربكم تضرعًا وخفية " ، قال: السر.
* * *
وأما قوله: " إنه لا يحب المعتدين " ، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دعائه ومسألته ربَّه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدَّ لهم في دعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور، (26) كما:-
14780 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز: " ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين " ، قال: لا يسأل منازلَ الأنبياء عليهم السلام.
14781 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: " إنه لا يحب المعتدين " ، في الدعاء ولا في غيره = قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداءً، يُكره رفعُ الصوتِ والنداءُ والصياحُ بالدعاء، ويُؤمر بالتضرُّع والاستكانة.
-------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير"التضرع" فيما سلف 11: 355 ، 414.
(22) انظر تفسير"خفية" فيما سلف 11: 414.
(23) "الزور" (بفتح فسكون) جمع"زائر" ، مثل"صاحب" و"صحب". وفي المخطوطة: "الزور" مضبوطة بالقلم بضم الزاي وتشديد الواو مفتوحة ، وهو صواب أيضًا.
(24) هذه الغزاة ، هي غزوة خيبر.
(25) الأثر: 14778- رواه البخاري في صحيحه (الفتح 7: 363) ، ومسلم في صحيحه 17: 25 من هذه الطريق ، مطولا.
وقوله: "اربعوا على أنفسكم" ، أي : ارفقوا بأنفسكم ، واخفضوا أصواتكم. وفي المخطوطة: "سميعًا قريبًا أنا معكم" غير منقوطة ، وأثبت ما في الصحيحين ، وفي المطبوعة ، حذف ما في المخطوطة ، ولم يزد"وهو" التي زدتها.
(26) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 63 | ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ |
---|
الأعراف: 55 | ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ |
---|
الأعراف: 205 | ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وخفية:
وقرئ:
1- بكسر الخاء، لغة، وهى قراءة أبى بكر.
2- وخيفة، من الخوف، وهى قراءة الأعمش.
إنه:
وقرئ:
إن الله، يجعل المظهر مكان المضمر، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
التفسير :
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} بعمل المعاصي{ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} بالطاعات، فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة.{ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي:خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاَهٍ. وحاصل ما ذكر اللّه من آداب الدعاء:الإخلاص فيه للّه وحده، لأن ذلك يتضمنه الخفية، وإخفاؤه وإسراره، وأن يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا، ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة، وهذا من إحسان الدعاء، فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها، وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولهذا قال:{ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} في عبادة اللّه، المحسنين إلى عباد اللّه، فكلما كان العبد أكثر إحسانا، كان أقرب إلى رحمة ربه، وكان ربه قريبا منه برحمته، وفي هذا من الحث على الإحسان ما لا يخفى.
ثم نهى الله عباده عن كل لون من ألوان المعاصي فقال: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أى: لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاح الله إياها، بأن خلقها على أحسن نظام، فالجملة الكريمة نهى عن سائر أنواع الإفساد كإفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان.
روى أبو الشيخ عن أبى بكر بن عياش أنه سئل عن قوله- تعالى-: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها فقال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم في فساد فأصلحهم الله به، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض» .
قال صاحب المنار: وقال- سبحانه-: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها لأن الإفساد بعد الإصلاح أشد قبحا من الإفساد على الإفساد، فإن وجود الإصلاح أكبر حجة على المفسد إذا هو لم يحفظه ويجرى على سننه. فكيف إذا هو أفسده وأخرجه عن وضعه؟ ولذا خص بالذكر وإلا فالإفساد مذموم ومنهى عنه في كل حال» .
وقوله: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً.
أصل الخوف: انزعاج في الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل.
والمعنى: وادعوه خائفين من عقابه إياكم على مخالفتكم لأوامره، طامعين في رحمته وإحسانه وفي إجابته لدعائكم تفضلا منه وكرما.
قال الجمل: فإن قلت: قال في أول الآية: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وقال هنا:
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً وهذا عطف للشيء على نفسه فما فائدة ذلك؟ قلت: الفائدة أن المراد بقوله- تعالى-: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً بيان شرطين من شروط الدعاء وبقوله:
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً بيان شرطين آخرين، والمعنى: كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء وإن اجتهدتم فيهما» .
وقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أى: إن رحمته- تعالى- وإنعامه على عباده قريب من المتقين لأعمالهم، المخلصين فيها، لأن الجزاء من جنس العمل، فمن أحسن عبادته نال عليها الثواب الجزيل، ومن أحسن في أمور دنياه كان أهلا للنجاح في مسعاه، ومن أحسن في دعائه كان جديرا بالقبول والإجابة.
قال الشيخ القاسمى: وفي الآية الكريمة ترجيح للطمع على الخوف، لأن المؤمن بين الرجاء والخوف، ولكنه إذا رأى سعة رحمته- سبحانه- وسبقها، غلب الرجاء عليه. وفيها تنبيه على ما يتوسل به إلى الإجابة وهو الإحسان في القول والعمل.
قال مطر الوراق: استنجزوا موعود الله بطاعته، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين» .
هذا، وكلمة «قريب» وقعت خبرا للرحمة، ومن قواعد النحو أن يكون الخبر مطابقا للمبتدأ في التذكير والتأنيث، فكان مقتضى هذه القواعد أن يقال إن رحمة الله قريبة. وقد ذكر العلماء في تعليل ذلك بضعة عشر وجها، منها أن تذكير «قريب» صفة لمحذوف أى أمر قريب، أو لأن كلمة الرحمة مؤنثة تأنيثا مجازيا، فجاز في خبرها التذكير والتأنيث أو لأن الرحمة هنا بمعنى الثواب وهو مذكر فيكون تذكير قريب باعتبار ذلك وقيل غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا.
وبعد أن بيّن- سبحانه- أنه هو الخالق للسموات والأرض، وأنه هو المتصرف الحاكم المدبر المسخر، وأن رحمته قريبة من المحسنين الذين يكثرون من التضرع إليه بخشوع وإخلاص.
بعد كل ذلك تحدث- سبحانه- عن بعض مظاهر رحمته التي تتجلى في إرسال الرياح، وإنزال المطر، وعن بعض مظاهر قدرته التي تتجلى في بعث الموتى للحساب، وفي هداية من يريد هدايته وإضلال من يريد ضلالته فقال- تعالى-:
وقوله تعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض ، وما أضره بعد الإصلاح ! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك ، كان أضر ما يكون على العباد . فنهى الله تعالى عن ذلك ، وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه ، فقال : ( وادعوه خوفا وطمعا ) أي : خوفا مما عنده من وبيل العقاب ، وطمعا فيما عنده من جزيل الثواب .
ثم قال : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) أي : إن رحمته مرصدة للمحسنين ، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره ، كما قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) [ الأعراف : 156 ، 157 ] .
وقال : ( قريب ) ولم يقل : " قريبة " ; لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب ، أو لأنها مضافة إلى الله ، فلهذا قال : قريب من المحسنين .
وقال مطر الوراق : تنجزوا موعود الله بطاعته ، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين ، رواه ابن أبي حاتم .
القول في تأويل قوله : وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " ، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها.
* * *
وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى، وبينا معناه بشواهده. (27)
* * *
=" بعد إصلاحها " يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم (28) =" وادعوه خوفًا وطمعًا " ، يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه، وطمعًا في ثوابه. وإنّ مَن كان دعاؤه إياه على غير ذلك، فهو بالآخرة من المكذبين، لأنّ من لم يخف عقابَ الله ولم يرجُ ثوابه، لم يبال ما ركب من أمر يسخَطه الله ولا يرضاه =" إن رحمة الله قريب من المحسنين " ، يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا، قريب منهم، وذلك هو رحمته، (29) لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من كرامته إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم.
* * *
ولذلك من المعنى ذُكِّر قوله: " قريب " ، وهو من خبر " الرحمة " ، و " الرحمة " مؤنثة، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النَّسب، والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخبارًا للأسماء، (30) أجرتها العرب مجرى الحال، فوحّدتها مع الواحد والاثنين والجميع، وذكَّرتها مع المؤنث، فقالوا: " كرامة الله بعيد من فلان "، و " هي قريب من فلان "، كما يقولون: " هند قريب منا "، و " الهندان منا قريب "، و " الهندات منا قريب "، لأن معنى ذلك: هي في مكان قريب منا. فإذا حذفوا المكان وجعلوا " القريب " خلفًا منه، ذكَّروه ووحَّدوه في الجمع، كما كان المكان مذكرًا وموحدًا في الجمع. وأما إذا أنثوه، أخرجوه مثنى مع الاثنين، ومجموعًا مع الجميع، فقالوا: " هي قريبة منا "، و " هما منّا قريبتان "، كما قال عروة [بن الورد] : (31)
عَشِــيَّةَ لا عَفْــرَاءُ مِنْـكَ قَرِيبَـةٌ
فَتَدْنُــو, وَلا عَفْــرَاءُ مِنْـكَ بَعِيـدُ (32)
فأنث " قريبة "، وذكّر " بعيدًا "، على ما وصفت. ولو كان " القريب "، من " القرابة " في النسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا، ومع الجميع إلا مجموعًا. (33)
وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذكَّر " قريب " وهو صفة لـ" الرحمة "، وذلك كقول العرب: " ريح خريق "، (34) و " ملحفَة جديد "، (35) و " شاة سديس ". (36) قال: وإن شئت قلت: تفسير " الرحمة " هاهنا، المطر ونحوه، فلذلك ذكَّر، كما قال: وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا ، [ سورة الأعراف : 87 ]، فذكَّر، لأنه أراد الناس. وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث، كقول الشاعر: (37)
وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (38)
* * *
وقد أنكر ذلك من قِيله بعضُ أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكِّر " قريبًا "، توجيهًا منه للرحمة إلى معنى المطر، أن يقول: " هند قام "، توجيهًا منه لـ" هند " وهي امرأة، إلى معنى: " إنسان "، ورأى أن ما شبَّه به قوله: " إن رحمة الله قريب من المحسنين " ، بقوله: وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا ، غير مُشْبِهِه. وذلك أن " الطائفة " فيما زعم مصدر، بمعنى " الطيف "، كما " الصيحة " و " الصياح "، بمعنًى، ولذلك قيل: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ، [ سورة هود: 67 ].
------------------
الهوامش :
(27) انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف 1: 287 ، 416 ، ومواضع أخرى آخرها 10: 461 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(28) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(29) انظر تفسير"الرحمة" فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
= وتفسير"الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن).
(30) في المطبوعة: "إذا رفعت أخبارًا" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.
(31) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة ، والصواب أنه"عروة بن حزام" ، كما سترى في التخريج ، وكأنه سهو من الناسخ وزيادة منه ، فإن هذا كله تابع فيه أبو جعفر ، الفراء في معاني القرآن ، والفراء لم يذكر سوى"عروة" ، فزاد الناسخ سهوًا"بن الورد".
(32) معاني القرآن للفراء 1: 381 ، على ما ذكره أبو جعفر ، وهو نقله عنه. والبيت في ديوان عروة بن حزام ، وفي تزيين الأسواق 1: 84 ، والبكري في شرح الأمالي: 401 ، من شعر له صواب إنشاده على الباء :
عَشِــيَّة لا عَفْــرَاءُ مِنْــكَ بَعِيـدَةٌ
فَتَسْــلُو ، وَلا عَفْـرَاءُ مِنْـكَ قَـرِيبُ
وَإنِّــي لَتَغْشَــانِي لِذِكْـرَاكِ فَــتْرَةٌ
لَهَــا بَيْـنَ جِـلْدِي وَالْعِظَـامِ دَبيـبُ
(33) انظر معاني القرآن للفراء 1: 381 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 216 ، 217..
(34) "ريح خريق": شديدة ، وقيل: لينة سهلة. ضد.
(35) في المطبوعة: "وساحفة حديد" ، وفي المخطوطة: "وماحقه جديد" ، غير منقوطة والصواب ما أثبت ، وهو المثل الذي ضرب في هذا الباب. قال ابن سيده: "ملحفة جديد ، وجديدة" ، وقال سيبويه: وقد قالوا ملحفة جديدة ، وهو قليلة.
(36) "شاة سديس": أتت عليها السنة السادسة.
(37) عامر بن جوين الطائي.
(38) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 1: 432 ، ونسيت أن أذكر هناك أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير ، ثم في 18: 118 (بولاق) ، وصدر البيت:
فَـــلا مُزْنَــةٌ وَدَقَــتْ وَدْقَهَــا
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 56 | ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ |
---|
الأعراف: 85 | ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يبين تعالى أثرا من آثار قدرته، ونفحة من نفحات رحمته فقال:{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي:الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن اللّه من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة اللّه، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله.{ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ} الرياح{ سَحَابًا ثِقَالًا} قد أثاره بعضها، وألفه ريح أخرى، وألحقه ريح أخرى{ سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} قد كادت تهلك حيواناته، وكاد أهله أن ييأسوا من رحمة اللّه،{ فَأَنْزَلْنَا بِهِ} أي:بذلك البلد الميت{ الْمَاءُ} الغزير من ذلك السحاب وسخر اللّه له ريحا تدره وتفرقه بإذن اللّه.{ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} فأصبحوا مستبشرين برحمة اللّه، راتعين بخير اللّه، وقوله:{ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي:كما أحيينا الأرض بعد موتها بالنبات، كذلك نخرج الموتى من قبورهم، بعد ما كانوا رفاتا متمزقين، وهذا استدلال واضح، فإنه لا فرق بين الأمرين، فمنكر البعث استبعادا له - مع أنه يرى ما هو نظيره - من باب العناد، وإنكار المحسوسات. وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في آلاء اللّه والنظر إليها بعين الاعتبار والاستدلال، لا بعين الغفلة والإهمال.
وقوله- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ معطوف على ما سبق من قوله- تعالى-: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لبيان مظاهر قدرته ورحمته.
وقرأ حمزة والكسائي «الريح» بالإفراد:
وبُشْراً- بضم الباء فسكون الشين- مخفف وبُشْراً- بضمتين- جمع بشير كنذر ونذير، أى: مبشرات بنزول الغيث المستتبع لمنفعة الخلق.
وقرأ أهل المدينة والبصرة «نشرا» - بضم النون والشين- جمع نشور- كصبور وصبر- بمعنى ناشر من النشر ضد الطى، وفعول بمعنى فاعل يطرد جمعه.
وهناك قراءات أخرى غير ذلك.
والمعنى وهو- سبحانه- الذي يرسل الرياح مبشرات عباده بقرب نزول الغيث الذي به حياة الناس.
وقوله: بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أى بين يدي المطر الذي هو من أبرز مظاهر رحمة الله بعباده.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ.
وقال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ.
قال الإمام الرازي: وقوله: بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ من أحسن أنواع المجاز، والسبب في ذلك أن اليدين يستعملهما العرب في معنى التقدمة على سبيل المجاز. يقال: إن الفتن تحصل بين يدي الساعة يريدون قبيلها، كذلك مما حسن هذا المجاز أن يدي الإنسان متقدمة، فكل ما كان يتقدم شيئا يطلق عليه لفظ اليدين على سبيل المجاز لأجل هذه المشابهة، فلما كانت الرياح تتقدم المطر، لا جرم عبر عنه بهذا اللفظ» .
وقوله: حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ حتى: غاية لقوله: يُرْسِلُ.
وأقلت: أى حملت. وحقيقة أقله وجده قليلا ثم استعمل بمعنى حمله. لأن الحامل لشيء يستقل ما يحمله بزعم أن ما يحمله قليل.
وسَحاباً أى: غيما، سمى بذلك لانسحابه في الهواء، وهو اسم جنس جمعى يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة، وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ويجمع.
وثِقالًا جمع ثقيلة من الثقل- كعنب- ضد الخفة. يقال: ثقل الشيء- ككرم- ثقلا وثقالة فهو ثقيل وهي ثقيلة.
والمعنى: أن الله- تعالى- هو الذي يرسل الرياح مبشرات بنزول الغيث، حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا من كثرة ما فيها من الماء، سقناه- أى السحاب إلى «بلد ميت» أى إلى أرض لا نبات فيها ولا مرعى، فاهتزت وربت وأخرجت النبات والمرعى. فأطلق- سبحانه- الموت على الأرض التي لا نبات فيها، وأطلق الحياة على الأرض الزاخرة بالنبات والمرعى لأن حياتها بذلك.
قال- تعالى-: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ .
وقوله: فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ أى: فأنزلنا في هذا البلد الميت الماء الذي يحمله السحاب. فالباء في بِهِ للظرفية.
وقيل إن الضمير في بِهِ للسحاب، أى: فأنزلنا بالسحاب الماء وعليه فتكون الباء للسببية.
وقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أى: فأخرجنا بهذا الماء من كل أنواع الثمرات المعتادة في كل بلد، تخرج به على الوجه الذي أجرى الله العادة بها ودبرها.
فليس المراد أن كل بلد ميت تخرج منه جميع أنواع الثمار التي خلقها الله، متى نزل به الماء، وإنما المراد أن كل بلد تخرج منه الثمار التي تناسب تربته على حسب مشيئة الله وفضله وإحسانه، إذ من المشاهد أن البلاد تختلف أرضها فيما تخرجه، وهذا أدل على قدرة الله، وواسع رحمته.
وقوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ إشارة إلى إخراج الثمرات، أو إلى إحياء البلد الميت.
أى: مثل ما أحيينا الأرض بعد موتها وجعلناها زاخرة بأنواع الثمرات بسبب نزول الماء عليها، نخرج الموتى من الأرض ونبعثهم أحياء في اليوم الآخر لنحاسبهم على أعمالهم، فالتشبيه في مطلق الإخراج من العدم. وهذا رد على منكري البعث بدليل ملزم، لأن من قدر على إخراج النبات من الأرض بعد نزول الماء عليها، قادر- أيضا- على إخراج الموتى من قبورهم.
وقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تذييل قصد به الحث على التدبر والتفكر، أى: لعلكم تذكرون وتعتبرون بما وصفنا لكم فيزول إنكاركم للبعث والحساب.
قال الشيخ القاسمى: «من أحكام الآية كما قال الجشمي: أنها تدل على عظم نعمة الله علينا بالمطر، وتدل على الحجاج في إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنبات وتدل على أنه أراد من الجميع التذكر، وتدل على أنه أجرى العادة بإخراج النبات بالماء. وإلا فهو قادر على إخراجه من غير ماء فأجرى العادة على وجوه دبرها عليها على ما نشاهده، لضرب من المصلحة دينا ودنيا..» .
ثم ضرب- سبحانه- مثلا لاختلاف استعداد البشر للخير والشر فقال:
لما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض ، وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر ، وأرشد إلى دعائه; لأنه على ما يشاء قادر - نبه تعالى على أنه الرزاق ، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال : " وهو الذي يرسل الرياح نشرا " أي : ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر ، ومنهم من قرأ ) بشرا ) كقوله ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) [ الروم : 46 ] .
وقوله : ( بين يدي رحمته ) أي : بين يدي المطر ، كما قال : ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) [ الشورى : 28 ] وقال ( فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ) [ الروم : 50 ] .
وقوله : ( حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ) أي : حملت الرياح سحابا ثقالا أي : من كثرة ما فيها من الماء ، تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة ، كما قالزيد بن عمرو بن نفيل ، رحمه الله :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا .
وقوله : ( سقناه لبلد ميت ) أي : إلى أرض ميتة ، مجدبة لا نبات فيها ، كما قال تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ) [ يس : 33 ] ; ولهذا قال : ( فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى ) أي : كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها ، كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم القيامة ، ينزل الله ، سبحانه وتعالى ، ماء من السماء ، فتمطر الأرض أربعين يوما ، فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض . وهذا المعنى كثير في القرآن ، يضرب الله مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها; ولهذا قال : ( لعلكم تذكرون ) .
القول في تأويل قوله : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، هو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته. (39)
* * *
و " النشر " بفتح " النون " وسكون " الشين "، في كلام العرب، من الرياح، الطيبة اللينة الهبوب، التي تنشئ السحاب. وكذلك كل ريح طيبة عندهم فهي" نشر "، ومنه قول امرئ القيس:
كَــأَنَّ المُــدَامَ وَصَــوْبَ الغَمَـامِ
وَرِيــحَ الخُــزَامَى وَنَشْـرَ القُطُـرْ (40)
* * *
وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين، خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرؤه: " بشرًا " على اختلاف عنه فيه.
* * *
فروى ذلك بعضهم عنه: ( بُشْرًا )، بالباء وضمها، وسكون الشين.
وبعضهم، بالباء وضمها وضم الشين.
وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [ سورة الروم: 46 ] ، تبشر بالمطر، وأنه جمع " بشير " يبشر بالمطر، جُمِع " بُشُرًا "، كما يجمع " النذير "" نُذُرًا ". (41)
* * *
وأما قرأة المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرؤوا ذلك: ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاحَ نُشُرَا )، بضم " النون "، و " الشين " بمعنى جمع " نَشور " جمع " نشرًا "، كما يجمع " الصبور "" صُبُرًا "، و " الشكور "" شُكُرًا ".
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك: أنها الريح التي تهبّ من كل ناحية، وتجيء من كل وجه. (42)
* * *
وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون، فينبغي أن تسكن شينها، لأن ذلك لغة بمعنى " النَّشْر " بالفتح. وقال: العرب تضم النون من " النُّشْر " أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرأة في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير " الخَسْف " ،" والخُسْف " ، بفتح الخاء وضمها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك: ( نَشْرًا ) و ( نُشُرًا )، بفتح " النون " وسكون " الشين " ، وبضم " النون " و " الشين " قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار.
... ... .... ...... ..... ..... ...... ...... ...... ..... ..... ... ... ...... ..... ..... ... ... (43) .
فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والإعراب، لما ذكرنا من العلة .
* * *
وأما قوله: " بين يدي رحمته " ، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها.
* * *
والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه: " جاء بين يديه "، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له. (44)
* * *
و " الرحمة " التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: والله الذي يرسل الرياح ليّنًا هبوبها، طيبًا نسيمها، أمام غيْثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالا حتى إذا أقلتها = و " الإقلال " بها، حملها، كما يقال: " استقلّ البعير بحمله "، و " أقله "، إذا حمله فقام به = ساقه الله لإحياء بلد ميت، قد تعفَّت مزارعه، ودَرَست مشاربه، وأجدب أهلُه، (45) فأنـزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14782 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وهو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته " إلى قوله: " لعلكم تذكرون " ، قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين، طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما " رحمته "، فهو المطر.
* * *
وأما قوله: " كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " ، فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننـزل به من الماء الذي ننـزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقُحُوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم ودروس آثارهم =" لعلكم تذكرون " ، يقول تعالى ذكرُه للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربتُ لكم، أيها القوم، هذا المثل الذي ذكرت لكم: من إحياء البلد الميت بقَطْر المطر الذي يأتي به السحاب الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن مَنْ كان ذلك من قدرته، فيسيرٌ في قدرته إحياء الموتى بعد فنائها، وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دُرُوسها. (46)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14783 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " ، وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء.
* * *
14784 - وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى، أمطر عليهم من ماء تحت العرش يُدعى " ماء الحيوان " أربعين سنة، فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. حتى إذا استكملت أجسادهم، نفخ فيهم الروح، ثم تُلْقى عليهم نَوْمة، فينامون في قبورهم. فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا، وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم، كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ، فناداهم المنادي: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [ سورة يس: 52 ]. (47)
* * *
14785 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " كذلك نخرج الموتى " ، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
------------------
الهوامش :
(39) القراءة التي أثبتها أبو جعفر في تفسير الآية"نشرا" ، ولكني أثبت في الآية قراءتنا في مصحفنا ، وسأثبتها في سائر المواضع بقراءة أبي جعفر بالنون.
(40) ديوانه : 79 ، واللسان ( نشر ) من قصيدة له طويلة ، وهذا البيت في ذكر"هو" صاحبته وهذا البيت في صفة رائحة ثغرها عند الصباح ، حين تتغير أفواه الناس ، يقول بعده:
يُعَـــلُّ بِـــهِ بَـــرْدُ أَنْيَابِهَــا
إذَا طَـــرَّبَ الطَّــائِر المُسْــتَحِرْ
و"القطر" (بضمتين): هو العود الذي يتبخر به. و"صوب الغمام" ، وقعه حيث يقع. و"يعل" يسقى بالمدام مرة بعد مرة. و"الطائر المستحر" ، الديك إذا صوت عند السحر. يصفها بطيب رائحة فمها ، حين تتغير الأفواه بعد النوم.
(41) في المطبوعة: "وأنه جمع بشير بشرًا ، كما يجمع النذير نذرًا" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(42) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217.
(43) في موضع هذه النقط سقط لا شك فيه ، ذكر فيه العلة التي سيشير إليها بعد. ولم أستطع أن أجد نقلا عن أبي جعفر يهدي إلى ما يسد هذا الخرم.
(44) انظر تفسير: " بين يديه " فيما سلف 6: 160 ، 438.
(45) انظر تفسير"ميت" و"موت الأرض" فيما سلف 3: 274/ 5: 446.
(46) انظر تفسير"التذكر" فيما سلف ص: 299 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(47) الأثر: 14784 - هذا الخبر عن أبي هريرة ، رواه بغير إسناد ، وكنت أظنه من رواية السدي في الأثر السالف ، ولكني شككت في ذلك ، فآثرت أن أضع له رقمًا مستقلا. وأيا ما كان ، فإني لم أجد نص هذا الخبر في شيء من مراجعي. وحديث أبي هريرة في البعث ، رواه مسلم في صحيحه 18: 91 ، قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة : أربعون يومًا ؟ قال : أَبَيْتُ . قالوا : أربعون شهرًا ؟ قال : أبيتُ . قالوا : أربعون سنة ؟ قال أبيتُ ، ثم ينزل الله من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما يَنْبُتُ البَقْل . وَليس من الإنسانِ شيء إلا يَبْلَى ، إلا عظمًا واحدًا ، وهو عَجْبُ الذنب ، ومنه يُرَكَّبُ الخلقُ يوم القيامة".
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 57 | ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ |
---|
الفرقان: 48 | ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ |
---|
النمل: 63 | ﴿أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الرياح:
وقرئ:
مفردا، وهى قراءة ابن كثير، وقرأ معها: «نشرا» ، بضم النون والشين. (ظ: نشرا) .
بشرا:
وقرئ:
1- نشرا، بضم النون والشين، جمع ناشر، على النسب، أو جمع نشور، كصبور وصبر، وهى قراءة الحسن، والسلمى، وأبى رجاء، وغيرهم.
2- نشرا بضم النون وإسكان الشين، وهى قراءة عبد الله، وابن عباس، وزر، وابن وثاب، والنخعي، وغيرهم.
3- بفتح النون والشين، على أنها اسم جمع، وهى قراءة مسروق.
4- بفتح النون وسكون الشين، على أنها مصدر، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
5- بشرا، بضم الباء والشين، وهى قراءة ابن عباس، والسلمى، وابن أبى عبلة. (وقرءوا: الرياح) .
6- بشرا، بضم الباء وإسكان الشين، وهى قراءة عاصم. (وقرأ: الرياح) .
7- بشرا، بفتح الباء وسكون الشين، على أنه مصدرا، وهى قراءة السلمى.
8- بشرى، بألف مقصورة، كرجعى، وهى قراءة ابن السميفع، وابن قطيبا.