ترتيب المصحف | 62 | ترتيب النزول | 110 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 1.50 |
عدد الآيات | 11 | عدد الأجزاء | 0.00 |
عدد الأحزاب | 0.00 | عدد الأرباع | 0.80 |
ترتيب الطول | 77 | تبدأ في الجزء | 28 |
تنتهي في الجزء | 28 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الثناء على الله: 11/14 | _ |
تسبيحُ اللهِ، ثُمَّ بيانُ الغايةِ من بعثةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وهي: تلاوةُ القرآنِ، وتزكيةُ الأمةِ، وتعليمُ القرآنِ والسنةِ.
قريبًا إن شاء الله
ولمَّا ذَكَرَ اللهُ ما امتَنَّ به من بعثةِ الرَّسُولِ وإنزالِ القرآنِ، ذَكَرَ هنا ما كان عليه اليهودُ من تركِ العملِ بالتَّوراةِ، فشبَّهَهم بالحِمارِ الذي يحملُ على ظهرِه الكتُبَ النَّافعةَ ولكنهُ لا يفهمُ منها شيئًا، ثُمَّ الرَّدُّ على قولِهم أنَّهم أولي
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
أي:يسبح لله، وينقاد لأمره، ويتألهه، ويعبده، جميع ما في السماوات والأرض، لأنه الكامل الملك، الذي له ملك العالم العلوي والسفلي، فالجميع مماليكه، وتحت تدبيره،{ الْقُدُّوسُ} المعظم، المنزه عن كل آفة ونقص،{ الْعَزِيزُ} القاهر للأشياء كلها،{ الْحَكِيمُ} في خلقه وأمره.
فهذه الأوصاف العظيمة مما تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
مقدمة وتمهيد
1- سورة «الجمعة» من السور المدنية الخالصة.
قال الآلوسى: هي مدنية، كما روى عن ابن عباس وابن الزبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وإليه ذهب الجمهور.
وقال ابن يسار: هي مكية، وحكى ذلك عن ابن عباس ومجاهد: والأول هو الصحيح. لما رواه البخاري وغيره عن أبى هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها، فلما بلغ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ... قال له رجل: يا رسول الله- من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، وقال:
«والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء ... » .
ومن المعروف أن إسلام أبى هريرة كان بعد الهجرة بمدة بالاتفاق...
2- وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة «التحريم» ، وقبل سورة «التغابن» .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقرؤها في صلاة الجمعة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة «الجمعة والمنافقون» .
وأخرج ابن حيان والبيهقي عن جابر بن سمرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بسورة «الكافرون» وبسورة «قل هو الله أحد ... » ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة من ليلة الجمعة، بسورة «الجمعة» ، وبسورة «المنافقون» ..
وسميت بهذا الاسم لحديثها عن يوم الجمعة، وعن وجوب السعى إلى صلاتها.
3- وقد اشتملت السورة الكريمة، على الثناء على الله- عز وجل-، وعلى مظاهر نعمه على عباده، حيث أرسل فيهم رسولا كريما، ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..
كما اشتملت على توبيخ اليهود وذمهم، لعدم عملهم بالكتاب الذي أنزله- سبحانه- لهدايتهم وإصلاح حالهم..
كما اشتملت على دعوة المؤمنين، إلى المحافظة على صلاة الجمعة، وعلى المبادرة إليها دون أن يشغلهم عنها شاغل.
نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من المحافظين على فرائضه وتكاليفه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
افتتحت سورة " الجمعة " كغيرها من أخواتها " المسبحات " بالثناء على الله - تعالى - وببيان أن المخلوقات جميعها ، تسبح بحمده - تعالى - وتقدس له .
والتسبيح : تنزيه الله - تعالى - عما لا يليق به ، اعتقادا وقولا وعملا مأخوذ من السبح وهو المر السريع فى الماء أو الهواء ، لأن المسبح لله ، - تعالى - مسرع فى تنزيهه - تعالى - وتبرئته من كل سوء .
وقوله : ( القدوس ) من التقديس بمعنى والتطهير وغير ذلك من صفات الكمال .
أى : أن التسبيح : نفى ما لا يليق بذاته - تعالى - ، والتقديس : إثبات ما يليق بجلاله - سبحانه - والمعنى : ينزه الله - تعالى - ويبعده عن كل نقص ، جميع ما فى السموات ، وجميع ما فى الأرض من مخلوقات ، فهو - سبحانه - ( الملك ) أى : المدبر لشئون هذا الكون ، المتصرف فيه تصرف المالك فيما يملكه . . .
( القدوس ) أى : البليغ فى الطهارة وفى التنزه عن كل نقص ، من القُدْس - ضم القاف وسكون الدال - بمعنى الطهر ، وأصله القَدَس - بفتح القاف والدال - وهو الإناء الذى يكون فيه ما يتطهر به ، ومنه القادوس وهو إناء معروف .
( العزيز ) الذى لا يغلبه غالب ( الحكيم ) فى كل أقواله وأفعاله وتصرفاته .
هذا ، ومن الآيات الكثيرة الدالة على أن جميع من فى السموات ومن فى الأرض ، يسبحون لله - تعالى - قوله - عز وجل - : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً . . ).
تفسير سورة الجمعة وهي مدنية .
عن ابن عباس ، وأبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين . رواه مسلم في صحيحه .
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض ، أي : من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها ، كما قال : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ]
ثم قال : ( الملك القدوس ) أي : هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه ، وهو ( القدوس ) أي : المنزه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال ( العزيز الحكيم ) تقدم تفسيره غير مرة .
يقول تعالى ذكره: يسبح لله كلّ ما في السموات السبع، وكل ما في الأرضين من خلقه، ويعظمه طوعًا وكرهًا، (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ) الذي له ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما، النافذ أمره في السموات والأرض وما فيهما، القدوس: وهو الطاهر من كلّ ما يضيف إليه المشركون به، ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك (الْعَزِيزِ ) يعني الشديد في انتقامه من أعدائه (الْحَكِيم ) في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الجمعة: 1 | ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ |
---|
التغابن: 1 | ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الملك:
1- بالجر، هو وما بعده، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، على إضمار «هو» ، وهى قراءة أبى وائل، ومسلمة بن محارب، ورؤبة، وأبى الدينار الأعرابى.
القدوس:
1- بضم القاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة أبى الدينار، وزيد بن على.
التفسير :
المراد بالأميين:الذين لا كتاب عندهم، ولا أثر رسالة من العرب وغيرهم، ممن ليسوا من أهل الكتاب، فامتن الله تعالى عليهم، منة عظيمة، أعظم من منته على غيرهم، لأنهم عادمون للعلم والخير، وكانوا في ضلال مبين، يتعبدون للأشجار والأصنام والأحجار، ويتخلقون بأخلاق السباع الضارية، يأكل قويهم ضعيفهم، وقد كانوا في غاية الجهل بعلوم الأنبياء، فبعث الله فيهم رسولاً منهم، يعرفون نسبه، وأوصافه الجميلة وصدقه، وأنزل عليه كتابه{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} القاطعة الموجبة للإيمان واليقين،{ وَيُزَكِّيهِمْ} بأن يحثهم على الأخلاق الفاضلة، ويفصلها لهم، ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة،{ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} أي:علم القرآنوعلم السنة، المشتمل ذلك علوم الأولين والآخرين، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين، وأكمل الخلق أخلاقًا، وأحسنهم هديًا وسمتًا، اهتدوا بأنفسهم، وهدوا غيرهم، فصاروا أئمة المهتدين، وهداة المؤمنين،فلله عليهم ببعثه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، أكمل نعمة، وأجل منحة
ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على خلقه، فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ....
وقوله: الْأُمِّيِّينَ جمع أمى، وهو صفة لموصوف محذوف. أى: في الناس أو في القوم الأميين، والمراد بهم العرب، لأن معظمهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة.
وسمى من لا يعرف القراءة والكتابة بالأمى، لغلبة الأمية عليه، حتى لكأن حاله بعد تقدمه في السن، كحاله يوم ولدته أمه في عدم معرفته للقراءة والكتابة.
و «من» في قوله- تعالى-: مِنْهُمْ للتبعيض، باعتبار أنه واحد منهم، ويشاركهم في بعض صفاتهم وهي الأمية.
وقوله: يَتْلُوا ... من التلاوة، وهي القراءة المتتابعة المرتلة، التي يكون بعضها تلو بعض.
وقوله: وَيُزَكِّيهِمْ من التزكية بمعنى التطهير والتنقية من السوء والقبائح.
والمراد بالكتاب: القرآن، والمراد بتعليمه: بيان معانيه وحقائقه، وشرح أحكامه وأوامره ونواهيه..
والمراد بالحكمة: العلم النافع، المصحوب بالعمل الصالح، وفي وضعها إلى جانب الكتاب إشارة إلى أن المقصود بها السنة النبوية المطهرة، إذ بالكتاب وبالسنة، يعرف الناس أصلح الأقوال والأفعال، وأعدل الأحكام وأقوم الآداب، وأسمى الفضائل..
أى: هو- سبحانه- وحده، الذي بَعَثَ بفضله وكرمه، فِي العرب الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا كريما عظيما، كائنا مِنْهُمْ أى: من جنسهم يعرفون حسبه ونسبه وخلقه.. هذا الرسول الكريم أرسلناه إليهم، ليقرأ عليهم آيات الله- تعالى- التي أنزلها عليه لهدايتهم وسعادتهم، متى آمنوا بها، وعملوا بما اشتملت عليه من توجيهات سامية..
وأرسلناه إليهم- أيضا- ليزكيهم، أى: وليطهرهم من الكفر والقبائح والمنكرات وليعلمهم الكتاب، بأن يحفظهم إياه، ويشرح لهم أحكامه، ويفسر لهم ما خفى عليهم من ألفاظه ومعانيه.
وليعلمهم- أيضا- الحكمة. أى: العلم النافع المصحوب بالعمل الطيب وصدر- سبحانه- الآية الكريمة بضمير اسم الجلالة، لتربية المهابة في النفوس، ولتقوية ما اشتملت عليه من نعم وأحكام، إذ هو- سبحانه- وحده الذي فعل ذلك لا غيره.
وعبر- سبحانه- بفي المفيدة للظرفية في قوله- تعالى-: فِي الْأُمِّيِّينَ. للإشعار بأن هذا الرسول الكريم الذي أرسله إليهم، كان مقيما فيهم، وملازما لهم، وحريصا على أن يبلغهم رسالة الله- تعالى- في كل الأوقات والأزمان.
والتعبير بقوله: مِنْهُمْ فيه ما فيه من دعوتهم إلى الإيمان به، لأن هذا الرسول الكريم، ليس غريبا عنهم، بل هو واحد منهم شرفهم من شرفه، وفضلهم من فضله..
وهذه الآية الكريمة صريحة في أن الله- تعالى- قد استجاب دعوة نبيه إبراهيم- عليه السلام- عند ما دعاه بقوله: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.. .
وقد جاء ترتيب هذه الآية الكريمة وأمثالها في أسمى درجات البلاغة والحكمة، لأن أول مراحل تبليغ الرسالة، يكون بتلاوة القرآن، ثم ثنى- سبحانه- بتزكيه النفوس من الأرجاس، ثم ثلث بتعليم الكتاب والحكمة لأنهما يكونان بعد التبليغ والتزكية للنفوس.
ولذا قالوا: إن تعليم الكتاب غير تلاوته، لأن تلاوته معناها، قراءته قراءة مرتلة، أما تعليمه فمعناه: بيان أحكامه، وشرح ما خفى من ألفاظه وأحكامه..
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، قد اشتملت على جملة من الصفات الجليلة التي منحها- سبحانه- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حال الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم فقال: وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وهذه الجملة الكريمة في موضع الحال من قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ ... و «إن» في قوله وَإِنْ كانُوا ... مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف..
أى: هو- سبحانه- بفضله وكرمه، الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وحالهم أنهم كانوا قبل إرسال هذا الرسول الكريم فيهم، في ضلال واضح لا يخفى أمره على عاقل، ولا يلتبس قبحه على ذي ذوق سليم. وحقا لقد كان الناس قبل أن يبزغ نور الإسلام، الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه، في ضلال واضح، وظلام دامس، من حيث العقائد والعبادات، والأخلاق والمعاملات..
فكان من رحمة الله- تعالى- بهم، أن أرسل فيهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لكي يخرجهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان، إلى نور الهداية والاستقامة والإيمان.
وقوله تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) الأميون هم : العرب كما قال تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 314 ] وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وآكد ، كما في قوله : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) [ الزخرف : 44 ] وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به . وكذا قوله : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] وقوله : ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] وقوله إخبارا عن القرآن : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم ، وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام ، بالآيات والأحاديث الصحيحة ، ولله الحمد والمنة .
وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة . فبعثه الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة ، على حين فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وقد اشتدت الحاجة إليه ، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب - أي : نزرا يسيرا - ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام ; ولهذا قال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) وذلك أن العرب كانوا قديما متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام فبدلوه وغيروه ، وقلبوه وخالفوه ، واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكا ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها ، فبعث الله محمدا صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق ، فيه هدايتهم ، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم ، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ، ورضا الله عنهم ، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله . حاكم ، فاصل لجميع الشبهات والشكوك ، والريب في الأصول والفروع . وجمع له تعالى ، وله الحمد والمنة جميع المحاسن ممن كان قبله ، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين ، ولا يعطيه أحدا من الآخرين ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
يقول تعالى ذكره: الله الذي بعث في الأميين رسولا منهم، فقوله هو كناية من اسم الله، والأميون: هم العرب. وقد بيَّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأميّ أميّ.
وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث ، عن مجاهد، قال: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال: العرب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) : العرب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمِّيَّة، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدًا رحمة وهُدى يهديهم به.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر، عن قتادة ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال: كانت هذه الأمة أمِّيَّة لا يقرءون كتابًا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ ) قال: إنما سميت أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الأميين ، لأنه لم ينـزل عليهم كتابًا؛ وقال جلّ ثناؤه ( رَسُولا مِنْهُمْ ) يعني من الأميين وإنما قال منهم، لأن محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان أمِّيًّا، وظهر من العرب.
وقوله: ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) يقول جلّ ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنـزلها عليه ( وَيُزَكِّيهِمْ ) يقول: ويطهرهم من دنس الكفر.
وقوله: ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ) يقول: ويعلمهم كتاب الله، وما فيه من أمر الله ونهيه، وشرائع دينه ( وَالْحِكْمَةَ ) يعني بالحكمة: السنن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أي السنة.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قال: ( وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أيضًا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأوّلين، وقرأ قول الله عزّ وجلّ: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة، قال: وقد جعل الله فيهم سابقين، وقرأ قول الله عز وجلّ: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ وقال: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ فثلة من الأوّلين سابقون، وقليل السابقون من الآخرين، وقرأ: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ حتى بلغ ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ أيضا، قال: والسابقون من الأوّلين أكثر، وهم من الآخرين قليل، وقرأ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ الآية، قال: هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
وقوله: ( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولا منهم في جَوْر عن قصد السبيل، وأخذ على غير هدى مُبِينٌ ، يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وجَوْر عن الحقّ وطريق الرشد.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 129 | ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ |
---|
البقرة: 151 | ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 164 | ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ |
---|
الجمعة: 2 | ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} أي:وامتن على آخرين من غيرهم أي:من غير الأميين، ممن يأتي بعدهم، ومن أهل الكتاب، لما يلحقوا بهم، أي:فيمن باشردعوة الرسول، ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل، ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان، وعلى كل، فكلا المعنيين صحيح.
ثم بين- سبحانه- أن رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون نفعها مقصورا على المعاصرين له والذين شاهدوه ... بل سيعم نفعها من سيجيئون من بعدهم، فقال- تعالى-:
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ....
وقوله: وَآخَرِينَ جمع آخر بمعنى الغير، والجملة معطوفة على قوله قبل ذلك فِي الْأُمِّيِّينَ ... فيكون المعنى:
هو- سبحانه- الذي بعث في الأميين رسولا منهم، كما بعثه في آخرين منهم.
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أى: لم يجيئوا بعد، وهم كل من يأتى بعد الصحابة من أهل الإسلام إلى يوم القيامة، بدليل قوله- تعالى-: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ....
أى: وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به جميع من بلغه هذا الكتاب، ووصلت إليه دعوته من العرب وغيرهم إلى يوم القيامة ...
وفي الحديث الشريف: «بلغوا عن الله- تعالى- فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله» .
وعن محمد بن كعب قال: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ....
ويصح أن يكون قوله: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ... معطوف على الضمير المنصوب في قوله: وَيُعَلِّمُهُمُ ... فيكون المعنى:
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويعلم آخرين منهم لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أى: لم يجيئوا بعد وسيجيئون ... وهم كل من آمن بالرسول من بعد الصحابة إلى يوم القيامة.
قال صاحب الكشاف: وقوله: وَآخَرِينَ مجرور عطف على الأميين يعنى: أنه بعثه في الأميين الذين على عهده، وفي آخرين من الأميين الذين لم يلحقوا بهم بعد، وسيلحقون بهم، وهم الذين بعد الصحابة.
وقيل: لما نزلت قيل: من هم يا رسول الله، فوضع يده على سلمان ثم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من هؤلاء» .
وقيل: هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم القيامة.
ويجوز أن ينتصب عطفا على المنصوب في وَيُعَلِّمُهُمُ أى يعلمهم ويعلم آخرين، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندا إلى أوله، فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه...
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تشير إلى أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ستبلغ غير المعاصرين له صلى الله عليه وسلم وأنهم سيتبعونها، ويؤمنون بها، ويدافعون عنها..
وهذا ما أيده الواقع، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا من العرب ومن غير العرب، ومن أهل المشارق والمغارب..
فالآية الكريمة تخبر عن معجزة من معجزات القرآن الكريم، ألا وهي الإخبار عن أمور مستقبلة أيدها الواقع المشاهد.
وقوله- تعالى-: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تذييل المقصود به بيان أن قدرته- تعالى- لا يعجزها شيء، وأن حكمته هي أسمى الحكم وأسداها.
أى: وهو- سبحانه- العزيز الذي لا يغلب قدرته شيء، الحكيم فيما يريده ويقدره ويوجده.
وقوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله .
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال - أو : رجل - من هؤلاء " .
ورواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير من طرق عن ثور بن زيد الديلي ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة به
ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ، وعلى عموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس ; لأنه فسر قوله : ( وآخرين منهم ) بفارس ولهذا كتب كتبه إلى فارس ، والروم ، وغيرهم من الأمم ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، وإلى اتباع ما جاء به ; ولهذا قال مجاهد وغير واحد في قوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : هم الأعاجم ، وكل من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير العرب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) يعني : بقية من بقي من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله : ( وهو العزيز الحكيم ) أي : ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره .
يقول تعالى ذكره: وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم، فآخرون في موضع خفض عطفًا على الأميين.
وقد اختلف في الذين عُنوا بقوله: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ) ، فقال بعضهم: عُنِي بذلك العجم.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: هم الأعاجم.
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن طلحة، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: هم الأعاجم.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس ، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: الأعاجم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: الأعاجم.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: العجم.
حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن معين، قال : ثنا هشام بن يوسف، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص ، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عمر، أنه قال له: أما إن سورة الجمعة أنـزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب، ثم قرأ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ... حتى بلغ ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: فأنتم هم.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: الأعاجم.
حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا عبد العزيز؛ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال، جميعًا عن ثور بن زيد، عن أَبي الغيث، عن أَبي هريرة، قال: " كنا جلوسًا عند النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فنـزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله ؟ قال: فلم يراجعه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى سأله مرّة أو مرتين أو ثلاثًا، قال: وفينا سلمان الفارسيّ، فوضع النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يده على سلمان فقال: " لَوْ كاَنَ الإيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاءِ".
حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: ثنا سليمان بن بلال المدنيّ، عن ثور بن زيد، عن سالم أََبي الغيث، عن أَبي هريرة، قال: وكنا جلوسًا عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فذكر نحوه.
وقال آخرون: إنما عُنِي بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كائنًا من كان إلى يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال: هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى يوم القيامة، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في إسلامهم من أيّ الأجناس؛ لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) كلَّ لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعًا دون نوع، فكلّ لاحق بهم فهو من الآخرين الذين لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتلو عليهم آيات الله
وقوله: ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يقول: لم يجيئوا بعد وسيجيئون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يقول: لم يأتوا بعد.
وقوله: ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول: والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم، الحكيم في تدبيره خلقه.
وقوله: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب، وفي آخرين رسولا منهم يتلو عليهم آياته، ويفعل سائر ما وصف، فضل الله، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم، يؤتيه من يشاء، يقول: يؤتي فضلَه ذلك من يشاء من خلقه، لا يستحقّ الذمّ ممن حرمه الله إياه، لأنه لم يمنعه حقًا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره، ولكنه على مَنْ هُو له أهل، فأودعه إياه، وجعله عنده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فإن الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته، حصل لهم من الخصائص والفضائل ما لا يمكن أحدًا أن يلحقهم فيها، وهذا من عزته وحكمته، حيث لم يترك عباده هملاً ولا سدى، بل ابتعث فيهم الرسل، وأمرهم ونهاهم، وذلك من فضل الله العظيم، الذي يؤتيه من يشاء من عباده، وهو أفضل من نعمته عليهم بعافية البدن وسعة الرزق، وغير ذلك، من النعم الدنيوية، فلا أعظم من نعمة الدين التي هي مادة الفوز، والسعادة الأبدية.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ... يعود إلى ما تقدم ذكره من كرمه- تعالى- على عباده، حيث اختص رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الجامعة لكل خير وبركة، وحيث وفق من وفق من الأميين وغيرهم، إلى اتباع هذا الرسول الكريم..
أى: ذلك البعث منا لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لكي يهدى الناس بإذننا إلى الصراط المستقيم، هو فضلنا الذي نؤتيه ونخصه لمن نشاء اختصاصه به من عبادنا..
وَاللَّهُ- تعالى-: هو ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي لا يقاربه فضل، ولا يدانيه كرم.
كما قال- سبحانه-: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
ثم انتقلت السورة الكريمة- بعد هذا البيان- لفضل الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى من أرسله لهدايتهم، إلى الحديث عن جانب من رذائل اليهود. وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم وأن يرد على أكاذيبهم.. فقال- تعالى-:
وقوله : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) يعني : ما أعطاه الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - من النبوة العظيمة ، وما خص به أمته من بعثته - صلى الله عليه وسلم - إليهم .
حدثنا ابن سنان القزاز، قال : ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) قال: الفضل: الدين ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) يقول: والله ذو الفضل على عباده، المحسن منهم والمسيء، والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم، العظيم الذي يقلّ فضل كل ذي فضل عنده.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 54 | ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ |
---|
الحديد: 21 | ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ |
---|
الجمعة: 4 | ﴿ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين، حتى أهل الكتاب، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلموها، ويعملوا بما فيها، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهودالذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به، والإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم.
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به.
{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي:لا يرشدهم إلى مصالحهم، ما دام الظلم لهم وصفًا، والعناد لهم نعتًا ومن ظلم اليهود وعنادهم، أنهم يعلمون أنهم على باطل، ويزعمون أنهم على حق، وأنهم أولياء الله من دون الناس.
والمراد بالمثل في قوله- تعالى-: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ... الصفة والحال ...
والمراد بالذين حملوا التوراة: اليهود الذين كلفهم الله- تعالى- بالعمل بما اشتملت عليه التوراة من هدايات وأحكام وآداب ... ولكنهم نبذوها وتركوا العمل بها..
والأسفار: جمع سفر، وهو الكتاب الكبير المشتمل على ألوان من العلم النافع، وسمى بذلك لأنه يسفر ويكشف عما فيه من المعاني المفيدة للمطلع عليها.
والمعنى: حال هؤلاء اليهود الذين أنزل الله- تعالى- عليهم التوراة لهدايتهم.. ولكنهم لم ينتفعوا بها.. كحال الحمار الذي يحمل كتب العلم النافع، ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا، لأنه لا يفقه شيئا مما يحمله..
ففي هذا المثل شبه الله- تعالى- اليهود الذين لم ينتفعوا بالتوراة التي فيها الهداية والنور، بحال الحمار الذين يحمل كتب العلوم النافعة دون أن يستفيد بها.
ووجه الشبه بين الاثنين: هو عدم الانتفاع بما من شأنه أن ينتفع به انتفاعا عظيما، لسمو قيمته، وجلال منزلته.
قال صاحب الكشاف: شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها، ثم إنهم غير عاملين بها، ولا بمنتفعين بآياتها ... بالحمار، حمل أسفارا، أى: كتبا كبارا من كتب العلم، فهو يمشى بها، ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وبئس المثل...
وقال الإمام ابن كثير: يقول- تعالى- ذامّا لليهود الذين أعطوا التوراة فلم يعملوا بها، إن مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.. فهو يحملها حملا حسيا ولا يدرى ما عليه، وكذلك هؤلاء. لم يعملوا بمقتضى ما في التوراة بل أولوه وحرفوه، فهم أسوأ من الحمار، لأن الحمار لا فهم له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، ولهذا قال- تعالى-: في آية أخرى:
أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ...
وقال القرطبي: وفي هذا المثل تنبيه من الله- تعالى- لمن حمل الكتاب، أن يتعلم معانيه، ويعمل بما فيه، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء اليهود، قال الشاعر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم ... بجيّدها، إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدرى البعير إذا غدا ... بأوساقه، أو راح ما في الغرائر
وعبر- سبحانه- عن تكليفهم العمل بالتوراة وعن تركهم لذلك بقوله: حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها للإشعار بأن هذا التكليف منه- تعالى- لهم، كان عهدا مؤكدا عليهم، حتى لكأنهم تحملوه كما يتحمل الإنسان شيئا قد وضع فوق ظهره أو كتفيه. ولكنهم نبذوا هذا العهد، وألقوا بما فوق أكتافهم من أحمال، وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم انقياد الأعمى لقائده..
ولفظ «ثم» في قوله ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها للتراخي النسبي، لأن عدم وفائهم بما عهد إليهم، أشد عجبا من تحملهم لهذه العهود.
وشبههم، بالحمار الذي هو مثل في البلادة والغباء، لزيادة التشنيع عليهم، والتقبيح لحالهم، حيث زهدوا وأعرضوا عن الانتفاع بأثمن شيء نافع، - وهو كتاب الله- كما هو شأن الحمار الذي لا يفرق فيما يحمله على ظهره بين الشيء النافع والشيء الضار.
وجملة «يحمل أسفارا» في موضع الحال من الحمار، أو في موضع جر على أنها صفة للحمار، باعتبار أن المقصود به الجنس، فهو معرفة لفظا، نكرة معنى.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: «يحمل» ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال، أو الجر على الوصف، لأن لفظ الحمار هنا، كلفظ اللئيم في قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني...
ثم أضاف- سبحانه- إلى ذم هؤلاء اليهود ذما آخر فقال: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ....
وبِئْسَ فعل ذم، وفاعله ما بعده وهو قوله: مَثَلُ الْقَوْمِ وقد أغنى هذا الفاعل عن ذكر المخصوص بالذم، لحصول العلم بأن المذموم هو حال هؤلاء القوم الذين وصفهم- سبحانه- بأنهم قد كذبوا بآياته.
أى: بئس المثل مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله- تعالى- الدالة على وحدانيته وقدرته، وعلى صدق أنبيائه فيما يبلغونه عنه- تعالى-.
وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تذييل قصد به بيان الأسباب التي أدت إلى عدم توفيق الله- تعالى- لهم إلى الهداية.
أى: والله- تعالى- قد اقتضت حكمته، أن لا يهدى إلى طريق الخير، من ظلم نفسه، بأن آثر الغي على الرشد، والعمى على الهدى، والشقاوة على السعادة، لسوء استعداده، وانطماس بصيرته.
يقول تعالى ذاما لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، فلم يعملوا بها ، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، أي : كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه . وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه ، بل أولوه وحرفوه وبدلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ; لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ; ولهذا قال في الآية الأخرى : ( أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) [ الأعراف : 179 ] وقال ها هنا : ( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين )
وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نمير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له " أنصت " ، ليس له جمعة "
يقول تعالى ذكره: مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فحملوا العمل بها(ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) يقول: ثم لم يعملوا بما فيها، وكذّبوا بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبًا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارًا فيها علم، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قال: يحمل كتبًا لا يدري ما فيها، ولا يعقلها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قال: يحمل كتابًا لا يدري ماذا عليه، ولا ماذا فيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قال: كمثل الحمار الذي يحمل كتبًا، لا يدري ما على ظهره.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) كتبًا، والكتاب بالنبطية يسمى سفرًا؛ ضرب الله هذا مثلا للذين أعطوا التوراة ثم كفروا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال : ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) والأسفار: الكتب ، فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل، لا يدري ما فيه، ثم قال: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) ... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قال: الأسفارُ: التوراة التي يحملها الحمار على ظهره، كما تحمل المصاحف على الدواب، كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه، قال: فلا ينتفع الحمارُ بها حين يحملها على ظهره، كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعملوا بها وقد أوتوها، كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس في قوله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) يقول: كتبًا. والأسفار: جمع سفر، وهي الكتب العظام.
وقوله: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) يقول: بئس هذا المثل، مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، يعني بأدلته وحججه (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) يقول تعالى ذكره: والله لا يوفِّق القوم الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بآيات ربهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
حملوا:
1- مشددا، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مخففا، مبنيا للفاعل، وهى قراءة يحيى بن يعمر، وزيد بن على.
الحمار:
1- معرفا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- حمار، منكرا، وهى قراءة عبد الله.
يحمل:
1- مخففا، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بشد الميم، مبنيا للمفعول، وهى قراءة المأمون بن هارون.
التفسير :
أمر الله رسوله، أن يقول لهم:إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم على الحق، وأولياء الله:{ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} وهذا أمر خفيف، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلاً على صدقهم إن تمنوه، وكذبهمإن لم يتمنوه ولما لم يقع منهم مع الإعلان لهم بذلك، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده
ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحدى اليهود، وأن يرد على مزاعمهم ردا يخرس ألسنتهم، ويكشف عن أكاذيبهم.. فقال- سبحانه-: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قال الآلوسى: وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك، إظهارا لكذبهم، فإنهم كانوا يقولون:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ويدعون أن الآخرة خالصة لهم عند الله.
وروى أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب يهود المدينة إلى يهود خيبر: إن اتبعتم محمدا أطعناه، وإن خالفتموه خالفناه. فقالوا- أى: يهود خيبر-: «نحن أبناء خليل الرحمن، ومنا عزير ابن الله، ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب؟ نحن أحق بها من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت هذه الآيات.. .
والمقصود بالذين هادوا، أى: الذين ادعو أنهم على الديانة اليهودية، يقال: هاد فلان وتهوّد. إذا دخل في اليهودية، نسبة إلى يهوذا أحد أبناء يعقوب- عليه السلام-، أو سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل، من هاد يهود هودا بمعنى تاب، ومنه قوله- تعالى-:
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ... أى: تبنا إليك.
ومعنى، أولياء الله ... مقربين منه، كرماء عليه، لهم منزلة خاصة عنده- تعالى- وقوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ... جواب الشرط، والتمني معناه: ارتياح النفس، ورغبتها القوية في الحصول على الشيء.
ويستعمل التمني في المعنى القائم بالقلب، بأن تتطلع نفس الشخص إلى الحصول على الشيء. كما يستعمل عن طريق النطق باللسان، بأن يقول الإنسان بلسانه، ليتني أحصل على كذا.
وهذا المعنى الثاني هو المراد هنا، لأن المعنى الكائن في القلب لا يعلمه أحد سوى الله- تعالى-.
ومعنى الآية الكريمة: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الزاعمين. أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم أولياء الله- تعالى- المقربون إليه من دون سائر خلقه ...
قل لهم على سبيل التحدي والتعجيز والتبكيت- إن كان الأمر كما زعمتم، فاذكروا أمام الناس بألسنتكم لفظا، يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه، لكي تظفروا بعد الموت بالمحبة الكاملة من الله، ولكي تنتقلوا من شقاء الدنيا ومتاعبها إلى النعيم الخالص بعد موتكم.
وجواب الشرط في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه.
أى: إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت.
وافتتحت الآية الكريمة بلفظ قُلْ للاهتمام بشأن التحدي من الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ولبيان أنه أمر من الله- تعالى- وليس للرسول صلى الله عليه وسلم سوى التنفيذ.
وجيء بإن الشرطية المفيدة للشك، مع أنهم قد زعموا أنهم أولياء لله فعلا، للإشعار بأن زعمهم هذا وإن كانوا قد كرروا النطق والتباهي به.. إلا أنه بمنزلة الشيء الذي تلوكه الألسنة، دون أن يكون له أساس من الواقع، فهو لوضوح بطلانه صار بمنزلة الشيء الذي يفترض وقوعه افتراضا على سبيل التوبيخ لهم.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أى: تهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ أى: أحباء لله، ولم يضف- سبحانه- لفظ أولياء إليه، كما في قوله:
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... ليؤذن بالفرق بين مدعى الولاية، ومن يخصه- تعالى- بها.
وقوله: مِنْ دُونِ النَّاسِ ... حال من الضمير الراجع إلى اسم إِنْ أى:
متجاوزين عن الناس.
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أى: فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يخلص إليها من هذه الدنيا التي هي دار كدر وتعب.. .
ثم قال تعالى : ( قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) أي : إن كنتم تزعمون أنكم على هدى ، وأن محمدا وأصحابه على ضلالة ، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ( إن كنتم صادقين ) فيما تزعمونه .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لليهود ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ ) سواكم ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) في قيلكم، إنكم أولياء لله من دون الناس، فإن الله لا يعذّب أولياءه، بل يكرمهم وينعمهم، وإن كنتم محقين فيما تقولون فتمنوا الموت لتستريحوا من كرب الدنيا وهمومها وغمومها، وتصيروا إلى روح الجنان ونعيمها بالموت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا ) قل يا أيها الذين تابوا: لليهود، قال موسى: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ إنا تبنا إليك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 94 | ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّـهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
الجمعة: 6 | ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّـهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فتمنوا:
1- بضم الواو، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وابن السميفع.
3- بفتحها، ورويت عن ابن السميفع أيضا.
التفسير :
{ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي من الذنوب والمعاصي، التي يستوحشون من الموت من أجلها،{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فلا يمكن أن يخفى عليه من ظلمهم شيء
ثم أخبر- سبحانه- عن واقعهم وعن حالتهم المستقبلة فقال: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
أى: أن هؤلاء اليهود لا يتمنى أحدهم الموت أبدا. بسبب ما قدمته أيديهم من آثام، والله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم وظلمهم بل هو- سبحانه- يسجل ذلك عليهم، ويجازيهم بما يستحقونه من عقاب..
فالآية الكريمة خبر من الله- تعالى- عن اليهود بأنهم يكرهون الموت، ولا يتمنونه، ولا يستطيعون قبول ما تحداهم به صلى الله عليه وسلم من طلبهم تمنى الموت، لعلمهم بأنهم لو أجابوه إلى طلبه، لحل بهم الموت الذي يكرهونه.
وقد صح من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه..
وقال ابن جرير: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار..» .
وقال ابن كثير: وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قال أبو جهل- لعنه الله-:
إن رأيت محمدا عند الكعبة، لآتينه حتى أطأ عنقه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا .
وقال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً أى: بسبب ما قدموا من الكفر، وقد قال لهم صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه» فلولا أنهم كانوا موقنين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمنوا، ولكنهم علموا أنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم ولحقهم الوعيد فما تمالك أحد منهم أن يتمنى، وهي إحدى المعجزات- لأنها إخبار بالغيب وكانت كما أخبر-.
فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا الموت؟ قلت: لو تمنوا لنقل ذلك عنهم، كما نقلت سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام، أكثر من الذر، وليس أحد منهم نقل عنه ذلك ... .
هذا، ويكفى في تحقيق هذه المعجزة، ألا يصدر تمنى الموت عن اليهود الذين تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته.. ولا يقدح في هذه المعجزة، أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمني الموت، وهو حريص على الحياة، لأن المعنيين بالتحدي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي.
والمقصود بقوله- تعالى-: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ التهديد والوعيد. أى: والله- تعالى- عليم علما تاما بأحوال هؤلاء الظالمين، وسيعاقبهم العقاب الذي يتناسب مع ظلمهم وبغيهم. فالمراد من العلم لازمه، وهو الجزاء والحساب..
وعبر- سبحانه- هنا بقوله: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ ... وفي سورة البقرة بقوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ....
للإشعار بأنهم يكرهون الموت في الحال وفي المستقبل كراهة شديدة.
قال الله تعالى : ( ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ) أي : بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور ، ( والله عليم بالظالمين ) وقد قدمنا في سورة " البقرة " الكلام على هذه المباهلة لليهود حيث قال تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) [ البقرة : 94 - 96 ] وقد أسلفنا الكلام هناك وبينا أن المراد أن يدعوا على الضال من أنفسهم أو خصومهم ، كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) [ آل عمران : 61 ] ومباهلة المشركين في سورة مريم : ( قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ) [ مريم : 75 ]
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل لعنه الله : إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار . ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا .
رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم به قال البخاري : " وتبعه عمرو بن خالد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم " . ورواه النسائي أيضا عن عبد الرحمن بن عبد الله الحلبي ، عن عبيد الله بن عمرو الرقي به أتم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ) يقول: ولا يتمنى اليهود الموت أبدًا(بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) يعني: بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الآثام، واجترحوا من السيئات (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) يقول: والله ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه، فأوبقها بكفره بالله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 95 | ﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
الجمعة: 7 | ﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم، و يفرونمنه [غاية الفرار]، فإن ذلك لا ينجيهم، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم.
ثم بعد الموت واستكمال الآجال، يرد الخلق كلهم يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون، من خير وشر، قليل وكثير.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم بأنهم لا مفر لهم من الموت، مهما حرصوا على الهروب منه. فقال- تعالى-: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ....
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء اليهود الذين يكرهون الموت، ويزعمون أنهم أحباب الله؟ ..
قل لهم على سبيل التوبيخ والتبكيت: إن الموت الذي تكرهونه، وتحرصون على الفرار منه، لا مهرب لكم منه، ولا محيص لكم عنه، فهو نازل بكم إن عاجلا أو آجلا كما قال- سبحانه- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ....
فالمقصود بهذه الآية الكريمة إخبارهم بأن هلعهم من الموت مهما اشتد لن يفيدهم شيئا، لأن الموت نازل بهم لا محالة ...
ثم بين- سبحانه- أنهم بعد الموت، سيجدون الجزاء العادل فقال: ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم-: إن الموت نازل بكم لا محالة. ثم بعد هلاككم سترجعون إلى الله- تعالى- الذي يعلم السر والعلانية، والجهر والخفاء، فيجازيكم على أعمالكم السيئة، بما تستحقونه من عقاب.
فالمراد بالإنباء عما كانوا يعملونه، الحساب على ذلك، والمجازاة عليه.
وشبيه بهذه الآيات قوله- تعالى- في سورة البقرة:
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ .
وبعد هذا التوبيخ والتحدي لليهود الذين زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس.. وجه- سبحانه- للمؤمنين نداء أمرهم فيه بالمسارعة إلى أداء فرائضه ونهاهم عن أن تشغلهم دنياهم عن ذكره وطاعته، فقال- تعالى-:
وقوله تعالى : ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) كقوله تعالى في سورة النساء : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) [ النساء : 78 ]
وفي معجم الطبراني من حديث معاذ محمد بن محمد الهذلي ، عن يونس ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعا : " مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره ، فقالت له الأرض : يا ثعلب ديني . فخرج له حصاص ، فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ، فمات " .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (قُلْ ) يا محمد لليهود (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ) فتكرهونه، وتأبون أن تتمنوه (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) ونازل بكم (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) ثم يردّكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة، عالم غيب السموات والأرض؛ والشهادة: يعني وما شهد فظهر لرأي العين، ولم يغب عن أبصار الناظرين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) فقال: إن الله أذّل ابن آدم بالموت، لا أعلمه إلا رفعه (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول: فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الأعمال، سيئها وحسنها، لأنه محيط بجميعها، ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه، والمسيء بما هو أهله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 94 | ﴿وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
التوبة: 105 | ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَ سَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
الجمعة: 8 | ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فإنه:
1- بالفاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- إنه، بغير فاء، على الاستئناف، وهى قراءة زيد بن على.