27355565758596061626364

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (56) الى الآية رقم (60) عدد الآيات (5)

بعدَ ذِكْرِ شُبُهاتِ المُشْركينَ، ذكرَ هنا افْترَاءاتِهم وخرافاتِهم: يجعلُونَ للأصنامِ نصيبًا من أموالِهم، وجعلُوا الملائكةَ بناتِ اللهِ، وإذا أُخبِرَ أحدُهم بميلادِ أنثى اسودَّ وجهُهُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (61) الى الآية رقم (64) عدد الآيات (4)

لمَّا حكى عن المُشْركينَ شُبُهاتِهم وافتراءاتِهم، بَيَّنَ هنا أنَّه يُمْهلُهم ولا يعاجلُهم بالعقوبةِ فضلاً وكرمًا، ثُمَّ بَيَّنَ أن تكذيبَ الرسلِ عادةُ الأممِ بسببِ تزْيِينِ الشيطانِ، وناسَبَ ذلك بيانُ مُهمَّةِ النَّبي ﷺ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة:: فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل:: انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «النحل».
  • • معنى الاسم :: النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية :: قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة :: أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة :: أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة :: أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

مدارسة الآية : [55] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ ..

التفسير :

[55] ليجحدوا نعمنا عليهم، ومنها كَشْفُ البلاء عنهم، فاستمتعوا بدنياكم، ومصيرُها إلى الزوال، فسوف تعلمون عاقبة كفركم وعصيانكم.

{ ِليَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي:أعطيناهم حيث نجيناهم من الشدة، وخلصناهم من المشقة،{ فَتَمَتَّعُوا} في دنياكم قليلا{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة كفركم.

واللام في قوله «ليكفروا بما آتيناهم..» يصح أن تكون للتعليل، وأن تكون هي التي تسمى بلام العاقبة أو الصيرورة.

قال الشوكانى: «واللام في «ليكفروا بما آتيناهم..» لام كي. أى: لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى لكأن هذا الكفر منهم الواقع في موقع الشكر الواجب عليهم، غرض لهم ومقصد من مقاصدهم. وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية.

وقيل: اللام للعاقبة: يعنى ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا الكفر..» .

وقوله- سبحانه-: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تهديد ووعيد لهم على جحودهم لنعم الله- تعالى- والجملة الكريمة معمولة لقول محذوف.

أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- اعملوا ما شئتم وانتفعوا من متاع الدنيا كما أردتم فسوف تعلمون سوء عاقبتكم يوم القيامة.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك جانبا من عقائدهم الباطلة، وأفعالهم القبيحة التي تمجها العقول السليمة، والأفكار القويمة، فقال- تعالى-:

ليكفروا بما آتيناهم )

قيل : " اللام " هاهنا لام العاقبة . وقيل : لام التعليل ، بمعنى : قيضنا لهم ذلك ليكفروا ، أي : يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم ، وأنه المسدي إليهم النعم ، الكاشف عنهم النقم .

ثم توعدهم قائلا ) فتمتعوا ) أي : اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا ( فسوف تعلمون ) أي : عاقبة ذلك .

( لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ) يقول: ليجحدوا الله نعمته فيما آتاهم من كشف الضرّ عنهم ( فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ، وهذا من الله وعيد لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، وتهديد لهم، يقول لهم جلّ ثناؤه: تمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم، وتبلغوا الميقات الذي وقته لحياتكم وتمتعكم فيها، فإنكم من ذلك ستصيرون إلى ربكم، فتعلمون بلقائه وبال ما كسبت أيديكم، وتعرفون سوء مغبة أمركم، وتندمون حين لا ينفعكم الندم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[55] ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قال بعضهم: «والله لو توعدني حارس درب لخفت منه؛ فكيف والمتوعد ههنا هو الذي يقول للشيء كن فيكون».
وقفة
[55] ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ينسبون نعمنا لغيرنا، قال مجاهد: «هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي»، وقال عون بن عبد الله: «يقولون: لولا فلان لم يكن كذا».
وقفة
[53-55] ﴿وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون* ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون* ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون﴾ سنة الله: ينعم ثم يبتلي ويختبر ثم ينعم استدراجًا؛ فلا نغتر بنعم الله.

الإعراب :

  • ﴿ لِيَكْفُرُوا:
  • أي فليجحدوا. اللام لام الأمر. يكفروا: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ بِما آتَيْناهُمْ:
  • الباء حرف جر. ما: اسم: موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. آتيناهم صلة الموصول لا محل لها. آتى: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أي بما آتيناهم من نعم أو من نعمة الكشف عنهم «وبما» متعلق بيكفروا.
  • ﴿ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ:
  • القول فيه وعيد: الفاء: استئنافية.تمتعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الفاء: استئنافية.سوف حرف تسويف-استقبال-.تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي فسوف تعلمون ضلالكم أو تعلمون أنكم كنتم ضالين وحذف المفعول لأنه معلوم. '

المتشابهات :

النحل: 55﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
الروم: 34﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
العنكبوت: 66﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     وبعد بيان أن الكفار يشركون بالله بعد أن كشف عنهم الضُّرَّ؛ جاء هنا تهديدهم بسبب كفرهم وجحودهم لنعم الله، قال تعالى:
﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [56] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا ..

التفسير :

[56] ومِن قبيح أعمال المشركين أنهم يجعلون للأصنام التي اتخذوها آلهة -وهي لا تعلم شيئاً ولا تنفع ولا تضر- جزءاً من أموالهم التي رزقهم الله بها تقرباً إليها. تالله لتسألُنَّ يوم القيامة عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله.

يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب، وأنهم يجعلون لأصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر -نصيبا مما رزقهم الله وأنعم به عليهم، فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة، كما قال تعالى:{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ}

وقوله- سبحانه-: وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ.... معطوف على ما سبقه بحسب المعنى، لتسجيل رذائلهم، وتعداد جناياتهم.

وضمير الجمع في قوله «لما لا يعلمون» يصح أن يعود إلى الكفار، كالذي قبله في «ويجعلون» .

فيكون المعنى: إن هؤلاء المشركين يفعلون ما يفعلون من إشراكهم بالله- تعالى- ومن التضرع إليه عند الضر ونسيانه عند الرخاء.. ولا يكتفون بذلك، بل ويجعلون للأصنام التي لا يعلمون منها ضرا ولا نفعا، نصيبا مما رزقناهم من الحرث والأنعام وغيرهما.

ويصح أن يعود ضمير الجمع في قوله «لما لا يعلمون» للأصنام، فيكون المعنى: ويجعلون للأصنام التي لا تعلم شيئا لأنها جماد لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر.. يجعلون لها نصيبا مما رزقناهم.

قال الآلوسى: قوله: لِما لا يَعْلَمُونَ أى لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها وأنها لا تضر ولا تنفع، على أن «ما» موصولة، والعائد محذوف وضمير الجمع للكفار، أو لآلهتهم التي لا علم لها بشيء لأنها جماد. على أن «ما» موصوله- أيضا- عبارة عن الآلهة، وضمير «يعلمون» عائد عليها ومفعول «يعلمون» متروك لقصد العموم، وصيغة جمع العقلاء لوصفهم الآلهة بصفاتهم..» .

وقال- سبحانه- «نصيبا» بالتنكير، للايماء بأنه نصيب كبير وضعوه في غير موضعه ووصفه بأنه مما رزقهم- سبحانه- لتهويل جهلهم وظلمهم، حيث تركوا التقرب إلى الرازق الحقيقي- جل وعلا-، وتقربوا بجانب كبير مما رزقهم به- سبحانه- إلى جمادات لا تغنى عنهم شيئا.

وما أجملته هذه الآية الكريمة عن جهالتهم، فصلته آيات أخرى منها قوله- تعالى- في سورة الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ .

وقوله- سبحانه- تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ تهديد ووعيد لهم على سوء أفعالهم. أى: أقسم بذاتى لتسألن- أيها المشركون- سؤال توبيخ وتأنيب في الآخرة، عما كنتم تفترونه من أكاذيب في الدنيا، ولأعاقبنكم العقاب الذي تستحقونه بسبب افترائكم وكفركم. وصدرت الجملة الكريمة بالقسم، لتأكيد الوعيد، ولبيان أن العقاب أمر محقق بالنسبة لهم وجاءت الجملة الكريمة بأسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، لأن توبيخ الحاضر أشد من توبيخ الغائب.

يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد ، وجعلوا لها نصيبا مما رزقهم الله فقالوا : ( هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله [ بغير علم ] وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) [ الأنعام : 136 ] أي : جعلوا لآلهتهم نصيبا مع الله وفضلوهم أيضا على جانبه ، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه ، وائتفكوه ، وليقابلنهم عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم ، فقال : ( تالله لتسألن عما كنتم تفترون )

يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون من عَبَدة الأوثان، لما لا يعلمون منه ضرا ولا نفعا نصيبا. يقول: حظا وجزاء مما رزقناهم من الأموال، إشراكا منهم له الذي يعلمون أنه خلقهم، وهو الذي ينفعهم ويضرّهم دون غيره.

كالذي حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) قال: يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرّهم ولا ينفعهم نصيبا مما رزقناهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) وهم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم نصيبا مما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) قال: جعلوا لآلهتهم التي ليس لها نصيب ولا شيء، جعلوا لها نصيبا مما قال الله من الحرث والأنعام، يسمون عليها أسماءها ويذبحون لها.

وقوله ( تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُون ) يقول تعالى ذكره: والله أيها المشركون الجاعلون الآلهة والأنداد نصيبا فيما رزقناكم شركا بالله وكفرا، ليسألنكم الله يوم القيامة عما كنتم في الدنيا تفترون، يعني: تختلقون من الباطل والإفك على الله بدعواكم له شريكا، وتصييركم لأوثانكم فيما رزقكم نصيبا، ثم ليعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نعمه وافترائكم عليه.

المعاني :

تَفْتَرُونَ :       تَخْتَلِقُونَ مِنَ الكَذِبِ السراج
تفترون :       تكذبونه على الله معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[56] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ ۗ تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ يجعلون لأصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر نصيبًا مما رزقهم الله، وأنعم به عليهم؛ فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة.
وقفة
[56] ﴿تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ المؤمنُ إذَا تَذَكَّرَ أنَّه مسئولٌ أمامَ اللهِ تعَالى فإنَّه يحذَرُ مِن قولِ السُّوءِ وعَمَلِه.
لمسة
[56] ﴿تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ التاء حرف قسم مثل الواو، وفي أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو، لكنها مختصَّة بلفظ الجلالة (الله)، وتستعمل للتعظيم، وقد وردت مرتين في سورة النحل: ﴿تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [٥٦]، ﴿تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ [٦٣]، أما الواو فتستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل: والفجر، والضحى، والشمس، وغيرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِما:
  • الواو: استئنافية. يجعلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. اللام: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها و «لما» متعلق بيجعلون.
  • ﴿ لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمّا:
  • أي لالهتهم التي لا تعلم شيئا لأنها جمادات لا تشعر. لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: تعرب اعراب «يجعلون». نصيبا: مفعول به منصوب بالفتحة. مما: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «نصيبا».وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن.وأصله: من ما فأدغمت النون بما فحصل التشديد.
  • ﴿ رَزَقْناهُمْ:
  • صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أي مما رزقناهم من النعم
  • ﴿ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا:
  • لتاء: حرف جر للقسم. الله لفظ‍ الجلالة: اسم مقسم به مجرور للتعظيم بتاء القسم وعلامة الجر الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل «أقسم» المحذوف. اللام واقعة بجواب القسم والجملة بعدها: جواب القسم لا محل لها. تسألن: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع نائب فاعل والنون لا محل لها. عما: تعرب اعراب «ممّا» وهي متعلقة بتسألون.
  • ﴿ كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ:
  • فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تفترون: تعرب إعراب «يجعلون» وجملة «تفترون» في محل نصب خبر «كان» بمعنى: عما كنتم تفترون من أنها آلهة حقيقية. أي تأفكون في زعمكم أنها أهل للتقرب. والجملة الفعلية كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. '

المتشابهات :

النحل: 56﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ ۗ تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ
النحل: 93﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     وبعد ذكرِ جرائم الكفار ومخازيهم، وآخرها دعاء الكفار ربهم في الشدة والإشراك به في الرخاء؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا نوعًا آخر من أنواع هذه الجرائم، وهو: تقديم نعم الله قرابين للأصنام التي لا تنفع ولا تضر، قال تعالى:
﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [57] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم ..

التفسير :

[57] ويجعل الكفار لله البناتِ، فيقولون:الملائكة بنات الله، تنزَّه الله عن قولهم، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون من البنين.

{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} حيث قالوا عن الملائكة العباد المقربين:إنهم بنات الله{ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} أي:لأنفسهم الذكور حتى إنهم يكرهون البنات كراهة شديدة

وقوله- سبحانه-: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة، وهو معطوف على ما قبله.

وسؤالهم يوم القيامة عما اجترحوه- مع أنه سؤال تقريع وتأنيب- إلا أنه يدل على عدل الله- تعالى- مع هؤلاء الظالمين، لأنه لم يعاقبهم إلا بعد أن سألهم، وبعد أن ثبت إجرامهم وفي ذلك ما فيه من تعليم العباد أن يكونوا منصفين في أحكامهم.

وهذه الآية الكريمة تحكى ما كان شائعا في بعض قبائل العرب، من أنهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله. قالوا: وكانت قبيلة خزاعة، وقبيلة كنانة تقولان بذلك في الجاهلية.

أى: أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بجعل نصيب مما رزقناهم لآلهتهم، بل أضافوا إلى ذلك رذيلة أخرى، وهي أنهم زعموا أن الملائكة بنات الله- تعالى-، وأشركوها معه في العبادة.

قوله «سبحانه» مصدر نائب عن الفعل، وهو منصوب على المفعولية المطلقة، وهو في محل جملة معترضة، وقعت جوابا عن مقالتهم السيئة، التي حكاها الله- تعالى- عنهم، وهي «ويجعلون لله البنات» .

أى: تنزه وتقدس الله- عز وجل- عن أن يكون له بنات أو بنين، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.

والمراد بما يشتهونه في قوله- عز وجل-: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ الذكور من الأولاد.

أى: أن هؤلاء المشركين يجعلون لأصنامهم نصيبا مما رزقناهم، ويجعلون لله- تعالى- البنات، أما هم فيجعلون لأنفسهم الذكور، ويختارونهم ليكونوا خلفاء لهم.

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ. وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ .

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله ، وعبدوها معه ، فأخطؤوا خطأ كبيرا في كل مقام من هذه المقامات الثلاث ، فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا ، ولا ولد له ، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد - وهو البنات - وهم لا يرضونها لأنفسهم ، كما قال : ( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم : 21 ، 22 ] وقال هاهنا : ( ويجعلون لله البنات سبحانه ) أي : عن قولهم وإفكهم ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون ) [ الصافات : 151 - 154 ] .

وقوله : ( ولهم ما يشتهون ) أي : يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا

يقول تعالى ذكره: ومن جهل هؤلاء المشركين وخبث فعلهم ، وقبح فِرْيتهم على ربهم، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبَّرهم وأنعم عليهم، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر، واستحق عليهم الحمد : البنات ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه، نـزه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات، فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إليه ما لا ينبغي إضافته إليه ، ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لأنفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم ، وفي " مَا " التي في قوله (وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) وجهان من العربية: النصب عطفا لها على البنات، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك: ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون، فتكون " ما " للبنين، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله (وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) فيكون معنى الكلام: ويجعلون لله البنات ولهم البنون.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[57] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ﴾ من جهالات المشركين: نسبة البنات إلى الله تعالى، ونسبة البنين لأنفسهم، وأنفَتُهم من البنات، وتغيُّر وجوههم؛ حزنًا وغمًّا بالبنت، واستخفاء الواحد منهم وتغيبه عن مواجهة القوم من شدَّة الحزن وسوء الخزي والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت.
وقفة
[57] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ﴾ (سُبْحَانَهُ) جاءت مباشرة لتنزيه الله عن هذا الادعاء الكفري: أن جعلوا له البنات، فتعلم منها تنزيه الله عن كل ما لا يليق به من جميع النقائص.
تفاعل
[57] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[57] ﴿وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ﴾ كانوا يكرهون البنات، فجعلوا لله ما يكرهون، ويحبون الذكور، فلهم ما يريدون.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ:
  • بمعنى: ويزعمون أن الملائكة بنات الله. الواو عاطفة. يجعلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيجعلون. البنات:مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم.
  • ﴿ سُبْحانَهُ:
  • مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره «أسبح» وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أي تنزيه لذاته من نسبة الولد اليه أو تعجب من قولهم.
  • ﴿ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ:
  • جملة استئنافية. الواو: حرف استئناف. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. يشتهون: صلة الموصول لا محل لها تعرب إعراب «يجعلون» والعائد الى الموصول ضمير في محل نصب على أنه مفعول به.التقدير: ما يشتهونه من البنين أو الشيء الذي يشتهونه. '

المتشابهات :

النحل: 57﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ
النحل: 62﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     وبعد الجريمة السابقة للمشركين؛ تأتي هنا جريمة جديدة: زعمهم أن لله بنات، قال تعالى:
﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [58] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ ..

التفسير :

[58] وإذا جاء مَن يخبر أحدَهم بولادة أنثى اسودَّ وجهه؛ كراهية لما سمع، وامتلأ غمّاً وحزناً.

فكان أحدهم{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} من الغم الذي أصابه{ وَهُوَ كَظِيمٌ} أي:كاظم على الحزن والأسف إذا بشِّر بأنثى، وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ويتوارى منهم من سوء ما بشر به.

ثم صور- سبحانه- حالتهم عند ما يبشرون بولادة الأنثى، وحكى عاداتهم الجاهلية المنكرة فقال- تعالى-: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ...

قال الآلوسى: قوله «وإذا بشر أحدهم بالأنثى..» أى: أخبر بولادتها. وأصل البشارة الإخبار بما يسر. لكن لما كانت ولادة الأنثى تسوؤهم حملت على مطلق الإخبار. وجوز أن يكون ذلك بشارة باعتبار الولادة، بقطع النظر عن كونها أنثى..» .

وقوله «كظيم» من الكظم بمعنى الحبس. يقال: كظم فلان غيظه، إذا حبسه وهو ممتلئ به وفعله من باب ضرب.

والمعنى: وإذا أخبر أحد هؤلاء الذين يجعلون لله البنات، بولادة الأنثى دون الذكر، صار وجهه مسودا كئيبا كأن عليه غبرة، ترهقه قترة- أى تعلوه ظلمه وسواد-، وصار جسده ممتلئا بالحزن المكتوم، والغيظ المحبوس،

فإنه ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا ) أي : كئيبا من الهم ، ( وهو كظيم ) ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن

وقوله ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ) يقول: وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له، ظلّ وجهه مسودًا من كراهته له ( وَهُوَ كَظِيمٌ ) يقول قد كَظَم الحزنَ، وامتلأ غما بولادته له، فهو لا يظهر ذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) ، ثم قال ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) ... إلى آخر الآية، يقول: يجعلون لله البنات ترضونهنّ لي ، ولا ترضونهن لأنفسكم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها على هون، أو دسها في التراب وهي حية.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس ( وَهُوَ كَظِيمٌ ) قال: حزين.

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( وَهُوَ كَظِيمٌ ) قال: الكظيم: الكميد. وقد بيَّنا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع.

المعاني :

كَظِيمٌ :       مُمْتَلِئٌ غَمًّا وَحُزْنًا السراج
هو كظيم :       ممتلئ غمّا و غيظا في قرارة نفسه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ﴾ وصفها الله بأنها بشارة؛ فلماذا يجعلها البعض حزنًا وإساءةً؟!
وقفة
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ﴾ ألطف البشائر: البشارة بالأنثى.
وقفة
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ما أروع البشارة بالأنثى! اللهم بشرنا بصلاحهـا.
عمل
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أرسل رسالة تبين فيها حال المرأة في الجاهلية القديمة والحديثة، وحالها في الإسلام.
عمل
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أحسن معاملة بناتك وأخواتك، وأظهر البشر لمقدمهن.
وقفة
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ من الجهل أن تحزن على ما بشرك الله به، اللهم بشرنا بخير .
وقفة
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ الآية ظاهرة في ذم مَن يحزن إذا بشر بالأنثى؛ حيث أخبرت أن ذلك فعل الكفرة, وقد أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في قوله سبحانه: (وإذا بشر): هذا صنيع مشركي العرب؛ أخبركم الله تعالى بخبثه, فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له، وقضاء الله تعالى خير من قضاء المرء لنفسه, ولعمري ما ندري أيٌ خير؛ لرُبَّ جارية خيرٌ لأهلها من غلام, وإنما أخبركم الله عز وجل بصنيعهم لتجتنبوه، ولتنتهوا عنه.
اسقاط
[58] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أيها الأب هل أنت ممن يتمعر وجهه إذا بشر بالأنثى ويتوارى من القوم، ساء مثلًا! البنات رحمة، وقدوتك نبي الرحمة، كيف عامل بناته؟!
وقفة
[58، 59] ﴿وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأنثى ظَلَّ وجههُ مُسودًّا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّرَ به أَيُمسكهُ على هُونٍ أم يَدُسُّه في الترابِ ألا ساءَ ما يحكمون﴾ يظهر في هذه الآية إكرام الله تعالى للمرأة جليًّا لكل متجرد، وإنكاره سبحانه ووصفه لمن صنع هذا الصنيع بسوء حكمه عدل ظاهر معها، فلا مدخل بعد هذا لأعدائنا من يهود أو نصارى أو ليبراليين على حكم الله وشريعته في المرأة، شريعة الله لا تساوي المرأة بالرجل ﴿وليسَ الذكرُ كالأنثى﴾ [آل عمران: 36]؛ لأن مساواتها بالرجل ظلم لها، إنما تعدل وتعطي كل ذي حق حقه.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى:
  • الواو: استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازم والجملة الفعلية بعده: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف-اذا. بشر: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. أحد: نائب فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بالأنثى: جار ومجرور متعلق ببشر وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. ظلّ:بمعنى صار وهو فعل ماض ناقص مبني على الفتح من أخوات-كان- وجهه: اسم «ظلّ» مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. مسودا: خبر «ظلّ» منصوب بالفتحة. والفعل ظل يدل على الحدث والزمان.
  • ﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ:
  • الواو: حالية والجملة الاسمية بعده: في محل نصب حال.هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ و «كظيم» خبر «هو» مرفوع بالضمة بمعنى: ممسك غيظه في نفسه. '

المتشابهات :

النحل: 58﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
الزخرف: 17﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     وبعد ذكرِ ما زعمه الكفار من أن الله اصطفى الإناث وجعلهن بنات له؛ تبين هذه الآية والتي بعدها المفارقة العظيمة التي وقع فيها الكفار، وهي أنهم ينسبون البنات لله، وفي الوقت نفسه لا يرضون البنات لأنفسهم، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [59] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ ..

التفسير :

[59] يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبساً بما ساءه من الحزن والعار؛ بسبب البنت التي وُلِدت له، ومتحيراً في أمر هذه المولودة:أيبقيها حية على ذُلٍّ وهَوان، أم يدفنها حية في التراب؟ ألا بئس الحكم الذي حكموه مِن جَعْل البنات لله والذكور لهم.

ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها{ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} أي:يتركها من غير قتل على إهانة وذل{ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي:يدفنها وهي حية وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين،{ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله من نسبة الولد إليه.

وأصبح يتوارى ويتخفى عن أعين الناس خجلا وحياء، من أجل أن زوجته ولدت له أنثى ولم تلد له ذكرا.

وقوله- سبحانه-: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ تصوير بليغ لموقف ذلك الشرك مما بشر به وهو ولادة الأنثى.

فالضمير المنصوب في قوله «أيمسكه، ويدسه» يعود على المبشر به وهو الأنثى.

والهون بمعنى الهوان والذل.

ويدسه من الدس بمعنى الإخفاء للشيء في غيره. والمراد به. دفن الأنثى حية في التراب حتى تموت، وهو المشار إليه في قوله- تعالى-: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.

أى: أن هذا المشرك بعد أن يبشر بولادة الأنثى، يدور بذهنه أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها على هوان وذل، وإما أن يدسها ويخفيها في التراب، بأن يدفنها فيه وهي حية حتى تموت.

والجار والمجرور في قوله «على هون» يصح أن يكون حالا من الفاعل وهو المشرك: أى أيمسك المبشر به مع رضاه- أى المشرك- بهوان نفسه وذلتها بسبب هذا الإمساك.

ويصح أن يكون حالا من المفعول وهو الضمير المنصوب. أى أيمسك هذه الأنثى ويبقيها بقاء ذلة وهوان لها، بحيث لا يورثها شيئا من ماله، ولا يعاملها معاملة حسنة.

ومن بلاغة القرآن أنه عبر بقوله «أيمسكه على هون» ليشمل حالة المشرك وحالة المبشر به وهو الأنثى.

وقوله- تعالى-: أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. ذم لهم على صنيعهم السيئ، وعلى جهلهم الفاضح.

أى: بئس الحكم حكمهم، وبئس الفعل فعلهم، حيث نسبوا البنات إلى الله- تعالى-، وظلموهن ظلما شنيعا، حيث كرهوا وجودهن، وأقدموا على قتلهن بدون ذنب أو ما يشبه الذنب.

وصدر- سبحانه- هذا الحكم العادل عليهم بحرف «ألا» الاستفتاحية: لتأكيد هذا الحكم، ولتحقيق أن ما أقدموا عليه، إنما هو جور عظيم، قد تمالئوا عليه بسبب جهلهم الفاضح، وتفكيرهم السيئ.

أسند- سبحانه- الحكم إلى جميعهم، مع أن من فعل ذلك كان بعضا منهم، لأن ترك هذا البعض يفعل ذلك الفعل القبيح، هذا الترك هو في ذاته جريمة يستحق عليها الجميع العقوبة، لأن سكوتهم على هذا الفعل مع قدرتهم على منعه يعتبر رضا به.

( يتوارى من القوم ) أي : يكره أن يراه الناس ( من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ) أي : إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ، ولا يعتني بها ، ويفضل أولاده الذكور عليها ، ( أم يدسه في التراب ) أي : يئدها : وهو : أن يدفنها فيه حية ، كما كانوا يصنعون في الجاهلية ، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله ؟ ! ( ألا ساء ما يحكمون ) أي : بئس ما قالوا ، وبئس ما قسموا ، وبئس ما نسبوا إليه ، كما قال تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) [ الزخرف : 17 ]

يقول تعالى ذكره: يتوارى هذا المبشر بولادة الأنثى من الولد له من القوم، فيغيب عن أبصارهم ( مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ) يعني: من مساءته إياه مميلا بين أن يمسكه على هون: أي على هوان، وكذلك ذلك في لغة قريش فيما ذكر لي، يقولون للهوان: الهون ؛ ومنه قول الحطيئة:

فلمَّـا خَشِـيتُ الهُـونَ والعَـيْرُ مُمْسِكٌ

عـلى رَغْمِـهِ مـا أثبتَ الحبلَ حافِرُه (1)

وبعض بني تميم جعل الهون مصدرا للشيء الهين ، ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون: إن كنت لقليل هون المؤنة منذ اليوم قال: وسمعت: الهوان في مثل هذا المعنى، سمعت منهم قائلا يقول لبعير له: ما به بأس غير هوانه، يعني خفيف الثمن، فإذا قالوا: هو يمشي على هونه، لم يقولوه إلا بفتح الهاء، كما قال تعالى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا .( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ) يقول: يدفنه حيا في التراب فيئده.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ) يئد ابنته.

وقوله ( أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) يقول: ألا ساء الحكم الذي يحكم هؤلاء المشركون ، وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم، وجعلوا لما لا ينفعهم ولا يضرهم شركا فيما رزقهم الله، وعبدوا غير من خلقهم وأنعم عليهم.

المعاني :

يَتَوَارَى :       يَسْتَخْفِي السراج
يتوارى :       يستخفي و يتغيّب معاني القرآن
أَيُمْسِكُهُ :       أَيُبْقِيهِ؟ السراج
هُونٍ :       ذُلٍّ، وَهَوَانٍ السراج
هون :       هوان و ذلّ معاني القرآن
يَدُسُّهُ :       يَدْفِنُهُ السراج
يدسّه :       يُخفيه بالوأد فيدفنه حيّا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[59] ﴿يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ أحيانا تفرض سطوة نظرة المجتمع الخاطئة نفسها، فتجعل المرء يتوارى ويختبئ مما لا عيب فيه.
وقفة
[59] ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ﴾ ليس معنى (هون): على مهل؛ بل المعنى: أيبقي ابنته حية على هوان وذل أم يدفنها بالتراب؟
لمسة
[59] ما الفرق بين هَون وهُون؟ (الهَون) هو الوقار والتؤدة، كما في قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، أما (الهُون) فهو الذلُّ والعار، كما في الآية: ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾.
اسقاط
[59] ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ لا تُهانُ المرأة إلا في بيت فيه جاهلية.

الإعراب :

  • ﴿ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ:
  • الجملة: في محل نصب حال. يتوارى أي يستخفي:فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من القوم: جار ومجرور متعلق بيتوارى.
  • ﴿ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ:
  • أي من شناعة ما أخبر به أو من أجل سوء المبشر به. من سوء: جار ومجرور متعلق بيتوارى. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بشر: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق ببشر وجملة بُشِّرَ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ:
  • أي ويحدث نفسه وينظر أيمسك أو أيستبقيه- أيستبقيها-على ذل وهوان. الهمزة: حرف استفهام لا محل لها. يمسكه:فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره. هو والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على هون:جار ومجرور متعلق بحال من ضمير يمسك.
  • ﴿ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ:
  • معطوفة بأم على أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ» وتعرب إعرابها. أي: أم يئده-يئدها-وأم: متصلة.
  • ﴿ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ:
  • فيها معنى التعجب بمعنى فما أسوأ ما يحكمون أو ما أسوأ حكمهم. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. ساء: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم لأنه يعني «بئس».ما: نكرة بمعنى «شيء» في محل نصب تمييز لفاعل «ساء» المستتر. ويجوز أن تعرب «ما» اسما موصولا مبنيا على السكون في محل رفع فاعل. يحكمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يحكمون» صلة «ما» لا محل لها والعائد ضمير منصوب أو في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: ما يحكمونه والمخصوص بالذم محذوف يدل عليه ما تقدم. وقد ذكّر الضمير في «يدسه» لاعادته على «ما». '

المتشابهات :

النحل: 59﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
الأنعام: 136﴿وَمَا كَانَ لِلَّـهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
العنكبوت: 4﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
الجاثية: 21﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     وبعد بيان حال المشرك الذي يبشر بالأنثى؛ تكمل هذه الآية وصف حاله: أصبح يتخفى عن أعين الناس؛ خجلًا وحياءً، ويبدأ صراعه النفسي بين إبقاء ابنته حية، رغم الذل الذي سيصيبه أمام قومه، وبين أن يدفنها في التراب؛ ليتخلص منها، قال تعالى:
﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أيمسكه:
وقرئ:
أيمسكها، وهى قراءة الجحدري.
هون:
وقرئ:
1- هوان، على وزن «فعال» ، وهى قراءة الجحدري.
2- هون، بالفتح، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [60] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ ..

التفسير :

[60] للذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يعملون لها، الصفة القبيحة من العجز والحاجة والجهل والكفر، ولله الصفات العليا من الكمال والاستغناء عن خلقه، وهو العزيز في ملكه، الحكيم في تدبيره.

ثم لم يكفهم هذا حتى نسبوا له أردأ القسمين، وهو الإناث اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها، فكيف ينسبونها لله تعالى؟! فبئس الحكم حكمهم.ولما كان هذا من أمثال السوء التي نسبها إليه أعداؤه المشركون، قال تعالى:{ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} أي:المثل الناقص والعيب التام،{ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} وهو كل صفة كمال وكل كمال في الوجود فالله أحق به، من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه، وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه، وهو التعظيم والإجلال والمحبة والإنابة والمعرفة.{ وَهُوَ الْعَزِيزُ} الذي قهر جميع الأشياء وانقادت له المخلوقات بأسرها،{ الْحَكِيمُ} الذي يضع الأشياء مواضعها فلا يأمر ولا يفعل، إلا ما يحمد عليه ويثنى على كماله فيه.

ثم أتبع- سبحانه- هذا الذم لهم بذم آخر على سبيل التأكيد فقال- تعالى-:

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

والمثل: الحال والصفة العجيبة في الحسن والقبح.

والسوء: مصدر ساءه يسوءه سوءا، إذا عمل معه ما يكره، وإضافة المثل إلى السوء للبيان.

والمراد بمثل السوء: أفعال المشركين القبيحة التي سبق الحديث عنها.

والمعنى للذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب.. صفة السوء، التي هي كالمثل في القبح، وهي وأدهم البنات، وجعلهم لآلهتهم. نصيبا مما رزقناهم، وقولهم:

الملائكة بنات الله، وفرحهم بولادة الذكور للاستظهار بهم.

فهذه الصفات تدل على غبائهم وجهلهم وقبح تفكيرهم.

أما الله- عز وجل- فله المثل الأعلى أى الصفة العليا، وهي أنها الواحد الأحد، المنزه عن الوالد والولد: والمبرأ من مشابهة الحوادث، والمستحق لكل صفات الكمال والجلال في الوحدانية، والقدرة والعلم.. وغير ذلك مما يليق به- سبحانه-.

وهو- عز وجل- «العزيز» في ملكه بحيث لا يغلبه غالب «الحكيم» في كل أفعاله وأقواله.

وبعد أن ساق- سبحانه- ما يدل على جهالات المشركين، وانطماس بصائرهم، وسوء تفكيرهم، أتبع ذلك بالحديث عن مظاهر رحمته بخلقه وعن جانب من جرائم المشركين، وعن وظيفة القرآن الكريم، فقال- تعالى-:

وقال هاهنا : ( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ) أي : النقص إنما ينسب إليهم ، ( ولله المثل الأعلى ) أي : الكمال المطلق من كل وجه ، وهو منسوب إليه ، ( وهو العزيز الحكيم )

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه أن قوله وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، والآية التي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله البنات، فبين بقوله ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) أنه مثل، وعنى بقوله جلّ ثناؤه ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) للذين لا يصدّقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين ( مَثَلُ السَّوْءِ) وهو القبيح من المثل، وما يسوء من ضرب له ذلك المثل ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) يقول: ولله المثل الأعلى، وهو الأفضل والأطيب، والأحسن، والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) الإخلاص والتوحيد.

وقوله ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول تعالى ذكره: والله ذو العزّة التي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إياه، ولا يتعذّر عليه شيء أراده وشاءه ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره، الحكيم في تدبيره، فلا يدخل تدبيره خَلَل ، ولا خطأ.

------------------------

الهوامش:

(1) البيت في ديوان الحطيئة طبع التقدم بالقاهرة ص 10 قال شارحه: يقول: ما دام الحمار مقيدا فهو ذليل، معترف بالهوان. وهذا مقلوب، أراد: ما أثبت الحبل حافره (الحبل فاعل أثبت، والحافر مفعول له) فقلب، فجعل الفاعل مفعولا، والمفعول فاعلا، ومثله:

أســلموها فــي دمشــق كمــا

أســــلمت وحشـــية وهقـــا

أراد: كما أسلم وحشية وهق (والوهق: الحبل الغار فيه أنشوطة، فتؤخذ فيه الدابة والإنسان، جمعه أوهاق ..) وقال عروة ابن الورد:

فلــو أنــي شــهدت أبـا سـعاد

غــداة غــدا بمهجتــه يفــوق

فــديت بنفســه نفســي ومـالي

ومـــا آلــوه إلا مــا أطيــق

أي لا أترك جهدا، أراد: فديت نفسه بنفسي، فقلب.

المعاني :

مَثَلُ السَّوْءِ :       الصِّفَةُ القَبِيحَةُ السراج
مثل السّوء :       صفته القبيحة من الجهل و الكفر معاني القرآن
الْمَثَلُ الأَعْلَىَ :       الصِّفَاتُ العُلْيَا السراج

التدبر :

لمسة
[60] ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ لماذا (مثل) وليس (صفة)؟ لأن سوء الكفار من فظاعته وبشاعته أصبح رمزًا للسوء، فأصبح سوؤهم جاريًا مجري الأمثال في اشتهاره وشدة وضوحه.
وقفة
[60] ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سبح الله بصفتيه: (العزيز) و(الحكيم)، ثم اعلم أن العزة والحكمة لا تنال إلا منه، فاطلبها من مالكها جل وعلا.
وقفة
[60] ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وصف الكافرين بأن لهم (مثل السوء)؛ لأنهم يسيئون إلى الله خالقهم ورازقهم، وهذه الإساءة ليست على سبيل الخطأ، بل إساءة عناد واعتقاد، فنسبوا إليه ما يكرهون من البنات؛ إمعانًا منهم في الكفر والجرأة على الله.
وقفة
[60] فإن قيل: كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه: ﴿وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ﴾، وقد قال: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ﴾ [74]؟ الجواب: أي الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص، والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير جل وتعالى.
لمسة
[60] ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ لماذا يتقدم ذكر (العزيز) على (الحكيم)؟ لأن من عز حكم، أي من كان له القدرة والقهر، كان له الحكم والأمر، فالحكم ناشئ عن امتلاك أسباب القدرة.
عمل
[60] سبح الله بصفتيه: (العزيز) و(الحكيم)، ثم اعلم أن العزة والحكمة لا تنال إلا منه، فاطلبها من مالكها جل وعلا، ﴿وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾.
وقفة
[58-60] ﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا ... للذين لايؤمنون﴾ إذا ذهب الإيمان من القلب؛ ذهب معه الرضا والصبر، وأتى السخط والتذمر.

الإعراب :

  • ﴿ لِلَّذِينَ:
  • للام: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بيؤمنون.
  • ﴿ مَثَلُ السَّوْءِ:
  • أي صفة السوء وهي الحاجة الى الأولاد الذكور وكراهة الاناث وو أدهم خشية الفاقة. مثل: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السوء:مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى:
  • أي وهو الغني عن العالمين وله سبحانه الكمال المطلق.لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. المثل: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الأعلى: صفة-نعت-للمثل مرفوعة بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
  • الواو عاطفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. العزيز الحكيم: خبران بالتتابع للمبتدإ «هو» مرفوعان بالضمة. ويجوز أن يكون «الحكيم» صفة للعزيز مرفوعا مثله بالضمة. '

المتشابهات :

النحل: 60﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
الروم: 27﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     وبعد بيان أن الكفار ينسبون البنات لله، وفي نفس الوقت يكرهون أن يرزق أحدهم ببنت، وهذه مفارقة عظيمة؛ جاءت هذه الآية لتحقر الكفار على ما افتروا على ربهم، ولتنزه الله عن كل عيب ونقص، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [61] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم ..

التفسير :

[61] ولو يؤاخذ الله الناس بكفرهم وافترائهم ما ترك على الأرض مَن يتحرَّكُ، ولكن يبقيهم إلى وقت محدد هو نهاية آجالهم، فإذا جاء أجلهم لا يتأخرون عنه وقتاً يسيراً، ولا يتقدمون.

لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ذكر كمال حلمه وصبره فقال:{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} من غير زيادة ولا نقص،{ مَا تَرَكَ عَليها مِنْ دَابَّةٍ} أي:لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل.{ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه.

و «لو» في قوله- تعالى-: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ.. حرف امتناع لامتناع. أى: حرف شرط يدل على امتناع وقوع جوابه، لأجل امتناع وقوع شرطه، وقد امتنع هنا إهلاك الناس، لامتناع إرادة الله- تعالى- ذلك.

وقوله «يؤاخذ» مفاعلة من المؤاخذة بمعنى العقوبة، فالمفاعلة فيه بمعنى الفعل المجرد.

فمعنى آخذ الله- تعالى- الناس يؤاخذهم: أخذهم وعاقبهم بسبب ذنوبهم.

والأخذ بمعنى العقاب قد جاء في القرآن الكريم في آيات كثيرة: ومن ذلك قوله- تعالى- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .

والباء في «بظلمهم» للسببية، والظلم: مجاوزة الحدود التي شرعها الله- تعالى- وأعظمه الإشراك بالله- تعالى- كما قال- تعالى- إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.

والمراد من المؤاخذة بسبب ظلمهم: تعجيل العقوبة لهم في الدنيا.

والضمير في قوله- سبحانه- «عليها» يعود على الأرض. وصح عود الضمير عليها مع أنه لم يسبق ذكر لها، لأن قوله «من دابة» يدل على ذلك لأنه من المعلوم، أن الدواب تدب على الأرض.

ونظيره قوله- تعالى- في آية أخرى ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وقوله حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ أى: الشمس. فإنه وإن كان لم يجر لها ذكر إلا أن المقام يدل عليها.

ورجوع الضمير إلى غير مذكور في الكلام إلا أن المقام يدل عليه كثير في كلام العرب، ومنه قول حاتم الطائي:

أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فقوله: حشرجت وضاق بها، المقصود به الروح أو النفس، ولم يجر لها ذكر، إلا أن قوله: وضاق بها الصدر، يعين أن المراد بها النفس.

والمراد بالساعة في «لا يستأخرون عنه ساعة» مطلق الوقت الذي هو غاية في القلة.

والمعنى: ولو عاجل الله- تعالى- الناس بالعقوبة، بسبب ما اجترحوه من ظلم وآثام، لأهلكهم جميعا، وما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب عليها، ولكنه- سبحانه- فضلا منه وكرما، لا يعاجلهم بالعقوبة التي تستأصلهم بل يؤخرهم «إلى أجل مسمى» أى: إلى وقت معين محدد تنتهي عنده حياتهم، وهذا الوقت المحدد لا يعلمه إلا هو- سبحانه- «فإذا جاء أجلهم» . أى: فإذا حان الوقت المحدد لهلاكهم، فارقوا هذه الدنيا بدون أدنى تقديم أو تأخير عن هذا الوقت.

هذا، ومن العلماء من ذهب إلى أن المراد بالناس هنا: الكفار خاصة، لأنهم هم الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى.

ويبدو لنا أن المراد بالناس هنا: العموم، لأن قوله «من دابة» يشمل كل ما يطلق عليه اسم الدابة، ولأن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة «من» تكون نصا صريحا في العموم.

وإلى العموم أشار ابن كثير عند تفسيره للآية بقوله: يخبر الله- تعالى- عن حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة، أى: لأهلك جميع دواب الأرض تبعا لإهلاك بنى آدم. ولكن الرب- جل وعلا- يحلم ويستر وينظر..» .

وقال القرطبي: فإن قيل: فكيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنا ليس بظالم؟

فالجواب: يجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء، وهلاك المؤمن معوضا بثواب الآخرة، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله- تعالى- بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم- وأعمالهم-، .

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا .

وقوله- تعالى-: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ .

وقوله- تعالى-: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم ، وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة ، أي : لأهلك جميع دواب الأرض تبعا لإهلاك بني آدم ، ولكن الرب - جل جلاله - يحلم ويستر ، وينظر ( إلى أجل مسمى ) أي : لا يعاجلهم بالعقوبة ; إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا .

قال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص أنه قال : كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم ، وقرأ : ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ) .

وكذا روى الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة قال : قال عبد الله : كاد الجعل أن يهلك في جحره بخطيئة بني آدم .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي ، حدثنا محمد بن جابر الحنفي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة قال : سمع أبو هريرة رجلا وهو يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، قال : فالتفت إليه فقال : بلى والله ، حتى إن الحبارى لتموت في وكرها [ هزالا ] بظلم الظالم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، أنبأنا الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح ، حدثنا سليمان بن عطاء ، عن مسلمة بن عبد الله ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : ذكرنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله ، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة ، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده ، فيلحقه دعاؤهم في قبره ، فذلك زيادة العمر " .

يقول تعالى ذكره ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ ) عصاة بني آدم بمعاصيهم ( مَا تَرَكَ عَلَيْهَا ) يعني على الأرض ( مِنْ دَابَّةٍ ) تدب عليها( وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ) يقول: ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يعاجلهم بالعقوبة ( إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: إلى وقتهم الذي وُقِّت لهم ، ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ) يقول: فإذا جاء الوقت الذي وُقِّت لهلاكهم ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ) عن الهلاك ساعة فيمهلون ( وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) له حتى يستوفُوا آجالهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: كاد الجُعْل أن يعذّب بذنب بني آدم ، وقرأ ( وَلو يؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ) .

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي، قال: ثنا محمد بن جابر الجعفي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: سمع أبو هريرة رجلا وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، قال: فالتفت إليه فقال: بلى، والله إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم.

حدثني يعقوب، قال: ثنا أبو عبيدة الحداد، قال: ثنا قرة بن خالد السدوسي، عن الزبير بن عديّ، قال: قال ابن مسعود: خطيئة ابن آدم قتلت الجُعْل.

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: كاد الجعل أن يهلك في جُحْره بخطيئة ابن آدم.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال الله: ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) قال: نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ، ولا يقدّم ، ما لم يحضر أجله، فإن الله يؤخر ما شاء ، ويُقدّم ما شاء.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[61] ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم﴾ من غير زيادة ولا نقص ﴿مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ﴾ أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم من أنواع الدواب والحيوانات؛ فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل، ﴿وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ﴾ عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى؛ وهو يوم القيامة، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه.
وقفة
[61] ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّة﴾ ظلمنا لأنفسنا يضر الدواب! فمن أيهما نعجب (تعدي ضرر ذنوبنا) أم (رحمة مولانا بدوابنا)؟!
وقفة
[61] ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ﴾ سمع أبو هريرة t رجلًا يقول: «إن الظالم لا يضر إلا نفسه»، فقال: «بئس ما قلت، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم». [أخرجه عبد بن حميد].
وقفة
[61] ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّة﴾ قال القرطبي: فإن قيل: فكيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنًا ليس بظالم؟ فالجواب: يجعل هلاك الظالم انتقامًا وجزاءً، وهلاك المؤمن معوضًا بثواب الآخرة، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ» [مسلم 2879].
وقفة
[61] من حلمه سبحانه أن جعل للعباد أجلًا ينتهون إليه، ويحاسبون فيه وهو يوم القيامة ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ﴾.
وقفة
[61] ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى﴾ من سنن الله إمهال الكفار وعدم معاجلتهم بالعقوبة ليترك الفرصة لهم للإيمان والتوبة.
وقفة
[61] إلى كل مستغرق في غيِّه، متمادٍ في ظلمه، غافل عن ربه، مستمرٍّ في ذنبه: تأمَّل قوله تعالى: ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾.
وقفة
[61] فاحشة قوم لوط عقوبتها شنيعة؛ فهل يعي الذين يقرون هذ ا العمل الخبيث ويشرعون له نظامًا مخالفًا للفطرة؟! يا رب سلم سلم، لا تحل علينا العقوبة.
وقفة
[61] لكل أجل كتاب، ولكل إنسان أجل ﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾، يا رب أحسن لنا الختام.
وقفة
[61] إذا خوفك الشيطان من الموت والقتل؛ فرده بالأجل المكتوب: ﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾.
وقفة
[61] كيف نستطيع التوفيق بين: ﴿لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾، ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [يونس: 49]، وبين قوله ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [البخاري 5986]؟ الجواب: قال الحافظ ابن حجر: «وَالْجَمْع بَيْنهمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة كِنَايَة عَنْ الْبَرَكَة فِي الْعُمُر بِسَبَبِ التَّوْفِيق إِلَى الطَّاعَة، وَعُمَارَة وَقَّتَهُ بِمَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة، وَمِثْل هَذَا مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ ﷺ تَقَاصَرَ أَعْمَار أُمَّته بِالنِّسْبَةِ لِأَعْمَارِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَم فَأَعْطَاهُ اللَّه لَيْلَة الْقَدْر، ثَانِيهمَا: أَنَّ الزِّيَادَة عَلَى حَقِيقَتهَا، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْم الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالْعُمُرِ، وَأَمَّا الْأَوَّل الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَة فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْم اللَّه تَعَالَى، كَأَنْ يُقَال لِلْمَلَكِ مَثَلًا: إِنَّ عُمْر فُلَان مِائَة مَثَلًا إِنْ وَصَلَ رَحِمه، وَسِتُّونَ إِنْ قَطَعَهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَصِل أَوْ يَقْطَع، فَاَلَّذِي فِي عِلْم اللَّه لَا يَتَقَدَّم وَلَا يَتَأَخَّر، وَاَلَّذِي فِي عِلْم الْمَلَك هُوَ الَّذِي يُمْكِن فِيهِ الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39]، فَالْمَحْو وَالْإِثْبَات بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي عِلْم الْمَلَك، وَمَا فِي أُمّ الْكِتَاب هُوَ الَّذِي فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى فَلَا مَحْو فِيهِ الْبَتَّة، وَيُقَال لَهُ الْقَضَاء الْمُبْرَم، وَيُقَال لِلْأَوَّلِ الْقَضَاء الْمُعَلَّق» [فتح الباري 10/430 باختصار].

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط‍ غير جازم. يؤاخذ:فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. بظلم: جار ومجرور متعلق بيؤاخذ و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة أي بعقوبة ظلمهم.
  • ﴿ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.ما: نافية لا عمل لها. ترك: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عليها: جار ومجرور في محل نصب حال لأنه متعلق بصفة من «دابة» قدم عليها. من: حرف جر زائد للتوكيد. دابة:اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به أي بمعنى ما ترك عليها دابة ظالمة. وقيل من مشرك يدبّ عليها. وهي كلّ ما يدبّ على الأرض ويدخل فيه الانسان و «عليها» أي على وجه الأرض.
  • ﴿ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:
  • الواو: زائدة. لكن: حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف. يؤخر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. الى أجل: جار ومجرور متعلق بيؤخر مسمى صفة-نعت- لأجل مجرورة مثلها وعلامة الجر: الكسرة المقدرة للتعذر على الألف واللفظ‍ منصرف بدليل تنوين آخره لأنه اسم رباعي مقصور نكرة. بمعنى إلى موعد مقدر أي أعمارا مقدرة.
  • ﴿ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ:
  • الفاء: استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازمة. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. أجل: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وجملة جاءَ أَجَلُهُمْ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف-اذا-.
  • ﴿ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. لا:نافية لا عمل لها. يستأخرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. ساعة: مفعول فيه-ظرف زمان- منصوب على الظرفية بالفتحة. أي لا يستأخرون عنه أي عن الأجل أو الأعمار ساعة.
  • ﴿ وَلا يَسْتَقْدِمُونَ:
  • معطوفة بالواو على لا يَسْتَأْخِرُونَ» وتعرب إعرابها. أي ولا يتقدمونه. '

المتشابهات :

النحل: 61﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
فاطر: 45﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     ولمَّا حكى اللهُ عز وجل عن المُشْركينَ شُبُهاتِهم وجرائمهم وافتراءاتِهم، بَيَّنَ هنا أنَّه يُمْهلُهم ولا يعاجلُهم بالعقوبةِ؛ فضلاً منه وكرمًا (14- النعمة الرابعة عشرة: نعمة الحلم)، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [62] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ ..

التفسير :

[62] ومن قبائحهم:أنهم يجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وتقول ألسنتهم كذباً:إن لهم حسن العاقبة، حقّاً أن لهم النار، وأنهم فيها مَتْروكون مَنْسيُّون.

يخبر تعالى أن المشركين{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} من البنات، ومن الأوصاف القبيحة وهو الشرك بصرف شيء من العبادات إلى بعض المخلوقات التي هي عبيد لله، فكما أنهم يكرهون، ولا يرضون أن يكون عبيدهم -وهم مخلوقون من جنسهم- شركاء لهم فيما رزقهم الله فكيف يجعلون له شركاء من عبيده؟"

{ وَ} هم مع هذه الإساءة العظيمة{ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} أي:أن لهم الحالة الحسنة في الدنيا والآخرة، رد عليهم بقوله:{ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} مقدمون إليها ماكثون فيها غير خارجين منها أبدا.

ثم حكى- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائل المشركين فقال- تعالى- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ ...

أى: أن هؤلاء المشركين لا يكتفون بإنكارهم البعث وبجحود نعم الله- تعالى- بل أضافوا إلى ذلك أنهم يثبتون له- سبحانه وينسبون إليه كذبا وزورا- ما يكرهونه لأنفسهم، فهم يكرهون أن يشاركهم أحد في أموالهم أو في مناصبهم ومع ذلك يشركون مع الله- تعالى- في العبادة آلهة أخرى، ويكرهون أراذل الأموال، ومع ذلك يجعلون لله- تعالى- أراذل أموالهم. ويجعلون لأصنامهم أكرمها، ويكرهون البنات، ومع ذلك ينسبونهن إليه- سبحانه-. فالجملة الكريمة تنعى عليهم أنانيتهم، وسوء أدبهم مع خالقهم- عز وجل- وقوله- سبحانه- وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى ... تصوير بليغ لما جبلوا عليه من كذب صريح، وبهتان واضح.

ومعنى: «تصف» تقول وتذكر بشرح وبيان وتفصيل، حتى لكأنها تذكر أوصاف الشيء، وجملة «أن لهم الحسنى» بدل من «الكذب» .

والحسنى: تأنيث الأحسن، والمراد بها زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقا، فسيكون لهم فيها أحسن نصيب وأعظمه، كما كان لهم في الدنيا ذلك، فقد روى أنهم قالوا: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا فيما يخبر عنه من أمر البعث، فلنا الجنة ...

والمعنى: أن هؤلاء المشركين يجعلون لله- تعالى- ما يكرهونه من الأولاد والأموال والشركاء، وتنطق ألسنتهم بالكذب نطقا واضحا صريحا إذ زعموا أنه إن كانت الآخرة حقا، فسيكون لهم فيها أحسن نصيب..

وهذا الزعم قد حكاه القرآن عنهم في آيات متعددة منها قوله- تعالى- وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ .

وقوله- تعالى-: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً ... .

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه. جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته. كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر .

وقال بعض العلماء: والتعبير القرآنى في قوله وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ يجعل ألسنتهم ذاتها كأنها الكذب ذاته، أو كأنها صورة له، تحكيه وتصفه بذاتها، كما تقول: فلان قوامه يصف الرشاقة.. لأن ذلك القوام بذاته تعبير عن الرشاقة، مفصح عنها.

كذلك قال- سبحانه- وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ... فهي بذاتها تعبير عن الكذب، لطول ما قالت الكذب، ولكثرة ما عبرت عنه، حتى صارت رمزا عليه، ودلالة له .

وقوله- سبحانه-: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ تكذيب لهم فيما زعموه من أن لهم الحسنى، ووعيد لهم بإلقائهم في النار.

وكلمة «لا جرم» وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع، متلوة بأن واسمها وليس بعدها فعل. وجمهور النحاة على أنها مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر. ومعناها بعد التركيب معنى حق وثبت. والجملة بعدها فاعل، أى: حق وثبت كونهم لهم النار وأنهم مفرطون فيها.

وقوله- سبحانه-: مُفْرَطُونَ قرأها الجمهور- بسكون الفاء وفتح الراء- بصيغة اسم المفعول من أفرطه بمعنى قدمه. يقال: أفرطته إلى كذا. أى: قدمته إليه.

قال القرطبي: والفارط الذي يتقدم غيره الى الماء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» أى: متقدمكم ... .

أو من أفرط إذا نسيه وتركه. تقول: أفرطت فلانا خلفي، إذا تركته ونسيته.

والمعنى: أن هؤلاء الذين يزعمون أن لهم الحسنى في الآخرة كذبوا في زعمهم، وفجروا في إفكهم، فإنهم ليس لهم شيء من ذلك، وإنما الأمر الثابت الذي لا شك فيه، أن لهم في الآخرة النار، وأنهم مفرطون فيها، مقدمون إليها بدون إمهال، ومتروكون فيها بدون اكتراث بهم، كما يترك الشيء الذي لا قيمة له. قال- تعالى-: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا .

وقرأ نافع «وأنهم مفرطون» - بسكون الفاء وكسر الراء- بصيغة اسم الفاعل. من أفرط اللازم بمعنى أسرف وتجاوز الحد. يقال: أفرط فلان في كذا، إذا تجاوز الحدود المشروعة.

فيكون المعنى: لا جرم أن لهم النار، وأنهم مفرطون ومسرفون في الأقوال والأعمال التي جعلتهم حطبا لها، ووقودا لنيرانها كما قال- تعالى-: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ .

وقوله : ( ويجعلون لله ما يكرهون ) أي : من البنات ومن الشركاء الذين هم [ من ] عبيده ، وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله .

وقوله : ( وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ) إنكار عليهم في دعواهم مع ذلك أن لهم الحسنى في الدنيا ، وإن كان ثم معاد ففيه أيضا لهم الحسنى ، وإخبار عن قيل من قال منهم ، كقوله : ( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ) [ هود : 9 ، 10 ] وكقوله : ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) [ فصلت : 50 ] وقوله : ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا [ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ] ) [ مريم : 77 ، 78 ] وقال إخبارا عن أحد الرجلين : أنه ( ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) [ الكهف : 35 ، 36 ] - فجمع هؤلاء بين عمل السوء وتمني الباطل بأن يجازوا على ذلك حسنا وهذا مستحيل ، كما ذكر ابن إسحاق : أنه وجد حجر في أساس الكعبة حين نقضوها ليجددوها مكتوب عليه حكم ومواعظ ، فمن ذلك : تعملون السيئات ويجزون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب .

وقال مجاهد ، وقتادة : ( وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ) أي الغلمان .

وقال ابن جرير : ( أن لهم الحسنى ) أي : يوم القيامة ، كما قدمنا بيانه ، وهو الصواب ، ولله الحمد .

ولهذا قال الله تعالى رادا عليهم في تمنيهم [ ذلك ] ( لا جرم ) أي : حقا لا بد منه ( أن لهم النار ) أي : يوم القيامة ، ( وأنهم مفرطون )

قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة وغيرهم : منسيون فيها مضيعون .

وهذا كقوله تعالى : ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) [ الأعراف : 51 ] .

وعن قتادة أيضا : ( مفرطون ) أي : معجلون إلى النار ، من الفرط وهو السابق إلى الورد ولا منافاة لأنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار ، وينسون فيها ، أي : يخلدون .

يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون لله ما يكرهونه لأنفسهم.( وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ) يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه ، أن لهم الحسنى ، فأن في موضع نصب، لأنها ترجمة عن الكذب. وتأويل الكلام: ويجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم، ويزعمون أن لهم الحسنى ، الذي يكرهونه لأنفسهم. البنات يجعلونهن لله تعالى، وزعموا أن الملائكة بنات الله. وأما الحُسنى التي جعلوها لأنفسهم: فالذكور من الأولاد ، وذلك أنهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم ، ويستبقون الذكور منهم، ويقولون: لنا الذكور ولله البنات ، وهو نحو قوله وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ) قال: قول قريش: لنا البنون ولله البنات.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: قول كفَّار قريش.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ) : أي يتكلمون بأن لهم الحُسنى أي الغلمان.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ) قال: الغلمان.

وقوله ( لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) يقول تعالى ذكره: حقا واجبا أن لهؤلاء القائلين لله البنات ، الجاعلين له ما يكرهونه لأنفسهم ، ولأنفسهم الحسنى عند الله يوم القيامة النار.

وقد بيَّنا تأويل قول الله ( لا جَرَمَ ) في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

ورُوي عن ابن عباس في ذلك، ما حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لا جَرَمَ ) يقول: بلى.

وقوله ( لا جَرَمَ ) كان بعض أهل العربية يقول: لم تُنْصَبْ جَرَمَ بلا كما نصبت الميم من قول: لا غلام لك؛ قال: ولكنها نُصِبَت لأنها فعل ماض، مثل قول القائل: قَعَدَ فلان وجلس ، والكلام: لا ردّ لكلامهم أي ليس الأمر هكذا، جَرَمَ: كَسَبَ، مثل قوله لا أقسم، ونحو ذلك. وكان بعضهم يقول: نصب جَرَمَ بلا وإنما بمعنى: لا بدّ، ولا محالة ؛ ولكنها كثرت في الكلام حتى صارت بمنـزلة حقا.

وقوله ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) يقول تعالى ذكره: وأنهم مُخَلَّفون متروكون في النار، منسيون فيها.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال أكثرهم بنحو ما قلنا في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية ( لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: منسيون مُضَيَّعون.

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: أخبرنا سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، عن شعبة، قال: أخبرني أبو بشر، عن سعيد بن جبير، مثله.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله ( لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: متروكون في النار، منسيون فيها.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: حصين، أخبرنا، عن سعيد بن جبير، بمثله.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن سعيد بن جبير بمثله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: منسيون.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: متروكون في النار.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن القاسم، عن مجاهد ( مُفْرَطُونَ ) قال: مَنْسيون.

حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) يقول: مُضَاعُون.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا بدل، قال: ثنا عباد بن راشد، قال: سمعت داود بن أبي هند، في قول الله ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: منسيون في النار.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنهم مُعْجَلُونَ إلى النار مقدّمون إليها ، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب: أفرطنا فلانا في طلب الماء، إذا قدّموه لإصلاح الدلاء والأرشية ، وتسوية ما يحتاجون إليه عند ورودهم عليه فهو مُفْرَط. فأما المتقدّم نفسه فهو فارط، يقال: قد فَرَط فلان أصحابَه يَفْرُطهم فُرْطا وفُروطا: إذا تقدمهم وجمع فارط: فُرَّاط ومنه قول القُطامِيّ:

واسْـتَعْجَلُونا وكـانُوا مِـنْ صَحَابَتِنـا

كمَـــا تَعَجَّــل فُــرَّاطٌ لِــوُرَّادِ (2)

ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أنا فَرَطُكُمْ على الحَوْضِ": أي متقدمكم إليه وسابقكم " حتى تَرِدُوهُ".

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) يقول: مُعْجَلُون إلى النار.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: قد أفرطوا في النار أي مُعْجَلُون.

وقال آخرون. معنى ذلك: مُبْعَدون في النار.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أشعث السمَّان، عن الربيع، عن أبي بشر، عن سعيد ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) قال: مُخْسَئون مُبْعَدون.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الإفراط الذي هو بمعنى التقديم، إنما يقال فيمن قدَم مقدَما لإصلاح ما يقدم إليه إلى وقت ورود من قدمه عليه، وليس بمقدم من قدم إلى النار من أهلها لإصلاح شيء فيها لوارد يرد عليها فيها فيوافقه مصلحا، وإنما تَقَدّم مَن قُدِّم إليها لعذاب يُعجَّل له . فإذا كان معنى ذلك الإفراط الذي هو تأويل التعجيل ففسد أن يكون له وجه في الصحة، صحّ المعنى الآخر ، وهو الإفراط الذي بمعنى التخليف والترك. وذلك أنه يُحكى عن العرب: ما أَفْرطت ورائي أحدًا: أي ما خَلَّفته ؛ وما فرطته: أي لم أخلفه.

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المِصرَينِ الكوفة والبصرة ( وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ) بتخفيف الراء وفتحها، على معنى ما لم يُسَمّ فاعله من أُفرِط فهو مُفْرَط . وقد بيَّنت اختلاف قراءة ذلك كذلك في التأويل. وقرأه أبو جعفر القارئ. " وأنَّهُم مُفَرِّطُونَ" بكسر الراء وتشديدها، بتأويل: أنهم مفرِّطون في أداء الواجب الذي كان لله عليهم في الدنيا، من طاعته وحقوقه، مضيعو ذلك، من قول الله تعالى يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وقرأ نافع بن أبي نعيم: " وأنَّهُم مُفْرِطُونَ" بكسر الراء وتخفيفها.

حدثني بذلك يونس، عن وَرْش عنه ، بتأويل: أنهم مُفْرِطُونَ في الذنوب والمعاصي، مُسْرِفون على أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أَفْرط فلان في القول: إذا تجاوز حَدَّه، وأسرف فيه.

والذي هو أولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة الذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لموافقتها تأويل أهل التأويل الذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الأخرى عن تأويلهم.

------------------------

الهوامش:

(2) البيت في ديوان القطامي (طبعة ليدن سنة 1902) وفيه "فاستعجلونا" بالفاء. يقول: استعجلونا: أي أعجلونا، يريد تقدمونا، والفراط: الذين يتقدمون الواردة، فيصلحون الأرشية، حتى يأتي القوم بعدهم. وفي اللسان: فرط: وفرط القوم يفرطهم فرطا (من باب قتل) وفراطة: تقدمهم إلى الورد، لإصلاح الأرشية والدلاء، ومدر الحياض والسقي فيها، فأنا فارط، وهم الفراط؛ قال القطامي: فاستعجلونا ... الخ البيت. وفي الصحاح: كما تعجل في موضع: كما تقدم.

المعاني :

وَتَصِفُ :       تَقُولُ السراج
الْحُسْنَى :       حُسْنُ العَاقِبَةِ السراج
لَا جَرَمَ :       حَقًّا السراج
لا جرَمَ :       حقّ و ثبت أو لا محالة أو حقّا معاني القرآن
مُّفْرَطُونَ :       مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ، مَنْسِيُّونَ السراج
مُفرطون :       مُقدّمون معجّلٌ بهم إلى النار معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[62] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ من جهالات المشركين: نسبة البنات إلى الله تعالى، ونسبة البنين لأنفسهم، وأنفَتُهم من البنات، وتغيُّر وجوههم حزنًا وغمًّا بالبنت، واستخفاء الواحد منهم وتغيبه عن مواجهة القوم من شدَّة الحزن وسوء الخزي والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت.
لمسة
[62] ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ الكفار يفترون على الله الكذب بأن لهم العاقبة الحسنى في الآخرة. وقدم الجار والمجرور (لهم) في قوله تعالى: ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾، لأنهم يزعمون أن الحسنی مختصة بهم دون غيرهم.
وقفة
[62] ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر.
وقفة
[62] ﴿لَا جَرَمَ﴾ الجرم هو الذنب، والذنب هو الباطل، ونفي الجرم نفي للباطل، ونفي الباطل هو إثبات الحق؛ فمعنی لا جرم: أي حقًا.
تفاعل
[62] ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[62] ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ وهم ليسوا فقط من أهل النار، بل هم مفرطون إليها، أي: مقدمون إليها يقال: فرط: إذا تقدم تقدمًا، والفارط إلى الماء: المتقدم إليه، ومنه قول النبي ﷺ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» [البخاري 6589]، أي: متقدمكم.
وقفة
[62] ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ دليل على تفاوت أهل النار، ليس فقط في الدركات، وإنما كذلك في ترتيب الدخول للعذاب، فمنهم المتقدم، ومنهم المتأخر.
وقفة
[62] ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ قُرِئت: (مفْرِطون) بمعنى تجاوز الحد، و(مفرِّطون): بمعنى مقصرون، و(مفرَطون): بمعنى متركون ومنسيون.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ:
  • الواو استئنافية. يجعلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. لله: جار ومجرور متعلق بيجعلون او بمفعول «يجعلون» الثاني.
  • ﴿ ما يَكْرَهُونَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يكرهون: تعرب إعراب «يجعلون» وهي صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: يكرهونه: وهو البنات بادعائهم أن الملائكة بناته أو ما يكرهون لأنفسهم من البنات ومن شركاء والتهاون برسالات رسلهم.
  • ﴿ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ:
  • أي يدعون كذبا. الواو عاطفة. تصف: فعل مضارع مرفوع بالضمة. ألسنة: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. الكذب: مفعول به منصوب بالفتحة. أي ويدّعون كذبا.
  • ﴿ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى:
  • الجملة بتأويل مصدر في محل نصب بدل من الكذب.أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر «أنّ» المقدم. الحسنى: اسم «أنّ» منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أي المثوبة الحسنى في الآخرة.
  • ﴿ لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ:
  • لا جرم: فيها عدة لغات سبق شرحها في سورة سابقة فهي بمعنى: حقا أن لهم النار: تعرب إعراب أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى» وعلامة النصب في «النار» الفتحة الظاهرة والجملة بتأويل مصدر في محل رفع فاعل أي حقّ ذلك. أو وجب أو يكون المصدر في محل جر بحرف جر مقدر بمعنى لا بدّ من ..
  • ﴿ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ:
  • الواو عاطفة. أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أن».مفرطون: بمعنى متركون أو منسيون: خبر «أن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين في المفرد. أو بمعنى: مقدمون الى النار. '

المتشابهات :

النحل: 57﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ
النحل: 62﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [62] لما قبلها :     ولمَّا كان ما تقدم أمارة على كراهتهم لِمَا نسبوه إلى الله تعالى (أي: عندما نسبوا البنات لله، وفي نفس الوقت يكرهون أن يرزق أحدهم ببنت)؛ جاء هنا التصريح بعد التلويح، قال تعالى:
﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ألسنتهم:
وقرئ:
بإسكان التاء، وهى لغة تميم، وبها قرأ الحسن، ومجاهد، باختلاف.
الكذب:
وقرئ:
بضم الكاف والذال والباء، صفة للألسن، وهى قراءة معاذ بن جبل، وبعض أهل الشام.
أن لهم:
وقرئ:
بكسر الهمزة، وهى قراءة الحسن، وعيسى بن عمر، على أن «أن» جواب قسم، أغنت عنه «لا جرم» .
مفرطون:
وقرئ:
1- بكسر الراء، من «أفرط» أي: يتجاوزون الحد، وهى قراءة ابن عباس، وابن مسعود، وأبى رجاء، وشيبة، ونافع، وأكثر أهل المدينة.
2- بفتح الراء «من» أفرطته إلى كذا، إذا قدمته، وهى قراءة باقى السبعة، والحسن، والأعرج، وأصحاب ابن عباس، ونافع، فى رواية.
3- بتشديد الراء، وكسرها من «فرط» ، وهى قراءة أبى جعفر.
4- بتشديد الراء وفتحها أي: مقدمون، ورويت عن أبى جعفر أيضا.

مدارسة الآية : [63] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ ..

التفسير :

[63] تالله لقد أرسلنا رسلاً إلى أمم مِن قبلك -أيها الرسول- فحسَّن لهم الشيطان ما عملوه من الكفر والتكذيب وعبادة غير الله، فهو متولٍّ إغواءهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع.

بيَّن تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه ليس هو أول رسول كُذِّب فقال [تعالى]:{ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} رسلا يدعونهم إلى التوحيد،{ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} فكذبوا الرسل، وزعموا أن ما هم عليه، هو الحق المنجي من كل مكروه وأن ما دعت إليه الرسل فهو بخلاف ذلك، فلما زين لهم الشيطان أعمالهم، صار وليهم في الدنيا، فأطاعوه واتبعوه وتولوه.

{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة حيث تولوا عن ولاية الرحمن، ورضوا بولاية الشيطان فاستحقوا لذلك عذاب الهوان.

ثم وجه- سبحانه- خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التسلية والتثبيت، حيث بين له أن ما أصابه من مشركي قومه، قد فعل ما يشبهه المشركون السابقون مع أنبيائهم، فقال- تعالى-: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

وقوله فَزَيَّنَ من التزيين وهو تصيير الشيء زينا، أى: حسنا والزينة: هي ما في الشيء من محاسن ترغب الناس فيه.

والمعنى: أقسم لك- أيها الرسول الكريم- بذاتى، لقد أرسلنا رسلا كثيرين إلى أمم كثيرة من قبلك، فكانت النتيجة أن استحوذ الشيطان على نفوس عامة هؤلاء المرسل إليهم، حيث زين لهم الأفعال القبيحة، وقبح لهم الأعمال الحسنة، وجعلهم يقفون من رسلهم موقف المكذب لأقوالهم، المعرض عن إرشاداتهم، المحارب لدعوتهم.

وقوله- سبحانه-: فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بيان لسوء عاقبة هؤلاء الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا.

قال الإمام الشوكانى ما ملخصه: والمراد باليوم في قوله- تعالى-: فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ يحتمل أن يكون المراد به زمان الدنيا- أى مدة أيام الدنيا- فيكون المعنى: فهو قرينهم في الدنيا. ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده. فيكون للحال الآتية. ويكون الولي بمعنى الناصر. والمراد نفى الناصر عنهم بأبلغ الوجوه، لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلا في الآخرة.

ويحتمل أن يكون المراد باليوم بعض زمان الدنيا، وهو على وجهين: الأول أن يراد البعض الذي مضى، وهو الذي وقع فيه التزيين للأمم الماضية من الشيطان، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية.. الثاني: أن يراد البعض الحاضر، وهو وقت نزول الآية. والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش أعمالهم، فيكون الضمير في «وليهم» لكفار قريش. فيكون المعنى: فهو ولى هؤلاء المشركين اليوم أى: معينهم على الكفر والمعاصي ولهم ولأمثالهم عذاب أليم في الآخرة» .

ذكر تعالى أنه أرسل إلى الأمم الخالية رسلا فكذبت الرسل ، فلك يا محمد في إخوانك من المرسلين أسوة ، فلا يهيدنك تكذيب قومك لك ، وأما المشركون الذين كذبوا الرسل ، فإنما حملهم على ذلك تزيين الشيطان لهم ما فعلوه ، ( فهو وليهم اليوم ) أي : هم تحت العقوبة والنكال ، والشيطان وليهم ، ولا يملك لهم خلاصا ، ولا صريخ لهم ولهم عذاب أليم .

يقول تعالى ذكره مقسِما بنفسه عزّ وجلّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: والله يا محمد لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى أمتك من الدعاء إلى التوحيد لله ، وإخلاص العبادة له ، والإذعان له بالطاعة ، وخلع الأنداد والآلهة ( فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) يقول: فحسَّن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر بالله وعبادة الأوثان مقيمين، حتى كذّبوا رسلهم، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربهم ( فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ) يقول: فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا، وبئس الناصر ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة عند ورودهم على ربهم، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان، ولا هي نفعتهم في الدنيا ، بل ضرّتهم فيها وهي لهم في الآخرة أضرّ.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[63] ﴿تَاللَّـهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ المؤمن إذا تذكر أنه مسؤول أمام الله تعالى -قوله وفعله- فإنه يحذر من قول السوء وعمله.
وقفة
[63] ﴿تَاللَّـهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ ليس المراد من القسم الإخبار بأن الله أرسل رسلًا قبل النبي ﷺ، بل المراد تأكيد تكذيب الأمم السابقة، ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾، فلا تحزن يا محمد، ولا تكن في ضيق مما يكيد الكائدون ويفتري المكذبون.
تفاعل
[63] ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
عمل
[63] ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ احذر أن تكون ممن زين له الشيطان سوء عمله، فحسَّن له القبيح، وقبح له الحسن، وهو غافل.
وقفة
[63] ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سماه وليًّا لهم لطاعتهم إياه.
وقفة
[63] ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الله وليکم، والشيطان وليهم، فلمن الغلبة؟
وقفة
[63] ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ما دام الشيطان تولاهم في الدنيا، وأغراهم بالكفر وعداء المرسلين، فليتولهم اليوم وليدافع عنهم يوم القيامة، فقيل لهم: هذا وليكم اليوم على سبيل السخرية.

الإعراب :

  • ﴿ تَاللهِ:
  • أي والله. التاء: حرف جر للقسم. الله لفظ‍ الجلالة: مجرور للتعظيم بتاء القسم والجار والمجرور متعلق بفعل أقسم المحذوف.
  • ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ:
  • اللام واقعة في جواب القسم وما بعدها: جملة القسم لا محل لها. قد حرف تحقيق. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف معموله-المفعول به-أي أرسلنا رسلا مثلك. والجار والمجرور إِلى أُمَمٍ» متعلق بأرسلنا.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أمم» والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الفاء عاطفة. زيّن: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بزين. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة. اعمال: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي أعمالهم من الكفر والمعاصي و «هم» في «لهم» ضمير الغائبين في محل جر باللام.
  • ﴿ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ:
  • حكاية الحال الماضية التي كان يزين لهم الشيطان اعمالهم فيها أو فهو وليّهم في الدنيا. أي ولّي أمرهم بجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا أو بجعلها حكاية للحال الآتية. الفاء استئنافية و «هو» ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ولّي: خبر «هو» مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وقد حذف المضاف «أمر».اليوم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب على الظرفية بالفتحة.
  • ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أليم: صفة-نعت-ليوم. '

المتشابهات :

الأنعام: 42﴿وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
النحل: 63﴿تَاللَّـهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [63] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل ما وقع فيه المشركون من الجرائم العظام؛ هَدَّدَ الكفارَ هنا بالعذاب الأليم يوم القيامة كما حدث لغيرهم، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأن تكذيب قومه له إنما هو سنة ماضية حاضرة للكفار، قال تعالى:
﴿ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [64] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ ..

التفسير :

[64] وما أنزلنا عليك القرآن -أيها الرسول- إلا لتوضح للناس ما اختلفوا فيه من الدين والأحكام؛ لتقوم الحجة عليهم ببيانك الذي لا يترك للباطل مسلكاً إلى النفوس، ولكون القرآن هدىً لا يترك مجالاً للحَيْرة، ورحمة للمؤمنين في اتباعهم الهدى ومجانبتهم الضلال.

ثم بين- سبحانه- أهم الوظائف التي من أجلها أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

أى: وما أنزلنا عليك- أيها الرسول الكريم- هذا القرآن، إلا من أجل أن تبين لمن أرسلت إليهم وجه الصواب فيما اختلفوا فيه من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والحلال والحرام ... وبذلك يعرفون الحق من الباطل، والخير من الشر.

وسيقت هذه المعاني بأسلوب القصر، لقصد الإحاطة بأهم الغايات التي من أجلها أنزل الله- تعالى- كتابه على نبيه الكريم، ولترغيب السامعين في تقبل إرشادات هذا الكتاب بنفس منشرحة، وقلب متفتح.

وقوله وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ثناء آخر على هذا الكتاب الكريم.

أى: أنزلنا هذا الكتاب يا محمد، لتبين للناس عن طريقه وجه الحق فيما اختلفوا فيه من أمور الدين، وليكون هذا الكتاب هداية إلى الطريق القويم، ورحمة لقوم يؤمنون به، ويسيرون في كل أمورهم على هدى تعاليمه وإرشاداته وتشريعاته.

وقال- سبحانه-: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ للإشارة الى أن الظفر بما اشتمل عليه القرآن من خيرات، إنما هو لقوم قد توجهت نفوسهم إلى الإيمان به، وتفتحت قلوبهم لاستقبال هداياته.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا جانبا من مظاهر فضل الله- تعالى- على عباده، وردت على المشركين فيما زعموه من أن لهم في الآخرة العاقبة الحسنى، وسلت النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى، وبينت أهم الوظائف التي من أجلها أنزل الله- تعالى- كتابه.

ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا من نعم الله- تعالى- على خلقه، ومن ذلك: نعمة إنزال الماء من السماء، ونعمة خلق الأنعام، ونعمة إيجاد النخيل والأعناب، فقال- تعالى-:

ثم قال تعالى لرسوله : أنه إنما أنزل عليه الكتاب ليبين للناس الذي يختلفون فيه ، فالقرآن فاصل بين الناس في كل ما يتنازعون فيه ) وهدى ) أي : للقلوب ، ( ورحمة ) أي : لمن تمسك به ، ( لقوم يؤمنون )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أنـزلنا عليك كتابنا وبعثناك رسولا إلى خلقنا إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله ، فتعرّفهم الصواب منه ، والحقّ من الباطل، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها.

وقوله ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يقول: وهدى بيانا من الضلالة، يعني بذلك الكتاب ، ورحمة لقوم يؤمنون به، فيصدّقون بما فيه، ويقرّون بما تضمن من أمر الله ونهيه، ويعملون به ، وعطف بالهدى على موضع ليبين، لأن موضعها نصب. وإنما معنى الكلام: وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا بيانًا للناس فيما اختلفوا فيه هدى ورحمة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[64] ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير؛ وهي: كشف الجهالات، والهدى إلى المعارف الحق، وحصول أثر ذينك الأمرين؛ وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى.
وقفة
[64] ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ مهمة النبي ﷺ الكبرى هي تبيان ما جاء في القرآن، وبيان ما اختلف فيه أهل الملل والأهواء من الدين والأحكام، فتقوم الحجة عليهم ببيانه.
وقفة
[64] ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: 2]، ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 97]؛ إنه القرآن؛ فتلمسوا هداياته، وتعرضوا لرحماته، واستبشروا ببشارته.
وقفة
[64] ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ الإتيان بصيغة القصر؛ لقصد الإحاطة بالأهم من غاية القرآن وفائدته التي أنزل من أجلها، فهو قصر ادعائي؛ ليرغب السامعون في تلقيه وتدبره من مؤمن وكافر.
وقفة
[64] ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ حين نتحاكم إلى القرآن ونعمل بشرعه؛ يقل الخلاف ويتحقق الائتلاف.
تفاعل
[64] ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ سَلِ الله أن يهديك ويرحمك بكتابه.
وقفة
[64] القرآن أعظم مرجع لحل الخلافات ونبذ الاختلافات ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَنْزَلْنا:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. أنزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ:
  • جار ومجرور متعلق بأنزل. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة. إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. والكتاب: القرآن.
  • ﴿ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي:
  • اللام: حرف جر للتعليل. تبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأنزل وجملة «تبين» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. لهم: جار ومجرور متعلق بتبين. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ اخْتَلَفُوا فِيهِ:
  • أي من أمر التوحيد والرسل والكتب. اختلفوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيه: جار ومجرور متعلق باختلفوا.
  • ﴿ وَهُدىً وَرَحْمَةً:
  • معطوفتان بواوي العطف على محل «لتبين» الاّ أنهما انتصبتا على أنهما مفعول لهما-مفعول لأجلهما-أو-من أجلهما-منصوبتان بالفتحة. وقدرت على ألف «هدى» للتعذر.
  • ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بهدى. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة في محل جر صفة لقوم '

المتشابهات :

النحل: 39﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ
النحل: 64﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [64] لما قبلها :     وبعد تهديد الكفار؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه قد أقام الحُجَّةَ، فأنزل القرآن لبيان العقائد والعبادات والمعاملات، والحلال والحرام والخير من الشر، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف