132363738394041424344

الإحصائيات

سورة الأنعام
ترتيب المصحف6ترتيب النزول55
التصنيفمكيّةعدد الصفحات23.00
عدد الآيات165عدد الأجزاء1.17
عدد الأحزاب2.35عدد الأرباع9.40
ترتيب الطول5تبدأ في الجزء7
تنتهي في الجزء8عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 2/14الحمد لله: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (36) الى الآية رقم (39) عدد الآيات (4)

لمَّا ذكرَ تكذيبَ المشركينَ للنَّبي r بَيَّنَ هنا سببَ إعراضِهم، فهُم كالموتى والمَيْتُ لا يسْمَعُ ولا يستجيبُ، ثُمَّ مطالبتُهم بإنزالِ آيةً من ربِّهم خارقةً للعادةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (40) الى الآية رقم (45) عدد الآيات (6)

لمَّا بَيَّنَ غايةَ جهلِ أولئكَ المشركينَ بَيَّنَ هنا حالَهم عندَ الشِّدةِ والبلاءِ: انكسارَ ولجوءَ إلى اللهِ، فإذا انكشفَ البلاءُ: عادُوا إلى الجحودِ والاستكبارِ، ثُمَّ التذكيرُ بسنِّةِ الابْتِلاءِ وسنَّةِ الاستدراجِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأنعام

التوحيد الخالص في الاعتقاد والسلوك/ مجادلة المشركين في إثبات التوحيد والرسالة والبعث/ قذائف الحق

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إذًا كيف هذا؟ وما علاقة هذا بالأنعام؟: الأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم. والمشركون من العرب اعترفوا بوجود الله، وكانوا ينظرون للأنعام على أنها الثروة الأساسية وعصب الحياة، فهي الأكل والشرب والمواصلات والثروة. تعامل المشركون من العرب مع الأنعام على أنها تخصهم ولا علاقة لله تعالى بها بزعمهم، فأحلوا وحرموا بعضِ الزروعِ والأنعامِ، وجعلوا لله جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام، يقدمونه للمساكين وللضيوف، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء للأوثان والأنصاب، ومثل ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها، وتركوها لآلهتهم وامتنعوا عن نحرها وركوبها، وسموها "بحيرة"، وسموا أخرى "سائبة" وأخرى "وصيلة".
  • • ما العلاقة بين الأنعام وبين سورة تتحدث عن توحيد الله؟: الله هو الذي خلق الأنعام، وسخرها للإنسان؛ وبالتالي فهو وحده المشرع للأحكام المتعلقة بها.فالتوحيد ليس معناه أنْ يقول المرء في نفسه أنا أوحّد الله وواقع حياته لا يشهد بذلك. وكثير من الناس يوحّدون الله اعتقادًا؛ فهو يجزم بهذا الأمر، ولا مجال للنقاش أو الشك في توحيده لله عزّ وجلْ، ولكن إذا تأملنا واقع حياته، وهل يطبق شرع الله تعالى في كل تصرفاته؟؛ فإننا سنجد أنّ الأمر مختلف. توحيد الله تعالى لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل لا بد من توحيده في كل تصرفاتنا وحياتنا اليومية.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «الأنعام»
  • • معنى الاسم :: النَّعَمُ: واحد الأنعام، والأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم.
  • • سبب التسمية :: لأنها عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، وتكرر فيها لفظ (الأنعام) 6 مرات، (أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ)، وجاءت بحديث طويل عنها استغرق 15 آية (من 136 إلى 150).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة الحجة»، وتسمى الأنعام والأعراف: «الطُّولَيَيْن» (أي: أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل يجب أن يشمل الاعتقاد والسلوك.
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله تعالى أجلى حقائق الكون وأوضحها، وأن المنكر لذلك معاند مكابر.
  • • علمتني السورة :: أن الله أرحم بنا من أي أحد، ولذا عرفنا بنفسه، وأرسل لنا رسله، وأنزل علينا كتبه، ووعظنا بأحوال السابقين حتى لا نلقي مصيرهم.
  • • علمتني السورة :: الأنعام أن الاستغفار من أسباب رفع البلاء وتخفيفه؛ لأن البلاء ينزل بالذنوب: ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾

مدارسة الآية : [36] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى ..

التفسير :

[36] إنما يجيبك -أيها الرسول- إلى ما دعوت إليه من الهدى الذين يسمعون الكلام سماع قَبول. أما الكفار فهم في عداد الموتى؛ لأن الحياة الحقيقية إنما تكون بالإسلام. والموتى يخرجهم الله من قبورهم أحياء، ثم يعودون إليه يوم القيامة؛ ليُوَفَّوْا حسابهم وجزاءهم.

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ} لدعوتك، ويلبي رسالتك، وينقاد لأمرك ونهيك{ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} بقلوبهم ما ينفعهم، وهم أولو الألباب والأسماع. والمراد بالسماع هنا:سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى، باستماع آياته، فلم يبق لهم عذر، في عدم القبول.{ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي:إنما يستجيب لك أحياء القلوب، وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لك، ولا ينقادون، وموعدهم القيامة، يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا، متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله، والترهيب من عدم ذلك.

ثم بين- سبحانه- من هم أهل للإيمان والاستجابة للحق فقال:

إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ أى: إنما يستجيب لك أيها الرسول الكريم أولئك الذين يسمعون توجيهك وأقوالك سماع تدبر وتفهم وتأثر، أما هؤلاء الذين يعاندونك فقد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون.

فالمراد بالاستجابة هنا، الإجابة المقرونة بالتفكر والتأمل، فهي إجابة محكمة دقيقة لأنها أنت بعد استقراء وتدبر وهذا ما تدل عليه السين.

ثم بين- سبحانه- حال الكفار فقال: وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ أى: وموتى القلوب الذين لا يسمعون سماع تدبر وتقبل وهم المشركون، سيبعثهم الله من قبورهم يوم القيامة ويحاسبهم حسابا عسيرا على أقوالهم الباطلة وأعمالهم السيئة.

فالمراد بالموتى هنا الكفار لأنهم موتى القلوب فشبههم- سبحانه- بموتى الأجساد، وهذا من باب التهكم بهم والتحقير من شأنهم.

وقيل: إن لفظ الموتى على حقيقته وأن الله- تعالى- بقدرته النافذة سيبعث الجميع يوم القيامة ويرجعهم إليه فيجازى الذين أساؤا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

ثم حكى- سبحانه- بعض الشبهات التي تذرع بها المشركون تعنتا، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم، وبما يؤكد قدرته النافذة وعلمه المحيط فقال- تعالى-:

وقوله : ( إنما يستجيب الذين يسمعون ) أي : إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه ، كقوله : ( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) [ يس : 70 ] ، وقوله ( والموتى يبعثهم الله ) يعني : بذلك الكفار ; لأنهم موتى القلوب ، فشبههم الله بأموات الأجساد فقال : ( والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ) وهذا من باب التهكم بهم ، والازدراء عليهم .

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبُرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك، وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربّهم والإقرار بنبوّتك, فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك، (1) إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحق، وسهَّل لهم اتباع الرُّشد, دون من ختم الله على سمعه، فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحق إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رُعاتها, فهم كما وصفهم به الله تعالى ذكره: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة البقرة: 171] =" والموتى يبعثهم الله " ، يقول: والكفارُ يبعثهم الله مع الموتى, فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولا إذ كانوا لا يتدبرون حُجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكرون فينـزجرون عما هم عليه من تكذيب رُسل الله وخلافهم. (2)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13206 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " إنما يستجيب الذين يسمعون "، المؤمنون، للذكر =" والموتى " ، الكفار, حين يبعثهم الله مع الموتى.

13207- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

13208 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " إنما يستجيب الذين يسمعون " ، قال: هذا مَثَل المؤمن، سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله. والذين كذَّبوا بآياتنا صم وبكم, وهذا مثل الكافر أصم أبكم, لا يبصر هدًى ولا ينتفع به.

13209 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن سفيان الثوري, عن محمد بن جحادة, عن الحسن: " إنما يستجيب الذين يسمعون "، المؤمنون =" والموتى " ، قال: الكفار.

13210- حدثني ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن محمد بن جحادة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله " ، قال: الكفار.

* * *

وأما قوله: " ثم إليه يرجعون " ، فإنه يقول تعالى ذكره: ثم إلى الله يرجع المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول, (3) والكفارُ الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئًا, فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب, ويعاقب هذا الكافرَ بما أوعدَ أهل الكفر به من العقاب, لا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة.

---------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"الاستجابة" فيما سلف 3: 483 ، 484/7 : 486 - 488.

(2) في المطبوعة: "ولا يتذكرون فينزجروا" وفي المخطوطة: "ولا يتذكروا فينزجروا" والصواب ما أثبته.

(3) في المطبوعة والمخطوطة: "ثم إلى الله يرجعون المؤمنون" ، وليس بشيء هنا ، والجيد ما أثبته.

المعاني :

يَسۡمَعُونَۘ :       سَماعَ تَفَهُّمٍ لِما تَقْتَضيه العقولُ الميسر في غريب القرآن
وَٱلۡمَوۡتَىٰ :       هم الكفارُ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[36] المراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن يشترك فيه البر والفاجر؛ فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى باستماع آياته.
لمسة
[36] ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ﴾ وصف الله الفريق الأول بالسامعين، ولم يسمِّ الفريق الثاني بالصُمِّ أو الذين لا يسمعون، ولكن سماهم موتى؛ لأن في هذا تعريض بأولئك المعاندين المعرضين بأنهم ولشدة إصرارهم على غيِّهم ولرفضهم للحق أصبحوا كالأموات لا ترجى منهم استجابة، وهذا أشد من الأصم أو الذي لا يسمع، فالأصم لا يسمع ولكنه قد يشعر ويعي ما يدور حوله، أما الميت فقد فَقَدَ كل إدراك وشعور.
وقفة
[36] ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ﴾ المستجيب للحق حي ولو كان أصم وأبكم وأعمى، والمعاند میت ولو كان تام الحواس.
وقفة
[36] ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ﴾ من فقد سماع القلب لأوامر ربه حرم التوفيق في سائر أمره، والمقصود به سماع الاعتبار.
وقفة
[36] المستجيب للحق إنما هو حي ولو كان أصم أبكم أعمى، والمعاند ميت ولو كملت كل حواسه! ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[36] ﴿وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ﴾ تشبيه الكفار بالموتى؛ لأن الحياة الحقيقية هي حياة القلب بقَبوله الحق واتباعه طريق الهداية.
عمل
[36] تأمل ما سمعته من الآيات في الصلاة هذا اليوم، وكم فيها من أوامر ونواهٍ! وكم طبقت منها!

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ:
  • إنّما: كافة ومكفوفة. يستجيب: فعل مضارع مرفوع بالضمة أي يجيب دعوتك الذين يسمعون. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. يسمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَسْمَعُونَ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. الموتى: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. يبعث: فعل مضارع مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الله: فاعل مرفوع بالضمة. وحركت ميم «يَبْعَثُهُمُ» بالضمة للاشباع والجملة الفعلية «يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ:
  • حرف عطف. إليه: جار ومجرور متعلق بيرجعون. يرجعون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل تكذيبَ المشركينَ للنَّبي صلى الله عليه وسلم؛ بَيَّنَ هنا سببَ إعراضِهم، فهُم كالموتى والمَيْتُ لا يسْمَعُ ولا يستجيبُ، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ

القراءات :

يرجعون:
وقرئ:
بفتح الياء، من «رجع» اللازم.

مدارسة الآية : [37] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ..

التفسير :

[37] وقال المشركون -تعنتاً واستكباراً-:هلَّا أنزل الله علامة تدل على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- من نوع العلامات الخارقة، قل لهم -أيها الرسول-:إن الله قادر على أن ينزل عليهم آية، ولكن أكثرهم لا يعلمون أن إنزال الآيات إنما يكون وَفْق حكمته تعالى.

{ وَقَالُوا} أي:المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا:{ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يعنون بذلك آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة. كقولهم:{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا *أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} الآيات.{ قُلْ} مجيبا لقولهم:{ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} فليس في قدرته قصور عن ذلك، كيف، وجميع الأشياء منقادة لعزته، مذعنة لسلطانه؟! ولكن أكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الآيات، التي لو جاءتهم، فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب، كما هي سنة الله، التي لا تبديل لها، ومع هذا، فإن كان قصدهم الآيات التي تبين لهم الحق، وتوضح السبيل، فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم، بكل آية قاطعة، وحجة ساطعة، دالة على ما جاء به من الحق، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين، أن يجد فيما جاء به عدة أدلة عقلية ونقلية، بحيث لا تبقي في القلوب أدنى شك وارتياب، فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

ولَوْلا هنا تحضيضية بمعنى هلا. والمعنى: وقال أولئك الكافرون: هلا نزل عليك يا محمد معجزة حسية كتفجير الأنهار، وفلق البحر، ونزول الملائكة معك.. إلخ.

فهذه الآيات الكريمة تحكى عنهم أنهم لم يكتفوا بالقرآن معجزة خالدة للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون معجزات حسية من جنس معجزات الأنبياء السابقين.

وإنما قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات، لتركهم الاعتداد بما أنزل عليه، حتى لكأنه لم ينزل عليه شيء عنادا وجحودا منهم.

وفي قولهم- كما حكى القرآن عنهم- لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ببناء الفعل للمجهول وذكر لفظ الرب، للإشارة إلى أنهم لا يوجهون الطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يوجهونه إلى الله تعالى، لأنه إذا كان رسولا من عنده، فليجب له هذا الطلب الذي نتمناه ونكون من بعده مؤمنين.

وقد رد الله- تعالى- عليهم بقوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

أى: قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التوبيخ والتقريع إن الله- تعالى- قادر على تنزيل ما اقترحوا من آيات، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء، ولكنه- سبحانه- ينزل ما تقتضيه حكمته، إلا أنهم لجهلهم وعنادهم لا يعلمون شيئا من حكم الله في أفعاله، ولا من سننه في خلقه.

وقوله- تعالى-: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يفيد أنهم لا يؤمنون حتى ولو جاءتهم الآيات التي اقترحوها، لأن عدم إيمانهم ليس عن نقص في الدليل ولكنه عن تكبر وجحود.

يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم كانوا يقولون : ( لولا نزل عليه آية من ربه ) أي : خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ، ومما يتعنتون كما قالوا : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) الآيات [ الإسراء : 90 ] .

( قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : هو تعالى قادر على ذلك ، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك ; لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا ، لعاجلهم بالعقوبة ، كما فعل بالأمم السالفة ، كما قال تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء : 59 ] ، وقال تعالى : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ) [ الشعراء : 4 ] .

القول في تأويل قوله : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم، المعرضون عن آياته: " لولا نزل عليه آية من ربه " ، يقول: قالوا: هلا نـزل على محمد آية من ربه؟ (4) كما قال الشاعر: (5)

تَعُـدُّونَ عَقْـرَ النِّيـبِ أَفْضَـل مَجْدِكُمْ

بَنِـي ضَوْطَـرَي, لَـولا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (6)

بمعنى: هلا الكميَّ.

* * *

و " الآية "، العلامة. (7)

* * *

وذلك أنهم قالوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا [سورة الفرقان : 7،8] . قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لقائلي هذه المقالة لك: " إنّ الله قادر على أن ينزل آية ", يعني: حجة على ما يريدون ويسألون=" ولكن أكثرهم لا يعلمون " ، يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية, (8) لا يعلمون ما عليهم في الآية إن نـزلها من البلاء, ولا يدرون ما وجه ترك إنـزال ذلك عليك, ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنـزلها عليك، لم يقولوا ذلك، ولم يسألوكه, ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.

------------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير"لولا" فيما سلف 2: 552 ، 553/10 : 448/ 11 : 262 ،

(5) هو جرير.

(6) مضى البيت وتخريجه وتفسيره وصواب نسبته فيما سلف 2: 552 ، 553.

(7) انظر تفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).

(8) في المخطوطة: "ولكن أكثرهم الذين يقولون" ، والجيد ما في المطبوعة.

المعاني :

لَوۡلَا :       هَلَّا الميسر في غريب القرآن
ءَايَةࣱ :       علامةٌ تَدُلُّ على صِدْقِه، وتَضْطَرُّهُمْ إلى الإيمانِ الميسر في غريب القرآن
لَا يَعۡلَمُونَ :       أي: إنَّ الإنزالَ يكونُ وَفْقَ حِكْمَتِه تعالى الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[37] استزادوا من المعجزات حتى حصل لهم ما يقطع كل عذر، ولم يعملوا أن مانع هدايتهم هو عمى بصائرهم ومرض قلوبهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو: استئنافية. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول» لولا: أي هلّا نزّل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. عليه: جار ومجرور متعلق بنزل. آية: نائب فاعل مرفوع بالضمة. وقد ذكّر الفعل «نُزِّلَ» وأنّث نائب الفاعل لأنّ تأنيثه غير حقيقي ومفصول عن فعله. وقيل: قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل من الآيات على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). من ربّه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «آيَةٌ» والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول». إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. قادر: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة. على إنزال: جار ومجرور متعلق بقادر.
  • ﴿ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً:
  • أن: حرف نصب ومصدرية. ينزّل: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. آية: مفعول به منصوب بالفتحة. و «إِنَّ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بعلى.
  • ﴿ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا:
  • الواو: استئنافية. لكنّ: حرف مشبّه بالفعل يفيد الاستدراك. أكثر: اسمها منصوب بالفتحة و «هم» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. لا: نافية لا عمل لها.
  • ﴿ يَعْلَمُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل ومعمول الفعل محذوف تقديره لا يعلمون حكمة الله في عدم إجابتهم. وجملة «لا يَعْلَمُونَ» في محل رفع خبر «لكِنَّ». '

المتشابهات :

الأنعام: 8﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ
العنكبوت: 50﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ
يونس: 20﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ
الرعد: 7﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ
الرعد: 27﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ
هود: 12﴿أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ
الأنعام: 37﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ
الفرقان: 32﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وبعد ذكر سبب إعراضِ المشركين؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا شيئًا من عنادهم، وهو: مطالبتُهم بإنزالِ آيةً خارقةً للعادةِ، قال تعالى:
﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [38] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ ..

التفسير :

[38] ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض، أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئاً إلا أثبتناه، ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة، فيحاسِبُ الله كُلّاً بما عمل.

أي:جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناها. كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم، ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم.{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي:ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الآية، دليل على أن الكتاب الأول، قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحد مراتب القضاء والقدر، فإنها أربع مراتب:علم الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات، حتى أفعال العباد. ويحتمل أن المراد بالكتاب، هذا القرآن، وأن المعنى كالمعنى في قوله تعالى{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وقوله{ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} أي:جميع الأمم تحشر وتجمع إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل، فيجازيهم بعدله وإحسانه، ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، أهل السماء وأهل الأرض.

ثم ذكر- سبحانه- بعض الآيات الكونية المبثوثة في الأرض والجو والمعروضة على البصائر والأبصار فقال- تعالى-:

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ.

الدابة: كل ما يدب على الأرض من حيوان. والطائر: كل ذي جناح يسبح في الهواء، والأمم: جمع أمة وهي جماعة يجمعهم أمر ما.

والمعنى: إنه لا يوجد نوع ما من أنواع الأحياء التي تدب على الأرض ولا من أنواع الطير التي تسبح في الهواء إلا وهي أمم مماثلة لكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما الغرض من ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة عن عظم قدرة الله. وسعة سلطانه، وتدبير تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها، وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان» وذكر الجناحين في الطير لتوجيه الأنظار إلى بديع صنعه- سبحانه- وحسن خلقه.

قال- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ .

ثم قال- تعالى-: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ.

التفريط في الأمر: التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت. والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ وقيل المراد به القرآن.

والمعنى: ما تركنا في الكتاب شيئا لم نحصه ولم نثبته، وإنما أحطنا بكل شيء علما، وليس من مخلوق صغر أو كبر في هذا الوجود إلا وسيجمع يوم القيامة أمام خالقه.

فالآية الكريمة مسوقة لبيان سعة علم الله- تعالى- وكمال قدرته، لتكون كالدليل على أنه- سبحانه- قادر على تنزيل الآية التي اقترحوها، وإنما لم ينزلها لأن حكمته تقتضي ذلك.

وجملة ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ معترضة لتقرير مضمون ما قبلها.

والتعبير بثم في قوله ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ للإشارة إلى أنهم أعداد لا يحصيها العد، وجمعهم ليس يسيرا في ذاته، وإن كان بالنسبة لقدرته- تعالى- أمرا هينا.

ويرى بعض العلماء أن المراد بحشر البهائم موتها. ويرى آخرون أن المراد بعثها يوم القيامة لقوله- تعالى-: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ. وفي الحديث الشريف عن أبى ذر الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تتناطحان فقال: يا أبا ذر هل تدرى فيم تتناطحان؟ قال: لا. قال:

ولكن الله يدرى وسيقضي بينهما.

وقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) قال مجاهد : أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها . وقال قتادة : الطير أمة ، والإنس أمة ، والجن أمة . وقال السدي : ( إلا أمم أمثالكم ) أي : خلق أمثالكم .

وقوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) أي : الجميع علمهم عند الله ، ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره ، سواء كان بريا أو بحريا ، كما قال : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] أي : مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها ، وحاصر لحركاتها وسكناتها ، وقال [ الله ] تعالى : ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) [ العنكبوت : 60 ]

وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قل الجراد في سنة من سني عمر ، - رضي الله عنه - ، التي ولي فيها ، فسأل عنه فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك . فأرسل راكبا إلى كذا ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق يسأل : هل رؤي من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة جراد فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ثلاثا ، ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خلق الله ، عز وجل ، ألف أمة ، منها ستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر . وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه .

وقوله ( ثم إلى ربهم يحشرون ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ثم إلى ربهم يحشرون ) قال : حشرها الموت .

وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل ، عن سعيد ، عن مسروق ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : موت البهائم حشرها . وكذا رواه العوفي ، عنه .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد والضحاك ، مثله .

والقول الثاني : إن حشرها هو بعثها يوم القيامة كما قال تعالى : ( وإذا الوحوش حشرت ) [ التكوير : 5 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن منذر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى شاتين تنتطحان ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تدر فيم تنتطحان؟ " قال : لا . قال " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما "

ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الأعمش ، عمن ذكره عن أبي ذر قال : بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ انتطحت عنزان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون فيم انتطحتا؟ " قالوا : لا ندري . قال : " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما " . رواه ابن جرير ، ثم رواه من طريق منذر الثوري ، عن أبي ذر ، فذكره وزاد : قال أبو ذر : ولقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يقلب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثني عباس بن محمد وأبو يحيى البزار قالا حدثنا حجاج بن نصير ، حدثنا شعبة ، عن العوام بن مراجم - من بني قيس بن ثعلبة - عن أبي عثمان النهدي ، عن عثمان ، - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة "

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة في قوله : ( إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) قال : يحشر الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء . قال : ثم يقول : كوني ترابا . فلذلك يقول الكافر : ( يا ليتني كنت ترابا ) [ النبأ : 40 ] ، وقد روي هذا مرفوعا في حديث الصور

القول في تأويل قوله : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك، المكذبين بآيات الله: أيها القوم, لا تحسبُنَّ الله غافلا عما تعملون, أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون! وكيف يغفل عن أعمالكم، أو يترك مجازاتكم عليها، وهو غير غافل عن عمل شيء دبَّ على الأرض صغيرٍ أو كبيرٍ، (9) ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء، بل جعل ذلك كله أجناسًا مجنَّسة وأصنافًا مصنفة, (10) تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سُخِّرت له كما تتصرفون, ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها, ومُثْبَت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب, ثم إنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاءَ أعمالها. يقول: فالرب الذي لم يضيِّع حفظَ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء, أحرى أن لا يُضيع أعمالكم، ولا يُفَرِّط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها، أيها الناس، حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها, إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا, إذ كان قد خصكم من نعمه، وبسط عليكم من فضله، ما لم يعمَّ به غيركم في الدنيا, وكنتم بشكره أحقَّ، وبمعرفة واجبه عليكم أولى، لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميِّزون، والفهم الذي لم يعطه البهائم والطيرَ، الذي به بين مصالحكم ومضارِّكم تفرِّقون.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13211 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, قال ، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " أمم أمثالكم " ، أصناف مصنفة تُعرَف بأسمائها .

13212- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد , مثله .

13213- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " ، يقول: الطير أمة, والإنس أمة, والجن أمة.

13214 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " إلا أمم أمثالكم " ، يقول: إلا خلق أمثالكم .

13215- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنى حجاج, عن ابن جريج في قوله: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " ، قال: الذرّة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب .

* * *

وأما قوله: " ما فرطنا في الكتاب من شيء " ، فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه، كالذي:-

13216 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " ما فرطنا في الكتاب من شيء "، ما تركنا شيئًا إلا قد كتبناه في أم الكتاب.

13217 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله : " ما فرطنا في الكتاب من شيء "، قال : لم نُغفِل الكتاب, ما من شيء إلا وهو في الكتاب. (11)

13218- وحدثني به يونس مرة أخرى, قال في قوله: " ما فرطنا في الكتاب من شيء "، قال: كلهم مكتوبٌ في أم الكتاب .

* * *

وأما قوله: " ثم إلى ربهم يحشرون " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنى " حشرهم "، الذي عناه الله تعالى ذكره في هذا الموضع. (12)

فقال بعضهم: " حشرها "، موتها.

* ذكر من قال ذلك:

13219- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن سعيد, عن مسروق, عن عكرمة, عن ابن عباس: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم "، قال ابن عباس: موت البهائم حشرها. (13)

13220- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " ثم إلى ربهم يحشرون " ، قال: يعني بالحشر، الموت .

13221- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله : " ثم إلى ربهم يحشرون " ، يعني بالحشر: الموت.

* * *

وقال آخرون: " الحشر " في هذا الموضع، يعني به الجمعُ لبعث الساعة وقيام القيامة.

* ذكر من قال ذلك:

13222 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر = عن جعفر بن برقان, عن يزيد بن الأصم, عن أبي هريرة في قوله: " إلا أمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون " ، قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة, البهائمَ والدوابَّ والطيرَ وكل شيء, فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذَ للجمَّاء من القَرْناء, ثم يقول: " كوني ترابًا ", فلذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [سورة النبأ: 40] . (14)

13223 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر=، عن الأعمش, عمن ذكره، (15) عن أبي ذر قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عنـزان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون فيما انتطحتا؟ قالوا: لا ندري! قال: " لكن الله يدري, وسيقضي بينهما. (16)

13224- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليم قال، حدثنا فطر بن خليفة, عن منذر الثوري, عن أبي ذر قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا ذَرّ، أتدري فيم انتطحتا "؟ قلت: لا! قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما! قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلِّب طائرٌ جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علمًا.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ كل دابة وطائر محشورٌ إليه. وجائز أن يكون معنيًّا بذلك حشر القيامة = وجائز أن يكون معنيًّا به حشر الموت = وجائز أن يكون معنيًّا به الحشران جميعًا ، ولا دلالة في ظاهر التنـزيل، ولا في خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ ذلك المراد بقوله: " ثم إلى ربهم يحشرون " ، إذ كان " الحشر "، في كلام العرب الجمع, (17) ومن ذلك قول الله تعالى ذكره: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [سورة ص: 19] ، يعني: مجموعة. فإذ كان الجمع هو " الحشر "، وكان الله تعالى ذكره جامعًا خلقه إليه يوم القيامة، وجامعهم بالموت, كان أصوبُ القول في ذلك أن يُعَمَّ بمعنى الآية ما عمه الله بظاهرها = وأن يقال: كل دابة وكل طائر محشورٌ إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة, إذ كان الله تعالى ذكره قد عم بقوله: " ثم إلى ربهم يحشرون "، ولم يخصص به حشرًا دون حشر.

* * *

فإن قال قائل: فما وجهُ قوله: " ولا طائر يطير بجناحيه " ؟ وهل يطير الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟

قيل : قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى ذكره أنـزل هذا الكتاب بلسان قوم، وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم. فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: " كلمت فلانًا بفمي", و " مشيت إليه برجلي", و " ضربته بيدي"، خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم، ويستعملونه في خطابهم, ومن ذلك قوله تعالى ذكره : (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثَي) [سورة ص: 23]. (18)

-----------------------

الهوامش :

(9) انظر تفسير"دابة" فيما سلف 3: 275.

(10) انظر تفسير"أمة" فيما سلف 10: 465 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(11) في المطبوعة: "لم نغفل ما من شيء . . ." ، أسقط"الكتاب" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

(12) انظر تفسير"الحشر" فيما سلف ص: 297 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(13) الأثر: 13219 -"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، سلف قريبًا رقم: 13177 ، وكان هنا في المطبوعة والمخطوطة أيضًا"عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ ، أشرت إليه فيما سلف.

(14) الأثر: 13222 -"جعفر بن برقان الكلابي" ، ثقة ، مضى برقم: 4577 ، 7836.و"يزيد بن الأصم بن عبيد البكائي" ، تابعي ثقة ، مضى برقم: 7836.وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 316 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن جعفر الجذري ، عن يزيد بن الأصم ، وقال: "جعفر الجذري هذا ، هو ابن برقان ، قد احتج به مسلم ، وهو صحيح على شرطه ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.

وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 308 ، 309 ، ثم قال: "وقد روي هذا مرفوعًا في حديث الصور". وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 11 ، وزاد نسبته لأبي عبيد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم. و"الجماء": الشاة إذا لم تكن ذات قرن. و"القرناء": الشاة الكبيرة القرن.

(15) في المطبوعة والمخطوطة: "عن الأعمش ذكره" ، وهو سهو من الناسخ ، صوابه من تفسير ابن كثير. وقوله"عمن ذكره" كأنه يعني: "منذر الثوري" أو "الهزيل بن شرحبيل" كما يتبين من التخريج.

(16) الأثران: 13223 ، 13224 -"إسحق بن سليمان الرازي العبدي" ، ثقة مضى برقم: 6456 ، 10238 ، 11240.و"فطر بن خليفة القرشي" ، ثقة ، مضى برقم: 3583 ، 6175 ، 7511. وكان في المطبوعة: "مطر بن خليفة" ، وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة. و"منذر الثوري" ، هو: "منذر بن يعلى الثوري" ، ثقة ، قليل الحديث روى عن التابعين ، لم يدرك الصحابة. مضى برقم: 10839. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 153 ، مختصرًا من طريق ابن نمير ، عن الأعمش ، عن منذر ، عن أشياخ من التيم ، قالوا ، قال أبو ذر: "لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علمًا". ثم رواه أيضًا في المسند 5: 162 ، من ثلاث طرق ، مطولا ومختصرًا كالسالف ، أولها مطولا من طريق محمد بن جعفر ، عن سليمان ، عن منذر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذر = ثم من الطريق نفسه مختصرًا كالسالف = ثم من طريق حجاج ، عن فطر ، عن المنذر ، بمعناه. قد تبين من رواية أحمد أن الذي روى عنه الأعمش في الإسناد الأول ، هو منذر الثوري نفسه.

وإسناد هذه كلها إما منقطعة ، كإسناد أبي جعفر = أو فيها مجاهيل ، كأسانيد أحمد. ثم رواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ ، (5 ، 172 ، 173) من طريق عبيد الله بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل بن شرحبيل ، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسًا وشاتان تقترتان ، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: عجبت لها! والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة".وكان في المسند: "عبد الرحمن بن مروان" ، وهو خطأ ، وإنما الراوي عن الهزيل ، هو"ابن ثروان". وهذا إسناد حسن متصل.

(17) انظر تفسير"الحشر" فيما سلف ص: 346 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(18) في المطبوعة: ذكر الآية كقراءتها في مصحفنا ، هكذا: "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة" ، وليس هذا موضع استشهاد أبي جعفر ، والصواب في المخطوطة كما أثبته. وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، وقد ذكرها أبو جعفر في تفسيره بعد (23: 91 ، بولاق) ثم قال: [وذلك على سبيل توكيد العرب الكلمة ، كقولهم: هذا رجل ذكر" ، ولا يكادون يفعلون ذلك إلا في المؤنث والمذكر الذي تذكيره وتأنيثه في نفسه ، كالمرأة والرجل والناقة ، ولا يكادون أن يقولوا: "هذه دار أنثى ، وملحفة أنثى" ، لأن تأنيثها في اسمها لا في معناها].

المعاني :

أُمَمٌ :       جماعاتٌ متجانِسَةٌ في الخَلْقِ والرِّزقِ الميسر في غريب القرآن
أممٌ أمثالكم :       في خلقنا لها و تدبيرنا أمورها معاني القرآن
مَّا فَرَّطْنَا :       مَا تَرَكْنَا السراج
مَّا فَرَّطۡنَا :       ما أغفَلْنا الميسر في غريب القرآن
ما فرّطنا :       ما أغفلنا و تركنا معاني القرآن
ٱلۡكِتَٰبِ :       اللوحِ المحفوظِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[38] قال ابن عيينة: «ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم، فمنهم من يقدم كالأسد، ومنهم من يعدو كالذئب، ومنهم من ينبح كالكلب، ومنهم من يتطوس كالطاوس، ومنهم من يشبه الخنزير، فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه، وإذا رأى القذر ولغ فيه، فكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها، فإن أخطأت مرة واحدة حفظها، ولم يجلس مجلسًا إلا رواه عنه».
لمسة
[38] قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ وليس (على الأرض)؛ لأن (في) جعلت كل ما في الأرض عليها أو تحتها في التراب أو في الماء في الغابات أو في البحار أو في رمال الصحراء أو في الجبال وغيرها، فصارت الأرض ظرفًا، والظرف هو الوعاء كله يدخل فيه، أما (على) توحي بما على السطح، ولا يدخل فيها الباطن.
وقفة
[38] قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ فلو اقتصر على ذكر الطائر فقال: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ ﴾ لكان ظاهر العطف يوهم (ولا طائر في الأرض) لأن المعطوف عليه إذا قُيِّد بظرف أو حال تقيَّد به المعطوف، فكان ذلك يوهم اختصاصه بطير الأرض الذي لا يطير بجناحيه، كالدجاج والأوز والبط ونحوها، فلما قال: ﴿ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ زال هذا التوهم، وعُلِم أنه ليس الطائر مقيدًا بما تقيدت به الدابة.
وقفة
[38] قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ ، فائدةُ ذكْرِ ﴿في الأرْضِ﴾ بعد دابةٍ، مع أنها لا تكون إلَّا في الأرض، وِذكرِ ﴿ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ التأكيدُ، كما في قوله تعالى: ﴿لا تَتَخذُوا إلهَيْنِ اثْنَينِ﴾ [النحل: 51]، أو زيادة التعميم والِإحاطة.
عمل
[38] حدد نوعًا من البهائم أو الطيور، وتفكر فيها، وكيف أنها أمة من الأمم! ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾.
وقفة
[38] حتى البهائم والعجماوات ستحشر إلى ربها ويقتص من بعضها لبعض ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ... ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.
وقفة
[38] ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ كل الحيوانات تعرف الله وتسبحه، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.
وقفة
[38] لأي معنى زيدت ﴿طَائِرٍ يَطِيرُ﴾؟ العرب تستعمل كلمة الطائر لما يطير ولما لا يطير كالنعام والدجاج، واستعملوها مجازًا للدلالة على السرعة، فيقال: طر بحاجتي أي أسرع، فحتى يُعلم أن المقصود هو هذا الذي يطير وليست هذه المعاني.
وقفة
[38] قال: ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ حتى يذكر نعمة الله سبحانه وتعالى على هذا المخلوق الذي جعله يطير، وذكر الجناحين لبيان فضل الله سبحانه وتعالى بخلق الجناحين إذ لو كان بجناح واحد لجنح في طيره وسقط. وحتى تكتمل الصورة، والله ذو الفضل العظيم.
وقفة
[38] ﴿أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ وجوب الرفق بالحيوان، قال ابن عاشور: «فيه تنبيه للمسلمين على الرفق بالحيوان؛ فإن الإخبار بأنها أمم أمثالنا تنبيه على المشاركة في المخلوقية وصفات الحيوانية كلها».
وقفة
[38] ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ اشتمل القرآن على كل شيء، أما أنواع العلوم فلا توجد مسألة إلا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه علم عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض، وما في الأفق الأعلى، وما تحت الثرى، وأسماء مشاهير الرسل والملائكة، وأخبار الأمم، وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته، وكيفية قبض الروح وما يفعل بها، وعذاب القبر والسؤال فيه، ومقر الأرواح، وأشراط الساعة.
وقفة
[38] ذكر القرطبي في تفسيره أن بعض الطاعنين في القرآن قال: إن الله تعالى يقول في كتابكم: ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾، فأين ذكر التوابل المصلحة للطعام من الملح والفلفل وغير ذلك؟ فقيل له في قوله: ﴿ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ﴾ [البقرة: 164].
وقفة
[38] ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ جميع الأشياء -صغيرها وكبيرها- مثبتة في اللوح المحفوظ على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم، وفي هذه الآية دليل على أن الكتاب الأول قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحد مراتب القضاء والقدر؛ فإنها أربع مراتب: علم الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات.

الإعراب :

  • ﴿ َما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. من: للاستغراق بمعنى: وما دابة في الوجود إلّا أمم والمراد في الآية الكريمة بكلمة «دَابَّةٍ» العالم الحيواني الماشي على الأرض. في الأرض: جار ومجرور في محل جر صفة لدابة و «دَابَّةٍ» اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ وعطف «طائِرٍ» عليها على اللفظ لا الموضع.
  • ﴿ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا:
  • الواو: عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. طائر: معطوف على «دَابَّةٍ» ويعرب إعرابها. يطير: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَطِيرُ» تعرب إعراب في الأرض «أي صفة لطير» و «بِجَناحَيْهِ» جار ومجرور متعلق بطير والهاء ضمير متصل. «ضمير الغائب» في محل جر بالاضافة. إلا: أداة حصر لا عمل لها.
  • ﴿ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ:
  • أمم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. أمثال: صفة لأمم مرفوعة مثلها بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ:
  • ما: نافية لا عمل لها. فرط: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. في الكتاب: جار ومجرور متعلق بفرطنا.
  • ﴿ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ:
  • من: حرف جر. شيء: اسم مجرور بمن وعلامة جرّه الكسرة. ويجوز أن يكون «شَيْءٍ» اسما مجرورا لفظا بحرف الجر الزائد «مِنْ» منصوبا محلا على المعنى بتقدير: ما تركنا من الكتاب شيئا. ثم: حرف عطف.
  • ﴿ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بالفعل «يحشر» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. يحشرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «يُحْشَرُونَ» في محل نصب حال من «أُمَمٌ». '

المتشابهات :

الأنعام: 38﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم
هود: 6﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     ولَمَّا طالب المشركون بإنزالِ آيةً؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه ما من دابة ولا طائر إلا وفيه آية منصوبة دالة على وحدانية الله، قال تعالى:
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ

القراءات :

ولا طائر:
وقرئ:
بالرفع، عطفا على موضع «دابة» ، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
ما فرطنا:
قرئ:
بتخفيف الراء، وهى قراءة الأعرج، وعلقمة.

مدارسة الآية : [39] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ ..

التفسير :

[39] والذين كذبوا بحجج الله تعالى صمٌّ لا يسمعون ما ينفعهم، بُكْمٌ لا يتكلمون بالحق، فهم حائرون في الظلمات، لم يختاروا طريقة الاستقامة. من يشأ الله إضلاله يضلله، ومن يشأ هدايته يجعله على صراط مستقيم.

هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله، المكذبين لرسله، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا باب الردى، وأنهم{ صُمٌّ} عن سماع الحق{ وَبُكْمٌ} عن النطق به، فلا ينطقون إلا بباطل .{ فِي الظُّلُمَاتِ} أي:منغمسون في ظلمات الجهل، والكفر، والظلم، والعناد، والمعاصي. وهذا من إضلال الله إياهم، فـ{ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} لأنه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته.

ثم قال- تعالى-: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ.

أى: مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل الأصم الذي لا يسمع، والأبكم الذي لا يتكلم وهو مع ذلك في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدى مثل هذا إلى الطريق القويم أو يخرج مما هو فيه من ضلال.

ففي التعبير القرآنى استعارة تمثيلية إذ شبهت حال الجاحدين المعرضين عن كل دليل وبرهان بحال الصم البكم الذين يعيشون في الظلام من حيث لا نور يهديهم.

ثم قال- تعالى-: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

أى: من يشأ الله له الضلالة أضله بأن يجعله يسير في طريق هواه بسبب إعراضه عن طريق الخير، وإيثاره العمى على الهدى، ومن يشأ الله له الهداية يهده، لأنه قد خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فالهداية والضلالة ليسا إجباريين لا اختيار للعبد فيهما، وإنما الحق أن للعبد اختيارا في الطريق الذي يسلكه، فإن كان خيرا خطا فيه إلى النهاية، وإن كان شرا سار فيه إلى الهاوية.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المشركين عند ما تحيط بهم المصائب والأهوال لا يتوجهون بالضراعة والدعاء إلا إلى الله، وأنهم مع ذلك لا يخصونه بالعبادة كما يخصونه بالدعاء لكشف الضر، فقال- تعالى-:

وقوله ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ) أي : مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم - وهو الذي لا يسمع - أبكم - وهو الذي لا يتكلم - وهو مع هذا في ظلام لا يبصر ، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق ، أو يخرج مما هو فيه؟ كما قال تعالى ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون [ البقرة : 17 ، 18 ] ) وكما قال [ تعالى ] ( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) [ النور : 40 ] ; ولهذا قال تعالى : ( من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) أي : هو المتصرف في خلقه بما يشاء .

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بحجج الله وأعلامه وأدلته (19) =" صمٌّ"، عن سماع الحق =" بكم "، عن القيل به (20) =" في الظلمات " ، يعني: في ظلمة الكفر حائرًا فيها, (21) يقول: هو مرتطم في ظلمات الكفر, لا يبصر آيات الله فيعتبر بها, ويعلم أن الذي خلقه وأنشأه فدبَّره وأحكم تدبيره، وقدَّره أحسن تقدير، وأعطاه القوة، وصحح له آلة جسمه = لم يخلقه عبثًا، ولم يتركه سدًى, ولم يعطه ما أعطاه من الآلات إلا لاستعمالها في طاعته وما يرضيه، دون معصيته وما يسخطه. فهو لحيرته في ظلمات الكفر، وتردّده في غمراتها, غافلٌ عمَّا الله قد أثبت له في أمّ الكتاب، وما هو به فاعلٌ يوم يحشر إليه مع سائر الأمم. ثم أخبر تعالى ذكره أنه المضِلّ من يشاء إضلالَه من خلقه عن الإيمان إلى الكفر، والهادي إلى الصراط المستقيم منهم من أحبَّ هدايته، فموفّقه بفضله وطَوْله للإيمان به، وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه, وأنه لا يهتدي من خلقه أحد إلا من سبق له في أمّ الكتاب السعادة, ولا يضل منهم أحد إلا من سبق له فيها الشقاء, وأنّ بيده الخير كلُّه, وإليه الفضل كله, له الخلق والأمر. (22)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة:

13225 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " صم وبكم "، هذا مثل الكافر، أصم أبكم, لا يبصر هدًى، ولا ينتفع به, صَمَّ عن الحق في الظلمات، لا يستطيع منها خروجًا، متسكِّع فيها.

-------------------

الهوامش :

(19) انظر تفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).

(20) انظر تفسير"صم" و"بكم" فيما سلف 1: 328 - 331/3 : 315.

(21) وحد الضمير بعد الجمع فقال: "حائرا فيها" ، يعني الكافر المكذب بآيات الله ، وهو جائز في مثل هذا الموضع من التفسير.

(22) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).

= وتفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 10: 429 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

المعاني :

صُمٌّ :       الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ السراج
صُمࣱّ :       لا يَسْمَعُون ما ينفَعُهم الميسر في غريب القرآن
وَبُكْمٌ :       الَّذِينَ لَا يَتَكَلَّمُونَ السراج
وَبُكۡمࣱ :       لا يتكلَّمُون بالحقِّ الميسر في غريب القرآن
فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ :       في ظلماتِ الكفرِ، والحَيْرةِ الميسر في غريب القرآن
في الظّلمات :       ظلمات الجهل و العناد و الكفر معاني القرآن
صِرَٰطࣲ :       طريقٍ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[39] ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ وصفهم الله بالأصم والأبكم التائه في الظلمات؛ ليبين لنا ربنا حالهم، فهم أصموا آذانهم عن سماع الحق وتلقي الهدى، وأخرسوا ألسنتهم عن الاستفسار عن الهداية، وابتعدوا عن الاسترشاد بمن يمر بهم، واستمروا في ذلك؛ فتاهوا في الضلال الذي خيّم عليهم وعماهم عن الحق وتلقي الهدى، فهم يعلمون أنهم في ظلمات، ولكنهم لا يريدون الخروج منها، أما الأعمى فقد لا يعلم أين يمشي وأين يمكث.
تفاعل
[39] ﴿مَن يَشَإِ اللَّـهُ يُضْلِلْـهُ﴾ استعذ بالله من الضلال.
وقفة
[39] ﴿مَن يَشَإِ اللَّـهُ يُضْلِلْـهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أمر الهداية والضلال مرده إلى المشيئة الإلهية، لكن هل قهرت هذه المشيئة الخلق وأجبرتهم؟ كلا، لأن الله تعالى قال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258]، فمن اختار الظلم والفسق والكفر ابتداء، حرمه الله من الهداية انتهاء.
عمل
[39] الهداية بيد الله؛ فاطلبها ممن هي بيده ﴿مَن يَشَإِ اللَّـهُ يُضْلِلْـهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
تفاعل
[39] ﴿وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
وقفة
[39] وردت كلمة ﴿صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ في سورة الأنعام ٥ مرات، وهي مناسبة لموضوع السورة وأهدافها.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كذبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بآياتنا: جار ومجرور متعلق بكذبوا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة «كَذَّبُوا بِآياتِنا» صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ:
  • صمّ: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وبكمّ: معطوفة بالواو على «صُمٌّ» مرفوعة مثلها. في الظلمات: جار ومجرور في محل نصب على الحال أي حالهم لا يسمعون هذه الآيات ولا ينطقون بالحق.
  • ﴿ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يشأ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره حرك بالكسرة تخلصا من التقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ومفعول «يَشَأِ» محذوف بتقدير من يشأ الله اضلاله. يضلله. فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستر فيه جوازا تقديره هو. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ:
  • معطوفة بالواو على «مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ» وتعرب إعرابها. وفاعل «يَشَأِ» ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه. أي من يشأ هدايته يجعله على صراط مستقيم.
  • ﴿ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيجعله. مستقيم: صفة- نعت- لصراط مجرورة مثلها. وأصله: السراط بالسين. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنه ما من دابة ولا طائر إلا وفيه آية منصوبة دالة على وحدانية الله؛ بَيَّنَ هنا أن هؤلاء المكذبين صُمٌّ عن سماع الحق، َبُكْمٌ عن النطق به، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ..

التفسير :

[40] قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين:أخبروني إن جاءكم عذاب الله في الدنيا، أو جاءتكم الساعة التي تبعثون فيها:أغير الله تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البلاء، إن كنتم محقين في زعمكم أن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله تنفع أو تضر؟

يقول تعالى لرسوله:{ قُلْ} للمشركين بالله، العادلين به غيره:{ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي:إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب، التي يضطر إلى دفعها، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين.

أَرَأَيْتَكُمْ المقصود به أخبرونى، وكلمة أرأيت في القرآن تستعمل للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل، فهو استفهام للتنبيه مؤداه: أرأيت كذا فإن لم تكن رأيته فانظره وتأمله.

والمعنى: قل- يا محمد- لهؤلاء المشركين: أخبرونى عن حالكم عند ما يداهمكم عذاب الله الدنيوي كزلزال مدمر، أو ريح صرصر عاتية، أو تفاجئكم الساعة بأهوالها وشدائدها ألستم في هذه الأحوال تلتجئون إلى الله وحده وتنسون آلهتكم الباطلة، لأن الفطرة حينئذ هي التي تنطق على ألسنتكم بدون شعور منكم؟ وما دام الأمر كذلك فلماذا تشركون مع الله آلهة أخرى؟ إن أحوالكم هذه لتدعو إلى الدهشة والغرابة، لأنكم تلجأون إليه وحده عند الشدائد والكروب ومع ذلك تعبدن غيره ومن لا يملك ضرا ولا نفعا.

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ للتوبيخ والتقريع والتعجب من حالهم.

وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إن كنتم صادقين في أن الأصنام تنفعكم فادعوها.

يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد ، المتصرف في خلقه بما يشاء ، وأنه لا معقب لحكمه ، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه ، بل هو وحده لا شريك له ، الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء ; ولهذا قال : ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ) أي : أتاكم هذا أو هذا ( أغير الله تدعون إن كنتم صادقين؟ ) أي : لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على دفع ذلك سواه ; ولهذا قال : ( إن كنتم صادقين ) أي : في اتخاذكم آلهة معه .

القول في تأويل قوله : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)

قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في معنى قوله: " أرأيتكم " .

فقال بعض نحويي البصرة: " الكاف " التي بعد " التاء " من قوله: " أرأيتكم " إنما جاءت للمخاطبة, وتركت " التاء " مفتوحة = كما كانت للواحد. قال: وهي مثل " كاف "" رويدك زيدًا ", إذا قلت: أرود زيدًا = هذه " الكاف " ليس لها موضع مسمى بحرف، لا رفع ولا نصب, وإنما هي في المخاطبة مثل كاف " ذاك ". ومثل ذلك قول العرب: " أبصرَك زيدًا ", (23) يدخلون " الكاف " للمخاطبة.

* * *

وقال آخرون منهم: معنى: " أرأيتكم إن أتاكم " ، أرأيتم. قال: وهذه " الكاف " تدخل للمخاطبة مع التوكيد, و " التاء " وحدها هي الاسم, كما أدخلت " الكاف " التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة، كقولهم: " هذا, وذاك, وتلك, وأولئك "، فتدخل " الكاف " للمخاطبة، وليست باسم, و " التاء " هو الاسم للواحد والجميع, تركت على حال واحدة, ومثل ذلك قولهم: " ليسك ثَمَّ إلا زيد ", يراد: ليس = و " لا سِيَّك زيد ", فيراد: ولا سيما زيد = و " بلاك " فيراد،" بلى " في معنى: " نعم " = و " لبئسك رجلا ولنعمك رجلا ". وقالوا : " انظرك زيدًا ما أصنع به " = و " أبصرك ما أصنع به "، بمعنى: أبصره. وحكى بعضهم: " أبصركُم ما أصنع به ", يراد: أبصروا = و " انظركم زيدًا "، أي انظروا. وحكي عن بعض بني كلاب: " أتعلمك كان أحد أشعرَ من ذي الرمة؟" فأدخل " الكاف ".

وقال بعض نحويي الكوفة: " أرأيتك عمرًا " أكثر الكلام فيه ترك الهمز. قال: و " الكاف " من " أرأيتك " في موضع نصب, كأن الأصل: أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال: فهذا يثني ويجمع ويؤنث, فيقال: " أرأيتما كما " و " أرأيتموكم ". و " وَأَرَأَيْتُنَّكُنَّ"، (24) أوقع فعله على نفسه, وسأله عنها, ثم كثر به الكلام حتى تركوا " التاء " موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع, فقالوا: " أرأيتكم زيدًا ما صنع ", و " أرأيتكنّ ما صنع ", فوحدوا التاء وثنوا الكاف وجمعوها، فجعلوها بدلا من " التاء "، (25) كما قال: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [سورة الحاقة: 19]، و " هاء يا رجل ", و " هاؤما ", ثم قالوا: " هاكم ", اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع. فكأن " الكاف " في موضع رفع، إذ كانت بدلا من " التاء ". وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث, وهي كقول القائل: " عليك زيدًا "," الكاف " في موضع خفض, والتأويل رفع. فأما ما يُجْلب فأكثر ما يقع على الأسماء, ثم تأتي بالاستفهام فيقال: " أرأيتك زيدًا هل قام ", لأنها صارت بمعنى: أخبرني عن زيد, ثم بيَّن عما يستخبر. فهذا أكثر الكلام. ولم يأت الاستفهام يليها. (26) لم يقل: " أرأيتك هل قمت ", لأنهم أرادوا أن يبيِّنوا عمن يسأل, ثم تُبيّن الحالة التي يسأل عنها. وربما جاء بالجزاء ولم يأت بالاسم, (27) فقالوا: " أرأيت إن أتيت زيدًا هل يأتينا " (28) = و " أرأيتك " أيضًا = و " أرأيتُ زيدًا إن أتيته هل يأتينا "، إذا كانت بمعنى: " أخبرني", فيقال باللغات الثلاث.

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بالله الأوثانَ والأصنامَ: أخبروني، إن جاءكم، أيها القوم، عذاب الله, كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة, وبعضهم بالصاعقة = أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم، وتبعثون لموقف القيامة, أغير الله هناك تدعون لكشف ما نـزل بكم من البلاء، أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نـزل بكم من عظيم البلاء؟ =" إن كنتم صادقين " ، يقول: إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أنّ آلهتكم التي تدعونها من دون الله تنفع أو تضر.

-------------------

الهوامش :

(23) في المطبوعة: "انصرك زيدًا" بالنون ، والصواب بالباء كما سيأتي.

(24) في المطبوعة فصل وكتب"أرأيتن كن" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو المطابق لما في معاني القرآن للفراء.

(25) انظر معاني القرآن للفراء 1: 333 ، 334.

(26) في المطبوعة ، مكان"يليها""ثنيها" وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة.

(27) في المطبوعة: "وربما جاء بالخبر" وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة ، وإن كانت غير منقوطة ولا مهموزة. ومن أجل هذا التصرف ، تصرف في عبارة أبي جعفر كما سترى في التعليق التالي.

(28) في المطبوعة: "فقالوا: أرأيت زيدًا هل يأتينا" ، حذف"إن أتيت" لسوء تصرفه كما في التعليق السابق.

المعاني :

أَرَأَيْتَكُمْ :       أَخْبِرُونِي السراج
أرأيتكم :       أخبروني عن عجيب أمركم معاني القرآن
عَذَابُ ٱللَّهِ :       في الدُّنيا الميسر في غريب القرآن
إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ :       أي: في أنَّ آلهتَكُم تنفَعُ، أو تضرُّ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[40] الفطرة تعرف ربها جيدًا، فإذا غشيها ركام الشهوات والأهواء فترة، ثم نزلت شدة أو محنة، تساقط عنها كل هذا الركام، فرجعت إلى خالقها.
تفاعل
[40] ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.
وقفة
[40] ﴿أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ﴾ نعم أغير الله تدعو! أغير الله قادر على أن يعطيك! أو أن يدفع عنك! ليس لك إلا الله؛ فأحسن التضرع والمسكنة والدعاء.
تفاعل
[40] ﴿أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ﴾ سَبِّح الله الآن.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وأصله: قول. حذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديرة أنت.
  • ﴿ أَرَأَيْتَكُمْ:
  • الألف: ألف تعجب في لفظ استفهام. رأيتكم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والكاف ضمير متصل لا محل له من الإعراب لأننا نقول أرأيتك زيدا ما شأنه. فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيدا ما شأنه وهو خلف من القول. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «أرايتكم وما بعدها» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ:
  • إن: حرف شرط جازم. أتى: فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر في محل جزم. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. والميم: علامة جمع الذكور. عذاب: فاعل مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ:
  • معطوفة بأو على «أتاكم العذاب» وتعرب إعرابها والفعل «أتت» مبنى على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث والتاء تاء التأنيث وحركت الميم بالضم للاشباع. وجواب الشرط محذوف تقديره: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون. أو يجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله: أغير الله تدعون كأنه قيل: أغير الله تدعون ان أتاكم عذاب الله. «أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ: الألف ألف توبيخ وتبكيت في لفظ استفهام. غير: مفعول به منصوب بالفتحة بفعل محذوف يفسره المذكور بعده أي أتدعون غير الله. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. تدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
  • إن: حرف شرط جازم. كنتم: فعل ماض ناقص فعل الشرط مبني على السكون لاتصالة بضمير الرفع المتحرك في محل جزم بإن. التاء: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان». والميم علامة جمع الذكور. صادقين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه والتقدير: إن كنتم صادقين أفغير الله تدعون. '

المتشابهات :

الأنعام: 40﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّـهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ
الأنعام: 47﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّـهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     وبعد الحديث عن إعراضِ المشركين؛ سألهم اللهُ عز وجل هنا موبخًا لهم ومخاطبًا فطرتهم: في حال نزول كرب بكم، لمن تلجئون؟ الأصنام أم الله؟ قال تعالى:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

القراءات :

أرأيتكم:
قرئ:
1- بتحقيق الهمزة، وهى قراءة الجمهور.
2- بتسهيل بين بين، وهى قراءة نافع.
3- بإبدالها ألفا محضة، ويطول مدها لسكونها وسكون ما بعدها، وقد رويت عن نافع.
4- بحذفها، وهى قراءة الكسائي.

مدارسة الآية : [41] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا ..

التفسير :

[41] بل تدعون -هناك- ربكم الذي خلقكم لا غيره، وتستغيثون به، فيفرِّجُ عنكم البلاء العظيم النازل بكم إن شاء؛ لأنه القادر على كل شيء، وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم.

{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد، تنسونهم، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا. وتخلصون لله الدعاء، لعلمكم أنه هو النافع الضار، المجيب لدعوة المضطر، فما بالكم في الرخاء تشركون به، وتجعلون له شركاء؟. هل دلكم على ذلك، عقل أو نقل، أم عندكم من سلطان بهذا؟ بل تفترون على الله الكذب؟

ثم أكد- سبحانه- أنهم عند الشدائد والكروب لا يلجئون إلا إلى الله فقال- تعالى-:

بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.

بل للإضراب الانتقالى عن تفكيرهم وأوهامهم، أى: بل تخصونه وحده بالدعاء دون الآلهة، فيكشف ما تلتمسون كشفه إن شاء ذلك، لأنه هو القادر على كل شيء وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ أى: تغيب عن ذاكرتكم عند الشدائد والأهوال تلك الأصنام الزائفة والمعبودات الباطلة.

وقدم- سبحانه- المفعول على الفعل في قوله: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ لإفادة الاختصاص، أى: لا تدعون إلا إياه، وذلك يدل على أن المشركين مهما بلغ ضلالهم فإنهم عند الشدائد يتجهون بتفكيرهم إلى القوة الخفية الخالقة لهذا الكون.

وفي قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ استعارة حيث شبه حال إزالة الشر بحال كشف غطاء غامر مؤلم بجامع إزالة الضر في كل وإحلال السلامة محله.

والمقصود فيكشف الضر الذي تدعونه أن يكشفه: فالكلام على تقدير حذف مضاف.

وجواب الشرط لقوله: إِنْ شاءَ محذوف لفهم المعنى ودلالة ما قبله عليه، أى إن شاء أن يكشف الضر كشفه، لأنه- سبحانه- لا يسأل عما يفعل.

( بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) أي : في وقت الضرورة لا تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كما قال : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) الآية [ الإسراء : 67 ] .

القول في تأويل قوله : بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مكذِّبًا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم، أيها المشركون بالله الآلهةَ والأندادَ، إن أتاكم عذابُ الله أو أتتكم الساعة، بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم, بل تدعون هناك ربّكم الذي خلقكم، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون، دون كل شيء غيره =" فيكشف ما تدعون إليه " ، يقول: فيفرِّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه، عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرج ذلك عنكم, لأنه القادر على كل شيء، ومالك كل شيء، دون ما تدعونه إلهًا من الأوثان والأصنام =" وتنسون ما تشركون " ، يقول: وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها، ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه, فتجعلونه له ندًّا من وثن وَصنم, وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلهًا.

المعاني :

وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ :       وتَتْرُكون آلهتَكم الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[41] في الآية أقوى دليل على أن أصل الدين هو الحجة والدليل، فإذا كنتم ترجعون إلي الله عند نزول الشدائد لا إلى الأصنام، فكيف تقدمون عليه عبادة الأصنام؟!
وقفة
[41] ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ﴾ التقييد بالمشيئة لبيان أن إجابة دعائهم غير أكيدة، بل هي تابعة لمشيئة الله تعالى.
عمل
[41] حدد كربًا أصابك، ثم ألح على الله بالدعاء بتفريجه ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ﴾.
وقفة
[41] ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ صلى وصام لأمر كان يطلبه، فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام.

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ:
  • بل: حرف إضراب واستئناف. إيا: ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب بتدعون مفعول به مقدم. والهاء: حرف للغائب. تدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وتقديم المفعول يفيد الاختصاص والحصر.
  • ﴿ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ:
  • الفاء: حرف عطف. يكشف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. تدعون: صلة الموصول. سبق إعرابها أي ما تدعون إليه.
  • ﴿ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ:
  • جار ومجرور متعلق بتدعون. إن: حرف شرط جازم. شاء: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإن. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه والتقدير إن شاء فهو يكشف ما تدعون.
  • ﴿ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ:
  • الواو: عاطفة. تنسون: تعرب إعراب «تَدْعُونَ» ما تشركون: تعرب إعراب «ما تَدْعُونَ» أي تشركون مع الله. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     وبعد أن سألهم اللهُ عز وجل لمن تلجأون؟؛ أجاب هنا بأنهم عند الشدائد والكروب لا يلجأون إلا إلى الله، وينسون الشركاء، قال تعالى:
﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [42] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن ..

التفسير :

[42] ولقد بعثنا -أيها الرسول- إلى جماعات من الناس من قبلك رسلاً يدعونهم إلى الله تعالى، فكذَّبوهم، فابتليناهم في أموالهم بشدة الفقر وضيق المعيشة، وابتليناهم في أجسامهم بالأمراض والآلام؛ رجاء أن يتذللوا لربهم، ويخضعوا له وحده بالعبادة.

يقول تعالى:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} من الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا.{ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} أي:بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم.{ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا.

ثم أخذ القرآن في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيان أحوال الأمم الماضية فقال- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ.

البأساء: تطلق على المشقة والفقر الشديد، وعلى ما يصيب الأمم من أزمات تجتاحها بسبب الحروب والنكبات. والضراء. تطلق على الأمراض والأسقام التي تصيب الأمم والأفراد.

والمعنى: ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلا إلى أقوامهم، فكان هؤلاء الأقوام أعتى من قومك في الشرك والجحود، فعاقبناهم بالفقر الشديد والبلاء المؤلم، لعلهم يخضعون ويرجعون عن كفرهم وشركهم.

فالآية الكريمة تصور لونا من ألوان العلاج النفسي الذي عالج الله به الأمم التي تكفر بأنعمه، وتكذب أنبياءه ورسله، إذ أن الآلام والشدائد علاج للنفوس المغرورة بزخارف الدنيا ومتعها إن كانت صالحة للعلاج.

وقوله : ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء ) يعني : الفقر والضيق في العيش ) والضراء ) وهي الأمراض والأسقام والآلام ( لعلهم يتضرعون ) أي : يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون .

القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: = متوعدًا لهؤلاء العادلين به الأصنامَ = ومحذِّرَهم أن يسلك بهم إن هم تمادَوا في ضلالهم سبيلَ من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا = ومخبرًا نبيَّه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل = : " لقد أرسلنا "، يا محمد،" إلى أمم "، يعني: إلى جماعات وقرون (29) =" من قبلك فأخذناهم بالبأساء "، يقول: فأمرناهم ونهيناهم, فكذبوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ونهينا, فامتحناهم بالابتلاء =" بالبأساء ", وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة (30) =" والضراء "، وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام. (31)

* * *

وقد بينا ذلك بشواهده ووجوه إعرابه في" سورة البقرة "، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. (32)

* * *

وقوله: " لعلهم يتضرعون " يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرعوا إليّ, ويخلصوا لي العبادة, ويُفْردوا رغبتهم إليَّ دون غيري، بالتذلل منهم لي بالطاعة، والاستكانة منهم إليّ بالإنابة.

* * *

وفي الكلام محذوفٌ قد استغني بما دلّ عليه الظاهرمن إظهاره دون قوله: (33) " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم "، وإنما كان سبب أخذه إياهم، تكذيبهم الرسل وخلافهم أمرَه = لا إرسال الرسل إليهم. وإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن معنى الكلام: " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " رسلا فكذبوهم," فأخذناهم بالبأساء ".

* * *

و " التضرع ": هو " التفعل " من " الضراعة ", وهي الذلة والاستكانة.

--------------------

الهوامش :

(29) انظر تفسير"أمة" فيما سلف ص: 344 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(30) انظر تفسير"البأساء فيما سلف 3: 349 - 252/ 4: 288.

(31) انظر تفسير"الضراء" فيما سلف 3: 349 - 352/4 : 288/7 : 214.

(32) انظر المراجع كلها في التعليقين السالفين.

(33) في المطبوعة: "بما دل عليه الظاهر عن إظهاره من قوله" ، غير ما في المخطوطة ، وأثبت في المخطوطة بنصه ، وإن كنت أخشى أن يكون سقط من الناسخ كلام.

المعاني :

بِالْبَاسَاءِ :       الْفَقْرِ السراج
بِٱلۡبَأۡسَآءِ :       في الأموالِ الميسر في غريب القرآن
وَالضَّرَّاءِ :       الْمَرَضِ السراج
وَٱلضَّرَّآءِ :       في الأبدانِ الميسر في غريب القرآن
بالبأساء و الضرّاء :       البؤس و الفقر و السّقم و الزّمان معاني القرآن
يَتَضَرَّعُونَ :       يَتَذَلَّلُون لربِّهم الميسر في غريب القرآن
يتضرّعون :       يتذلّلون و يتخشّعون و يتوبون معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[42] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ من حكمة الله تعالى في الابتلاء: إنزال البلاء على المخالفين من أجل تليين قلوبهم وردِّهم إلى ربهم.
وقفة
[42] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ قال داود عليه السلام: «سبحان مستخرج الدعاء بالبلاء! وسبحان مستخرج الشكر بالرخاء!».
وقفة
[42] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ مَرَّ أبو جعفر محمدُ بن علي بمحمد بن المنكدر وهو مَغْمُومٌ، فسأل عن سبب غمه فقيل له: الدَّیْنَ قَد فَدَحَه، فقال أبو جعفر: أفُتحَ له في الدعاء؟ قيل: نعم، قال: لقد بورِك لعبد في حاجة أكثر منها من دعاء ربه، كائنة ما كانت.
وقفة
[42] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ قال ابن القيم: «إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن، فإن ردَّه ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتُقلِع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجلَّ عِوَض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردًا عنه وإقباله عليه بعد أن كان نائيًا عنه، وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضًا، وللوقوف على أبواب غيره متعرضًا، وكانت البلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءَته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه، فربما كان مکروه النفوس إلى محبوبها سببًا ما مثله سبب».
وقفة
[42] المرض أو الفقر وآفات الدنيا قد تذكرك بالله سبحانه وتعالى وترجعك إليه ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾.
وقفة
[42] النعمة تطغي الإنسان وتنسيه، فيبتليه الله بالآلام ليتذكر ربه ويعود إليه ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾.
وقفة
[42] إن من البلاء لرحـمة، تدبَّر: ﴿فَأَخَذناهُم بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ﴾.
تفاعل
[42] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ استعذ بالله الآن من عقابه.
وقفة
[42، 43] ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ...﴾ ذم الله سبحانه حزبين: حزب إذا نزل بهم الضر لم يدعوا الله ولم يتضرعوا إليه ولم يتوبوا إليه، وحزب يتضرعون إليه في حال الضراء ويتوبون إليه، فإذا كشفها عنهم أعرضوا عنه، والممدوح: هو القسم الثالث: وهم الذين يدعونه ويتوبون إليه، ويثبتون على عبادته والتوبة إليه في حال السراء؛ فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ:
  • الواو: حرف استئناف. لقد: اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. أرسلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل ومفعول الفعل محذوف تقديره أرسلنا رسلا. إلى أمم: جار ومجرور متعلق بأرسلنا أو بصفة للمفعول المحذوف «رسلا».
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من أمم والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. فأخذنا: معطوفة بالفاء على «أَرْسَلْنا» وتعرب إعرابها و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بأخذناهم والضراء: معطوفة بالواو على «البأساء». لعل: حرف مشبه بالفعل للترجي أي رجاء أن يذلوا. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسمها. يتضرعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَتَضَرَّعُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

الأنعام: 42﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
الأعراف: 94﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد ذكر الشدائد والكروب؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن من سننه أخذ عباده بالشدائد؛ لعلهم يرجعون إلى رشدهم، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [43] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ..

التفسير :

[43] فهلَّا إذ جاء هذه الأممَ المكذبةَ بلاؤنا تذللوا لنا، ولكن قست قلوبهم، وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من المعاصي، ويأتون من الشرك.

{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي:استحجرت فلا تلين للحق.{ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.

ولقد بين- سبحانه- بعد ذلك. أن تلك الأمم لم تعتبر بما أصابها من شدائد فقال:

فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

ولولا هنا للنفي، أى أنهم ما خشعوا ولا تضرعوا وقت أن جاءهم بأسنا.

وقيل إنها للحث والتحضيض بمعنى هلا، أى: فهلا تضرعوا تائبين إلينا وقت أن جاءهم بأسنا.

وقد اختار صاحب الكشاف أنها للنفي فقال: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه:

نفى التضرع، كأنه قيل. فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم» .

ثم بين- سبحانه- أن أمرين حالا بينهم وبين التوبة والتضرع عند نزول الشدائد بهم.

أما الأمر الأول: فهو قسوة قلوبهم، وقد عبر- سبحانه- عن هذا الأمر الأول بقوله:

وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أى: غلظت وجمدت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة.

وأما الأمر الثاني: فهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم السيئة، بأن يوحى إليهم بأن ما هم عليه من كفر وشرك وعصيان هو عين الصواب، وأن ما أتاهم به أنبياؤهم ليس خيرا لأنه يتنافى مع ما كان عليه آباؤهم.

هذان هما الأمران اللذان حالا بينهم وبين التضرع إلى الله والتوبة إليه.

قال الله تعالى : ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ) أي : فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا ( ولكن قست قلوبهم ) أي : ما رقت ولا خشعت ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) أي : من الشرك والمعاصي .

القول في تأويل قوله : فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)

قال أبو جعفر: وهذا أيضًا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما تُرك. وذلك أنه تعالى ذكره أخبرَ عن الأمم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له, (34) ثم قال: " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ", ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء. ومعنى الكلام: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ، فلم يتضرعوا," فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ".

ومعنى: " فلولا "، في هذا الموضع، فهلا. (35) والعرب إذ أوْلَتْ" لولا " اسمًا مرفوعًا، جعلت ما بعدها خبرًا، وتلقتها بالأمر, (36) فقالت: " فلولا أخوك لزرتك " و " لولا أبوك لضربتك ", وإذا أوْلتها فعلا أو لم تُولها اسمًا, جعلوها استفهامًا فقالوا: " لولا جئتنا فنكرمك ", و " لولا زرت أخاك فنـزورك ", بمعنى: " هلا "، كما قال تعالى ذكره: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ [سورة المنافقون: 10]. وكذلك تفعل ب " لوما " مثل فعلها ب " لولا ". (37)

* * *

فتأويل الكلام إذًا: فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلَها، الذين لم يتضرعوا عند أخذِناهم بالبأساء والضراء =" تضرعوا "، فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته, فيصرف ربهم عنهم بأسه، وهو عذابه.

* * *

وقد بينا معنى " البأس " في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (38)

* * *

=" ولكن قست قلوبهم " ، يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم, وأصرُّوا على ذلك، واستكبروا عن أمر ربهم, استهانةً بعقاب الله، واستخفافًا بعذابه، وقساوةَ قلب منهم. (39) " وزين لهم الشيطانُ ما كانوا يعملون "، يقول: وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم.

----------------

الهوامش :

(34) في المطبوعة حذف"له" وهي في المخطوطة: "به" ، وهذا صواب قراءتها.

(35) انظر تفسير"لولا" فيما سلف ص : 343 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(36) في المطبوعة: "وتلتها" ، غير ما في المخطوطة وأفسد الكلام.

(37) انظر معاني القرآن للفراء 1: 334 ، 335.

(38) انظر تفسير"البأس" فيما سلف 3: 354 ، 355/8 : 580.

(39) انظر تفسير"قسا" فيما سلف 2: 233 - 237/10 : 126 ، 127.

المعاني :

فَلَوۡلَآ :       فَهَلَّا الميسر في غريب القرآن
بَأۡسُنَا :       بَلاؤُنا الميسر في غريب القرآن
جاءهم بأسنا :       أتاهم عذابنا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ هذا عرض وتحضيض، وفيه دليل على نفع التضرع حين الشدائد.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ لا أحد من الخلق يفضل سماعنا في مآسينا؛ ربنا وحده يحب أن نشكو إليه.
وقفة
[43]‏ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ غفلة العبد عن ربه من أسباب نزول البلاء، فيصيبه به ليعود إليه حتى يتضرَّع بالدعاء .
وقفة
[43]‏ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ الحلُّ الأسرعُ لآلامنا: التضرعُ والدعاء.
عمل
[43]‏ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ كانوا مشركين وغارقين في وحل الخطايا، لم يطلب منهم إلا التضرع لربهم وحده ليكشف كربتهم، قل: «يا رب»، ولو كثرت ذنوبك.
وقفة
[43] الابتلاء إذا لم يُلجئك للمسألة والمسكنة إلى ربك؛ فما انتفعت بالدرس! ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾.
وقفة
[43] من أسباب نزول البلاء غفلة الإنسان عن ربه فيصيبه ببلاء ليعود إليه حتى لا يطول به طريق الغفلة ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾.
وقفة
[43] يقدر الله البأساء لتتعلق القلوب به ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾، ومن عجائب ذلة زماننا أن تتعلق القلوب بالعدو المحارب وينفح طرف الهدايا والصلات.
وقفة
[43] الدعاء من أسباب رفع البلاء: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾، ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: 77].
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من مفهوم الآية: التضرع (يرفع البأس) و(يلين القلب).
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ ينزل البلاء لتلين القلوب، (لا تلين قلوب البعض إلا بالتأديب).
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (يقسو) القلب على قدر انصرافه عن (الضراعة).
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من جاءته بأساء ولم يتضرع؛ فقلبه قاس، بدلالة الآية الكريمة.
وقفة
[43] ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي فهلَّا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا! ولكن قست قلوبهم !
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قسوة القلب هي التي تكبل العبد عن بلوغ هذه المنزلة العظيمة: منزلة الضراعة والتمرغ في تراب العبودية.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ إذا حرمت من التضرع لله؛ فاعلم أن في قلبك قسوة، وعلاجها: كثرة الذكر والاستغفار.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ يؤدبُ اللهُ عبده المؤمن الذي يحبه بأدنى زلة أو هفوة، فلا يزال مستيقظًا حذرًا، وأما من سقطَ من عينه وهانَ عليه؛ فإنه يُخلي بينه وبين معاصيه، وكلما أحدث ذنبًا أحدث له نعمة، والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه، ولا يعلم أن ذلك عين الإهانة، وأنه يريد به العذاب الشديد والعقوبة.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من حكمة الله تعالى في الابتلاء: تليين القلوب.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من علامات السلامة من قسوة القلب: شكواك لربِّك في الألم، وهتافك به في السقم، بقدرِ ما تنادي يا رب.
وقفة
[43] ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ كل لحظة ألم، وقلق، وهم تدعو فيها يا رب؛ دليل على لين قلبك ونجاته من القسوة.
وقفة
[43] ‏تتابع المحن ينبغي أن يحفز الأمة لتوبة عامة، وإلا فهي علامة على قسوة القلوب: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
وقفة
[43] هذه الآيةُ ومثيلاتُها دالة دلالة صريحة على أن ما يُصيبنا من كوارث إنما هو بسبب خطايانا، ومحاولة بعض الناس الهرب عن معاني مثل هذه الآيات والتشكيك فيها، إنما هو مصادمةٌ لصريح القرآن، وغفلة عن تدبر معانيه والانتفاع بها، وتطمين للمذنبين، وادعاء للكمال في النفس والمجتمع، وهو علامة على قسوة القلب ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
عمل
[43] إذا حُرمت من الافتقار والتضرع لله فاعلم أن قلبك فيه قسوة، وعلاجه بذكر الله والاستغفار قال الله: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
اسقاط
[43] إذا قسا قلب العبد بالمعصية حُرِم التضرع بين يدي الله! ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
وقفة
[43] يغلب عند المصائب قرب العبد من ﷲ، لكن من الناس من تزيده المصيبة بعدًا عن ﷲ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
اسقاط
[43] من لم تقرِّبه الشدائد من الله قلَّما تعيده النعم إليه ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
عمل
[43] تأمل واقع كثير من الناس اليوم مع هذه الفتن! ثم قف مع هذه الآية: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ هنا يخشى أن يحل بهؤلاء ما حل بأولئك؛ فتدبر الآية التي بعدها، وانج بنفسك.
تفاعل
[43] ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ:
  • الفاء: استئنافية. لولا: حرف توبيخ بمعنى: هلا لدخوله على الفعل الماضي. إذ: ظرف زمان مبنى على السكون في محل نصب بمعنى «حين». جاءهم: الجملة: في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد إذ جاء فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا:
  • فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالإضافة. تضرعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة
  • ﴿ وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ:
  • الواو: استئنافية. لكن: حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف. قست: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة والفتحة دالة على الألف المحذوفة والتاء تاء التأنيث لا محل لها. قلوبهم: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ:
  • الواو: عاطفة. زين: فعل ماض مبني على الفتح لهم: جار ومجرور متعلق بزين و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون حرك بالضم لاشباع الميم. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كانوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَعْمَلُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «كانُوا يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به التقدير: ما كانوا يعملونه. '

المتشابهات :

الأنعام: 43﴿وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ
النمل: 24﴿يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ
العنكبوت: 38﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمۡۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ
الأنفال: 48﴿وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ
النحل: 63﴿تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     ولَمَّا لم يقعْ منهم التَّضرعُ الذي كان يُرجَى بعدَ أخذِهم بالبأساءِ والضراءِ؛ تسبَّبَ عن ذلك الإنكارُ عليهم، قال تعالى:
﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ..

التفسير :

[44] فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش، وبالضراء صحة في الأجسام؛ استدراجاً مِنَّا لهم، حتى إذا بَطِروا، وأُعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة، فإذا هم

{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} من الدنيا ولذاتها وغفلاتها.{ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} أي:آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.

ثم بين- سبحانه- أنه قد ابتلاهم بالنعم بعد أن عالجهم بالشدائد فلم يرتدعوا فقال- تعالى-:

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ.

والمعنى: فلما أعرضوا عن النذر والعظات التي وجهها إليهم الرسل، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق وأسباب القوة والجاه. حتى إذا اغتروا وبطروا بما أوتوا من ذلك أخذناهم بغتة فإذا هم متحسرون يائسون من النجاة.

والفاء في قوله- تعالى- فَلَمَّا نَسُوا لتفصيل ما كان منهم. وبيان ما ترتب على كفرهم من عواقب قريبة وأخرى بعيدة.

والمراد بالنسيان هنا: الإعراض والترك. أى: تركوا الاهتداء بما جاء به الرسل حتى نسوه أو جعلوه كالمنسي في عدم الاعتبار والاتعاظ به لإصرارهم على كفرهم، وجمودهم على تقليد من قبلهم.

والتعبير بقوله- تعالى- فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ يرسم صورة بليغة لإقبال الدنيا عليهم من جميع أقطارها بجميع ألوان نعمها، وبكل قوتها وإغرائها، فهو اختبار لهم بالنعمة بعد أن ابتلاهم بالبأساء والضراء.

وعبر- سبحانه- عن إعطائهم النعمة بقوله: بِما أُوتُوا بالبناء للمجهول لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم، كما قال قارون من قبل إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي.

وأضاف- سبحانه- الأخذ إلى ذاته في قوله فَأَخَذْناهُمْ لأنهم كانوا لا ينكرون ذلك، بل كانوا ينسبون الخلق والإيجاد إلى الله- تعالى-.

وكان الأخذ بغتة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا، أى أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم. أو حال كونهم مبغوتين، فقد فجأهم العذاب على غرة بدون إمهال.

وإذا في قوله فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فجائية، والمبلس: الباهت الحزين البائس من الخير، الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال.

روى الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وإذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ، ثم تلا قوله- تعالى- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ. الآية.

( فلما نسوا ما ذكروا به ) أي : أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) أي : فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون ، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم ، عياذا بالله من مكره ; ولهذا قال : ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) أي : من الأموال والأولاد والأرزاق ( أخذناهم بغتة ) أي : على غفلة ( فإذا هم مبلسون ) أي : آيسون من كل خير .

قال الوالبي ، عن ابن عباس : المبلس : الآيس .

وقال الحسن البصري : من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به ، فلا رأي له . ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له ، فلا رأي له ، ثم قرأ : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) قال الحسن : مكر بالقوم ورب الكعبة ; أعطوا حاجتهم ثم أخذوا . رواه ابن أبي حاتم .

وقال قتادة : بغت القوم أمر الله ، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله ، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون . رواه ابن أبي حاتم أيضا .

وقال مالك ، عن الزهري : ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) قال : إرخاء الدنيا وسترها .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين - يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري - عن حرملة بن عمران التجيبي ، عن عقبة بن مسلم ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج " . ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )

ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث حرملة وابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم ، عن عقبة بن عامر ، به

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عراك بن خالد بن يزيد ، حدثني أبي ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن عبادة بن الصامت [ رضي الله عنه ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إن الله [ تبارك وتعالى ] إذا أراد بقوم بقاء - أو : نماء - رزقهم القصد والعفاف ، وإذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم - أو فتح عليهم - باب خيانة "

( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) كما قال : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )

القول في تأويل قوله : فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فلما نسوا ما ذكروا به "، فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا، (40) كالذي:-

13226 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " فلما نسوا ما ذكروا به "، يعني: تركوا ما ذكروا به.

13227 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " نسوا ما ذكروا به "، قال: ما دعاهم الله إليه ورسله, أبوْه وردُّوه عليهم.

* * *

=" فتحنا عليهم أبوابَ كل شيء "، يقول: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام، استدراجًا منَّا لهم، كالذي:-

13228 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = ، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " فتحنا عليهم أبواب كل شيء " ، قال: رخاء الدنيا ويُسْرها، على القرون الأولى.

13229 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فتحنا عليهم أبواب كل شيء "، قال: يعني الرخاء وسعة الرزق .

13230 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط . عن السدي قوله: " فتحنا عليهم أبواب كل شيء "، يقول: من الرزق.

* * *

فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: " فتحنا عليهم أبوابَ كل شيء " ، وقد علمت أن بابَ الرحمة وباب التوبة [لم يفتحا لهم], لم تفتح لهم أبواب أخر غيرهما كثيرة؟ (41)

قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ من معناه, وإنما معنى ذلك: فتحنا عليهم، استدراجًا منا لهم، أبوابَ كل ما كنا سددنا عليهم بابه، عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا, إذ لم يتضرعوا وتركوا أمر الله تعالى ذكره، لأنّ آخر هذا الكلام مردودٌ على أوله. وذلك كما قال تعالى ذكره في موضع آخر من كتابه: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، [سورة الأعراف: 94-95] ، ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الآية [أنهم نسوا ما] ذكرهم، (42) بقوله: " فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " ، هو تبديله لهم مكانَ السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم، من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة, ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية, وهو " فتح أبواب كل شيء " كان أغلق بابه عليهم، مما جرى ذكره قبل قوله: " فتحنا عليهم أبواب كل شيء "، فردّ قوله: " فتحنا عليهم أبواب كل شيء "، عليه.

* * *

ويعني تعالى بقوله: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا " ، يقول: حتى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلهم بفتحنا عليهم أبوابَ السَّعة في المعيشة، والصحة في الأجسام، كالذي:-

13231 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا " ، من الرزق .

13232 - حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يحدّث، عن حماد بن زيد قال: كان رجل يقول: رَحم الله رجلا تلا هذه الآية، ثم فكر فيها ماذا أريد بها: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ".

13233 - حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا ابن أبي رجاء رجل من أهل الشعر, عن عبد الله بن المبارك, عن محمد بن النضر الحارثي في قوله : " أخذناهم بغتة "، قال: أُمهلوا عشرين سنة. (43)

* * *

ويعني تعالى ذكره بقوله: " أخذناهم بغتة " ، أتيناهم بالعذاب فجأة، وهم غارُّون لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ، (44) كما:-

13234 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة " ، قال: أعجبَ ما كانت إليهم، وأغَرَّها لهم. (45)

13235 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي" أخذناهم بغتة " ، يقول: أخذهم العذابُ بغتةً .

13236 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " أخذناهم بغتة " ، قال: فجأة آمنين.

* * *

وأما قوله: " فإذا هم مبلسون "، فإنهم هالكون, منقطعة حججهم, نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلَهم، كالذي:-

13237- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط, عن السدي: " فإذا هم مبلسون "، قال: فإذا هم مهلكون، متغيِّر حالهم.

13238 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ, عن مجاهد: " فإذا هم مبلسون "، قال: الاكتئاب. (46)

13239 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله: " فإذا هم مبلسون " ، قال: " المبلس " الذي قد نـزل به الشرّ الذي لا يدفعه. والمبلس أشد من المستكين, وقرأ: فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ، [سورة المؤمنون: 76] . وكان أول مرة فيه معاتبة وبقيّة. (47) وقرأ قول الله: " أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون " = فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ، حتى بلغ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، ثم جاء أمرٌ ليس فيه بقية. (48) وقرأ: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون "، فجاء أمر ليس فيه بقية. وكان الأوّل، لو أنهم تضرعوا كُشف عنهم .

13240 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد, عن أبي شريح ضبارة بن مالك, عن أبي الصلت, عن حرملة أبي عبد الرحمن, عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي عبدَه في دنياه, إنما هو استدراج. ثم تلا هذه الآية: " فلما نسوا ما ذكِّروا به " إلى قوله: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . (49)

13241- وحدثت بهذا الحديث عن محمد بن حرب, عن ابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإذا رأيت الله تعالى ذكره يعطي العبادَ ما يسألون على معاصيهم إياه, فإنما ذلك استدراج منه لهم! ثم تلا " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " الآية.

* * *

وأصل " الإبلاس " في كلام العرب، عند بعضهم: الحزن على الشيء والندم عليه = وعند بعضهم: انقطاع الحجة، والسكوت عند انقطاع الحجة = وعند بعضهم: الخشوع = وقالوا: هو المخذول المتروك, ومنه قول العجاج:

يَـا صَـاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا ?

قَــالَ: نَعَــمْ! أَعْرِفُــه! وَأَبْلَسَـا (50)

فتأويل قوله: " وأبلسا "، عند الذين زعموا أن " الإبلاس "، انقطاع الحجة والسكوت عنده, بمعنى: أنه لم يُحِرْ جوابًا. (51)

وتأوَّله الآخرون بمعنى الخشوع, وترك أهله إياه مقيمًا بمكانه.

والآخرون بمعنى الحزن والندم.

يقال منه: " أبلس الرجل إبلاسًا ", ومنه قيل: لإبليس " إبليس ". (52)

* * *

---------------

(40) انظر تفسير"النسيان" فيما سلف 2: 9 ، 473 - 480/5 : 164/6 : 132 ، 133 - 135/10 : 129.

= وانظر تفسير"التذكير" فيما سلف 10: 130 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك.

(41) في المطبوعة والمخطوطة: "أن باب الرحمة وباب التوبة لم يفتح لهم وأبواب أخر غيره كثيرة" إلا أن المخطوطة ليس فيها إلا"أبواب أخر" بغير واو ، ورجحت أنه سقط من الكلام ما أثبته ، وأن صوابه ما صححت من ضمائره.

(42) هذه الزيادة بين القوسين ، يقتضيها السياق.

(43) الأثر: 13233 -"ابن أبي رجاء" ، لم أعرفه ، وكان في المطبوعة: "من أهل الثغر" ، وحذف"رجل" ، وأثبت ما في المخطوطة. و"محمد بن النضر الحارثي" ، أبو عبد الرحمن العابد ، مترجم في الكبير1/1/252 ، وابن أبي حاتم 4/1/110 ، وحلية الأولياء 8: 217 ، وصفة الصفوة 3: 93. وهذا الخبر رواه أبو نعيم في الحلية 8: 220 من طريق أبي بكر بن مالك ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن محمد بن منبه ، ابن أخت ابن المبارك ، عن عبد الله بن المبارك.

فأخشى أن يكون"ابن أبي رجاء" هو"محمد بن منبه" ابن أخت بن المبارك. وعسى أن توجد ترجمته"محمد بن منبه" ، فيعرف منها ما نجهل ، ويصحح ما في المخطوطة أهو"رجل من أهل الشعر" ، أم"من أهل الثغر" ، كما في المطبوعة.

(44) انظر تفسير"بغتة" فيما سلف ص: 325.

(45) في المطبوعة: "وأعزها لهم" (بالعين والزاي) والصواب"أغرها" ، من"الغرور" و"الغرة" (بالغين والراء المهملة).

(46) في المطبوعة: "فإذا هم مبلسون قال: فإذا هم مهلكون" ، لا أدري من أين جاء بهذا. والذي في المخطوطة هو ما أثبت ، إلا أنه غير منقوط ، فرجحت قراءته كما أثبته. وسيأتي أن معنى"الإبلاس" ، الحزن والندم.

(47) في المطبوعة: "معاتبة وتقية" ، ولا معنى لذلك هنا ، وفي المخطوطة: "ولقية" وصواب قراءتها ما أثبت. و"البقية" ، الإبقاء عليهم.

(48) في المخطوطة والمطبوعة هنا في الموضعين : تقية" ، وهو خطأ ، انظر التعليق السالف.

(49) الأثران: 13240 ، 13241 -"سعيد بن عمرو السكوني" ، مضى برقم: 5563 ، 6521. و"بقية بن الوليد الحمصي" ، مضى مرارًا ، أولها رقم: 152 ، وآخرها: 9224. وهو ثقة ، ولكنهم نعوا عليه التدليس. و"ضبارة بن مالك" نسب إلى جده هو"ضبارة بن عبد الله بن مالك بن أبي السليك الحضري الألهاني" ، "أبو شريح الحمصي" ، ويقال أيضًا"ضبارة بن أبي السليك" ، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه". وذكره ابن عدي في الكامل وساق له ستة أحاديث مناكير. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/2/343 ، وابن أبي حاتم 2/1/471. و"أبو الصلت" ، مذكور في ترجمة"ضبارة" في التهذيب ، وموصوف بأنه"الشامي" ، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من كتب التراجم. وأما "حرملة ، أبو عبد الرحمن" ، فهذا مشكل ، فإن"حرملة بن عمران بن قراد التجيبي المصري" ، كنيته"أبو حفص" ، لم أجد له كنية غيرها. ولا أستخير أن يكون ذلك خطأ من ناسخ ، فأخشى أن تكون"أبو عبد الرحمن" ، كنية أخرى له. وهو ثقة ، كان من أولى الألباب. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/64 ، وابن أبي حاتم 1/2/273.و"عقبة بن مسلم التجيبي المصري" ، إمام المسجد العتيق ، مصري تابعي ثقة. مترجم في التهذيب. و"عقبة بن عامر الجهني" ، قديم الهجرة والسابقة والصحبة. وكان عالمًا فقهيًا فصيح اللسان ، شاعرًا ، كاتبًا ، وهو أحد من جمع القرآن. وهذا الخبر سيرويه أبو جعفر بعد من طريق ابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم ، ورواه أحمد في مسنده 4: 145 ، من طريق يحيى بن غيلان ، عن رشدين بن سعد ، عن حرملة بن عمران ، عن عقبة بن مسلم ، عن عقبة بن عامر ، بمثله. وخرجه الهيثمي في مجمع الزاوئد 7: 20 ، ونسبه لأحمد والطبراني ، ولم يذكر في إسناده شيئًا من صحة أو ضعف. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 311 من رواية أحمد ، وأشار إلى طريق ابن جرير ، وابن أبي حاتم. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 12 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب.

(50) مضى البيت وتخريجه وتفسيره فيما سلف 1: 509 ، ولم أشر هناك إلى مجيئه في التفسير في هذا الموضع ثم في 21: 18 (بولاق) ، وأزيد أنه في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 192 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 335.

(51) هو الفراء في معاني القرآن 1: 335 .

(52) انظر ما قاله أبو جعفر في تفسير"إبليس" فيما سلف 1: 509 ، 510.

المعاني :

أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ :       من الخيرِ كالرزقِ والعافيةِ، استدراجاً منَّا الميسر في غريب القرآن
كلّ شيء :       من النّعم الكثيرة استدراجا لهم معاني القرآن
بَغۡتَةࣰ :       فَجأة الميسر في غريب القرآن
أخذناهم بغتة :       أنزلنا بهم العذاب فجأة معاني القرآن
مُّبْلِسُونَ :       آيِسُونَ، مُنْقَطِعُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ السراج
مُّبۡلِسُونَ :       يائِسون من كلِّ خيرٍ الميسر في غريب القرآن
هم مبلسون :       آيسون من الرّحمة أو مُكتئبون معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أعظم الاستدراج أن يتابع عليك نعمه، وأنت مقيم على معاصيه.
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال قتادة: «بَغَتَ القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون».
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال الحسن البصري: «من وَسَّعَ الله عليه فلم يرَ أنه يَمْكُرُ به فلا رأي له، ومن قَتَّرَ عليه فلم يرَ أنه يَنظُرُ له فلا رَأْيَ له»، ثم قرأ هذه الآية.
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وهذا من أعظم الغرة؛ أن تراه يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره .
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فتح أبواب الدنيا على الناس قد تكون مقدمة لعقوبة سماوية.
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كل شيء كان مغلقًا عنهم، ﴿حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ معناه: بطروا، وأشروا، وأعجبوا، وظنوا أن ذلك العطاء لا يبيد، وأنه دال على رضاء الله عز وجل عنهم، ﴿أَخَذْنَاهُم﴾ أي: استأصلناهم، وسطونا بهم، و﴿بَغْتَةً﴾ معناه: فجأة وهي الأخذ على غرة.
وقفة
[44] ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فتح أبواب الشبهات والشهوات والمجاهرة باقتحامها والفرح بها وتبرير فتحها وحمايتها نذير شؤم وعلامة هلاك.
وقفة
[44] سنة الاستدراج! عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ : ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. [أحمد 4/145، وصححه الألباني].
عمل
[44] إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج فاحذره، قال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.
وقفة
[44] الدنيا بلا دين استدراج يتلوه عقوبة ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ... أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾.
وقفة
[44] انفتاح الدنيا إذا كان مصاحبًا للبعد عن شرع الله فقد يكون سببًا أو مقدمة للهلاك ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ... أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾.
وقفة
[44] في العذاب قال عز وجل: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ﴾، وفي التكريم للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح: 1].
وقفة
[44] ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ليس كل عطية علامة على رضاه سبحانه، فالفتح الوارد ذكره هنا ثمرةٌ للعصيان.
وقفة
[44] قد يحرم بعض الناس رزقًا لذنوبهم، ويفتح على آخرين استدراجًا ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وخيرهم من يعطى عطاء الرضا.
وقفة
[44] وجود النعم والأموال بأيدي أهل الضلال لا يدل على محبة الله لهم، وإنما هو استدراج وابتلاء لهم ولغيرهم ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾.
لمسة
[44] جمع الله فقال: ﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ولم يقل: (باب كل شيء)؛ ليصور لك كثرة الخيرات وأنواعها التي عمَّت حياتهم.
وقفة
[44] تتنزَّل العقوبات حين تتمُّ وجوه النِّعَم وتستحكم الغفلة ﴿حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾.
وقفة
[44] حينما يأمن الظالم يكون أخذه وهلاكه بغتة وعلى حين غِرة ﴿حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾.
تفاعل
[44] ﴿أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾ استعذ بالله الآن من عقابه.
وقفة
[44] ﴿أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾ قال قتادة: «وما أخذ الله قومًا إلا عند سلوتهم وعزلتهم ونعمتهم؛ فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقين».
وقفة
[44] لمن يقول عِش لحظتك: ﴿أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمَّا نَسُوا:
  • الفاء: استئنافية. لما: اسم شرط غير جازم بمعنى: حين مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب. نسوا: فعل ماض مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «نَسُوا» في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ ما ذُكِّرُوا بِهِ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. ذكروا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. به: جار ومجرور متعلق بذكروا وجملة «ذُكِّرُوا بِهِ» صلة الموصول.
  • ﴿ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. فتحنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليهم: جار ومجرور متعلق بفتحنا. و«هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى. أبواب: مفعول به منصوب بالفتحة. كل: مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور بالاضافة أيضا وعلامة جرّه الكسرة المنونة لأنه اسم نكرة.
  • ﴿ حَتَّى إِذا فَرِحُوا:
  • حتى: حرف غاية للابتداء. إذا: ظرف زمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة. فرحوا: الجملة في محل جر بالاضافة وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة.
  • ﴿ بِما أُوتُوا:
  • جار ومجرور متعلق بفرحوا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل وجملة «أُوتُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بغتة: حال منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ:
  • الفاء: استئنافية. إذا: حرف فجاءة لا عمل له ولا محل له. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مبلسون: خبر هم مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى ساكتون متحيرون. '

المتشابهات :

الأنعام: 44﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
الأعراف: 165﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد أن ابتلاهم اللهُ عز وجل بالشدائد فلم ينتفعوا؛ بَيَّنَ هنا أنه ابتلاهم أيضًا بالرخاء فلم ينتفعوا، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ

القراءات :

فتحنا:
وقرئ:
بتشديد التاء، وهى قراءة ابن عامر.

البحث بالسورة

البحث في المصحف