ترتيب المصحف | 8 | ترتيب النزول | 88 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 75 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 18 | تبدأ في الجزء | 9 |
تنتهي في الجزء | 10 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 1/21 | _ |
= وطاعةُ اللهِ ورسولِه ﷺ، عدمُ التنازعِ، الصَّبرُ، ثُمَّ وصَفَ لهم حالَ عدوِّهم وسببَ هزيمتِهم.
لمَّا وصَفَ خروجَ المشركينَ بَيَّنَ هنا أنَّ الشيطانَ شجَّعَهم على الخروجِ، فلَمَّا تلاقى الفريقانِ هربَ وتبرَّأَ منهم.
لمَّا وصَفَ أحوالَ هؤلاءِ المشركينَ وصَفَ هنا أحوالَ موتِهم، والعذابَ الذي يصلُ إليهِم في ذلك الوقتِ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ هذه سُنَّتُه في الكُلِّ.
التفسير :
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في استعمال ما أمرا به، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال. {وَلَا تَنَازَعُوا} تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، {فَتَفْشَلُوا} أي: تجبنوا {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله. {وَاصْبِرُوا} نفوسكم على طاعة اللّه {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} بالعون والنصر والتأييد، واخشعوا لربكم واخضعوا له.
وقوله وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ نهى لهم عن الاختلاف المؤدى إلى الفشل وضياع القوة بعد أمرهم بالثبات والمداومة على ذكر الله وطاعته.
وقوله تَنازَعُوا من النزع بمعنى الجذب وأخذ الشيء.. والتنازع والمنازعة المجاذبة كأن كل واحد من المتنازعين يريد أن ينزع ما عند الآخر ويلقى به.
والمراد بالتنازع هنا: الخصام والجدال والاختلاف المفضى إلى الفشل أى: الضعف.
قال الآلوسى: وقوله: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، قال الأخفش: الريح مستعارة للدولة.
لشبهها بها في نفوذ أمرها وتمشيه، ومن كلامهم هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة وجرى أمره على ما يريد. وركدت رياحه إذا ولت عنه وأدبر أمره. قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدرى السكون متى يكون .
والمعنى: كونوا- أيها المؤمنون- ثابتين ومستمرين على ذكر الله وطاعته عند لقاء الأعداء، ولا تنازعوا وتختصموا وتختلفوا، فإن ذلك يؤدى بكم إلى الفشل أى الضعف، وإلى ذهاب دولتكم، وهوان كلمتكم، وظهور عدوكم عليكم.
وَاصْبِرُوا على شدائد الحرب، وعلى مخالفة أهوائكم التي تحملكم على التنازع، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بتأييده ومعونته ونصره.
هذا والمتأمل في هاتين الآيتين يراهما قد رسمتا للمؤمنين في كل زمان ومكان الطريق التي توصلهم إلى الفلاح والظفر.
إنهما يأمران بالثبات، والثبات من أعظم وسائل النجاح، لأنه يعنى ترك اليأس والتراجع وأقرب الفريقين إلى النصر أكثرهما ثباتا.
ويأمران بمداومة ذكر الله، لأن ذكر الله هو الصلة التي تربط الإنسان بخالقه الذي بيده كل شيء، ومتى حسنت صلة الإنسان بخالقه، صغرت في عينه قوة أعدائه مهما كبرت.
ويأمران بطاعة الله ورسوله، حتى يدخل المؤمنون المعركة بقلوب نقية، وبنفوس صافية ... لا مكان فيها للتنازع والاختلاف المؤدى إلى الفشل، وذهاب القوة.. ويأمران بالصبر، أى بتوطين النفس على ما يرضى الله، واحتمال المكاره والمشاق في جلد. وهذه الصفة لا بد منها لمن يريد أن يصل إلى آماله وغاياته.
ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين الكريمتين: «هذا تعليم من الله- تعالى- لعباده المؤمنين آداب اللقاء، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء» .
وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقى فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قام وقال: اللهم منزل الكتاب، ومجرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» .
وفي الحديث الآخر المرفوع يقول الله- تعالى- «إن عبدى كل عبدى الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» أى: لا يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي واستعانتى.
وعن قتادة في هذه الآية: «افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون. الضرب بالسيوف» .
ثم قال: «وقد كان للصحابة- رضى الله عنهم- في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه، ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد من بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا، في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس ... قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب» .
وبعد هذه التوجيهات السامية التي رسمت للمؤمنين طريق النصر، نهاهم- سبحانه- عن التشبه بالكافرين الذين صدهم الشيطان عن السبيل الحق، فقال تعالى:
أمرهم أن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا.
وما نهاهم عنه انزجروا ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم "وتذهب ريحكم" أي قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال "واصبروا إن الله مع الصابرين" وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والإئتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالية والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم.
قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب.
القول في تأويل قوله : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا، أيها المؤمنون، ربَّكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه, ولا تخالفوهما في شيء = " ولا تنازعوا فتفشلوا "، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم (1) = " فتفشلوا ", يقول: فتضعفوا وتجبنوا, (2) = " وتذهب ريحكم " .
* * *
وهذا مثلٌ. يقال للرجل إذا كان مقبلا ما يحبه ويُسَرّ به (3) " الريح مقبلةٌ عليه ", يعني بذلك: ما يحبه, ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص:
كَمَـا حَمَيْنَـاكَ يَـوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ
وَالفَضْـلُ لِلقَـوْمِ مِـنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ (4)
يعني: من البأس والكثرة. (5)
* * *
وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم، فتضعفوا ويدخلكم الوهن والخلل.
* * *
=" واصبروا " ، يقول: اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوكم, ولا تنهزموا عنه وتتركوه = " إن الله مع الصابرين " ، يقول: اصبروا فإني معكم. (6)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: " وتذهب ريحكم " ، قال: نصركم. قال: وذهبت ريحُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، (7) حين نازعوه يوم أحد.
16164- حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وتذهب ريحكم " ، فذكر نحوه.
16165- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه= إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد.
16166 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " ، قال: حَدُّكم وجِدُّكم. (8)
16167 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وتذهب ريحكم " ، قال: ريح الحرب.
16168 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وتذهب ريحكم " ، قال: " الريح "، النصر، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو, فإذا كان ذلك لم يكن لهم قِوَام.
16169 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: " ولا تنازعوا فتفشلوا " ، أي: لا تختلفوا فيتفرق أمركم= " وتذهب ريحكم " ، فيذهب حَدُّكم (9) = " واصبروا إن الله مع الصابرين " ، أي: إني معكم إذا فعلتم ذلك. (10)
16170 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله: " ولا تنازعوا فتفشلوا "، قال: الفشل، الضعف عن جهاد عدوه والانكسار لهم, فذلك " الفشل ".
--------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير " التنازع " فيما سلف ص : 569 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " الفشل " ص : 569 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(3) في المطبوعة : " مقبلا عليه ما يحبه " ، زاد " عليه " ، وليست في المخطوطة .
(4) ديوانه : 49 ، من أبيات قبله ، يقول :
دَعَــا مَعَاشِـرَ فَاسْـتَكَّتْ مَسَـامِعُهُمْ
يَـا لَهْـفَ نَفْسِـي لَـوْ تَدْعُو بَني أَسَدٍ
لا يَدَّعُــونَ إذَا خَــامَ الكُمَــاةُ ولا
إذَا السُّــيُوفُ بِـأَيْدِي القَـوْمِ كـالْوَقْدِ
لَـوْ هُـمْ حُمَـاتُكَ بالمحْمَى حَمَوْكَ وَلَمْ
تُـتْرَكْ لِيَـوْمٍ أقَـامَ النَّـاسَ فــي كَبَدِ
كَمَــا حَمَيْنَـاكَ . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . .. . . . .
والبيت الثاني من هذه الأبيات جاء في مخطوطة الديوان : " لا يدَّعوا إذا حام الكماة ولا إذا .. " ، فصححه الناشر المستشرق " تدعوا إذن حامي الكماة لا كسلا " ، فجاء بالغثاثة كلها في شطر واحد . فيصحح كما أثبته . ويعني بقوله : " لا يدعون إذا خام الكماة " ، أي : لا يتنادون بترك الفرار ، و " خام " نكص ، كما قال الآخر :
تَنَـادَوْا : يَـا آلَ عَمْـروٍ لا تَفِـرُّوا!
فَقُلْنَــا : لا فِــرَارَ ولا صُــدُودَا
و " النعف " ، ما انحدر من حزونة الجبل . و " شطب " جبل في ديار بني أسد .
(5) في المخطوطة : " من الناس " ، والصواب ما في المطبوعة .
(6) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص : 455 ، تعليق : 4 ، المراجع هناك .
(7) في المطبوعة : " أصحاب رسول الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(8) في المطبوعة : " حربكم وجدكم " ، وهي في المخطوطة توشك أن تقرأ كما قرأها ، ولكن الكتابة تدل على أنه أراد " حدكم " ، و " الحد " بأس الرجل ونفاذه في نجدته . يقال : " فلان ذو حد " ، أي بأس ونجدة . ولو قرئت : " وحدتكم " ، كان صوابًا ، " الحد " ، و " الحدة " ( بكسر الحاء ) ، واحد . وانظر التعليق التالي .
(9) في المطبوعة : " جدكم "، بالجيم ، والصواب ما في سيرة ابن هشام ، وفيها " حدتكم " ، وفي مخطوطاتها " حدكم " ، وهما بمعنى ، كما أسلفت في التعليق قبله .
(10) الأثر : 16169 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16162.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 32 | ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ |
---|
آل عمران: 132 | ﴿وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وتذهب:
وقرئ:
1- ويذهب، بالياء، وجزم الباء، وهى قراءة عيسى بن عمر.
2- ويذهب، بالياء، ونصب الباء، وهى قراءة أبى حيوة، وأبان، وعصمة.
فتفشلوا:
وقرئ:
فتفشلوا، بكسر الشين، وهى قراءة الحسن، وإبراهيم.
التفسير :
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم لقصد الأشر والبطر في الأرض، وليراهم الناس ويفخروا لديهم. والمقصود الأعظم أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل اللّه من أراد سلوكه، {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} فلذلك أخبركم بمقاصدهم، وحذركم أن تشبهوا بهم، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة. فليكن قصدكم في خروجكم وجه اللّه تعالى وإعلاء دين اللّه، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط اللّه وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل اللّه القويم الموصل لجنات النعيم.
قال الفخر الرازي عند تفسيره لقوله- تعالى- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا....
المراد قريش حين خرجوا من مكة لحفظ العير. خرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، فلما وردوا الجحفة، بعث خفاف الكناني- وكان صديقا لأبى جهل- بهدايا إليه مع ابن له، فلما أتاه قال: إن أبى ينعمك صباحا ويقول لك: إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معى من قرابتي فعلت.
فقال أبو جهل: قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرا. إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فو الله ما لنا بالله طاقة. وإن كنا إنما نقاتل الناس، فو الله إن بنا على الناس لقوة.
والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور، وتعزف فيها القيان، فإن بدرا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم. وحتى تسمع العرب- بمخرجنا فتهابنا آخر الأبد-.
قال المفسرون: فوردوا بدرا، وشربوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان .
وقوله بَطَراً مصدر بطر- كفرح- ومعناه كما يقول الراغب: دهش يعترى الإنسان من سوء احتمال النعمة، وقلة القيام بحقها، وصرفها إلى غير وجهها .
أى أن البطر ضرب من التكبر والغرور واتخاذ نعم الله- تعالى- وسيلة إلى مالا يرضيه وهو مفعول لأجله، أو حال، أى: حال كونهم بطرين.
وقوله وَرِئاءَ مصدر رأى ومعناه: القول أو الفعل الذي لا يقصد معه الإخلاص، وإنما يقصد به التظاهر وحب الثناء.
والمعنى: كونوا أيها المؤمنون- ثابتين عند لقاء الأعداء، ومكثرين من ذكر الله وطاعته، وصابرين في كل المواطن.. واحذروا أن تتشبهوا بأولئك المشركين الذين خرجوا من مكة بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ أى خرجوا غرورا وفخرا وتظاهرا بالشجاعة والحمية ... حتى ينالوا الثناء منهم..
وقوله: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ معطوف على بَطَراً والسبيل: الطريق الذي فيه سهولة. والمراد بسبيل الله: دينه. لأنه يوصل الناس إلى الخير والفلاح.
أى: خرجوا بطريق بما أوتوا من نعم ومرائين بها الناس، وصادين إياهم عن دين الإسلام الذي باتباعه يصلون إلى السعادة والنجاح.
وعبر عن بطرهم وريائهم بصيغة الاسم الدال على التمكن والثبوت، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث، للإشعار بأنهم كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والرياء، وأن هذه الصفات دأبهم وديدنهم، أما الصد عن سبيل الله فلم يحصل منهم إلا بعد أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام.
وقوله: وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ تذييل قصد به التحذير من الاتصاف بهذه الصفات الذميمة، لأنه- سبحانه- محيط بكل صغيرة وكبيرة وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. فعلى المؤمنين أن يخلصوا لله- تعالى- أعمالهم.
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله وكثرة ذكره ، ناهيا لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم ) بطرا ) أي : دفعا للحق ، ( ورئاء الناس ) وهو : المفاخرة والتكبر عليهم ، كما قال أبو جهل - لما قيل له : إن العير قد نجا فارجعوا - فقال : لا والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، وننحر الجزر ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا ، فانعكس ذلك عليه أجمع ؛ لأنهم لما وردوا ماء بدر وردوا به الحمام ، ورموا في أطواء بدر مهانين أذلاء ، صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي ؛ ولهذا قال : ( والله بما يعملون محيط ) أي : عالم بما جاءوا به وله ، ولهذا جازاهم على ذلك شر الجزاء لهم .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي في قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ) قالوا : هم المشركون ، الذين قاتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر .
وقال محمد بن كعب : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ، خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط )
القول في تأويل قوله : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
قال أبو جعفر: وهذا تقدُّمٌ من الله جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله، أن لا يعملوا عملا إلا لله خاصة، وطلب ما عنده، لا رئاء الناس، كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدر طلبَ رئاء الناس. وذلك أنهم أخبروا بفَوْت العِير رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, (11) وقيل لهم: " انصرفوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها!"، فأبوا وقالوا: " نأتي بدرًا فنشرب بها الخمر، وتعزف علينا القِيان، وتتحدث بنا العرب فيها "، (12) فَسُقوا مكان الخمر كؤوس المنايا، كما-
16171 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان قال، حدثنا هشام بن عروة, عن عروة قال: كانت قريش قبل أن يلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: إنا قد أجزنا القوم، وأن ارجعوا. (13) فجاء الركب الذين بعثهم أبو سفيان الذين يأمرون قريشًا بالرجعة بالجُحفة, فقالوا: " والله لا نرجع حتى ننـزل بدرًا، فنقيم فيه ثلاث ليالٍ، ويرانا من غَشِينا من أهل الحجاز, فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا ". وهم الذين قال الله: " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس "، والتقوا هم والنبيّ صلى الله عليه وسلم , ففتح الله على رسوله، وأخزى أئمة الكفر, وشفى صدور المؤمنين منهم. (14)
16172 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق = في حديث ذكره = قال، حدثني محمد بن مسلم، وعاصم بن عمر, (15) وعبد الله بن أبي بكر, ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا, عن ابن عباس قال: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عِيره, أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم, فقد نجاها الله ، فارجعوا! فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا = وكان " بدر " موسمًا من مواسم العرب, يجتمع لهم بها سوق كل عام = فنقيم عليه ثلاثًا, وننحر الجُزُر, ونطعم الطعام, ونسقي الخمور, وتعزف علينا القيان, وتسمع بنا العرب, فلا يزالون يهابوننا أبدًا، فامضوا. (16)
16173 - قال ابن حميد حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، أي: لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا: " لا نرجع حتى نأتي بدرًا، وننحر الجزر، ونسقي بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا "، أي: لا يكونن أمركم رياءً ولا سمعة، ولا التماس ما عند الناسَ، وأخلصوا لله النية والحِسْبة في نصر دينكم, وموازرة نبيكم, أي: لا تعملوا إلا لله ، ولا تطلبوا غيره. (17)
16174 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل= عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، قال: أصحاب بدر.
16175- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: " بطرًا ورئاء الناس "، قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
16176- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد مثله= قال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هم مشركو قريش, وذلك خروجهم إلى بدر.
16177 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، يعني: المشركين الذي قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
16178 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس "، قال: هم قريش وأبو جهل وأصحابه، الذين خرجوا يوم بدر.
16179 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" ، قال: كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله يوم بدر، خرجوا ولهم بَغْي وفخر. وقد قيل لهم يومئذ: " ارجعوا، فقد انطلقت عيركم، وقد ظفرتم ". قالوا: " لا والله ، حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا!". قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: " اللهم إنّ قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادَّك ورسولك "!
16180 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: ذكر المشركين وما يُطعِمُون على المياه فقال: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " .
16181 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا " ، قال: هم المشركون، خرجوا إلى بدر أشرًا وبطرًا.
16182 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر, خرجوا بالقيان والدفوف, فأنـزل الله: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" .
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ولا تكونوا، أيها المؤمنون بالله ورسوله، في العمل بالرياء والسمعة، وترك إخلاص العمل لله، واحتساب الأجر فيه, كالجيش من أهل الكفر بالله ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرًا ومراءاة الناس بزّيهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم (18) = " ويصدون عن سبيل الله "، يقول: ويمنعون الناس من دين الله والدخول في الإسلام، بقتالهم إياهم، وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الإيمان بالله (19) = " والله بما يعملون "، من الرياء والصدِّ عن سبيل الله ، وغير ذلك من أفعالهم= " محيط", يقول: عالم بجميع ذلك, لا يخفى عليه منه شيء، وذلك أن الأشياء كلها له متجلّية, لا يعزب عنه منها شيء, فهو لهم بها معاقب، وعليها معذِّب. (20)
------------------
الهوامش :
(11) في المخطوطة : " بقرب العير " ، والصواب ما في المطبوعة .
(12) في المطبوعة : " وتتحدث بنا العرب لمكاننا فيها " ، زاد ما ليس في المخطوطة .
(13) في المطبوعة : " فارجعوا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في التاريخ.
(14) الأثر : 16171 - هذا من كتاب عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان ، الذي خرجته آنفًا من تاريخ الطبري مجموعًا برقم : 16083 . وهذا القسم في تاريخ الطبري 2 : 269 .
(15) في المطبوعة والمخطوطة : " عاصم بن عمرو " ، وهو خطأ ، إنما هو " عاصم بن عمر بن قتادة ) ، سلف مرارًا ، وانظر سيرة ابن هشام 2 : 257 .
(16) الأثر : 16172 - سيرة ابن هشام 2 : 270 ، وتاريخ الطبري 2 : 276 ، من أثر طويل .
(17) الأثر : 16173 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16169 . وفي لفظه اختلاف يسير .
(18) انظر تفسير " الرئاء " فيما سلف 5 : 521 ، 522 8 : 356 / 9 : 331.
(19) انظر تفسير " الصد " فيما سلف ص : 529 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .
(20) انظر تفسير " محيط " فيما سلف 9 : 252 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 47 | ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ﴾ |
---|
التوبة: 34 | ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ |
---|
ابراهيم: 3 | ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ |
---|
الحج: 25 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} حسَّنها في قلوبهم وخدعهم. {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه. {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين. {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: ولى مدبرا. {وَقَالَ} لمن خدعهم وغرهم: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} أي: أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم. {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ومن المحتمل أن يكون الشيطان، قد سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}
وقوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ.. تذكير للمؤمنين بما خدع به الشيطان الكافرين من وعود كاذبة، وأمانى باطلة.
والمراد بهذا التذكير: حضهم على المداومة على طاعة الله وشكره، حيث إنه- سبحانه- لم يجعلهم كأولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان.
والمعنى: احذروا- أيها المؤمنون- أن تتشبهوا بأولئك الذين خرجوا من ديارهم بطرا ومفاخرة.. واذكروا وقت أن زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ في معاداتكم، بأن وسوس لهم بأنهم على الحق وأنتم على الباطل، وحسن لهم ما جبلوا عليه من غرور ومراءاة، وأوهمهم بأن النصر سيكون لهم عند لقائكم، بأن قال لهم لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ أى: لن يغلبكم أحد من الناس، لا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا غيرهم من قبائل العرب، وإنى مجير ومعين وناصر لكم، إذ المراد بالجار هنا: الذي يجير غيره. أى: يؤمنه مما يخاف ويخشى.
قال الآلوسى: أى: ألقى في روعهم وخيل لهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم، وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات- تجعله مجيرا لهم، وحافظا إياهم عن السوء حتى قالوا: اللهم انصر أهدى الفئتين، وأفضل الدينين.
فالقول مجاز عن الوسوسة. والإسناد في قوله وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ من قبيل الإسناد إلى السبب الداعي. ولَكُمُ خبر لا أو صفة غالِبَ والخبر محذوف. أى: لا غالب كائنا لكم موجود. والْيَوْمَ معمول الخبر. ومِنَ النَّاسِ حال من ضمير الخبر ... » .
وقوله: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ بيان لما فعله الشيطان وقاله بعد أن رأى ما رأى من قوة لا طاقة له بها..
وقوله تَراءَتِ الْفِئَتانِ أى: تقاربتا بحيث صارت كل فئة ترى الأخرى رؤية واضحة.
ومنهم من جعل تَراءَتِ بمعنى التقت وقوله نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: ولى هاربا ورجع القهقرى. وأبطل كيده وذهب ما مناهم به من النصرة والعون يقال: نكص عن الأمر نكوصا ونكصا أى: تراجع عنه وأحجم. والعقب: مؤخر القدم.
والمعنى: لقد حرض الشيطان جنوده من الكافرين على حربكم- أيها المؤمنون-، ومناهم بالنصر عليكم ... ولكنه حينما تراءت الفئتان: فئتكم وفئته، ورأى ما أمدكم الله به من الملائكة، ولى مدبرا وقال للكافرين: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ أى: من عهدكم وجواركم ونصرتكم، إِنِّي أَرى من الملائكة النازلة لتأييد المؤمنين مالا ترونه أنتم إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أن يعذبني قبل يوم القيامة، أو إنى أخاف الله أن يصيبني بمكروه من قبل ملائكته.
وقوله وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ يحتمل أنه من كلام إبليس الذي حكاه الله- تعالى- عنه، ويحتمل أنه جملة مستأنفة من كلامه عز وجل.
أى: والله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره.
هذا، وهناك قولان في كيفية تزيين الشيطان للمشركين:
أحدهما: أن هذا التزيين لم يكن حسيا، وإنما كان معنويا عن طريق الوسوسة دون أن يتحول الشيطان إلى صورة إنسان.
وعليه يكون قوله لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ ... مجازا عن الوسوسة. وقوله نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ استعارة لبطلان كيده، شبه بطلان كيده بعد وسوسته بمن رجع القهقرى عما يخافه.
وثانيهما: أن هذا التزيين كان حسيا بمعنى أن الشيطان تمثل لهم في صورة إنسان، وقال لهم ما قال مما حكاه الله- تعالى- عنه.
وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين في تفسير الآية فقال: واذكر إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم، فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أى: بطل كيده حين نزلت جنود الله.
وكذا عن الحسن- رحمه الله- قال: كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم.
وقيل: لما اجتمعت قريش على السير- لحرب المسلمين في بدر- ذكرت الذي بينها وبين كنانة من الحرب، فكاد ذلك يثنيهم عن حرب المسلمين، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم الشاعر الكناني- وكان من أشرفهم- في جند من الشياطين معه راية وقال: لا غالب لكم اليوم وإنى مجيركم من بنى كنانة. فلما رأى الملائكة تنزل، نكص.
وقيل: كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نكص قال له الحارث: إلى أين؟ أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: إنى أرى ما لا ترون، ودفع صدر الحارث وانطلق وانهزموا.
فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وفي الحديث- الذي أخرجه مالك في الموطأ-: «وما رئي إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة. إلا ما رئي يوم بدر» .
وقد ذكر ابن جرير وابن كثير روايات أخرى تتفق في جملتها مع ما ذكره صاحب الكشاف، وإن كانت تختلف عنها في التفصيل، ومن ذلك قول ابن جرير:
«وكان تزيينه ذلك لهم كما حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بنى مدلج، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا الأدبار.
وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه- وكانت يده في يد رجل من المشركين- انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته.
فقال الرجل: يا سراقة تزعم أنك لنا جار؟ قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ وذلك حين رأى الملائكة.
ثم قال: وحدثنا أحمد بن الفرج، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، قال:
حدثنا مالك، عن إبراهيم بن أبى عبلة، عن طلحة بن عبد بن عبيد الله بن كريز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رئي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر» قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة أى: يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب» .
وقد سار- ابن جرير وابن كثير- في تفسيرهما للآية على أن التزيين من الشيطان كان حسيا.
فابن جرير يقول. بعد أن ذكر بضع روايات في تفسير الآية: فتأويل: وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال، وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم. أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحسن ذلك لهم، وحثهم عليكم وقال لا غالب لكم اليوم، من بنى آدم، فاطمئنوا وأبشروا وإنى جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم ... واجعلوا جدكم وبأسكم على محمد وأصحابه فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين، وجنود الشيطان من الكافرين، ونظر بعضهم إلى بعض نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: رجع القهقرى على قفاه هاربا.. وقال للمشركين إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ يعنى أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم .
وابن كثير يقول: وقوله- تعالى- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... الآية.
أى: حسن لهم- لعنه الله- ما جاءوا له، وما هموا به. وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بنى مدلج.. ثم قال: فلما رأى إبليس الملائكة نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقال إنى برىء منكم إنى أرى ما لا ترون، وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحض أصحابه ويقول لهم: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه..» .
ومن هذا يتضح أن هذين الإمامين الجليلين يسيران في تفسيرهما للآية الكريمة، على أن التزيين كان حسيا، ويهملان القول بغير ذلك وممن تابعهما في هذا الإمام القرطبي، فقد ذكر بعض الروايات التي وردت في معنى الآية، والتي صرحت بأن الشيطان قد تمثل للمشركين في صورة إنسان، وبنى تفسيره للآية على ذلك. .
وقد خالف صاحب المنار هؤلاء الأئمة، فرجح القول الأول وهو أن التزيين لم يكن حسيا، أى أن ما قاله الشيطان لهم من قبيل الوسوسة، وأنه لم يتمثل لهم في صورة إنسان.
فقد قال- رحمه الله- قوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ... أى: واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم لا غالب لكم اليوم من الناس.
فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: فلما قرب كل من الفريقين من الآخر.
نكص، أى: رجع القهقرى.. والمراد أنه كف عن تزيينه لهم، وتغريره إياهم، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشيء، وتركها بحال من ينكص عنه ويوليه دبره، ثم زاد على هذا ما يدل على براءته منهم، وتركه إياهم وشأنهم، وهو وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أى: تبرأ منهم وخاف عليهم، وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة.
ثم قال- بعد أن ضعف الروايات التي أوردها ابن جرير وابن كثير- والمختار عندنا في تفسير الآية أن الشيطان ألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبهم.. .
والخلاصة: أننا بمراجعتنا لأقوال المفسرين في كيفية تزيين الشيطان للمشركين، تراهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
(أ) قسم منهم ذكر القولين السابقين في كيفية التزيين دون أن يرجح أحدهما على الآخر، وممن فعل ذلك الزمخشري، والفخر الرازي والآلوسى.
(ب) وقسم منهم سار في تفسيره على أن التزيين كان حسيا، بمعنى أن الشيطان تمثل للمشركين في صورة إنسان وقال لهم ما قال، وأهمل القول بأن التزيين لم يكن حسيا، وممن فعل ذلك ابن جرير، وابن كثير، والقرطبي.
(ج) وقسم منهم رجح أن التزيين لم يكن حسيا، بل كان عن طريق الوسوسة، وأن الشيطان ما تمثل للمشركين في صورة إنسان، وقد سار في هذا الاتجاه صاحب المنار مشككا في صحة ما سواه.
والذي نراه بعد هذا العرض لأقوال المفسرين: أن الآية الكريمة صريحة في أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم- ما حكاه القرآن عنه: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ وأنه حين تراءى الجمعان كذب فعله قوله، فقد نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقال للمشركين الذين وعدهم ومناهم بالنصر إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ.
ومن العسير علينا بعد ذلك أن نحدد تحديدا قاطعا كيفية هذا التزيين والقول والنكوص:
أهو حسى أم غير حسى لأن التحديد القاطع لا بد أن يستند إلى نص صريح في دلالته على المعنى المراد، وصحيح في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النص غير موجود، لأن الحديث الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه- والذي سبق أن ذكرناه- قال عنه ابن كثير وابن حجر إنه حديث مرسل، وزيادة على ذلك ففي بعض رجاله من هو ضعيف الحديث كابن الماجشون، ولأن الروايات التي رويت في تمثيل الشيطان بصورة سراقة قد جاء معظمها عن ابن عباس، وابن عباس- كما يقول صاحب المنار- كان سنه يوم بدر خمس سنين. فروايته لأخبارها منقطعة.
إذا فنحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم ما قاله- مما حكاه القرآن عنه-، وأنه قد نكص على عقبيه.. إلا أننا لا نستطيع أن نحدد كيفية ذلك.
ويعجبني في هذا المقام قول بعض الكاتبين عند تفسيره لهذه الآية: «وفي هذا الحادث نص قرآنى يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم، وشجعهم على الخروج ... وأنه بعد ذلك «نكص على عقبيه..» فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم.
ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس ... والتي نكص بها كذلك.
الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها. ذلك أن أمر الشيطان كله غيب، ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء من أمره إلا بنص قرآنى أو حديث نبوي صحيح، والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث.
فإلى هنا ينتهى اجتهادنا، ولا نميل إلى المنهج الذي تتخذه مدرسة الشيخ محمد عبده في محاولة تأويل كل أمر غيبي من هذا القبيل تأويلا معينا ينفى الحركة الحسية عن هذه العوالم، وذلك كقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم: لا غالب لكم اليوم من الناس ... إلخ ما ذكره الشيخ رشيد في تفسير الآية .
وقوله : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) الآية ، حسن لهم - لعنه الله - ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال : أنا جار لكم ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، سيد بني مدلج ، كبير تلك الناحية ، وكل ذلك منه ، كما قال [ الله ] تعالى عنه : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) [ النساء : 120 ] .
قال ابن جريج قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم ، وإني جار لكم . فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ، ( نكص على عقبيه ) قال : رجع مدبرا ، وقال : ( إني أرى ما لا ترون ) الآية .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) فلما اصطف الناس أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين وأقبل جبريل ، عليه السلام ، إلى إبليس ، فلما رآه - وكانت يده في يد رجل من المشركين - انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وذلك حين رأى الملائكة .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما حضر القتال ورأى الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم ) فتشبث الحارث بن هشام فنخر في وجهه ، فخر صعقا ، فقيل له : ويلك يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا . فقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب )
وقال محمد بن عمر الواقدي : أخبرني عمر بن عقبة ، عن شعبة - مولى ابن عباس - عن ابن عباس قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم كشف عنه ، فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس ، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ، وإسرافيل في جند آخر ألف . وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس . فلما أبصر عدو الله الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) فتشبث به الحارث بن هشام ، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه ، فضرب في صدر الحارث ، فسقط الحارث ، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ، ورفع ثوبه وقال : يا رب ، موعدك الذي وعدتني .
وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه ذكرناه في السيرة .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي - وكان من أشراف بني كنانة - فقال : أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا .
قال محمد بن إسحاق : فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام - أو : عمير بن وهب - فقال : أين ، أي سراق ؟ ومثل عدو الله فذهب - قال : فأوردهم ثم أسلمهم - قال : ونظر عدو الله إلى جنود الله ، قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين فانتكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وصدق عدو الله ، وقال : ( إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وهكذا روي عن السدي ، والضحاك ، والحسن البصري ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم ، رحمهم الله .
وقال قتادة : وذكر لنا أنه رأى جبريل ، عليه السلام ، تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) وكذب عدو الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ، وتبرأ منهم عند ذلك .
قلت : يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله ) [ الحشر : 16 ] ، وقوله تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم 4 75 وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى .
فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس ، وأوحى الله إليهم : أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، وتثبيتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ، فيقول له : أبشر فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا عليهم . فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه . ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا . وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة لما أسلموا : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) [ الأعراف : 123 ] ، وكقوله ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) [ طه : 71 ] ، وهو من باب البهت والافتراء ، ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة .
وقال مالك بن أنس ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما رئي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر . قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : أما إنه رأى جبريل ، عليه السلام ، يزع الملائكة .
هذا مرسل من هذا الوجه .
القول في تأويل قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، وحين زين لهم الشيطان أعمالهم، وكان تزيينه ذلك لهم، (21) كما:-
16183- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم, (22) فقال الشيطان للمشركين: ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ). فلما اصطف الناس, أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين, فولَّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس, فلما رآه, وكانت يده في يد رجل من المشركين, انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته, فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)، وذلك حين رأى الملائكة.
16184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا، أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي, فجاء على فرس، فقال للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس) ! فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة, وهؤلاء كنانة قد أتوكم!
16185- حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق, حدثني يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر =يعني من الحرب= فكاد ذلك أن يثنيهم, (23) فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة [بن مالك] بن جعشم المدلجيّ, وكان من أشراف بني كنانة, فقال: " أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم بشيء] تكرهونه "! فخرجوا سراعا. (24)
16186- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق في قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم)، فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم، (25) حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم، (26) يقول الله: (فلما تراءت الفئتان)، ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم =(نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، وصدق عدوّ الله، إنه رأى ما لا يرون= وقال: (إني أخاف الله والله شديد العقاب) , فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منـزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه. حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان, كان الذي رآه حين نكص: " الحارث بن هشام " أو: " عمير بن وهب الجمحي", فذُكر أحدهما، فقال: أينَ، أيْ سُرَاقَ! ، (27) ومثَل عدوُّ الله فذهب. (28)
16187- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، إلى قوله: (شديد العقاب)، قال: ذُكر لنا أنه رأى جبريل تنـزل معه الملائكة, فزعم عدو الله أنه لا يَدَيْ له بالملائكة, وقال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله)، وكذب والله عدو الله, ما به مخافة الله, ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له, وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له, (29) حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مُسْلَم، (30) وتبرأ منهم عند ذلك.
16188- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: لما كان يوم بدر, سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين, وألقى في قلوب المشركين: أنّ أحدًا لن يغلبكم، وإني جار لكم! فلما التقوا، ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة، نكص على عقبيه =قال: رجع مدبرًا= وقال: (إني أرى ما لا ترون)، الآية.
16189- حدثنا أحمد بن الفرج قال، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال، حدثنا مالك, عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ، ولا أحقرُ، ولا أدحرُ، ولا أغيظُ من يوم عرفة, وذلك مما يرى من تنـزيل الرحمة والعفو عن الذنوب, إلا ما رأى يوم بدر! قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: " أما إنه رأى جبريل يَزَعُ الملائكة ". (31)
16190- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال, عن الحسن في قوله: (إني أرى ما لا ترون) قال: رأى جبريل معتجرًا ببُرْدٍ، (32) يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم , وفي يده اللجام, ما رَكبَ.
16191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: قال الحسن، وتلا هذه الآية: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده, وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم, (33) ولن تغلبوا كثرةً! فلما التقوا نكص على عقبيه =يقول: رجع مدبرًا= وقال: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني الملائكة.
16192- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر! فقال لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر, ولا غالب لكم اليوم من الناس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ( وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) في هذه الأحوال =وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم، أيها المؤمنون، لحربكم وقتالكم وحسَّن ذلك لهم وحثهم عليكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم, فاطمئنوا وأبشروا =(وإني جار لكم) ، من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فمعيذكم، (34) أجيركم وأمنعكم منهم, فلا تخافوهم, واجعلوا حدَّكم وبأسكم على محمد وأصحابه (35) =(فلما تراءت الفئتان)، يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين, ونظر بعضهم إلى بعض=(نكص على عقبيه)، يقول: رجع القهقري على قفاه هاربًا. (36)
* * *
يقال منه: " نكص ينكُص وينكِص نكوصًا ", ومنه قول زهير:
هُـمْ يَضْرِبُـونَ حَبِيكَ البَيْضِ إِذْ لَحِقُوا
لا يَنْكُصُـون, إِذَا مَـا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا (37)
وقال للمشركين: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددًا للمؤمنين, والمشركون لا يرونهم (38) = إني أخاف عقاب الله، وكذب عدوُّ الله=(والله شديد العقاب) . (39)
----------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير " زين " فيما سلف 12 : 136 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(22) في المطبوعة ، حذف قوله : " والشيطان " ، وساق الكلام سياقًا واحدًا .
(23) في المطبوعة : " أن يثبطهم " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في السيرة .
(24) الأثر : 16185 - سيرة ابن هشام 2 : 263 ، والزيادة بين الأقواس منها .
(25) في المطبوعة ، حذف " لهم " ، وهي ثابتة في المخطوطة وسيرة ابن هشام .
(26) في المطبوعة : " من الحرب " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام . والناشر كما تعلم وترى ، كثير العبث بكلام أهل العلم .
(27) هذه الجملة والتي تليها غيرها الناشر كل التغير ، فكتب : " فقال : أين سراقة ! أسلمنا عدو الله وذهب " . والذي في المخطوطة مطابق لما في سيرة ابن هشام " . وقوله : " مثل " ، أي : انتصب ونهض .
(28) الأثر : 16186 - سيرة ابن هشام 2 : 318 ، 319 ، وأخر صدر الخبر فجعله في آخره . وهذا الخبر لم يروه ابن هشام في سياق تفسير هذه الآيات في سيرته 2 : 329 ، تابعًا للأثر السالف رقم : 16173 ، بل ذكر الآية ثم قال : " وقد مضى تفسير هذه الآية " .
(29) في المطبوعة : " واستعاذ به " ، غير ما في المخطوطة بسوء أمانته ورأيه . و " استقاد له " ، انقاد له وأطاعه .
(30) " مسلم " ( بضم فسكون ففتح ) مصدر ميمي ، بمعنى " الإسلام " .
(31) الأثر : 16189 - رواه مالك في الموطأ : 422 ، بنحو هذا اللفظ ، وانظر التقصي لابن عبد البر : 12 ، 13 .
" أحمد بن الفرج بن سليمان الحمصي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 6899 ، 15377 . و " عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التيمي " ، فقيه المدينة ومفتيها في زمانه ، وهو فقيه ابن فقيه ، وهو ضعيف الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 2 358 .
و " إبراهيم بن أبي عبلة الرملي " ، مضى برقم : 11014 .
و " طلحة بن عبيد الله بن كريز بن جابر الكعبي " ، كان قليل الحديث ، مضى برقم : 15585 .
هذا خبر مرسل .
وقوله : " يزع الملائكة " ، أي : يرتبهم ويسويهم ، ويصفهم للحرب ، فكأنه يكفهم عن التفرق والانتشار ، و " الوازع " ، هو المقدم على الجيش ، الموكل بالصفوف وتدبير أمرهم ، وترتيبهم في قتال العدو . من قولهم : " وزعه " ، أي : كفه وحبسه عن فعل أو غيره .
(32) " الاعتجار " ، هو لف العمامة على استدارة الرأس ، من غير إدارة تحت الحنك . وإدارتها تحت الحنك هو " التلحي " ( بتشديد الحاء ) .
(33) في المطبوعة : " لن يغلبكم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(34) في المطبوعة : " فيغيركم " ، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها بعد إصلاح فسادها .
(35) في المطبوعة : " جدكم " بالجيم ، وانظر ما سلف ج 13 ص : 577 ، تعليق : 1 .
(36) انظر تفسير " العقب " فيما سلف 3 : 163 11 : 450 .
(37) ديوانه : 159 ، من قصيدته في هرم بن سنان ، وهي من جياد شعره . و " حبيك البيض " ، طرائق حديده . و " البيض " جمع " بيضة " ، هي الخوذة من سلاح المحارب ، على شكل بيضة النعام ، يلبسها الفارس على رأسه لتقيه ضرب السيوف والرماح . و " استلحم الرجل " ( بالبناء للمجهول ) : إذا نشب في ملحمة القتال ، فلم يجد مخلصًا . وقوله : " وحموا " ، من قولهم : " حمى من الشيء حمية ومحمية " ، إذا فارت نفسه وغلت ، وأنف أن يقبل ما يراد به من ضيم ، ومنه : " أنف حمى " .
(38) انظر تفسير " بريء " فيما سلف من فهارس اللغة ( برأ ) .
(39) انظر تفسير " شديد العقاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( عقب ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 48 | ﴿إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ ۚ وَاللَّـهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ |
---|
المائدة: 28 | ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ |
---|
الحشر: 16 | ﴿فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: شك وشبهة، من ضعفاء الإيمان، للمؤمنين حين أقدموا ـ مع قِلَّتهم ـ على قتال المشركين مع كثرتهم. {غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} أي: أوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا يدان لهم بها، ولا استطاعة لهم بها،يقولونه احتقارا لهم واستخفافا لعقولهم، وهم ـ واللّه ـ الأخِفَّاءُ عقولا، الضعفاء أحلاما. فإن الإيمان يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها الجيوش العظام،فإن المؤمن المتوكل على اللّه، الذي يعلم أنه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لأحد إلا باللّه تعالى،وأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة لم ينفعوه، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه اللّه عليه، وعلم أنه على الحق، وأن اللّه تعالى حكيم رحيم في كل ما قدره وقضاه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من قوة وكثرة، وكان واثقا بربه، مطمئن القلب لا فزعا ولا جبانا، ولهذا قال {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} لا يغالب قوته قوة. {حَكِيمٌ} فيما قضاه وأجراه.
هذا، وقوله- تعالى- بعد ذلك: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ.. بيان لصنفين آخرين من أعداء المسلمين بعد بيان العدو الرئيسى وهم المشركون الذين خرجوا بطرا ورئاء الناس لمحاربة الإسلام وقد شجعهم الشيطان على ذلك.
قال الفخر الرازي: أما المنافقون فهم قوم من الأوس والخزرج- كانوا يظهرون الإسلام ويخفون الكفر ولم يخرج منهم أحد إلى بدر سوى عبد الله بن أبى- وأما الذين في قلوبهم مرض فهم قوم من قريش أسلموا ولم يهاجروا.
ثم إن قريشا لما خرجوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أولئك: نخرج مع قومنا فإن كان محمد في كثرة خرجنا إليه، وإن كان في قلة أقمنا في قومنا..
وعامل الإعراب في «إذ» فيه وجهان: الأول: التقدير، والله شديد العقاب إذ يقول المنافقون» ..
والثاني: اذكروا إذ يقول المنافقون..» .
وقوله: غَرَّ أى: خدع، من الغرور وهو كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهرة وشيطان.
أى: اذكروا- أيها المؤمنون- وقت أن قال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غر هؤلاء دينهم: أى خدعهم، لأنكم أقدمتم على قتال قوم يفوقونكم عدة وعددا، وهذا القتال- في زعمهم- لون من إلقاء النفس إلى التهلكة، لأنهم قوم لا يدركون حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة، فهم لخراب بواطنهم من العقيدة السليمة، لا يعرفون أثرها في الإقدام من أجل نصرة الحق ولا يقدرون ما عليه أصحابها من صلة طيبة بالله- عز وجل- الذي بيده النصر والهزيمة..
وماداموا قد فقدوا تلك المعرفة، وهذا التقدير، فلا تستبعدوا منهم- أيها المؤمنون- أن يقولوا هذا القول عنكم، فذلك مبلغهم من العلم، وتلك موازينهم في قياس الأمور ...
والحق، أن الإنسان عند ما يتدبر ما قاله المنافقون والذين في قلوبهم مرض في حق المؤمنين عند ما أقدموا على حرب أعدائهم في بدر ...
أقول: عند ما يتدبر ذلك ليرى أن هذا القول دأب كل المنافقين والذين في قلوبهم مرض في كل زمان ومكان.
إننا في عصرنا الحاضر رأينا كثيرين من أصحاب العقيدة السليمة، والنفوس النقية، والقلوب المضحية بكل شيء في سبيل نصرة الحق.. رأينا هؤلاء يبلغون رسالات الله دون أن يخشوا أحدا سواه ويهاجمون الطغاة والمبطلين والفجار، ليمكنوا لدين الله في الأرض، حتى ولو أدت بهم هذه المهاجمة إلى بذل أرواحهم.
ورأينا في مقابل هؤلاء الصادقين أقواما- ممن آثروا شهوات الدنيا على كل شيء- لا يكتفون بالصمت وهم يشاهدون أصحاب العقيدة السليمة يصارعون الطغاة.
بل هم- بسبب خلو نفوسهم من المثل العليا- يلقون باللوم على هؤلاء المؤمنين، ويقولون ما حكاه القرآن من أقوال في أشباههم السابقين من المنافقين والذين في قلوبهم مرض: غر هؤلاء دينهم.
إنهم لا يدركون الأمور ببصيرة المؤمن، ولا يزنونها بميزان الإيمان.
إن المؤمن يرى التضحية في سبيل الحق مؤدية إلى إحدى الحسنين النصر أو الشهادة.
أما هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض، فلا يرون الحياة إلا متعة وشهوة وغنيمة فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ .
وقوله- تعالى- وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ حض للمؤمنين على التمسك بما يدعوهم إليه إيمانهم من استقامة وقوة..
أى: ومن يكل أمره إلى الله، ويثق به- ينصره- سبحانه- على أعدائه، فإنه- عز وجل- عزيز لا يغلبه شيء، حكيم فيما يدبر من أمر خلقه.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد صورت تصويرا بديعا ما عليه الكافرون وأشباههم من بطر ومفاخرة وصد عن سبيل الله.. ومن طاعة للشيطان أوردتهم المهالك.
وحكت ما قالوه من أقوال تدل على جبنهم وجهلهم وانطماس بصيرتهم.
ونهت المؤمنين عن التشبه بهم، لأن البطر والمفاخرة والبغي، واتباع الشيطان: كل ذلك يؤدى إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ولقد كان أبو جهل قمة في البغي والبطر والمراءاة عند ما قال- بعد أن نصحه الناصحون بالرجوع عن الحرب فقد نجت العير: «لا لن نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم ثلاثا، ننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا» .
وعند ما بلغت مقالة أبى جهل أبا سفيان قال: «وا قوماه!! هذا عمل عمرو بن هشام «يعنى أبا جهل» كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى، والبغي منقصة وشؤم. إن أصاب محمد النفير ذللنا» .
وصدقت فراسة أبى سفيان، فقد أصاب محمد صلى الله عليه وسلم النفير وتسر بل المشركون بالذل والهوان في بدر بسبب بطرهم وريائهم وصدهم عن سبيل الله، واتباعهم لخطوات الشيطان.
فاللهم نسألك أن توفقنا إلى ما يرضيك، وأن تجنبنا البطر والرياء وسوء الأخلاق.
وبعد هذا البيان لأحوال الكافرين في حياتهم انتقل القرآن لبيان أحوالهم عند مماتهم.
فقال- تعالى-:
وقوله : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ، وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون : ( غر هؤلاء دينهم ) وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم ، فظنوا أنهم سيهزمونهم ، لا يشكون في ذلك ، فقال الله : ( ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم )
وقال قتادة : رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر الله ، وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال : والله لا يعبدوا الله بعد اليوم ، قسوة وعتوا .
وقال ابن جريج في قوله : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) هم قوم كانوا من المنافقين بمكة ، قالوه يوم بدر .
وقال عامر الشعبي : كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام ، فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : ( غر هؤلاء دينهم )
وقال مجاهد في قوله - عز وجل - : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) قال : فئة من قريش : [ أبو ] قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : ( غر هؤلاء دينهم ) حتى قدموا على ما قدموا عليه ، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم .
وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار ، سواء .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن في هذه الآية ، قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر ، فسموا منافقين - قال معمر : وقال بعضهم : هم قوم كانوا أقروا بالإسلام ، وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : ( غر هؤلاء دينهم )
وقوله : ( ومن يتوكل على الله ) أي : يعتمد على جنابه ، ( فإن الله عزيز ) أي : لا يضام من التجأ إليه ، فإن الله عزيز منيع الجناب ، عظيم السلطان ، حكيم في أفعاله ، لا يضعها إلا في مواضعها ، فينصر من يستحق النصر ، ويخذل من هو أهل لذلك .
القول في تأويل قوله : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ، في هذه الأحوال =(وإذ يقول المنافقون)، وكرّ بقوله: (إذ يقول المنافقون)، على قوله: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا =(والذين في قلوبهم مرض)، يعني: شك في الإسلام، لم يصحَّ يقينهم، ولم تُشرح بالإيمان صدورهم (40) =(غر هؤلاء دينهم)، يقول: غر هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أنفسهم، دينُهم (41) = وذلك الإسلام.
* * *
وذُكر أن الذين قالوا هذا القول، كانوا نفرًا ممن كان قد تكلم بالإسلام من مشركي قريش، ولم يستحكم الإسلام في قلوبهم.
* ذكر من قال ذلك:
16193- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم)، قال: كان ناسٌ من أهل مكة تكلموا بالإسلام, فخرجوا مع المشركين يوم بدر, فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: (غر هؤلاء دينهم).
16194- حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد, عن داود, عن عامر, مثله. (42)
16195- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا, عن ابن جريج, عن مجاهد في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم)، قال: فئة من قريش: أبو قيس بن الوليد بن المغيرة, (43) وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة, والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب, وعلي بن أمية بن خلف, والعاصي بن منبّه بن الحجاج; خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب، فحبسهم ارتيابهم. فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (غرّ هؤلاء دينهم)، حتى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم، فشرَّد بهم من خلفهم. (44)
16196- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم)، قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر, فسموا " منافقين " =قال معمر: وقال بعضهم: قوم كانوا أقرُّوا بالإسلام وهم بمكة، فخرجوا مع المشركين يوم بدر, فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: (غر هؤلاء دينهم).
16197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) إلى قوله: (فإن الله عزيز حكيم)، قال: رأوا عصابة من المؤمنين تشرّدت لأمر الله. (45) وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: " والله لا يُعبد الله بعد اليوم!" ، قسوة وعُتُوًّا.
16198- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض)، قال: ناس كانوا من المنافقين بمكة, قالوه يوم بدر, وهم يومئذ ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا.
16199- ... قال حدثني حجاج, عن ابن جريج في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض)، قال: لما دنا القوم بعضهم من بعض, فقلَّل الله المسلمين في أعين المشركين, وقلَّل المشركين في أعين المسلمين, فقال المشركون: (غر هؤلاء دينهم)، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم, وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك, فقال الله: (ومن يتوكل على الله فإنّ الله عزيز حكيم).
* * *
وأما قوله: (ومن يتوكل على الله)، فإن معناه: ومن يسلم أمره إلى الله، ويثق به، ويرض بقضائه, فإن الله حافظه وناصره (46) =لأنه " عزيز "، لا يغلبه شيء، ولا يقهره أحد, فجارُه منيع، ومن يتوكل عليه مكفيٌّ. (47)
وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله وغيرهم، أن يفوِّضوا أمرهم إليه، ويسلموا لقضائه, كيما يكفيهم أعداءهم, ولا يستذلهم من ناوأهم, لأنه " عزيز " غير مغلوب, فجاره غير مقهور = " حكيم "، يقول: هو فيما يدبر من أمر خلقه حكيم، لا يدخل تدبيره خلل. (48)
--------------
الهوامش :
(40) انظر تفسير " مرض " فيما سلف 1 : 278 - 281 10 : 404 .
(41) انظر تفسير " الغرور " فيما سلف 12 : 475 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(42) الأثر : 16194 - " إسحاق بن شاهين الواسطي " ، شيخ الطبري مضى برقم : 7211 ، 9788 . وكان في المخطوطة " أبو إسحاق بن شاهين " ، وهو خطأ ، صوابه ما في المطبوعة . وكنيته " أبو بشر " .
(43) مكان " أبو قيس بن " ، بياض في المخطوطة ، وفوق البياض حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، وبعدها " الوليد بن المغيرة " ، فكتب ناشر المطبوعة : " قيس بن الوليد بن المغيرة " ، وأخطأ ، إنما هو " أبو قيس بن الوليد " ، وهو الذي شهد بدرًا ، وقتله حمزة بن عبد المطلب . فأثبته . والظاهر أن البياض لا يراد به إلا هذا الذي أثبته ، لا زيادة عليه .
(44) في المطبوعة ، حذف " فشرد بهم من خلفهم " ، وهي ثابتة في المخطوطة .
(45) في المطبوعة : " تشددت " ، وفي المخطوطة : " تسردت " ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت ، " تشرد في الأرض " هرب ونفر ، وكأنه يعني هجرتهم إلى الله ورسوله . هكذا اجتهدت ، والله أعلم .
(46) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف 13 : 385 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(47) في المطبوعة : " . . . عليه يكفه " ، غير ما في المخطوطة ، وهو محض الصواب .
(48) انظر تفسير " عزيز " ، و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( عزز ) ، ( حكم ) .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 49 | ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ﴾ |
---|
الأحزاب: 12 | ﴿وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى: ولو ترى الذين كفروا بآيات اللّه حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم القلق وعظم كربهم، و{الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، ونفوسهم متمنعة مستعصية على الخروج، لعلمها ما أمامها من العذاب الأليم. ولهذا قال: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق أي: العذاب الشديد المحرق
والخطاب في قوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى.. للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب ولَوْ شرطية، وجوابها محذوف لتفظيع الأمر وتهويله.
والمراد بالذين كفروا: كل كافر، وقيل المراد بهم قتلى غزوة بدر من المشركين.
قال ابن كثير: وهذا السياق وإن كان سببه غزوة بدر، ولكنه علم في حق كل كافر. ولهذا لم يخصصه الله بأهل بدر بل قال- سبحانه- وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ... .
والفعل المضارع هنا وهو تَرى بمعنى الماضي، لأن لو الامتناعية ترد المضارع ماضيا.
والفعل يَتَوَفَّى فاعله محذوف للعلم به وهو الله- عز وجل- وقوله: الَّذِينَ كَفَرُوا هو المفعول وعليه يكون: الْمَلائِكَةُ مبتدأ، وجملة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ...
خبر.
والمعنى ولو عاينت وشاهدت أيها العاقل حال الذين كفروا حين يتوفى الله أرواحهم، لعاينت وشاهدت منظرا مخيفا، وأمرا فظيعا تقشعر من هوله الأبدان.
ثم فصل الله- سبحانه- هذا المنظر المخيف بجملة مستأنفة فقال: الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ والمراد بوجوههم: ما أقبل منهم وبأدبارهم: ما أدبر وهو كل الظهر.
أى: الملائكة عند ما يتوفى الله- تعالى- هؤلاء الكفرة يضربون ما أقبل منهم وما أدبر، لإعراضهم عن الحق، وإيثارهم الغي على الرشد.
ومنهم من يرى أن الفعل يَتَوَفَّى فاعله الْمَلائِكَةُ وأن قوله الَّذِينَ كَفَرُوا هو المفعول وقدم على الفاعل للاهتمام به.
وعليه تكون جملة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ.. حال من الفاعل وهو الملائكة.
فيكون المعنى: ولو رأيت- أيها العاقل- حال الكافرين عند ما تتوفى الملائكة أرواحهم فتضرب منهم الوجوه والأدبار، لرأيت عندئذ ما يؤلم النفس، ويخيف الفؤاد.
ويبدو لنا أن التفسير الأول أبلغ، لأن توضيح وتفصيل الرؤية بالجملة الاسمية المستأنفة خير منه بجملة الحال، ولأن إسناد التوفي إلى الله أكثر مناسبة هنا، إذ أن الله- تعالى- قد بين وظيفة الملائكة هنا فقال: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.
وخص- سبحانه- الضرب للوجوه والأدبار بالذكر، لأن الوجوه أكرم الأعضاء، ولأن الأدبار هي الأماكن التي يكره الناس التحدث عنها فضلا عن الضرب عليها. أو لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد وأعظم.
وقوله: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ معطوف على قوله يَضْرِبُونَ بتقدير القول.
أى يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم: ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التي كنتم تكذبون بها في الدنيا.
والذوق حقيقة إدراك المطعومات. والأصل فيه أن يكون في أمر مرغوب في ذوقه وطلبه.
والتعبير به هنا عن ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم، والاستهزاء بهم، كما في قوله- تعالى-: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وهو أيضا يشعر بأن ما وقع عليهم من عذاب إنما هو بمنزلة المقدمة لما هو أشد منه، كما أن الذوق عادة يكون كالمقدمة للمطعوم أو الشيء المذاق.
يقول تعالى : ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقولون لهم : ( ذوقوا عذاب الحريق ) .
قال ابن جريج ، عن مجاهد : ( وأدبارهم ) أستاههم ، قال : يوم بدر .
قال ابن جريج ، قال ابن عباس : إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف ، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم .
قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) يوم بدر .
وقال وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ، عن مجاهد ، عن شعبة ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير : ( يضربون وجوههم وأدبارهم ) قال : وأستاههم ولكن الله يكني .
وكذا قال عمر مولى غفرة .
وعن الحسن البصري قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك قال ما ذاك ؟ قال : ضرب الملائكة .
رواه ابن جرير وهو مرسل .
وهذا السياق - وإن كان سببه وقعة بدر - ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر ، بل قال تعالى : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) وفي سورة القتال مثلها وتقدم في سورة الأنعام [ عند ] قوله : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم ) [ الأنعام : 93 ] أي : باسطو أيديهم بالضرب فيهم ، يأمرونهم إذا استصعبت أنفسهم وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهرا . وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله ، كما [ جاء ] في حديث البراء : إن ملك الموت - إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة - يقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم ، وظل من يحموم ، فتتفرق في بدنه ، فيستخرجونها من جسده ، كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم : ( وذوقوا عذاب الحريق )
القول في تأويل قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو تعاين، يا محمد، حين يتوفى الملائكةُ أرواحَ الكفار، فتنـزعها من أجسادهم, تضرب الوجوه منهم والأستاه, ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم. (49)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16200- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: يوم بدر.
16201- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سليم, عن إسماعيل بن كثير, عن مجاهد: (يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: وأستاههم، ولكن الله كريم يَكْنِي. (50)
16202- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, حدثنا سفيان, عن أبي هاشم, عن مجاهد, في قوله: (يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: وأستاههم، ولكنه كريم يَكْنِي. (51)
16203- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير في قوله: (يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: إن الله كنى, ولو شاء لقال: " أستاههم ", وإنما عنى ب " أدبارهم "، أستاههم.
16204- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال: أستاههم، يوم بدر =قال ابن جريج، قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف. وإذا ولّوا، أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم.
16205- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا عباد بن راشد, عن الحسن قال: قال رجل: يا رسول الله، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك! (52) قال: ما ذاك؟ قال: ضربُ الملائكة.
16206- حدثنا محمد قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل, عن منصور, عن مجاهد: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه, (53) فنَدرَ رأسُه؟ (54) فقال: سبقك إليه الملك.
16207- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: حدثني حرملة: أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: (يضربون وجوههم وأدبارهم)، فإنما يريد: أستاههم. (55)
* * *
قال أبو جعفر: وفي الكلام محذوف، استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره, وهو قوله: " ويقولون "، (ذوقوا عذاب الحريق)، حذفت " يقولون ", كما حذفت من قوله: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة: 12]، بمعنى: يقولون: ربنا أبصرنا. (56)
-----------------------
الهوامش :
(49) انظر تفسير " التوفي " فيما سلف 13 : 35 ، تعليق 5 ، والمراجع هناك .
وتفسير " الأدبار " فيما سلف 13 : 435 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " الذوق " فيما سلف 13 : 528 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " الحريق " فيما سلف 7 : 446 ، 447 .
(50) الأثر : 16201 - " يحيى بن سليم الطائفي " ، ثقة ، مضى برقم : 4894 ، 9788 ، وكان في المطبوعة : " يحيى بن أسلم " ، وهو خطأ محض ، والمخطوطة مضطربة الكتابة . و " إسماعيل بن كثير الحجازي " ، ثقة ، مضى برقم : 8929 .
(51) في المطبوعة : " ولكن الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(52) " الشراك " ، سير النعل الذي يكون على ظهرها .
(53) انظر ما أسلفت في تفسير " ذهب يفعل " ، فيما سلف 11 : 128 ، تعليق : 1 ، ثم 11 : 250 ، 251 ، وص 250 تعليق : 1 .
(54) " ندر الشيء " سقط . يقال : " ضرب يده بالسيف فأندرها " ، أي قطعها فسقطت .
(55) الأثر : 16207 - " حرملة بن عمران التجيبي " ، ثقة ، مضى برقم : 6890 ، 13240 . و " عمر ، مولى غفرة " ، هو " عمر بن عبد الله المدني " ، أبو حفص ، ليس به بأس ، كان صاحب مرسلات ورقائق . مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3 1 119 .
(56) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 413 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 181 | ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ |
---|
الأنفال: 50 | ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ |
---|
الحج: 22 | ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يتوفى:
وقرئ:
تتوفى، بالتاء، وهى قراءة ابن عامر، والأعرج.
التفسير :
ذلك العذاب حصل لكم، غير ظلم ولا جور من ربكم، وإنما هو بما قدمت أيديكم من المعاصي التي أثرت لكم ما أثرت، وهذه سنة اللّه في الأولين والآخرين، فإن دأب هؤلاء المكذبين أي: سنتهم وما أجرى اللّه عليهم من الهلاك بذنوبهم}.
وقوله: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ بيان للأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير السيئ. وأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم بشؤم صنيعهم، وانقيادهم للهوى والشيطان.
أى: ذلك الذي نزل بكم- أيها الكافرون- من الضرب وعذاب النار، سببه ما قدمته أيديكم من عمل سىء، وفعل قبيح، وقول منكر، وجحود للحق. وأن الله- تعالى- ليس بذي ظلم لكم ولا لغيركم، لأن حكمته- سبحانه- قد اقتضت ألا يعذب أحدا إلا بسبب ذنب ارتكبه، وجرم اقترفه.
فاسم الإشارة «ذلك» يعود إلى الضرب وعذاب الحريق، وهو مبتدأ، وخبره قوله بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ.
والمراد بالأيدى: الأنفس والذوات. والتعبير بالأيدى عن ذلك من قبيل التعبير بالجزء عن الكل.
وخصت الأيدى بالذكر، للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته، وأن أكثر الأفعال يكون عن طريق البطش بالأيدى. ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به، والاتصال بذاته.
وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ خبر لمبتدأ محذوف، والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله.
أى: ذلك الذي نزل بكم سببه ما قدمته أيديكم، والأمر أن الله- تعالى- ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب جنوه.
ويجوز أن يكون معطوفا على (ما) المجرورة بالباء. أى: ذلك بسبب ما قدمته أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد.
قال بعض العلماء: فإن قيل ما سر التعبير بقوله بِظَلَّامٍ بالمبالغة، مع أن نفى نفس الظلم أبلغ من نفى كثرته، ونفى الكثرة لا ينفى أصله، بل ربما يشعر بوجوده، وبرجوع النفي للقيد؟.
وأجيب بأجوبة:
منها: أنه نفى لأصل الظلم وكثرته، باعتبار آحاد من ظلم، كأنه قيل ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا، فلما جمع هؤلاء عدل إلى بِظَلَّامٍ لذلك، أى: لكثرة الكمية فيه.
ومنها: أنه إذا انتفى الظلم الكثير، انتفى الظلم القليل، لأن من يظلم للانتفاع بالظلم، فإذا ترك كثيره، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا.
ومنها: أن «ظلاما» للنسب كعطار، أى: لا ينسب إليه الظلم أصلا.
ومنها: أن كل صفة له- تعالى- في أكمل المراتب، فلو كان- سبحانه- ظالما، كان ظلاما، فنفى اللازم نفى للملزوم.
ومنها: أن نفى الظلام لنفى الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله، فجعل نفى المبالغة كناية عن نفى أصله، انتقالا من اللازم إلى الملزوم.
ومنها: أن العذاب من العظم بحيث لولا الاستحقاق لكان المعذب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه، فالمراد تنزيهه- تعالى- وهو جدير بالمبالغة.
وفي صحيح مسلم عن أبى ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله- تعالى- يقول: «يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد بينتا حالة المشركين عند قبض أرواحهم بيانا يحمل النفوس على الإيمان والطاعة لله- تعالى- فقد رسم القرآن صورة مفزعة لهم، صورة الملائكة وهي تضرب وجوههم وأدبارهم بأمر من الله- تعالى- الذي ما ظلمهم، ولكنهم هم الذين أحلوا بأنفسهم هذا المصير المؤلم المهين، حيث كفروا بالحق، وحاربوا أتباعه، واستحبوا العمى على الهدى ثم بين سبحانه- أن هؤلاء الكافرين عادتهم في كفرهم وطغيانهم كعادة من سبقهم من الأمم الظالمة وإن من سنة الله تعالى- في خلقه ألا يعاقب إلا بذنب، وألا يغير النعمة إلا لسبب. فقال- تعالى:
وقوله تعالى : ( ذلك بما قدمت أيديكم ) أي : هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة في حياتكم الدنيا ، جازاكم الله بها هذا الجزاء ، ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) أي : لا يظلم أحدا من خلقه ، بل هو الحكم العدل ، الذي لا يجور ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ، الغني الحميد ؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عند مسلم - رحمه الله - من رواية أبي ذر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى يقول : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ؛ ولهذا قال تعالى :
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر، أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: " ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم ", هذا العذاب لكم =(بما قدمت أيديكم)، أي: بما كسبت أيديكم من الآثام والأوزار، واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم, (57) فذوقوا اليوم العذابَ، وفي معادكم عذابَ الحريق; وذلك لكم بأن الله (ليس بظلام للعبيد), لا يعاقب أحدًا من خلقه إلا بجرم اجترمه, ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه, لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه.
وفي فتح " أن " من قوله: (وأن الله)، وجهان من الإعراب:
أحدهما: النصبُ, وهو للعطف على " ما " التي في قوله: (بما قدمت)، بمعنى: (ذلك بما قدمت أيديكم), وبأن الله ليس بظلام للعبيد، في قول بعضهم, والخفض، في قول بعضٍ.
والآخر: الرفع، على (ذلك بما قدمت)، وذلك أن الله. (58)
-------------------
الهوامش :
(57) انظر تفسير " قدمت أيديكم " فيما سلف 2 : 368 7 : 447 8 : 514 10 : 497 .
(58) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 413 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 182 | ﴿ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ |
---|
الأنفال: 51 | ﴿ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ |
---|
الحج: 10 | ﴿ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ {من الأمم المكذبة} كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ {بالعقاب} بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ {لا يعجزه أحد يريد أخذه} مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
والكاف في قوله: كَدَأْبِ، للتشبيه، والجار والمجرور في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف.
والدأب: أصله الدوام والاستمرار، يقال: دأب فلان على كذا يدأب دأبا- بفتح الهمزة- ودأبا- بسكونها- ودؤوبا، إذا داوم عليه وجد فيه، ثم غلب استعماله في الحال والشأن والعادة، لأن الذي يستمر في عمل أمدا طويلا يصير هذا العمل عادة من عاداته، وحالا من أحواله، فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.
والآل- كما يقول الراغب- مقلوب عن الأهل، ويصغر على أهيل، إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال: آل فلان، ولا يقال:
آل رجل، ولا يقال: آل الحجام.. بل يضاف إلى الأشرف والأفضل يقال: آل الله، وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكل، فيقال: أهل الله، وأهل الحجام، وأهل زمان كذا...
والمقصود بآل فرعون: هو وأعوانه وبطانته، لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقا واختصاصا بالمضاف إليه.
والمعنى: شأن هؤلاء الكافرين الذين حاربوك يا محمد، والذين هلك منهم من هلك في بدر، شأنهم وحالهم وعادتهم فيما اقترفوه من الكفر والعصيان وفيما فعل بهم من عذاب وخذلان، كشأن آل فرعون الذين استحبوا العمى على الهدى، والذين زينوا له الكفر والطغيان حتى صار عادة له ولهم، وقد أخذهم- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، بسبب كفرهم وفجورهم.
وقد خص- سبحانه- فرعون وآله بالذكر من بين الأمم الكافرة، لأن فرعون كان أشد الطغاة طغيانا، وأكثرهم غرورا وبطرا، وأكثرهم في الاستهانة بقومه وفي الاحتقار لعقولهم وكيانهم.
ألم يقل لهم- كما حكى القرآن عنه- أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
وألم يبلغ به غروره أن يقول لهم: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ؟.
أما آله وبطانته وأعوانه، فهم الذين زينوا له السوء، وحرضوه على البطش بموسى لأنه جاءهم بالحق، ولقد حكى الله عنهم نفاقهم وضلالهم وانغماسهم في الآثام في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ.
ولقد وصف الله- تعالى- قوم فرعون بهوان الشخصية، وتفاهة العقل، والخروج عن كل مكرمة فقال: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ وذلك لأن الأمة التي تترك الظالم وبطانته يعيثون في الأرض فسادا، لا تستحق الحياة، ولا يكون مصيرها إلا إلى التعاسة والخسران.
وقوله كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير لصنيعهم الباطل، ودأبهم على الفساد والضلال.
والمراد بآيات الله: ما يعم المتلوة في كتب الله- تعالى-، والبراهين والمعجزات الدالة على صدق الأنبياء فيما يبلغونه عن ربهم.
وفي إضافتها إلى الله: تعظيم لها وتشريف، وتنبيه إلى قوة دلالتها على الحق والخير.
وقوله: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ معطوف على قوله كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لبيان ما ترتب على كفرهم من عقوبات أليمة.
وفي التعبير بالأخذ إشارة إلى شدة العذاب، فهو- سبحانه- قد أخذهم كما يؤخذ الأسير الذي لا يستطيع الفكاك من آسره.
والباء في قوله: بِذُنُوبِهِمْ للسببية أى كفروا بآيات الله فعاقبهم- سبحانه- بسبب كفرهم وفسوقهم عن أمره.
ويجوز أن تكون للملابسة، أى: أخذهم وهم ملتبسون بذنوبهم دون أن يثوبوا منها، أو يقلعوا عنها.
وعلى الوجهين فالجملة الكريمة تدل على كمال عدل الله- تعالى- لأنه ما عاقبهم إلا لأنهم استحقوا العقاب.
والمراد بذنوبهم: كفرهم وما ترتب عليه من فسوق وعصيان، وأصل الذنب: الأخذ بذنب الشيء أى بمؤخرته، ثم أطلق على الجريمة، لأن مرتكبها يعاقب بعدها.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ تذييل مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ الشديد، بسبب الكفر والمعاصي.
أى: إن الله- تعالى- قوى لا يغلبه غالب، ولا يدفع قضاءه دافع، شديد عقابه لمن كفر بآياته، وفسق عن أمره.
يقول تعالى : فعل هؤلاء المشركون المكذبون بما أرسلت به يا محمد كما فعل الأمم المكذبة قبلهم ، ففعلنا بهم ما هو دأبنا ، أي عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل ، الكافرين بآيات الله . ( فأخذهم الله بذنوبهم ) [ أي : بسبب ذنوبهم أهلكهم ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ] ( إن الله قوي شديد العقاب ) أي : لا يغلبه غالب ، ولا يفوته هارب .
القول في تأويل قوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فِعْلُ هؤلاء المشركون من قريش الذين قتلوا ببدر، كعادة قوم فرعون وصنيعهم وفعلهم وفعل من كذّب بحجج الله ورسله من الأمم الخالية قبلهم, (59) ففعلنا بهم كفعلنا بأولئك.
وقد بينا فيما مضى أن " الدأب "، هو الشأن والعادة, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (60)
* * *
16208- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا شيبان, عن جابر, عن عامر ومجاهد وعطاء: (كدأب آل فرعون) كفعل آل فرعون, كسُنَنِ آل فرعون.
* * *
وقوله: (فأخذهم الله بذنوبهم) يقول: فعاقبهم الله بتكذيبهم حججه ورسله، ومعصيتهم ربهم, كما عاقب أشكالهم والأمم الذين قبلهم =(إن الله قوي)، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه رادٌّ, يُنْفِذ أمره، ويُمضي قضاءه في خلقه =شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حُججه.
------------------
الهوامش:
(59) انظر تفسير " آل " فيما سلف 2 : 37 6 : 326 .
(60) انظر تفسير " الدأب " فيما سلف 6 : 223 - 225 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 11 | ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ |
---|
الأنفال: 52 | ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ |
---|
الأنفال: 54 | ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء