1923233343536

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (32) الى الآية رقم (33) عدد الآيات (2)

ومن أفعالِهم القبيحةِ أيضًا: سعيُهم في القضاءِ على الإسلامِ، ثُمَّ وعدُ اللهِ بإظهارِ دينِه.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (34) الى الآية رقم (35) عدد الآيات (2)

لَمَّا ذَكَرَ أنَّ اليَهودَ والنَّصَارى اتَّخَذُوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا، وصفَ الأحبارَ والرُّهبانَ هنا بالطَّمعِ وأكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطلِ، ثُمَّ توعَّدَ من امتنعَ عن أداءِ حقوقِ اللهِ في الأموالِ.

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (36) الى الآية رقم (36) عدد الآيات (1)

العودةُ للأمرِ بقتالِ المشركينَ، والتنبيهُ على حُرمةِ القتالِ في الأشهرِ الحُرُمِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟: 1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟: إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم :: التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية :: هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة :: أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة :: التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة :: حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾

مدارسة الآية : [32] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ ..

التفسير :

[32] يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين الإسلام، ويبطلوا حجج الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويأبى الله إلا أن يتمَّ دينه ويظهره، ويعلي كلمته، ولو كره ذلك الجاحدون.

فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه، ولا برهان لما أصَّلوه، وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه أخبر أنهم ‏{‏يُرِيدُونَ‏}‏ بهذا ‏{‏أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ‏}‏‏.‏

ونور اللّه‏:‏ دينه الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، وسماه اللّه نورا، لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة، فإنه علم بالحق، وعمل بالحق، وما عداه فإنه بضده، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بمجرد أقوالهم، التي ليس عليها دليل أصلا‏.‏

‏{‏وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ‏}‏ لأنه النور الباهر، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه، والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده، وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ‏}‏ وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئًا‏.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما يهدف إليه أهل الكتاب من وراء أقاويلهم الكاذبة، ودعاواهم الباطلة فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.

والمراد بنور الله: دين الإسلام الذي ارتضاه. سبحانه- لعباده دينا وبعث به رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأعطاه من المعجزات والبراهين الدالة على صدقه، وعلى صحته ما جاء به مما يهدى القلوب، ويشفى النفوس، ويجعلها لا تدين بالعبادة والطاعة إلا لله الواحد القهار.

وقيل المراد بنور الله: حججه الدالة على وحدانيته- سبحانه- وقيل المراد به، القرآن، وقيل المراد به: نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وكلها معان متقاربة.

والمراد بإطفاء نور الله: محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه، كإثارتهم للشبهات من حول تعاليمه، وكتحريضهم لأتباعهم وأشياعهم على الوقوف في وجهه، وعلى محاربته.

والمراد بأفواههم. أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التي تنطق بما لا وزن له ولا قيمة.

والمعنى: يريد هؤلاء الكافرون بالحق من أهل الكتاب أن يقضوا على دين الإسلام، وأن يطمسوا تعاليمه السامية التي جاء بها نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق أقاويلهم الباطلة الصادرة عن أفواههم من غير أن يكون لها مصداق من الواقع تنطبق عليه، أو أصل تستند إليه، وإنما هي أقوال من قبيل اللغو الساقط المهمل الذي لا وزن له ولا قيمة ...

قال الآلوسى ما ملخصه: في الكلام استعارة تمثيلية، حيث شبه- سبحانه- حال أهل الكتاب في محاولة إبطال نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق تكذيبهم له، بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم مثبت في الآفاق ليطفئه بنفخه..

وروعي في كل من المشبه والمشبه به معنى الإفراط والتفريط، حيث شبه الإبطال والتكذيب بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله- تعالى- العظيم الشأن.

ومن شأن النور المضاف إليه- سبحانه- أن يكون عظيما، فكيف يطفأ بنفخ الفم ..؟!!

وقوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ بشارة منه- سبحانه- للمؤمنين، وتقرير لسنته التي لا تتغير ولا تتبدل في جعل العاقبة للحق وأتباعه.

والفعل يَأْبَى هنا بمعنى لا يريد أو لا يرضى- أى: أنه جار مجرى النفي، ولذا صح الاستثناء منه.

قال أبو السعود: وإنما صح الاستثناء المفرغ- وهو قوله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. من الموجب، وهو قوله وَيَأْبَى اللَّهُ- لكونه بمعنى النفي، ولوقوعه في مقابلة قوله:

يُرِيدُونَ، وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس في نفى الإرادة، أى: لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه، فضلا عن الإطفاء.

وفي إظهار النور في مقام الإضمار مضافا إلى ضميره- سبحانه- زيادة اعتناء بشأنه، وتشريف له على تشريف، وإشعار بعلة الحكم» .

وجواب لَوْ في قوله وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ محذوف لدلالة ما قبله عليه.

والمعنى: يريد أعداء الله أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والحال أن الله- تعالى- لا يريد إلا إتمام هذا النور، ولو كره الكافرون هذا الإتمام لأتمه- سبحانه- دون أن يقيم لكراهتهم وزنا.

فالآية الكريمة وعد من الله، تعالى للمؤمنين بإظهار دينهم وإعلاء كلمتهم لكي يمضوا قدما إلى تنفيذ ما كلفهم الله به بدون إبطاء أو تثاقل، وهي في الوقت نفسه تتضمن في ثناياها الوعيد لهؤلاء الضالين وأمثالهم.

قول تعالى : يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب ( أن يطفئوا نور الله ) أي : ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم ، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس ، أو نور القمر بنفخه ، وهذا لا سبيل إليه ، فكذلك ما أرسل الله به رسوله لا بد أن يتم ويظهر ؛ ولهذا قال تعالى مقابلا لهم فيما راموه وأرادوه : ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )

والكافر : هو الذي يستر الشيء ويغطيه ، ومنه سمي الليل " كافرا " ؛ لأنه يستر الأشياء ، والزارع كافرا ؛ لأنه يغطي الحب في الأرض كما قال : ( أعجب الكفار نباته ) [ الحديد : 20 ] .

القول في تأويل قوله : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء المتخذون أحبارَهم ورهبانهم والمسيحَ ابن مريم أربابًا =(أن يطفئوا نور الله بأفواههم)، يعني: أنهم يحاولون بتكذيبهم بدين الله الذي ابتعثَ به رسوله، وصدِّهم الناسَ عنه بألسنتهم، أن يبطلوه, وهو النُّور الذي جعله الله لخلقه ضياءً (1) =(ويأبى الله إلا أن يتم نوره)، يعلو دينُه، وتظهر كلمته, ويتم الحقّ الذي بعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم =(ولو كره) إتمامَ الله إياه =(الكافرون), يعني: جاحديه المكذِّبين به.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16644- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم)، يقول: يريدون أن يطفئوا الإسلام بكلامهم.

-------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الإطفاء " فيما سلف 10 : 458 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ تصور سخيف أن يظنوا أن أفواههم التي تنفخ كافية لإطفاء أعظم نور، ذهبت أنفاسهم، وما زاد النور إلا توهجًا.
وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ قال الخطيب الإدريسي: «إن الإسلام إذا حاربوه اشتدّ، وإذا تركوه امتدّ، والله بالمرصاد لمن يصُدّ، وهو غني عمن ارتدّ، وبأسه عن المجرمين لا يُردّ، وإن كان العدو قد أعدّ، فإن الله لا يعجزه أحد، فجدِّد الإيمان جدِّد، ووحِّد الله وحِّد، وسدِّد الصفوف سدِّد».
لمسة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ (يريدون) بصيغة المضارع؛ كيدهم متجدد لإطفاء نور الله، وإن اختلفت أساليبه وأدواته.
لمسة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ لو كانت نارًا لما أطفأها كلام! فكيف بنور، ثم يكون نور الله؟
لمسة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ إنها مجرد أفواه تنفخ لإطفاء نور عظيم، ذهبت أنفاسهم، وما زاد ذاك النور إلا توهجًا.
لمسة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ أفواه أهل الباطل لا تطفئ نور الحق.
عمل
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ تذكر هـذه الآية كلما رأيت تكالب المنافقين على المؤمنين.
لمسة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ لو رأيت إنسانًا يقف أمام الشمس وينفخ عليها بفمه، هل تنطفئ؟ فكيف بنور الله؟
عمل
[32] إن كل قوة يستعملها أعداؤنا لإطفاء دين الله ما هي إلا كمن يطفئ النور بفيه!، فأبشروا بإتمامه ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾.
وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ إضافة النور إلى اسم الجلالة إشارة إلى أن محاولة إطفائه عبث، وأن أصحاب تلك المحاولة لا يبلغون مرادهم.
وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ مهما بذلوا حسم الله النتيجة قبل بذلهم وسعيهم.
وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ تُخبرنا أنّ الإسلام سيظلُّ أطْول عمرًا مِن أعدائه.
وقفة
[32] ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ الإسلام نور لا ينطفئ؛ فلا تيأس، ولا تحزن، بل افرح وابتسم.
وقفة
[32] كان أبو لهب يتتبع المواضع التي يخرج منها نبينا ﷺ أيام الحج محذِّرًا من دعوى الصابئ بزعمه! هلك أبو لهب، وتبع محمدًا ﷺ مليارات من العرب والعجم! هذا دين الله لا يوقفه حرب كافر، ولا تشغيب ملحد، ولا تلوّن منافق! ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[32] بيان عداء قادة اليهود والنصارى للإسلام، وتعاونهم على إفساده، وإفساد أهله ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[32] هذا دينُ الله، لا يوقفه حرب كافر، ولا تشغيب ملحد، ولا تلون منافق ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[32] الاسلام لا ينقص كلما زاد حربه اشتد كالنار يذكيها من ينفخها ليطفئها ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[32] نور الله باق وظاهر حتى وإن حاربوه بالقنوات والمواقع ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
عمل
[32] إذا رأيت تكالب الأعداء على أمة الإسلام، فتذكر قول ربك: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخة وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل به الرسول ﷺ لا بد أن يتم ويظهر.
وقفة
[32] لما كانت إرادة الكفار صريحة قوبلوا بإرادة صريحة: ﴿وَيَأْبَى اللَّـهُ﴾، وأما المنافقون فلما كان قصدهم بمشاريعهم إنقاص الدين قوبلوا بنقيض قصدهم: ﴿وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ [الصف: 8]، وفي هذا بشارة لأهل الاسلام بالانتصار الدائم على أعداء الدين سواء كانوا ظاهرين أو مندسين.
وقفة
[32] ﴿وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ ومن نوره الذي أتمه: مآذن تصدح بالله أكبر الله أكبر في عالم كانت كلمة (الله) فيه مستغربة.
وقفة
[32] بقدر ما تعمل الحضارات المعادية للإسلام على طمسه على مر العصور تفاجأ به يظهر بقوة ﴿وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ فمتى يعقلون؟!
وقفة
[32] ما يأباه الله لا يستطيعه أحد! ﴿وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾.
وقفة
[32] إتمام الله لدينه لن يكون برضا الكفار وسماحة التقارب فقط بل لا بد من وجود الإكراه ﴿وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا:
  • يريدون: فعل مضارع مرفوع للتجرد بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. أن: حرف مصدرية ناصب. يطفئوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون.الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وأن وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ليريدون. وجملة «يُطْفِؤُا» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ:
  • نور: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: حجة الله. وقيل: المراد بنور الله القرآن. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. بأفواه: جار ومجرور متعلق بيطفئوا و «هم» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ:
  • الواو: عاطفة. يأبى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ومفعول «يَأْبَى» محذوف تقديره: ذلك العمل وتلك الإرادة من المشركين ويجوز أن تكون «إِلَّا» معمول «يَأْبَى» بمعنى «غير». أن: حرف مصدري ناصب. يتم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. نوره: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة والتقدير: ويأبى الله أي يكره أو يمنع غير اتمام نوره. وجملة «يُتِمَّ نُورَهُ» صلة «أَنْ» لا محل له.
  • ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ:
  • الواو: حالية. لو: مصدرية. كره: فعل ماض مبني على الفتح. الكافرون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد وحذف المفعول لأنه معلوم التقدير: ولو كرهوا ذلك المنع و «لَوْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب حال وجملة «كَرِهَ الْكافِرُونَ» صلة «لَوْ» لا محل لها. '

المتشابهات :

التوبة: 32﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
الصف: 8﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     3- السعي في القضاءِ على الإسلامِ، قال تعالى:
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [33] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ..

التفسير :

[33] هو الذي أرسل رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن ودين الإسلام؛ ليعليه على الأديان كلها، ولو كره المشركون دين الحق -وهو الإسلام- وظهورَه على الأديان.

ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى‏}‏ الذي هو العلم النافع ‏{‏وَدِينِ الْحَقِّ‏}‏ الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشتملًا على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين للّه وحده، ومحبة اللّه وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة‏.‏

فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق ‏{‏لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ‏}‏ أي‏:‏ ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك، وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه، وما ضمنه لابد أن يقوم به‏.‏

- ثم أكد- سبحانه- وعده بإتمام نوره، وبين كيفية هذا الإتمام فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

والمراد بالهدى: القرآن الكريم المشتمل على الإرشادات السامية، والتوجيهات القويمة، والأخبار الصادقة، والتشريعات الحكيمة.

والمراد بدين الحق: دين الإسلام الذي هو خاتم الأديان.

وقوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ من الإظهار بمعنى الإعلاء والغلبة بالحجة والبرهان، والسيادة والسلطان.

والجملة تعليلية لبيان سبب هذا الإرسال والغاية منه.

والضمير في لِيُظْهِرَهُ يعود على الدين الحق أو الرسول صلى الله عليه وسلم والمعنى: هو الله- سبحانه- الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن الهادي للتي هي أقوم، وبالدين الحق الثابت الذي لا ينسخه دين آخر، وكان هذا الإرسال لإظهار هذا الدين الحق على سائر الأديان بالحجة والغلبة، ولإظهار رسوله صلى الله عليه وسلم على أهل الأديان كلها، بما أوحى إليه- سبحانه- من هدايات، وعبادات، وتشريعات، وآداب ... في اتباعها سعادة الدنيا والآخرة.

وختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وختم التي قبلها بقوله:

وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ للإشعار بأن هؤلاء الذين قالوا: «عزير ابن الله والمسيح ابن الله» قد جمعوا بسبب قولهم الباطل هذا، بين رذيلتي الكفر والشرك، وأنه، سبحانه، سيظهر أهل دينه على جميع أهل الأديان الأخرى.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تؤيد ذلك، منها: ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض من مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لي منها» .

وروى الإمام أحمد عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة» .

وروى أيضا عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزا ويذل ذليلا، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر» . وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الشرف والخير والعز، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية.

وأخرج أيضا عن عدى بن حاتم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عدى أسلم تسلم» ، فقلت يا رسول الله: إنى من أهل دين. قال: «أنا أعلم بدينك منك، فقلت: أنت أعلم بديني منى؟ قال نعم، ألست من الركوسية ، وأنت تأكل مرباع قومك» .

قلت: بلى. قال: «فإن هذا لا يحل لك في دينك» .

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أما إنى أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، ومن رمتهم العرب، أتعرف الحيرة» ؟

قلت: لم أرها وقد سمعت بها.

قال: «فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز» .

قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «نعم. كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد» .

قال عدى بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد.

ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها .

وإلى هنا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد كذبت أهل الكتاب في قولهم «عزير ابن الله والمسيح ابن الله» ، وأرشدتهم إلى الطريق الحق الواضح المستقيم ليسيروا عليه، ووبختهم على تشبههم في هذه الأقوال الباطلة بمن سبقهم من الضالين، وعلى انقيادهم لأحبارهم ورهبانهم بدون تعقل أو تدبر، وبشرت المؤمنين بظهور دينهم الذي ارتضاه الله لهم على الأديان كلها.

ثم ختم- سبحانه- الحديث عن أهل الكتاب بتوجيه نداء إلى المؤمنين بين لهم فيه بعض الرذائل التي انغمس فيها الأحبار والرهبان، وكيف جمعوا بين ضلال أنفسهم وإضلال أتباعهم، حيث أمروا هؤلاء الأتباع بالانقياد لهم فيما يأتون ويذرون ... فقال- تعالى-:

ثم قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) فالهدى : هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة ، والإيمان الصحيح ، والعلم النافع . ودين الحق : هي الأعمال [ الصالحة ] الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة .

( ليظهره على الدين كله ) أي : على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن أبي يعقوب : سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة - أو : قبيصة بن مسعود - يقول : صلى هذا الحي من " محارب " الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا سليم بن عامر ، عن تميم الداري - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر ، فكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني ابن جابر ، سمعت سليم بن عامر قال : سمعت المقداد بن الأسود يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر ، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها .

وفي المسند أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي حذيفة ، عن عدي بن حاتم سمعه يقول : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا عدي ، أسلم تسلم . فقلت : إني من أهل دين . قال : أنا أعلم بدينك منك . فقلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : نعم ، ألست من الركوسية ، وأنت تأكل مرباع قومك ؟ . قلت : بلى . قال : فإن هذا لا يحل لك في دينك . قال : فلم يعد أن قالها فتواضعت لها ، قال : أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام ، تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له ، وقد رمتهم العرب ، أتعرف الحيرة ؟ قلت : لم أرها ، وقد سمعت بها . قال : فوالذي نفسي بيده ، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز . قلت : كسرى بن هرمز ؟ . قال : نعم ، كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد . قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده ، لتكونن الثالثة ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قالها .

وقال مسلم : حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الرقاشي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن الأسود بن العلاء ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى . فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله - عز وجل - : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) إلى قوله : ( ولو كره المشركون ) أن ذلك تام ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله - عز وجل - ثم يبعث الله ريحا طيبة [ فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ] فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم .

القول في تأويل قوله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله الذي يأبى إلا إتمام دينه ولو كره ذلك جاحدوه ومنكروه =(الذي أرسل رسوله)، محمدًا صلى الله عليه وسلم =(بالهدى), يعني: ببيان فرائض الله على خلقه, وجميع اللازم لهم (2) = وبدين الحق، وهو الإسلام =(ليظهره على الدين كله)، يقول: ليعلي الإسلام على الملل كلها =(ولو كره المشركون)، بالله ظهورَه عليها.

* * *

وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ليظهره على الدين كله).

فقال بعضهم: ذلك عند خروج عيسى، حين تصير المللُ كلُّها واحدةً.

* ذكر من قال ذلك:

16645- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال، حدثنا شقيق قال، حدثني ثابت الحدّاد أبو المقدام, عن شيخ, عن أبي هريرة في قوله: (ليظهره على الدين كله)، قال: حين خروج عيسى ابن مريم. (3)

16646- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن فضيل بن مرزوق قال، حدثني من سمع أبا جعفر: (ليظهره على الدين كله)، قال: إذا خرج عيسى عليه السلام، اتبعه أهل كل دين.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ليعلمه شرائعَ الدين كلها، فيطلعه عليها.

* ذكر من قال ذلك:

16647- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ليظهره على الدين كله)، قال: ليظهر الله نبيّه على أمر الدين كله, فيعطيه إيّاه كله, ولا يخفى عليه منه شيء. وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك.

----------------------

الهوامش :

(2) انظر تفسير " الهدى " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

(3) الأثر : 16645 - " ثابت الحداد " ، " أبو المقدام " هو : " ثابت بن هرمر الكوفي " مضى برقم : 5969 .

المعاني :

لِيُظْهِرَهُ :       لِيُعْلِيَهُ السراج

التدبر :

وقفة
[33] ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ﴾ فائدة ذكر (دين الحقِّ) مع دخوله في الهُدَى قبله: بيانُ شَرَفِهِ وتعظيمه، كقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى﴾ [البقرة: 238]، أو أنَّ المراد بالهدى القرآنُ، وبالدِّين الإِسلامُ.
وقفة
[33] ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ دين الله ظاهر منصور -بنا أو بغيرنا-، وعد من الله؛ فلنكن جنودًا لنصرة هذا الدين.
وقفة
[33] ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وإظهاره: جعله أعلى الأديان وأقواها؛ حتى يعم المشارق والمغارب.
وقفة
[33] ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ ليس معنى الآية أن يصير الناس جميعًا مسلمين، لكن يظل كل على دينه أو كفره، ولا يجدون حلًا لمشاكلهم إلا في الإسلام.
وقفة
[33] ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي يجعله ظاهرًا، حتى وإن لم يؤمن به جميع الناس إلا أنهم يضطرون للأخذ ببعض أحكامه، لما في أحكامهم من خطأ وضلال، كما حدث مع النصارى اللذين أباحوا الطلاق بعد أن كان محرمًا عندهم.
عمل
[33] ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ استبشِر، سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره.
وقفة
[33] ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ دين الله ظاهر ومنصور مهما سعى أعداؤه للنيل منه؛ حسدًا من عند أنفسهم.

الإعراب :

  • ﴿ هُوَ الَّذِي: هو:
  • ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ أي هو الله. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر.
  • ﴿ أَرْسَلَ رَسُولَهُ:
  • أرسل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. رسوله: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة وجملة «أَرْسَلَ رَسُولَهُ» صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ:
  • جار ومجرور متعلق بأرسل وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. ودين: معطوفة بالواو على «بِالْهُدى» أي بدين. مجرورة مثلها. الحق: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ:
  • اللام: للتعليل حرف جر. يظهره: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به و «أن» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بأرسل. وجملة «يظهره» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. على الدين: جار ومجرور متعلق بيظهره والدين هنا يعني الأديان لأن «أل» التعريف فيه للجنس. كله: توكيد معنوي. للدين: مجرور مثله وعلامة جره الكسرة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ:
  • تعرب إعراب «وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» الواردة في الأية الكريمة السابقة '

المتشابهات :

التوبة: 33﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
الفتح: 28﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا
الصف: 9﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل عن الأعداءِ أنَّهم يُحاوِلونَ إطفاءَ نورِ الله، وبَيَّنَ أنَّه يأبى ذلك، وأنَّه يُتِمُّ نورَه؛ بَيَّنَ هنا كيفيَّةَ ذلك الإتمامِ، وبَيَّنَ النُّورَ المَذكورَ الذي قد تكَفَّلَ بإتمامِه وحِفْظِه، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [34] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ ..

التفسير :

[34] يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن كثيراً من علماء أهل الكتاب وعُبَّادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق كالرِّشوة وغيرها، ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام، ويصدون عن سبيل الله. والذين يمسكون الأموال، ولا يؤدون زكاتها، ولا يُخْرِجون من

هذا تحذير من اللّه تعالى لعباده المؤمنين عن كثير من الأحبار والرهبان، أي‏:‏ العلماء والعباد الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، أي‏:‏ بغير حق، ويصدون عن سبيل اللّه، فإنهم إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس، أو بذل الناس لهم من أموالهم فإنه لأجل علمهم وعبادتهم، ولأجل هداهم وهدايتهم، وهؤلاء يأخذونها ويصدون الناس عن سبيل اللّه، فيكون أخذهم لها على هذا الوجه سحتا وظلما، فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم إلا ليدلوهم إلى الطريق المستقيم‏.‏

ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق، أن يعطوهم ليفتوهم أو يحكموا لهم بغير ما أنزل اللّه، فهؤلاء الأحبار والرهبان، ليحذر منهم هاتان الحالتان‏:‏ أخذهم لأموال الناس بغير حق، وصدهم الناس عن سبيل اللّه‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ‏}‏ أي‏:‏ يمسكونها ‏{‏وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ طرق الخير الموصلة إلى اللّه، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت‏.‏

‏{‏فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما وصف رؤساء اليهود والنصارى بالتكبر والتجبر وادعاء الربوبية والترفع على الخلق، وصفهم في هذه الآية بالطمع والحرص على أخذ أموال الناس، تنبيها على أن المقصود من إظهار تلك الربوبية والتجبر والفخر، أخذ أموال الناس بالباطل.

ولعمري من تأمل أحوال أهل الناموس والتزوير في زماننا وجد هذه الآيات كأنها ما أنزلت إلا في شأنهم، وفي شرح أحوالهم، فترى الواحد منهم يدعى أنه لا يلتفت إلى الدنيا، ولا يتعلق خاطره بجميع المخلوقات، وأنه في الطهارة والعصمة مثل الملائكة المقربين حتى إذا آل الأمر إلى الرغيف الواحد تراه يتهالك عليه ويتحمل نهاية الذل والدناءة في تحصيله .

والمراد بالأكل في قوله لَيَأْكُلُونَ مطلق الأخذ والانتفاع.

وعبر عن ذلك بالأكل، لأنه المقصود الأعظم من جمع الأموال، فسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده، على سبيل المجاز المرسل، بعلاقة العلية والمعلولية. وأكلهم أموال الناس بالباطل، يتناول ما كانوا يأخذونه من سفلتهم عن طريق الرشوة والتدليس أو التحايل أو الفتاوى الباطلة. كما يتناول ما سوى ذلك مما كانوا يأخذونه بغير وجه حق.

وأسند- سبحانه- هذه الجريمة- وهي أكل أموال الناس بالباطل- إلى كثير من الأحبار والرهبان ولم يسندها إلى جميعهم، إنصافا للعدد القليل منهم الذي لم يفعل ذلك، فإن كل طائفة أو جماعة لا تخلو من وجود أفراد من بينها يتعففون عن الحرام، ويقيدون أنفسهم بالحلال.

قال صاحب المنار: وإسناد هذه الجريمة المزرية إلى الكثيرين منهم دون جميعهم من دقائق تحرى الحق في عبارات الكتاب العزيز، فهو لا يحكم على الأمة الكبيرة بفساد جميع أفرادها أو فسقهم أو ظلمهم، بل يسند ذلك إلى الكثير أو الأكثر، أو يطلق اللفظ العام ثم يستثنى منه.

فمن الأول قوله- تعالى- في اليهود: وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ .

ومن الثاني قوله- تعالى- في اليهود أيضا: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ.

ومن الثالث قوله- سبحانه- في شأن المحرفين للكلم الطاعنين في الإسلام من اليهود- أيضا-: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا .

وقد نبهنا في تفسير هذه الآيات وأمثالها على العدل الدقيق في أحكام القرآن على البشر وإنما نكرره لعظيم شأنه ... » .

وقوله: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ جريمة من جرائمهم الكثيرة.

والصد: المنع والصرف عن الشيء.. وسبيل الله: دينه وشريعته.

أى، أن هؤلاء الكثيرين من الأحبار والرهبان لا يكتفون بأكل أموال الناس بالباطل، بل إنهم يضيفون إلى ذلك جريمة ثانية من جرائمهم المتعددة وهي أنهم ينصرفون عن الدين الحق وهو دين الإسلام انقيادا لأحقادهم وشهواتهم، ويصرفون أتباعهم عنه بشتى الوسائل، كأن يصفوه لهم بأنه دين باطل، أو بأن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس هو الرسول الذي بشرت به الكتب السماوية السابقة ... إلى غير ذلك من وسائلهم المتنوعة في صرف الناس عن الحق.

والاسم الموصول في قوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. يرى بعضهم أن المراد به أولئك الأحبار والرهبان، لأن الكلام مسوق في ذمهم، وتكون هذه الجملة ذما لهم على رذيلة ثالثة هي الحرص والبخل، بعد ذمهم على رذيلتي أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله.

ويرى آخرون أن المراد بهم البخلاء من المسلمين، وأن الجملة مستأنفة لذم مانعي الزكاة بقرينة قوله: وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ ويكون نظمهم مع أهل السوء من الأحبار والرهبان من باب التحذير والوعيد والإشارة إلى أن الأشحاء المانعين لحقوق الله، مصيرهم كمصير الأحبار والرهبان في استحقاق البشارة بالعذاب.

وترى طائفة ثالثة من العلماء أن المراد به كل من كنز المال، ولم يخرج الحقوق الواجبة فيه، سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم، لأن اللفظ مطلق، فيجب إجراؤه على إطلاقه وعمومه، إذ لم يرد ما يقيده أو يخصصه.

وقوله: يَكْنِزُونَ من الكنز، وأصله في اللغة العربية: الضم والجمع.

يقال: كنزت التمر في الوعاء إذا جمعته فيه. وكل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض أو على ظهرها فهو كنز، وجمعه كنوز.

وخص الذهب والفضة بالذكر، لأنهما الأصل الغالب في الأموال ولأنهما اللذان يقصدان بالكنز أكثر من غيرهما.

وقال الفخر الرازي ما ملخصه: ذكر- سبحانه- شيئين هما الذهب والفضة ثم قال:

وَلا يُنْفِقُونَها- وكان الظاهر أن يقول «ولا ينفقونهما» والجواب من وجهين:

الأول: أن الضمير عائد إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة ودنانير ودراهم فهو كقوله- تعالى- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا..

أو أن يكون التقدير: والذين يكنزون الكنوز ولا ينفقونها في سبيل الله، فيكون الضمير عائد إلى الكنوز المدلول عليها بالفعل يَكْنِزُونَ.

الثاني: أن يكون الضمير عائد إلى اللفظ، ويكون ذكر أحدهما يغنى عن ذكر الآخر،كقوله- تعالى- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها جعل الضمير للتجارة ... .

وقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ خبر الموصول.

والتعبير بالبشارة من باب التهكم بهم، والسخرية منهم، فهو كقولهم: تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم.

وقوله: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ..

تفصيل لهذا العذاب الأليم، وبيان لميقاته، حتى يقلع البخلاء عن بخلهم، والأشحاء عن شحهم ...

والظرف يَوْمَ منصوب بقوله: بِعَذابٍ أَلِيمٍ أو بفعل محذوف يدل عليه هذا القول.

أى: يعذبون يوم يحمى عليها، أو بفعل مقدر أى: اذكر يوم يحمى عليها.

قال السدي : الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى .

وهو كما قال ، فإن الأحبار هم علماء اليهود ، كما قال تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ) [ المائدة : 63 ] والرهبان : عباد النصارى ، والقسيسون : علماؤهم ، كما قال تعالى : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) [ المائدة : 82 ] .

والمقصود : التحذير من علماء السوء وعباد الضلال كما قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى . وفي الحديث الصحيح : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة . قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ . وفي رواية : فارس والروم ؟ قال : ومن الناس إلا هؤلاء ؟ .

والحاصل : التحذير من التشبه بهم في أحوالهم وأقوالهم ؛ ولهذا قال تعالى : ( ليأكلون أموال الناس بالباطل ) وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس ، يأكلون أموالهم بذلك ، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم ، فلما بعث الله رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم ، طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات ، فأطفأها الله بنور النبوة ، وسلبهم إياها ، وعوضهم بالذلة والمسكنة ، وباءوا بغضب من الله .

وقوله تعالى : ( ويصدون عن سبيل الله ) أي : وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ، ويلبسون الحق بالباطل ، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير ، وليسوا كما يزعمون ، بل هم دعاة إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون .

وقوله : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) هؤلاء هم القسم الثالث من رءوس الناس ، فإن الناس عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرباب الأموال ، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس ، كما قال بعضهم :

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها ؟

وأما الكنز فقال مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أنه قال : هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة .

وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر قال : ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز وقد روي هذا عن ابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا وعمر بن الخطاب ، نحوه - رضي الله عنهم - : أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض ، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض .

وروى البخاري من حديث الزهري ، عن خالد بن أسلم قال : خرجنا مع عبد الله بن عمر ، فقال : هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت جعلها الله طهرا للأموال .

وكذا قال عمر بن عبد العزيز ، وعراك بن مالك : نسخها قوله تعالى : ( خذ من أموالهم ) [ التوبة : 103 ] .

وقال سعيد بن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة أنه قال : حلية السيوف من الكنز ، ما أحدثكم إلا ما سمعت .

وقال الثوري ، عن أبي حصين ، عن أبي الضحى ، عن جعدة بن هبيرة ، عن علي - رضي الله عنه - قال : أربعة آلاف فما دونها نفقة ، فما كان أكثر منه فهو كنز .

وهذا غريب . وقد جاء في مدح التقلل من الذهب والفضة وذم التكثر منهما أحاديث كثيرة ؛ ولنورد منها هنا طرفا يدل على الباقي ، فقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، أخبرني أبو حصين ، عن أبي الضحى ، عن جعدة بن هبيرة ، عن علي - رضي الله عنه - في قوله : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تبا للذهب ، تبا للفضة يقولها ثلاثا ، قال : فشق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : فأي مال نتخذ ؟ فقال : عمر - رضي الله عنه - أنا أعلم لكم ذلك فقال : يا رسول الله ، إن أصحابك قد شق عليهم [ و ] قالوا : فأي مال نتخذ ؟ قال : لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا وزوجة تعين أحدكم على دينه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني سالم ، حدثني عبد الله بن أبي الهذيل ، حدثني صاحب لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تبا للذهب والفضة . قال : فحدثني صاحبي أنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ، قولك : تبا للذهب والفضة ، ماذا ندخر ؟ . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا ، وزوجة تعين على الآخرة .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبيه ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قالوا : فأي المال نتخذ ؟ قال [ عمر : أنا أعلم ذلك لكم فأوضع على بعير فأدركه ، وأنا في أثره ، فقال : يا رسول الله ، أي المال نتخذ ؟ قال ] ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين أحدكم في أمر الآخرة .

ورواه الترمذي ، وابن ماجه ، من غير وجه ، عن سالم بن أبي الجعد وقال الترمذي : حسن ، وحكي عن البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان .

قلت : ولهذا رواه بعضهم عنه مرسلا والله أعلم .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حميد بن مالك ، حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي ، حدثنا أبي ، حدثنا غيلان بن جامع المحاربي ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن جعفر بن إياس ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) الآية ، كبر ذلك على المسلمين ، وقالوا : ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده ما لا يبقى بعده . فقال عمر : أنا أفرج عنكم . فانطلق عمر واتبعه ثوبان ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية . فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم . قال : فكبر عمر ، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته .

ورواه أبو داود ، والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى ، به ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما ، ولم يخرجاه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : كان شداد بن أوس - رضي الله عنه - في سفر ، فنزل منزلا ، فقال لغلامه : ائتنا بالشفرة نعبث بها . فأنكرت عليه ، فقال : ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه ، فلا تحفظونها علي ، واحفظوا ما أقول لكم : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات : اللهم ، إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، وأسألك لسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا بوحدانية ربهم, إن كثيرًا من العلماء والقُرَّاء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى (4) =(ليأكلون أموال الناس بالباطل)، يقول: يأخذون الرشى في أحكامهم, ويحرّفون كتاب الله, ويكتبون بأيديهم كتبًا ثم يقولون: " هذه من عند الله ", ويأخذون بها ثمنًا قليلا من سِفلتهم (5) =(ويصدُّون عن سبيل الله)، يقول: ويمنعون من أرادَ الدخول في الإسلام الدخولَ فيه، بنهيهم إياهم عنه. (6)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16648- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرًا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل)، أما " الأحبار ", فمن اليهود. وأما " الرهبان "، فمن النصارى. وأما " سبيل الله "، فمحمد صلى الله عليه وسلم.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) .

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، ويأكلها أيضًا معهم (الذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)، يقول: بشّر الكثيرَ من الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل, والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله, بعذابٍ أليم لهم يوم القيامة، مُوجع من الله. (7)

* * *

واختلف أهل العلم في معنى " الكنـز ".

فقال بعضهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤدَّ زكاته. قالوا: وعنى بقوله: (ولا ينفقونها في سبيل الله)، ولا يؤدُّون زكاتها.

* ذكر من قال ذلك:

16649- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن نافع, عن ابن عمر قال: كل مال أدَّيت زكاته فليس بكنـز وإن كان مدفونًا. وكل مالٍ لم تؤدَّ زكاته، فهو الكنـز الذي ذكره الله في القرآن، يكوى به صاحبه، وإن لم يكن مدفونًا. (8)

16650- حدثنا الحسن بن الجنيد قال، حدثنا سعيد بن مسلمة قال، حدثنا إسماعيل بن أمية, عن نافع, عن ابن عمر, أنه قال: كل مالٍ أدَّيت منه الزكاة فليس بكنـز وإن كان مدفونًا. وكل مال لم تودَّ منه الزكاة، وإن لم يكن مدفونًا، فهو كنـز. (9)

16651- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن فضيل, عن يحيى بن سعيد, عن نافع, عن ابن عمر قال: أيُّما مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنـز وإن كان مدفونًا في الأرض. وأيُّما مالٍ لم تودِّ زكاته، فهو كنـز يكوى به صاحبه, وإن كان على وجه الأرض. (10)

16652- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وجرير, عن الأعمش, عن عطية, عن ابن عمر قال: ما أدَّيت زكاته فليس بكنـز. (11)

16653-...... قال، حدثنا أبي, عن العمري, عن نافع, عن ابن عمر قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنـز وإن كان تحت سبع أرَضِين. وما لم تؤدِّ زكاته فهو كنـز وإن كان ظاهرًا. (12)

16654-...... قال، حدثنا جرير, عن الشيباني, عن عكرمة قال: ما أدَّيت زكاته فليس بكنـز.

16655- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: أما(الذين يكنـزون الذهب والفضة)، فهؤلاء أهل القبلة، و " الكنـز "، ما لم تؤدِّ زكاته وإن كان على ظهر الأرض، وإن قلّ. وإن كان كثيرًا قد أدّيت زكاته، فليس بكنـز.

16656- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل، عن جابر قال: قلت لعامر: مالٌ على رَفٍّ بين السماء والأرض لا تؤدَّى زكاته, أكنـز هو؟ قال: يُكْوَى به يوم القيامة.

* * *

وقال آخرون: كل مال زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنـز أدَّيت منه الزكاة أو لم تؤدِّ.

* ذكر من قال ذلك:

16657- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي حصين, عن أبي الضحى, عن جعدة بن هبيرة, عن علي رحمة الله عليه قال: أربعة آلاف درهم فما دونها " نفقة "، فما كان أكثر من ذلك فهو " كنـز "، (13)

16658- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان، عن أبي حصين, عن أبي الضحى, عن جعدة بن هبيرة, عن علي مثله.

16659- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الشعبي قال، أخبرني أبو حصين, عن أبي الضحى, عن جعدة بن هبيرة, عن علي رحمة الله عليه في قوله: (والذين يكنـزون الذهب والفضة)، قال: أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة, وما فوقها كنـز.

* * *

وقال آخرون: " الكنـز " كل ما فضل من المال عن حاجة صاحبه إليه.

* ذكر من قال ذلك:

16660- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن معاذ قال، حدثنا أبي قال، حدثنا شعبة, عن عبد الواحد: أنه سمع أبا مجيب قال: كان نعل سيف أبي هريرة من فضة, فنهاه عنها أبو ذر وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك صَفْرَاء أو بيضاء كُوِي بها ". (14)

16661- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن الأعمش وعمرو بن مرة, عن سالم بن أبي الجعد قال: لما نـزلت: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تبًّا للذهب! تبًّا للفضة! يقولها ثلاثًا "، قال: فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: فأيَّ مال نتخذ؟! فقال عمر: أنا أعلم لكم ذلك! فقال: يا رسول الله، إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: فأيَّ المال نتخذ؟ فقال: لسانًا ذاكرًا, وقلبًا شاكرًا, وزوجةً تُعين أحدكم على دينه. (15)

16662- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا إسرائيل, عن منصور, عن سالم بن أبي الجعد, عن ثوبان, بمثله. (16)

16663- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن منصور, عن عمرو بن مرة, عن سالم بن أبي الجعد قال: لما نـزلت هذه الآية: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)، قال المهاجرون: وأيَّ المال نتّخذ؟ فقال عمر: اسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه. قال: فأدركته على بعيرٍ فقلت: يا رسول الله، إن المهاجرين قالوا: فأيَّ المال نتخذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لسانًا ذاكرًا, وقلبًا شاكرًا, وزوجةً مؤمنةً، تعين أحدكم على دينه. (17)

16664- حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن أبي أمامة قال: توفي رجل من أهل الصُّفة, فوُجد في مئزرِه دينارٌ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيَّةٌ ! ثم توفي آخر فوُجد في مئزره ديناران, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيَّتان! (18)

16665- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن صديّ بن عجلان أبي أمامة قال: مات رجل: من أهل الصُّفة, فوجد في مئزره دينارٌ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيّةٌ! ثم توفيّ آخر, فوجد في مئزره ديناران، فقال نبي الله: كيّتان ! (19)

16666- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن سالم, عن ثوبان قال: كنا في سفر، ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال المهاجرون: لوددنا أنَّا علمنا أيُّ المال خيرٌ فنتخذه؟ إذ نـزل في الذهب والفضة ما نـزل! فقال عمر: إن شئتم سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك! فقالوا: أجل! فانطلق، فتبعته أوضع على بعيري, (20) فقال: يا رسول الله إن المهاجرين لما أنـزل الله في الذهب والفضة ما أنـزل قالوا: وددنا أنّا علمنا أيّ المال خير فنتخذه؟ قال: نعم! فيتخذ أحدكم لسانًا ذاكرًا, وقلبًا شاكرًا, وزوجةٌ تعين أحدَكم على إيمانه. (21)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، القولُ الذي ذكر عن ابن عمر: من أن كل مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنـز يحرُم على صاحبه اكتنازُه وإن كثر = وأنّ كل مالٍ لم تُؤَّد زكاته فصاحبه مُعاقب مستحقٌّ وعيدَ الله، إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه وإن قلّ، إذا كان مما يجبُ فيه الزكاة.

وذلك أن الله أوجب في خمس أواقٍ من الوَرِق على لسان رسوله رُبع عُشْرها, (22) وفي عشرين مثقالا من الذهب مثل ذلك، رُبْع عشرها. فإذ كان ذلك فرضَ الله في الذهب والفضَّة على لسان رسوله, فمعلومٌ أن الكثير من المال وإن بلغ في الكثرة ألوفَ ألوفٍ، لو كان = وإن أدِّيت زكاته = من الكنوز التي أوعدَ الله أهلَها عليها العقاب, لم يكن فيه الزكاة التي ذكرنا من رُبْع العُشْر. لأن ما كان فرضًا إخراجُ جميعِه من المال، وحرامٌ اتخاذه، فزكاته الخروجُ من جميعه إلى أهله، لا رُبع عُشره. وذلك مثلُ المال المغصوب الذي هو حرامٌ على الغاصب إمساكُه، وفرضٌ عليه إخراجه من يده إلى يده, التطهّر منه: ردُّه إلى صاحبه. فلو كان ما زادَ من المال على أربعة آلاف درهم, أو ما فضل عن حاجة ربِّه التي لا بد منها، مما يستحق صاحبُه باقتنائه = إذا أدَّى إلى أهل السُّهْمان حقوقهم منها من الصدقة = وعيدَ الله، لم يكن اللازمُ ربَّه فيه رُبْع عشره, بل كان اللازم له الخروج من جميعه إلى أهله، وصرفه فيما يجب عليه صرفه, كالذي ذكرنا من أن الواجب على غاصِبِ رجلٍ مالَه، رَدُّه على ربِّه.

* * *

وبعدُ, فإن فيما:-

16667- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، قال معمر، أخبرني سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل لا يؤدِّي زكاةَ ماله إلا جُعل يوم القيامة صفائحَ من نار يُكْوَى بها جبينه وجبهته وظهره، (23) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، ثم يرى سبيله، وإن كانت إبلا إلا بُطِحَ لها بقاع قرقرٍ، (24) تطؤه بأخفافها = حسبته قال: وتعضه بأفواهها = يردّ أولاها على أخراها, حتى يقضي بين الناس، ثم يرى سبيله. وإن كانت غنمًا فمثل ذلك, إلا أنها تنطحه بقُرُونها, وتطؤُه بأظلافها. (25)

* * *

= وفي نظائر ذلك من الأخبار التي كرهنا الإطالة بذكرها، الدلالةُ الواضحة على أن الوعيد إنما هو من الله على الأموال التي لم تُؤَدَّ الوظائفُ المفروضةُ فيها لأهلها من الصدقة, لا على اقتنائها واكتنازها. وفيما بيّنا من ذلك البيانُ الواضح على أن الآية لخاصٍّ، كما قال ابن عباس, وذلك ما:-

16668- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي, قال حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)، يقول: هم أهل الكتاب. وقال: هي خاصَّة وعامةٌ.

* * *

قال أبو جعفر: يعني بقوله: " هي خاصة وعامة "، هي خاصة من المسلمين فيمن لم يؤدِّ زكاة ماله منهم, وعامة في أهل الكتاب، لأنهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا. يدلُّ على صحة ما قلنا في تأويل قول ابن عباس هذا، ما:-

16669- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها)، إلى قوله: هَذَا مَا كَنَـزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ قال: هم الذين لا يؤدُّون زكاة أموالهم. قال: وكل مالٍ لا تؤدَّى زكاته، كان على ظهر الأرض أو في بطنها، فهو كنـز وكل مالٍ تؤدَّى زكاته فليس بكنـز كان على ظهر الأرض أو في بطنها.

16670- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (والذين يكنـزون الذهب والفضة)، قال: " الكنـز "، ما كنـز عن طاعة الله وفريضته, وذلك " الكنـز ". وقال: افترضت الزكاة والصلاة جميعًا لم يفرَّق بينهما.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما قلنا: " ذلك على الخصوص ", لأن " الكنـز " في كلام العرب: كل شيء مجموع بعضُه على بعضٍ، في بطن الأرض كان أو على ظهرها, يدلُّ على ذلك قول الشاعر: (26)

لا دَرَّ دَرِّيَ إنْ أَطْعَمْـــتُ نَــازِلَهُمْ

قِـرْفَ الْحَـتِيِّ وعِنْـدِي الْـبُرُّ مَكْنُوزُ (27)

يعني بذلك: وعندي البرُّ مجموع بعضه على بعض. وكذلك تقول العرب للبدن المجتمع: " مكتنـز "، لانضمام بعضه إلى بعض.

وإذا كان ذلك معنى " الكنـز "، عندهم, وكان قوله: (والذين يكنـزون الذهب والفضة)، معناه: والذين يجمعون الذهب والفضة بعضَها إلى بعض ولا ينفقونها في سبيل الله، وهو عامٌّ في التلاوة, ولم يكن في الآية بيانُ كم ذلك القدر من الذهب والفضّة الذي إذا جمع بعضُه إلى بعض، (28) استحقَّ الوعيدَ = (29) كان معلومًا أن خصوص ذلك إنما أدرك، لوقْف الرسول عليه, وذلك كما بينا من أنه المال الذي لم يودَّ حق الله منه من الزكاة دون غيره، لما قد أوضحنا من الدلالة على صحته.

وقد كان بعض الصحابة يقول: هي عامة في كل كنـز غير أنها خاصّة في أهل الكتاب، وإياهم عَنَى الله بها.

* ذكر من قال ذلك:

16671- حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا حصين، عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة, فلقيت أبا ذَرّ, فقلت: يا أبا ذرّ, ما أنـزلك هذه البلاد؟ قال: كنت بالشأم, فقرأت هذه الآية: (والذين يكنـزون الذهب والفضة)، الآية, فقال معاوية: ليست هذه الآية فينَا, إنما هذه الآية في أهل الكتاب! قال: فقلت: إنها لفينا وفيهم! قال: فارتَفَع في ذلك بيني وبينه القولُ, فكتب إلى عثمان يشكُوني, فكتب إليَّ عثمان أنْ أقبل إليّ ! قال: فأقبلت، فلما قدمت المدينة ركِبني الناسُ كأنهم لم يروني قبل يومئذ, فشكوت ذلك إلى عثمان, فقال لي: تَنَحَّ قريبًا. قلت: والله لن أدعَ ما كنت أقول! (30)

16672- حدثنا أبو كريب وأبو السائب وابن وكيع قالوا، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا حصين, عن زيد بن وهب قال: مررنا بالربذة, ثم ذكر عن أبي ذر نحوه. (31)

16673- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس, عن أشعث وهشام, عن أبي بشر قال، قال أبو ذر: خرجت إلى الشأم، فقرأت هذه الآية: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)، فقال معاوية: إنما هي في أهل الكتاب! قال فقلت: إنها لفينا وفيهم. (32)

16674- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين, عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذة، فإذا أنا بأبي ذر قال قلت له: ما أنـزلك منـزلك هذا؟ قال: كنت بالشأم, فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)، قال: فقال: نـزلت في أهل الكتاب. فقلت: نـزلت فينا وفيهم = ثم ذكر نحو حديث هشيم، عن حصين. (33)

* * *

فإن قال قائل: فكيف قيل: (ولا ينفقونها في سبيل الله)، فأخرجت " الهاء " و " الألف " مخرج الكناية عن أحدِ النوعين.

قيل: يحتمل ذلك وجهين:

أحدهما: أن يكون " الذهب والفضة " مرادًا بها الكنوز, كأنه قيل: والذين يكنـزون الكنوز ولا ينفقونَها في سبيل الله، لأن الذهب والفضة هي " الكنوز "، في هذا الموضع.

والأخر أن يكون استغنى بالخبر عن إحداهما في عائد ذكرهما، من الخبر عن الأخرى, لدلالة الكلام على الخبر عن الأخرى مثل الخبر عنها، وذلك كثير موجود في كلام العرب وأشعارها, ومنه قول الشاعر: (34)

نَحْــنُ بِمَــا عِنْدَنَــا وأَنْـتَ بِمَـا

عِنْــدَكَ رَاض, وَالــرَّأْيُ مُخْـتَلِفُ (35)

فقال: " راض ", ولم يقل: " رضوان "، وقال الآخر: (36)

إِنَّ شَــرْخَ الشَّــبَابِ والشَّـعَرَ الأسْ

وَدَ مَــا لَـمْ يُعَـاصَ كـانَ جُنُونَـا (37)

فقال: " يعاص ", ولم يقل: " يعاصيا " في أشياء كثيرة. ومنه قول الله: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ، [سورة الجمعة: 11]، ولم يقل: " إليهما "

-----------------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير " الأحبار " ، و " الرهبان " فيما سلف ص : 209 ، تعليق : 2 ، و ص : 208 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(5) انظر تفسير " أكل الأموال بالباطل " فيما سلف 9 : 392 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(6) انظر تفسير " الصمد " فيما سلف ص : 151 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

= وتفسير " سبيل الله " في فهارس اللغة ( سبل ) .

(7) انظر تفسير " أليم " فينا سلف من فهارس اللغة ( ألم ) .

(8) الأثر : 16649 - حديث ابن عمرو في الكنز ، رواه أبوه جعفر من طرق ، بألفاظ مختلفة ، موقوفا على ابن عمر ، وهو الصواب ، وإسناد هذا الخبر صحيح إلى ابن عمرو .

رواه مالك بمعناه من طريق عبد الله بن دينار . عن عبد الله بن عمرو في الموطأ : 256 .

(9) الأثر : 16650 - " الحسن بن الجنيد البلخي " ، شيخ الطبري ، ويقال " الحسين " ، مضى برقم : 8458 . وكان في المخطوطة : " الحسين " وأثبت ما في المخطوطة .

و " سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان " ، ضعيف الحديث ، مضى برقم : 8458 .

و " إسماعيل بن أمية الأموي " ، مضى برقم : 2615 ، 8458 .

وهذا إسناد ضعيف لضعف " سعيد بن مسلمة " .

(10) الأثر : 16651 - رواه البيهقي في السنن 4 : 82 ، بنحو هذا اللفظ من طريق ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وقال : " هذا هو الصحيح ، موقوف . وكذلك رواه جماعة عن نافع ، وجماعة عن عبيد الله بن عمر . وقد رواه سويد بن عبد العزيز ، وليس بالقوي ، مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

(11) الأثر: 16652 - "عطية"، هو "عطية بن سعد العوفي"، ضعيف الحديث، مضى تضعيفه في رقم : 305 .

(12) الأثر : 16653 - " العمري " وهو " عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب " ، سلف مرارا وهذا الإسناد هو الذي أشار إليه البيهقي فيما سلف رقم 16551 ، في التعليق .

(13) الأثر : 16657 - " جعدة بن هبيرة المخزومي " ، تابعي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن أم هانئ بنت أبي طالب . خاله علي رضي الله عنهم . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 238 ،وابن أبي حاتم 1 / 1 / 526 .

وسيأتي بعد من طريقين .

(14) الأثر : 16660 - " ابن عبد الواحد " ، يقال : " عبد الله بن عبد الواحد الثقفي " ، ويقال : " فلان بن عبد الواحد ، رجل من ثقيف " ، ويقال : " يحيى بن عبد الواحد " ويقال : " عبد الواحد " . مجهول ، وكان في المطبوعة : " عن أنس ، عن عبد الواحد " ، غير فيها وزاد ما لم يكن في المخطوطة .

و " أبو مجيب " ، الشاشي . مجهول .

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5 : 168 من طريق محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن رجل من ثقيف يقال له فلان بن عبد الواحد قال : سمعت أبا مجيب .

وذكره الحافظ في تعجيل المنفعة : 518 ، في ترجمة " أبو محمد " . وذكر نص حديث أحمد ثم قال : " وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الكنى ، فيما حكاه الحاكم أبو أحمد عنه ، من طريق ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن عبد الله بن عبد الواحد الثقفي ، عن أبي مجيب الشاشي ، فذكره . وحكى الحاكم أنه قيل في اسم هذا الثقفي : يحيى ، وقيل : عبد الواحد . وقال : الاختلاف فيه على شعبة " .

وفي رواية أحمد : " لقي أبو ذر أبا هريرة ، وجعل = أراه قال = قبيعة سيفه فضة " .

و " قبيعة السيف " ، هي التي تكون على رأس قائم السيف . وقيل : هي ما تحت شاربي السيف ، مما يكون فوق الغمد ، فيجيء مع قائم السيف . والشاربان : أنفان طويلان أسفل القائم ، أحدهما من هذا الجانب ، والآخر من هذا الجانب .

وأما " نعل السيف " ، فهو ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة .

(15) الأثر : 16661 - خبر عمر هذا رواه أبو جعفر من طرق . أولها هذا ، ثم رقم : 16662 ، 16663 ، 16666 .

و " سالم بن أبي الجعد الأشجعي ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارا . روى عن عمر ، ولم يدركه . ومن هذا ، هذا الخبر ، ورقم : 16663 .

فهذا خبر ضعيف ، لانقطاعه . وانظر تخريج الخبر التالي ، وروايته في المسند من طريق عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم ، عن ثوبان .

(16) الأثر : 16662 - " سالم بن أبي الجعد " ، عن " ثوبان " ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اشتراه ثم أعتقه .

و " سالم بن أبي الجعد " لم يسمع من ثوبان ، قال أحمد : " لم يسمع سالم من ثوبان ، ولم يلقه . بينهما : معدان بن أبي طلحة . وليست هذه الأحاديث بصحاح " .

وهذا الخبر رواه أحمد في المسند 5 : 278 من طريق إسرائيل ، عن منصور ، عن سالم .

ثم رواه أيضا 5 : 282 ، من طريق وكيع ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم ، عن ثوبان .

ورواه الترمذي في كتاب التفسير ، من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن منصور ، بنحوه ، وقال : " هذا حديث حسن . سألت محمد بن إسماعيل ( البخاري ) فقلت له : سالم بن أبي الجعد سمع ثوبان ؟ فقال ! لا ؛ قلت له ، ممن سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : سمع من جابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " .

وسيأتي من طريق سالم عن ثوبان برقم : 16666 .

وانظر تفسير ابن كثير 4 : 155 .

(17) الأثر : 16663 - انظر تخريج الآثار السالفة .

(18) الأثران : 16664 ، 16665 - " شهر بن حوشب " ، مضى توثيقه مرارا .

فهذا خبر صحيح الإسناد ، رواه أحمد في المسند 5 : 253 ، من طرق ، من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر . ورواه من طريق روح ، عن معمر ، عن قتادة ، ومن طريق حسين ، عن شيبان ، عن قتادة .

ورواه أيضا 5 : 252 عن حجاج قال : سمعت شعبة يحدث عن قتادة وهاشم = قال حدثني شعبة أنبأنا قتادة قال : سمعت أبا الحسن يحدث = قال هاشم في حديثه : أبو الجعد مولى لبني ضبيعة ، عن أبي أمامة .

ثم رواه أيضا 5 : 253 ، من حجاج ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن ، من أهل حمص ، من بني العداء ، من كندة ، مختصرا .

وروى أحمد نحوه في حديث علي بن أبي طالب ، بإسناد ضعيف رقم : 788 ، 1155 ، 1156 ، 1157 .

وانظر تفسير ابن كثير 4 : 158 ، 159 .

(19) الأثران : 16664 ، 16665 - " شهر بن حوشب " ، مضى توثيقه مرارا .

فهذا خبر صحيح الإسناد ، رواه أحمد في المسند 5 : 253 ، من طرق ، من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر . ورواه من طريق روح ، عن معمر ، عن قتادة ، ومن طريق حسين ، عن شيبان ، عن قتادة .

ورواه أيضا 5 : 252 عن حجاج قال : سمعت شعبة يحدث عن قتادة وهاشم = قال حدثني شعبة أنبأنا قتادة قال : سمعت أبا الحسن يحدث = قال هاشم في حديثه : أبو الجعد مولى لبني ضبيعة ، عن أبي أمامة .

ثم رواه أيضا 5 : 253 ، من حجاج ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن ، من أهل حمص ، من بني العداء ، من كندة ، مختصرا .

وروى أحمد نحوه في حديث علي بن أبي طالب ، بإسناد ضعيف رقم : 788 ، 1155 ، 1156 ، 1157 .

وانظر تفسير ابن كثير 4 : 158 ، 159 .

(20) " أوضع الراكب " ، أسرع بدابته إسراعا دون العدو الشديد .

(21) الأثر : 16666 - مكرر الخبر رقم : 16662 ، وانظر تخريج الأخبار السالفة .

(22) " الورق " ( بكسر الراء ) ، الفضة .

(23) في المخطوطة : " جسه " غير منقوطة ، والذي في مسلم : " جنباه وجبينه " والاختلاف في هذه الأحرف ذكره مسلم في صحيحه ، وأثبت ما في المخطوطة لموافقته لما في مسند أحمد رقم : 7706 .

(24) " بطح " ( بالبناء للمجهول ) ، ألقي على وجهه . و " القاع " : الأرض المستوية الفسيحة . و " قرقر " ، هي الصحراء البارزة الملساء .

(25) الأثر : 16667 - حديث صحيح . رواه مسلم مطولا في صحيحه 7 : 67 ، من طريق محمد بن عبد الملك الأموي ، عن عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبي صالح . ورواه من طرق أخرى عن أبي صالح ، ومن طرق عن أبي هريرة .

ورواه أحمد في مسنده رقم : 7553 ، مطولا ، وقد استوفى أخي السيد أحمد تخريجه هناك . ثم رواه أيضا رقم : 7706 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، مختصرا ، وفيه : " جبينه وجبهته وظهره " فمن أجل ذلك أثبت ما كان في المخطوطة ( تعليق : 1 ) .

(26) هو المتنخل الهذلي .

(27) ديوان الهذليين 2 : 15 ، اللسان ( كنز ) ، وغيرهما كثير ، وهي أبيات جياد ، وصف فيها جوع الجائع وصفا لا يبارى ، يقول بعده ، ووصف رجلا ضاعت نعمه ، وشردته البيد :

* * *لَــوْ أنَّـهُ جَـاءَني جَوْعَـانُ مُهْتَلِـكٌ

مِـنْ بُؤسِ النَّاسِ , عَنْهُ الخيْرُ مَحْجُوزُ

أعْيَــى وقَصَّــرَ لَمَّـا فَاتَـهُ نَعَـمٌ

يُبَــادِرُ اللَّيْــلَ بالعَلْيَــاء مَحْـفُوزُ

حَـتَّى يَجِـيءَ , وَجِـنُّ اللَّيْـلِ يُوغِلُهُ

والشَّـوْكُ فِــي وَضَحِ الرِّجْلَيْنِ مَرْكُوزُ

قَــدْ حَــالَ دُونَ دَرِيسَـيْهِ مُؤَوِّبَـةٌ

نِسْـعٌ , لَهَـا بِعِضَـاهِ الأرْضِ تَهْرِيـزُ

كَأنَّمَـــا بَيْــنَ لَحْيَيْــهِ وَلبَّتِــهِ

مِـنْ جُلْبَـةِ الجُـوعِ جَيَّـارٌ وإرْزِيـزُ

لَبَــاتَ أُسْــوَةَ حَجَّــاجٍ وَإخْوَتِـهِ

فِـي جَهْدِنـا , أوْ لَـهُ شَـفٌّ وَتْمرِيزُ

" القرف " ، ما يقرف عن الشيء ، وهي قشره . و " الحتى " الدوم . يقول : لا أطعمه الخسيس ، والبر عندي مخزون بعضه على بعض .

ثم يقول : ضاعت إبله ، فتقاذفته البيد ، فهو من قلقه يصعد على الروابي يتنور نارا يقصدها .

ثم قال : يدفعه سواد الليل ومخاوفه ، وقد أضناه السير ، فوقع في أرض ذات شوك ، فعلق به ، لا يكاد ينقشه من شدة ضعفه . ثم يقول : اشتدت ريح الشمال الباردة بالليل = وهي المؤوبة ، والشمال ، هي النسع = فطيرت عنه ثوبيه الباليين ، فأخذه الجوع والبرد ، فحمي جوفه من شدة الجوع ، وذلك هو " الجيار " ، واصطكت أسنانه ، وذلك هو " الإرزيز " . ثم يقول : لو جاءني هذا الجائع المشرد ، لكان بين أهله ، فهو عندي بمنزلة حجاج وإخوته ، وهم أولاد المتنخل ، في ساعة العسرة ، بل لكان له فضل عليهم = وهو " الشف " = ، ولكان له زيادة وتمييز = وهو " التمزيز " .

(28) في المخطوطة والمطبوعة : " لم يكن في الآية " ، بغير واو ، والصواب إثباتها .

(29) السياق : " وإ ذا كان ذلك معنى الكنز عندهم . . . كان معلوما . . . " .

(30) الأثر : 16671 - " أبو حصين " ، " عبد الله بن أحمد بن يونس اليربوعي " ، شيخ الطبري ، ثقة . مضى برقم : 12336 .

و " حصين " ، هو " حصين بن عبد الرحمن الهذلي " ، ثقة سلف مرارا ، آخرها رقم : 12193 ، 12304 .

و " زيد بن وهب الجهني" تابعي كبير ، هاجر إلى رسول الله ، ولم يدركه . مضى برقم : 4222 ، 16527 ، 16528 .

وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 3 : 217 / 8 : 244 ) ، أولهما من طريق هشيم ، عن حصين ، والثاني من طريق جرير ، عن حصين .

ورواه ابن سعد في الطبقات 4 / 1 / 166 ، من طريق هشيم ، عن حصين .

وسيرويه أبو جعفر من طريق هشيم أيضا برقم : 16674 .

(31) الأثر : 16672 - هذا مكرر الذي قبله .

(32) الأثر : 16673 - " أبو بشر " ، هو : " جعفر بن أبي وحشية " ، مضى مرارا . وهو إسناد منقطع .

(33) الأثر : 16674 - هو مكرر الأثر السالف رقم : 16671 ، انظر تخريجه هناك .

(34) هو عمرو بن امرئ القيس ، من بني الحارث بن الخزرج ، جد عبد الله بن رواحة ، جاهلي قديم .

(35) جمهرة أشعار العرب : 127 ، سيبويه 1 : 37 ، 38 ( منسوبا لقيس بن الخطيم ، وهو خطأ ) ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 434 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 258 ، الخزانة 2 : 190 ، وغيرها ، ومضى بيت منها 2 : 21 ، وسيأتي في التفسير 22 : 68 / 26 : 99 ( بولاق ) من قصيدة قالها لمالك بن العجلان النجاري ، في خبر طويل ، يقول له :

يـا مَــالِ , والسَّـيِّدُ المُعَمَّـمُ قَـدْ

يَطْـرَأُ فِـي بَعْـضِ رأيِـهِ السَّـرَفُ

خـالَفْتَ فِـي الـرأيِ كُـلَّ ذِي فَخَـرٍ

وَالحـقُّ , يـا مَـالِ , غيرُ مَا تَصِفُ

.

(36) هو حسان بن ثابت .

(37) ديوانه : 413 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 258 ، والكامل 2 : 79 ، واللسان ( شرخ ) ، و " الشرخ " : الحد ، أي غاية ارتفاعه ، يعني بذلك : أقصى قوته ونضارته وعنفوانه .

المعاني :

لَيَاكُلُونَ :       لَيَاخُذُونَ السراج
يَكْنِزُونَ :       لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ السراج

التدبر :

وقفة
[34] من أقوى أسباب انتشار الشرك والبدع: الأموال التي تدفع لأئمتها المضلين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾.
وقفة
[34] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ والمقصود: التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال؛ كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى.
وقفة
[34] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فإن الناس عالةٌ على العلماء، وعلى العباد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس.
عمل
[34] ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ﴾ قالَ اللهُ (كَثِيرًا)، فالتَّعمِيمُ خطأٌ، والدقة مطلوبة، كن دقيقًا في اختيارِ كلماتِكَ.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ﴾ كثيرًا وليس كلهم؛ كن دقيقًا في تعبيراتك، حتى في حديثك عن أعدائك.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ﴾ قال: (كثيرًا) فبعض اﻷحبار والرهبان شرفاء عند (أموال الناس).
وقفة
[34] ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ تحريم أكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله تعالى .
وقفة
[34] ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ تحريم اكتناز المال دون إنفاقه في سبيل الله.
وقفة
[34] ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ قال العلماء: كل مال مهما كثر تؤدى زكاته ليس بكنز، وأي مال مهما صغر لا تؤدى زكاته فهو كنز.
وقفة
[34] ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ أفردَ الضميرَ، مع تقدُّم اثنين (الذهب والفضة) نظرًا إلى عوده إلى الفضة لقربها، ولأنها أكثرُ من الذَّهب، أو إلى عوده إلى المعنى، لأن المكنوز دراهمُ ودنانير، ونظيرُه قوله: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: 9].
وقفة
[34] ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ حِرص عليها في الدنيا وحرمان منها هو عذاب نفسي مؤلم، وفي الآخرة عذاب أبدي أليم.
وقفة
[34] إن الأموال المخفاة في الخزائن، المخبَّأ فيها حق المسكين والبائس، شر جسيم على صاحبها في الدنيا والآخرة ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
عمل
[34] راجع زكاة أموالك، وتصدق بصدقة مستحبة ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
تفاعل
[34] ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[34، 35] ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ... ۞ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ ...﴾ يُقال: من أحب شيئًا وقَدَّمَه على طاعة الله عُذِّبَ به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها، هذه الأموال لما كانت أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا أداة نداء. أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من «أي» آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. كثيرا: اسم «إِنَّ» منصوب بالفتحة. من الأحبار: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «كَثِيراً» والرهبان معطوفة بالواو على «الْأَحْبارِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ:
  • اللام: مزحلقة للتأكيد. يأكلون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.والجملة وما تلاها: في محل رفع خبر «إِنَّ». أموال: مفعول به منصوب بالفتحة. الناس: مضاف اليه مجرور بالكسرة. بالباطل: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الواو: أي مرتشين.
  • ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ:
  • ويصدون: معطوفة بالواو على «يأكلون» وتعرب إعرابها أي ويصدونهم. عن سبيل: جار ومجرور متعلق بيصدون.الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ تعمل عمل «من» اسم الشرط الجازم بالمعنى على تقدير: من يكنزوا. يكنزون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل ويجوز أن تكون «الَّذِينَ» في محل رفع معطوفة على ضمير الغائبين يأكلون.
  • ﴿ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ:
  • الذهب: مفعول به منصوب بالفتحة والفضة معطوفة بالواو: على «الذَّهَبَ» منصوبة مثلها بالفتحة.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بينفقون. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط «الَّذِينَ» ويجوز أن تكون زائدة للتزيين. بشر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة «فَبَشِّرْهُمْ وما بعدها» في محل رفع خبر المبتدأ «الَّذِينَ». بعذاب: جار ومجرور متعلق ببشرهم. أليم: صفة- نعت- لعذاب مجرورة مثلها وفي هذا القول الكريم «بشرهم» تهكم بهم. '

المتشابهات :

الأنفال: 47﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ
التوبة: 34﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ
ابراهيم: 3﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا
الحج: 25﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أمْوالَ النّاسِ بِالباطِلِ﴾ نَزَلَتْ في العُلَماءِ والقُرّاءِ مِن أهْلِ الكِتابِ، كانُوا يَأْخُذُونَ الرِّشا مِن سَفِلَتِهِمْ، وهي المَآكِلُ الَّتِي كانُوا يُصِيبُونَها مِن عَوامِّهِمْ. أخْبَرَنا أبُو إسْحاقَ المُقْرِئُ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامِدٍ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ زُرارَةَ، قالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قالَ: حَدَّثَنا حُصَيْنٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبٍ قالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإذا أنا بِأبِي ذَرٍّ، فَقُلْتُ لَهُ: ما أنْزَلَكَ مَنزِلَكَ هَذا ؟ قالَ: كُنْتُ بِالشّامِ فاخْتَلَفْتُ أنا ومُعاوِيَةُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ . فَقالَ مُعاوِيَةُ: نَزَلَتْ في أهْلِ الكِتابِ. فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينا وفِيهِمْ، وكانَ بَيْنِي وبَيْنَهُ كَلامٌ في ذَلِكَ، فَكَتَبَ إلى عُثْمانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمانُ أنْ أقْدَمَ المَدِينَةَ، فَقَدِمْتُها، فَكَثُرَ النّاسُ عَلَيَّ حَتّى كَأنَّهم لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُثْمانَ، فَقالَ: إنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ وكُنْتَ قَرِيبًا. فَذاكَ الَّذِي أنْزَلَنِي هَذا المَنزِلَ، ولَوْ أمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وأطَعْتُ.رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ. ورَواهُ أيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عَنْ هُشَيْمٍ. والمُفَسِّرُونَ أيْضًا مُخْتَلِفُونَ، فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أنَّها نَزَلَتْ في أهْلِ الكِتابِ خاصَّةً. وقالَ السُّدِّيُّ: هي في أهْلِ القِبْلَةِ. وقالَ الضَّحّاكُ: هي عامَّةٌ في أهْلِ الكِتابِ وفي المُسْلِمِينَ. قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ . قالَ: يُرِيدُ مِنَ المُؤْمِنِينَ. أخْبَرَنا أبُو الحُسَيْنِ أحْمَدُ بْنُ إبْراهِيمَ النَّجّارُ، قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ أيُّوبَ الطَّبَرانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ صَدَقَةَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعافًى. قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ صَدَقَةَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الكَبِيرِ بْنُ مُعافًى، قالَ: حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُرادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ . قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”تَبًّا لِلذَّهَبِ والفِضَّةِ“ . قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَأيُّ المالِ يُكْنَزُ ؟ قالَ: ”قَلْبًا شاكِرًا، ولِسانًا ذاكِرًا، وزَوْجَةً صالِحَةً“ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     4- أكل أموال النَّاس بالباطل. 5- منع النَّاس من الدخول في الإسلام، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

والذين:
1- بالواو، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بغير واو، وهى قراءة ابن مصرف.

مدارسة الآية : [35] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ ..

التفسير :

[35] يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار، فإذا اشتدت حرارتها أُحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم.وقيل لهم توبيخاً:هذا مالُكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله، فذوقوا العذاب الموجع؛ بسبب كنزكم وإمساككم.

‏{‏يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا‏}‏ أي‏:‏ على أموالهم، ‏{‏فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏ فيحمى كل دينار أو درهم على حدته‏.‏

‏{‏فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ‏}‏ في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخا ولوما‏:‏ ‏{‏هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ‏}‏ فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز‏.‏

وذكر اللّه في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين‏:‏

إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة اللّه، وإخراجها للصد عن سبيل اللّه‏.‏

وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و ‏(‏النهي عن الشيء، أمر بضده‏)‏

وقوله يُحْمى يجوز أن يكون من حميت وأحميت- ثلاثيا ورباعيا- يقال: حميت الحديدة وأحميتها، أى: أوقدت عليها لتحمى.

وقوله: عَلَيْها جار ومجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل. ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل مضمرا، أى: يحمى الوقود أو الجمر عليها.

قال الآلوسى: وأصله تحمى بالنار من قولك: حميت الميسم وأحميته فجعل الإحماء للنار مبالغة لأن النار في ذاتها ذات حمى، فإذا وصفت بأنها تحمى دل على شدة توقدها. ثم حذفت النار، وحول الإسناد إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود بأتم وجه فانتقل من صيغة التأنيث إلى التذكير كما تقول: رفعت القصة إلى الأمير. فإذا طرحت القصة وأسند الفعل إلى الجار والمجرور قلت: رفع إلى الأمير، وقرأ ابن عامر تحمى بالتاء بإسناده إلى النار كأصله» . والمعنى: بشر- يا محمد- أولئك الذين يكنزون الأموال في الدنيا ولا ينفقونها في سبيل الله، بالعذاب الأليم يوم الحساب يوم تحمى النار المشتعلة على تلك الأموال التي لم يؤدوا حق الله فيها فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ أى: فتحرق بها جباههم التي كانوا يستقبلون بها الناس، والتي طالما ارتفعت غرورا بالمال المكنوز، وتحرق بها- أيضا- «جنوبهم» التي كثيرا ما انتفخت من شدة الشبع وغيرها جائع، وتحرق بها كذلك «ظهورهم» التي نبذت وراءها حقوق الله بجحود وبطر ...

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم خصت هذه الأعضاء بالكي؟

قلت: لأنهم لم يطلبوا بأموالهم- حيث لم ينفقوها في سبيل الله- إلا الأغراض الدنيوية، من وجاهة عند الناس، وتقدم، وأن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم، يتلقون بالجميل ويحيون بالإكرام، ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك، هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم، لا يخطر ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب أهل الدثور بالأجر كله» .

وقيل: لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه، وتولوا بأركانهم، وولوه ظهورهم..» .

وقوله: هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ مقول لقول محذوف.

والتفسير: تقول لهم ملائكة العذاب على سبيل التبكيت والتوبيخ، وهي تتولى حرق جباههم وجنوبهم وظهورهم: هذا العذاب الأليم النازل بكم في الآخرة هو جزاء ما كنتم تكنزونه في الدنيا من مال لمنفعة أنفسكم دون أن تؤدوا حق الله فيه. فذوقوا وحدكم وبال كنزكم. وتجرعوا غصصه، وتحملوا سوء عاقبته فأنتم الذين جنيتم على أنفسكم، لأنكم لم تشكروا الله على هذه الأموال. بل استعملتموها في غير ما خلقت له.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى.

1- التحذير من الانقياد لدعاة السوء، ومن تقليدهم في رذائلهم وقبائحهم ووجوب السير على حسب ما جاء به الإسلام من تعاليم وتشريعات ...

ولذا قال ابن كثير عند تفسيره للآية الأولى: والمقصود التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال، كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من أحبار اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من رهبان النصارى.

وفي الحديث الصحيح: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة» قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» ؟ وفي رواية: فارس والروم؟ قال: «فمن الناس إلا هؤلاء» والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم .

هذا، ونص الحديث الصحيح الذي ذكره الإمام ابن كثير- كما رواه الشيخان- هكذا عن أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟

قال: فمن؟ .

أما الحديث الذي جاء فيه حذو القذة بالقذة، فقد أخرجه الإمام أحمد عن شداد بن أوس ونصه: «ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم. أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة» .

2- يرى جمهور العلماء أن المقصود بالكنز في قوله، تعالى، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها.. ألخ المال الذي لم تؤد زكاته، أما إذا أديت زكاته فلا يسمى كنزا، ولا يدخل صاحبه تحت الوعيد الذي اشتملت عليه الآية.

وقد وضح الإمام القرطبي هذه المسألة فقال: واختلف العلماء في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أولا؟.

فقال قوم: نعم. رواه أبو الضحى عن جعدة بن هبيرة عن على قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما كثر فهو كنز وإن أديت زكاته،،،، ولا يصح.

وقال قوم: ما أديت زكاته منه أو من غيره عنه فليس بكنز، قال ابن عمر: ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض.

ومثله عن جابر، وهو الصحيح.

وروى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعنى شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك..» .

وفيه أيضا عن أبى ذر قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «والذي نفسي بيده، ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم، لا يؤدى حقها، إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس» .

فدل دليل خطاب هذين الحديثين على صحة ما ذكرنا. وقد بين ابن عمر في صحيح البخاري هذا المعنى. قال له أعرابى: أخبرنى عن قول الله. تعالى- وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ..

الآية فقال ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال.

وروى أبو داود عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.. كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله، إنه كبر على أصحابك هذه الآية. فقال صلى الله عليه وسلم «إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم» قال: فكبر عمر. ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» .

3- أخذ بعض الصحابة من هذه الآية تحريم اكتناز الأموال التي تفيض عن حاجات الإنسان الضرورية.

قال ابن كثير: كان من مذهب أبى ذر- رضى الله عنه- تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي بذلك، ويحثهم عليه ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية فلم ينته، فخشي أن يضر بالناس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان، وأن يأخذه إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة- وهي بلدة قريبة من المدينة- وبها مات- رضى الله عنه- في خلافة عثمان.

وروى البخاري في تفسير هذه الآية عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا بأبى ذر، فقلت له: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. فقال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب. قال: قلت: إنها لفينا وفيهم.

ثم قال ابن كثير: وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى ذر: «ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا يمر على ثلاثة أيام وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين» فهذا- والله أعلم- هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا» .

وقال الشيخ القاسمى: قال ابن عبد البر: وردت عن أبى ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش، فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.

وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابى حيث قال: هل على غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع» .

وحديث طلحة الذي أشار إليه ابن عبد البر، قد جاء في صحيح البخاري ونصه: عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوى صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل على غيرها؟:

قال: «لا.. إلا أن تطوع» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيام رمضان» قال: هل على غيره؟

قال: «لا إلا أن تطوع» ، قال. وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال. هل على غيرها؟ قال «لا إلا أن تطوع» .

قال، فأدبر الرجل وهو يقول. والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص. فقال، رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفلح إن صدق».

هذا ومما استدل به جمهور الصحابة ومن بعدهم من العلماء، على عدم حرمة اقتناء الأموال التي تفيض عن الحاجة- مادام قد أدى حق الله فيها- ما يأتى:

(أ) أن قواعد الشرع لا تحرم ذلك، وإلا لما شرع الله المواريث لأنه لو وجب إنفاق كل ما زاد عن الحاجة، لما كان لمشروعية المواريث فائدة.

(ب) ثبت في الحديث الصحيح أن سعد بن أبى وقاص عند ما كان مريضا، وزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا رسول الله: أأوصى بمالي كله؟ قال: «لا. قال سعد: فالشطر؟

قال: لا. قال سعد: فالثلث؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: فالثلث والثلث كثير. إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ... » .

ولو كان جمع المال واقتناؤه محرما، لأقر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا على التصدق بجميع ماله، ولأمر المسلمين أن يحذوا حذو سعد، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل قال لسعد: «إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس..» .

وقد كان في عهده صلى الله عليه وسلم من الصحابة من يملكون الكثير من الأموال- كعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما- ومع هذا فلم يأمرهم بإنفاق كل ما زاد عن حاجتهم الضرورية.

قال القرطبي: قرر الشرع ضبط الأموال وأداء حقها، ولو كان ضبط المال ممنوعا، لكان حقه أن يخرج كله، وليس في الأمة من يلزم هذا. وحسبك حال الصحابة وأموالهم- رضوان الله عليهم- وأما ما ذكر عن أبى ذر فهو مذهب له .

(ج) ما ورد من آثار في ذم الكنز والكانزين كان قبل أن تفرض الزكاة أو هو في حق من امتنع عن أداء حق الله في ماله.

قال صاحب الكشاف. فإن قلت فما تصنع في قوله صلى الله عليه وسلم «من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها» .

قلت. كان هذا قبل أن تفرض الزكاة، فأما بعد فرضيتها، فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه، ويؤدى عنه ما أوجب عليه فيه، ثم يعاقبه.

ولقد كان كثير من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله يقتنون الأموال ويتصرفون فيها، وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية لأن الإعراض اختيار للأفضل، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه، ولكل شيء حد » .

4- أن الإسلام وإن كان قد أباح للمسلم اقتناء المال- بعد أداء حق الله فيه- إلا أنه أمر أتباعه أن يكونوا متوسطين في حبهم لهذا الاقتناء، حتى لا يشغلهم حب المال عن طاعة الله.

ورحم الله الإمام الرازي، فقد قال عند تفسيره لهذه الآيات ما ملخصه، اعلم أن الطريق الحق أن يقال، الأولى أن لا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير، إلا أنه لم يمنع عنه في ظاهر الشرع. فالأول محمول على التقوى والثاني على ظاهر الفتوى.

أما بيان أن الأولى الاحتراز عن طلب المال الكثير فلوجوه منها:

أن كثرة المال سبب لكثرة الحرص في الطلب، والحرص متعب للروح والنفس والقلب..

والعاقل هو الذي يحترز عما يتعب روحه ونفسه وقلبه. وأن كسب المال شاق شديد وحفظه بعد حصوله أشد وأشق وأصعب، فيبقى الإنسان طول عمره تارة في طلب التحصيل وأخرى في تعب الحفظ وأن كثرة الجاه والمال تورث الطغيان، كما قال- تعالى- إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى .

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث في ذم التكثر من الذهب والفضة، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حسان بن عطية قال:

كان شداد بن أوس- رضى الله عنه- في سفر، فنزل منزلا فقال لغلامه: ائتنا بالسفرة نعبث بها، فأنكرت عليه ذلك. فقال ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عنى واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إنى أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صادقا، واسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم. إنك أنت علام الغيوب .

وبعد: فهذه سبع آيات عن أهل الكتاب، بدأت- بقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وانتهت بقوله تعالى: فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ.

وقد بينت هذه الآيات ما يجب أن يكون عليه موقف المؤمنين منهم، وكشفت عن أقوالهم الباطلة، وعن جحود رؤسائهم للحق، وعن انقياد: عامتهم للضلال، وعن استحلال كثير من أحبارهم ورهبانهم لمحارم الله ...

ثم عادت السورة بعد ذلك إلى تكلمة الحديث عن أحوال المشركين السيئة، وعن وجوب مقاتلتهم، فقال تعالى.

وقوله تعالى : ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي : يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكما ، كما في قوله : ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 48 ، 49 ] أي : هذا بذاك ، وهو الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ؛ ولهذا يقال : من أحب شيئا وقدمه على طاعة الله ، عذب به . وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم ، عذبوا بها ، كما كان أبو لهب - لعنه الله - جاهدا في عداوة الرسول ، صلوات الله [ وسلامه ] عليه ، وامرأته تعينه في ذلك ، كانت يوم القيامة عونا على عذابه أيضا ( في جيدها ) أي : [ في ] عنقها ( حبل من مسد ) [ المسد : 5 ] أي : تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ، ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه - كان - في الدنيا ، كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها ، كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة ، فيحمى عليها في نار جهنم - وناهيك بحرها - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم .

قال سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود : والله الذي لا إله غيره ، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارا ، ولا درهم درهما ، ولكن يوسع جلده ، فيوضع كل دينار ودرهم على حدته .

وقد رواه ابن مردويه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، والله أعلم .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه وهو يفر منه ، ويقول : أنا كنزك ! لا يدرك منه شيئا إلا أخذه .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، يتبعه ، يقول : ويلك ما أنت ؟ فيقول : أنا كنزك الذي تركته بعدك ! ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقصقصها ثم يتبعها سائر جسده .

ورواه ابن حبان في صحيحه ، من حديث يزيد ، عن سعيد به وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وفي صحيح مسلم ، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر تمام الحديث .

وقال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن زيد بن وهب قال : مررت على أبي ذر بالربذة ، فقلت : ما أنزلك بهذه الأرض ؟ قال : كنا بالشام ، فقرأت : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) فقال معاوية : ما هذه فينا ، ما هذه إلا في أهل الكتاب . قال : قلت : إنها لفينا وفيهم .

ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - فذكره ، وزاد : فارتفع في ذلك بيني وبينه القول ، فكتب إلى عثمان يشكوني ، فكتب إلي عثمان أن أقبل إليه ، قال : فأقبلت ، فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ ، فشكوت ذلك إلى عثمان ، فقال لي : تنح قريبا . قلت : والله لن أدع ما كنت أقول .

قلت : كان من مذهب أبي ذر - رضي الله عنه - تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال ، وكان يفتي [ الناس ] بذلك ، ويحثهم عليه ، ويأمرهم به ، ويغلظ في خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشي أن يضر بالناس في هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة ، وأنزله بالربذة وحده ، وبها مات - رضي الله عنه - في خلافة عثمان . وقد اختبره معاوية - رضي الله عنه - وهو عنده ، هل يوافق عمله قوله ؟ فبعث إليه بألف دينار ، ففرقها من يومه ، ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال : إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت ، فهات الذهب ! فقال : ويحك ! إنها خرجت ، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به .

وهكذا روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنها عامة .

وقال السدي : هي في أهل القبلة .

وقال الأحنف بن قيس : قدمت المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل - قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا - قال : وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم . فقال : إن هؤلاء لا يعلمون شيئا .

وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا يمر عليه ثالثة وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين

فهذا - والله أعلم - هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن عبد الله بن الصامت - رضي الله عنه - أنه كان مع أبي ذر ، فخرج عطاؤه ومعه جارية له ، فجعلت تقضي حوائجه ، ففضلت معها سبعة ، فأمرها أن تشتري به فلوسا . قال : قلت : لو ادخرته للحاجة تنوبك وللضيف ينزل بك ! قال : إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكي عليه ، فهو جمر على صاحبه ، حتى يفرغه في سبيل الله - عز وجل - .

ورواه عن يزيد ، عن همام ، به ، وزاد : إفراغا .

وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته ، عن محمد بن مهدي : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن صدقة بن عبد الله ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي فروة الرهاوي ، عن عطاء ، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا . قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال : ما سئلت فلا تمنع ، وما رزقت فلا تخبأ ، قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو ذاك وإلا فالنار إسناده ضعيف .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عتيبة ، عن بريد بن أصرم قال : سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول : مات رجل من أهل الصفة ، وترك دينارين - أو : درهمين - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان ، صلوا على صاحبكم .

وقد روي هذا من طرق أخر .

وقال قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال : مات رجل من أهل الصفة ، فوجد في مئزره دينار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كية . ثم توفي رجل آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي ، حدثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسي ، حدثني أرطاة ، حدثني أبو عامر الهوزني ، سمعت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض ، إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن خداش ، حدثنا سيف بن محمد الثوري ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يوضع الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون سيف هذا كذاب متروك .

القول في تأويل قوله : يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنـزون الذهب والفضة, ولا يخرجون حقوق الله منها، يا محمد، بعذاب أليم =(يوم يحمى عليها في نار جهنم)، فـ " اليوم " من صلة " العذاب الأليم ", كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم، يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها.

ويعني بقوله: (يحمى عليها)، تدخل النار فيوقد عليها، أي: على الذهب والفضة التي كنـزوها =(في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم).

* * *

وكل شيء أدخل النار فقد أحمي إحماءً, يقال منه: " أحمَيت الحديدة في النار أحميها إحماءً".

* * *

وقوله: (فتكوى بها جباههم)، يعني بالذهب والفضة المكنوزة، يحمى عليها في نار جهنم، يكوي الله بها. يقول: يحرق الله جباهَ كانـزيها وجنوبَهم وظهورهم =(هذا ما كنـزتم)، ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنـزتم في الدنيا، أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم =(فذوقوا ما كنتم تكنـزون)، يقول: فيقال لهم: فاطعَمُوا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوقَ الله وتكنـزونها مكاثرةً ومباهاةً. (38)

وحذف من قوله: (هذا ما كنـزتم) و " يقال لهم "، لدلالة الكلام عليه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16675- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب, عن حميد بن هلال قال: كان أبو ذر يقول: بشّر الكنّازين بكيّ في الجباه، وكيّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور, حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم. (39)

16676-...... قال: حدثنا ابن علية, عن الجريري, عن أبي العلاء بن الشخير, عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة, فبينا أنا في حَلْقَة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب, أخشن الجسد, أخشن الوجه, (40) فقام عليهم فقال: بشِّر الكنازين برضْفٍ يحمى عليه في نار جهنم، (41) فيوضع على حَلَمة ثدْي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفه, ويوضع على نُغْضِ كتفه، (42) حتى يخرج من حَلَمة ثدييه، يتزلزل، (43) قال: فوضع القوم رءوسهم, فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا. قال: وأدبر، فاتبعته, حتى جلس إلى ساريةٍ, فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قُلْت ! فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئًا. (44)

16677- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم قال، حدثني عمرو بن قيس, عن عمرو بن مرة الجملي, عن أبي نصر، عن الأحنف بن قيس, قال: رأيت في مسجد المدينة رجلا غليظ الثياب، رثَّ الهيئة, يطوف في الحِلَق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في جنوبهم, وكي في جباههم, وكيٍّ في ظهورهم ! ثم انطلق وهو يتذمَّر يقول (45) ما عسى تصنعُ بي قريش!! (46)

16678- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه, وكيٍّ في الجنوب, وكيٍّ في الظهور.

16679- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس: (يوم يحمى عليها في نار جهنم)، قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته تقول: أنا مالُك الذي بخلت به! (47)

16680- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سالم بن أبي الجعد, عن معدان بن أبي طلحة, عن ثوبان: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: من ترك بعدَه كنـزا مثَلَ له يوم القيامة شُجَاعًا أقرعَ له زبيبتان, (48) يتبعه يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنـزك الذي تركته بعدك! فلا يزال يتبعه حتى يُلْقِمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده. (49)

16681- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه قال: بلغني أن الكنوز تتحوَّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه وهو يفرُّ منه، ويقول: أنا كنـزك ! لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه.

16682- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره, لا يكوى عبد بكنـز فيمسُّ دينارٌ دينارًا ولا درهم درهمًا, ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حِدَته. (50)

16683-...... قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله قال: ما من رجل يكوَى بكنـز فيوضع دينار على دينارٍ ولا درهم على درهم, ولكن يوسَّع جلده. (51)

--------------------------

الهوامش :

(38) انظر تفسير " ذاق " فيما سلف ص : 15 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(39) الأثر : 16675 - " حميد بن هلال العدوي " ، ثقة ، متكلم فيه ، لأنه دخل في عمل السلطان . وقال البزار في مسنده : لم يسمع من أبي ذر . ومات حميد في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق . مضى برقم : 13768 .

(40) في المطبوعة " خشن " في المواضع الثلاث . وأثبت ما في المخطوطة . وهو المطابق لرواية مسلم . " الخشن " و " الأخشن " ، والأنثى " خشنة " و " خشناء " . من الخشونة . وهو الأحرش من كل شيء . ويقال . " رجل أخشن ، خشن " .

(41) " الرضف " ( بفتح فسكون ) : الحجارة المحماة على النار ، والعرب يوغرون بها اللبن ، ويشوون عليها اللحم .

(42) " نغض الكتف " ( بضم فسكون ، أو فتح فسكون ) و " ناغض الكتف " ، هو عند أعلى الكتف ، عظم رقيق على طرفه ، ينغض إذا مشى الماشي ، أي يتحرك .

(43) " يتزلزل " ، أي يتحرك ويضطرب ، كأنه يزل مرة بعد أخرى ، يقول : يضطرب الرضف المحمي نازلا من نغض الكتف حتى يخرج من حلمة الثدي .

(44) الأثر 16676 - " الجريري " ، هو " سعيد بن إياس الجريري " الحافظ المشهور ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 196 ، 12274 .

و " أبو العلاء بن الشخير " ، هو " يزيد بن عبد الله بن الشخير " ثقة وروى له الجماعة . مضى برقم 15514 ، 15515 .

وهذا الخبر رواه البخاري بنحوه مطولا في صحيحه ( الفتح 3 : 128 ) - ورواه مسلم في صحيحه 7 / 77 بلفظه من هذا الطريق مطولا أيضا .

(45) " يتذمر " ، أي : يصخب من الغضب ، كأنه يعاتب نفسه .

(46) الأثر : 16677 - " عمرو بن قيس الملائي ، ثقة ، مضى مرارا .

و " عمرو بن مرة الجملي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارا .

و " أبو نصر " ، لم أعرف من هو ؟

(47) الأثر : 16679 - " قابوس بن أبي ظبيان الجنبي " ، ضعيف ، لا يحتج به ، مضى برقم : 9745 ، 10683 .

وأبوه : " أبو ظبيان الجنبي " ، هو " حصين بن جندب " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى أيضا برقم : 9745 ، 10683 .

وانظر ما سلف في حديث ابن مسعود رقم : 8285 - 8289 .

(48) " الشجاع " ، ضرب من الحيات مارد خبيث . " والأقرع " ، هو الذي لا شعر له على رأسه ، قد تمعط عليه رأسه لكثرة سمه ، وطول عمره . و " الزبيبتان " : نكتتان سوداوان تكونان فوق عينيه ، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه .

(49) الأثر : 16680 - " سالم بن أبي الجعد الأشجعي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 4244 ، 11546 ، 16661 - 16666 .

و " معدان بن أبي طلحة الكناني " ، تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 38 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 404 .

وهذا الخبر ، ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 157 ، وقال : " رواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن سعيد ، به . وأصل هذا الحديث في الصحيحين ، من رواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه = وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة " ، وذكر الخبر .

(50) الأثر : 16682 - هذا الخبر ، ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 29 ، 30 ، وقال : " رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح " .

وذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 156 ، وقال : " وقد رواه ابن مردويه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، والله أعلم " .

وذكره السيوطي في الدر المنثور 3 : 233 ، ونسبه إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، لم يذكر ابن جرير .

(51) الأثر : 16683 - هو مكرر الأثر السالف ، بإسناد آخر ، مختصرا .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[35] ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا﴾ انظر كيف يكونُ المالُ جحيمًا على أصحابِه يومَ القيامةِ إذا لم يُؤدّوا الزكاةَ الواجبةَ.
وقفة
[35] ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ اشتركت الجوارح الثلاث في منع حق الله عن الفقير، فكان لا بد لها من عقاب، قال الزركشي: «قدم الجباه ثم الجنوب؛ لأن مانع الصدقة في الدنيا كان يصرف وجهه أولًا عن السائل، ثم ينوء بجانبه، ثم يتولى بظهره».
وقفة
[35] ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ قال الآلوسي: «خصت بالذكر؛ لأن غرض الكانزين من الكنز والجمع أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة ورياسة بسبب الغنى، وأن يتنعموا بالمطاعم الشهية والملابس البهية، فلوجاهتهم كان الكي بجباههم، ولامتلاء جنوبهم بالطعام کووا عليها، ولما لبسوه على ظهورهم كویت».
وقفة
[35] ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ جباهٌ قطّبت في وجه السائلين المحتاجين، وجنوبٌ أعرضت عنهم، وظهورٌ أديرت لهم، قطّب كما شئت، وأعرض عمن شئت، وأدر ظهرك لمن شئت؛ فإنك لن تدفع عنها عذاب النار التي ستكوى بها يوم القيامة.
تفاعل
[35] ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[35] كيف يمنع أحد زكاته وهو يقرأ: ﴿يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ ولم يقل: تحمى في نار جهنم؛ ليدل ذلك على أنها مع حرارة نار جهنم تستعمل لها الآلات المحمية، فيضاعف حرها ويشتد عذابها.
وقفة
[35] ﴿هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ ما كنزتموه ليكون سبب لذاتكم، كان سبب تعذيبكم.

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها:
  • ذذظرف زمان متعلق ببشرهم منصوب بالفتحة وهو مضاف. يحمى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. عليها: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل وأصل القول: يوم تحمى النار عليها فلّما حذفت «النار» أسند الفعل إلى «عَلَيْها» وجملة «يُحْمى عَلَيْها» في محل جر مضاف إليه أي على هذه الأموال.
  • ﴿ فِي نارِ جَهَنَّمَ:
  • جار ومجرور متعلق بيحمى. جهنم: مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه اسم ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث.
  • ﴿ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ:
  • الفاء: عاطفة. تكوى: معطوفة على «يُحْمى» وتعرب إعرابها. بها: جار ومجرور متعلق بتكوى. جباه: نائب فاعل مرفوع بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «جِباهُهُمْ» وتعربان إعرابها.
  • ﴿ هذا ما كَنَزْتُمْ:
  • الجملة: في محل رفع نائب فاعل على إرادة القول أي ويقال لهم. وهو توبيخ لهم. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ «هذا» كنزتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء:ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «كَنَزْتُمْ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير ما كنزتموه.
  • ﴿ لِأَنْفُسِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بكنزتم. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَذُوقُوا ما:
  • الفاء: سببية. ذوقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ كُنْتُمْ:
  • فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور وجملة «كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: ما كنتم تكنزونه.
  • ﴿ تَكْنِزُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة في محل نصب خبر «كان». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     ولمَّا توعدَهم اللهُ عز وجل بالعذاب الأليم إجمالًا؛ جاء هنا تفصيل هذا العذاب، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يحمى:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء، وهى قراءة الحسن، وابن عامر.
تكنزون:
قرئ:
تكنزون، بضم النون.

مدارسة الآية : [36] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ ..

التفسير :

[36] إن عدد الشهور التي يتألَّف منها العام في حكم الله، وفيما كتب في اللوح المحفوظ اثنا عشر شهراً، يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرُم؛ حرَّم الله فيهنَّ القتال (هي:ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب)، ذلك هو الدين المستقيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم؛ لز

يقول تعالى ‏{‏إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ في قضائه وقدره‏.‏ ‏{‏اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا‏}‏ وهي هذه الشهور المعروفة ‏{‏فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ أي في حكمه القدري، ‏{‏يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ‏}‏ وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر ‏[‏شهرًا‏]‏‏.‏

‏{‏مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ‏}‏ وهي‏:‏ رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها‏.‏

‏{‏فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها‏.‏

ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها‏.‏

ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال‏:‏ إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً‏}‏ أي‏:‏ قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين‏.‏

ولا تخصوا أحدًا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئًا‏.‏

ويحتمل أن ‏{‏كَافَّةً‏}‏ حال من الواو فيكون معنى هذا‏:‏ وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين‏.‏

وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏ الآية‏.‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏ بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين‏.‏

قال صاحب المنار، هاتان الآيتان عود إلى الكلام في أحوال المشركين، وما يشرع من معاملاتهم بعد الفتح، وسقوط عصبية الشرك، وكان الكلام قبل هاتين الآيتين- في قتال أهل الكتاب وما يجب أن ينتهى به من إعطاء الجزية من قبيل الاستطراد، اقتضاه ما ذكر قبله من أحكام قتال المشركين ومعاملتهم، وقد ختم الكلام في أهل الكتاب ببيان حال كثير من رجال الدين الذين أفسدت عليهم دينهم المطامع المالية، التي هي وسيلة العظمة الدنيوية والشهوات الحيوانية، وإنذار من كانت هذه حالهم بالعذاب الشديد يوم القيامة وجعل هذا الإنذار موجها إلينا وإليهم جميعا..» .

والعدة- في قوله. إن عدة الشهور-: على وزن فعله من العدد وهي بمعنى المعدود. قال الراغب: العدة: هي الشيء المعدود، قال- تعالى وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أى: وما جعلنا عددهم إلا فتنة للذين كفروا..

والشهور: جمع شهر. والمراد بها هنا: الشهور التي تتألف منها السنة القمرية وهي شهور. المحرم. وصفر. وربيع الأول.. إلخ.

وهذه الشهور عليها مدار الأحكام الشرعية، وبها يعتد المسلمون في عبادتهم وأعيادهم وسائر أمورهم.

والمراد بقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: الوقت الذي خلقهما فيه، وهو ستة أيام كما جاء في كثير من الآيات، ومن ذلك قوله- تعالى- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.

والمعنى: إن عدد الشهور «عند الله» أى: في حكمه وقضائه اثْنا عَشَرَ شَهْراً هي الشهور القمرية التي عليها يدور فلك الأحكام الشرعية.

وقوله فِي كِتابِ اللَّهِ، أى: في اللوح المحفوظ.

قال القرطبي: وأعاده بعد أن قال عِنْدَ اللَّهِ لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله، كقوله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.

وقيل معنى «في كتاب الله» أى فيما كتبه- سبحانه- وأثبته وأوجب على عباده العمل به منذ خلق السموات والأرض.

قال الجمل: وقوله. فِي كِتابِ اللَّهِ صفة لاثنى عشر، وقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ متعلق بما تعلق به الظرف قبله من معنى الثبوت والاستقرار، أو بالكتاب، إن جعل مصدرا.

والمعنى: أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة أى: أن المقصود من هذه الآية الكريمة، بيان أن كون الشهور كذلك حكم أثبته- سبحانه- في اللوح المحفوظ منذ أوجد هذا العالم، وبينه لأنبيائه على هذا الوضع.. فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور، والتزام أحكامها ونبذ ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم بعض الشهور أو تأخيرها أو الزيادة عليها، أو انتهاك حرمة المحرم منها.

وقوله، حُرُمٌ جمع حرام- كسحب جمع سحاب- مأخوذ من الحرمة وذلك لأن الله تعالى- أوجب على الناس احترام هذه الشهور، ونهى عن القتال فيها:

وقد أجمع العلماء على أن المراد بها ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد أخرج البخاري عن أبى بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .

وسماه صلى الله عليه وسلم رجب مضر، لأن بنى ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا وكانت قبيلة مضر تحرم رجبا نفسه، لذا قال صلى الله عليه وسلم فيه «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .

قال ابن كثير. وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد. وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل الحج شهرا وهو ذو القعدة يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج، ويشتغلون بأداء المناسك، وحرم بعده شهرا آخر هو المحرم، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعود إلى ما شرعه الله- تعالى من أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا، ومن أن منها أربعة حرم.

والقيم: القائم الثابت المستقيم الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج أى: ذلك الذي شرعناه لكم من كون عدة الشهور كذلك، ومن كون منها أربعة حرم: هو الدين القويم، والشرع الثابت الحكيم، الذي لا يقبل التغيير أو التبديل.. لا ما شرعه أهل الجاهلية لأنفسهم من تقديم بعض الشهور وتأخير بعضها استجابة لأهوائهم وشهواتهم، وإرضاء لزعمائهم وسادتهم.

والضمير المؤنث في قوله فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يرى ابن عباس أنه يعود على جميع الشهور أى: فلا تظلموا في الشهور الاثنى عشر أنفسكم، بأن تفعلوا فيها شيئا مما نهى الله عن فعله، ويدخل في هذا النهى هتك حرمة الأشهر الأربعة الحرم دخولا أوليا.

ويرى جمهور العلماء أن الضمير يعود إلى الأشهر الأربعة الحرم، لأنه إليها أقرب لأن الله تعالى قد خص هذه الأربعة بمزيد من الاحترام تشريفا لها.

وقد رجح ابن جرير ما ذهب إليه الجمهور فقال ما ملخصه: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسكم باستحلال حرامها، فإن الله عظمها وعظم حرمتها.

وعن قتادة: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالى ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم.. فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فقد يكون مباحا لنا ظلم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة.

قيل: ليس ذلك كذلك، بل ذلك حرام علينا في كل وقت ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الأشهر وشرفهن على سائر شهور السنة: فخص الذنب فيهن، بالتعظيم كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله- تعالى- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، ولكنه تعالى- زادها تعظيما، وعلى المحافظة عليها توكيدا، وفي تضييعها تشديدا، فكذلك في قوله مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.

وقد كانت الجاهلية تعظم هذه الأشهر الحرم وتحرم القتال فيهن، حتى لو لقى الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه.

وقال القرطبي: لا يقال كيف جعلت بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض فإنا نقول:

للباري- تعالى- أن يفعل ما شاء، ويخص بالفضيلة ما يشاء ليس لعمله علة، ولا عليه حجر، بل يفعل ما يريد بحكمته، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى.

وقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً تحريض للمؤمنين على قتال المشركين بقلوب مجتمعة، وعزيمة صادقة.

وكلمة كَافَّةً مصدر في موضع الحال من ضمير الفاعل في قاتِلُوا أو من المفعول وهو لفظ المشركين، ومعناها: جميعا.

وقالوا: وهذه الكلمة من الكلمات التي لا تثنى ولا تجمع ولا تدخلها أل ولا تعرب إلا حالا فهي ملتزمة للإفراد والتأنيث مثل: عامة وخاصة .

أى: قاتلوا- أيها المؤمنون- المشركين جميعا، كما يقاتلونكم هم جميعا، بأن تكونوا في قتالكم لهم مجتمعين متعاونين متناصرين، لا مختلفين ولا متخاذلين.

وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ تذييل قصد به إرشادهم إلى ما ينفعهم في قتالهم لأعدائهم بعد أمرهم به.

أى: واعلموا- أيها المؤمنون أن الله تعالى- مع عباده المتقين بالعون والنصر والتأييد، ومن كان الله معه فلن يغلبه شيء فكونوا- أيها المؤمنون من عباد الله المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى عنه لتنالوا عونه وتأييده.

قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، أخبرنا محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حجته ، فقال : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة [ حرم ، ثلاثة ] متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . ثم قال : أي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى . ثم قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلى . ثم قال : أي بلد هذا ؟ . قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليست البلدة ؟ قلنا : بلى . قال : فإن دماءكم وأموالكم - قال : وأحسبه قال : وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا هل بلغت ؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب منكم ، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه .

ورواه البخاري في التفسير وغيره ، ومسلم من حديث أيوب ، عن محمد - وهو ابن سيرين - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، به .

وقد قال ابن جرير : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا روح ، حدثنا أشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ، ورجب مضر بين جمادى وشعبان .

ورواه البزار ، عن محمد بن معمر به ، ثم قال : لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ، وقد رواه ابن عون وقرة ، عن ابن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، به .

وقال ابن جرير أيضا : حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، حدثنا زيد بن حباب ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي ، حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال : أيها الناس ، إن الزمان قد استدار ، فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .

وروى ابن مردويه من حديث موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، مثله أو نحوه .

وقال حماد بن سلمة : حدثني علي بن زيد ، عن أبي حرة حدثني الرقاشي ، عن عمه - وكانت له صحبة - قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوسط أيام التشريق ؛ أذود الناس عنه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ، منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .

وقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو معاوية ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( منها أربعة حرم ) قال : محرم ، ورجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض - تقرير منه صلوات الله وسلامه عليه ، وتثبيت للأمر على ما جعله الله تعالى في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ، ولا زيادة ولا نقص ، ولا نسيء ولا تبديل ، كما قال في تحريم مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وهكذا قال هاهنا : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض أي : الأمر اليوم شرعا كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السماوات والأرض .

وقد قال بعض المفسرين والمتكلمين على هذا الحديث : إن المراد بقوله : قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، أنه اتفق أن حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة في ذي الحجة ، وأن العرب قد كانت نسأت النسيء ، يحجون في كثير من السنين ، بل أكثرها ، في غير ذي الحجة ، وزعموا أن حجة الصديق في سنة تسع كانت في ذي القعدة ، وفي هذا نظر ، كما سنبينه إذا تكلمنا على النسيء .

وأغرب منه ما رواه الطبراني ، عن بعض السلف ، في جملة حديث : أنه اتفق حج المسلمين واليهود والنصارى في يوم واحد ، وهو يوم النحر ، عام حجة الوداع ، والله أعلم .

[ حاشية فصل ] .

ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه " المشهور في أسماء الأيام والشهور " : أن المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما ، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه ؛ لأن العرب كانت تتقلب به ، فتحله عاما وتحرمه عاما ، قال : ويجمع على محرمات ، ومحارم ، ومحاريم .

صفر : سمي بذلك لخلو بيوتهم منه ، حين يخرجون للقتال والأسفار ، يقال : " صفر المكان " : إذا خلا ويجمع على أصفار كجمل وأجمال .

شهر ربيع الأول : سمي بذلك لارتباعهم فيه . والارتباع الإقامة في عمارة الربع ، ويجمع على أربعاء كنصيب وأنصباء ، وعلى أربعة ، كرغيف وأرغفة .

ربيع الآخر : كالأول .

جمادى : سمي بذلك لجمود الماء فيه . قال : وكانت الشهور في حسابهم لا تدور . وفي هذا نظر ؛ إذ كانت شهورهم منوطة بالأهلة ، ولا بد من دورانها ، فلعلهم سموه بذلك ، أول ما سمي عند جمود الماء في البرد ، كما قال الشاعر :

وليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر العبد في ظلماتها الطنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة

حتى يلف على خرطومه الذنبا

ويجمع على جماديات ، كحبارى وحباريات ، وقد يذكر ويؤنث ، فيقال : جمادى الأولى والأول ، وجمادى الآخر والآخرة .

رجب : من الترجيب ، وهو التعظيم ، ويجمع على أرجاب ، ورجاب ، ورجبات .

شعبان : من تشعب القبائل وتفرقها للغارة ويجمع على شعابين وشعبانات .

ورمضان : من شدة الرمضاء ، وهو الحر ، يقال : " رمضت الفصال " : إذا عطشت ، ويجمع على رمضانات ورماضين وأرمضة قال : وقول من قال : " إنه اسم من أسماء الله " ، خطأ لا يعرج عليه ، ولا يلتفت إليه .

قلت : قد ورد فيه حديث ؛ ولكنه ضعيف ، وبينته في أول كتاب الصيام .

شوال : من شالت الإبل بأذنابها للطراق ، قال : ويجمع على شواول وشواويل وشوالات .

القعدة : بفتح القاف - قلت : وكسرها - لقعودهم فيه عن القتال والترحال ، ويجمع على ذوات القعدة .

الحجة : بكسر الحاء - قلت : وفتحها - سمي بذلك لإيقاعهم الحج فيه ، ويجمع على ذوات الحجة .

أسماء الأيام : أولها الأحد ، ويجمع على آحاد ، وأحاد ووحود . ثم يوم الاثنين ، ويجمع على أثانين . الثلاثاء : يمد ، ويذكر ويؤنث ، ويجمع على ثلاثاوات وأثالث . ثم الأربعاء بالمد ، ويجمع على أربعاوات وأرابيع . والخميس : يجمع على أخمسة وأخامس ، ثم الجمعة - بضم الميم ، وإسكانها ، وفتحها أيضا - ويجمع على جمع وجمعات .

السبت : مأخوذ من السبت ، وهو القطع ؛ لانتهاء العدد عنده . وكانت العرب تسمي الأيام أول ، ثم أهون ، ثم جبار ، ثم دبار ، ثم مؤنس ، ثم العروبة ، ثم شيار ، قال الشاعر - من العرب العرباء العاربة المتقدمين - :

أرجي أن أعيش وأن يومي بأول أو بأهون أو جبار

أو التالي دبار فإن أفته فمؤنس أو عروبة أو شيار

وقوله تعالى : ( منها أربعة حرم ) فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية تحرمه ، وهو الذي كان عليه جمهورهم ، إلا طائفة منهم يقال لهم : " البسل " ، كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر ، تعمقا وتشديدا .

وأما قوله : " ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، [ فإنما أضافه إلى مضر ، ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان ] لا كما كانت تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال ، وهو رمضان اليوم ، فبين عليه [ الصلاة و ] السلام أنه رجب مضر لا رجب ربيعة . وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ، ثلاثة سرد وواحد فرد ؛ لأجل أداء مناسك الحج والعمرة ، فحرم قبل شهر الحج شهر ، وهو ذو القعدة ؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال ، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك ، وحرم بعده شهر آخر ، وهو المحرم ؛ ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب في وسط الحول ، لأجل زيارة البيت والاعتمار به ، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا .

وقوله تعالى : ( ذلك الدين القيم ) أي : هذا هو الشرع المستقيم ، من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم ، والحذو بها على ما سبق في كتاب الله الأول .

وقال تعالى : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : في هذه الأشهر المحرمة ؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ، لقوله تعالى : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ الحج : 25 ] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي ، وطائفة كثيرة من العلماء ، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم .

وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) قال : في الشهور كلها .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) الآية ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) في كلهن ، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ، وعظم حرماتهن ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .

وقال قتادة في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء . قال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الأيام يوم الجمعة ، واصطفى من الليالي ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل .

وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية : بألا تحرموهن كحرمتهن .

وقال محمد بن إسحاق : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حراما ، كما فعل أهل الشرك ، فإنما النسيء الذي كانوا يصنعون من ذلك زيادة في الكفر ( يضل به الذين كفروا ) الآية [ التوبة : 37 ] . .

وهذا القول اختيار ابن جرير .

وقوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) أي : جميعكم ( كما يقاتلونكم كافة ) أي : جميعهم ، ( واعلموا أن الله مع المتقين )

وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام : هل هو منسوخ أو محكم ؟ على قولين :

أحدهما - وهو الأشهر : أنه منسوخ ؛ لأنه تعالى قال هاهنا : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) وأمر بقتال المشركين ، وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرا عاما ، فلو كان محرما في الشهر الحرام لأوشك أن يقيده بانسلاخها ؛ ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف في شهر حرام - وهو ذو القعدة - كما ثبت في الصحيحين : أنه خرج إلى هوازن في شوال ، فلما كسرهم واستفاء أموالهم ، ورجع فلهم ، فلجئوا إلى الطائف - عمد إلى الطائف فحاصرها أربعين يوما ، وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام .

والقول الآخر : أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام ، وأنه لم ينسخ تحريم الحرام ، لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ) [ الآية ] [ المائدة : 2 ] وقال : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) الآية [ البقرة : 194 ] وقال : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) [ الآية ] [ التوبة : 50 ] .

وقد تقدم أنها الأربعة المقررة في كل سنة ، لا أشهر التسيير على أحد القولين .

وأما قوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) فيحتمل أنه منقطع عما قبله ، وأنه حكم مستأنف ، ويكون من باب التهييج والتحضيض ، أي : كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم ، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ، ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ، كما قال تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) [ البقرة : 194 ] وقال تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) الآية [ البقرة : 191 ] ، وهكذا الجواب عن حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف ، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام ، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف ، فإنهم هم الذين ابتدءوا القتال ، وجمعوا الرجال ، ودعوا إلى الحرب والنزال ، فعندما قصدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم ، فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم ، فنالوا من المسلمين ، وقتلوا جماعة ، واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما . وكان ابتداؤه في شهر حلال ، ودخل الشهر الحرام ، فاستمر فيه أياما ، ثم قفل عنهم لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، وهذا هو أمر مقرر ، وله نظائر كثيرة ، والله أعلم . ولنذكر الأحاديث الواردة في ذلك وقد حررنا ذلك في السيرة ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن عدة شهور السنة اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى =(يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، يقول: هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن, حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر وثلاثة متواليات، ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

16684- حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن حباب قال، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: حدثني صدقة بن يسار, عن ابن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق, فقال: " يا أيها الناس, إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم, أوّلهن رجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ". (52)

16685- حدثنا محمد بن معمر قال، حدثنا روح قال، حدثنا أشعث عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات، ورجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان ". (53)

16686- حدثنا يعقوب قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال، حدثنا أيوب, عن محمد بن سيرين, عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض, السنة اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان ". (54)

16687- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سليمان التيمي قال، حدثني رجل بالبحرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجبُ الذي بين جمادى وشعبان ".

16688- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن ابن أبي نجيح قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: " ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب الذي بين جمادى وشعبان ".

16689- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم منًى: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ".

* * *

وهو قول عامة أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16690- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، أما(أربعة حرم)، فذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب. وأما(كتاب الله)، فالذي عنده.

16691- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا)، قال: يعرف بها شأن النسيء ما نقص من السنة.

16692- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله)، قال: يذكر بها شأن النسيء.

* * *

وأما قوله: (ذلك الدين القيم)، فإن معناه: هذا الذي أخبرتكم به, من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله, وأن منها أربعة حرمًا: هو الدين المستقيم, كما:-

16693- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ذلك الدين القيم)، يقول: المستقيم.

16694- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (ذلك الدين القيم)، قال: الأمر القيم. يقول: قال تعالى: واعلموا، أيها الناس، أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن, وأن من هذه الاثنى عشر شهرًا أربعةُ أشهرٍ حرمًا، ذلك دين الله المستقيم, لا ما يفعله النسيء من تحليله ما يحلل من شهور السنة، وتحريمه ما يحرِّمه منها. (55)

وأما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، فإن معناه: فلا تعصوا الله فيها, ولا تحلُّوا فيهن ما حرَّم الله عليكم, فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه. كما:-

16695- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: الظلم العمل بمعاصي الله، والترك لطاعته.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في الذي عادت عليه " الهاء "، و " النون " في قوله: (فيهن).

فقال بعضهم: عاد ذلك على " الاثنى العشر الشهر ", (56) وقال: معناه: فلا تظلموا في الأشهر كلِّها أنفسكم.

* ذكر من قال ذلك:

16696- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، في كلِّهن. ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.

16697- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو, عن حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: في الشهور كلها.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في الأربعة الأشهر الحرُم أنفسكم = و " الهاء والنون " عائدة على " الأشهر الأربعة ".

* ذكر من قال ذلك:

16698- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، فإن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووِزْرًا، من الظلم فيما سواها, وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء. وقال: إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسُلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكرَه, واصطفى من الأرض المساجد, واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهر الحرم, واصطفى من الأيام يوم الجمعة, واصطفى من الليالي ليلةَ القدر, فعظِّموا ما عظم الله, فإنما تعظم الأمور بما عظَّمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في تصييركم حرامَ الأشهر الأربعة حلالا وحلالها حرامًا = أنفسَكم.

* ذكر من قال ذلك:

16699- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا)، إلى قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، : أي: لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حرامًا, كما فعل أهل الشرك، فإنما النسيء، الذي كانوا يصنعون من ذلك، زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، الآية. (57)

166700- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: " ظلم أنفسكم "، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.

16701- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد بن علي: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: " ظلم أنفسكم "، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.

16702- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد, بنحوه.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قولُ من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسَكم، باستحلال حرامها, فإن الله عظمها وعظَّم حرمتها.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في تأويله، لقوله: (فلا تظلموا فيهن)، فأخرج الكناية عنه مُخْرَج الكناية عن جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة. وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة، إذا كَنَتْ عنه: " فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون, ولأربعة أيام بقين " وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين قالت: " فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت, ولأربع عشرة مضت " = فكان في قوله جل ثناؤه: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، وإخراجِه كناية عدد الشهور التي نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم فيهن مخرج عدد الجمع القليل من الثلاثة إلى العشرة، الدليلُ الواضح على أن " الهاء والنون "، من ذكر الأشهر الأربعة، دون الاثنى العشر. لأن ذلك لو كان كناية عن " الاثنى عشر شهرًا "، لكان: فلا تظلموا فيها أنفُسكم. (58)

* * *

فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كنايةً عن " الاثنى عشر ", وإن كان الذي ذكرت هو المعروف في كلام العرب؟ فقد علمت أن [من] المعروف من كلامها، (59) إخراجُ كناية ما بين الثلاث إلى العشر، بالهاء دون النون, وقد قال الشاعر: (60)

أَصْبَحْـنَ فِـي قُـرْحٍ وَفِـي دَارَاتِهـا

سَــبْعَ لَيَــالٍ غَــيْرَ مَعْلُوفَاتِهَــا (61)

ولم يقل: " معلوفاتهن ", وذلك كناية عن " السبع "؟

قيل: إن ذلك وإن كان جائزًا، فليس الأفصحَ الأعرفَ في كلامها. وتوجيهُ كلام الله إلى الأفصح الأعرف، أولى من توجيهه إلى الأنكر.

* * *

فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت, فقد يجب أن يكون مباحًا لنا ظُلْم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة؟

قيل: ليس ذلك كذلك, بل ذلك حرام علينا في كل وقتٍ وزمانٍ, ولكن الله عظَّم حرمة هؤلاء الأشهر وشرَّفهن على سائر شهور السنة, فخصّ الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصّهن بالتشريف, وذلك نظير قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة: 238]، ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ، ولم يبح ترك المحافظة عليهن، بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى, ولكنه تعالى ذكره زادَها تعظيمًا، وعلى المحافظة عليها توكيدًا وفي تضييعها تشديدًا. فكذلك ذلك في قوله: (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)،.

* * *

وأما قوله: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، فإنه يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين, مؤتلفين غير مفترقين, كما يقاتلكم المشركون جميعًا، مجتمعين غير متفرقين، كما:-

16703- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، أما " كافة "، فجميع، وأمركم مجتمع.

16704- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وقاتلوا المشركين كافة)، يقول: جميعًا.

* * *

16705- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وقاتلوا المشركين كافة)، : أي: جميعا.

* * *

و " الكافة " في كل حال على صورة واحدة، لا تذكّر ولا تجمع, لأنها وإن كانت بلفظ " فاعلة "، فإنها في معنى المصدر، ك " العافية " و " العاقبة ", ولا تدخل العربُ فيها " الألف واللام "، لكونها آخر الكلام، مع الذي فيها من معنى المصدر, كما لم يدخلوها إذا قاتلوا: " قاموا معًا "، و " قاموا جميعا ". (62)

* * *

وأما قوله: (واعلموا أن الله مع المتقين)، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون بالله، أنكم إن قاتلتم المشركين كافة, واتقيتم الله فأطعتموه فيما أمركم ونهاكم، ولم تخالفوا أمره فتعصوه, كان الله معكم على عدوكم وعدوه من المشركين، ومن كان الله معه لم يغلبه شيء, (63) لأن الله مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه.

------------------------

الهوامش:

(52) الأثر : 16684 - " موسى بن عبد الرحمن المسروقي " ، شيخ الطبري ، مضى مرارا ، آخرها رقم 8906 .

و " زيد بن حباب العكلي " ، مضى مرارا ، منها رقم : 11134 .

و " موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي " ، ضعيف جدا ، منكر الحديث مضى مرارا ، منها رقم : 11134 .

و " صدقة بن يسار الجزري " ، مكي ثقة ، روى عن ابن عمر . مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2/ 294 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 428 .

وهذا إسناد ضعيف ، لضعف موسى بن عبيدة الربذي .

(53) الأثر : 16685 - "محمد بن معمر بن ربعي البحراني"، شيخ الطبري، ثقة من شيوخ البخاري ومسلم، مضى برقم: 241 ، 3056 ، 5393 .

و "روح"، هو "روح بن عبادة القيسي"، ثقة، مضى مرارًا كثيرة .

و "أشعث"، هو "أشعث بن عبد الملك الحمراني"، ثقة مأمون، مترجم في التهذيب، والكبير 1 1 431 ، وابن أبي حاتم 1 1 275 .

وهذا الخبر ، نقله ابن كثير في تفسيره 4 : 160، عن هذا الوضع، ثم قال: "رواه البزار، عن محمد بن معمر، به، ثم قال: لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه".

(54) الأثر: 16686 - هذا خبر منقطع الإسناد، لأن محمد بن سيرين لم يسمع من أبي بكرة، ووصله البخاري في مواضع صحيحه، من طريق "أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة" (الفتح 1: 145 ، 177 ، 178 3 : 459 6 : 210 ، 211 8 : 83 ، 244)، مطولا.

ووصله مسلم أيضًا في صحيحه 11 : 167.

ورواه أحمد في مسنده 5 : 37، منقطعا، كما رواه الطبري، وقد استوفى الحافظ ابن حجر، تفصيل القول في ذلك في الفتح، في المواضع التي ذكرتها آنفًا.

والحديث صحيح متفق عليه.

(55) "النسئ"، هكذا جاءت في المخطوطة أيضًا، بمعنى "الناسئ"، وهو الذي كان يحلل لهم الشهر ويحرمه. وأخشى أن يكون وهمًا من الناسخ، فإن "النسئ" على وزن "فعيل"، وهو بمعنى "مفعول"، أو مصدر "نسأ الشهر" ، ولم أرهم قالوا في الرجل إلا "ناسئ"، وجمعه "نسأة"، مثل "فاسق" و "فسقة".

وانظر ما سيأتي في تفسير "النسئ" ص : 343، والخبر رقم : 16708 ، 16709 ، والتعليق هناك.

(56) في المطبوعة: "على الاثنى عشر شهرًا"، وأثبت ما في المخطوطة.

(57) الأثر: 16699 - سيرة ابن هشام 4 : 193، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16615.

(58) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 435 .

(59) في المطبوعة والمخطوطة: "أن المعروف من كلامها"، والسياق يقتضي إثبات ما أثبت بين القوسين، لأن هذا القائل، أقر أولا بأن ما قاله الطبري هو "المعروف من كلامها"، أي المشهور المتفق عليه. فالجيد أن يعترض عليه بشيء آخر، هو "الجائز في كلامها" ، فمن أجل هذا المعنى زدت " من " بين القوسين ، ليستقيم منطق الكلام .

(60) هو عمر بن لجأ التيمي.

(61) حماسة أبي تمام 4 : 157 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 435 . واللسان ( قرح ) ، غير منسوبة ودل على أنها لعمر بن لجأ ، أبيات رواها الأصمعي في الأصمعيات ص : 25 ، 26 و " قرح " ( بضم القاف وسكون الراء ) ، هو سوق وادي القرى ، صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنى به مسجدا ، ورواية الحماسة واللسان ، " حبسن في قرح " .

(62) انظر تفسير " كافة " فيما سلف 4 : 257 ، 258 ، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 436 .

(63) انظر تفسير " مع " فيما سلف 13 : 576 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

المعاني :

كِتَابِ اللهِ :       اللَّوْحِ المَحْفُوظِ السراج
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ :       حَرَّمَ اللهُ فِيهَا القِتَالَ، وَهِيَ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ السراج
أربعة حُرُم :       رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرّم معاني القرآن
الدّين القيّم :       الدّين المستقيم دين إبراهيم صلى الله عليه و سلم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ بينها لارتباط العبادات كالحج والصيام بها: الأشياء المهمة زدها بيانًا، وإن كانت معلومة.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ فيها أن أحكام الشرع المعلقة على الشهور تعتبر فيها الأشهر الهلالية العربية، لا الشمسية العادية.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ دلت الآية أن الواجب تعليق أحكام العبادات وغيرها بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون شهور العجم والروم، وإن لم تزد على اثني عشر شهرًا، لقوله: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾، وهي خاصة بشهور العرب.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق أحكام العبادات وغيرها بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم، والروم، والقبط.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ الحسنات تضاعف فيهنّ والسيئات تعظم.
وقفة
[36] ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ فلنعظّمها بترك المعاصي.
وقفة
[36] قال تعالى في الأشهر الحرم -وهي: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، ورجب-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ قال ابن عباس: «اختص من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حرمًا وعظم حرمتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم».
عمل
[36] ابدأ من اليوم بإظهار الأشهر الهجرية في تعاملاتك قدر استطاعتك؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾.
وقفة
[36] ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب، سميت بذلك: لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها.
وقفة
[36] ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)﴾ كم من الرحمة يحمله هذا النهي وهذا التحذير! فحرمات الله عظيمة سائر الشهور لكن لأنها أعظم في الأشهر الحرم استدعت تحذيرًا خاصًا من الرب الرحيم الرفيق سبحانه.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ فلا تعصوا الله فيها، ولا تحلوا ما حرم الله عليكم؛ فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ قال قتادة: «الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها».
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ أعظم الظلم ظلم النفس، ويقع بمعصية الله وترك طاعته.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ قال قتادة: «إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، وكأن الله يعظم من أمره ما شاء».
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ ظلمكم لأنفسكم هو إضرار منكم بأنفسكم، ولن تضروا الله شيئًا، فكل ما أمر الله به تحريمًا وتحليلًا هو لصالحكم، وكل عصیان له يضركم.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ أرأيت إنسانًا يظلم نفسه؟ نعم، ستراه حين ينتهك حرمة زمان نهاه ربه عن أن يظلم فيه نفسه.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ بمعصية الله وترك طاعته.
وقفة
[36] ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ رحم الله عبدًا عظّم ما عظمه الله، فإن ذلك من تقوى القلوب.
وقفة
[36] عشر ذي الحجة من أعظم أيام الأشهر الحرم ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾، ومن ظلم النفس: تضييعها في غير ما يقرب إلى الله، قال الحسن البصري: «أدركت أقوامًا كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم».
وقفة
[36] ليس المسلم الحق بالذي تدخل عليه هذه الأشهر -التي عظم الله شأنها- وهو لا يبالي بما ينتهك فيها من المعاصي، وتعدي حدود الله، فإن الله تعالى قال فيها: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.
وقفة
[36] قال تعالى في الأشهر الحرم ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ ولم يقل: (تظلموا غيركم)؛ ليشمل أي معصية، ومن ذلك ظلم الغير من باب أولى، فكل هذا ظلم للنفس.
وقفة
[36] ونحن نستقبل الأشهر الحرم جديرٌ بالمربين والخطباء بيان أحكامها وفضائلها؛ تعظيمًا لشعائر الله عز وجل، فالأشهر الحرم أربعة: رجب وهو شهر فرد، وثلاثة أشهر سرد: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، يقول الله عز وجل عنها: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.
وقفة
[36] السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان: كقوله تعالى: ﴿ومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25]، أو حرمة الزمان: كقوله تعالى في الأشهر الحرام: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾، أو بسبب عظم الإنسان المخالف: كقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: ٧٤-٧٥].
وقفة
[36] ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ قال القشيري: «ولا سلاح أمضى على العدو من تبريك (تبرئك) عن حولك وقوتك».
وقفة
[36] ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصًا عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.
عمل
[36] ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ فلتكُن شعارك في كلّ أحوالك فما خاب من كان الله في معيّته.
عمل
[36] ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ احرص على تقوى الله في السر والعلن، خصوصًا عند قتال الكفار؛ لأن المؤمن يتقي الله في كل أحواله.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.عدة: اسم «إِنَّ» منصوب بالفتحة. الشهور: مضاف اليه مجرور بالكسرة عند: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بعدة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ اثْنا عَشَرَ شَهْراً:
  • آثنا: خبر «إِنَّ» مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى وحذفت نونه للاضافة. عشر: الجزء الثاني: مبني على الفتح في محل جر.بالاضافة أو هو بمثابة النون من المثنى. شهرا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فِي كِتابِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من العدة. الله: لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أي في حكم كتاب الله.
  • ﴿ يَوْمَ خَلَقَ:
  • يوم: ظرف زمان منصوب بالفتحة وهو مضاف. خلق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «خَلَقَ» في محل جر بالاضافة بمعنى: منذ خلق الله تعالى.
  • ﴿ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ:
  • السموات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والأرض: معطوفة بالواو على «السَّماواتِ» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة.
  • ﴿ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ:
  • منها: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم أي من هذه الشهور. أربعة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. حرم: صفة- نعت- لأربعة مرفوعة مثلها بالضمة المنونة وهي جمع «حرام».
  • ﴿ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.اللام: للبعد والكاف للخطاب أي ذلك التحريم أي تحريم الأشهر الأربعة.الدين: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو مرفوع بالضمة. القيم: صفة للدين مرفوعة مثله بالضمة. والجملة الاسمية «هو الدين» القيم» في محل رفع خبر المبتدأ «ذلِكَ».
  • ﴿ فَلا تَظْلِمُوا:
  • الفاء: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تظلموا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتظلموا. هن: ضمير مبهم قيل يعود الى الأشهر الحرم أي فيها مبني على الفتح في محل جر بفي. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً:
  • الواو: استئنافية. قاتلوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. المشركين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. كافة: حال من المشركين منصوب بالفتحة المنونة.
  • ﴿ كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً:
  • الكاف: حرف جر. ومعناها التشبيه. ما:مصدرية. يقاتلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. كافة: حال من الواو: أو الكاف أي من الفاعل أو المفعول منصوب بالفتحة المنونة «ما» المصدرية وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالكاف «حرف الجر» والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق محذوف. التقدير: قاتلوا المشركين كافة أي جميعا متساندين قتالا كقتالهم لكم جميعا متعاونين. وجملة «يُقاتِلُونَكُمْ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ:
  • واعلموا: معطوفة بالواو على «قاتِلُوا» وتعرب إعرابها.أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ مَعَ الْمُتَّقِينَ:
  • مع: ظرف مكان متعلق بخبر «إِنَّ» المحذوف وهو مضاف.المتقين: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته وأنّ وما تلاها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «اعْلَمُوا». '

المتشابهات :

التوبة: 36﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
يوسف: 40﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
الروم: 30﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     6- تلاعب المشركين بالأشهرِ الحُرُمِ، (النَّسِيء: تأخيرُ حرمةِ شهرٍ ووقتِه إلى شهرٍ آخَر)، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

اثنا عشر:
وقرئ:
1- بإسكان العين مع إثبات الألف، وهو جمع بين ساكنين على غير حده، وهى قراءة ابن القعقاع، وهبيرة عن حفص.
2- بإسكان الشين، وهى قراءة طلحة.

البحث بالسورة

البحث في المصحف