66122123124125126127128129130131132

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (122) الى الآية رقم (127) عدد الآيات (6)

ما وقعَ لبني سَلِمَةَ وبني حارثةَ لمَّا ضعفُوا وهَمُّوا بالرجوعِ حينَ رجعَ المنافقونَ في غزوةِ أُحدٍ واللهُ ثبَّتَهم، ثُمَّ التذكيرُ بالنَّصرِ في غزوةِ بَدْرٍ ونزولِ الملائكةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (128) الى الآية رقم (132) عدد الآيات (5)

بعدَ ذكرِ غزوةِ أُحدٍ والتذكيرِ بنصرِ بَدْرٍ بَيَّنَ اللهُ أنَّ الأمرَ له وحدَهُ والجميعُ مِلكٌ له، وناسبَهُ ذكرُ الرِّبا لأنَّ صاحبَه مهزومٌ في حربِه معَ اللهِ، كما ناسبَ ذكرَ أُحدٍ الأمرُ بطاعةِ اللهِ ورسولِه.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟: آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة:: تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة:: أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم :: آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية :: تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة :: كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة :: أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة :: أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾

مدارسة الآية : [122] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن ..

التفسير :

[122] اذكر -أيها النبي- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبدالله بن أُبَيٍّ؛ خوفاً من لقاء العدو، ولكن الله عصمهم وحفظهم، فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.

ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه، لما{ همت طائفتان} من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهما الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين، فلهذا قال{ والله وليهما} أي:بولايته الخاصة، التي هي لطفه بأوليائه، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما، لما معهما من الإيمان كما قال تعالى:{ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} ثم قال{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} ففيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة بالله، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله، وأن المؤمنين أولى بالتوكل على الله من غيرهم، وخصوصا في مواطن الشدة والقتال، فإنهم مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له، والتبري من حولهم وقوتهم، والاعتماد على حول الله وقوته، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن، ثم قال تعالى:

ثم ذكر- سبحانه- ما راود قلوب بعض المؤمنين من ضعف وفشل، عند ما رأوا زعيم المنافقين عبد الله بن أبىّ ينخذل بثلث الجيش فقال- تعالى-: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

الهم: هو حديث النفس واتجاهها إلى شيء معين دون أن تأخذ في تنفيذه فإذا أخذت في تنفيذه صار إرادة وعزما وتصميما.

وتفشلا: من الفشل والجبن والخور والضعف. يقال: فشل يفشل فشلا فهو فشل أى جبان ضعيف القلب.

أى: واذكر لهم وقت أن همت طائفتان منكم يا معشر المؤمنين أن تفشلا وتضعفا وتجبنا عن القتال في وقت الشديدة والكريهة.

وقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما أى ناصرهما ويتولى أمرهما.

وهاتان الطائفتان هما بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانتا جناحي الجيش في يوم أحد.

روى الشيخان عن جابر- رضى الله عنه- قال: فينا نزلت إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب أنها لم تنزل لقوله- تعالى- وَاللَّهُ وَلِيُّهُما .

أى: لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله- تعالى- عليهم، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية. وأن ما حدثوا به أنفسهم لم يخرجهم عن ولايته سبحانه لأنهم لم ينساقوا وراء هذا الهم الباطل، بل سرعان ما عادوا إلى يقينهم وإيمانهم الصادق، وطاعتهم لرسولهم صلّى الله عليه وسلّم.

ولذا قال صاحب الكشاف: والطائفتان حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس هموا باتباع عبد الله بن أبى عند ما انخذل بثلث الناس وقال: يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا! فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وعن ابن عباس قال: أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا. والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس. كما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر، ويوطنها على احتمال المكروه. لو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية» «2» .

وقد ختم- سبحانه- الآية بدعوة المؤمنين إلى التوكل عليه وحده فقال: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

والتوكل: تفعل من وكل فلان أمره إلى فلان. إذا اعتمد في كفايته عليه ولم يتوله بنفسه.

والتوكل الحقيقي إنما يكون بعد الأخذ بالأسباب التي شرعها الله- تعالى- ثم بعد ذلك يترك الإنسان النتائج للخالق- عز وجل- يسيرها كيف يشاء. والجملة الكريمة أفادت قصر التوكل على الله وحده، كما يؤذن به تقديم الجار والمجرور.

أى وعلى الله وحده لا على غيره فليكل المؤمنون أمورهم، بعد اتخاذ الأسباب التي أمرهم- سبحانه- باتخاذها، فإنهم متى فعلوا ذلك تولاهم- سبحانه- بتأييده ورعايته.

وقوله : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [ والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] ) قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال : قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [ والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] ) قال : نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة ، وما نحب - وقال سفيان مرة : وما يسرني - أنها لم تنزل ، لقول الله تعالى : ( والله وليهما ) .

وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به . وكذا قال غير واحد من السلف : إنهم بنو حارثة وبنو سلمة .

القول في تأويل قوله : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين "، وإن تصبروا وتتقوا لا يضرُّكم، أيها المؤمنون، كيد هؤلاء الكفار من اليهود شيئًا، ولكن الله ينصرُكم عليهم إن صبرتم على طاعتي واتباع أمر رسولي، كما نصرتكم ببدر وأنتم أذلة. وإن أنتم خالفتم، أيها المؤمنون، أمري ولم تصبروا على ما كلفتكم من فرائضي، ولم تتقوا ما نهيتكم عنه وخالفتم أمري وأمر رسولي، فإنه نازل بكم ما نـزل بكم بأحُد، واذكروا ذلك اليوم، إذ غدا نبيكم يبوئ المؤمنين.

=فترك ذكر الخبر عن أمر القوم إن لم يصبروا على أمر ربهم ولم يتقوه، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام على معناه، إذ ذكر ما هو فاعل بهم من صرف كيد أعدائهم عنهم إن صبروا على أمره واتقوا محارمه، وتعقيبه ذلك بتذكيرهم ما حلّ بهم من البلاء بأحُد، إذ خالف بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنازعوا الرأي بينهم.

=وأخرج الخطاب في قوله: " وإذ غدوت من أهلك "، على وجه الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بمعناه: الذين نهاهم أن يتخذوا الكفار من اليهود بطانة من دون المؤمنين. فقد بيَّن إذًا أن قوله: " وإذ "، إنما جرَّها في معنى الكلام على ما قد بينت وأوضحت.

* * *

وقد اختلف أهل التأويل في اليوم الذي عنى الله عز وجل بقوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال ".

فقال بعضهم: عنى بذلك يوم أحُد.

*ذكر من قال ذلك:

7708- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال "، قال: مشى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على رجليه يبوئ المؤمنين.

7709- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال "، ذلك يوم أحد، غدا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحُد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال.

7710- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال "، فغدا النبي صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال.

7711- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال "، فهو يوم أحد.

7712- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين "، قال: هذا يوم أحد.

7713- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: مما نـزل في يوم أحد: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين ". (61)

* * *

وقال آخرون: عنى بذلك يوم الأحزاب.

*ذكر من قال ذلك:

7714- حدثني محمد بن سنان القزاز قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، &; 7-161 &; حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " وإذ غدوتَ من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال "، قال: يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، غدا يبوئ المؤمنين مقاعدَ للقتال يوم الأحزاب.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بالصواب قول من قال: " عنى بذلك يوم أحد ". لأن الله عز وجل يقول في الآية التي بعدها: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ، ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عُنى بالطائفتين: بنو سلمة وبنو حارثة، (62) ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّ الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد، دون يوم الأحزاب.

* * *

فإن قال لنا قائل: وكيف يكون ذلك يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رَاح إلى أحُد من أهله للقتال يوم الجمعة بعد ما صلى الجمعة في أهله بالمدينة بالناس، كالذي حدثكم:-

7715- ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راح حين صلَّى الجمعة إلى أحُد، دخل فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج عليهم وقال: " ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل "؟. (63)

* * *

قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان خروجه للقوم كان رَواحًا، (64) فلم يكن تبوئته للمؤمنين مقاعدَهم للقتال عند خروجه، بل كان ذلك قبل خروجه لقتال عدوّه. وذلك أنّ المشركين نـزلوا منـزلهم من أحُد -فيما بلغنا- يوم الأربعاء، فأقاموا به ذلك اليوم ويومَ الخميس ويومَ الجمعة، حتى راح رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يوم الجمعة، بعد ما صَلى بأصحابه الجمعة، فأصبح بالشِّعب من أحد يوم السبت للنصف من شوّال.

7716- حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن وغيرهم. (65)

* * *

فإن قال: وكيف كانت تبوئته المؤمنين مقاعدَ للقتال غُدُوًّا قبل خروجه، وقد علمت أن " التبوئة "، اتخاذ الموضع.

قيل: كانت تبوئته إياهم ذلك قبل مناهضة عدوه، عند مشورته على أصحابه بالرأي الذي رآه لهم، بيوم أو يومين، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بنـزول المشركين من قريش وأتباعها أحُدًا قال = فيما:-

7717- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي = لأصحابه: " أشيروا عليَّ ما أصنع؟" فقالوا: يا رسول الله، اخرج إلى هذه الأكلُب! فقالت الأنصار: يا رسول الله، ما غلبنا عدوٌّ لنا أتانا في ديارنا، فكيف وأنت فينا!! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبيّ ابن سلول، ولم يدعه قط قبلها، فاستشاره، فقال: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هذه الأكلب! &; 7-163 &; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة، فأتاه النعمان بن مالك الأنصاري فقال: يا رسول الله لا تحرمني الجنة، فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة! فقال له: بم؟ قال: بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأني لا أفرُّ من الزحف! قال: " صدقت ". فقُتل يومئذ. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوه وقد لبس السلاح، ندموا وقالوا: بئسما صنعنا، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه!! فقاموا واعتذروا إليه، وقالوا: اصنع ما رأيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل. (66)

7718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني ابن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا، قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بالمشركين قد نـزلوا منـزلهم من أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّي قد رأيتُ بقرًا فأوّلتها خيرًا، ورأيت في ذباب سيفي ثَلْمًا، (67) ورأيت أنّي أدخلت يدي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نـزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ". وكان رأيُ عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: أن لا يخرج إليهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج من المدينة، فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاته بدر وحضروه: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبُنَّا عنهم وضعُفنا! فقال عبد الله بن أبى ابن سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله &; 7-164 &; ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا قط إلا أصبنا منه، فدعْهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ محبِس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رَجعوا خائبين كما جاؤوا. فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كان من أمرهم حُبُّ لقاء القوم، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. (68) .

* * *

فكانت تبوئة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين مقاعدَ للقتال، ما ذكرنا من مشورته على أصحابه بالرأي الذي ذكرنا، على ما وصفه الذين حكينا قولهم.

* * *

يقال منه: " بوَّأت القوم منـزلا وبوّأته لهم، فأنا أبوِّئهم المنـزل تبوئة، وأبوئ لهم منـزلا تبوئة ".

وقد ذكر أن في قراءة عبد الله بن مسعود: ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِِ )، وذلك جائز، كما يقال: " رَدِفَك ورَدِفَ لك "، و " نقدت لها صَداقها ونقدتها "، كما قال الشاعر:

أَسْـتغِفرُ اللـهَ ذَنْبًـا لَسْـتُ مُحْصِيَـهُ

رَبَّ العِبَــادِ إِلَيْـهِ الوَجْـهُ وَالعَمَـلُ (69)

والكلام: أستغفر الله لذنب. (70) وقد حكي عن العرب سماعًا: " أبأت القوم منـزلا فأنا أبيئهم إباءة "، ويقال منه: " أبأت الإبل ". إذا رددتها إلى المباءة. و " المباءة "، المُرَاح الذي تبيت فيه.

* * *

" والمقاعد " جمع " مقعد "، وهو المجلس.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: واذكر إذ غدوت، يا محمد، من أهلك تتخذ للمؤمنين معسكرًا وموضعًا لقتال عدوهم.

* * *

وقوله: " والله سميع عليم "، يعني بذلك تعالى ذكره: " والله سميع "، لما يقول المؤمنون لك فيما شاورتهم فيه، من موضع لقائك ولقائهم عدوّك وعدوّهم، من قول من قال: " اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم خارج المدينة "، وقول من قال لك: " لا تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا "، على ما قد بينا قبل - ولما تشير به عليهم أنت يا محمد = (71) " عليم " بأصلح تلك الآراء لك ولهم، وبما تخفيه صدور المشيرين عليك بالخروج إلى عدوك، وصدور المشيرين عليك بالمقام في المدينة، وغير ذلك من أمرك وأمورهم، كما:-

7719- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: " والله سميع عليم "، أي: سميع لما يقولون، عليم بما يخفون. (72)

* * *

---------------

الهوامش :

(61) الأثر: 7713- مختصر من سيرة ابن هشام 3: 112.

(62) بنو سلمة (بفتح السين وكسر اللام) ، وليس في العرب"سلمة" بكسر اللام غيرها ، وسائرها بفتح اللام. وهم بنو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن سادرة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.

(63) الأثر: 7715- إسناده في سيرة ابن هشام 3: 64 ، ثم اختصر أبو جعفر خبر ابن إسحاق الذي رواه ابن هشام في السيرة 3: 67 ، 68. واللأمة: هي الدرع الحصينة ، وسائر أداة الحرب من السلاح كالسيف والرمح. هذا وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ما ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم". وهذا غير جيد ، وكأنه عجلة من الناسخ ، وأثبت نص ابن هشام.

(64) الرواح: هو وقت العشى آخر النهار.

(65) الأثر: 7716- جمعه أبو جعفر من مواضع متفرقة من خبر ابن إسحاق في يوم أحد.

(66) الأثر: 7717- هو في تاريخ الطبري 3: 11 ، 12.

(67) ذباب السيف: طرفه المتطرف الذي يضرب به. والثلم: هو الكسر في حرفه.

(68) الأثر: 7718- سيرة ابن هشام 3: 66 ، 67 ، وهو السابق مباشرة للأثر السالف رقم : 7751 ، وهو من تمامه.

(69) مضى تخريجه فيما سلف 1: 169 ، وهو في معاني القرآن للفراء 1: 233.

(70) هذه الفقرة من معاني القرآن للفراء 1: 233.

(71) في المخطوطة والمطبوعة: " ومما تشير به. . ." ، والصواب الذي يقتضيه السياق ، هو ما أثبت.

(72) الأثر: 7719- سيرة ابن هشام 3: 112 ، وهو تابع الأثر السالف رقم: 7713.

المعاني :

أَن تَفْشَلَا :       تَجْبُنَا، وَتَضْعُفَا السراج
أن تفشلا :       تجْبُنا و تضْعُفا عن القتال معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[122] لم يعين الطائفتين، ولم يصرح من هما من القبائل؛ سترًا عليهما، وهكذا يجب أن يكون المسلم مع أصحاب الزلات.
وقفة
[122] ﴿إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا﴾ مشروعية التذكير بالنعم والنقم التي تنزل بالناس حتى يعتبر بها المرء.
وقفة
[122] قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فِينَا نَزَلَتْ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾، قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾. [البخاري 4558].
عمل
[122] ابدأ خطوات في الإصلاح بين شخصين أو مجموعتين متخاصمتين ﴿إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا﴾.
وقفة
[122] ﴿إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ مدح من الله لنبيه! قال السعدي: «وفيها أعظم مدح للنبي ﷺ، حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه».
وقفة
[122] ﴿إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ هذا الهم من الطائفتين بالرجوع كان بعد رجوع عبد الله بن أُبي ابن سلول بثلث الجيش، فحفظ الله قلوبهم عن تحقيق هذا الهم فلم يرجعوا وكان هذا حدیث نفس منهم، فلما أطلع الله نبيه ﷺ عليه ازدادوا إيمانًا وبصيرة.
وقفة
[122] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بقدر إيمانك يكون توكلك واعتمادك على الله.
وقفة
[122] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ من توكل عليه لا يخيب أمله، ولا يبطل سعيه.
وقفة
[122] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الله يريد منا أن نشعر بـ(السلام الداخلي)، فلا ضجيج أفكار يقلقنا، وﻻ خوف يستنزف طاقتنا.

الإعراب :

  • ﴿ إِذْ هَمَّتْ:
  • ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بتبوئ. همّت: فعل ماض مبني على الفتح. والتاء: تاء التأنيث.
  • ﴿ طائِفَتانِ مِنْكُمْ:
  • فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى. والنون: عوض عن تنوين المفرد. منكم: جار ومجرور متعلق بصفة لطائفتين. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «هَمَّتْ طائِفَتانِ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنْ تَفْشَلا:
  • أن: حرف مصدري ونصب. تفشلا: الجملة صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها وهي فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لانه من الافعال الخمسة والألف ضمير متصل «ضمير الاثنين» مبني على السكون في محل رفع فاعل و «أَنْ المصدرية وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب بنزع الخافض أي بأن تفشلا.
  • ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُما:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. وليّهما: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل في محل جر بالاضافة والألف علامة التثنية.
  • ﴿ وَعَلَى اللَّهِ:
  • استئنافية. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيتوكل.
  • ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ:
  • الفاء: زائدة. اللام: لام الأمر. يتوكل: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. المؤمنون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

ابراهيم: 12﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
آل عمران: 122﴿إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
آل عمران: 160﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
المائدة: 11﴿إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
التوبة: 51﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
ابراهيم: 11﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
المجادلة: 10﴿إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
التغابن: 13﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: فينا نزلتإِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا) قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سَلِمة، وما نحب - وقال سفيانُ مرةً: وما يسرني - أنها لم تنزل، لقول اللهوَاللهُ وَلِيُّهُمَا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية وابن كثير وابن عاشور.قال البغويإِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا) أي: تجبنا وتضعفا وتتخلفا، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى أحد في ألف رجل وقيل: في تسعمائة وخمسين رجلاً، فلما بلغوا الشوط انخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاث مائة وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم أبو جابر السلمي فقال: أنشدكم بالله في نبيكم وفي أنفسكم، فقال عبد الله بن أبي: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله فلم ينصرفوا فذكَّرهم الله عظيم نعمته فقال - عَزَّ وَجَلَّ -إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا)، ناصرهما وحافظهما) اهـ.وقال القرطبيوالهم من الطائفتين كان بعد الخروج لما رجع عبد الله بن أُبيّ بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوبهم فلم يرجعوا فذلك قولهوَاللهُ وَلِيُّهُمَا) يعني حافظ قلوبهما عن تحقيق هذا الهم) اهـ.وقال ابن عاشوروهمت بنو سلمة وبنو حارثة من المسلمين بالانخزال ثم عصمهم الله، فذلك قوله تعالىإِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا) أي ناصرهما على ذلك الهم الشيطاني الذي لو صار عزمًا لكان سبب شقائهما فلعناية الله بهما برأهما الله من فعل ما همَّتا به) اهـ. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما جرى لبني حارثة وبني سلمة من الهم في الانصراف عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك الجهاد معه في غزوة أحد لما انصرف رأس المنافقين بثلث الجيش مغاضبًا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه لم يأخذ برأيه ومشورته في البقاء في المدينة وترك الخروج إلى أحد. لصحة سنده وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به، وموافقته للفظ الآية والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [122] لما قبلها :     وبعد ذكرِ خروج النَّبي صلى الله عليه وسلم من المدينةِ لقتالِ المشركينَ في غزوةِ أُحدٍ، ذكرَ اللهُ عز وجل هنا ما وقعَ لبني سَلِمَةَ وبني حارثةَ لمَّا ضعفُوا وهَمُّوا بالرجوعِ إلى المدينةِ حينَ رجعَ المنافقونَ، ولكن الله ثبَّتَهم، قال تعالى:
﴿ إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

القراءات :

إذ همت طائفتان:
أدغم السبعة تاء التأنيث فى الطاء.
والله وليهما:
وقرئ:
والله وليهم، بإعادة الضمير على المعنى، وهى قراءة عبد الله.

مدارسة الآية : [123] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ ..

التفسير :

[123] ولقد نصركم الله -أيها المؤمنون-ﺑ«بدْر» على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم، فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لعلكم تشكرون له نعمه.

وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة، فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له "بدر"بين مكة والمدينة فاقتتلوا، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم، وأسروا سبعين، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله - القصة في سورة الأنفال، فإن ذلك موضعها، ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه، فلهذا قال{ فاتقوا الله لعلكم تشكرون} لأن من اتقى ربه فقد شكره، ومن ترك التقوى فلم يشكره، إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر.

ثم ذكرهم- سبحانه- بفضله عليهم وتأييده لهم يوم غزوة بدر فقال- تعالى-: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.

وبدر: اسم لماء بين مكة والمدينة، التقى عنده المسلمون والمشركون من قريش في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وكان عدد المشركين قريبا من ألف رجل، ومع ذلك كان النصر حليفا للمسلمين. والأذلة- كما يقول الزمخشري: جمع قلة، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلين.

وذلتهم: ما كان بهم من ضعف الحال، وقلة السلاح والمال والمركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد، وما كان معهم إلا فرس واحد. وقلتهم: أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس، ومعهم الشكة والشوكة- أى السلاح والقوة- .

وإذن فليس المراد بكونهم أذلة أنهم كانوا أضعاف النفوس. أو كانوا راضين بالهوان. وإنما المراد أنهم كانوا قليلي العدد والعدد، فقراء في الأموال وفي وسائل القتال.

وفي هذا التذكير لهم بما حدث في غزوة بدر، تنبيه لهم إلى وجوب تفويض أمورهم إلى خالقهم، وإلى أن القلة المؤمنة التقية الصابرة كثيرا ما تنتصر على الكثرة الفاسقة الظالمة، ولذا فقد ختم- سبحانه- بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

أى فاتقوا الله بأن تستشعروا هيبته، وتجتنبوا ما نهاكم عنه، وتفعلوا ما أمركم به لعلكم بذلك تكونون قد قمتم بواجب شكر ما أنعم به عليكم من نعم لا تحصى.

وقوله : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي : يوم بدر ، وكان في جمعة وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغ فيه الشرك وخرب محله ، [ هذا ] مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعون بعيرا ، والباقون مشاة ، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض ، والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبيض وجه النبي وقبيله ، وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى - ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) أي : قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العدد والعدد ، ولهذا قال في الآية الأخرى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا [ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ] والله غفور رحيم ) [ التوبة : 25 - 27 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت عياضا الأشعري قال : شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حسنة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصرا ، وأحصن جندا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تغضب . قال : فسبقه ، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عري .

وهذا إسناد صحيح وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار ، عن غندر ، بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه .

وبدر محلة بين مكة والمدينة ، تعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرا .

وقوله : ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي : تقومون بطاعته .

القول في تأويل قوله : إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والله سميع عليم، حين همت طائفتان منكم أن تفشلا.

والطائفتان اللتان همتا بالفشل، ذكر لنا أنهم بنو سَلِمة وبنو حارثة. (1)

*ذكر من قال ذلك:

7720- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، قال: بنو حارثة، كانوا نحو أحُد، وبنو سلِمة نحو سَلْع، وذلك يوم الخندق.

* * *

قال أبو جعفر: وقد دللنا على أن ذلك كان يوم أحد فيما مضى، بما فيه الكفاية عن إعادته. (2)

* * *

7721- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، الآية، وذلك يوم أحد، والطائفتان: بنو سلِمة وبنو حارثة، حيان من الأنصار، همُّوا بأمر فعصمهم الله من ذلك = قال قتادة: وقد ذكر لنا أنه لما أنـزلت هذه الآية قالوا: ما يسرُّنا أنَّا لم نَهُمَّ بالذي هممنا به، وقد أخبرنا الله أنه ولينا.

7722- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " إذ همت طائفتان منكم " الآية، وذلك يوم أحد، فالطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، حيان من الأنصار. فذكر مثل قول قتادة.

7723- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل، وقد وعدهم الفتحَ إن صبروا. فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فلما غلبوه وقالوا له: ما نعلم قتالا ولئن أطعتنا لترجعنَّ معنا = وقال [الله عز وجل]: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، وهم بنو سلمة وبنو حارثة = هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي، فعصمهم &; 7-167 &; الله، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمئة. (3)

7724- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عكرمة: نـزلت في بني سلِمة من الخزرج، وبني حارثة من الأوس، ورأسهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول.

7725- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، فهو بنو حارثة وبنو سلمة.

7726- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، والطائفتان: بنو سلمة من جشم بن الخزرج، وبنو حارثة من النبيت من الأوس، وهما الجناحان. (4)

7727- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " الآية، قال: هما طائفتان من الأنصار هَّما أن يفشلا فعصمهم الله، وهزَم عدوهم.

7728- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "،قال: هم بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحبُّ أن لو لم نكن هممنا لقول الله عز وجلّ: " والله وليهما ". (5) .

7729- حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول، فذكر نحوه.

7730- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، قال: هذا يوم أحد.

* * *

وأما قوله: " أن تفشلا "، فإنه يعني: همَّا أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوّهما.

* * *

=يقال منه: " فشل فلان عن لقاء عدوه ويفشل فشلا "، كما:-

7731- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " الفشل "، الجبن.

* * *

قال أبو جعفر: وكان همُّهما الذي همَّا به من الفشل، الانصرافَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرف عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه، جبنًا منهم، من غير شك منهم في الإسلام ولا نفاق، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له، وتركوا عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقين معه، فأثنى الله عز وجل عليهما بثبوتهما على الحق، وأخبر أنه وليُّهما وناصرهما على أعدائهما من الكفار، (6) كما:

7732- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله وليُهما "، أي: المدافع عنهما ما همَّتا به من فشلهما. (7) وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما، من غير شك أصابهما في دينهما، فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهنهما وضعفهما، ولحقتا بنبِّيهما صلى الله عليه وسلم. يقول: " وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، أي: من كان به ضعف من المؤمنين أو وهَن، &; 7-169 &; فليتوكل عليّ، وليستعن بي أعنِه على أمره، وأدفع عنه، حتى أبلغ به وأقوّيه على نيته. (8)

* * *

قال أبو جعفر: وذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ: (وَاللهُ وَليُّهُمْ)، وإنما جاز أن يقرأ ذلك كذلك، لأن " الطائفتين " وإن كانتا في لفظ اثنين، فإنهما في معنى جماع، بمنـزلة " الخصمين " و " الحزبين ". (9)

-------------------------

الهوامش :

(1) انظر ضبط"سلمة" ص: 161 تعليق: 1.

(2) انظر ما سلف ص : 161 وما قبلها.

(3) الأثر: 7723- في تاريخ الطبري 3: 12 ، وهو تمام الأثر السالف رقم: 7177 ، والزيادة بين القوسين من التاريخ.

(4) الأثر: 7726- سيرة ابن هشام 3: 112 ، وهو من تتمة الأثر السالف رقم: 7791.

(5) الأثر: 7728- رواه البخاري في صحيحه (الفتح 7: 275 / 8: 169) من طريق علي بن عبد الله ، عن سفيان بن عيينة ، بغير هذا اللفظ. وكان في المطبوعة: "وما نحب أن لو لم تكن همتا" ، وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة ، ولكن الناشر لم يحسن قراءتها.

(6) انظر تفسير"الولي" فيما سلف 6: 497 تعليق: 1. والمراجع هناك.

(7) في المطبوعة: "الدافع عنهما" ، وأثبت ما في المخطوطة وسيرة ابن هشام. وفي المطبوعة والمخطوطة"ما هما به" ، وهو صواب ، ولكني أثبت نص ابن هشام ، فهو أقوم على السياق ، والتصحيف في مثل هذا قريب ، ولست أظنه من أصل الطبري.

(8) الأثر: 7732- سيرة ابن هشام 3: 112 ، 113 ، وهو من سياق الأثر السالف رقم: 7726.

(9) انظر معاني القرآن للفراء 1: 133.

المعاني :

أذلّةٌ :       بقلّة العدد و العُدّة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أي: ضعفاء؛ لقلة عَدَدِكم وعُدَّتكم، وحال المسلمين اليوم لا يقارن بأعدائهم من الأمم التي تداعت عليهم من أقطار الأرض، مدعومة بالعَدَد والعدة، وسبيل النصر عليهم والوقاية من كيدهم بينه الله للرسول ﷺ وللصحابة رضي الله عنهم قبيل آية بدر فقال: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120]، فلما التزموا الصبر والتقوى، تحقَّق لهم النصر العظيم.
وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أحرى ما يُستجاب للدعاء ويتحقق النصر حين نعلن الافتقار إلى الله.
وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ النصر بما يقع في القلب من اليقين بوعد الله، لا بالقوة ولا بالكثرة والمنعة ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126].
وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ الذي نصرهم وهم أذلة؛ يعطيك ولو كنت ضعيفًا، يرزقك ولو سدت الأبواب، يفتح لك فى حائط المستحيل.
وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ قد ينصرك الله وقد عدمت كل أسباب النصر، وقد تخذل ومعك كل دواعي النصر، إنما في تدبيره ما يصلحك، يعطيك ما أنت في أمس الحاجة إليه، ولو تصورت غير ذلك!
وقفة
[123] الانتصار في بدر كان هزيمة للكفار وانتصارًا على النفوس المهزومة التي تبني إيمانها على الماديات المشاهدة دون الإيمان بقوة من أودع فيها قوتها، فتدبر هذه الآية تنكشف لك حقائق ربانية تقضي على أوهام المنهزمين: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ فلنأخذ بالأسباب المشروعة لنرى ما رأى سلفنا.
وقفة
[123] سورة آل عمران مطمئنة لمن طال طلبه للرزق ويئس: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ... أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: 39]، ولطالبي النصر والفَرج: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
وقفة
[123] إن الكثرة قد تغلب الشجاعة، ولكنها لا تغلب الإيمان ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
وقفة
[123] ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّـهَ﴾ لما ذكر تعالى قصة أُحُد أتبعها بذكر قصة بدر؛ وذلك لأن المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الضعف عددًا وعتادًا، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة, ثم إنه تعالى نصر المسلمين على الكافرين، فصار ذلك من أقوى الدلائل على أن ثمرة التوكل عليه تعالى والصبر والتقوى هو النصر والمعونة والتأييد.
وقفة
[123] تقوى الله تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هي الشكر الواجب على العبد ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
وقفة
[123] الشكر تقوى الله تعالى، ألا ترى أنه يقول: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فالمتقي -في هذه الآية- هو الشاكر لنعمة الله، ومن لم يكن متقيًا لم يكن شاكرًا.
وقفة
[123] طريق الشكر أن تتقِيَ الله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ:
  • الواو: إستئنافية. اللام. للابتداء والتوكيد قد: حرف تحقيق. نصركم: فعل ماض مبني على الفتح. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ببدر: جار ومجرور متعلق بنصر. أي في بدر.
  • ﴿ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ:
  • الواو حالية. أنتم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أذلّة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وجملة «أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» في محل نصب حال.
  • ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ:
  • الفاء: إستئنافية. اتقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
  • لعل: حرف مشبه بالفعل من أخوات «ان» الكاف ضمير متصل في محل نصب إسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تشكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تَشْكُرُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

آل عمران: 123﴿وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
التوبة: 25﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [123] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل غزوةَ أُحُد؛ ذكَرَ هنا غزوةَ بَدْرٍ، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [124] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ ..

التفسير :

[124] اذكر -أيها النبي- ما كان من أمر أصحابك في «بدر» حين شقَّ عليهم أن يأتي مَدَد للمشركين، فأوحينا إليك أن تقول لهم:ألن تكفيكم معونة ربكم بأن يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين من السماء إلى أرض المعركة، يثبتونكم، ويقاتلون معكم؟

{ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}

ثم ذكرهم- سبحانه- بما كان يوجهه إليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم من توجيهات سامية، وإرشادات نافعة فقال- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ.

قال ابن كثير: اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين؟

أحدهما: أن قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ متعلق بقوله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ، وهذا عن الحسن والشعبي والربيع بن أنس وغيرهم. فعن الحسن في قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ ... إلخ قال: هذا يوم بدر. وعن الشعبي: أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يريد أن يمد المشركين- برجال وسلاح- فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله- تعالى-: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إلى قوله: مُسَوِّمِينَ قال: فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين.

وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف.

فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ.. إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله- تعالى-:

مُرْدِفِينَ بمعنى غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم.

وهذا السياق شبيه بالسياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان ببدر.

والقول الثاني يرى أصحابه أن هذا الوعد متعلق بقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وذلك يوم أحد. وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف، لأن المسلمين يومئذ فروا. وزاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف لقوله تعالى-: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فلم يصبروا، بل فروا فلم يمدوا بملك واحد . ويبدو من كلام ابن كثير أنه يميل إلى أن هذا الوعد كان يوم بدر، فقد قال: فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر..

وهذا ما تسكن إليه النفس: لأن الوعد بنصرة الملائكة للمؤمنين كان يوم بدر لا يوم أحد، فقد كانوا في بدر قليلي العدد والعدد، وكانت غزوة بدر أول معركة حربية كبرى يلتقى فيها المؤمنون بالكافرين، ولأن سياق الآيات يشعر بأن الله- تعالى- قد ساقها ليستحضر في أذهان المؤمنين مشهد غزوة بدر وما تم فيها من نصر بسبب صدق إيمانهم، وطاعتهم لنبيهم صلّى الله عليه وسلّم حتى لا يعودوا إلى ما حدث من بعضهم في غزوة أحد من مخالفة للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وعلى هذا الرأى يكون قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ متعلقا بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ أى: اذكروا أيها المؤمنون أن الله- تعالى- قد نصركم ببدر وأنتم قلة في العدد والعدة، وكان رسولكم صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الوقت يقول لكم على سبيل التثبيت والتقوية: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ أى منزلين من السماء لنصرتكم وتقويتكم ودحر أعدائكم.

أما على الرأى القائل بأن هذا الوعد كان في غزوة أحد، فيكون قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ إلخ. بدل من قوله- تعالى- قبل ذلك: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ.

قال الآلوسى: «والهمزة في قوله: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ لإنكار ألا يكفيهم ذلك. وأتى بلن لتأكيد النفي، وفيه إشعار بأنهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لقلة عددهم وعدتهم. وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين ما لا يخفى من اللطف وتقوية الإنكار.

وقوله: أَنْ يُمِدَّكُمْ في تأويل المصدر فاعل يَكْفِيَكُمْ. ومِنَ الْمَلائِكَةِ بيان أو صفة لآلاف أو لما أضيف إليه. ومُنْزَلِينَ صفة لثلاثة آلاف، وقيل حال من الملائكة» وقوله- تعالى-: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا إما من تتمة مقوله صلّى الله عليه وسلّم للمؤمنين، وإما ابتداء خطاب من الله- تعالى- تأييدا لقول نبيه صلّى الله عليه وسلّم وزيادة على ما وعدهم تكرما وفضلا.

ختلف المفسرون في هذا الوعد : هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين :

أحدهما : أن قوله : ( إذ تقول للمؤمنين ) متعلق بقوله : ( ولقد نصركم الله ببدر ) وروي هذا عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ، والربيع بن أنس ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .

قال عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ) قال : هذا يوم بدر . رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال :

حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن داود ، عن عامر - يعني الشعبي - أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين ، فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) إلى قوله : ( مسومين ) قال : فبلغت كرزا الهزيمة ، فلم يمد المشركين ولم يمد الله المسلمين بالخمسة .

وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف .

فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية - على هذا القول - وبين قوله تعالى في قصة بدر : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله ] إن الله عزيز حكيم ) [ الأنفال : 9 ، 10 ] فالجواب : أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها ، لقوله : ( مردفين ) بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم . وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران . فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر ، والله أعلم ، قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف .

القول الثاني : أن هذا الوعد متعلق بقوله : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) وذلك يوم أحد . وهو قول مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والزهري ، وموسى بن عقبة وغيرهم . لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف ، لأن المسلمين فروا يومئذ - زاد عكرمة : ولا بالثلاثة الآلاف ، لقوله : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ) فلم يصبروا ، بل فروا ، فلم يمدوا بملك واحد .

القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا، وينصركم ربكم، =" ولقد نصركم الله ببدر " على أعدائكم وأنتم يومئذ =" أذلة " يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عددًا منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، =" فاتقوا الله "، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه =" لعلكم تشكرون "، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلّ عنه مخالفوكم، كما:-

7733- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، يقول: وأنتم أقل عددًا وأضعف قوة =" فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، أي: فاتقون، فإنه شكر نعمتي. (10)

* * *

واختلف في المعنى الذي من أجله سمي بدر " بدرًا ".

فقال بعضهم: سمي بذلك، لأنه كان ماء لرجل يسمى " بدرًا "، فسمي باسم صاحبه.

*ذكر من قال ذلك:

7734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن زكريا، عن الشعبي قال: كانت " بدر " لرجل يقال له " بدر "، فسميت به.

* * *

7735- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا، عن الشعبي أنه قال: " ولقد نصركم الله ببدر "، قال: كانت " بدر " بئرًا لرجل يقال له " بدر "، فسميت به.

وأنكر ذلك آخرون وقالوا: ذلك اسم سميت به البقعة، كما سمى سائر البلدان بأسمائها.

*ذكر من قال ذلك:

7736- حدثنا الحارث بن محمد قال، حدثنا ابن سعد قال، حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال، حدثنا منصور، عن أبي الأسود، عن زكريا، عن الشعبي قال: إنما سمي" بدرًا "، لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له " بدر " = وقال الحارث، قال ابن سعد، قال الواقدي: فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا فلأيّ شيء سميت " الصفراء "؟ ولأي شيء سميت &; 7-171 &; " الحمراء "؟ ولأيّ شيء سمي" رابغ "؟ هذا ليس بشيء، إنما هو اسم الموضع = قال: وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاريّ فقال: سمعت شيوخنا من بني غفار يقولون: هو ماؤنا ومنـزلنا، وما ملكه أحدٌ قط يقال له " بدر "، وما هو من بلاد جهينة، إنما هي بلاد غِفار = قال الواقدي: فهذا المعروف عندنا.

7737- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: " بدر "، ماء عن يمين طريق مكة، بين مكة والمدينة.

* * *

وأما قوله: " أذلة "، فإنه جمع " ذليل "، كما " الأعزة " جمع " عزيز "،" والألِبَّة " جمع " لبيب ".

* * *

قال أبو جعفر: وإنما سماهم الله عز وجل " أذلة "، لقلة عددهم، لأنهم كانوا ثلثمئة نفس وبضعة عشر، وعدوهم ما بين التسعمئة إلى الألف -على ما قد بينا فيما مضى- فجعلهم لقلة عددهم " أذلة ".

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

7738- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، وبدر ماء بين مكة والمدينة، التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم = وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ: " أنتم اليوم بعدَّة أصحاب طالوت يوم لقى جالوت ": فكانوا ثلثمئة وبضعة عشر رجلا والمشركون يومئذ ألفٌ، أو راهقوا ذلك. (11)

7739- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر، عن عباد، عن الحسن في قوله: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، قال: يقول: " وأنتم أذلة "، قليل، وهم يومئذ بضعة عشر وثلثمئة.

7740- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، نحو قول قتادة.

7741- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، أقل عددًا وأضعف قوة. (12)

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: " فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، فإن تأويله، كالذي قد بيَّنت، كما:-

7742- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، أي: فاتقوني، فإنه شكر نعمتي. (13)

----------------

الهوامش :

(10) الأثر: 7733- سيرة ابن هشام 3: 113 ، هو بقية الآثار التي آخرها رقم: 7732 ، وسياق أبي جعفر في روايته ، أقوم من سياق ابن هشام.

(11) الأثر: 7738- مضى بعضه برقم: 5730 ، وانظر عدة أهل بدر فيما سلف من 5724 - 5732. وقوله: "راهقوا ذلك" أي: قاربوا ذلك.

(12) الأثر: 7741- سيرة ابن هشام 3: 113 ، وهو بعض الأثر السالف قريبًا رقم: 7733.

(13) الأثر: 7742- سيرة ابن هشام 3: 113 ، وهو أيضًا بعض الأثر: 7733. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"نعمى" ، وأثبت ما مضى في المخطوطة والمطبوعة في الأثر السالف ، وهو مطابق نص ابن هشام.

المعاني :

أن يمِدّكم :       يقوّيكم و يعينكم يوم بدر معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[124] وكأنهم كانوا يستبعدون النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم، فلما استغاثوا بالله أمدَّهم بألف، ثم أمدهم كرمًا منه بثلاثة آلاف، فلما صبروا واتقوا أمدهم بتمام الخمسة آلاف، والتدرج في الإمداد أحسن وقعًا على القلوب، وأبعث على السرور من لو أتى مرة واحدة.
وقفة
[124، 125] ﴿بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾، ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] ما الفرق بين آلآف وألوف؟ (آلآف) جمع قلة من الثلاثة إلى العشرة كما في الآيات، و(ألوف) جمع كثرة، قال بعضهم: قطعًا أكثر من عشرة آلآف، وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفًا.

الإعراب :

  • ﴿ إِذْ تَقُولُ:
  • ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بنصركم. تقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. وجملة «تَقُولُ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ» ويجوز إعراب «إِذْ» إسما في محل نصب مفعولا به لفعل محذوف تقديره: أذكر.
  • ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بتقول وعلامة جر الإسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ:
  • الهمزة: حرف استفهام. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. يكفيكم: الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول» وهي فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يمدكم: فعل مضارع يعرب إعراب «يَكْفِيَكُمْ». ربكم: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور و «أَنْ المصدرية وما تلاها» بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «يكفي».
  • ﴿ بِثَلاثَةِ آلافٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيمد. آلاف: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ثلاثة» أو من «آلافٍ» أو بحال محذوفة من «ثلاثة» لانه أضيف الى نكرة فاكتسب شيئا من المعرفة. منزلين: حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. '

المتشابهات :

آل عمران: 124﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ
آل عمران: 125﴿بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
الأنفال: 9﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [124] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل غزوةَ بَدْرٍ، ذكَرَ هنا السؤال الذي سأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمؤمنين لمَّا خافوا أن يأتي مَدَد للمشركين في غزوةِ بَدْرٍ، قال تعالى:
﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ

القراءات :

بثلاثة آلاف:
وقرئ:
بتسكين التاء، فى الوصول، أجرى مجرى الوقف، وهى قراءة شاذة.
منزلين:
قرئ:
1- بالتخفيف، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
2- بالتشديد، مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن عامر.
3- بالتشديد، مبنيا للفاعل، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
4- بالتخفيف، مبنيا للفاعل، وهى لبعض القراء.

مدارسة الآية : [125] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم ..

التفسير :

[125] بلى يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم:إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه، ويأت كفار «مكة» على الفور مسرعين لقتالكم، يظنون أنهم يستأصلونكم، فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين أي:قد أعلموا أنفس

{بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا} أي:من مقصدهم هذا، وهو وقعة بدر{ يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} أي:معلمين بعلامة الشجعان، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط:الصبر، والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا، فهذا الوعد بإنزال الملائكة المذكورين وإمدادهم بهم، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الشرطين الأولين كما تقدم في قوله:{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}

وقوله: بَلى إيجاب لما بعد «لن» أى، بلى يكفيكم الإمداد بثلاثة آلاف. ولكنه- سبحانه- يعدكم بأنكم إِنْ تَصْبِرُوا على قتال أعدائكم وعلى ما أمركم الله بالصبر عليه، وتتقوا. أى وتتقوا الله وتخشوه وتجتنبوا معاصيه وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أى ويأتوكم المشركون مسرعين ليحاربوكم، وقد أعددتم أنفسكم لقتالهم، إذا فعلتم ذلك.

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، أى يمددكم ربكم بفضله ورعايته لكم بخمسة آلاف من الملائكة معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامات مخصوصة.

وقرئ مُسَوِّمِينَ- بالفتح- أى معلمين من جهته- تعالى- بعلامات القتال. من التسويم وهو إظهار علامة الشيء.

قال صاحب الكشاف: وقوله مِنْ فَوْرِهِمْ هذا من قولك: قفل من غزوته وخرج من فوره إلى غزوة أخرى، وجاء فلان ورجع من فوره. ومنه قول أبى حنيفة- رحمه الله-: الأمر على الفور لا على التراخي، وهو مصدر من فارت القدر إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها. فقيل: خرج من فوره كما تقول: خرج من ساعته.

والمعنى: أنهم يأتونكم من ساعتهم هذه» .

هذا، وقد تكلم العلماء هنا عن أمرين يتعلقان بهذه الآيات.

أما الأمر الأول فهو: هل أمد الله- تعالى- المؤمنين في غزوة بدر بهذا العدد الذي ذكر في هذه الآية؟.

والجواب على ذلك أن بعض المفسرين يرى أن الله- تعالى- قد أمد المؤمنين في بدر بخمسة آلاف من الملائكة، لأنهم صبروا واتقوا وأتاهم المشركون من مكة فورا حين استنفرهم أبو سفيان لإنقاذ العير، فكان المدد خمسة آلاف على سبيل التدريج، أى أمدوا أولا بألف، ثم صاروا ألفين، ثم صاروا ثلاثة آلاف. ثم صاروا خمسة آلاف لا غير، وإلى هذا الرأى ذهب الحسن وقتادة.

وقال الشعبي: إن المدد لم يزد على الألف، لأن المسلمين كان قد بلغهم أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين بسلاح وجند، فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله- تعالى-:

أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ إلى قوله مُسَوِّمِينَ فبلغ كرزا الهزيمة فرجع ولم يمدهم، فلم يمد الله المسلمين بالخمسة الآلاف أيضا. أما ابن جرير فقد اختار أن المسلمين وعدوا بالمدد بعد الألف، ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بما زاد على ذلك، ولا على أنهم لم يمدوا به، ولا يثبت شيء من ذلك إلا بنص. فقد قال- رحمه الله-:

«وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال للمؤمنين:

أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددا له ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف خمسة آلاف، إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله، ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة الآلاف، ولا بالخمسة الآلاف ولا على أنهم لم يمدوا بهم.

وقد يجوز أن يكون الله- تعالى- أمدهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم، وقد يجوز أن يكون لم يمدهم، على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك وغير جائز أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم الحجة به، ولا خبر به كذلك فنسلم لأحد الفريقين قوله. غير أن في القرآن دلالة على أنهم أمدوا يوم بدر بألف. وذلك قوله- تعالى-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ. أما في أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم أمدوا، ذلك لأنهم لو أمدوا لم يهزموا ونيل منهم ما نيل منهم» .

والذي نراه أن رأى ابن جرير هو أقرب الآراء إلى الصواب.

وأما الأمر الثاني فهو: إذا كان الله- تعالى- قد أمد المؤمنين بالملائكة في بدر، فهل كانت وظيفتهم القتال مع المؤمنين أو كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين فقط؟ والجواب على ذلك أن كثيرا من العلماء يرى أن الملائكة قد قاتلت مع المؤمنين.

قال القرطبي: تظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت.

ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب- أى الطريق في الجبل- الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أمترى» .

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يوم بدر يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: «أقدم حيزوم» .

فنظر المسلم إلى المشرك أمامه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه. فجاء المسلم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بذلك فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة .

ويرى فريق آخر من العلماء أن الملائكة ما قاتلت مع المسلمين يوم بدر، وإنما أمد الله المؤمنين بالملائكة لتثبيت نفوسهم، وتقوية قلوبهم، ولتخذيل المشركين، وإلقاء الرعب في قلوبهم، فقد قال- تعالى- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.

ويبدو أن الإمام ابن جرير الطبري كان يميل إلى هذا الرأى فقد قال عند تفسيره لقوله- تعالى- فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أى: قووا عزائمهم، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين، وقيل: كان ذلك بمعونتهم إياهم بقتال أعدائهم» .

وقد حكى الآلوسى عن أبى بكر الأصم أنه أنكر قتال الملائكة مع المؤمنين في بدر وأنه قال:

«إن الملك الواحد يكفى في إهلاك سائر الأرض كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط وأيضا أى فائدة في إرسال هذا الجمع من الملائكة معه وهو القوى الأمين. وأيضا فإن أكابر الكفار الذين قتلوا في بدر عرف من قتلهم من المسلمين» .

ولم يرتض الآلوسى ما قاله الأصم بل قال في الرد عليه: ولا يخفى أن هذه الشبه لا يليق إيرادها بقوانين الشريعة، ولا بمن يعترف بأنه- سبحانه- قادر على ما يشاء فعال لما يريد، فما كان يليق بالأصم إلا أن يكون أخرس عن ذلك.

ثم قال الآلوسى فالواجب التسليم بكل ممكن جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم وتفويض ذلك وكيفيته إلى الله- تعالى- .

ونرى من كلام الآلوسى أنه يرجح الرأى القائل بأن الملائكة قد قاتلت مع المؤمنين في غزوة بدر.

ونحن لا نرى مانعا من اشتراك الملائكة مع المؤمنين في بدر لأن النصوص الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم صريحة في ذلك، ولسنا مع الذين يضعفون من شأن الأحاديث الصحيحة أو يؤولونها تأويلا لا يتفق مع العقل السليم.

ولقد سئل الإمام السبكى: ما الحكمة في قتال الملائكة مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه؟.

فأجاب: بأن ذلك لإرادة أن يكون الفضل للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب التي أجراها- سبحانه- في عباده .

وقوله : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ) يعني : تصبروا على مصابرة عدوكم وتتقوني وتطيعوا أمري .

وقوله : ( ويأتوكم من فورهم هذا ) قال الحسن ، وقتادة ، والربيع ، والسدي : أي من وجههم هذا . وقال مجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح : أي من غضبهم هذا . وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم . وقال العوفي عن ابن عباس : من سفرهم هذا . ويقال : من غضبهم هذا .

وقوله : ( يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) أي : معلمين بالسيما .

وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض ، وكان سيماهم أيضا في نواصي خيلهم .

رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في هذه الآية : ( مسومين ) قال : بالعهن الأحمر .

وقال مجاهد : ( مسومين ) أي : محذقة أعرافها ، معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل .

وقال العوفي ، عن ابن عباس ، قال : أتت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم مسومين بالصوف ، فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف .

وقال عكرمة وقتادة ( مسومين ) أي : بسيما القتال ، وقال مكحول : ( مسومين ) بالعمائم .

وروى ابن مردويه ، من حديث عبد القدوس بن حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( مسومين ) قال : " معلمين . وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سودا ، ويوم حنين عمائم حمرا " .

وروي من حديث حصين بن مخارق ، عن سعيد ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .

وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمرا . ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون .

ثم رواه عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقسم عن ابن عباس ، فذكر نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي حدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن عروة ، عن يحيى بن عباد : أن الزبير [ بن العوام ] رضي الله عنه ، كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر .

رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، فذكره .

القول في تأويل قوله : إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، إذ تقول للمؤمنين بك من أصحابك: ألن يكفيكم أن يمدكم ربَكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين؟ وذلك يوم بدر.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في حضور الملائكة يوم بدر حرَبهم، في أيّ يوم وُعدوا ذلك؟

فقال بعضهم: إن الله عز وجل كان وعد المؤمنين يوم بدر أن يمدَّهم بملائكته، إن أتاهم العدو من فورهم، فلم يأتوهم، ولم يُمَدُّوا. (14)

*ذكر من قال ذلك:

7743- حدثني حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عامر قال، حُدِّث المسلمون أن كُرز بن جابر المحاربي يُمِدُّ المشركين، قال: فشق ذلك على المسلمين، فقيل لهم: " ألن يكفيَكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومِّين "، قال: فبلغت كرزًا الهزيمة، فرجع، ولم يمدّهم بالخمسة.

7744- حدثني ابن المثني قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر قال: لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم = ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: " ويأتوكم من فورهم هذا " -يعني كرزا وأصحابه-" يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين "، قال: فبلغ كرزًا وأصحابه الهزيمة، فلم يمدهم، ولم تنـزل الخمسة، وأمِدّوا بعد ذلك بألف، فهم أربعة آلاف من الملائكة مع المسلمين.

7745- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد عن الحسن في قوله: " إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة "، الآية كلها، قال: هذا يوم بدر.

7746- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: حُدِّث المسلمون أن كرزَ بن جابر المحاربي يريد أن يمدّ المشركين ببدر، قال: فشق ذلك على المسلمين؛ فأنـزل الله عز وجلّ: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم " إلى قوله: " من الملائكة مسومِّين "، قال: فبلغته هزيمة المشركين، فلم يمدّ أصحابه، ولم يمدُّوا بالخمسة.

* * *

وقال آخرون: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر، فصبر المؤمنون واتقوا الله، فأمدهم بملائكته على ما وعدهم.

*ذكر من قال ذلك:

7747- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعد ما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن &; 7-175 &; ومعي بَصَري، لأخبرتكم بالشِّعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشُك ولا أتمارى.

7748- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق، وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة، وكان شهد بدرًا: أنه قال بعد إذ ذهب بصره: لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري، لأريتكم الشِّعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أتمارَى. (15)

7749- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن أبي بكر: أنه حُدِّث عن ابن عباس: أن ابن عباس قال: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عمّ لي حتى أصعدنا في جبل يُشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الوقعة، على من تكون الدَّبْرة فننتهِبُ مع من ينتهب. (16) قال: فبينا نحن في الجبل، إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. (17) قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، (18) وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت. (19)

7750- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، وحدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس قال: لم تُقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عَددًا ومَددًا لا يضربون. (20)

7751- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد بن إسحاق، &; 7-176 &; حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن رجال من بني مازن بن النجار، عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرًا قال: إني لأتبعُ رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن قد قتله غيري. (21)

7752- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلامًا للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهلَ البيت، فأسلم العباس وأسلمتْ أم الفضل وأسلمتُ. وكان العباس يهاب قومه ويكرَهُ أن يخالفهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه. وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلَّف عن بدر وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة. وكذلك صنعوا، لم يتخلَّف رجل إلا بعث مكانه رجلا. فلما جاء الخبرُ عن مُصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعِزًّا. (22) قال: وكنت رجلا ضعيفًا، وكنت أعمل القِداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرَّنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرُّ رجليه بشرٍّ حتى جلس على طُنُب الحجرة، (23) فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم! قال: قال أبو لهب: هلُمّ إليّ يا ابن أخي، فعندك الخبر! قال: فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي أخبرني، كيف كان أمرُ الناس؟ قال: لا شيء والله، إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا! وايم الله، &; 7-177 &; مع ذلك ما لمتُ الناس، لقينا رجالا بيضًا على خيل بلق ما بين السماء والأرض ما تلِيق شيئًا، ولا يقوم لها شيء. (24) قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت: تلك الملائكة! (25)

7753- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد قال، حدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبا اليَسَر كعب بن عمرو أخو بني سلِمة، (26) وكان أبو اليسر رَجلا مجموعًا، (27) وكان العباس رجلا جسيما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: " كيف أسرت العباس أبا اليسر؟! قال: يا رسول الله، لقد أعانني عليه رجلٌ ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا " (28) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أعانك عليه ملك كريم ". (29)

7754- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين "، أمدوا بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف =" بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين "، &; 7-178 &; وذلك يوم بدر، أمدَّهم الله بخمسة آلاف من الملائكة.

7755- حدثت عن عمار، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن الربيع، بنحوه.

7756- حدثني محمد بن سعد قال، حدثنى أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، (30) عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: " يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين "، فإنهم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم مسوِّمين.

7757- حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا سفيان، عن ابن خثيم، عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.

* * *

وقال آخرون: إن الله عز وجلّ: إنما وعدهم يوم بدر أن يمدَّهم إن صبروا عند طاعته وجهاد أعدائه، واتقوه باجتناب محارمه، أن يمدهم في حروبهم كلها، فلم يصبروا ولم يتقوا إلا في يوم الأحزاب، فأمدَّهم حين حاصروا قريظة.

*ذكر من قال ذلك:

7758- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا سليمان بن زيد أبو إدام المحاربي، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا محاصري قريظة والنضير ما شاء الله أن نحاصرهم، فلم يفتح علينا، فرجعنا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فهو يغسل رأسه، (31) إذ جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرقة، فلفَّ بها رأسه ولم يغسله، ثم نادى فينا فقمنا &; 7-179 &; كالِّين مُعْيِينَ لا نعبأ بالسير شيئًا، (32) حتى أتينا قريظة والنضير، فيومئذ أمدنا الله عز وجل بثلاثة آلاف من الملائكة، وفتح اللهُ لنا فتحًا يسيرًا، فانقلبنا بنعمة من الله وفضل. (33)

* * *

وقال آخرون بنحو هذا المعنى، غير أنهم قالوا: لم يصبر القوم ولم يتقوا ولم يُمدوا بشيء في أحُد.

* ذكر من قال ذلك:

7759- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني عمرو بن دينار، عن عكرمة، سمعه يقول: " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا "، قال: يوم بدر. قال: فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد، ولو مُدُّوا لم يُهزموا يومئذ.

7760- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: لم يمدوا يوم أحُد ولا بملك واحد = أو قال: إلا بملك واحد، أبو جعفر يشك.

7761- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف " إلى " خمسة آلاف من الملائكة مسوّمين "، كان هذا موعدًا من الله يوم أحُد عرضه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنّ المؤمنين إن اتقوا وصبروا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين؛ ففرّ المسلمون يوم أحد وولَّوا مدبرين، فلم يمدهم الله.

7762- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا " الآية كلها. قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ينظرون المشركين: يا رسول الله، أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين "، وإنما أمدكم يوم بدر بألف؟ ال: فجاءت الزيادة من الله على أن يصبروا ويتقوا، قال: بشرط أن يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم الآية كلها.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبرَ عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين: ألن يكفيَكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددًا لهم، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله. ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة الآف، ولا بالخمسة آلاف، ولا على أنهم لم يمدوا بهم.

وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم، على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم = وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك. ولا خبر &; 7-181 &; عندنا صحَّ من الوجه الذي يثبت أنهم أمِدوا بالثلاثة الآلاف ولا بالخمسة الآلاف. وغير جائز أن يقال في ذلك قولٌ إلا بخبر تقوم الحجة به. ولا خبر به كذلك، فنسلم لأحد الفريقين قوله. غير أنّ في القرآن دلالةً على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة، وذلك قوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال: 9] فأما في يوم أحُد، فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبينُ منها في أنهم أمدوا. وذلك أنهم لو أمدوا لم يهزموا، ويُنالَ منهم ما نيل منهم. فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره.

* * *

وقد بينا معنى " الإمداد " فيما مضى،" والمدد "، ومعنى " الصبر " و " التقوى." (34)

* * *

وأما قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، فإنّ أهل التأويل اختلفوا فيه.

فقال بعضهم: معنى قوله: " من فورهم هذا "، من وجههم هذا.

* ذكر من قال ذلك:

7763- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن عثمان بن غياث، عن عكرمة قال: " ويأتوكم من فورهم هذا "، قال: من وجههم هذا.

7764- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " من فورهم هذا "، يقول: من وجههم هذا.

7765- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

7766- حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، من وجههم هذا.

7767- حدثت عن عمار بن الحسن، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، يقول: من وجههم هذا.

7768- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا " يقول: من وجههم هذا.

7779- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، يقول: من سفرهم هذا = ويقال -يعني عن غير ابن عباس- بل هو من غضبهم هذا.

7770- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " من فورهم هذا "، من وجههم هذا.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: من غضبهم هذا.

* ذكر من قال ذلك:

7771- حدثني محمد بن المثني قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة في قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة "، قال: " فورهم ذلك "، كان يوم أحد، غضبوا ليوم بدر مما لقوا.

7772- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا سهل بن عامر قال، حدثنا مالك بن مغول قال: سمعت أبا صالح مولى أم هانئ يقول: " من فورهم هذا "، يقول: من غضبهم هذا.

7773- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، قال: غضَبٌ لهم، يعني الكفار، فلم يقاتلوهم عند تلك الساعة، وذلك يوم أحد.

7774- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: " من فورهم هذا "، قال: من غضبهم هذا.

&; 7-183 &;

7775- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك، في قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، يقول: من وجههم وغضبهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأصل " الفوْر "، ابتداء الأمر يؤخذ فيه، ثم يوصل بآخر، (35) يقال منه: " فارت القدرُ فهي تفور فورًا وفورانًا " إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل. و " مضيت إلى فلان من فوْري ذلك "، يراد به: من وجهي الذي ابتدأت فيه.

* * *

= فالذي قال في هذه الآية: معنى قوله: " من فورهم هذا "، من " وجههم هذا "= قصد إلى أن تأويله: ويأتيكم كرز بن جابر وأصحابه يوم بدر من ابتداء مخرجهم الذي خرجوا منه لنصرة أصحابهم من المشركين.

* * *

=وأما الذين قالوا: معنى ذلك: من غضبهم هذا =فإنما عنوا أن تأويل ذلك: ويأتيكم كفار قريش وتُبَّاعهم يوم أحد من ابتداء غضبهم الذي غضبوه لقتلاهم الذين قتلوا يوم بدر بها، يمددكم ربكم بخمسة آلاف.

* * *

ولذلك من اختلاف تأويلهم في معنى قوله: " ويأتوكم من فورهم هذا "، (36) اختلف أهل التأويل في إمداد الله المؤمنين بأحُد بملائكته.

فقال بعضهم: لم يمدوا بهم، لأن المؤمنين لم يصبروا لأعدائهم ولم يتقوا الله عز وجل، بترك من ترك من الرماة طاعةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوته في الموضع الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبوت فيه، ولكنهم أخلُّوا به &; 7-184 &; طلبَ الغنائم، (37) فقتل من قتل المسلمين ونال المشركون منهم ما نالوا، (38) وإنما كان الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم إمدادَهم بهم إن صبروا واتقوا الله.

---------------------

الهوامش :

(14) في المخطوطة: "ولم يعدوا" ، وهو خطأ صرف. هذا والمخطوطة في هذا الموضع كثيرة الخطأ فيما هو واضح كهذا الحرف الذي أثبته ، ولذلك أغفلت كثيرًا من أشباهه ، ونبهت عليه.

(15) الأثران: 7747 ، 7748 - سيرة ابن هشام 2: 286 ، وانظره بإسناد آخر يأتي برقم: 7777 مع اختلاف في لفظه ، ومع نسبته إلى يوم أحد ، لا يوم بدر. وانظر التعليق عليه هناك.

(16) الدبرة (بفتح الدال وسكون الباء ، وبفتحتين أيضًا) والدابرة: الهزيمة في القتال ، وهي اسم من"الإدبار". يقال: على من الدبرة؟ أي الهزيمة. ثم يقال: لمن الدبرة؟ أي لمن الدولة والظفر.

(17) قوله: "أقدم" هي كلمة زجر تزجر بها الخيل ، وأمر لها بالتقدم. وحيزوم: اسم فرس من خيل الملائكة يومئذ. ويقال هو فرس جبريل عليه السلام. هذا وفي المخطوطة: "إذ ذهب منا سحابة" وهو تصحيف.

(18) قناع القلب: غشاؤه ، تشبيهها له بقناع المرأة الذي تلبسه.

(19) الأثر: 7749- سيرة ابن هشام 2: 285.

(20) الأثر: 7750- سيرة ابن هشام 2: 286.

(21) الأثر: 7751- سيرة ابن هشام 2: 286.

(22) في المطبوعة: "قوة وعونة" ، وليست بشيء ، وفي المخطوطة"قوة وعبدا" وصواب قراءتها ما أثبته من سيرة ابن هشام.

(23) طنب الحجرة: جانبها المسدل. أخذ من طنب الخباء ، وهو الحبل يشد به إلى الأرض.

(24) يقال الكريم: "فلان لا يليق شيئًا" من"ألاق" ، أي: ما يحبس شيئا ولا يمسكه. ويقال للسيف: "سيف لا يليق شيئًا" ، أي: ما يرد ضربته شيء. وهذا الأخير هو المراد هنا. وكان في المطبوعة: "ما يليق لها شيء" بدل ما في المخطوطة ، إذ لم يفهمه. وأثبت ما في المخطوطة والسيرة.

(25) الأثر: 7752- سيرة ابن هشام 2: 301 ، مع اختلاف يسير في بعض اللفظ.

(26) في المطبوعة والمخطوطة: "أبا اليسر ... أخا بني سلمة" ، وأثبت ما في التاريخ ، فهو أجود عربية.

(27) قوله: "مجموعًا" ، يعني: قد اجتمع خلقه فلم يبسط ، وهو نقيض الجسيم ، كما يظهر من سياق الأثر. ولم أجده في كتب اللغة التي بين يدي.

(28) في المخطوطة: "هيئته كذا ، هيئته كذا" ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، لأنه مطابق لما في التاريخ.

(29) الأثر: 7753- لم أجده في المطبوع من سيرة ابن هشام ، وهو في تاريخ الطبري 2: 288 ، 289.

(30) "قال حدثني أبي" هذه ، سقطت من المطبوعة ، والصواب من المخطوطة ، وهو إسناد دائر في التفسير.

(31) في المطبوعة: "فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يغسل رأسه" ، وهو تصرف لا شك فيه من ناشر أو ناسخ آخر ، فإن الذي في المخطوطة: "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يغسل رأسه" ، لما سقط من الجملة قوله: "بماء" ، تصرف الناسخ ، وما كان له أن يفعل! والصواب كما أثبته ، مطابقًا لما في الخصائص الكبرى للسيوطي. وانظر البغوي (بهامش ابن كثير) 2: 235.

(32) في المخطوطة: "فقمنا كالبر معين" غير منقوطة ، فلم يحسن الناشر أن يقرأها ، فجعلها في المطبوعة: "كالزمعين" ، فجاء معلق على التفسير ففسر الكلمة تفسيرًا لا يصلح أن يكون كلامًا ها هنا ، فخرج الكلام تصحيفًا وخلطًا معًا!! وأما السيوطي في الخصائص الكبرى ، فالظاهر أنه لم يحسن هو أيضًا قراءة المخطوطة ، أو كانت في نسخة مصحفة عنده كمثل هذا التصحيف ، فأسقط الجملة كلها وساق الكلام هكذا: "فقمنا حتى أتينا بني قريظة". وكذلك فعل البغوي. وصواب القراءة هو ما أثبت ، وهو مطابق لصفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخرجهم إلى بني قريظة. يقال"كل الرجل يكل من المشي فهو كال": إذا بلغ منه التعب والإعياء. ويقال: "أعيى الرجل والبعير وغيره يعيي إعياء فهو معي" ، إذا أكله السير وطلحه وبرح به. يقول: فقمنا وقد بلغ منا ومن دوابنا التعب.

(33) الأثر: 7785- أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى 1: 233 نقلا عن ابن جرير في تفسيره هذا. و"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضت ترجمته برقم: 5796 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ. وأما "سليمان بن زيد أبو إدام المحاربي" فهو مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2 / 2 / 15 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 117 ، قال يحيى بن معين"ليس بثقة ، كذاب ، ليس يسوى حديثه فلسًا". وقال النسائي: "متروك الحديث". وكان في المطبوعة: "أبو آدم" وهو خطأ ، ومثله في التهذيب في ترجمته ، وهو خطأ أيضًا صوابه ما أثبت من المخطوطة. و"عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي" ، شهد بيعة الرضوان ، ومات رضي الله عنه سنة 88 ، كما صححه الذهبي في تاريخه.

وهذا الأثر ، وإن كان إسناده لا يقوم ، فإن معناه يشبه أن يكون حقًا ، لموافقته ما جاءت به الرواية عن غزوة بني قريظة في الروايات الصحيحة عن غير عبد الله بن أبي أوفى.

(34) انظر معنى"الإمداد والمدد" فيما سلف 1: 307 ، 308 / "والصبر" 2: 11 ، 124 / 3: 214 ، 349 كم فهارس اللغة فيما سلف / و"التقوى" 1: 232 ، 333 ، 364 / 4: 162 ، وفهارس اللغة.

(35) في المطبوعة والمخطوطة: "يوجد فيه" ، وهو كلام سخيف. وأخذ في الأمر: شرع وبدأ.

(36) في المطبوعة: "وكذلك من اختلاف تأويلهم. . ." ، وهو كلام غير مستقيم. ولم يحسن الناشر قراءة المخطوطة ، لأن من عادة ناسخها أن يترك كثيرًا شرطة الكاف ، ويدعها كاللام ، فظنها هنا"كذلك" ، ولكنها"لذلك" كما قرأتها لك. يقول الطبري: ومن أجل اختلافهم في تأويل: "ويأتوكم من فورهم هذا" ، اختلف أهل التأويل.

(37) في المطبوعة: "طلبًا للغنائم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مثله في المعنى.

(38) في المطبوعة: "فقتل من المسلمين" ، وهي غير مستقيمة ، وفي المخطوطة: "في قتل من قتل من المسلمين" ، وهي الصواب ، إلا في تصحيف الناسخ وخطئه إذ كتب مكان"فقتل" -"في قتل".

المعاني :

يأتوكم :       أي المشركون معاني القرآن
فَوْرِهِمْ هَذَا :       سَاعَتِهِمْ هَذِهِ السراج
فورهم هذا :       ساعتهم هذه بلا إبطاء معاني القرآن
مُسَوِّمِينَ :       مُعَلِّمِينَ أَنْفُسَهُمْ، وَخُيُولَهُمْ بِعَلَامَاتٍ وَاضِحَاتٍ السراج
مسوّمين :       مُعلنين أنفسهم أو خيلهم بعلامات معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[125] ﴿بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم﴾ مدد الرب على قدر صبر العبد.
وقفة
[125] ﴿بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم﴾ الصبر وحده لا يكفي لاستجلاب المدد الرباني، بل لابد معه من تقوى؛ لأن العدو قد يملك ميزة الصبر أيضًا؛ فإذا تساوى الصبران كانت الغلبة للأتقى.
وقفة
[125] من أعظم أسباب تَنَزُّل نصر الله على عباده ورحمته ولطفه بهم: التزامُ التقوى، والصبر على شدائد القتال ﴿بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم﴾.
عمل
[125] اصبر واتق الله يمدك الله بأسبابٍ من عنده خافية عليك ﴿بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ... يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم﴾.
وقفة
[125] ﴿بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ بَيَّنَ أنه مع الصبر والتقوى يمدهم بالملائكة، وينصرهم على أعدائهم الذين يقاتلونهم.
وقفة
[125، 126] ﴿إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ... وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ بتقوى القلوب وصبر الأبدان واستغاثة اللِّسان ينزل النصر.

الإعراب :

  • ﴿ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا:
  • حرف جواب لا عمل له: إن: حرف شرط جازم. تصبروا: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف:فارقة.
  • ﴿ وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «تَصْبِرُوا وتعربان إعرابها. والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور
  • ﴿ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا:
  • جار ومجرور متعلق بيأتوا. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. هذا: إسم اشارة مبني على السكون في محل جر صفة- نعت- للفور.
  • ﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ:
  • يمدد: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وجزاؤه وعلامة جزمه السكون. والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. ربكم: فاعل مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة «يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ بِخَمْسَةِ آلافٍ:
  • بخمسة: جار ومجرور متعلق بيمدد. آلاف: مضاف اليه مجرور بالكسرة الظاهرة في آخره.
  • ﴿ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ:
  • تعرب اعراب «مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ» في نهاية الآية السابقة والنون عوض عن تنوين المفرد '

المتشابهات :

آل عمران: 120﴿إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
آل عمران: 125﴿بَلَىٰ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
آل عمران: 186﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [125] لما قبلها :     وبعد السؤال؛ تولى اللهُ عز وجل الجواب عنهم، قال تعالى:
﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ

القراءات :

مسومين:
قرئ:
1- بفتح الواو، وهى قراءة الصاحبين، والأخوين.
2- بكسرها، وهى قراءة أبى عمرو، وابن كثير، وعاصم.

مدارسة الآية : [126] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى ..

التفسير :

[126] وما جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم، وتطيب بوعد الله لكم. وما النصر إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في تدبيره وفعله.

{ وما جعله الله} أي:إمداده لكم بالملائكة{ إلا بشرى} تستبشرون بها وتفرحون{ ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله} فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده، فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه، ولهذا قال{ عند الله العزيز} فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره{ الحكيم} الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، قال تعالى:{ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}

ثم تابع القرآن حديثه عن مظاهر فضل الله عليهم ورعايته لهم فقال- تعالى- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ.

أى وما جعل الله- تعالى- الإمداد الذي أمدكم به إلا بشارة لقلوبكم، وتطمينا لنفوسكم فالضمير في جَعَلَهُ يعود إلى الإمداد المفهوم وهو الفاعلي المقدر المدلول عليه بقوله «أن يمدكم» فكأنه قيل: ألن يكفيكم إمداد الله تعالى لكم بما ذكر، وما جعل الله- تعالى- ذلك الإمداد إلا بشرى لكم، ولتسكن قلوبكم به فلا تخافوا كثرة العدو، بل تقدمون عليه بعزائم ثابتة، ونفوس قوية.

وقوله بُشْرى مفعول لأجله. والاستثناء مفرغ من أعم العلل، أى ما جعل الله إمدادكم بإنزال الملائكة لشيء من الأشياء إلا للبشارة لكم بأنكم ستنتصرون على أعدائكم.

وقوله لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ معطوف على بُشْرى باعتبار موضعه أى ما جعل إمدادكم إلا للبشرى والطمأنينة.

وإنما جر المصدر المؤول من قوله وَلِتَطْمَئِنَّ باللام لاختلال شرط من شروط نصبه على أنه مفعول لأجله، وهذا الشرط هو عدم اتحاد الفاعل. فإن فاعل الجعل هو الله- تعالى-، وفاعل الاطمئنان القلوب، فلذلك نصب المعطوف عليه وهو بُشْرى لاستكمال شروطه. وجر المعطوف وهو وَلِتَطْمَئِنَّ لاختلال شرط من شروطه.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

أى ليس النصر إلا من الله وحده فهو العزيز الذي لا يغالب في أمره. الحكيم الذي يفعل كل ما يريد فعله حسبما تقتضيه إرادته.

فالجملة الكريمة المقصود منها غرس الاعتماد على الله في قلوب المؤمنين وتفويض أمورهم إليه، وبيان أن النصر إنما هو من الله وحده، وليس من الملائكة أو من غيرهم، لأن الملائكة أو غيرهم أسباب عادية بمعزل عن التأثير، إلا إذا أراد الله ذلك. فهو الخالق للأسباب والمسببات.

ولقد حرص القرآن في كثير من آياته على تثبيت هذا المعنى في قلوب المؤمنين حتى لا يعتمدوا على الأسباب والوسائل التي بين أيديهم، ويغتروا بها، دون أن يلتفتوا إلى قدرة خالق الأسباب والوسائل، فإنهم إذا اغتروا بالأسباب والوسائل، ونسوا خالقها أتاهم الفشل من حيث لم يحتسبوا وكان أمرهم فرطا.

والعاقل من الناس هو الذي يباشر الأسباب التي شرعها الله- تعالى- بتدبر واعتبار بحيث يوقن أن من ورائها خالقا لها، يجب أن يستجيب له في كل ما أمر أو نهى، وأن يعتمد عليه في كل شئونه وأحواله.

وقوله : ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) أي : وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلا بشارة لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا ، وإلا فإنما النصر من عند الله ، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم ، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم ، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال : ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم . سيهديهم ويصلح بالهم . ويدخلهم الجنة عرفها لهم . ) [ محمد : 4 - 6 ] . ولهذا قال هاهنا : ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أي : هو ذو العزة التي لا ترام ، والحكمة في قدره والإحكام .

=وأما الذين قالوا: كان ذلك يوم بدر بسبب كُرْز بن جابر، فإن بعضهم قالوا: لم يأت كرزٌ وأصحابُه إخوانَهم من المشركين مددًا لهم ببدر، ولم يمد الله المؤمنين بملائكته، لأن الله عز وجل إنما وعدهم أن يمدهم بملائكته إن أتاهم كرز ومدد المشركين من فورهم، ولم يأتهم المددُ.

* * *

=وأما الذين قالوا: إنّ الله تعالى ذكره أمد المسلمين بالملائكة يوم بدر، فإنهم اعتلوا بقول الله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال: 9]، قال: فالألف منهم قد أتاهم مددًا. وإنما الوعد الذي كانت فيه الشروط، فما زاد على الألف، (39) فأما الألف فقد كانوا أمدُّوا به، لأن الله عز وجل كان قد وعدهم ذلك، ولن يُخلف الله وعده.

* * *

قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله: " مسوّمين ".

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: ( مُسَوَّمِينَ ) بفتح " الواو "، بمعنى أن الله سوَّمها.

* * *

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل الكوفة والبصرة: ( مُسَوِّمِينَ ) بكسر " الواو "، بمعنى أن الملائكة سوَّمتْ لنفسها.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر " الواو "، لتظاهرُ الأخبار عن [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل التأويل منهم ومن التابعين بعدهم (40) بأن الملائكة هي التي سوَّمت أنفسها، من غير إضافة تسويمها إلى الله عز وجل، أو إلى غيره من خلقه.

ولا معنى لقول من قال: إنما كان يُختار الكسرُ في قوله: " مسوِّمين "، لو كان في البشر، فأما الملائكة فوصفهم غيرُ ذلك = ظنًا منه بأن الملائكة غير ممكن فيها تسويمُ أنفسها إمكانَ ذلك في البشر. وذلك أنه غيرُ مستحيل أن يكون الله عز وجل مكنها من تسويم أنفسها نحو تمكينه البشر من تسويم أنفسهم، فسوَّموا أنفسهم نحو الذي سوَّم البشر، (41) طلبًا منها بذلك طاعة ربها، فأضيف تسويمها أنفسهَا إليها. وإن كان ذلك عن تسبيب الله لهم أسبابه. وهي إذا كانت موصوفة بتسويمها أنفسهَا تقرٌُّبًا منها إلى ربها، كأن أبلغ في مدحها لاختيارها طاعة الله من أن تكون موصوفة بأن ذلك مفعول بها.

* * *

ذكر الأخبار بما ذكرنا: من إضافة من أضاف التسويم إلى الملائكة، دون إضافة ذلك إلى غيرهم، على نحو ما قلنا فيه:

7776- حدثني يعقوب قال، أخبرنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: إن أول ما كان الصوف ليومئذ = يعني يوم بدر = قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسوَّموا، فإنّ الملائكة قد تسوَّمت " . (42)

7777- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مختار بن غسان قال، حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن الزبير بن المنذر، عن جده أبي أسيد -وكان بدريًا- فكان يقول: لو أن بصري فُرِّج منه، (43) ثم ذهبتم معي إلى أحد، لأخبرتكم بالشِّعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صُفر قد طرحوها بين أكتافهم. (44)

7778 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " بخمسة آلاف من الملائكة مسومين "، يقول: معلمين، مجزوزة أذنابُ خيلهم، ونواصيها - فيها الصوف أو العِهْن، (45) وذلك التسويم.

7779- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: " بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين "، قال: مجزوزة أذنابها، وأعرافها فيها الصوف أو العهن، فذلك التسويم.

7780- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " مسوّمين "، ذكر لنا أن سيماهم يومئذ، الصوف بنواصي خيلهم وأذنابها، وأنهم على خيل بُلْق.

7781- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " مسومين "، قال: كان سيماها صوفًا في نواصيها.

7782- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد، أنه كان يقول: " مسومين "، قال: كانت خيولهم مجزوزة الأعراف، معلمة نواصيها وأذنابها بالصوف والعِهْن.

7783- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: كانوا يومئذ على خيل بُلْق.

7784- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا &; 7-188 &; جويبر، عن الضحاك وبعض أشياخنا، عن الحسن، نحو حديث معمر، عن قتادة.

7785- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " مسومين "، معلمين.

7786- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين "، فإنهم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، مسوِّمين بالصوف، فسوَّم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف.

7787- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة قال، نـزلت الملائكة في سيما الزبير، عليهم عمائم صفر. وكانت عمامة الزبير صَفراء.

7788- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " مسومين "، قال: بالصوف في نواصيها وأذنابها.

7789- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة قال: نـزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق، عليهم عمائم صفر. وكان على الزبير يومئذ عمامة صفراء.

7790- حدثني أحمد بن يحيى الصوفي قال، حدثنا عبد الرحمن بن شريك قال، حدثنا أبي قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير: أنّ الزبير كانت عليه مُلاءة صفراء يوم بدر، فاعتم بها، فنـزلت الملائكة يوم بدر على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم معمَّمين بعمائم صفر. (46)

* * *

قال أبو جعفر: فهذه الأخبار التي ذكرنا بعضها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: " تسوَّموا فإن الملائكة قد تسوَّمت " وقول أبي أسيد: " خرجت الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم "، وقول من قال منهم: " مسوِّمين " معلمين = ينبئ جميعُ ذلك عن صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك، وأن التسويم كان من الملائكة بأنفسها، على نحو ما قلنا في ذلك فيما مضى.

* * *

وأما الذين قرأوا ذلك: " مسوَّمين "، بالفتح، فإنهم أراهم تأوَّلوا في ذلك ما:

7791- حدثنا به حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن عثمان بن غياث، عن عكرمة: " بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين "، يقول: عليهم سيما القتال.

7792- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " بخمسة آلاف من الملائكة مسومين "، يقول: عليهم سيما القتال، وذلك يوم بدر، أمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، يقول: عليهم سيما القتال.

* * *

=فقالوا: كان سيما القتال عليهم، لا أنهم كانوا تسوَّموا بسيما فيضاف إليهم التسويم، فمن أجل ذلك قرأوا: " مسوَّمين "، بمعنى أن الله تعالى أضاف التسويم إلى مَنْ سوَّمهم تلك السيما.

* * *

و " السيما " العلامة يقال: " هي سيما حسنة، وسيمياء حسنة "، كما قال الشاعر: (47)

غُــلامٌ رَمَـاهُ اللـهُ بِالحُسْـنِ يَافِعًـا

لَـهُ سِـيمِياءُ لا تَشُـقُّ عَـلَى البَصَـرْ (48)

يعني بذلك: علامة من حسن، (49) فإذا أعلم الرجل بعلامة يعرف بها في حرب أو غيره قيل: " سوَّم نفسه فهو يسوِّمها تسويمًا ". (50)

-------------------

الهوامش :

(39) في المطبوعة: "فيما زاد" ، وفي المخطوطة مثلها غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(40) في المطبوعة: "لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل التأويل منهم. . ." وهي عبارة فاسدة ، ثم لا تؤيدها الأخبار التي رواها بعد. وفي المخطوطة مثلها ، إلا أنه كتب"بأهل التأويل" ، وهو تحريف وخطأ. والصواب أن الأخبار المتظاهرة التي سيذكرها هي عن أصحاب رسول الله وأهل التأويل منهم ، فلذلك زدت"أصحاب" بين القوسين ، وجعلت"فأهل" ، "وأهل" ، واستقام الكلام. ولو تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان به ولا بأحد حاجة إلى تظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله وأهل التأويل منهم ومن التابعين من بعدهم. ففي خبره صلى الله عليه وسلم كفاية من كل خبر ، بأبي هو وأمي.

(41) في المطبوعة: ". . . مكنها من تسويم أنفسها بحق تمكينه البشر. . ." ثم". . . فسوموا أنفسهم بحق الذي سوم البشر" ، وهو كلام لا معنى له. وفي المخطوطة أساء الكاتب في الكلمة الأولى فنقط الحروف ومجمجها فاختلطت ، وكتب الثانية"بحق" غير منقوطة ، وصواب قراءتها في الموضعين"نحو" كما أثبتها.

(42) الأثر: 7776-"ابن عون" ، هو: "عبد الله بن عون بن أرطبان المزني" أبو عوف الخراز البصري أحد الفقهاء الكبار. رأى أنس بن مالك ، وروى عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي والحسن البصري والشعبي وطبقتهم. وكان في المطبوعة: "ابن عوف" ، وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة. و"عمير بن إسحاق القرشي" أبو محمد مولى بني هاشم ، روى عن المقداد بن الأسود ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وكان قليل الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي: "لا نعلم روى عنه غير ابن عون" قال ابن معين: "ثقة" ، وقال أيضا: "لا يساوي حديثه شيئًا ، ولكن يكتب حديثه". فهذا الحديث كما ترى مرسل ، وعن رجل يكتب حديثه ولا يحتج به.

(43) في المطبوعة: "لو أن بصري معي ، ثم ذهبتم معي" ، وهو تصرف من الطابعين فيما يظهر ، نقلا عن تصرف السيوطي في الدر المنثور 2: 70. أما المخطوطة ، فكان فيها: "لو أن بصرى حرح منه ، ثم ذهبتم معي" فيها"حرح" غير منقوطة ، والظاهر أن السيوطي رآها كذلك ، فعجز عنها ، فاستظهرها من الأثرين السالفين: 7747 ، 7748 ، ولكني حرصت على متابعة ما في المخطوطة ، فوجدت رواية الأثرين السالفين من طريق ابن شهاب عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد: "قال لي أبو أسيد الساعدي ، بعد ما ذهب بصره: يا ابن أخي ، لو كنت أنت وأنا ببدر ثم أطلق الله لي بصري ، لأريتك الشعب. . ." (الاستيعاب: 621) فاستظهرت أن"حرح" تصحيف"فرج" (بتشديد الراء ، والبناء للمجهول) ، وهي بمعنى"أطلقه الله". وقوله: "فرج منه" ، أي: فرج الله عن بعضه. ولو كانت"فرج عنه" لكان صوابًا مطابقًا لرواية سهل بن سعد في المعنى. وأرجو أن أكون قد وفقت إلى الصواب بحمد الله وتوفيقه.

(44) الأثر: 7777-"مختار بن غسان التمار الكوفي العبدي" ، روى عن حفص بن عمر البرجمي وإسماعيل بن مسلم. مترجم في التهذيب. و"عبد الرحمن بن الغسيل" ، هو: "عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري" سلفت ترجمته في رقم: 5123. أما "الزبير بن المنذر ابن أبي أسيد" فيقال أيضا أنه"الزبير بن أبي أسيد" ، أن أبا أسيد أبوه لا جده ، وإسناد الطبري مبين عن أنه جده. وقد ذكر ذلك البخاري في الكبير 2 / 1 / 375 ، في خبر ساقه عن ابن الغسيل ، وكذلك ابن أبي حاتم 1 / 2 / 579 ، وذكره الحافظ في التهذيب وقال: "وفي إسناده اختلاف" ، إشارة إلى هذا الاختلاف في أن أبا أسيد أبوه أو جده.

أما خبر أبي أسيد هذا فقد سلف بإسناد أبي كريب وابن حميد: 7747 ، 7748 ، مع اختلاف في بعض اللفظ ، ومع نسبة هذا إلى يوم بدر ، لا يوم أحد. والأول هو الثابت الصحيح. وأخشى أن يكون الذي هنا سهوًا من ناسخ أو راو ، وأن صوابه"إلى بدر".

(45) في المخطوطة: "الصوف ، العهن" ، بحذف "أو" ، وهو صواب. والعهن: هو الصوف المصبوغ الملون.

(46) الأثر: 7790-"أحمد بن يحيى الصوفي" روى عن محمد بن بشر ، ومحمد بن عبيد وزيد بن الحباب ، وكتب عنه أبو حاتم ، وقال: "ثقة" ، وروى عنه أبو عوانة الكوفي. مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 1 / 81. و"عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي". روى عن أبيه. روى عنه البخاري في الأدب ، وأبو كريب. قال أبو حاتم: "واهن الحديث" ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "ربما أخطأ".

(47) هو أسيد بن عنقاء الفزاري.

(48) سلف تخريجه وشرحه في 5: 594 ، 595.

(49) انظر تفسيره"السيما" فيما سلف 5: 594.

(50) انظر تفسير"سوم" فيما سلف 5: 251 - 257.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[126] جعل سبحانه الأسباب للمطالب العالية مبشرات لتطمين القلوب وزيادة الإيمان؛ كما في إنزال الملائكة: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ﴾.
عمل
[126] بشِّر مسلمًا بخبر يفرحه ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ﴾.
وقفة
[126] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ فلن ينفع الطغاة قوة أهل الارض جميعًا، فإن القوة لله جميعًا، والنصر من عنده، فأبشروا يا أمة محمد.
وقفة
[126] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ النصر محصور قطعًا بيد الله، لكن هذا النصر له قوانين: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد: 7].
وقفة
[126] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ اختصار الطريق إلى النصر يكون بطلبه من الله وحده، وإلا دخلنا في المتاهة.
عمل
[126] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده؛ فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلِّين؛ ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه.
تفاعل
[126] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ سَل الله أن يُعجل نصر المؤمنين.
وقفة
[126] نصَرهم بخمسة آلاف من الملائكة، وحتى لا يذهب توكلهم عليه قال: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[126] النصر من عند الله ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[126] مع تطمينه وتبشيره للمجاهدين، بنزول الملائكة مردفين، إلا أنه قرر بأن النصر إنما هو من عنده؛ فلا يتعلقوا بغير الله؛ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[126] نصرهم الله يوم بدر بخمسة آلاف من الملائكة، وحتى لا تتعلق القلوب بالأسباب وتغفل عن رب الأسباب ذكَّرهم بهذه الحقيقة: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[126] مهما ملكت من أسباب القوة فإنك لن تعدو قدرك ما لم ينصرك الله، فاختصر الطريق والتمسه ممن هو بيده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[126] معركة قائدها من البشر ﷺ، ومن الملائكة جِبْرِيل، ومعه 5000 من الملائكة، ومع ذلك: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ التوكل التوكل.

الإعراب :

  • ﴿ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. جعله: فعل ماض مبني على الفتح. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. بشرى: مفعول به ثان منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. لكم: جار ومجرور متعلق ببشرى أو بصفة محذوفة منها والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ:
  • الواو عاطفة. اللام لام التعليل «حرف جر» تطمئنّ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. قلوبكم: فاعل مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. به: جار ومجرور متعلق بتطمئن. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: بشركم. وجملة «تطمئن قلوبكم» صلة «ان».
  • ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ:
  • الواو: إستئنافية. ما: نافية لا عمل لها. النصر: مبتدأ مرفوع بالضمة. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. من عند: جار ومجرور متعلق بخبر محذوف تقديره «كائن
  • ﴿ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ:
  • لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة. العزيز: صفة- نعت- لله مجرور بالكسرة. الحكيم: صفة ثانية لله تعالى مجرور بالكسرة. '

المتشابهات :

آل عمران: 126﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ
آل عمران: 126﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
الأنفال: 10﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
الأنفال: 10﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [126] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ عز وجل المدد؛ بَيَّنَ هنا أنه جعل هذا المدد بشرى لتطمئن القلوب، وتطيب بوعد الله بالنصر، ثم بَيَّنَ أن النصر إنما هو من عند الله وحده، وليس من الملائكة أو من غيرهم، قال تعالى:
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [127] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ..

التفسير :

[127] وكان نصر الله لكمﺑ«بدْر» ليهلك فريقاً من الكفار بالقتل، ومن نجا منهم من القتل رجع حزيناً قد ضاقت عليه نفسه، يَظْهر عليه الخزي والعار.

يخبر تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين:إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا، أي:جانبا منهم وركنا من أركانهم، إما بقتل، أو أسر، أو استيلاء على بلد، أو غنيمة مال، فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون، وذلك لأن مقاومتهم ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم، الأمر الثاني أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعا في المسلمين، ويمنوا أنفسهم ذلك، ويحرصوا عليه غاية الحرص، ويبذلوا قواهم وأموالهم في ذلك، فينصر الله المؤمنين عليهم ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم، بل يرجعون بخسارة وغم وحسرة، وإذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين الأمرين، غير خارج عنهما إما نصر عليهم أو خذل لهم.

ثم بين- سبحانه- الحكمة من هذا النصر والثمرات التي ترتبت عليه فقال- تعالى-:

لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.

وقوله لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ متعلق بقوله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ وما بينهما تحقيق لحقيته، وبيان لكيفية وقوعه.

والقطع- كما يقول الراغب- فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة والمراد به هنا الإهلاك والقتل.

والطرف- بفتح الراء- جانب الشيء أو الجزء المتطرف منه كاليدين والرجلين والرأس.

والمراد به هنا طائفة من المشركين.

والكبت في اللغة: صرع الشيء على وجهه. يقال: كبته فانكبت، والمراد به هنا الإخزاء والإذلال وشدة الغيظ بسبب ما أصابهم من هزيمة.

وخائبين من الخيبة وهي انقطاع الأمل في الحصول على الشيء. يقال: خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب.

والمعنى: ولقد نصركم الله- تعالى- ببدر وأنتم في قلة من العدد والعدة لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أى ليهلك طائفة من الذين كفروا ويستأصلهم بالقتل. وينقص من أرضهم بالفتح، ومن سلطانهم بالقهر، ومن أموالهم بالغنيمة أَوْ يَكْبِتَهُمْ أى يذلهم ويخزيهم ويغيظهم غيظا شديدا بسبب ما نزل بهم من هزيمة، حتى يخبو صوت الكفر، ويعلو صوت الإيمان:

وقوله فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ أى فينهزموا ويرتدوا على أدبارهم منقطعي الآمال، غير ظافرين بمبتغاهم.

قال الآلوسى: «ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف فقال لِيَقْطَعَ طَرَفاً لأن أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته. وقيل: لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ. وقيل للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافا، ومنه قولهم: هو من أطراف العرب أى من أشرافهم، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم في السير.. فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بالقتل والأسر. وقد وقع ذلك في بدر فقد قتل المؤمنون من المشركين سبعين وأسروا سبعين» .

وأَوْ في قوله أَوْ يَكْبِتَهُمْ للتنويع. لأن القطع والكبت قد وقعا للمشركين، فهي مانعة خلو، أى لا يخلو أمر الكافرين من الهلاك والكبت.

وعبر عن عودتهم خائبين بقوله فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ للإشارة إلى أن مقاصدهم وأهدافهم قد انقلبت، فقد كانوا يقصدون إطفاء نور الإسلام فخاب قصدهم، وطاش سهمهم، وعادوا وقد فقدوا الكثيرين من وجوههم وصناديدهم، وتركوا خلفهم في الأسر العشرات من رجالهم.

أما الإسلام فقد ازداد نوره تألقا، وازداد أتباعه إيمانا على إيمانهم. ورزقهم الله- تعالى- نصره المبين.

ثم قال تعالى : ( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) أي : أمركم بالجهاد والجلاد ، لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين . فقال : ( ليقطع طرفا ) أي : ليهلك أمة ( من الذين كفروا أو يكبتهم ) أي : يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا ، ولهذا قال : ( أو يكبتهم فينقلبوا ) أي : يرجعوا ( خائبين ) أي : لم يحصلوا على ما أملوا .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وما جعل الله وعده إياكم ما وعدكم من إمداده إياكم بالملائكة الذين ذكر عددهم =" إلا بشرى لكم "، يعني بشرى، يبشركم بها =" ولتطمئن قلوبكم به "، يقول. وكي تطمئن بوعده الذي وعدكم من ذلك قلوبكم، فتسكن إليه، ولا تجزع من كثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم =" وما النصر إلا من عند الله "، يعني: وما ظفركم إن ظفرتم بعدوكم إلا بعون الله، لا من قِبَل المدد الذي يأتيكم من الملائكة. يقول: فعلى الله فتوكلوا، وبه فاستعينوا، لا بالجموع وكثرة العدد، فإن نصركم إن كان إنما يكون بالله وبعونه ومعكم من ملائكته خمسة آلاف، (51) فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم على عدوكم، وإن كان معكم من البشر جموع كثيرة = أحْرَى، (52) فاتقوا الله واصبروا على جهاد عدوكم، فإن الله ناصركم عليهم. كما:-

7793- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وما جعله الله إلا بشرى لكم "، يقول: إنما جعلهم ليستبشروا بهم وليطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ = يعني يوم أحد = قال مجاهد: ولم يقاتلوا معهم يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر.

7794- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به "، لما أعرف من ضعفكم، وما النصر إلا من عندي بسلطاني وقدرتي، وذلك أن العزّ والحكم إلىّ، (53) لا إلى أحد من خلقي. (54)

7795- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " وما النصر إلا من عند الله "، لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعَل " العزيز الحكيم ".

* * *

وأما معنى قوله: " العزيز الحكيم "، فإنه جل ثناؤه يعني: " العزيز " في انتقامه من أهل الكفر به بأيدي أوليائه من أهل طاعته =" الحكيم " في تدبيره لكم، أيها المؤمنون، على أعدائكم من أهل الكفر، وغير ذلك من أموره. (55) يقول: فأبشروا أيها المؤمنون، بتدبيري لكم على أعدائكم، ونصري إياكم عليهم، إن أنتم أطعتموني فيما أمرتكم به، وصبرتم لجهاد عدوِّى وعدوِّكم.

----------------

الهوامش :

(51) في المخطوطة والمطبوعة: "وبعونه معكم من ملائكته. . ." بإسقاط الواو من"معكم" ، وهو خلل في الكلام والسياق.

(52) سياق الكلام: "فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم. . . أحرى". ثم انظر إلى هذا الإمام كيف يتحرى في بيان معاني كتاب الله إخلاص التوحيد لله ، ونفى الشرك عنه في صفاته سبحانه ، فأخرج من النصر ما يتوهم المتوهم أن نزول الملائكة كان هو سبب نصر المؤمنين ، فلخص المعنى تلخيصًا كله تقوى لله وإخلاص له ، ونفي للشرك عن صفاته سبحانه ، فبين أن النصر من عند الله للمؤمنين وللملائكة جميعًا على عدو الله وعدوهم ، وأنهم إنما كانوا مددًا للمؤمنين ، كما قال ربنا سبحانه. وهذا من فقه أبي جعفر وبصره وتحققه بمعاني هذا الكتاب الذي لا يدرك أحد توحيد الله حق توحيده إلا بتلاوته وفهمه وتفقهه فيه ، واتباعه لبيانه العربي المحكم. ورحم الله أبا جعفر ، فإنه كان إمامًا في التفسير ، قيما عليه.

(53) في المطبوعة: "وذلك أني أعرف الحكمة التي لا إلى أحد من خلقي" ، وهو كلام قد ضل عنه معناه. وفي المخطوطة: "وذلك أن العرف الحكمة التي لا إلى أحد من خلقي" ، وهو شبيه به في الخطل. والصواب ما أثبته من نص ابن إسحاق في سيرة ابن هشام.

(54) الأثر: 7994- سيرة ابن هشام 3: 114 ، وهو تابع للأثرين السالفين: 7733 ، 7741.

(55) في المخطوطة: "في تدبيره ولكم أيها المؤمنون وعلى أعدائكم" ، وهو لا يستقيم مع سياقته ، والصواب ما في المطبوعة.

المعاني :

ليقطع طرفا :       ليُهلِك طائفة معاني القرآن
يَكْبِتَهُمْ :       يُخْزِيَهُمْ السراج
يكبِتهم :       يُخزيهم و يغمّهم بالهزيمة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[127] الكبت هو الإخزاء والإهلاك واللعن والهزيمة والغيظ والإذلال، والخيبة هي الحرمان، والفرق بين الخيبة واليأس أن الخيبة لا تكون إلا بعد الأمل، وأما اليأس فإنه قد يكون قبل الأمل، فالخيبة أشد وقعًا على النفس.

الإعراب :

  • ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً:
  • اللام: حرف جر للتعليل. يقطع: الجملة صلة «أن» مضمرة بعد اللام وهي فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو أي نصركم. طرفا: مفعول به منصوب بالفتحة. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف تقديره: نصركم.
  • ﴿ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طَرَفاً». الذين: إسم موصول في محل جرّ بمن كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ أَوْ يَكْبِتَهُمْ:
  • أو: حرف عطف. يكبت: معطوفة على «يقطع» وتعرب إعرابها. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ:
  • الفاء: عاطفة. ينقلب: فعل مضارع معطوف على «يكبت» أو «يقطع» منصوب مثله وعلامة نصبه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. خائبين: حال منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين الإسم المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 127﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ
آل عمران: 149﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ
المائدة: 21﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [127] لما قبلها :     وبعد بيان أن النصر إنما هو من عند الله وحده، بَيَّنَ هنا ما للنصر من ثمرات، قال تعالى:
﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ

القراءات :

يكبتهم:
وقرئ:
1- تكبتهم، بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
2- يكبدهم، بالدال أي: يصيب الحزن كبدهم، وهى قراءة لا حق.

مدارسة الآية : [128] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ..

التفسير :

[128] ليس لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء، بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك له، ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا، فيتوب الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة؛ بسبب ظلمه وبغيه.

لما جرى يوم "أحد"ما جرى، وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب، رفع الله بها درجته، فشج رأسه وكسرت رباعيته، قال "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم"وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله{ ليس لك من الأمر شيء} إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله تعالى هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم بل أمرهم راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل، وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم، وفي هذه الآية مما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، نقص في العقل، يتركون من الأمر كله له ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة، إن هذا لهو الضلال البعيد، وتأمل كيف لما ذكر تعالى توبته عليهم أسند الفعل إليه، ولم يذكر منهم سببا موجبا لذلك، ليدل ذلك على أن النعمة محض فضله على عبده، من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة، ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم، ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية، فقال{ أو يعذبهم فإنهم ظالمون} ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ولم يظلم عبده بل العبد هو الذي ظلم نفسه

وقوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أى: ليس لك من أمر الناس شيء، وإنما أمرهم إلى الله وحده، أما أنت فوظيفتك التبليغ والإرشاد ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

وقوله أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. أى مما هم فيه من الكفر فيهديهم إلى الإسلام بعد كفرهم وضلالهم.

وقوله أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ أى أو يعذبهم في الدنيا والآخرة على كفرهم واجتراحهم للسيئات، فإنهم بذلك يكونون مستحقين للعقاب، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فهم الذين صموا آذانهم عن الحق واستحبوا العمى على الهدى.

وعلى هذا يكون قوله- تعالى- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ جملة معترضة بين المتعاطفات ويكون تقدير الآيتين هكذا:

ولقد نصركم الله ببدر ليهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل والأسر، أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم في الدنيا والآخرة بسبب ظلمهم، وليس لك من أمرهم شيء، إنما أنت رسول من عند الله- تعالى- مأمور بإنذارهم وجهادهم.

وقد رجح هذا الوجه صاحب الكشاف فقال: وقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراض. والمعنى أن الله مالك أمرهم، فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر، وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم..

وقيل إن أَوْ بمعنى «إلا أن» كقولك: لألزمنك أو تقضيني حقي، على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب عليهم فتفرح بحالهم، أو يعذبهم فتتشفى منهم .

فأنت ترى أن الآيتين الكريمتين قد بينتا أحوال الكافرين في غزوة بدر أكمل بيان، لأن فريقا منهم قد قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين، وفريقا كبتوا وذلوا، وفريقا من الله عليهم بالإسلام فأسلموا، وفريقا عذبوا بالموت على الكفر أو عذبوا في الدنيا بالذل والصغار.

و «أو» التي جيء بها بين هذه الجمل للتقسيم.

هذا، وقد روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ روايات منها ما أخرجه مسلم عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم- عز وجل- فأنزل الله- تعالى- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.

ومنها ما أخرجه البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: «اللهم ربنا ولك الحمد.

اللهم أنج الوليد بن الوليد. وسلمة بن هشام، وعياش بن أبى ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا «لأحياء من العرب» حتى أنزل الله- تعالى-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .

ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له ، فقال : ( ليس لك من الأمر شيء ) أي : بل الأمر كله إلي ، كما قال : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] وقال ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] . وقال ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [ القصص : 56 ] .

قال محمد بن إسحاق في قوله : ( ليس لك من الأمر شيء ) أي : ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم .

ثم ذكر تعالى بقية الأقسام فقال : ( أو يتوب عليهم ) أي : مما هم فيه من الكفر ويهديهم بعد الضلالة ( أو يعذبهم ) أي : في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ، ولهذا قال : ( فإنهم ظالمون ) أي : يستحقون ذلك .

وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، حدثني سالم ، عن أبيه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر اللهم العن فلانا وفلانا " بعد ما يقول : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " فأنزل الله تعالى ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] ) .

وهكذا رواه النسائي ، من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق ، كلاهما ، عن معمر ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو عقيل - قال أحمد : وهو عبد الله بن عقيل ، صالح الحديث ثقة - قال : حدثنا عمر بن حمزة ، عن سالم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم العن فلانا ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية " . فنزلت هذه الآية : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) فتيب عليهم كلهم .

وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية الغلابي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة قال : فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] ) قال : وهداهم الله للإسلام .

وقال محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم ، حتى أنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء ) الآية .

وقال البخاري أيضا : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد - أو يدعو لأحد - قنت بعد الركوع ، وربما قال - إذا قال : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد - : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . يجهر بذلك ، وكان يقول - في بعض صلاته في صلاة الفجر - : " اللهم العن فلانا وفلانا " لأحياء من أحياء العرب ، حتى أنزل الله ( ليس لك من الأمر شيء ) الآية .

وقال البخاري : قال حميد وثابت ، عن أنس بن مالك : شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فقال : " كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ " . فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء ) وقد أسند هذا الحديث الذي علقه البخاري رحمه الله .

وقال البخاري في غزوة أحد : حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي ، حدثنا عبد الله - أخبرنا معمر ، عن الزهري ، حدثني سالم بن عبد الله ، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - إذا رفع رأسه من الركوع ، في الركعة الأخيرة من الفجر - : " اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا " بعد ما يقول : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " . فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ إلى قوله : ( فإنهم ظالمون ) ] .

وعن حنظلة بن أبي سفيان قال : سمعت سالم بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم ] فإنهم ظالمون ) .

هكذا ذكر هذه الزيادة البخاري معلقة مرسلة - مسندة متصلة في مسند أحمد ، متصلة آنفا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن أنس ، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه ، فقال : " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ، عز وجل " . فأنزل الله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون )

انفرد به مسلم ، فرواه [ عن ] القعنبي ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكره .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا الحسين بن واقد ، عن مطر ، عن قتادة قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته ، وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان والدم يسيل ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة ، فأجلسه ومسح عن وجهه ، فأفاق وهو يقول : " كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم إلى الله ؟ " فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] ) .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه ، ولم يقل : فأفاق .

القول في تأويل قوله : لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولقد نصركم الله ببدر " ليقطع طرفًا من الذين كفروا "، ويعني بـ" الطرف "، الطائفة والنفر.

* * *

يقول تعالى ذكره: ولقد نصركم الله ببدر، كما يُهلك طائفة من الذين كفروا بالله ورسوله، فجحدوا وحدانية ربهم، ونبوة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، كما:-

7796- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ليقطع طرفًا من الذين كفروا "، فقطع الله يوم بدر طرفًا من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤساءهم، وقادتهم في الشر.

7797- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، نحوه.

7798- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: " ليقطع طرفًا من الذين كفروا " الآية كلها، قال: هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة.

7799- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ليقطع طرفًا من الذين كفروا "، أي: ليقطع طرفًا من المشركين بقتل ينتقم به منهم. (56)

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما النصر إلا من عند الله ليقطع طرفًا من الذين كفروا. وقال: إنما عنى بذلك من قُتل بأحد.

*ذكر من قال ذلك:

7800- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر الله قتلى المشركين -يعني بأحد- وكانوا ثمانية عشر رجلا فقال: " ليقطع طرفًا من الذين كفروا "، ثم ذكر الشهداء فقال: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الآية. [سورة آل عمران: 169]

* * *

وأما قوله: " أو يكبتهم "، فإنه يعني بذلك: أو يخزيهم بالخيبة مما رجوا من الظفر بكم.

وقد قيل: إن معنى قوله: " أو يكبتهم "، أو يصرعهم لوجوههم. ذكر بعضهم أنه سمع العرب تقول: " كبته الله لوجهه "، بمعنى صرعه الله. (57)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ولقد نصركم الله ببدر ليهلك فريقًا من الكفار بالسيف، أو يخزيهم بخيبتهم مما طمعوا فيه من الظفر =" فينقلبوا خائبين "، يقول: فيرجعوا عنكم خائبين، لم يصيبوا منكم شيئًا مما رجوا أن ينالوه منكم، كما:-

7801- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " أو يكبتهم فينقلبوا خائبين "، أو يردهم خائبين، أي: يرجع من بقي منهم فلاًّ خائبين، (58) لم ينالوا شيئًا مما كانوا يأملون. (59)

7802- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أو يكبتهم "، يقول: يخزيهم،" فينقلبوا خائبين ".

7803- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.

---------------------

الهوامش :

(56) الأثر: 7799- سيرة ابن هشام 3: 114 ، وهو تابع الأثر السالف رقم: 7994. هذا وقد أسقطت المخطوطة والمطبوعة"عن ابن إسحاق" ، فأثبتها ، فهو إسناد دائر في التفسير كما ترى.

(57) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 103.

(58) في المخطوطة والمطبوعة: "أو يرجع من بقي. . ." ، والصواب من سيرة ابن هشام. وأما المطبوعة فقد حذفت قوله: "فلا" ، لأن قلم الناسخ قد اضطرب فضرب خطأ غير بالغ على قوله: "فلا" ، فظنها الناشر علامة حذف. والصواب إثباتها كما في سيرة ابن هشام. والفل (بفتح الفاء وتشديد اللام): المنهزمون ، يقال: "جاء فل القوم" ، أي منهزموهم ، يستوي فيه الواحد والجمع.

(59) الأثر: 7801- سيرة ابن هشام 3: 114 ، وهو تابع الآثار التي آخرها رقم: 7799.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[128] في هذه الآية ما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد -وإن ارتفعت درجته وعلا قدره- قد يختار شيئًا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول ﷺ ليس له من الأمر شيء، فغيره من باب أولى؛ ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، ونقص في العقل؛ يتركون مَن الأمر كله له، ويَدْعُون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة.
وقفة
[128] ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ مكان النصر وزمانه ليس لك وإن كنت نبيًّا!
وقفة
[128] ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ قال السعدي: «إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء».
وقفة
[128] ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ مهما كان حجم تضحياتك: الأمر كله لله! مكان النصر وزمانه ليس لك.
وقفة
[128] ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ عليك أن تنقذ الناس من النار، لا أن تحكم على الناس بالنار.
وقفة
[128] الأمر كله لله تعالى، فيحكم بما يشاء، ويقضي بما أراد، والمؤمن الحق يُسَلِّم لله تعالى أمره، وينقاد لحكمه ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾.
وقفة
[128] ﴿لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم﴾ رسالتك تنتهي عند البلاغ؛ مصائر الخلق ليست لك.
تفاعل
[128] ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ سَل الله أن يتوب عليك.
تفاعل
[128] ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ استعذ بالله من هذا.

الإعراب :

  • ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ:
  • ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لك: جار ومجرور متعلق بخبر «لَيْسَ» المقدم و «مِنَ الْأَمْرِ» جار ومجرور متعلق بحال من «شَيْءٌ» لأنه صفة مقدمة عليها. شيء: إسم «لَيْسَ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ:
  • معطوفة بأو على «يقطع» الواردة في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. أو منصوبة بأن مضمرة أو بأو على معنى «حتى» أو «إلا أن». عليهم: جار ومجرور متعلق بيتوب و «هم» ضمير الغائبين في محل جرّ بعلى.
  • ﴿ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ:
  • أو يعذّب: تعرب إعراب «أَوْ يَتُوبَ» وهم: ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ:
  • : الفاء: إستئنافية. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب إسم «ان». ظالمون: خبرها مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أُحد كسرت رباعية رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشُجَّ في وجهه، قال: فجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقولكيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى الله؟). قال: فأنزل اللهلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ). 2 - أخرج البخاري وأحمد والنَّسَائِي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقولاللهم العن فلانًا وفلاناً وفلانًا) بعد ما يقولسمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) فأنزل اللهلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إلى قوله (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ). وفي لفظ لأحمد والنَّسَائِي عنه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: ثم قالاللهم العن فلاناً وفلانًا) دعا على ناسٍ من المنافقين فأنزل الله تعالىلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ... ). وفي لفظ لأحمد عنه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولاللهم العن فلاناً، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية) قال: فنزلت هذه الآيةلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ... ). قال: فتيب عليهم كُلِّهم.وأخرجه البخاري معلقاً عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو على صفوان بن أُمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلتلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إلى قوله (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ). 3 - أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال: إذا قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمداللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجراللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياءٍ من العرب، حتى أنزل اللهلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).ولفظ مسلم عنه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قالاللهم العن لحيان ورِعْلاً وذكوان وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أُنزللَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).* دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد ذكر المفسرون هذه الأحاديث في سبب نزولها لكنهم لم يخلصوا فيها إلى سبب معين يركن إليه ويعتمد عليه، ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، ومن المعلوم قطعاً أنه لا يمكن القول بأن هذه الأحاديث جميعاً سبب لنزول الآية الكريمة وحينئذٍ لا بد من النظر فيما يمكن اعتباره سبباً لنزولها فأقول مستعيناً بالله تعالى:حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الدعاء على القبائل المذكورة ليس سبباً للنزول لما يلي: 1 - أن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أحد - كما ذكره ابن القيم، وابن حجر - رحمة الله عليهما، وقصة رعل، ولحيان، وذكوان، وعصيَّة كانت لما قُتل القراء في بئر معونة، وذلك في صفر من السنة الرابعة فكيف يتقدم النزول على السبب؟. 2 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الدعاء عليهم لما جاؤوا تائبين مسلمين وليس لأن الآية نزلت ناهيةً عن الدعاء عليهم. 3 - أن ذكر النزول بسبب هذه القضية لم يثبت من حيث الإسناد وقد تقدم شيء من هذا عند الكلام على رواية مسلم ومع هذا فقد قال ابن حجر معقباً على رواية البخاريثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجاً، وأن قوله: حتى أنزل الله، منقطع من رواية الزهري عمن بلّغه، بيّن ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته) اهـ - يعني الانقطاع -. وبما تقدم يتبين أن ذكر نزول الآية عند الدعاء على هؤلاء الأحياء من العرب لم يصح سنداً ومتناً وإن كان الدعاء عليهم ثابتًا في الصحيح والعلم عند الله تعالى.وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في دعاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناسٍ من المنافقين فأنزل الله الآية. فقد تقدم بيان شذوذها من جهة الإسناد، وهي كذلك شاذة من جهة المتن إذ كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعامل المنافقين كما يعامل أصحابه المؤمنين لأنهم أصحاب في الظاهر ويشهد لذلك ما روى البخاري عن جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كنا في غزاةٍ فذكر الحديث ... إلى أن قال عبد الله بن أبي: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ، فبلغ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام عمر، فقال: يا رسول الله دعني أضربْ عنق هذا المنافق. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه). فانظر كيف عدهم أصحابًا فقد كانوا يصحبونه في الظاهر، وأمر سرائرهم إلى الله وحده فلماذا الدعاء عليهم؟.أما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في تسمية النفر الثلاثة من قريش عند الدعاء عليهم فلم يصح في حديث مرفوع كما تقدم بحث ذلك، وإنما الذي صح هو الدعاء على أُناس مبهمين فأنزل الله الآية.وحينئذٍ ينحسر النظر في حديث أنس في قصة أحد والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح الدم عن وجهه ويقولكيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم) وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في دعاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الركوع فما الجواب عن هذين السببين؟. الطبري ذهب إلى صلة الآية بما قبلها فقاليعني بذلك تعالى ذكره: ليقطع طرفاً من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم فإنهم ظالمون ليس لك من الأمر شيء، فقولهأَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) منصوب عطفاً على قولهأَوْ يَكْبِتَهُمْ). اهـ.ثم ساق حديث أنس وذكر من القائلين به ابن عبَّاسٍ، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس.وما ذُكر يشير إلى اختياره لحديث أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في سبب نزولها.وقال السعديلما أُصيب - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد، وكسرت رباعيته وشج في رأسه جعل يقول: كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته فأنزل الله تعالى هذه الآية وبيّن أن الأمر كله للَّه، وأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس له من الأمر شيء؛ لأنه عبد من عبيد الله، والجميع تحت عبودية ربهم مدبَّرون لا مدبرون.وهؤلاء الذين دعوت عليهم أيها الرسول، أو استبعدت فلاحهم وهدايتهم إن شاء الله تاب عليهم، ووفقهم للدخول في الإسلام، وقد فعل فإن أكثر أولئك هداهم الله فأسلموا.وإن شاء الله عذبهم فإنهم ظالمون، مستحقون لعقوبات الله وعذابه) اهـ.فالسعدي - رحمه الله - وإن كان قدم حديث أنس، إلا أنه أشار إلى حديث ابن عمر في قوله: وهؤلاء الذين دعوت عليهم أيها الرسول. فإن حديث أنس خلا من الدعاء على أحد.أما الطاهر بن عاشور فرد حديث أنس بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يدّع لنفسه شيئاً أو عملاً حتى يقاللَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).وردَّ حديث ابن عمر بحديث ورد فيه قولُهإني لم أبعث لعاناً) ولم يعزه وبما ثبت من خُلُقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان لا ينتقم لنفسه. أما ابن حجر فمرةً قالوالصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد والله أعلم، ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بقتلهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أي يخزيهم، ثم قالأَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي فيسلموا (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) أي إن ماتوا كفاراً) اهـ.ومرةً جمع بينهما فقالوطريق الجمع بينه - أي حديث أنس - وبين حديث ابن عمر أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معاً، فيمًا وقع له من الأمر المذكور، وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم وذلك كله في أحد) اهـ.وعندي - والله أعلم - أن حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أسعد بنزول الآية لما يلي: 1 - أن العلماء - فيما أعلم - متفقون على أن الآية نزلت في قصة أحد، وهذا ما جاء نصاً في حديث أنس، بخلاف حديث ابن عمر الذي خلا من هذا. 2 - أن السبب معلوم في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم) لأنهم كسروا رباعيته، وشجوا وجهه، بينما السبب في لعنه لهؤلاء النفر غير معلوم، إذ يحتمل أن لعنهم كان في أحد ويحتمل أنه في غيرها، ولا يوجد ما يُعيّن ذلك. وقول ابن حجرأنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد) غير مسلَّم فأين الدليل على ذلك؟ ثم ما صلة هؤلاء النفر على وجه الخصوص بأحد؟ تعيينهم بالأسماء لم يثبت كما تقدم. ولو فرضنا جدلاً ثبوته لقلنا ألم يكن في المشركين من هو أنكى على المسلمين من هؤلاء النفر كخالد بن الوليد مثلاً فلماذا ترك الدعاء عليه إذا كان للدعاء علاقة بأحد؟ 3 - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في لعنه لهؤلاء النفر لا يخلو من حالين:الأولى: أن يلعنهم بإذن الله له، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يعاتبه الله على ذلك بقولهلَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) مع أنه قد أذن له فيه. الثانية: أن يلعنهم اجتهادًا من نفسه، وعليه فكيف نجمع بين هذا وبين ما ثبت في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أن اليهود أتوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: السام عليك، قالوعليكم) فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش ... الحديث).فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هنا نهى عائشة، وأخبر أن فعلها من العنف أو الفحش الذي ينافي الرفق، مع أن اليهود هم أول من بدأ بالسوء، والله قد لعنهم وغضب عليهم في كتابه.أفيمكن بعد هذا أن يفعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته، وهو يناجي ربه، ما ينهى عنه عائشة - رضي الله عنها - وهو أتقى الناس لله وأخشاهم له؟فلم يبق إلا أن لعنه لهؤلاء كان بأمر إلهي يستحق عليه الثناء، لا التوبيخ والعتاب. 4 - أن المستقر من سيرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحاله مع الناس أنه لا ينتقم لنفسه كما روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما خُيِّر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنفسه إلا أن تُنتهك حرمةُ الله فينتقم للَّه بها.ولو كان لِلعنه صلة بأُحد لكان انتقاماً لنفسه لأن أبلغ ما فعله المشركون بأحد إصابتهم إياه، ولهذا استبعد فلاحهم بقولهكيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله). ومعلوم أن الدعاء على أحدٍ بسبب مع إهمال سببٍ أبلغَ منه ينافي حكمة العقلاء، فكيف بحكمة سيد الثقلين؟.فإن قيل: ما الجواب عن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؟ فالجواب: أن حديث ابن عمر ثابت في دعاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هؤلاء المبهمين، لكن ليس للدعاء صلة بغزوة أحد، بل في مناسبة أخرى، كما دعا على بعض أَحياء العرب من رعل، وذكوان، ولحيان، وعصيّة لما قتلوا القراء، وأن دعاءه إنما كان بإذن ربه.وذِكرُ آية آل عمران في القصة لا تدل على نزولها في أُحدٍ وإنما تدل على اجتهاد ابن عمر وظنه أنها نزلت في أحد وليس الأمر كذلك والله أعلم. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أُصيب في أُحد: كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله، لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وتحديداً في غزوة أحد، وموافقته للفظ الآية ومناسبته لحال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [128] لما قبلها :     ولَمَّا شُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ؛ قَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ؟ فنزل قوله تعالى:
﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ

القراءات :

أو يتوب عليهم أو يعذبهم:
وقرئا:
برفعهما، على معنى: أو هو يتوب عليهم، وهى قراءة أبى.

مدارسة الآية : [129] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا ..

التفسير :

[129] ولله وحده ما في السموات وما في الأرض، يغفر لمن يشاء من عباده برحمته، ويعذب من يشاء بعدله. والله غفور لذنوب عباده، رحيم بهم.

ولما نفى عن رسوله أنه ليس له من الأمر شيء قرر من الأمر له فقال{ ولله ما في السماوات وما في الأرض} من الملائكة والإنس والجن والحيوانات والأفلاك والجمادات كلها، وجميع ما في السماوات والأرض، الكل ملك لله مخلوقون مدبرون متصرف فيهم تصرف المماليك، فليس لهم مثقال ذرة من الملك، وإذا كانوا كذلك فهم دائرون بين مغفرته وتعذيبه فيغفر لمن يشاء بأن يهديه للإسلام فيغفر شركه ويمن عليه بترك العصيان فيغفر له ذنبه،{ ويعذب من يشاء} بأن يكله إلى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه على ذلك، ثم ختم الآية باسمين كريمين دالين على سعة رحمته وعموم مغفرته وسعة إحسانه وعميم إحسانه، فقال{ والله غفور رحيم} ففيها أعظم بشارة بأن رحمته غلبت غضبه، ومغفرته غلبت مؤاخذته، فالآية فيها الإخبار عن حالة الخلق وأن منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه، فلم يختمها باسمين أحدهما دال على الرحمة، والثاني دال على النقمة، بل ختمها باسمين كليهما يدل على الرحمة، فله تعالى رحمة وإحسان سيرحم بها عباده لا تخطر ببال بشر، ولا يدرك لها وصف، فنسأله تعالى أن يتغمدنا ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين.

ثم ختم- سبحانه- هذا التذكير بما جرى في غزوة بدر ببيان قدرته الشاملة، وإرادته النافذة فقال- سبحانه-: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

أى الله جميع ما في السموات وما في الأرض ملكا وتصرفا وتدبيرا لا ينازعه في ذلك منازع ولا يعارضه معارض، وهو- سبحانه- يغفر لمن يشاء أن يغفر له من المؤمنين فلا يعاقبه على ذنبه فضلا منه وكرما، ويعذب من يشاء أن يعذبه عدلا منه وَاللَّهُ غَفُورٌ أى كثير المغفرة يحبها ويريدها، رَحِيمٌ أى واسع الرحمة بعباده، لا يؤاخذهم بكل ما اكتسبوه من ذنوب بل يعفو عن كثير منها.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد افتتحت الحديث عن غزوة أحد باستحضار بعض أحداثها، وبتذكير المؤمنين بما همّ به بعضهم قبل أن تبدأ المعركة، ثم بتذكيرهم بمعركة بدر وما تم لهم فيها من نصر مؤزر منحه الله لهم مع قلتهم وضعفهم، حتى يعرفوا أن النصر ليس بكثرة العدد والعدد وإنما النصر يتأتى مع صفاء النفوس، ونقاء القلوب، ومضاء العزائم والطاعة التامة الله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وحتى لا يعودوا إلى ما حدث من بعضهم في غزوة أحد من مخالفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن طمع في زينة الحياة الدنيا.

وبعد هذا التذكير الحكيم والتوجيه السديد، وجه القرآن نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن تعاطى الربا، وأمرهم بتقوى الله وبطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى مغفرته ورضوانه فقال- تعالى-:

ثم قال تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) أي : الجميع ملك له ، وأهلهما عبيد بين يديه ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أي : هو المتصرف فلا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، والله غفور رحيم .

القول في تأويل قوله : لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ليقطع طرفًا من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم، فإنهم ظالمون، ليس لك من الأمر شيء.

* * *

فقوله: " أو يتوب عليهم "، منصوبٌ عطفًا على قوله: أَوْ يَكْبِتَهُمْ .

وقد يحتمل أن يكون تأويله: ليس لك من الأمر شيء، حتى يتوب عليهم = فيكون نصب " يتوب " بمعنى " أو " التي هي في معنى " حتى ". (60)

* * *

قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بالصواب، لأنه لا شيء من أمر الخلق إلى أحدٍ سوى خالقهم، قبل توبة الكفار وعقابهم وبعد ذلك.

* * *

وتأويل قوله: " ليس لك من الأمر شيء "، ليس إليك، يا محمد، من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري، وتنتهيَ فيهم إلى طاعتي، وإنما أمرهم إليّ والقضاء فيهم بيدي دون غيري، أقضى فيهم وأحكمُ بالذي أشاء، من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنّقَم المبيرة، وإما في آجل الآخرة بما أعددتُ لأهل الكفر بي. كما:-

7804- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون "، أي: ليس لك من الحكم شيء في عبادي، إلا ما أمرتك به فيهم، أو أتوب عليهم برحمتي، فإن شئتُ فعلتُ، أو أعذبهم بذنوبهم = (61) " فإنهم ظالمون "، أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي. (62)

* * *

وذكر أن الله عز وجل إنما أنـزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لما أصابه بأحُد ما أصابه من المشركين، قال، كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق: " كيف يفلح قومٌ فعلوا هذا بنبيهم!!"

*ذكر الرواية بذلك:

7805- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا حميد قال، قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رَبَاعيته، وشُجَّ، فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم!! فأنـزلت: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوبَ عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". (63)

7806- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

7807- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن حميد الطويل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

7808- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شُجَّ في جبهته وكسِرت رباعيته: لا يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم! فأوحى الله إليه: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". (64)

7809- حدثني يعقوب، عن ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحُد: كيف يفلح قوم دمَّوا وجه نبيهم وهو &; 7-197 &; يدعوهم إلى الله عز وجل!! فنـزلت: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". (65)

7810- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك.

7811- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون "، ذكر لنا أن هذه الآية أنـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وقد جُرح نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيبَ بعضُ رباعيته، فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنـزل الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".

7812- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن مطر، عن قتادة قال: أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكِسرت رباعيته، وفُرِق حاجبه، فوقع وعليه درعان، والدم يسيل، فمر به سالم مولى أبي حذيفة، فأجلسه ومسح عن وجهه فأفاق وهو يقول: كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله! فأنـزل الله تبارك وتعالى: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".

7813- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قوله: " ليس لك من الأمر شيء " الآية قال قال الربيع بن أنس: أنـزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحُد، وقد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيبتْ رباعيته، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ عليهم، فقال: " كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله وهم يدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! فهمَّ أن يدعوَ عليهم، فأنـزل الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون "، فكفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم.

7814- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم " الآية كلها، فقال: جاء أبو سفيان من الحول غضبان لما صُنع بأصحابه يوم بدر، فقاتل أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالا شديدًا، حتى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمةً علم الله أنها قد خالطت غضبًا: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الإسلام! فقال الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".

7815- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: أن رباعية النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص، وشجه في وجهه. وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الدمَ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كيف يفلح قوم صنعوا بنبيهم هذا!! فأنـزل الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".

7816- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، وعن عثمان الجزري، عن مقسم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد، حين كسر رباعيته، وَوثأ وجهه، (66) فقال: " اللهم لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا!" قال: فما حال عليه الحول حتى مات كافرا.

7817 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: شج النبي صلى الله عليه وسلم في فرق حاجبه، وكسرت رباعيته.

= قال ابن جريج: ذكر لنا أنه لما جرح، جعل سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله!". فأنـزل الله عز وجل: (ليس لك من الأمر شيء)

* * *

وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه دعا على قوم، فأنـزل الله عز وجل: ليس الأمر إليك فيهم.

* ذكر الرواية بذلك:

7818 - حدثني يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يدعو على أربعة نفر، فأنـزل الله عز وجل: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) قال: وهداهم الله للإسلام (67) .

&; 7-200 &;

7819 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أحمد بن بشير، عن عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اللهم العن أبا سفيان ! اللهم العن الحارث بن هشام ! اللهم العن صفوان بن أميه ! فنـزلت: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) (68) .

&; 7-201 &;

7820 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عبد الله بن كعب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قالاللهم أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد! اللهم أنج المستضعفين من المسلمين! اللهم اشدد وطأتك على مضر! اللهم سنين كسنين آل يوسف ! فأنـزل الله: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم) (69) الآية.

7821 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أخبره، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ، في صلاة الفجر، من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد " ثم يقول وهو قائم: " اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين! اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف! اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله!". ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نـزل قوله: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) (70) .

---------------------------

الهوامش :

(60) انظر معاني القرآن للفراء 1: 234.

(61) في سيرة ابن هشام: ". . . بذنوبهم ، فبحقي".

(62) الأثر: 7804- سيرة ابن هشام 3: 115 ، وهو تابع الآثار التي آخرها: 7801 ، مع اختلاف يسير في بعض لفظه.

(63) الحديث: 7805- هذا الحديث رواه الطبري متصلا بخمسة أسانيد: 7805 - 7808 ، 7810 ، من طريق بشر بن المفضل ، وابن أبي عدي ، وهشيم ، وأبي بكر بن عياش ، وابن علية = الخمسة عن حميد بن أبي حميد الطويل ، عن أنس بن مالك. ورواه: 7809 ، من حديث الحسن البصري ، بنحوه ، مرسلا.

وقد رواه أحمد في المسند: 11980 ، عن هشيم ، و: 12862 ، عن سهل بن يوسف ، و: 13115 ، عن يزيد بن هارون ، و: 13170 ، عن ابن أبي عدي = أربعتهم عن حميد الطويل ، به. (ج3 ص99 ، 178 - 179 ، 201 ، 206 حلبى). ورواه الترمذي 4: 83 ، عن أحمد بن منيع ، وعبد بن حميد - كلاهما عن يزيد بن هارون ، كرواية المسند: 13115. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". ورواه أبو جعفر النحاس ، في الناسخ والمنسوخ ، ص: 90 ، من طريق يزيد بن هارون.

ورواه أحمد أيضًا ، بنحوه: 13692 (ج3 ص253 حلبي) ، عن عفان ، عن حماد - وهو ابن سلمة - عن ثابت ، عن أنس.

وكذلك رواه مسلم 2: 67 ، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن حماد بن سلمة ، به

وذكره البخاري في الصحيح 7: 281 ، مختصرًا ، معلقًا ، من الوجهين. قال: "قال حميد وثابت ، عن أنس. . .". وبين الحافظ في الفتح أن رواية حميد وصلها أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن إسحاق في المغازي. وأن رواية ثابت وصلها مسلم.

وذكر ابن كثير 2: 238 رواية البخاري المعلقة. وفي ص: 239 رواية أحمد عن هشيم. ثم أشار إلى رواية مسلم.

وذكره السيوطي 2 : 70 - 71 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل.

وانظر ما يأتي: 7818 - 7821.

"الرباعية" - على وزن"ثمانية": الأسنان الأربعة التي تلي الثناياه ، بين الثنية والناب.

(64) الحديث: 7808- يحيى بن طلحة اليربوعي: سبق في: 421 أن النسائي ضعفه. والراجح توثيقه. فقد ترجمه ابن أبي حاتم 4 / 2 / 160 ، فلم يذكر فيه جرحًا.

(65) الحديث: 7809- هذه رواية الحسن المرسلة. وقد ذكر السيوطي 2: 71 رواية عن الحسن ، مطولة مرسلة أيضًا ، ونسبها لعبد بن حميد ، وحده.

(66) وثأه وثأه: فهو أن يضرب حتى يرهص الجلد واللحم ، ويصل الضرب إلى العظم من غير أن ينكسر ، يكسر اللحم ولا يكسر العظم.

(67) الحديث: 7818 - خالد بن الحارث بن عبيد ، أبو عثمان الهجيمي : ثقة ثبت إمام . وقال أحمد : " إليه المنتهى في التثبت بالبصرة " .

والحديث رواه أحمد في المسند: 5813 ، عن يحيى بن حبيب بن عربي- شيخ الطبري هنا- بهذا الإسناد. ولم يذكر لفظه، إحالة على رواية قبله .

ورواه الترمذي 4 : 84 عن يحيى بن حبيب بن عربي أيضًا . وقال : " هذا حديث حسن غريب صحيح، يستغرب من هذا الوجه ، من حديث نافع عن ابن عمر. ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان" .

ورواه أحمد أيضًا: 5812 - قبل الرواية السابقة - : عن أبي معاوية الغلابي ، عن خالد بن الحارث.

ورواه أحمد أيضًا: 5997 ، بنحوه ، عن هارون بن معروف المروزي ، عن ابن وهب ، عن أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر .

وهو متابعة صحيحة لرواية ابن عجلان عن نافع، التي استغربها الترمذي - فكانت غير غريبة ، بهذه المتابعة الصحيحة .

وذكره ابن كثير 2 : 238 ، من رواية المسند : 5812 .

وأشار إليه الحافظ في الفتح 8 : 170 ، من روايتي أحمد والترمذي .

وذكره السيوطي 2 : 71 ، ونسبه للترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم، فقط .

وانظر الحديث التالي لهذا.

(68) الحديث: 7819 - أحمد بن بشير ، أبو بكر الكوفي ، مولى عمرو بن حريث المخزومي: ثقة ، أخرج له البخاري في صحيحه ، وترجمه هو وابن أبي حاتم ، فلم يذكرا فيه جرحًا . ومن نقل فيه جرحًا عن ابن معين فقد وهم . ذاك " أحمد بن بشير " آخر ، كما بينه الخطيب في تاريخ بغداد 4 : 46 - 48 .

ووقع في المطبوعة هنا اسم أبيه " سفيان" ، وفي المخطوطة "سنين" - وكلاهما خطأ ، ليس في الرواة من يسمى بهذا أو بذاك ، إلا راويًا اسمه " أحمد بن سفيان أبو سفيان النسائي" وهو متأخر عن هذه الطبقة . وأثبتنا الصواب عن ذلك ، وعن رواية الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد ، كما سيأتي .

عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: رجحنا توثيقه في شرح المسند : 5638 ، بأنه أخرج له مسلم في صحيحه، وبقول الحاكم : " أحاديثه كلها مستقيمة" . وهو يروي هنا عن عمه " سالم بن عبد الله بن عمر " عن جده " عبد الله بن عمر" .

والحديث رواه أحمد في المسند : 5674 ، عن أبي النضر ، عن أبي عقيل عبد الله بن عقيل، عن عمر بن حمزة ، به وزاد في آخره بعد نزول الآية : " قال : فتيب عليهم " .

ورواه الترمذي 4 : 83 ، عن أبي السائب سلم بن جنادة بن سلم الكوفي - شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد . وزاد في آخره : " فتاب عليهم ، فأسلموا فحسن إسلامهم " .

وقال الترمذي : " هذا حديث حسن غريب ، يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم . وكذا رواه الزهري، عن سالم ، عن أبيه" .

ورواية الزهري عن سالم - التي أشار إليها الترمذي - رواها أحمد في المسند : 6349 ، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه .

وكذا رواها أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص : 89 ، من طريق عبد الرزاق ، به . ورواه أيضًا ابن المبارك عن معمر .

فرواه أحمد في المسند : 6350 ، عن علي بن إسحاق ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن سالم . عن أبيه .

وكذلك رواه البخاري 7 / 281 ، 8 : 170 / و 13 : 263 - 264 ، من طريق عبد الله بن المبارك .

ورواه البخاري أيضًا 7 : 281 ، من رواية ابن المبارك ، عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، عن سالم بن عبد الله : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو . . . " رواه تبعًا لحديث ابن المبارك عن معمر، فقال الحافظ في الفتح : " والراوي له عن حنظلة، هو عبد الله بن المبارك" .

ووهم من زعم أنه معلق . وقوله : " سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " ، إلى آخره -: هو مرسل.

وقد ذكره ابن كثير 2 : 238 ، عن رواية المسند : 5674 .

وذكره السيوطي 2 : 71 ، وزاد نسبته للنسائي ، والبيهقي في الدلائل .

(69) الحديث : 7820 - عبد الله بن كعب : هو الحميري المدني ، مولى عثمان بن عفان . وهو ثقة ، أخرج له مسلم في صحيحه ، وترجمه ابن أبي حاتم 2 / 2 / 142 .

وهذا الحديث مرسل ، لأن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي - تابعي- وقد مضت ترجمته في : 2351. ولم أجد هذا الحديث المرسل في موضع آخر . ومعناه ثابت صحيح في الحديث الآتي عقبه : 7821 ، وفي حديث أبي هريرة في المسند : 7656 ، من رواية الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن . عن أبي هريرة . ولكن ليس فيه نزول الآية .

ثم وجدته موصولا من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن نفسه :

فرواه البخاري 2 : 241 - 242 ، في حديث مطول ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري " قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن : أن أبا هريرة ... قالا : وقال أبو هريرة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه . . . " - إلخ .

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2 : 207 ، مقتصرًا على القسم الأخير منه ، من أول قوله : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " - من طريق عثمان بن سعيد الدارمي ، عن أبي اليمان ، بمثل إسناد البخاري ، ثم قال : " رواه البخاري في الصحيح ، عن أبي اليمان " .

ووجدته أيضا مرسلا ، مثل رواية الطبري هنا :

فرواه الطحاوي في معاني الآثار 1 : 142 ، من طريق سلمة بن رجاء ، عن محمد بن إسحاق ، بمثل إسناد الطبري هنا . وزاد في آخره بعد الآية : " قال : فما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء على أحد ".

(70) الحديث: 7821 - روى مسلم في صحيحه 1 : 187 ، عن أبي الطاهر ، وحرملة بن يحيى - كلاهما عن ابن وهب ، بهذا الإسناد .

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2 : 197 ، من طريق بحر بن نصر ، عن ابن وهب ، به . ثم أشار إلى رواية مسلم .

ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1 : 142 ، عن يونس بن عبد الأعلى - شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد ؛ ولكنه اختصر آخره ، فلم يذكر قوله : " ثم بلغنا أنه ترك ذلك . . . " .

ورواه أحمد في المسند : 7458 ، عن أبي كامل ، عن إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، بهذا الإسناد ، نحوه .

وكذلك رواه البخاري 8 : 170 - 171 (فتح) ، عن موسى بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن سعد ، به .

وكذلك رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ، ص : 89 ، من طريق الحسن بن محمد ، عن إبراهيم بن سعد .

وكذلك رواه البيهقي 2 : 197 ، من طريق محمد بن عثمان بن خالد ، عن إبراهيم بن سعد .

ونقله ابن كثير 2 : 238 ، عن رواية البخاري ، التي أشرنا إليها آنفًا .

وذكره السيوطي 2 : 71 ، وزاد نسبته لابن المنذر ، وابن أبي حاتم . ولم يفرق بين روايتي إبراهيم بن سعد ويونس ، والفرق بينهما واضح - فنسبه بنحو رواية يونس - للبخاري والنحاس ، وهما لم يروياه بهذا اللفظ .

وقد قال الحافظ في الفتح 7 : 282 ، في شرح حديث ابن عمر ، الذي أشرنا إليه في شرح : 7819 - قال : " ووقع في رواية يونس ، عن الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، نحو حديث ابن عمر ، لكن فيه : اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية، قال: ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت : ( ليس لك من الأمر شيء ) . قلت: [القائل ابن حجر] . وهذا إن كان محفوظًا احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد . لأن قصة رعل وذكوان كانت بعدها ، كما سيأتي تلو هذه الغزوة ، وفيه بعد . والصواب : أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد . والله أعلم . ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية : ( ليقطع طرفًا من الذين كفروا ) أي يقتلهم ، ( أو يكبتهم ) أي يخزيهم ، ثم قال : ( أو يتوب عليهم) أي فيسلموا ، ( أو يعذبهم ) أي إن ماتوا كفارًا " .

وهذا تحقيق نفيس جيد من الطراز العالي.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[129] تأكيدًا لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾، فالمعنى أن الأمر إنما يكون لمن له ملك السموات والأرض، وليس إلا الله تعالى له ملك السموات والأرض؛ لذا فالأمر كله له.
تفاعل
[129] ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك منهم.
لمسة
[129] ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ ما دلالة تقديم المغفرة هنا، وتقديم العذاب في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: 40]؟ تقديم المغفرة على العذاب هو الأصل، ففي معظم الأماكن الكلام على مغفرة الله تعالى وعذابه، فدائمًا يقدم الرحمة ترغيبًا للمطيعين ويؤخر العذاب ويذكره تحذيرًا من المعصية، لكن في آية المائدة الأمر يتعلق بقطع اليد: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ فقدّم العذاب؛ لأن الكلام في البداية كان على عذاب ثم على مغفرة.
وقفة
[129] بالنظر للقرآن نجد أنه قدم المغفرة أربع مرات، وذلك في سياق المؤمنين في البقرة، وآل عمران، والمائدة، والفتح كقوله: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾، على حين أننا نجد أن الله تعالى في المائدة لما ذكر الحدود القصاص والسرقة وهذا عذاب لمقترفيها قدم العذاب: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [المائدة: 40].
تفاعل
[129] ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ:
  • الواو: إستئنافية. لله: اللام: حرف جر. لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم باللام وعلامة الجر الكسرة. وشبه الجملة «لِلَّهِ» متعلق بخبر مقدم. ما: إسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. في السموات: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ:
  • معطوفة بواو العطف على «ما فِي السَّماواتِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ:
  • يغفر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. لمن: جار ومجرور متعلق بيغفر. من: إسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل جر باللام. يشاء: تعرب إعراب «يَغْفِرُ» وجملة «يَشاءُ» صلة الموصول.
  • ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ:
  • ويعذّب: معطوفة بواو العطف على «يَغْفِرُ» وتعرب إعرابها. من: إسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء: سبق أعرابها.
  • ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • الواو: إستئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع بالضمة. غفور: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. رحيم: صفة- نعت- لغفور أو خبر ثان للمبتدأ مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

آل عمران: 109﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإؤِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
آل عمران: 129﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ
النساء: 126﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا
النساء: 131﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ
النساء: 132﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
النجم: 31﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ بِٱلۡحُسۡنَى
البقرة: 284﴿ لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ
لقمان: 26﴿ لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [129] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ليس لك من أمر الناس شيء، فوظيفتك التبليغ والإرشاد؛ بَيَّنَ هنا أنَّ الأمرَ له وحدَهُ، لأن جميع ما في السماوات والأرض مِلكٌ له، قال تعالى:
﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [130] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ..

التفسير :

[130] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بجميع أنواعه، ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت، فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلَّما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه؛ لتفوزوا في الدنيا والآخرة.

تقدم في مقدمة هذا التفسير أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر وجب عليه -أولا- أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد، واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره، بحسب قدرته وإمكانه، وكذلك إذا نهي عن أمر عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه، وأن هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي، وهذه الآيات الكريمات قد اشتملت عن أوامر وخصال من خصال الخير، أمر الله [بها] وحث على فعلها، وأخبر عن جزاء أهلها، وعلى نواهي حث على تركها. ولعل الحكمة -والله أعلم- في إدخال هذه الآيات أثناء قصة "أحد"أنه قد تقدم أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين، أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم على أعدائهم، وخذل الأعداء عنهم، كما في قوله تعالى:{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} ثم قال:{ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم} الآيات. فكأن النفوس اشتاقت إلى معرفة خصال التقوى، التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة، فذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى، ويدل على ما قلنا أن الله ذكر لفظ "التقوى"في هذه الآيات ثلاث مرات:مرة مطلقة وهي قوله:{ أعدت للمتقين} ومرتين مقيدتين، فقال:{ واتقوا الله}{ واتقوا النار} فقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا} كل ما في القرآن من قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا} افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي؛ لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، فنهاهم عن أكل الربا أضعافا مضاعفة، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من أنه إذا حل الدين، على المعسر ولم يحصل منه شيء، قالوا له:إما أن تقضي ما عليك من الدين، وإما أن نزيد في المدة، ويزيد ما في ذمتك، فيضطر الفقير ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك، اغتناما لراحته الحاضرة، ، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافا مضاعفة، من غير نفع وانتفاع. ففي قوله:{ أضعافًا مضاعفة} تنبيه على شدة شناعته بكثرته، وتنبيه لحكمة تحريمه، وأن تحريم الربا حكمته أن الله منع منه لما فيه من الظلم. وذلك أن الله أوجب إنظار المعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى. والفلاح متوقف على التقوى

قال الإمام الرازي ما ملخصه: اعلم أن من الناس من قال: إن الله- تعالى- لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم في أمر الدين وفي أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهى والترغيب والترهيب فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.

وقال القفال: يحتمل أن تكون هذه الآية متصلة بما قبلها من جهة أن المشركين في غزوة أحد أنفقوا على عساكرهم أموالا كثيرة جمعوها من الربا، ولعل ذلك يصير داعيا للمسلمين إلى الإقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على العسكر، ويتمكنوا من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم الله عن ذلك.

وكان الرجل في الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم- مثلا- إلى أجل، فإذا حل الأجل ولم يكن المدين واجدا لذلك المال قال: زدني في المال حتى أزيد في الأجل، فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثاني فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله أَضْعافاً مُضاعَفَةً .

وقد ابتدأ- سبحانه- الآية بالنداء بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لبيان أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين، وإنما هو من سمات الكافرين والفاسقين.

وإذا كان الكافرون يستكثرون من تعاطى الربا فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذا الفعل القبيح، وأن يتحروا الحلال في كل أمورهم.

وخصه بالنهى لأنه كان شائعا في ذلك الوقت، ولأنه- كما يقول القرطبي- هو الذي أذن فيه بالحرب في قوله- تعالى- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول لهم: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم .

والمراد من الأكل الأخذ، وعبر عنه بالأكل لما أنه معظم ما يقصد به، ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع.

والربا معناه الزيادة، والمراد بها هنا تلك الزيادة التي كانت تضاف على الدين.

قال الإمام ابن جرير: عن عطاء قال: كانت ثقيف تداين بنى المغيرة في الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون.

وقال ابن زيد: كان أبى- زيد بن ثابت- يقول: إنما كان ربا الجاهلية في التضعيف.

يكون للرجل على الرجل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: «تقضيني أو تزيدني» .

وقوله أَضْعافاً حال من الربا، وقوله مُضاعَفَةً صفة له.

والأضعاف جمع ضعف. وضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، وأضعافه أمثاله.

وهذا القيد وهو قوله «أضعافا مضاعفة» ليس لتقييد النهى به، أى ليس النهى عن أكل الربا في هذه الحالة وإباحته في غيرها، بل هذا القيد لمراعاة الواقع، ولبيان ما كانوا عليه في الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدى إلى استئصال المال، ولتوبيخ من كان يتعاطى الربا بتلك الصورة البشعة.

وقد حرم الله- تعالى- أصل الربا ومضاعفته، ونفر منه تنفيرا شديدا، فقال- تعالى- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا.

وهذا النوع من الربا الذي نهى الله- تعالى- عنه هنا بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً هو الذي يسمى عند الصحابة والفقهاء بربا النسيئة، أو ربا الجاهلية وقد حرمه الإسلام تحريا قاطعا. فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع- أى مهدر- وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب.» .

وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن ربا النسيئة يكفر من يجحد تحريمه.

ويقابل هذا النوع من الربا، ربا البيوع وهو الذي ورد في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يقول فيه:

«البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمصل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» .

وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لا بد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح، ولا بد من قبضها. وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جازت الزيادة، ولا بد من القبض في المجلس، والتأخير يسمى ربا النساء، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل.

وللفقهاء في هذا الموضوع مباحث طويلة فليرجع إليها من شاء في مظانها. ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بأمر المؤمنين بخشيته وتقواه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

أى: واتقوا الله بأن تجعلوا بينكم وبين محارمه ساترا ووقاية، لعلكم بذلك تنالون الفلاح في الدنيا والآخرة.

يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة ، كما كانوا يقولون في الجاهلية - إذا حل أجل الدين : إما أن يقضي وإما أن يربي ، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر ، وهكذا كل عام ، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا .

وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى

القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ليس لك يا محمد، من الأمر شيء، ولله جميع ما بين أقطار السموات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها، دونك ودونهم، يحكم فيهم بما يشاء، ويقضي فيهم ما أحب، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمرَه ونهيه، ثم يغفر له، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلا على عظيم ما يأتون من المآثم. كما:-

7822- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله غفور رحيم "، أي يغفر الذنوب، ويرحم العباد، على ما فيهم. (71)

----------------------

(71) الأثر: 7822- سيرة ابن هشام 3: 115 ، وهو تابع الآثار التي آخرها رقم: 7804.

المعاني :

مضاعفة :       كثيرة و قليل الرّبا ككثيره حرام معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[130] اجعلوا بينكم وبين مخالفة نهيه عن الربا وقاية؛ بالإعراض عن مطلق محبة الدنيا والإقبال عليها؛ لتكونوا على رجاء من الفوز بالمطالب؛ فمن له ملك الوجود وملكه فإنه جدير بأن يعطيكم من ملكه إن اتقيتم, ويمنعكم إن تساهلتم.
وقفة
[130] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ الذنوب -ومنها الربا- من أعظم أسباب خِذلان العبد، ولا سيما في مواطن الشدائد والصعاب.
وقفة
[130] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ مجيء النهي عن الربا بين آيات غزوة أُحد ليشعر بشمول الإسلام في شرائعه وترابطها بحيث يشير إلى بعضها في وسط الحديث عن بعض.
لمسة
[130] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ استهلت الآيات بمسألة الربا؛ لأن الذي كان سببًا في الهزيمة أو عدم النصر في معركة أُحد أن قليلًا منهم أحبوا المال الزائد من غير وجهه المشروع بمعصية أمر الرسول ﷺ وطمعوا في الغنيمة، والغنيمة مال زائد، والربا فيه طمع في مال زائد، فأراد الحق سبحانه أن يوضح الآثار السيئة للتعامل بالربا.
عمل
[130] احذر الربا وأنواعه، وحذِّر من حولك من هذا الذنب العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾.
عمل
[130] أرسل رسالة تحذِّر فيها المسلمين من مخاطر الربا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾.
لمسة
[130] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً﴾ ليس قيدًا؛ وإنما تبشيع للربا وتعليل للتحريم وبيان لعاقبته ومآلاته.
اسقاط
[130] المؤمن الحق لا ينتظر شواهد من الواقع حتى يمتثل لأمر الله، بل يبادر بتنفيذ الأمر مباشرة حين يقرأ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ﴾.
وقفة
[130] ﴿أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً﴾ ليس معناها إباحة الربا بغير مضاعفة، وإنما هي وصف لواقع الحال الذي كانوا عليه.
وقفة
[130، 131] ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ﴾ إن لم يمنعك عن الربا تعظيم الله وتقواه فإنها النار.
وقفة
[130، 131] ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ... وَاتَّقُوا النَّارَ﴾، ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ... لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ [الهمزة: 3، 4]، ﴿مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ ... سَيَصْلَىٰ نَارًا﴾ [المسد: 2، 3] اقتران المال بالنار يدعو للتأمل.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من «أيّ» أو عطف بيان. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا:
  • لا: ناهية جازمة. تأكلوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لانه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الربا: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ أَضْعافاً مُضاعَفَةً:
  • أي مضاعفا: مصدر في موضع الحال منصوب بالفتحة. مضاعفة: صفة لأضعافا منصوبة بالفتحة.
  • ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ:
  • الواو: حرف عطف. اتقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:
  • لعل: من أخوات «إن» مشبه بالفعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب إسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تفلحون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تُفْلِحُونَ» في محل رفع خبر لعلّ. '

المتشابهات :

البقرة: 189﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
آل عمران: 130﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
آل عمران: 200﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [130] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ عن غزوةِ أُحدٍ؛ ينقطع السياق هنا فجأة، ويبدأ الحديث عن الربا، وعن الإنفاق في السراء والضراء، وعن الإسراع إلى التوبة بعد الوقوع في الذنب؛ وذلك بهدف إصلاح الجبهة الداخلية وتطهيرها من كل انحراف حتى تكون أهلًا للنصر، فالمعارك الدينية ليست انتصارًا لأشخاص بقدر ما هي انتصار لمبادئ طاهرة، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [131] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

التفسير :

[131] واجعلوا لأنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُيِّئت للكافرين.

{ واتقوا النار التي أعدت للكافرين} بترك ما يوجب دخولها، من الكفر والمعاصي، على اختلاف درجاتها، فإن المعاصي كلها- وخصوصا المعاصي الكبار- تجر إلى الكفر، بل هي من خصال الكفر الذي أعد الله النار لأهله، فترك المعاصي ينجي من النار، ويقي من سخط الجبار، وأفعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وحصول الرحمة

ثم حذرهم- سبحانه- من الأعمال التي تفضى بهم إلى النار فقال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.

أى: صونوا أنفسكم. واحترزوا من الوقوع في الأعمال السيئة كتعاطى الربا وما يشابه ذلك، لأن الوقوع في هذه الأعمال السيئة يؤدى بكم إلى دخول النار التي هيئت للكافرين.

وفي التعقيب على النهى عن تعاطى الربا بتقوى الله وباتقاء النار، إشعار بأن الذي يأكل الربا يكون بعيدا عن خشية الله وعن مراقبته، ويكون مستحقا لدخول النار التي أعدها الله- تعالى- للكافرين والفاسقين عن أمره.

قال صاحب الكشاف: «كان أبو حنيفة- إذا قرأ هذه الآية وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يقول: هي أخوف آية في القرآن، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه» .

ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها ، فقال : ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم.

* * *

وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم: أنّ الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخِّر عنى ديْنك وأزيدك على مالك. فيفعلان ذلك. فذلك هو " الربا أضعافًا مضاعفة "، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه،. كما:-

7823- حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كانت ثقيف تدَّاين في بني المغيرة في الجاهلية، فإذا حلّ الأجل قالوا: نـزيدكم وتؤخِّرون؟ فنـزلت: " لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة ".

7824- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة "، أي: لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله له، (72) ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره، مما لا يحل لكم في دينكم. (73)

7825- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجلّ: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة " قال: ربا الجاهلية.

7826- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول &; 7-205 &; في قوله: " لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة "، قال: كان أبي يقول: إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن. (74) يكون للرجل فضل دين، فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ (75) فإن كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوَّله إلى السن التي فوق ذلك = إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حِقَّة، ثم جَذَعة، ثم رباعيًا، (76) ثم هكذا إلى فوق = وفي العين يأتيه، (77) فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضًا، فتكون مئة فيجعلها إلى قابل مئتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمئة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه. قال: فهذا قوله: " لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة ".

* * *

وأما قوله: " واتقوا الله لعلكم تفلحون "، فإنه يعني: واتقوا الله أيها المؤمنون، في أمر الربا فلا تأكلوه، وفي غيره مما أمركم به أو نهاكم عنه، وأطيعوه فيه =" لعلكم تفلحون "، يقول: لتنجحوا فتنجوا من عقابه، وتدركوا ما رغَّبكم فيه من ثوابه والخلود في جنانه، كما:-

7827- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " واتقوا الله لعلكم تفلحون "، أي: فأطيعوا الله لعلكم أن تنجوا مما حذركم من عذابه، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه. (78)

-----------------

(72) سيرة ابن هشام: "هداكم الله به".

(73) الأثر: 7824- سيرة ابن هشام 3: 115 ، من بقية الآثار التي آخرها رقم: 7822.

(74) السن: العمر. يريد بها أسنان الأنعام ، كما سيتبين لك من بقية الأثر.

(75) في المخطوطة: "تقضي أو تزدني".

(76) "المخاض": النوق الحوامل. و"ابن المخاض" و"ابنة المخاض" ، ما دخل في السنة الثانية ، لأن أمه لحقت بالمخاض ، أي الحوامل."واللبون": الناقة ذات اللبن. و"ابن اللبون" و"ابنة لبون" ، ما أتى عليه سنتان ، ودخل في السنة الثالثة. فصارت أمه لبونًا ، أي ذات لبن. و"الحق" و"الحقة" البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة."والجدع" و"الجذعة" ما استكمل أربعة أعوام ودخل في الخامسة. فإذا طعن البعير في السادسة فهو"ثنى" ، وقد سقط هذا من الأسنان التي يذكرها. أما "الرباع" للذكر ، و"الرباعية" للأنثى ، فهو الذي دخل في السابعة.

(77) العين: المال. من ذهب وفضة وأشباهها.

(78) الأثر: 7827- سيرة ابن هشام 3: 115 ، وهو تابع الآثار التي آخرها: 7824 ، وفي السيرة"لعلكم تنجون. . . وتدركون".

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[131] ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ دليل على أن المؤمن لا يعذب بالنار، وإن عذِّب بها فلمدة، ولا يخلد فيها، فالنار معدة لإقامة الكافرين، وللعرض بالنسبة للعاصين.
وقفة
[131] ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ توجيه غير مباشر للمسلمين بالحذر من متابعة الكافرين وتعاطي أفعالهم والتشبه بهم.
وقفة
[131] ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ تعریض واضح بوعيد آكلي الربا! خوَّف آكلي الربا من المؤمنين بالنار التي أعدها الله للكافرين، ردعًا لهم عن أكل الحرام، وحثًّا على التوبة، فتخويف الله لعباده بالنار من علامات رحمته.
وقفة
[131] ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ قال أبو حنيفة: «هي أخوف آية في القرآن، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه».
تفاعل
[131] ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ استعذ بالله من النار.
وقفة
[130، 132] ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً﴾، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لا طاعة لله وللرسول في قلب يأكل الربا، فيكون ذلك التعقيب توكيدًا بعد توكيد.

الإعراب :

  • ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ:
  • تعرب إعراب «وَاتَّقُوا اللَّهَ» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها.
  • ﴿ الَّتِي أُعِدَّتْ:
  • التي: إسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة- نعت- للنار. أعدّت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. والتاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي. وجملة «أُعِدَّتْ» صلة الموصول.
  • ﴿ لِلْكافِرِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بأعدت وعلامة جر الإسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 24﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
آل عمران: 131﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [131] لما قبلها :     وبعد التحذير من الربا؛ هدَّدَ اللهُ عز وجل هنا من يقع في محارمه، قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [132] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

التفسير :

[132] وأطيعوا الله -أيها المؤمنون- فيما أمركم به من الطاعات وفيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وأطيعوا الرسول؛ لترحموا، فلا تعذبوا.

{ وأطيعوا الله والرسول} بفعل الأوامر امتثالا، واجتناب النواهي{ لعلكم ترحمون} فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة كما قال تعالى:{ ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} الآيات.

ثم بعد هذا التحذير الشديد للمؤمنين من ارتكاب ما نهى الله عنه، أمرهم- سبحانه- بطاعته وطاعة رسوله فقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

أى أطيعوا الله في كل ما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعوا الرسول الذي أرسله إليكم ربكم لهدايتكم وسعادتكم، لعلكم بهذه الطاعة تكونون في رحمة من الله، فهو القائل وقوله الحق إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

وفي ذكر طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم مقترنة بطاعة الله- تعالى- تنبيه إلى أن طاعة الرسول طاعة الله.

فقد قال- تعالى- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً.

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

القول في تأويل قوله : وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واتقوا، أيها المؤمنون، النارَ أن تصلوْها بأكلكم الربا بعد نهيي إياكم عنه = التي أعددتها لمن كفر بي، فتدخلوا مَدْخَلَهم بعد إيمانكم بي، (79) بخلافكم أمري، وترككم طاعتي. كما:-

7828- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " واتقوا النار التي أعدت للكافرين "، التي جعلت دارًا لمن كفر بي. (80)

--------------------

الهوامش :

(79) في المطبوعة: "مداخلهم" بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة.

(80) الأثر: 7828- سيرة ابن هشام 3: 115 تابع الآثار التي آخرها: 7827.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[132] بهذه ختم الله آيات الربا في آل عمران، فلا تعجب إذا رأيتَ آكل الربا وقد فقد الرحمة في نفسه، وحُرم الاستقرار في بيته وأسرته، فمن أهم أسباب المشكلات الأسرية، والأمراض النفسية، وقطيعة الرحم، ومحق البركة: أكل المال الحرام، وأعظمه الربا.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بطاعتك لله تعالى والرسول ﷺ تُرحَم.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لا تعجب إذا رأيت آكل الربا وقد حُرم الرحمة في نفسه والاستقرار في بيته، وحيل بينه وبين قلبه، حين حارب ربه.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ما أحوجنا للعيش متوادِّين متراحمين متوجهين إلى الله في طاعة ورجاء!
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أتبع الوعيد بالوعد ترغيبًا في الطاعة، ومزجًا للخوف بنسائم الرجاء، حتى لا تتقطع القلوب تحت وقع سياط الخوف.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لن تستجلب رحمة الله بأعظم من طاعة الله ورسوله.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ من موجبات الرحمة طاعة الله ورسوله.
وقفة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الرحمة منالٌ عزيز لا ينال إلا بطاعة الله ورسوله، وهيهاتَ أن ينالها مجتمع قائم على المحرمات.
لمسة
[132] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة: إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده، ولم يأتِ ذكر الرسول ﷺ في السياق، أو أي إشارة إليه، كما جاء في هذه الآية، وإذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعيًا قد ذُكر الرسول في السياق كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ [النور: ٥٤].

الإعراب :

  • ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ:
  • معطوفة بالواو على «اتَّقُوا اللَّهَ» في الآية الكريمة الثلاثين بعد المائة.
  • ﴿ وَالرَّسُولَ:
  • الواو: عاطفة. الرسول: إسم معطوف على لفظ الجلالة: منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
  • لعل: من أخوات «إن» حرف مشبه بالفعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب إسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. ترحمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة الفعلية «تُرْحَمُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

آل عمران: 32﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
آل عمران: 132﴿وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [132] لما قبلها :     وبعد الحديث عن غزوةِ أُحدٍ؛ جاء الأمرُ هنا بطاعةِ اللهِ ورسولِه، قال تعالى:
﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف