ترتيب المصحف | 2 | ترتيب النزول | 87 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 48.00 |
عدد الآيات | 286 | عدد الأجزاء | 2.40 |
عدد الأحزاب | 4.80 | عدد الأرباع | 19.25 |
ترتيب الطول | 1 | تبدأ في الجزء | 1 |
تنتهي في الجزء | 3 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 1/29 | آلم: 1/6 |
بعدَ ذكرِ توثيقِ الدَّيْنِ بالكتابةِ أو الشهادةِ ذكرَ هنا توثيقَ الدَّيْنِ بالرَّهنِ، وأنَّ الدَّيْنَ أمانةٌ في ذمةِ المدينِ يجبُ عليه أداؤُه للدَائنِ، وتحريمُ كتمانِ الشهادةِ، وسعةُ علمِه تعالى.
لمَّا نزلتْ الآيةُ السابقةُ اشتدَّ ذلك على الصحابةِ وقالُوا: لَا نُطِيقُهَا، فقالَ الرَّسولُ r: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ فقالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فأنزلَ اللهُ هاتينِ الآيتي
التفسير :
أي:إن كنتم مسافرين{ ولم تجدوا كاتبا} يكتب بينكم ويحصل به التوثق{ فرهان مقبوضة} أي:يقبضها صاحب الحق وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه، ودل هذا على أن الرهن غير المقبوضة لا يحصل منها التوثق، ودل أيضا على أن الراهن والمرتهن لو اختلفا في قدر ما رهنت به، كان القول قول المرتهن، ووجه ذلك أن الله جعل الرهن عوضا عن الكتابة في توثق صاحب الحق، فلولا أن قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به لم يحصل المعنى المقصود، ولما كان المقصود بالرهن التوثق جاز حضرا وسفرا، وإنما نص الله على السفر، لأنه في مظنة الحاجة إليه لعدم الكاتب فيه، هذا كله إذا كان صاحب الحق يحب أن يتوثق لحقه، فما كان صاحب الحق آمنا من غريمه وأحب أن يعامله من دون رهن فعلى من عليه الحق أن يؤدي إليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه{ وليتق الله ربه} في أداء الحق ويجازي من أحسن به الظن بالإحسان{ ولا تكتموا الشهادة} لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق، ولهذا قال تعالى:{ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم} وقد اشتملت هذه الأحكام الحسنة التي أرشد الله عباده إليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه.
الرهان: جمع رهن بمعنى مرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وقرأ ابن كثير وأبو عمر فرهن مقبوضة وأصل الرهن في كلام العرب يدل على الحبس قال- تعالى-:
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. ومعنى الرهن: أن يوضع شيء يناسب قيمة الدين من متاع المدين بيد الدائن توثقة له في دينه، ليستطيع أن يستوفى حقه من هذا الشيء المرهون عند تعذر الدفع.
والمعنى: وإن كنتم. أيها المؤمنون- مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأى سبب من الأسباب، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة يقبضها صاحب الدين ضمانا لحقه عند تعذر أخذه من الغريم.
وفي التعبير بقوله: عَلى سَفَرٍ استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار.
وجملة وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً معطوفة على فعل الشرط، أى: وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا، كاتبا فتكون في محل جزم تقديرا. ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها في محل نصب على الحال.
وقوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: فالذي يستوثق به رهان مقبوضة.
أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: فعليكم رهان مقبوضة.
ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة: أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطا في صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار. وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفى ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله».
ومن الواضح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ما رهن درعه لليهودي كان مقيما ولم يكن مسافرا.
قال القرطبي: ولم يرو عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية، ولا حجة فيها لهم، لأن هذا الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره».
كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ أن الرهن لا يتم إلا بالقبض، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف والشافعية، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض، لأن القبض حكم من أحكامه، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة، فالقبض حكم من أحكام العقد، وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لتمامه.
وقوله: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ تفريع على أحكام الديون السابقة، وحض على أداء الأمانة وعلى حسن المعاملة.
أى: فإن أمن الدائن المدين واعتمد على ذمته ووفائه ولم يوثق الدين بالكتابة والشهود والرهن، فعلى المدين أن يكون عند حسن ظن الدائن به بأن يؤدى ما عليه من ديون في الموعد المحدد بدون تسويف أو مماطلة، وعليه كذلك أن يتقى الله ربه في رعاية حقوق غيره فلا يجحدها ولا يتأخر في أدائها لأن الله العليم بكل شيء سيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه.
وعبر- سبحانه- بقوله: فَإِنْ أَمِنَ دون أو أودع، للإشارة إلى الجانب الذي اعتمد عليه الدائن في المدين وهو خلق الأمانة، فهو لا يرى فيه إلا جانبا مأمونا لا يتوقع منه شرا أو خيانة، وللتنبيه إلى أن صفة الأمانة والوفاء من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون جميعا حتى ينالوا السعادة في دينهم ودنياهم، عبر بقوله: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ولم يقل فليؤد المدين لحضه: على الأداء بأحسن أسلوب، لأنه ما دام الدائن قد ائتمنه على ما أعطاه من ديون، فعلى هذا الذي اؤتمن وهو المدين أن يكون عند حسن الظن به وأن يرد إليه حقه في موعده مع شكره على حسن ظنه به.
وقوله: أَمانَتَهُ أى دينه. والضمير يصح أن يعود إلى الدائن باعتباره مالك الدين، وإلى المدين باعتبار أن الدين عليه، وفي إضافتها- أى الأمانة- إلى المدين إشعار له بأنها عبء في ذمته يجب أن يؤديه حتى يتخلص من تكاليفه، إذ الأمانة عبء ثقيل عند العقلاء الذين يشعرون بالمسئولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم.
وجمع- سبحانه- بين صفتي الألوهية والربوبية في قوله: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ للمبالغة في التحذير من الخيانة والمماطلة فإنهما يغضبان الله- تعالى- الذي خلق الإنسان ورباه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة، ولإشعار هذا المدين بأن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدلها وثيقة أخرى من كتابة أو شهادة أو رهان.
وبذلك نرى لونا من ألوان التدرج الحكيم في شريعة الله- تعالى- فأنت ترى أن الله- تعالى- قد بين قبل ذلك أن الكتابة في الديون والإشهاد عليها مطلوبان، فإن تعذرت الكتابة والشهادة لسبب من الأسباب فإنه يترخص حينئذ بالرهن المقبوض.
فإن تعذر على المدين المحتاج أن يدفع للدائن رهنا يكون الاعتماد على الأمانة التي هي صفة من صفات الصادقين.
فيا له من تشريع حكيم، بين للناس ما يصلح شأنهم في دينهم وفي دنياهم.
ثم أمر الله تعالى- عباده بأن يؤدوا الشهادة على وجهها وألا يكتموها فقال- تعالى-:
وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. أى: وعليكم- أيها المؤمنون- ألا تمتنعوا عن أدائها إذا دعيتم إليها وألا تخفوها فإن الذي يخفيها ويمتنع عن أدائها يكون معاقبا من الله- تعالى- بسبب ارتكابه لما نهى عنه.
وقد أسند- سبحانه- الإثم إلى القلب خاصة مع أن الإثم يسند إلى الشخص، لأن الإثم في كتمان الشهادة عمل القلب لا عمل الجوارح، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر، ففي الحديث الشريف: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا اقتصر على قوله فَإِنَّهُ آثِمٌ وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها. فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ووعاه قلبي. ولأن القلب هو رئيس الأعضاء فكأنه قيل: ومن يكتمها فقد تمكن الإثم من أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه: ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام التي تتعلق باللسان فقط. وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه. ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تتشعب عنها. ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر. وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب.
وقوله: آثِمٌ خبر إن وقَلْبُهُ رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل: فإنه يأثم قلبه. ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء. وآثم خبر مقدم. والجملة خبر إن والضمير للشأن».
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ أى: والله- تعالى- عليم بكل أعمالكم وأقوالكم وسائر شئونكم وسيجازى المحسنين إحسانا، والمسيئين سوءا فعليكم أيها المؤمنون أن تستجيبوا لأوامر الله، وأن تجتنبوا ما نهاكم عنه حتى تكونوا من السعداء.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به الوعد الحسن للمؤمنين الصادقين، والوعيد الشديد للعصاة المسيئين، حتى يزداد المؤمنون إيمانا، ويقلع العصاة عن عصيانهم وسيئاتهم.
وبعد هذا البيان الجامع الحكيم لطرق التعامل التي أباحها الله- تعالى- لعباده والتي حرمها عليهم، بين سبحانه- أن ما في السموات والأرض ملك له، وأنه سيحاسب عباده بما يقتضيه علمه الشامل، وإرادته النافذة فقال- تعالى-.
يقول تعالى : ( وإن كنتم على سفر ) أي : مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ( ولم تجدوا كاتبا ) يكتب لكم . قال ابن عباس : أو وجدوه ولم يجد قرطاسا أو دواة أو قلما فرهن مقبوضة ، أي : فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة في يد صاحب الحق .
وقد استدل بقوله : ( فرهان مقبوضة ) على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض ، كما هو مذهب الشافعي والجمهور ، واستدل بها آخرون على أنه لا بد أن يكون الرهن مقبوضا في يد المرتهن ، وهو رواية عن الإمامأحمد ، وذهب إليه طائفة .
واستدل آخرون من السلف بهذه الآية على أنه لا يكون الرهن مشروعا إلا في السفر ، قاله مجاهد وغيره .
وقد ثبت في الصحيحين ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ، رهنها قوتا لأهله . وفي رواية : من يهود المدينة . وفي رواية الشافعي : عند أبي الشحم اليهودي . وتقرير هذه المسائل في كتاب " الأحكام الكبير " ، ولله الحمد والمنة ، وبه المستعان .
وقوله : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : هذه نسخت ما قبلها .
وقال الشعبي : إذا ائتمن بعضكم بعضا فلا بأس ألا تكتبوا أو لا تشهدوا .
وقوله : ( وليتق الله ربه ) يعنى : المؤتمن ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من رواية قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " .
وقوله : ( ولا تكتموا الشهادة ) أي : لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها . قال ابن عباس وغيره : شهادة الزور من أكبر الكبائر ، وكتمانها كذلك . ولهذا قال : ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) قال السدي : يعني : فاجر قلبه ، وهذه كقوله تعالى : ( ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ) [ المائدة : 106 ] ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ النساء : 135 ] ، وهكذا قال هاهنا : ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم )
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته القرأة في الأمصار جميعًا(كَاتِبًا)، بمعنى: ولم تجدوا من يكتب لكم كتابَ الدَّين الذي تداينتموه إلى أجل مسمًّى،" فرهان مقبوضة ".
* * *
وقرأ جماعةٌ من المتقدمين: ( وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا )، بمعنى: ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين سبيلٌ، إما بتعذّر الدواة والصحيفة، وإما بتعذر الكاتب وإن وجدتم الدواة والصحيفة.
* * *
والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا هي قراءة الأمصار: " ولم تجدوا كاتبًا "، بمعنى: من يكتب، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين.
* * *
[قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه]: (1) وإن كنتم، أيها المتداينون، في سفر بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب لكم، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيلٌ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونًا تقبضونها ممن تداينونه كذلك، ليكون ثقةً لكم بأموالكم.
ذكر من قال ما قلنا في ذلك:
6435 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة "، فمن كان على سفر فبايع بيعًا إلى أجل فلم يجد كاتبًا، فرخص له &; 6-95 &; في الرهان المقبوضة، وليس له إن وَجد كاتبًا أن يرتهن.
6436 - حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا "، يقول: كاتبًا يكتب لكم =" فرهان مقبوضة ".
6437 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: ما كان من بيع إلى أجل، فأمر الله عز وجل أنْ يكتب ويُشْهد عليه، وذلك في المُقام. فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا [كاتبًا]، فرهان مقبوضة. (2)
* * *
ذكر قول من تأول ذلك على القراءة التي حكيناها:
6438 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس: " فإن لم تجدوا كتابًا "، يعني بالكتاب، الكاتبَ والصحيفة والدواة والقلم.
6439 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني أبي، عن ابن عباس أنه قرأ: " فإن لم تجدوا كتابًا "، قال: ربما وجد الرجل الصحيفة ولم يجد كاتبًا.
6440 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، كان يقرأها: " فإن لم تجدوا كتابًا "، ويقول: ربما وجد الكاتبُ ولم تُوجد الصحيفة أو المداد، ونحو هذا من القول.
6441 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابًا "، يقول: مدادًا، - يقرأها كذلك - يقول: فإن لم تجدوا مدادًا، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة =" فرهن مقبوضة "، قال: لا يكون الرهن إلا في السفر.
&; 6-96 &;
6442 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب قال: إن أبا العالية كان يقرؤها،" فإن لم تجدوا كتابًا "، قال أبو العالية: تُوجد الدواةُ ولا توجد الصحيفة.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله: " فرهان مقبوضة ".
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: ( فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ )، بمعنى جماع " رَهْن " كما " الكباش " جماع " كبش "، و " البغال " جماع " بَغل "، و " النعال " جماع " نعل ".
* * *
وقرأ ذلك جماعة آخرون: ( فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ ) على معنى جمع: " رِهان "،" ورُهن " جمع الجمع، وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع " رَهْن ":، مثل " سَقْف وسُقُف ".
* * *
وقرأه آخرون: ( فَرُهْنٌ ) مخففة الهاء على معنى جماع " رَهْن "، كما تجمع " السَّقْف سُقْفًا ". قالوا: ولا نعلم اسمًا على " فَعْل " يجمع على " فُعُل وفُعْل " إلا " الرُّهُنُ والرُّهْن ". و " السُّقُف والسُّقْف ".
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأه: " فرهان مقبوضة ". لأن ذلك الجمعُ المعروفُ لما كان من اسم على " فَعْل "، كما يقال: " حَبْلٌ وحبال " و " كَعْب وكعاب "، ونحو ذلك من الأسماء. فأما جمع " الفَعْل " على " الفُعُل أو الفُعْل " فشاذّ قليل، إنما جاء في أحرف يسيرة وقيل: " سَقْف وسُقُفٌ وسُقْف "" وقلْبٌ وقُلُب وقُلْب " من: " قلب النخل ". (3) " وجَدٌّ وجُدٌّ"، للجد الذي هو بمعنى الحظّ. (4) وأما ما جاء من جمع " فَعْل " على " فُعْل " &; 6-97 &; ف " ثَطٌّ، وثُطّ"، و " وَرْدٌ ووُرْد " و " خَوْدٌ وخُود ".
وإنما دعا الذي قرأ ذلك: " فرُهْنٌ مقبوضة " إلى قراءته فيما أظن كذلك، مع شذوذه في جمع " فَعْل "، أنه وجد " الرِّهان " مستعملة في رِهَان الخيل، فأحبّ صرف ذلك عن اللفظ الملتبس برهان الخيل، الذي هو بغير معنى " الرهان " الذي هو جمع " رَهْن "، ووجد " الرُّهُن " مقولا في جمع " رَهْن "، كما قال قَعْنَب:
بَـانَتْ سُـعادُ وأَمْسَـى دُونَهَـا عَـدَنُ
وَغَلِقَـتْ عِنْدَهَـا مِـنْ قَلْبِـكَ الـرُّهُنُ (5)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن كان المدين أمينًا عند رب المال والدَّين فلم يرتهن منه في سفره رَهْنًا بدينه لأمانته عنده على ماله وثقته، =" فليتق الله "، المدينُ =" رَبّه "، يقول: فليخف الله ربه في الذي عليه من دين صاحبه أن يجحده، أو يَلُطّ دونه، (6) أو يحاول الذهاب به، فيتعرّض من عقوبة الله لما لا قبل له، (7) به وليؤدّ دينه الذي ائتمنه عليه، إليه.
* * *
وقد ذكرنا قول من قال: " هذا الحكم من الله عز وجل ناسخٌ الأحكامَ التي &; 6-98 &; في الآية قبلها: من أمر الله عز وجلّ بالشهود والكتاب ". وقد دللنا على أولى ذلك بالصواب من القول فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (8) وقد:-
6443 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " فإن أمِن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته "، إنما يعني بذلك: في السفر، فأما الحضر فلا وهو واجد كاتبًا، فليسَ له أن يرتهن ولا يأمن بعضُهم بعضًا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله الضحاك = من أنه ليس لرب الدين ائتمانُ المدين وهو واجد إلى الكاتب والكتاب والإشهاد عليه سبيلا وإن كانا في سفر=، فكما قال، لما قد دللنا على صحّته فيما مضى قبل.
وأما ما قاله= من أنّ الأمر في الرّهن أيضًا كذلك، مثل الائتمان: في أنه ليس لربّ الحق الارتهان بماله إذا وجد إلى الكاتب والشهيد سبيلا في حضر أو سفر= فإنه قولٌ لا معنى له، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
6444- أنه اشترى طعامًا نَسَاءً، ورهن به درعًا لهُ. (9)
* * *
فجائز للرجل أن يرهن بما عليه، ويرتهن بمالَهُ من حقّ، في السفر والحضر- لصحة الخبر بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ معلومًا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن - حين رَهن من ذكرنا - غير واجد كاتبًا ولا شهيدًا، لأنه لم يكن متعذرًا عليه بمدينته في وقت من الأوقات الكاتبُ والشاهدُ، غير أنهما إذا تبايعا برَهْن، فالواجب عليهما= إذا وجدا سبيلا إلى كاتب وشهيد، أو كان البيع &; 6-99 &; أو الدَّين إلى أجل مسمى (10) = أن يكتبا ذلك ويشهدَا على المال والرّهن. وإنما يجوز ترك الكتاب والإشهاد في ذلك، حيث لا يكون لهما إلى ذلك سبيلٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
قال أبو جعفر: وهذا خطابٌ من الله عز وجل للشهود الذين أمر المستدينَ وربَّ المال بإشهادهم، فقال لهم: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا - ولا تكتموا، أيها الشهود، بعد ما شهدتم شهادَتكم عند الحكام، كما شهدتم على ما شهدتم عليه، ولكن أجيبوا من شهدتم له إذا دعاكم لإقامة شهادتكم على خصمه على حقه عند الحاكم الذي يأخذُ له بحقه.
ثم أخبر الشاهدَ جل ثناؤه ما عليه في كتمان شهادته، وإبائه من أدائها والقيام بها عند حاجة المستشهد إلى قيامه بها عند حاكم أو ذي سلطان، فقال: " ومن يَكتمها ". يعني: ومن يكتم شهادته =" فإنه آثم قَلبه "، يقول: فاجرٌ قلبه، مكتسبٌ بكتمانه إياها معصية الله، (11) كما:-
6445 - حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمُ قلبه "، فلا يحل لأحد أن يكتم شهادةً هي عنده، وإن كانت على نفسه والوالدين، ومن يكتمها فقد ركب إثمًا عظيمًا.
6446 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي &; 6-100 &; قوله: " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه "، يقول: فاجر قلبه.
6447 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ (12) [سورة المائدة: 72]، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: " ومَنْ يكتمها فإنه آثمٌ قلبه ".
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول: " على الشاهد أن يشهد حيثما استُشهد، ويخبر بها حيثُ استُخبر ".
6448 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن مسلم قال، أخبرنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: إذا كانت عندك شهادة فسألك عنها فأخبره بها، ولا تقل: " أخْبِر بها عند الأمير "، أخبره بها، لعله يراجع أو يَرْعَوي.
* * *
وأما قوله: " والله بما تعملون عليمٌ"، فإنه يعني: " بما تعملون " في شهادتكم من إقامتها والقيام بها، أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها، وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها =" عليمٌ"، يحصيه عليكم، ليجزيكم بذلك كله جزاءكم، إما خيرًا وإما شرًّا على قدر استحقاقكم.
-------------------
الهوامش :
(1) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، حتى يستقيم الكلام .
(2) الزيادة بين القوسين ، أخشى أن تكون سقطت من الناسخ .
(3) هذا كله غريب لم يرد في كتب اللغة .
(4) وهذا أيضًا غريب لم أجده في كتب اللغة ، وإنما قالوا في جمعه"أجداد وأجد وجدود" . وكان في المطبوعة"حد وحد" بالحاء ، و"الخط" ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة غير منقوط .
(5) مختارات ابن الشجرى 1 : 6 ، ولباب الآداب 402-404 ، اللسان (رهن) ، وروايته هناك"من قبلك" ، وهي أجود فيما أرى . غلق الرهن غلقًا (بفتحتين) وغلوقًا : إذا لم تجد ما تخلص به الرهن وتفكه في الوقت المشروط ، فعندئذ يملك المرتهن الرهن الذي عنده . كان هذا على رسم الجاهلية ، فأبطله الإسلام . يقول : فارقتك بعد العهود والمواثيق والمحبات التي أعطيتها ، فذهبت بذلك كله ، كما يذهب بالرهان من كانت تحت يده .
(6) يقال : "لط الغريم بالحق دون الباطل" : دافع ومنع الحق . و"لط حقه ، ولط عليه" جحده ومنعه .
(7) في المطبوعة والمخطوطة : "ما لا قبل" بحذف اللام ، وما أثبت هو أقرب إلى الجودة .
(8) انظر ما سلف آنفًا : ص 53-55 .
(9) الأثر : 6444- ذكره الطبري بغير إسناد . وقد رواه البخاري في صحيحه (الفتح 5 : 100- 102) ومسلم في صحيحه 11 : 39 ، 40 من طرق ، عن عائشة أم المؤمنين . وسنن البيهقي 6 : 36 . يقال نسأت عنه دينه نساء : (بالمد وفتح النون) : أخرته . و"بعته بنسيئة" ، أي : بأخرة .
(10) في المطبوعة : "وكان البيع . . . " وأثبت ما في المخطوطة .
(11) انظر تفسير"الإثم" فيما سلف من فهارس اللغة .
(12) في المخطوطة والمطبوعة : "ومن يشرك بالله" ، وليست هذه قراءتها ، أخطأ الناسخ وسها .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 283 | ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ |
---|
النور: 28 | ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
كاتبا:
1- على الإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- كتابا، على أنه مصدر، وهى قراءة أبى، ومجاهد، وأبى العالية.
3- على الجمع، اعتبارا بأن كل نازلة لها كاتب وهى قراءة ابن عباس، والضحاك.
4- كتبا، جمع كتاب، وهى مروية عن أبى العالية.
فرهان:
جمع رهن، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
فوهن، بضم الراء والهاء، أو تسكينها، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
فإن أمن:
وقرئ:
1- فإن أومن، رباعيا مبنيا للمجهول، نقلها الزمخشري عن أبى أي: آمنه الناس.
2- فإن ائتمن، افتعل من «الأمن» أي: وثق، وهى قراءة أبى.
الذي أوتمن:
قرئ:
1- بإبدال الهمزة ياء، وهى قراءة ابن محيصن، وورش.
2- اللذتمن، بإدغام التاء المبدلة من الهمزة، قياسا على «اتسر» ، وهى قراءة عاصم، وهى شاذة.
ولا تكتموا:
وقرئ:
ولا يكتموا، بالياء، على الغيبة، وهى قراءة السلمى.
قلبه:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، على التفسير، ونسبها ابن عطية إلى ابن أبى عبلة.
تعملون:
وقرئ:
يعملون، بالياء، وهى قراءة السلمى.
التفسير :
هذا إخبار من الله أنه له ما في السماوات وما في الأرض، الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، فكانوا ملكا له وعبيدا، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله وإحسانه، وقد أمرهم ونهاهم وسيحاسبهم على ما أسروه وأعلنوه،{ فيغفر لمن يشاء} وهو لمن أتى بأسباب المغفرة، ويعذب من يشاء بذنبه الذي لم يحصل له ما يكفره{ والله على كل شيء قدير} لا يعجزه شيء، بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه
وما دام الأمر كذلك فعليكم- أيها المؤمنون- أن تبذلوا نهاية جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين، فأنفقوا من هذا المال- الذي هو أمانة بين أيديكم- في وجوه الخير واجمعوه من طريق حلال، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم، بل كانوا كما قالوا: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بيان لشمول علم الله- تعالى- لما أظهره الإنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر.
والجملة الكريمة صريحة في أن الله- تعالى- يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه.
وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يعزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته: كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها.
أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس، وتعرض للإنسان دون أن يعزم على تنفيذها، فإنها ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلا للثواب.
ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله- تعالى-: إذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرا .
وروى الجماعة في كتبهم عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله تجاوز لي عن أمتى ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم» .
قال الفخر الرازي: الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين: فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود، ومنها ما لا يكون كذلك، بل تكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن النفس.
فالقسم الأول يكون مؤاخذا به.
والثاني لا يكون مؤاخذا به، ألا ترى إلى قوله- تعالى-: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ .
وقال الآلوسى: المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات، وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس- أى من خواطر لا تصميم ولا عزم معها- قال بعضهم:
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت ... سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
وقوله- تعالى-: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء» بيان لنتيجة المحاسبة التي تكون من الخالق- عز وجل- لعباده.
أى: أنه- سبحانه- بمقتضى علمه الشامل، وإرادته النافذة، يحاسب عباده على ما أسروه وما أعلنوه من أقوال وأعمال، فيغفر بفضله لمن يشاء أن يغفر له، ويعذب بعدله من يشاء أن يعذبه، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه.
وقوله: فَيَغْفِرُ ويعذب، قرأه عاصم وابن عامر ويعقوب وأبو جعفر برفع الراء والباء على الاستئناف أى فهو يغفر. وقرأ الباقون بإسكانهما عطفا على جواب الشرط وهو قوله:
يُحاسِبْكُمْ.
وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته- سبحانه- على جميع الأشياء موجب لقدرته على ما سبق ذكره من المحاسبة لعباده، وإثابة من يشاء إثابته وتعذيب من يشاء تعذيبه، فهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير.
ثم ختم- سبحانه- سورة البقرة بآيتين كريمتين في أولاهما أن رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم امتداد للرسالات السماوية السابقة وخاتمة لها ومهيمنة عليها، وبين في الثانية أنه- سبحانه- لم يكلف الناس إلا بما في قدرتهم، وأنهم سيحاسبون على أعمالهم، وأن من شأن الأخيار أن يكثروا من التضرع إليه بخالص الدعاء. قال- تعالى-:
يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن ، وأنه المطلع على ما فيهن ، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر ، وإن دقت وخفيت ، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم كما قال : ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) [ آل عمران : 29 ] ، وقال : ( يعلم السر وأخفى ) [ طه : 7 ] ، والآيات في ذلك كثيرة جدا ، وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم ، وهو : المحاسبة على ذلك ، ولهذا لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة ، رضي الله عنهم ، وخافوا منها ، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها ، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثني أبو عبد الرحمن
يعني العلاء عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك المصير " . فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله في أثرها : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) إلى آخره .
ورواه مسلم منفردا به ، من حديث يزيد بن زريع ، عن روح بن القاسم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكر مثله ، ولفظه : " فلما فعلوا [ ذلك ] نسخها الله ، فأنزل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال : نعم ، ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) قال : نعم ، ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال : نعم ، ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) قال : نعم .
حديث ابن عباس في ذلك : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن آدم بن سليمان ، سمعت سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، قال : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا " . فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله . ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) إلى قوله : ( فانصرنا على القوم الكافرين )
وهكذا رواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب ، وإسحاق بن إبراهيم ، ثلاثتهم عن وكيع ، به وزاد : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال : قد فعلت ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) قال : قد فعلت ، ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال : قد فعلت ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا [ فانصرنا ] ) قال : قد فعلت .
طريق أخرى عن ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، قال : دخلت على ابن عباس فقلت : يا أبا عباس ، كنت عند ابن عمر فقرأ
هذه الآية فبكى . قال : أية آية ؟ قلت : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) قال ابن عباس ، إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا ، وغاظتهم غيظا شديدا ، يعني ، وقالوا : يا رسول الله ، هلكنا ، إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل ، فأما قلوبنا فليست بأيدينا ، فقال لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قولوا : سمعنا وأطعنا " . قالوا : سمعنا وأطعنا . قال : فنسختها هذه الآية : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله ) إلى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال .
طريق أخرى عنه : قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن مرجانة ، سمعه يحدث أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية : ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ) الآية . فقال : والله لئن واخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه . قال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس ، فذكرت له ما قال ابن عمر ، وما فعل حين تلاها ، فقال عبد الله بن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمن . لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر ، فأنزل الله بعدها : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخر السورة ، قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله ، عز وجل ، أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سالم : أن أباه قرأ : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) فدمعت عيناه ، فبلغ صنيعه ابن عباس ، فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
فهذه طرق صحيحة عن ابن عباس ، وقد ثبت عن ابن عمر كما ثبت عن ابن عباس .
قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن مروان الأصفر ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسبه ابن عمر ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) قال : نسختها الآية التي بعدها .
وهكذا روي عن علي ، وابن مسعود ، وكعب الأحبار ، والشعبي ، والنخعي ، ومحمد بن كعب القرظي ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة : أنها منسوخة بالتي بعدها .
وقد ثبت بما رواه الجماعة في كتبهم الستة من طريق قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تكلم أو تعمل " .
وفي الصحيحين ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا " . لفظ مسلم وهو في أفراده من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا هم بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة " .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة ، عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ، ما لم يعملها ، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قالت الملائكة : رب ، وإن عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، وإنما تركها من جراي " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحسن أحد إسلامه ، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل " .
تفرد به مسلم عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق بهذا السياق واللفظ وبعضه في صحيح البخاري .
وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له [ عشرا ] إلى سبعمائة ضعف ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب ، وإن عملها كتبت " . تفرد به مسلم دون غيره من أصحاب الكتب .
[ وقال مسلم ] حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا عبد الوارث ، عن الجعد أبي عثمان ، حدثنا أبو رجاء العطاردي ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال : " إن الله كتب الحسنات والسيئات ، ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم
يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة " .
ثم رواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن جعفر بن سليمان ، عن الجعد أبي عثمان في هذا الإسناد بمعنى حديث عبد الوارث وزاد : " ومحاها الله ، ولا يهلك على الله إلا هالك " .
وفي حديث سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به . قال : " وقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم . قال : " ذاك صريح الإيمان " .
لفظ مسلم وهو عند مسلم أيضا من طريق الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، به . وروى مسلم [ أيضا ] من حديث مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ، قال : " تلك صريح الإيمان " . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) فإنها لم تنسخ ، ولكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ، مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله : ( يحاسبكم به الله ) يقول : يخبركم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله : ( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) وهو قوله : ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) [ البقرة : 225 ] أي : من الشك والنفاق . وقد روى العوفي والضحاك عنه قريبا من هذا .
وروى ابن جرير ، عن مجاهد والضحاك ، نحوه . وعن الحسن البصري أنه قال : هي محكمة لم تنسخ . واختار ابن جرير ذلك ، واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة ، وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر ، وقد يحاسب ويعاقب بالحديث الذي رواه عند هذه الآية ، قائلا : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد وهشام ، ( ح ) وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا هشام ، قالا جميعا في حديثهما : عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر ، وهو يطوف ، إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدنو المؤمن من ربه ، عز وجل ، حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه فيقول : هل تعرف كذا ؟ فيقول : رب أعرف مرتين حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم " . قال : " فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ] .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة ، عن قتادة ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أمية قالت : سألت عائشة عن هذه الآية : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) فقالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : " هذه مبايعة الله العبد ، وما يصيبه من الحمى ، والنكبة ، والبضاعة يضعها في يد كمه ، فيفتقدها فيفزع لها ، ثم يجدها في ضبنه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر [ من الكير ] " .
وكذا رواه الترمذي ، وابن جرير من طريق حماد بن سلمة ، به . وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
قلت : وشيخه علي بن زيد بن جدعان ضعيف ، يغرب في رواياته وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه : أم محمد أمية بنت عبد الله ، عن عائشة ، وليس لها عنها في الكتب سواه .
لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
القول في تأويل قوله تعالى : { لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } يعني جل ثناؤه بقوله : { لله ما في السموات وما في الأرض } لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير , وإليه تدبير جميعه , وبيده صرفه وتقليبه , لا يخفى عليه منه شيء , لأنه مدبره ومالكه ومصرفه . وإنما عنى بذلك جل ثناؤه : كتمان الشهود الشهادة , يقول : لا تكتموا الشهادة أيها الشهود , ومن يكتمها يفجر قلبه , ولن يخفى علي كتمانه , وذلك لأني بكل شيء عليم , وبيدي صرف كل شيء في السموات والأرض وملكه , أعلمه خفي ذلك وجليه , فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة . وعيدا من الله بذلك من كتمها وتخويفا منه له به . ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم , وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها , أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه من المحاسبة عليها , فقال : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } يقول : وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والإنكار , أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم وغير ذلك من سيئ أعمالكم , { يحاسبكم به الله } يعني بذلك : يحتسب به عليكم من أعماله , فيجازي من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله , وغافر لمن شاء منكم من المسيئين . ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فقال بعضهم بما قلنا من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة , وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها . ذكر من قال ذلك : 5062 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا أبو نفيل , عن يزيد ابن أبي زياد , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } يقول : يعني في الشهادة . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن يزيد بن أبي زياد , عن مقسم , عن ابن عباس في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : في الشهادة . 5063 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : سئل داود عن قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فحدثنا عن عكرمة , قال : هي الشهادة إذا كتمتها . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عمرو وأبي سعيد أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : في الشهادة . 5064 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن السدي , عن الشعبي في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : في الشهادة . * - حدثنا يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا يزيد بن أبي زياد , عن مقسم , عن ابن عباس , أنه قال في هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها . * - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن عكرمة في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } يعني كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه . ثم اختلف متأولو ذلك كذلك , فقال بعضهم : ثم نسخ الله ذلك بقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 ذكر من قال ذلك : 5065 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا إسحاق بن سليمان , عن مصعب بن ثابت , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة , قال : لما نزلت : { لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } اشتد ذلك على القوم , فقالوا : يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ؟ هلكنا ! فأنزل الله عز وجل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 186 الآية , إلى قوله : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } 2 286 قال أبي : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : نعم " . { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } 2 286 إلى آخر الآية , قال أبي : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل نعم " . 5066 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا سفيان , عن آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد , قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سمعنا وأطعنا وسلمنا " . قال : فألقى الله عز وجل الإيمان في قلوبهم , قال : فأنزل الله عز وجل : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } 2 285 قال أبو كريب : فقرأ : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } 2 286 قال : فقال : " قد فعلت " . { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } 2 286 قال : " قد فعلت " . { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } 2 286 قال : " قد فعلت " . { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } 2 286 قال : " قد فعلت " . 5067 - حدثني أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام , قال : ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد , عن حيوة بن شريح , قال : سمعت يزيد بن أبي حبيب , يقول : قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن مرجانة , قال : جئت عبد الله بن عمر , فتلا هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } ثم قال ابن عمر : لئن آخذنا بهذه الآية لنهلكن . ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه . قال : ثم جئت عبد الله بن العباس , فقلت : يا أبا عباس , إني جئت ابن عمر فتلا هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } . .. الآية , ثم قال : لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكن ! ثم بكى حتى سالت دموعه . فقال ابن عباس : يغفر الله لعبد الله بن عمر لقد فرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها كما فرق ابن عمر منها , فأنزل الله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 فنسخ الله الوسوسة , وأثبت القول والفعل . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , عن سعيد بن مرجانة يحدث : أنه بينا هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية : { لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } . .. الآية , فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ! ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه . فقال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس , فذكرت له ما تلا ابن عمر , وما فعل حين تلاها , فقال عبد الله بن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمن , لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر , فأنزل الله بعدها : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 إلى آخر السورة . قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها , وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل : أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل . 5068 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : سمعت الزهري يقول في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : قرأها ابن عمر , فبكى وقال : إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! فبكى حتى سمع نشيجه , فقام رجل من عنده , فأتى ابن عباس , فذكر ذلك له , فقال : رحم الله ابن عمر لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد , حتى نزلت : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 5069 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن جعفر بن سليمان , عن حميد الأعرج , عن مجاهد قال : كنت عند ابن عمر فقال : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } . .. الآية . فبكى ! فدخلت على ابن عباس , فذكرت له ذلك , فضحك ابن عباس فقال : يرحم الله ابن عمر , أو ما يدري فيم أنزلت ؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا , وقالوا : يا رسول الله هلكنا ! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا سمعنا وأطعنا " , فنسختها : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } 2 285 إلى قوله : { وعليها ما اكتسبت } 2 286 فتجوز لهم من حديث النفس , وأخذوا بالأعمال . 5070 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن سفيان بن حسين , عن الزهري , عن سالم أن أباه قرأ : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فدمعت عينه . فبلغ صنيعه ابن عباس , فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 5071 - حدثنا محمد بن بشار , قال أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , قال : نسخت هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 5072 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن آدم بن سليمان , عن سعيد بن جبير , قال : لما نزلت هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قالوا : أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا ولم تعمل به جوارحنا ؟ قال : فنزلت هذه الآية : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } 2 286 قال : ويقول : قد فعلت . قال : فأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة , لم تعطها الأمم قبلها . 5073 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا جرير بن نوح , قال : ثنا إسماعيل , عن عامر : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } قال : فنسختها الآية بعدها قوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 5074 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : نسختها الآية التي بعدها : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 وقوله : { وإن تبدوا } قال : يحاسب بما أبدى من سر أو أخفى من سر , فنسختها التي بعدها . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا سيار , عن الشعبي , قال : لما نزلت هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } قال : فكان فيها شدة حتى نزلت هذه الآية التي بعدها : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 قال : فنسخت ما كان قبلها . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن ابن عون , قال : ذكروا عند الشعبي : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } حتى بلغ : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } قال : فقال الشعبي : إلى هذا صار , رجعت إلى آخر الآية . 5075 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : قال ابن مسعود : كانت المحاسبة قبل أن تنزل : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها . * - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد , قال : سمعت الضحاك , يذكر عن ابن مسعود , نحوه . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن بيان , عن الشعبي , قال : نسخت { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 5076 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب وسفيان , عن جابر , عن مجاهد , وعن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد , قالوا : نسخت هذه الآية : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 { إذ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } . .. الآية . 5077 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عكرمة وعامر , بمثله . 5078 - حدثنا المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد بن حميد , عن الحسن في قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } إلى آخر الآية , قال : محتها : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 5079 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , أنه قال : نسخت هذه الآية , يعني قوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . .. 2 286 الآية التي كانت قبلها : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : نسختها قوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 5080 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني ابن زيد , قال : لما نزلت هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } . .. إلى آخر الآية , اشتدت على المسلمين , وشقت مشقة شديدة , فقالوا : يا رسول الله لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به واخذنا الله به ؟ قال : " فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا وعصينا " , قالوا : بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله . قال : فنزل القرآن يفرجها عنهم : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } 2 285 إلى قوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 قال : فصيره إلى الأعمال , وترك ما يقع في القلوب . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا هشيم , عن سيار , عن أبي الحكم , عن الشعبي , عن أبي عبيدة , عن عبد الله بن مسعود في قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : نسخت هذه الآية التي بعدها : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 5081 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا , فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقالوا : إن عمل أحدنا وإن لم يعمل أخذنا به ؟ والله ما نملك الوسوسة ! فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها بقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 2 286 فكان حديث النفس مما لم تطيقوا . 5082 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن قتادة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : نسختها قوله : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 وقال آخرون ممن قال معنى ذلك : " الإعلام من الله عز وجل عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم , وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعلموه " . هذه الآية محكمة غير منسوخة , والله عز وجل محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصروه في أنفسهم ونووه وأرادوه , فيغفره للمؤمنين , ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق . ذكر من قال ذلك : 5083 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فإنها لم تنسخ , ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة , يقول الله عز وجل : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي , فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم , وهو قوله : { يحاسبكم به الله } يقول : يخبركم . وأما أهل الشك والريب , فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب , وهو قوله : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } وهو قوله : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } 2 225 من الشك والنفاق . 5084 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فذلك سر عملكم وعلانيته , يحاسبكم به الله , فليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به , فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات , وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن , والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم , وإن كان سوءا حدث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر , وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به , فإن هو عمل به تجاوز الله عنه , كما قال : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } 46 16 5085 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم الله } . .. الآية . قال : قال ابن عباس : إن الله يقول يوم القيامة : إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها , فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم , فأغفر لمن شئت , وأعذب من شئت . 5086 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا علي بن عاصم , قال : أخبرنا بيان , عن بشر , عن قيس بن أبي حازم , قال : إذا كان يوم القيامة , قال الله عز وجل يسمع الخلائق : إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم , فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه , ولا يعلمونه , أنا الله أعلم بذلك كله منكم , فأغفر لمن شئت , وأعذب من شئت . 5087 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } كان ابن عباس يقول : إذا دعي الناس للحساب , أخبرهم الله بما كانوا يسرون في أنفسهم مما لم يعملوه , فيقول : إنه كان لا يعزب عني شيء , وإني مخبركم بما كنتم تسرون من السوء , ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه . فهذه المحاسبة . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا أبو تميلة , عن عبيد بن سليمان , عن الضحاك , عن ابن عباس , نحوه . 5088 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : هي محكمة لم ينسخها شيء , يقول : يحاسبكم به الله , يقول : يعرفه الله يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا لا يؤاخذه . 5089 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن عمرو بن عبيد , عن الحسن , قال : هي محكمة لم تنسخ . 5090 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : من الشك واليقين . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } يقول : في اليقين والشك . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . فتأويل هذه الآية على قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة : { وإن تبدوا ما في أنفسكم } من شيء من الأعمال , فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم , أو تخفوه فتسروه في أنفسكم , فلم يطلع عليه أحد من خلقي , أحاسبكم به , فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان , وأعذب أهل الشرك والنفاق في ديني . وأما على الرواية التي رواها عنه الضحاك من رواية عبيد بن سليمان عنه , وعلى ما قاله الربيع بن أنس , فإن تأويلها : إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي , أو تضمروا إرادته في أنفسكم , فتخفوه , يعلمكم به الله يوم القيامة , فيغفر لمن يشاء , ويعذب من يشاء . وأما قول مجاهد فشبيه معناه بمعنى قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة . وقال آخرون ممن قال : " هذه الآية محكمة وهي غير منسوخة " ووافقوا الذين قالوا : " معنى ذلك أن الله عز وجل أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم " معناها : أن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيئ أعمالهم , وجميع ما أسروه , ومعاقبهم عليه , غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب , والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها . ذكر من قال ذلك : 5091 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } . .. الآية , قال : كانت عائشة رضي الله عنها تقول : من هم بسيئة فلم يعملها أرسل الله عليه من الهم والحزن مثل الذي هم به من السيئة فلم يعملها , فكانت كفارته . * - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : كانت عائشة تقول : كل عبد يهم بمعصية , أو يحدث بها نفسه , حاسبه الله بها في الدنيا , يخاف ويحزن ويهتم . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني أبو تميلة , عن عبيد , عن الضحاك , قال : قالت عائشة في ذلك : كل عبد هم بسوء ومعصية , وحدث نفسه به , حاسبه الله في الدنيا , يخاف ويحزن ويشتد همه , لا يناله من ذلك شيء , كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا . 5092 - حدثنا الربيع , قال : ثنا أسد بن موسى , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن علي بن زيد , عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } { ومن يعمل سوءا يجز به } 4 123 فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " يا عائشة , هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة , حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها , فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير " . وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال : إنها محكمة وليست بمنسوخة , وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه , وليس في قوله جل وعز : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 نفى الحكم الذي أعلم عباده بقوله : { أو تخفوه يحاسبكم به الله } لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة , ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه , وقد أخبر الله عز وجل عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة , يقولون : { يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } 18 49 فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها , فلم تكن الكتب وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها بموجب إحصائها على أهل الإيمان بالله ورسوله وأهل الطاعة له , أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين , لأن الله عز وجل وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر , فقال في تنزيله : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } 4 31 فدل أن محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم غير موجبة لهم منه عقوبة , بل محاسبته إياهم إن شاء الله عليها ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها كما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي : 5093 - حدثني به أحمد بن المقدام , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت أبي , عن قتادة , عن صفوان بن محرز , عن ابن عمر , عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدني الله عبده المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بسيئاته يقول : هل تعرف ؟ فيقول نعم , فيقول : سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم . ثم يظهر له حسناته , فيقول : هاؤم اقرءوا كتابيه " أو كما قال : " وأما الكافر , فإنه ينادى به على رءوس الأشهاد " . 5094 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي وسعيد وهشام , وحدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا هشام , قالا جميعا في حديثهما , عن قتادة , عن صفوان بن محرز , قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف , إذ عرض له رجل , فقال : يا ابن عمر أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه , فيقول : هل تعرف كذا ؟ فيقول : رب اغفر مرتين , حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا , وأنا أغفرها لك اليوم " , قال : " فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه . وأما الكفار والمنافقون , فينادى بهم على رءوس الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم , ألا لعنة الله على الظالمين " . إن الله يفعل بعبده المؤمن من تعريفه إياه سيئات أعماله حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها , فكذلك فعله تعالى ذكره في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه , وبما أخفاه من ذلك , ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه , فيستره عليه , وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين , فقال : يغفر لمن يشاء . فإن قال قائل : فإن قوله : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 ينبئ عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب , ولا مثابين إلا بما كسبته من خير . قيل : إن ذلك كذلك , وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله , أو ترك ما أمر بفعله . فإن قال : فإذا كان ذلك كذلك , فما معنى وعيد الله عز وجل إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله : { ويعذب من يشاء } إن كان { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } 2 286 وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا , من هم بذنب , أو إرادة لمعصية , لم تكتسبه جوارحنا ؟ قيل له : إن الله جل ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفوا لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله , وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها , وإنما الوعيد من الله عز وجل بقوله : { ويعذب من يشاء } على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله , والمرية في وحدانيته , أو في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم , وما جاء به من عند الله , أو في المعاد والبعث من المنافقين , على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد , ومن قال بمثل قولهما أن تأويل قوله : { أو تخفوه يحاسبكم به الله } على الشك واليقين . غير أنا نقول إن المتوعد بقوله : { ويعذب من يشاء } هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله , وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا , والموعود الغفران بقوله : { فيغفر لمن يشاء } هو الذي أخفى , وما يخفيه الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداء تحليله وإباحته , فحرمه على خلقه جل ثناؤه , أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله مما كان جائزا ابتداء إباحة تركه , فأوجب فعله على خلقه . فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين إذا هو لم يصحح همه بما يهم به , ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك بالتقدم عليه لم يكن مأخوذا , كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة , ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " , فهذا الذي وصفنا , هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده ثم لا يعاقبهم عليه . فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوة أنبيائه , فذلك هو الهالك المخلد في النار , الذي أوعده جل ثناؤه العذاب الأليم بقوله : { ويعذب من يشاء } فتأويل الآية إذا : { وإن تبدوا ما في أنفسكم } أيها الناس , فتظهروه { أو تخفوه } فتنطوي عليه نفوسكم , { يحاسبكم به الله } فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه , ومغفرته له , فيغفره له , ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه .والله على كل شيء قدير
القول في تأويل قوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } يعني بذلك جل ثناؤه : والله عز وجل على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهمة بالخطيئة , وعلى عقاب هذا الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل , ونبوة أنبيائه , ومجازاة كل واحد منهما على كل ما كان منه , وعلى غير ذلك من الأمور قادر .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 284 | ﴿لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ﴾ |
---|
آل عمران: 29 | ﴿قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
فيغفر لمن يشاء ويعذب:
قرئ:
1- بالرفع فيهما، على القطع، وهى قراءة ابن عامر، وعاصم، ويزيد، ويعقوب، وسهل.
2- بالجزم فيهما، عطفا على الجواب، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بالنصب فيهما، على إضمار «أن» ، وهى قراءة ابن عباس، والأعرج، وأبى حيوة.
4- يغفر لمن يشاء، على البدل من «يحاسبكم» ، وهى قراءة الجعفي، وخلاد، وطلحة بن مصرف، ويروى أنها كذلك فى مصحف عبد الله.
التفسير :
يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي:بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله ( وقالوا سمعنا ) ما أمرتنا به ونهيتنا ( وأطعنا ) لك في ذلك، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام، قالوا ( غفرانك ) أي:نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب، ومحو ما اتصفنا به من العيوب ( وإليك المصير ) أي:المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر.
وقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ استئناف قصد به الإخبار عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بما يشرفهم ويعلى من أقدارهم ومنازلهم.
أى: صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما أنزل إليه من ربه في هذه السورة وغيرها من العقائد والأحكام والسنن والبينات والهدايات تصديق إذعان وإقرار وإطمئنان، وكذلك المؤمنون الذين صدقوه واتبعوه آمنوا بما آمن به رسولهم وداعيهم إلى الحق صلّى الله عليه وسلّم.
وقد قرن- سبحانه- إيمان المؤمنين بإيمان رسولهم صلّى الله عليه وسلّم تشريفا لهم وللإشارة إلى أنهم متى صدقوا في إيمانهم كانت منزلتهم عند الله- تعالى- قريبة من منازل الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.
وفي تأخيرهم في الذكر إشارة إلى تأخر التابع عن المتبوع، وإشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو أول من آمن بما أوحى إليه من ربه، وهو أقوى الناس إيمانا، وأصدقهم يقينا. وأكثرهم استجابه لأوامر الله.
وقوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ بيان للإيمان الكامل الذي اعتقدوه وصدقوا به.
أى: كل فريق من هذين الفريقين وهما الرسول والمؤمنون آمن إيمانا تاما بوجود الله- تعالى- ووحدانيته، وكمال صفاته، ووجوب الخضوع والعبادة له، وبوجود الملائكة وأنهم عباد مكرمون لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ كما آمنوا بكتب الله التي أنزلها لسعادة البشر، وبرسله الذين أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
ثم بين- سبحانه- أن من صفات هؤلاء الأخيار أنهم لا يفرقون بين رسل الله- تعالى فقال: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أى يقولون لا نفرق في الإيمان بين رسل الله- تعالى- وإنما نؤمن بهم جميعا، ونصدق برسالة كل رسول أرسله الله- تعالى- ولا نقول كما قال الضالون نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ.
ثم حكى- سبحانه- ما قالوه مما يدل على صدق إيمانهم، ونقاء نفوسهم وطهارة قلوبهم فقال: «وقالوا سمعنا وأطعنا» أى: وقالوا سمعنا قولك وفهمناه، وامتثلنا أمرك- يا الهنا- واستقمنا عليه، وصبرنا على تكاليفه بكل رضا واستسلام. «غفرانك ربنا» أى اغفر لنا غفرانك الذي هو من فضل رحمتك ونعمك فأنت ربنا وخالقنا والعليم بأحوالنا وبضعفنا.
فقوله: غُفْرانَكَ مصدر منصوب على المفعول المطلق والعامل فيه مقدر أى: اغفر غفرانك. وقوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أى: وإليك وحدك المرجع والمآب، ومنك وحدك يكون الحساب والثواب والعقاب، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت الرسول صلّى الله عليه وسلّم مدحا عظيما، ومدحت أتباعه المؤمنين الصادقين لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه، وتضرعهم إليه بخالص الدعاء أن يغفر لهم ما فرط منهم.
ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما .
الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن ، عن أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ بالآيتين " ، وحدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " .
وقد أخرجه بقية الجماعة من طريق سليمان بن مهران الأعمش ، بإسناده ، مثله . وهو في الصحيحين من طريق الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن ، عنه ، به . وهو في الصحيحين أيضا عن عبد الرحمن ، عن علقمة عن أبي مسعود قال عبد الرحمن : ثم لقيت أبا مسعود ، فحدثني به .
وهكذا رواه أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن المسيب بن رافع ، عن علقمة ، عن أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه " .
الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا شيبان ، عن منصور ، عن ربعي ، عن خرشة بن الحر ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطهن نبي قبلي " .
وقد رواه ابن مردويه ، من حديث الأشجعي ، عن الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن زيد بن ظبيان ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش " .
الحديث الثالث : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا مالك بن مغول ( ح ) وحدثنا ابن نمير ، وزهير بن حرب جميعا ، عن عبد الله بن نمير وألفاظهم متقاربة قال ابن نمير : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن مغول ، عن الزبير بن عدي عن طلحة ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) [ النجم : 16 ] ، قال : فراش من ذهب . قال : وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .
الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي ، حدثنا سلمة بن الفضل ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من تحت العرش " . هذا إسناد حسن ، ولم يخرجوه في كتبهم .
الحديث الخامس : قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، أخبرنا مسدد أخبرنا أبو عوانة ، عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلنا على الناس بثلاث ، أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش ، لم يعطها أحد قبلي ، ولا يعطاها أحد بعدي " .
ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هندي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، بنحوه .
الحديث السادس : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن نافع ، أنبأنا إسماعيل بن الفضل ، أخبرنا محمد بن حاتم بن بزيع ، أخبرنا جعفر بن عون ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : لا أرى أحدا عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة ، فإنها كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش .
ورواه وكيع عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمير بن عمرو الخارفي ، عن علي قال : ما أرى أحدا يعقل ، بلغه الإسلام ، ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ، فإنها من كنز تحت العرش .
الحديث السابع : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا بندار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان " . ثم قال : هذا حديث غريب . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .
الحديث الثامن : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين ، أخبرنا الحسن بن الجهم ، أخبرنا إسماعيل بن عمرو ، أخبرنا ابن أبي مريم ، حدثني يوسف بن أبي الحجاج ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة وآية الكرسي ضحك ، وقال : " إنهما من كنز الرحمن تحت العرش " . وإذا قرأ : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] ، ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) [ النجم : 3941 ] ، استرجع واستكان .
الحديث التاسع : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي ، حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة ، حدثنا محمد بن بكر حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن أبي حميد ، عن أبي مليح ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش ، والمفصل نافلة " .
الحديث العاشر : قد تقدم في فضائل الفاتحة ، من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ; إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ، رواه مسلم والنسائي ، وهذا لفظه .
[ الحديث الحادي عشر : قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا أيفع بن عبد الله الكلاعي قال : قال رجل : يا رسول الله ، أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : " آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال : فأي آية في كتاب الله تحب أن تصيبك وأمتك ؟ قال : " آخر سورة البقرة ، ولم يترك خيرا في الدنيا والآخرة إلا اشتملت عليه " ] .
فقوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
قال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : " ويحق له أن يؤمن " .
وقد روى الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو النضر الفقيه : حدثنا معاذ بن نجدة القرشي ، حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا أبو عقيل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حق له أن يؤمن " . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . .
وقوله : ( والمؤمنون ) عطف على ) الرسول ) ثم أخبر عن الجميع فقال : ( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد ، فرد صمد ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء ، لا يفرقون بين أحد منهم ، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبل الخير ، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله ، حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي تقوم الساعة على شريعته ، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين .
وقوله : ( وقالوا سمعنا وأطعنا ) أي : سمعنا قولك يا ربنا ، وفهمناه ، وقمنا به ، وامتثلنا العمل بمقتضاه ، ( غفرانك ربنا ) سؤال للغفر والرحمة واللطف .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ،
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ) إلى قوله : ( غفرانك ربنا ) قال : قد غفرت لكم ، ( وإليك المصير ) أي : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب .
قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن بيان ، عن حكيم عن جابر قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) قال جبريل : إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك ، فسل تعطه . فسأل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخر الآية .
القول في تأويل قوله تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: صدق الرسول = يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقر =" بما أنـزل إليه "، يعني: بما أوحي إليه من ربه من الكتاب، وما فيه من حلال وحرام، ووعد وعيد، وأمر ونهي، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها.
* * *
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية عليه قال: يحق له.
6499 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه "، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية قال: ويحق له أن يؤمن. (52)
* * *
وقد قيل: إنها نـزلت بعد قوله: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لأن المؤمنين برسول الله من أصحابه شق عليهم ما توعدهم الله به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقولون: " سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " كما قالت بنو إسرائيل! فقالوا: &; 6-125 &; بل نقول: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا "! فأنـزل الله لذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه: "آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله "، يقول: وصدق المؤمنون أيضا مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ورسله، الآيتين. وقد ذكرنا قائلي ذلك قبل. (53)
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: " وكتبه ".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض قرأة أهل العراق (وكتبه) على وجه جمع " الكتاب "، على معنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنـزلها على أنبيائه ورسله.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: (وكتابه)، بمعنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنـزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: " وكتابه "، ويقول: الكتاب أكثر من الكتب. وكأن ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [سورة العصر: 1-2]، بمعنى جنس " الناس " وجنس " الكتاب "، كما يقال: " ما أكثر درهم فلان وديناره "، ويراد به جنس الدراهم والدنانير. (54) وذلك، وإن كان مذهبا من المذاهب معروفا، فإن الذي هو أعجب إلي من القراءة في ذلك أن يقرأ بلفظ الجمع. لأن الذي قبله جمع، والذي بعده كذلك - أعني بذلك: " وملائكته وكتبه ورسله " - فإلحاق " الكتب " في الجمع لفظا به، أعجب إلي من توحيده وإخراجه في اللفظ به بلفظ الواحد، ليكون لاحقا في اللفظ والمعنى بلفظ ما قبله وما بعده، وبمعناه.
* * *
&; 6-126 &;
القول في تأويل قوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
قال أبو جعفر: وأما قوله: " لا نفرق بين أحد من رسله "، فإنه أخبر جل ثناؤه بذلك عن المؤمنين أنهم يقولون ذلك. ففي الكلام في قراءة من قرأ: " لا نفرق بين أحد من رسله " بالنون، متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عنه. وذلك المتروك هو " يقولون ". وتأويل الكلام: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله. وترك ذكر " يقولون " لدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكره في قوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد: 23-24]، بمعنى: يقولون: سلام.
* * *
وقد قرأ ذلك جماعة من المتقدمين: ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) ب " الياء "، بمعنى: والمؤمنون كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرق الكل منهم بين أحد من رسله، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم، ويقرون أن ما جاءوا به كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته، ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجحدوا نبوته، ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله، وأقروا ببعضه، كما:-
6500 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " لا نفرق بين أحد من رسله "، كما صنع القوم - يعني بني إسرائيل - قالوا: فلان نبي، وفلان ليس نبيا، وفلان نؤمن به، وفلان لا نؤمن به.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: &; 6-127 &; " لا نفرق بين أحد من رسله "، لأنها القراءة التي قامت حجتها بالنقل المستفيض، (55) الذي يمتنع معه التشاعر والتواطؤ والسهو والغلط= (56) بمعنى ما وصفنا من: يقولون لا نفرق بين أحد من رسله= (57) ولا يعترض بشاذ من القراءة، على ما جاءت به الحجة نقلا ووراثة. (58)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين: " سمعنا " قول ربنا وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه =" وأطعنا "، يعني: أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له = وقوله: " غفرانك ربنا "، يعني: وقالوا: " غفرانك ربنا "، بمعنى: اغفر لنا ربنا غفرانك، كما يقال: " سبحانك "، بمعنى: نسبحك سبحانك.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن " الغفران " و " المغفرة "، الستر من الله على ذنوب من &; 6-128 &; غفر له، وصفحة له عن هتك ستره بها في الدنيا والآخرة، وعفوه عن العقوبة - عليه. (59)
* * *
وأما قوله: " وإليك المصير "، فإنه يعني جل ثناؤه أنهم قالوا: وإليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا، فاغفر لنا ذنوبنا. (60)
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما الذي نصب قوله: " غفرانك "؟
قيل له: وقوعه وهو مصدر موقع الأمر. وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الأمر، وأدت عن معنى الأمر نصبتها، فيقولون: " شكرا لله يا فلان "، و " حمدا له "، بمعنى: اشكر الله واحمده." والصلاة، الصلاة ". بمعنى: صلوا. ويقولون في الأسماء: " الله الله يا قوم "، ولو رفع بمعنى: هو الله، أو: هذا الله - ووجه إلى الخبر وفيه تأويل الأمر، كان جائزا، كما قال الشاعر: (61)
إن قومــا منهــم عمــير وأشـبا
ه عمـــير ومنهـــم الســـفاح (62)
لجـــديرون بالوفـــاء إذا قــا
ل أخـو النجـدة: السـلاح السلاح ! !
ولو كان قوله: " غفرانك ربنا " جاء رفعا في القراءة، لم يكن خطأ، بل كان صوابا على ما وصفنا. (63)
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية لما نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناء من &; 6-129 &; الله عليه وعلى أمته، قال له جبريل صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أحسن عليك وعلى أمتك الثناء، فسل ربك.
6501 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن حكيم بن جابر قال: لما أنـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "، قال جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن الثناء عليك، وعلى أمتك، فسل تعطه! فسأل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا إلى آخر السورة. (64)
--------------
الهوامش :
(52) الأثر : 6499- أخرج الحاكم في المستدرك 2 : 287 من طريق خلاد بن يحيى ، عن أبي عقيل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس قال : "لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأحق له أن يؤمن" . ثم قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" واستدرك عليه الذهبي فقال : "منقطع" .
(53) انظر ما سلف رقم : 6477 .
(54) انظر ما سلف 4 : 263 .
(55) في المطبوعة : "التي قامت حجة . . . " ، وفي المخطوطة : "التي قامت حجته" ، وصواب قراءتها ما أثبت .
(56) في المطبوعة : "التشاغر" بغين معجمة ، وهو خطأ غث . والصواب من المخطوطة . و"تشاعروا الأمر ، أو على الأمر" ، أي تعالموه بينهم . من قولهم : "شعر" أي"علم" . وهي كلمة قلما تجدها في كتب اللغة ، ولكنها دائرة في كتب الطبري ومن في طبقته من القدماء . وانظر الرسالة العثمانية للجاحظ : 3 ، وتعلق : 5 ، ثم ص : 263 ، وصواب شرحها ما قلت . وانظر ما سيأتي ص : 155 ، تعليق 1 .
(57) في المطبوعة : "يعني ما وصفنا" ، والصواب من المخطوطة .
(58) في المطبوعة : "نقلا ورواية" ، وفي المخطوطة"نقلا وراثة" ، وهي الصواب ، وآثرت زيادة الواو قبلها ، فإني أرجح أنها كانت كذلك . وقد أكثر الطبري استعمال"وراثة" و"موروثة" فيما سلف ، من ذلك فيما مضى في 4 : 33" . . . بالحجة القاطعة العذر ، نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة . . . " / ثم في 5 : 238"لخلافها القراءة المستفيضة الموروثة . . . " . وانظر ما سيأتي ص : 155 ، تعليق : 1 .
(59) انظر ما سلف 2 : 109 ، 110 .
(60) انظر ما سلف في تفسير"المصير" 3 : 56 .
(61) لم أعرف قائله .
(62) معاني القرآن للفراء 1 : 188 ، وشواهد العيني (بهامش الخزانة) 4 : 306 . ولم أستطع تعييني"عمير" و"السفاح" ، فهما كثير .
(63) أكثر هذا من معاني القرآن للفراء 1 : 188 .
(64) الحديث : 6501- بيان : هو ابن بشر الأحمسي ، مضت ترجمته في : 259 . "حكيم بن جابر بن طارق بن عوف الأحمسي" : تابعي كبير ثقة ، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم . روى عن أبيه ، وعمر ، وابن مسعود ، وطلحة ، وعبادة بن الصامت . وروى عنه إسماعيل ابن أبي خالد ، و"بيان" . ثقة . مات في آخر إمارة الحجاج . وقيل سنة 82 ، وقيل سنة 95 . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/12 . وصرح بأنه سمع عمر .
فهذا الحديث مرسل .
وذكره السيوطي 1 : 376 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم .
ونقله ابن كثير 2 : 89 ، عن هذا الموضع من الطبري . ولكن وقع فيه تحريف في الإسناد ، من ناسخ أو طابع - هكذا : "عن سنان ، عن حكيم ، عن جابر"؛ فصار الإسناد موهما أنه حديث متصل من رواية جابر بن عبد الله الصحابي . فيصحح من هذا الموضع .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 285 | ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ |
---|
البقرة: 136 | ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 84 | ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ |
---|
النساء: 152 | ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
والمؤمنون:
وقرئ:
وآمن المؤمنون، على إظهار الفعل، وهى قراءة على، وعبد الله.
وكتبه:
1- على الجمع، وهى قراءة السبعة، غير: حمزة، والكسائي.
وقرئ:
2- وكتابه، على التوحيد، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
لا نفرق:
وقرئ:
1- لا يفرق، بالياء، وهى قراءة ابن جبير، وابن يعمر، وأبى زرعة، ويعقوب.
2- لا يفرقون، حملا على معنى، «كل» ، وهى كذلك فى مصحف أبى، وابن مسعود.
التفسير :
لما نزل قوله تعالى{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} شق ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي:أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى{ ما جعل عليكم في الدين من حرج} فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، ثم أخبر تعالى أن لكل نفس ما كسبت من الخير، وعليها ما اكتسبت من الشر، فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا تذهب حسنات العبد لغيره، وفي الإتيان بـ "كسب "في الخير الدال على أن عمل الخير يحصل للإنسان بأدنى سعي منه بل بمجرد نية القلب وأتى بـ "اكتسب "في عمل الشر للدلالة على أن عمل الشر لا يكتب على الإنسان حتى يعمله ويحصل سعيه، ولما أخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه وأن كل عامل سيجازى بعمله، وكان الإنسان عرضة للتقصير والخطأ والنسيان، وأخبر أنه لا يكلفنا إلا ما نطيق وتسعه قوتنا، أخبر عن دعاء المؤمنين بذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال:قد فعلت. إجابة لهذا الدعاء، فقال{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} والفرق بينهما:أن النسيان:ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ:أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله:فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا، فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب، أو نجس، أو قد نسي نجاسة على بدنه، أو تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل مفطرا ناسيا، أو فعل محظورا من محظورات الإحرام التي ليس فيها إتلاف ناسيا، فإنه معفو عنه، وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا، وكذلك لو أخطأ فأتلف نفسا أو مالا فليس عليه إثم، وإنما الضمان مرتب على مجرد الإتلاف، وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية إذا تركها الإنسان ناسيا لم يضر.{ ربنا ولا تحمل علينا إصرا} أي:تكاليف مشقة{ كما حملته على الذين من قبلنا} وقد فعل تعالى فإن الله خفف عن هذه الأمة في الأوامر من الطهارات وأحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} وقد فعل وله الحمد{ واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور، والرحمة يحصل بها صلاح الأمور{ أنت مولانا} أي:ربنا ومليكنا وإلهنا الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا فنعمك دارة علينا متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها، فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بأن تنصرنا على القوم الكافرين، الذين كفروا بك وبرسلك، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر، والحمد لله رب العالمين.
تم تفسير سورة البقرة بعون الله وتوفيقه وصلى الله على محمد وسلم
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر رحمته بعباده فقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها والوسع- كما يقول الزمخشري-: ما يسع الإنسان، ولا يضيق عليه، ولا يحرج فيه، أى لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه، ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود. وهذا إخبار عن عدله. ورحمته كقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلّى أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويجمع أكثر من حجة .
فالجملة الكريمة تحكى لنا بعض مظاهر فضل الله علينا ورحمته بنا، حيث كلفنا بما تسعه قدرتنا، وتستطيعه نفوسنا، وقد حكى القرآن هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-:
ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً.
وإذا كانت بعض التكاليف التي كلفنا الله بها فيها مشقة، فإن هذه المشقة محتملة وفي وسع الإنسان وقدرته وطاقته، وسيثيبنا الله- تعالى- عليها ثوابا جزيلا، فهو القائل: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.
ثم بين- سبحانه- أن كل نفس ستجازى بما عملت فقال: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أى لها وحدها ثواب ما كسبت من حسنات بسبب أعمالها الصالحة، وعليها وحدها عقاب ما اكتسبت من سيئات بسبب أعمالها القبيحة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ قلت. في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال» .
وقال الأستاذ الإمام محمد عبده: «لا شك أن الميل إلى الخير مما أودع في نفس الإنسان، والإنسان يفعل الخير بطبعه وتكون فيه لذته. ولا يحتاج إلى تكلف في فعل الخير، لأنه يعلم أن كل أحد يرتاح إليه ويراه بعين الرضا وأما الشر فإنه يعرض للنفس بأسباب ليست من طبيعتها ولا من مقتضى فطرتها ومهما كان الإنسان شريرا فإنه لا يخفى عليه أن الشر ممقوت عند الناس وصاحبه مهين عندهم.. وهكذا شأن الإنسان عند اقتراف كل شر يشعر في نفسه بقبحه، ويجد من أعماق سريرته هاتفا يقول له: لا تفعل، ويحاسبه بعد الفعل ويوبخه إلا في النادر..».
وبعد بيان سنة الله- تعالى- في التكليف وفي الجزاء عليه، ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتلك الدعوات الجامعات للسعادة حتى يكثر المؤمنون من التضرع بها فقال- تعالى-:
رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أى: ربنا يا واسع العفو والمغفرة لا تؤاخذنا أى لا تعاقبنا إِنْ نَسِينا أمرك ونهيك أَوْ أَخْطَأْنا ففعلنا خلاف الصواب جهلا منا بوجهه الشرعي.
فأنت ترى أن هؤلاء الذين اتقوا ربهم، فصفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وخشعت جوارحهم، يتضرعون إلى الله أن يغفر لهم ما فرط منهم نسيانا أو خطأ، وذلك لأن المؤمن عند ما يصل إلى هذه الدرجة من التقوى والصفاء يشعر بأن الله- تعالى- يحاسبه على مالا حساب عليه، ويشعر بأن حسناته- مهما كثرت- فهي قليلة بجانب هفواته وسيئاته، فهو لشدة خشيته من الله يرجح جانب المؤاخذة على جانب العفو فيكثر من الضراعة والدعاء.
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: فإن قلت: النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ قلت: ... لأنهم كانوا متقين الله حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ. فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به. كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان. ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه» .
هذا هو الدعاء الأول الذي حكاه القرآن عن المؤمنين الصادقين.
أما الدعاء الثاني فهو قوله- سبحانه-: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.
والإصر في اللغة: الثقل والشدة. مأخوذ من أصر بمعنى حبس، فكأنه يحبس صاحبه في مكانه فيمنعه من الحركة.
والمعنى: أن أولئك يضرعون إلى الله- تعالى- ألا يلقى تكاليف وأعباء شديدة، يثقل عليهم حملها ويعجزون عن أدائها، كما كان الحال بالنسبة للذين سبقوهم فقد كلف الله- تعالى- بنى إسرائيل بتكاليف شاقة ثقيلة بسبب تعنتهم وفسوقهم عن أمره، ومن ذلك تكليفهم بقتل أنفسهم إذا أرادوا أن يتوبوا توبة صادقة، وتحريم بعض الطيبات عليهم بسبب ظلمهم قال- تعالى-: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ....
قال الرازي: والمؤمنون إنما طلبوا هذا التخفيف لأن التشديد مظنة التقصير. والتقصير موجب للعقوبة، ولا طاقة لهم بعذاب الله- تعالى- فلا جرم التمسوا السهولة في التكاليف .
أما الدعاء الثالث فهو قوله- تعالى-: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.
الطاقة- كما يقول الراغب-: اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة، وذلك تشبيه بالطوق المحيط، فقوله- تعالى-: لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أى ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا به».
فالطاقة على هذا تكون فيما فعله بأقصى القدرة والقوة.
أى: ونسألك يا ربنا ألا تحملنا ما هو فوق طاقتنا وقدرتنا من المصائب والعقوبات وغير ذلك من الأمور التي لا نستطيعها.
وهذا الدعاء هو تدرج مترتب على الدعاء السابق، فهم هنا يلتمسون منه- سبحانه- ألا ينزل بهم ما هو فوق قدرتهم وطاقتهم من بلايا ومحن، بعد أن التمسوا منه ألا يكلفهم بتكاليف شاقة ثقيلة كما كلف الذين من قبلهم.
ثم حكى القرآن دعاءهم الرابع والخامس والسادس فقال: وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنا، وَارْحَمْنا أى نسألك يا ربنا أن تعفو عنا بأن تمحو عنا ما ألممنا به من ذنوب وتتجاوز عنها، وأن تغفر لنا سيئاتنا بأن تسترها ولا تفضحنا بإظهارها فأنت وحدك الغفار الستار. وأن ترحمنا برحمتك السابقة التي شملت كل شيء، فإننا مع تقصيرنا في طاعتك تأمل ألا تحرمنا من رحمتك فأنت تراهم قد تضرعوا إلى ربهم أن يعفو عنهم بأن يسقط عنهم العقاب وأن يغفر لهم بأن يستر عليهم ذنوبهم فلا يفضحهم بها، وأن يشملهم بعطفه ورحمته.
وهي دعوات تدل على رقة إحساسهم، ونقاء نفوسهم، وشدة خشيتهم من ربهم، وشعورهم نحوه بالتقصير مهما قدموا من أعمال صالحة.
ثم ختموا دعاءهم بقوله- تعالى-: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى: أنت مولانا وناصرنا وحافظنا ومعيننا وممدنا بالخير والهدى فانصرنا يا ربنا على القوم الكافرين لكي تكون كلمتك هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وقولهم: أَنْتَ مَوْلانا يدل على نهاية خضوعهم وتذللهم وطاعتهم لله رب العالمين، لأنهم قد اعترفوا بأنه- سبحانه- هو المتولى لكل نعمة يصلون إليها.
قال ابن كثير: وقد ورد في صحيح مسلّم عن النبي: صلّى الله عليه وسلّم- أن الله- تعالى- قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات: قد فعلت.
وروى البخاري والجماعة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» .
وروى الإمام أحمد عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» .
وبعد فهذه هي سورة البقرة التي اشتملت على ما يشفى الصدور، ويهدى القلوب، ويصلح النفوس: من توجيهات سامية، وآداب حميدة، وعقائد سليمة، وتشريعات حكيمة، وأمثال هادية، وقصص من شأنه أن يغرس في النفوس الخلق القويم، وأن يغريها بالاتعاظ والاعتبار حتى تكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ولقد سبق لنا أن تكلمنا قبل البدء في تفسيرها عن وقت نزولها، وعن فضلها وعن مقاصدها الإجمالية ...
والله نسأل أن ينفعنا بها وبكتابه الكريم، وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه، ونافعة لعباده.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وبصائرنا، وجلاء همنا وحزننا، وأعنا على إتمام ما قصدناه بفضلك ورعايتك يا أكرم الأكرمين. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على طريقته إلى يوم الدين.
وقوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) أي : لا يكلف أحدا فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم ، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة ، في قوله : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) أي : هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه ، فأما ما لا يمكن دفعه من وسوسة النفس وحديثها ، فهذا لا يكلف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان .
وقوله : ( لها ما كسبت ) أي : من خير ، ( وعليها ما اكتسبت ) أي : من شر ، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف ، ثم قال تعالى مرشدا عباده إلى سؤاله ، وقد تكفل لهم بالإجابة ، كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا : ( ربنا لا تؤاخذنا إن [ نسينا ] ) أي : إن تركنا فرضا على جهة النسيان ، أو فعلنا حراما كذلك ، ( أو أخطأنا ) أي : الصواب في العمل ، جهلا منا بوجهه الشرعي .
وقد تقدم في صحيح مسلم لحديث أبي هريرة : " قال الله : نعم " ولحديث ابن عباس قال الله : " قد فعلت " .
وروى ابن ماجه في سننه ، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي ، عن عطاء قال ابن ماجه في روايته : عن ابن عباس . وقال الطبراني وابن حبان : عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " . وقد روي من طرق أخر وأعله أحمد وأبو حاتم والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر ، عن أم الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وقوله : ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) أي : لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها ، كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم ، التي بعثت نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به ، من الدين الحنيف السهل السمح .
وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : نعم " .
وعن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : قد فعلت " . وجاء الحديث من طرق ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
وقوله : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) أي : من التكليف والمصائب والبلاء ، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به .
وقد قال مكحول في قوله : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال : الغربة والغلمة ، رواه ابن أبي حاتم ، " قال الله : نعم " وفي الحديث الآخر : " قال الله : قد فعلت " .
وقوله : ( واعف عنا ) أي : فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا ، ( واغفر لنا ) أي : فيما بيننا وبين عبادك ، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة ، ( وارحمنا ) أي : فيما يستقبل ، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر ، ولهذا قالوا : إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء : أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه ، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم ، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره . وقد تقدم في الحديث أن الله قال : نعم . وفي الحديث الآخر : " قال الله : قد فعلت " .
وقوله : ( أنت مولانا ) أي : أنت ولينا وناصرنا ، وعليك توكلنا ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك ( فانصرنا على القوم الكافرين ) أي : الذين جحدوا دينك ، وأنكروا وحدانيتك ، ورسالة نبيك ، وعبدوا غيرك ، وأشركوا معك من عبادك ، فانصرنا عليهم ، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة ، قال الله : نعم . وفي الحديث الذي رواه مسلم ، عن ابن عباس : " قال الله : قد فعلت " .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، أن معاذا ، رضي الله عنه ، كان إذا فرغ من هذه السورة ( فانصرنا على القوم الكافرين ) قال : آمين .
ورواه وكيع عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن معاذ بن جبل : أنه كان إذا ختم البقرة قال : آمين .
القول في تأويل قوله تعالى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يكلف الله نفسا فيتعبدها إلا بما يسعها، (65) فلا يضيق عليها ولا يجهدها.
* * *
&; 6-130 &;
وقد بينا فيما مضى قبل أن " الوسع " اسم من قول القائل: " وسعني هذا الأمر "، مثل " الجهد " و " الوجد " من: " جهدني هذا الأمر " و " وجدت منه "، (66) كما:-
6502 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاومة، عن علي، عن ابن عباس قوله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [سورة الحج: 78]، وقال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سورة البقرة: 185]، وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (67) [سورة التغابن: 16].
6503 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس قال: لما نـزلت، ضج المؤمنون منها ضجة وقالوا: يا رسول الله، هذا نتوب من عمل اليد والرجل واللسان! (68) كيف نتوب من الوسوسة؟ كيف نمتنع منها؟ فجاء جبريل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية،" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة.
6504 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، وسعها، طاقتها. وكان حديث النفس مما لم يطيقوا. (69)
* * *
&; 6-131 &;
القول في تأويل قوله تعالى : لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " لها " للنفس التي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها. يقول: لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير =" وعليها "، يعني: وعلى كل نفس =" ما اكتسبت "، ما عملت من شر، (70) كما:-
6505 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت "، أي: من خير =" وعليها ما اكتسبت "، أي: من شر - أو قال: من سوء.
6506 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط. عن السدي." لها ما كسبت "، يقول: ما عملت من خير =" وعليها ما اكتسبت "، يقول: وعليها ما عملت من شر.
6507 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتاده، مثله.
6508 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت "، عمل اليد والرجل واللسان.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: لا يكلف الله نفسا إلا ما يسعها فلا يجهدها، ولا يضيق عليها في أمر دينها، فيؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها.
* * *
&; 6-132 &;
القول في تأويل قوله تعالى : رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل عباده المؤمنين دعاءه كيف يدعونه، وما يقولونه في دعائهم إياه. ومعناه: قولوا: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا " شيئا فرضت علينا عمله فلم نعمله=،" أو أخطأنا " في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه، على غير قصد منا إلى معصيتك، ولكن على جهالة منا به وخطأ، كما:-
6509 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "، إن نسينا شيئا مما افترضته علينا، أو أخطأنا، [فأصبنا] شيئا مما حرمته علينا. (71)
6510 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل تجاوز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها. (72)
6511 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال، زعم السدي أن هذه الآية حين نـزلت: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "، قال له جبريل صلى الله عليه وسلم: فقل ذلك يا محمد.
* * *
&; 6-133 &;
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وهل يحوز أن يؤاخذ الله عز وجل عباده بما نسوا أو أخطأوا، فيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟
قيل: إن " النسيان " على وجهين: أحدهما على وجه التضييع من العبد والتفريط، والآخر على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به، وضعف عقله عن احتماله.
= فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو ترك منه لما أمر بفعله. فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو " النسيان " الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [سورة طه: 115]، وهو " النسيان " الذي قال جل ثناؤه: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [سورة الأعراف: 51]. فرغبة العبد إلى الله عز وجل بقوله: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "، فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا، ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا منه فيه وتضييعا، كفرا بالله عز وجل. فإن ذلك إذا كان كفرا بالله، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة، لأن الله عز وجل قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله، خطأ. وإنما تكون مسألته المغفرة، فيما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاة أو صياما، باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما.
= وأما الذي العبد به غير مؤاخذ، لعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ما وكل بمراعاته، فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم، فذلك الذي لا وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له، لأنه مسألة منه له أن يغفر له ما ليس له بذنب، وذلك مثل الأمر يغلب عليه وهو حريص على تذكره وحفظه، كالرجل &; 6-134 &; يحرص على حفظ القرآن بجد منه فيقرأه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ذكر ما أودع قلبه منه، وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مما لا تجوز مسألة الرب مغفرته، لأنه لا ذنب للعبد فيه فيغفر له باكتسابه.
* * *
وكذلك " الخطأ " وجهان:
= أحدهما: من وجه ما نهي عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ. يقال منه: " خطئ فلان وأخطأ " فيما أتى من الفعل، و " أثم "، إذا أتى ما يأثم فيه وركبه، (73) ومنه قول الشاعر: (74)
النــاس يلحــون الأمــير إذا هـم
خـطئوا الصـواب ولا يـلام المرشد (75)
يعني: أخطأوا الصواب = وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه، (76) إلا ما كان من ذلك كفرا.
= والآخر منهما: ما كان عنه على وجه الجهل به، والظن منه بأن له فعله، كالذي يأكل في شهر رمضان ليلا وهو يحسب أن الفجر لم يطلع = أو يؤخر &; 6-135 &; صلاة في يوم غيم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها، فيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لم يدخل. فإن ذلك من الخطأ الموضوع عن العبد، الذي وضع الله عز وجل عن عباده الإثم فيه، فلا وجه لمسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه به.
* * *
وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بما نسي أو أخطأ، إنما هو فعل منه لما أمره به ربه تبارك وتعالى، أو لما ندبه إليه من التذلل له والخضوع بالمسألة، فأما على وجه مسألته الصفح، فما لا وجه له عندهم (77)
وللبيان عن هؤلاء كتاب سنأتي فيه إن شاء الله على ما فيه الكفاية، لمن وفق لفهمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
قال أبو جعفر: ويعني بذلك جل ثناؤه: قولوا: " ربنا ولا تحمل علينا إصرا "، يعني ب " الإصر " العهد، كما قال جل ثناؤه: قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [سورة آل عمران: 81]. وإنما عنى بقوله: ( وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) ولا تحمل علينا عهدا فنعجز عن القيام به ولا نستطيعه =" كما حملته على الذين من قبلنا "، يعني: على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالا وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها، فلم يقوموا بها فعوجلوا بالعقوبة. فعلم الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم - الرغبة إليه بمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثيقه على أعمال - إن ضيعوها &; 6-136 &; أو أخطأوا فيها أو نسوها - مثل الذي حمل من قبلهم، فيحل بهم بخطئهم فيه وتضييعهم إياه، مثل الذي أحل بمن قبلهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6512 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قي قوله: " لا تحمل علينا إصرا "، قال: لا تحمل علينا عهدا وميثاقا، كما حملته على الذين من قبلنا. يقول: كما غلظ على من قبلنا.
6513 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن مجاهد في قوله: " ولا تحمل علينا إصرا "، قال: عهدا (78)
6514 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " إصرا "، قال: عهدا.
6515 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: " إصرا "، يقول: عهدا.
6516 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا "، والإصر: العهد الذي كان على من قبلنا من اليهود.
6517 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " ولا تحمل علينا إصرا "، قال: عهدا لا نطيقه ولا نستطيع &; 6-137 &; القيام به =" كما حملته على الذين من قبلنا "، اليهود والنصارى فلم يقوموا به، فأهلكتهم.
6518 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " إصرا "، قال: المواثيق.
6519 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " الإصر "، العهد. = وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [سورة آل عمران 81]، قال: عهدي.
6520 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ، قال: عهدي.
وقال آخرون: " معنى ذلك: ولا تحمل علينا ذنوبًا وإثمًا، كما حملت ذلك على من قبلنا من الأمم، فتمسخنا قردةً وخنازير كما مسختهم ".
ذكر من قال ذلك:
6521 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن علي بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: " ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا "، قال: لا تمسخنا قردة وخنازير. (79)
6522 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا "، لا تحمل علينا ذنبًا ليس فيه توبةً ولا كفارة.
* * *
وقال آخرون: " معنى " الإصر " بكسر الألف: الثِّقْل ".
&; 6-138 &;
ذكر من قال ذلك:
6523 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا "، يقول: التشديد الذي شدّدته على من قبلنا من أهل الكتاب.
6524 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألته - يعنى مالكًا - عن قوله: " ولا تحمل علينا إصرًا "، قال: الإصر، الأمر الغليظ.
* * *
قال أبو جعفر: فأما " الأصر "، بفتح الألف: فهو ما عَطف الرجلَ على غيره من رَحم أو قرابة، يقال: " أصَرتني رَحم بيني وبين فلانٌ عليه "، بمعنى: عطفتني عليه." وما يأصِرُني عليه "، أي: ما يعطفني عليه." وبيني وبينه آصرةُ رَحم تأصرني عليه أصرًا "، يعني به: عاطفة رَحم تعطفني عليه. (80)
* * *
القول في تأويل قوله : رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقولوا أيضًا: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به، لثِقَل حمله علينا.
وكذلك كانت جماعة أهل التأويل يتأولونه.
ذكر من قال ذلك:
6525 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، تشديدٌ يشدِّد به، كما شدّد على من كان قبلكم.
&; 6-139 &;
6526 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: " ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، قال: لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق.
6527 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، لا تفترض علينا من الدّين ما لا طاقة لنا به فنعجز عنه.
6528 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، مَسخُ القردة والخنازير.
6529 - حدثني سلام بن سالم الخزاعي قال، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي قال، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، عن سالم بن شابور في قوله: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، قال: الغُلْمة. (81)
6530 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "، من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قلنا إن تأويل ذلك: ولا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به، على نحو الذي قلنا في ذلك، لأنه عَقيب مسألة المؤمنين ربَّهم أن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطأوا، وأن لا يحمل عليهم إصرًا كما حمله على الذين من قبلهم، &; 6-140 &; فكان إلحاق ذلك بمعنى ما قبله من مسألتهم التيسيرَ في الدين، أولى مما خالف ذلك المعنى.
* * *
القول في تأويل قوله : وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا
قال أبو جعفر: وفي هذا أيضًا، من قول الله عز وجل، خبرًا عن المؤمنين من مسألتهم إياه ذلك = (82) الدلالةُ الواضحة أنهم سألوه تيسير فرائضه عليهم بقوله: وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ، لأنهم عقبوا ذلك بقولهم: " واعف عنا "، مسألةً منهم ربَّهم أن يعفوَ لهم عن تقصير إن كان منهم في بعض ما أمرهم به من فرائضه، فيصفح لهم عنه ولا يعاقبهم عليه. وإن خفّ ما كلفهم من فرائضه على أبدانهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6531 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واعف عنا "، قال: اعفُ عنا إن قصرنا عن شيء من أمرك مما أمرتنا به.
* * *
وكذلك قوله: " واغفر لنا "، يعني: واستر علينا زلَّة إن أتيناها فيما بيننا وبينك، فلا تكشفها ولا تفضحنا بإظهارها.
* * *
وقد دللنا على معنى " المغفرة " فيما مضى قبل. (83)
* * *
&; 6-141 &;
6532 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " واغفر لنا " إن انتهكنا شيئًا مما نهيتنا عنه.
* * *
القول في تأويل قوله : وَارْحَمْنَا
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: تغمدنا منك برحمة تنجينا بها من عقابك، فإنه ليس بناج من عقابك أحد إلا برحمتك إياه دُون عمله، وليست أعمالنا منجيتنا إن أنت لم ترحمنا، فوفقنا لما يرضيك عنا، كما:-
6533 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: " وارحمنا "، قال يقول: لا ننال العمل بما أمرتنا به، ولا تركَ ما نهيتنا عنه إلا برحمتك. (84) قال: ولم ينج أحدٌ إلا برحمتك.
* * *
القول في تأويل قوله : أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " أنت مَوْلانا "، أنت وَليُّنا بنصرك، دون من عَاداك وكفر بك، لأنا مؤمنون بك، ومطيعوك فيما أمرتنا ونهيتنا، فأنت وليّ من أطاعك، وعدوّ من كفر بك فعصاك = ،" فانصرنا "، لأنا حزْبك = &; 6-142 &; " على القوم الكافرين "، الذين جحدوا وحدانيتك، وعبدوا الآلهة والأندادَ دونك، وأطاعوا في معصيتك الشيطان.
* * *
و " المولى " في هذا الموضع " المفعَل "، من: " وَلى فلانٌ أمرَ فُلان، فهو يليه وَلاية، وهو وليُّه ومولاه ". (85) وإنما صارت " الياء " من " ولى "" ألفًا "، لانفتاح " اللام " قبلها، التي هي عينُ الاسم.
* * *
وقد ذكروا أن الله عز وجل لما أنـزل هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، استجاب الله له في ذلك كله.
ذكر الأخبار التي جاءت بذلك:
6534 - حدثني المثنى بن إبراهيم ومحمد بن خلف قالا حدثنا آدم قال، حدثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نـزلت هذه الآية: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ، قال: قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى قوله: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ، قال الله عز وجل: " قد غفرت لكم ". فلما قرأ: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قال الله عز وجل: لا أحملكم. فلما قرأ: وَاغْفِرْ لَنَا ، قال الله تبارك وتعالى: قد غفرت لكم. فلما قرأ: وَارْحَمْنَا ، قال الله عز وجل: " قد رحمتكم "، فلما قرأ: " وانصرنا على القوم الكافرين "، قال الله عز وجل: قد نصرتُكم عليهم. (86)
&; 6-143 &;
6535 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: أتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، فقالها، فقال جبريل: قد فعل. وقال له جبريل: قل: رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ، فقالها، فقال جبريل: قد فعل. فقال: قل رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ، فقالها، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: قد فعل. فقال: قل: " واعف عَنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "، فقالها، فقال جبريل: قد فَعل.
&; 6-144 &;
6536 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال: زعم السدي أن هذه الآية حين نـزلت: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، فقال له جبريل: فعل ذلك يا محمد =" ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "، فقال له جبريل في كل ذلك: فَعَل ذلك يا محمد.
6537 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا سفيان قال، حدثنا أبي = عن سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد قال، سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنـزل الله عز وجل: "آمن الرسول بما أنـزل من ربه " إلى قوله: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، فقرأ: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قال فقال: قد فعلت = رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ، فقال: قد فعلت = رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ، قال: قد فعلت =" واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "، قال: قد فعلت. (87)
6538 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أنـزل الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قال: أبي: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: نعم. (88)
6539 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن آدم بن &; 6-145 &; سليمان، عن سعيد بن جبير: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قال ويقول: قد فعلت = رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ، قال ويقول: قد فعلت. فأعطيت هذه الأمة خواتيم " سورة البقرة "، ولم تعطها الأمم قبلها. (89)
6540 - حدثنا علي بن حرب الموصلي قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ إلى قوله: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ، قال: قد غفرت لكم = لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا = إلى قوله: لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قال: لا أؤاخذكم = رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ، قال: لا أحمل عليكم = إلى قوله: " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا "، إلى آخر السورة، قال: قد عفوت عنكم وغفرت لكم، ورحمتكم، ونصرُتكم على القوم الكافرين. (90)
* * *
&; 6-146 &; = وروى عن الضحاك بن مزاحم أن إجابةَ الله للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة:
6541 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا : كان جبريل عليه السلام يقول له: سلها! (91) فسألها نبيّ الله رَبَّه جل ثناءه، فأعطاه إياها، (92) فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصةً.
6542 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق: أن مُعاذًا كان إذا فرغ من هذه السورة: " وانصرنا على القوم الكافرين "، قال: آمين. (93)
* * *
آخر تفسير سورة البقرة
* * *
----------------
الهوامش:
(65) في المخطوطة والمطبوعة : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيتعبدها إلا بما يسعها" وبين أن الناسخ عجل فزاد"إلا وسعها" ، والسياق يقتضي تركها هنا ، فتركتها .
(66) انظر ما سلف 5 : 45 .
(67) في المخطوطة والمطبوعة : "اتقوا الله . . " وأثبت نص القراءة .
(68) قوله : "هذا نتوب . . . " ، تعبير فصيح يكون مع التعجب ، وقد جاء في الشعر ، ولكن سقط عني موضعه الآن فلم أجده .
(69) في المطبوعة : "مما لا يطيقون" ، وأثبت ما في المخطوطة .
(70) انظر تفسير"الكسب" و"الاكتساب" فيما سلف 2 : 273 ، 274 / ثم 3 : 100 ، 101 ، 128 ، 129 / ثم 4 : 449 .
(71) الزيادة بين القوسين ، توشك أن تكون زيادة لا يستقيم بغيرها الكلام .
(72) الأثر : 6510 - أخرجه مسلم في صحيحه (2 : 146 ، 147) من طرق ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ولفظه : "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم يتكلموا أو يعملوا" .
(73) في المطبوعة : "ما يتأثم فيه" ، والصواب من المخطوطة . وانظر معنى"خطئ" فيما سلف 2 : 110 .
(74) هو عبيد بن الأبرص الأسدي ، وفي حماسة البحتري ، 236"عبيد بن منصور الأسدي" ، وكأنه تحريف .
(75) ديوانه : 54 ، وحماسة البحتري 236 واللسان (أمر) ورواية ديوانه :
والنــاس يلحـون الأمـير إذا غـوى
خــطب الصــواب . . . . . . . .
أما رواية اللسان ، فهي كما جاءت في الطبري . ولحاه يلحاه : لامه وقرعه . والأمير : صاحب الأمر فيهم ، يأمرهم فيطيعونه . والمرشد (اسم مفعول بفتح الشين) : من هداه الله إلى الصواب . وهو شبيه بقول القطامي :
والنـاس مـن يلـق خـيرا قائلون له
مــا يشـتهى, ولأم المخـطئ الهبـل
(76) استعمل أبو جعفر"الصفح" هنا بمعنى : الرد والصرف ، ولو كان من قولهم"صفح عن ذنبه" لكان صواب العبارة"في صفحه عما كان منه من إثم" . واستعمال أبي جعفر جيد صحيح .
(77) انظر أمالي الشريف المرتضى 2 : 131 ، 132 .
(78) الأثر : 6513-"موسى بن قيس الحضرمي" الفراء ، الكوفي ، لقبه : "عصفور الجنة" . روى عن سلمة بن كهيل ، ومحمد بن عجلان ، ومسلم البطين وغيرهم . روى عنه وكيع ، ويحيى بن آدم ، وأبو نعيم ، وغيرهم . قال أحمد : "لا أعلم إلا خيرا" . وقال ابن سعد : "كان قليل الحديث" . ووثقه ابن معين . وقال العقيلي : "كان من الغلاة في الرفض . . . يحدث بأحاديث مناكير - أو : بواطيل" . مترجم في التهذيب .
(79) الأثر : 6521-"سعيد بن عمرو السكوني" ، سلفت ترجمته في رقم : 5563 . أما"علي بن هارون" فلم أجده ، وأظن صوابه"يزيد بن هارون" ، و"بقية بن الوليد" ، يروي عن"يزيد بن هارون" ومات قبله . وهم جميعًا مترجمون في التهذيب .
(80) في المخطوطة والمطبوعة : "وبيني وبينه أصر رحم يأصرني عليه" ، وسياق شرحه يقتضي ما أثبتته كتب اللغة ، وهو الذي أثبته هنا .
(81) الأثر : 6529-"سلام بن سالم الخزاعي" ، سلفت ترجمته برقم : 252 . وأما"أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي" ، فهو"عمر بن سعيد بن سليمان ، أبو حفص القرشي الدمشقي" ، راوية سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، فكأنه نسب إليه . روى عن محمد بن شعيب ابن شابور . مترجم في التهذيب ، وتاريخ بغداد (11 : 200) . و"محمد بن شعيب بن شابور" الدمشقي ، أحد الكبار . روى عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي ، وغيرهما . كان يسكن بيروت ، وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 200 .
والغلمة : غليان شهوة المواقعة من الرجل والمرأة .
(82) سياق العبارة : "وفي هذا أيضًا . . . الدلالة الواضحة" خبر ومبتدأ .
(83) انظر ، ما سلف قريبًا : 127 ، 128 تعليق : 1 ، والمراجع هناك . وانظر فهارس اللغة (غفر) .
(84) في المطبوعة : "لا نترك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب ، منصوبًا بقوله : "تنال" معطوفًا على قوله"العمل" .
(85) انظر تفسير"الولي" ، و"المولى" فيما سلف 2 : 489 ، 564 / ثم 5 : 424 .
(86) الحديث : 6534- محمد بن خلف بن عمار العسقلاني ، شيخ الطبري : ثقة ، من شيوخ النسائي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وقد مضت رواية أخرى للطبري عنه في : 126 .
آدم : هو ابن أبي إياس العسقلاني ، وهو ثقة مأمون . وكان مكينًا عند شعبة . وقد مضت ترجمته في : 187 .
ورقاء : هو ابن عمر اليشكري ، أبو بشر . وهو كوفي ثقة ، أثنى عليه شعبة جدًا . والراجح - عندي - أن ورقاء ممن سمع من عطاء قديمًا قبل تغيره ، لأنه من القدماء من طبقة شعبة ، ولأنه كوفي ، وعطاء تغير في مقدمه البصرة آخر حياته .
وهذا الحديث من هذا الوجه - من رواية عطاء بن سعيد بن المسيب - لم أجده في شيء من الدواوين ، غير تفسير الطبري . فرواه هنا مرفوعًا ، ثم سيرويه بنحوه : 6540 موقوفًا على ابن عباس .
وذاك الموقوف في الحقيقة مرفوع حكمًا ، لأنه ليس مما يعرف بالرأي ولا القياس . فهو مؤيد لصحة هذا المرفوع .
ثم رفع الحديث في هذا الإسناد زيادة في ثقة ، فهي مقبولة .
بل إن هذا الإسناد أرجح صحة من ذاك . لأن ورقاء قديم ، رجحنا أنه سمع من عطاء قبل تغيره .
وأما ذاك الإسناد ، فإنه من رواية محمد بن فضيل عن عطاء . وابن فضيل سمع من عطاء بأخرة ، بعد تغيره . كما نص على ذلك ابن أبي حاتم عن أبيه 3/ 334 .
ومعنى الحديث ثابت صحيح من وجه آخر ، كما مضى في : 6457 ، من رواية آدم بن سليمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وهناك الإجابة بعد كل دعاء : "قد فعلت" . وهنا الإجابة من لفظ الدعاء . والمعنى واحد .
والظاهر أن متن الحديث هنا سقط منه شيء ، سهوًا من الناسخين ، عند قوله : "فلما قرأ : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، قال الله عز وجل : لا أحملكم" . وفي الرواية الآتية : "قال : لا أؤاخذكم" ، ثم ذكر هناك ما بعدها من الدعاء : (ربنا ولا تحمل علينا إصرار كما حملته على الذين من قبلنا) -"قال : لا أحمل عليكم" . وذاك هو السياق الصحيح الكامل ، الذي يدل على نقص من هذا السياق هنا .
واضطرب كاتب المخطوطة اضطرابًا أشد من هذا ، لأنه كرر في متن الحديث : "فلما انتهى إلى قوله (غفرانك ربنا) ، قال الله عز وجل : قد غفرت لكم" - مرتين . ثم أسقط باقي الحديث فلم يذكره .
(87) الحديث : 6537 - هو مختصر من الحديث : 6457 ، بهذا الإسناد .
وقد ثبت الإسناد هنا على الصواب ، كما أشرنا هناك .
(88) الحديث : 6538 - هو مختصر من الحديث : 6456 ، بهذا الإسناد . وقد أشرنا إليه هناك .
(89) الحديث : 6539 - هو حديث مرسل . وهو بعض الحديث الماضي : 6464 ، بهذا الإسناد .
ولكن ثبت هنا في المخطوطة والمطبوعة"أبو حميد" ، بدل"أبو أحمد" . وهو خطأ يقينًا ، فإنه"أبو أحمد الزبيري ، محمد بن عبد الله بن الزبير" ، كما بينا في : 6463 .
ووقع في المخطوطة هنا بياض بين قوله"أبو حميد" ، وبين"سفيان" . وآخر بين قوله"عن سعيد بن جبير" ، وبين الآية .
ولعل كاتبها شك في قوله"عن سفيان" ، وظنه كالرواية الماضية"حدثنا سفيان" ، فترك مكان"حدثنا" بياضا . ثم شك في ذكر الآية بعد اسم"سعيد بن جبير" ، دون تمهيد لها بقوله"فنزلت هذه الآية" ، كما في الرواية الماضية ، فترك لذلك بياضًا .
(90) الحديث : 6540- علي بن حرب بن محمد بن علي ، أبو الحسن الطائي الموصلي : ثقة ثبت ، وثقه الدارقطني وغيره . وكان عالمًا بأخبار العرب ، أديبًا شاعرًا . روى عنه النسائي ، وأبو حاتم ، وابنه ، وترجمه 3/1/183 . وله ترجمة جيدة في تاريخ بغداد 11 : 418-240 .
وهذا الحديث تكرار للحديث : 6534 ، بنحوه . وهذا موقوف لفظًا مرفوع معنى ، وذاك مرفوع لفظًا ومعنى . وذاك أرجح إسنادًا وأصح ، كما بينا هناك .
وذكر ابن كثير 2 : 89 قطعة منه ، من رواية ابن أبي حاتم ، عن علي بن حرب الموصلي ، بهذا الإسناد . فلا ندري : أرواه ابن أبي حاتم هكذا مختصرًا ، أم اختصره ابن كثير؟
(91) في المخطوطة : " . . . أو أخطأنا كان جبريل صلى الله عليه فسألها نبي الله" وما بين الكلام بياض ، وأئمته المطبوعة كما ترى . أما الدر المنثور 1 : 378 فقال : "أخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال : كان 3 عليه الصلاة والسلام فسألها نبي الله ربه . . . " ورقم"3" دلالة على سقط في الكلام . فالظاهر أن السقط قديم في بعض النسخ ، ولذلك ترك له السيوطي بياضًا في نسخته من الدر المنثور .
(92) في المخطوطة : "فأعطاها إياها" ، وأثبت ما في المطبوعة ، لأنه موافق لما في الدر المنثور .
(93) الأثر : 6542- في تفسير ابن كثير 2 : 91 ، والدر المنثور 1 : 378 وفيهما تخريجه .
وفي ختام الصورة من النسخة العتيقة ما نصه :
"آخر تفسير سورة البقرة"
"والحمد لله أولا وآخرًا ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم"
"يتلوه تفسير سورة آل عمران . الحمد لله رب العالمين" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 286 | ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ |
---|
الأنعام: 152 | ﴿وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ |
---|
الأعراف: 42 | ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ |
---|
المؤمنون: 62 | ﴿وَ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
إلا وسعها:
وقرئ:
وسعها، على أنه فعل ماض، وهى قراءة ابن أبى عبلة. وأولوه على إضمار «ما» الموصولة، وهى المفعول الثاني ل «يكلف» .
ولا تحمل:
وقرئ:
ولا تحمل، بالتشديد، وهى قراءة أبى.
أصرا:
وقرئ:
1- آصارا، بالجمع، وهى قراءة أبى.
2- أصرا، بضم الهمزة، وهى قراءة عاصم.