19548495051525354

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (48) الى الآية رقم (51) عدد الآيات (4)

لَمَّا بَيَّنَ اللهُ خطرَ خروجِهم للقتالِ، بَيَّنَ هنا أن لهم سوابقَ في الشرِّ، ثُمَّ ذكرَ بعضَ أعذارِهم الواهيةِ لَمَّا قالَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ: أخافُ إن رأيتُ نساءَ بني الأصفرِ ألا أصبرَ عنهنَّ فأُفتنَ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (52) الى الآية رقم (54) عدد الآيات (3)

لمَّا ذَكَرَ فَرَحَ المُنافِقينَ بمصائِبِ المُؤمنِينَ بَيَّنَ هنا أنَّ المؤمنينَ ينتظرُونَ: نصرًا أو شهادةً، والمنافقينَ ينتظرُونَ: عذابًا من اللهِ، أو بأيدي المؤمنينَ، وأنَّه لن تُقْبَلَ نفقاتُهم، =

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟: 1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟: إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم :: التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية :: هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة :: أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة :: التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة :: حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾

مدارسة الآية : [48] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ ..

التفسير :

[48] لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدَّهم عن سبيل الله من قَبْل غزوة «تبوك»، وكَشْفَ أمرهم، وصرَّفوا لك -أيها النبي- الأمور في إبطال ما جئت به، كما فعلوا يوم «أحد» ويوم «الخندق»، ودبَّروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله، وأعزَّ جنده ونصر

ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشر فقال‏:‏ ‏{‏لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ حين هاجرتم إلى المدينة، بذلوا الجهد، ‏{‏وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ‏}‏ أي‏:‏ أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، ‏{‏حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ‏}‏ فبطل كيدهم واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذر اللّه عباده المؤمنين منهم، وأن لا يبالي المؤمنين، بتخلفهم عنهم‏.‏

ثم ذكر الله تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بطرف من الماضي المظلم لهؤلاء المنافقين فقال:

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ.

أى: لقد ابتغى هؤلاء المنافقون إيقاع الشرور والمفاسد في صفوف المسلمين، من قبل ما حدث منهم في غزوة تبوك.

ومن مظاهر ذلك أنهم ساءهم انتصاركم في غزوة بدر، وامتنعوا عن مناصرتكم في غزوة أحد، متبعين في ذلك زعيمهم عبد الله بن أبى بن سلول، ثم واصلوا حربهم لكم سرا وجهرا حتى كانت غزوة تبوك التي فضح الله فيها أحوالهم.

فالمراد بقوله: مِنْ قَبْلُ أى: من قبل هذه الغزوة التي كانت آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أى أن ما صدر عن هؤلاء المنافقين من مسالك خبيثة خلال غزوة تبوك ليس هو الأول من نوعه، بل هم لهم في هذا المضمار تاريخ مظلم بدأ منذ أوائل عهد الدعوة الإسلامية بالمدينة.

وقوله: وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ بيان لتفننهم في وجوه الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وتقليب الأمر: تصريفه، وترديده، وإجالة الرأى فيه، والنظر إليه من كل نواحيه: لمعرفة أى ناحية منه توصل إلى الهدف المنشود.

والمراد أن هؤلاء المنافقين قد ابتغوا الأذى للدعوة الإسلامية من قبل هذه الغزوة، ودبروا لصاحبها صلى الله عليه وسلم المكايد، واستعملوا قصارى جهدهم، ومنتهى اجتهادهم، وخلاصة مكرهم، من أجل صد الناس عن الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ.. غاية لمحذوف، والتقدير: أن هؤلاء المنافقين استمروا على حربهم للدعوة الإسلامية «حتى جاء الحق» أى: النصر الذي وعد الله عباده به «وظهر أمر الله» أى: دينه وشرعه «وهم» أى المنافقون وأشباههم «كارهون» لذلك لأنهم يكرهون انتصار دين الإسلام، ويحبون هزيمته وخذلانه، ولكن الله- تعالى- خيب آمالهم، وأحبط مكرهم.

قال الإمام ابن كثير: عند ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته، قال عبد الله بن أبى، وأصحابه: هذا أمر قد توجه، فدخلوا في الإسلام ظاهرا، ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم وساءهم، ولهذا قال- تعالى-: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ.

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن هؤلاء المنافقين، فحكت جانبا من أعذارهم الكاذبة، ومن أقوالهم الخبيثة.. فقال- تعالى-:

يقول تعالى محرضا لنبيه عليه السلام على المنافقين : ( لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور ) أي : لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإخماله مدة طويلة ، وذلك أول مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة رمته العرب عن قوس واحدة ، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته ، قال عبد الله بن أبي وأصحابه : هذا أمر قد توجه . فدخلوا في الإسلام ظاهرا ، ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ؛ ولهذا قال تعالى : ( حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون )

القول في تأويل قوله : لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لأصحابك، يا محمد, التمسوا صدَّهم عن دينهم (1) وحرصوا على ردّهم إلى الكفرِ بالتخذيل عنه، (2) كفعل عبد الله بن أبيّ بك وبأصحابك يوم أحدٍ، حين انصرف عنك بمن تبعه من قومه. وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتنة من قبل. ويعني بقوله: (من قبل)، من قبل هذا =(وقلبوا لك الأمور)، يقول: وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك به الله الرأيَ بالتخذيل عنك, (3) وإنكار ما تأتيهم به, وردّه عليك =(حتى جاء الحق)، يقول: حتى جاء نصر الله =(وظهر أمر الله)، يقول: وظهر دين الله الذي أمرَ به وافترضه على خلقه، وهو الإسلام (4) =(وهم كارهون)، يقول: والمنافقون بظهور أمر الله ونصره إياك كارهون. (5) وكذلك الآن، يظهرك الله ويظهر دينه على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر به، وهم كارهون.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16782- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وقلبوا لك الأمور)، أي: ليخذِّلوا عنك أصحابك, ويردُّوا عليك أمرك =(حتى جاء الحق وظهر أمر الله). (6)

* * *

وذكر أن هذه الآية نـزلت في نفرٍ مسمَّين بأعيانهم.

16783- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن عمرو, عن الحسن قوله: (وقلبوا لك الأمور)، قال: منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول, وعبد الله بن نبتل أخو بني عمرو بن عوف, ورفاعة بن رافع, وزيد بن التابوت القينقاعي. (7)

* * *

وكان تخذيل عبد الله بن أبيٍّ أصحابَه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة, كالذي:

16784- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن الزهري, ويزيد بن رومان, وعبد الله بن أبي بكر, وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم, كلُّ قد حدَّث في غزوة تبوك ما بلغَه عنها, وبعض القوم يحدِّث ما لم يحدِّث بعضٌ, وكلٌّ قد اجتمع حديثه في هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم, وذلك في زمان عُسْرةٍ من الناس، (8) وشدة من الحرّ، وجَدْبٍ من البلاد, وحين طاب الثمار، وأحِبَّتِ الظلال, (9) فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم, ويكرهون الشخوص عنها، على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّما يخرج في غزوةٍ إلا كَنَى عنها، وأخبر أنه يريد غير الذي يَصْمِدُ له, (10) إلا ما كان من غزوة تبوك, فإنه بيَّنها للناس، لبعد الشُّقَّة، وشدة الزمان وكثرة العدوّ الذي صَمَد له، ليتأهَّب الناس لذلك أُهْبَتَه. فأمر الناس بالجهاد, وأخبرهم أنه يريد الروم. فتجهز الناسُ على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه، لما فيه, مع ما عظَّموا من ذكر الروم وغزوهم. (11)

= ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جَدَّ في سفره, فأمر الناس بالجهازِ والانكماش, (12) وحضَّ أهل الغنى على النفقة والحُمْلان في سبيل الله. (13)

= فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع, (14) وضرب عبد الله بن أبي ابن سلول عسكره على حِدَةٍ أسفلَ منه بحذاء " ذباب " (15) = جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع = وكان فيما يزعمون، ليس بأقل العسكرين. فلما سار رَسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلَّف من المنافقين وأهل الريب. وكان عبد الله بن أبي، أخا بني عوف بن الخزرج, وعبد الله بن نبتل، أخا بني عمرو بن عوف, ورفاعة بن زيد بن التابوت، (16) أخا بني قينقاع, وكانوا من عظماء المنافقين, وكانوا ممن يكيد للإسلام وأهله.

= قال: وفيهم، فيما حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن البصري، أنـزل الله: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل)، الآية. (17)

----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير "ابتغى" فيما سلف قريبا ص: 279 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك.

(2) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ص : ، 279 تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

(3) انظر تفسير "التقليب" فيما سلف 12 : 44 ، 45 ، ومادة (قلب) في فهارس اللغة.

(4) انظر تفسير "الظهور" فيما سلف ص : 214 ، 215.

(5) انظر تفسير " الكره " فيما سلف ص : 276 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(6) الأثر : 16782 - سيرة ابن هشام 4 : 194، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16781.

(7) الأثر : 16782 - لم أجده في سيرة ابن هشام . ولكنه في تاريخ الطبري 3 : 143 ، بمثله .

(8) في السيرة: "في زمان من عسرة الناس".

(9) "وأحبت الظلال" ليس في سيرة ابن هشام، وهو ثابت في رواية أبي جعفر في التاريخ 3 : 142 . وكذلك في المطبوعة: "والناس يحبون" وأثبت ما في المخطوطة ، فهو مطلب السياق.

(10) "صمد للأمر يصمد"، قصده قصدًا.

(11) هذه الجملة الأخيرة من أول قوله: "فتجهز الناس"، لم أجدها في هذا الموضع من سيرة ابن هشام 4 : 159 ، وسأذكر موضع ما يليه في التخريج ، فإنه قد أسقط ما بعد ذلك ، حتى بلغ ما بعده .

(12) "الانكماش" الإسراع والجد في العمل والطلب.

(13) "الحملان" (بضم فسكون) مصدر مثل "الحمل"، يريد: حمل من لا دابة له على دابة يركبها في وجهه هذا.

وهذه الجملة من أول قوله: "ثم إن رسول الله"، إلى هذا الموضع ، في سيرة ابن هشام 4 : 161 ، والذي يليه من موضع آخر سأبينه .

(14) وهذه الجملة مفردة في سيرة ابن هشام 4 : 162، بعدها كلام حذفه أبو جعفر، ووصله بما بعده.

(15) في المطبوعة والمخطوطة: "على ذي حدة" ، وكان في المخطوطة كتب قبل "ذي" "دين" ثم ضرب عليها. ولم أجدهم قالوا: "على ذي حدة"، يؤيد صواب ذلك أن ابن هشام قال: "على حدة"، وذكر أبو جعفر هذا الخبر في تاريخه 3 : 143، فيه أيضًا "على حدة" ، فمن أجل ذلك أغفلت ما كان في المطبوعة والمخطوطة = وكان في المطبوعة ، وفي سيرة ابن هشام " نحو ذباب " ، وفي المخطوطة : " نحوا " ، والألف مطموسة قصيرة ، والذي في التاريخ ما أثبته " بحذاء " ، وهو الصواب الذي لا شك فيه. وبيان موضع الجبل ، ليس مذكورًا في السيرة ، وهو مذكور في التاريخ.

(16) في المطبوعة: "رفاعة بن يزيد"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، والتاريخ.

(17) الأثر : 16784 - هذا خبر مفرق، ذكرت مواضعه فيما سلف ، وهو في سيرة ابن هشام 4 : 159 ثم 4 : 161 ثم 4 : 162 ، وهو بتمامه في تاريخ الطبري 3 : 142 ، 143 . والجزء الأخير من هذا الخبر ، مضى برقم : 16873.

المعاني :

وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ :       دَبَّرُوا الْحِيَلَ السراج
ٱبۡتَغَوُاْ :       طلبُوا وأرادوا الميسر في غريب القرآن
ٱلۡفِتۡنَةَ :       فتنةَ المؤمنين وصَدَّهم عن دينِهم الميسر في غريب القرآن
مِن قَبۡلُ :       من قبلِ غزوةِ «تبوكَ» الميسر في غريب القرآن
وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ :       أرادُوا إبطالَ ما جِئْتَ به بتحايُلِهم ومَكْرِهم الميسر في غريب القرآن
قلّبوا لك الأمور :       دبّروا لك الحيل و المكائد معاني القرآن
ٱلۡحَقُّ :       النصرُ من عندِ اللهِ الميسر في غريب القرآن
وَظَهَرَ :       علا وغَلَبَ الميسر في غريب القرآن
أَمۡرُ ٱللَّهِ :       دينُه، وهو الإسلامُ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ﴾ المنافق يخوض مستنقع فتنة الشهوة وفتنة الشبهة، فكتبه ومقالاته وحواراته تدور ما بين أهواء قلبه، أو الطعن في ربه.
وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ دَأَبُ المنافقين السعي إلى إلحاق الأذى بالمسلمين عن طريق الدسائس والتجسس.
وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ قلب الحقائق عن طريق بلاغة اللسان من أبرز صفات النفاق.
عمل
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ كُنْ حريصًا دائمًا على التأكُّد مِن جميع ما يُنقل لك مِن النَّاس؛ فإنَّ مِن أخطر أنواع الفتن قلبُ الحقائقِ وإيصالُها لكَ بالكذب.
وقفة
[48] أخطر أنواع الفتن أن تُقلب الحقائق، فيُشّرع الباطل، ويُجرّم الحق، فالسكوت حينئذٍ هو الفتنة ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
عمل
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ لا تنس الماضي الأسود لأعداء دينك، ولا تحرق سجلاتهم الملطخة بالخيانة، ستفيدك يومًا ما.
وقفة
[48] تقليب الأمور، وتغيير الحقائق من أبرز أساليب المنافقين ومن انخدع بهم، فَافْقه طريقتهم وأسلوبهم، واحذر الوقوع في خداعهم، ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] قلب الحقائق، وبلاغة اللسان وقلة الأفعال من أبرز صفات المنافقين ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾، ﴿وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: 4].
وقفة
[48] كثيرًا ما يُطلق الجُهَّال الفتنة على الحق البيِّن، وقلب مصطلحات الحق إلى الباطل هو الفتنة، قال تعالى: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] أعظم الفتن فتنة قلب الحقائق، وأخطر الحروب حرب الشعارات ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] يظنون أن الفتنة هي الإثارة والهرج فقط، ويغفلون عن أن أخطر أنواع الفتنة قلب الحقائق والمفاهيم ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] أخطر أنواع الصراع أن يُصوّر صراع الحق والباطل على أنه صراع أفراد مع أفراد، فتختفي الحقيقة ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ رسالة للعفيفات عن التبرج يقولون: قد تكون امرأة متبرجة ولكنها محترمة، وعند الكلام عن الغطاء والنقاب يقولون: لا ندرى ماذا يوجد خلفه؟!
عمل
[48] اجمع صفات المنافقين التي ذكرها الله تعالى في السورة، ثم احذر الوقوع فيها ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ مهما قلَّبوا الأمور فالحق ظاهر.
وقفة
[48] ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ إنهم يملكون مهارة فائقة في قلب الأمور، لكن لن تغيب الحقيقة.
وقفة
[48] ﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ كثيرة هي الأمور التي يقلبها المنافق في قدر المجتمع: القضاء، المرأة، الحسبة ... إلخ، كلما عام أمر قلّبه فطفا.
وقفة
[48] ﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ﴾ إذا أقبل الحق بوجهه المضيء انطفأت كل همهمات العتمة.
وقفة
[48] ﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، ﴿حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ فبطل كيدهم، واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذِّر الله عباده المؤمنين منهم.
وقفة
[48] المؤمن يفرح بظهور أمر الله وبيان الحق، أما المنافق فيكره ذلك ﴿حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.
وقفة
[48] ﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ﴾ هو سيظهر بلا شك، ولكن هل ستكون أنت ممن ساهم في إظهاره؟ هنا السؤال.
وقفة
[48] ﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ظهر أمر الله رغم خفاء مكرهم وشدة كيدهم، وسيظهر اليوم وغدًا رغم كيد الكائدين وتآمر أعداء الدين، سيرد الله كيدهم في نحورهم، كان هذا في الماضي، وهكذا سيكون في المستقبل.

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ:
  • اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق.ابتغوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الفتنة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ:
  • جار ومجرور متعلق بابتغوا. قبل: اسم مبني على الضم في محل جر بمن لانقطاعه عن الاضافة والأصل من قبل اليوم فحذف المضاف اليه.
  • ﴿ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ:
  • معطوفة بالواو على «ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ» وتعرب إعرابها.والفعل «قلب» مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. لك: جار ومجرور متعلق بقلبوا.
  • ﴿ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ:
  • أي حتى جاءك النصر. حتى: حرف غاية وابتداء لأنها مسبوقة بفعل ماض. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. الحق: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ:
  • معطوفة بالواو: على «جاءَ الْحَقُّ» وتعرب إعرابها. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَهُمْ كارِهُونَ:
  • الواو: حالية والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.كارهون: خبر «هُمْ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

التوبة: 48﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
الإسراء: 81﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا
سبإ: 49﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وللمسلمينَ أنَّه ثَبَّطَ المُنافقينَ عن الخُروجِ للجِهادِ، وبَيَّنَ أنَّهم لو خَرَجوا لنشروا الاضطراب في الصفوف والشر والفساد؛ بَيَّنَ هنا أن لهم سوابقَ في الشرِّ، قال تعالى:
﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي ..

التفسير :

[49] ومِن هؤلاء المنافقين مَن يطلب الإذن للقعود عن الجهاد ويقول:لا توقعْني في الابتلاء بما يعرض لي -في حالة الخروج- من فتنة النساء. لقد سقط هؤلاء المنافقون في فتنة النفاق الكبرى. وإن جهنم لمحيطة بالكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يُفْلِت منهم أحد.

أي‏:‏ ومن هؤلاء المنافقين من يستأذن في التخلف، ويعتذر بعذر آخر عجيب، فيقول‏:‏ ‏{‏ائْذَنْ لِي‏}‏ في التخلف ‏{‏وَلَا تَفْتِنِّي‏}‏ في الخروج، فإني إذا خرجت، فرأيت نساء بين الأصفر لا أصبر عنهن، كما قال ذلك ‏{‏الجد بن قيس‏}‏

ومقصوده ـ قبحه اللّه ـ الرياء والنفاق بأن مقصودي مقصود حسن، فإن في خروجي فتنة وتعرضا للشر، وفي عدم خروجي عافية وكفا عن الشر‏.‏

قال اللّه تعالى مبينا كذب هذا القول‏:‏ ‏{‏أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا‏}‏ فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، ‏[‏فإن‏]‏ في التخلف مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة، وهي معصية اللّه ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير، ولهذا توعدهم اللّه بقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ‏}‏ ليس لهم عنها مفر ولا مناص، ولا فكاك، ولا خلاص‏.‏

روى محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبى بكر، وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه- أى لغزوة تبوك- للجد بن قيس أخى بنى سلمة: «هل لك يا جد في جلاد بنى الأصفر» ؟ - يعنى الروم- فقال الجد: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر ألا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك» .

ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي .

أى: ومن هؤلاء المنافقين الذين لم ينته الحديث عنهم بعد «من يقول» لك- يا محمد-«ائذن لي» في القعود بالمدينة، «ولا تفتني» أى ولا توقعني في المعصية والإثم بسبب خروجي معك إلى تبوك، ومشاهدتى لنساء بنى الأصفر.

وعبر- سبحانه- عن قول هذا المنافق بالفعل المضارع، لاستحضار تلك الحال لغرابتها، فإن مثله في نفاقه وفجوره لا يخشى إثم الافتتان بالنساء إذ لا يجد من دينه مانعا من غشيان الشهوات الحرام.

وقوله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا رد عليه فيما قال، وذم له على ما تفوه به.

أى: ألا إن هذا وأمثاله في ذات الفتنة قد سقطوا، لا في أى شيء آخر مغاير لها.

وبدأ- سبحانه- الجملة الكريمة بأداة التنبيه «ألا» ، لتأكيد الخبر، وتوجيه الأسماع إلى ما اشتمل عليه من توبيخ لهؤلاء المنافقين.

وقدم الجار والمجرور على عامله للدلالة على الحصر. أى فيها لا في غيرها قد سقطوا وهووا إلى قاع سحيق.

قال الآلوسى: وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة، تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين .

وقال الفخرى الرازي ما ملخصه: «وفيه تنبيه على أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة، فالله- تعالى- بيّن أنهم في عين الفتنة واقعون، لأن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله وبرسوله، والتمرد على قبول التكاليف التي كلفنا الله بها..» .

وقوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ وعيد وتهديد لهم على أقوالهم وأفعالهم.

أى: وإن جهنم لمحيطة بهؤلاء الكافرين بما جاء من عند الله، دون أن يكون لهم منها مهرب أو مفر.

وعبر عن إحاطتها بهم باسم الفاعل الدال على الحال، لإفادة تحقيق ذلك حتى لكأنه واقع مشاهد.

قالوا: ويحتمل أنها محيطة بهم الآن، بأن يراد بجهنم الأسباب الموصلة إليها من الكفر والنفاق وغير ذلك من الرذائل التي سقطوا فيها.

يقول تعالى : ومن المنافقين من يقول لك يا محمد : ( ائذن لي ) في القعود ( ولا تفتني ) بالخروج معك ، بسبب الجواري من نساء الروم ، قال الله تعالى : ( ألا في الفتنة سقطوا ) أي : قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا . كما قال محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وغيرهم قالوا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم - وهو في جهازه - للجد بن قيس أخي بني سلمة : هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله ، أوتأذن لي ولا تفتني ، فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر لا أصبر عنهن . فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : قد أذنت لك . ففي الجد بن قيس نزلت هذه : ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ) الآية ، أي : إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به ، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرغبة بنفسه عن نفسه - أعظم .

وهكذا روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : أنها نزلت في الجد بن قيس . وقد كان الجد بن قيس هذا من أشراف بني سلمة ، وفي الصحيح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا : الجد بن قيس ، على أنا نبخله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأي داء أدوأ من البخل ، ولكن سيدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور .

وقوله تعالى : ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) أي : لا محيد لهم عنها ، ولا محيص ، ولا مهرب .

القول في تأويل قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)

قال أبو جعفر: وذكر أن هذه الآية نـزلت في الجدّ بن قيس.

* * *

ويعني جل ثناؤه بقوله: (ومنهم)، ومن المنافقين =(من يقول ائذن لي)، أقم فلا أشخَصُ معك =(ولا تفتني)، يقول: ولا تبتلني برؤية نساء بني الأصفر وبناتِهم, فإنّي بالنساء مغرمٌ, فأخرج وآثَمُ بذلك. (18)

* * *

وبذلك من التأويل تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل.

* ذكر الرواية بذلك عمن قاله:

16785- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (ائذن لي ولا تفتني)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغزُوا تبوك، تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم ! فقال الجدّ: ائذن لنا, ولا تفتنَّا بالنساء.

16786- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغزوا تغنَموا بنات الأصفر = يعني نساء الروم, ثم ذكر مثله.

16787-...... قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: (ائذن لي ولا تفتني)، قال: هو الجدّ بن قيس قال: قد علمت الأنصار أني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن, ولكن أعينك بمالي.

16788- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, ويزيد بن رومان, وعبد الله بن أبي بكر, وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه، للجد بن قيس أخي بني سلمة: هل لك يا جدُّ العامَ في جلاد بني الأصفر؟ فقال: يا رسول الله, أوْ تأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما رَجل أشدّ عُجْبًا بالنساء منِّي, وإني أخشى إن رأيت نساءَ بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك, ففي الجد بن قيس نـزلت هذه الآية: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)، الآية, أي: إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به, فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه، أعظم. (19)

16789- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)، قال: هو رجل من المنافقين يقال له جَدُّ بن قيس, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: العامَ نغزو بني الأصفر ونتَّخذ منهم سراريّ ووُصفاءَ (20) = فقال: أي رسول الله, ائذن لي ولا تفتني, إن لم تأذن لي افتتنت وقعدت ! (21) وغضب [رسول الله صلى الله عليه وسلم] , (22) فقال الله: (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)، وكان من بني سلمة, فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: من سيدكم يا بني سَلِمة؟ فقالوا: جدُّ بن قيس, غير أنه بخيلٌ جبان! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وأيُّ داءٍ أدْوَى من البخل, ولكن سيِّدكم الفتى الأبيض، الجعد: بشر بن البراء بن مَعْرُور. (23)

16790- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)، يقول: ائذن لي ولا تحرجني =(ألا في الفتنة سقطوا)، يعني: في الحرج سقطوا.

16791- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)، ولا تؤثمني، ألا في الإثم سقطوا.

* * *

وقوله: (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)، يقول: وإن النار لمطيفة بمن كفر بالله وجحد آياته وكذَّب رسله, محدقة بهم، جامعة لهم جميعًا يوم القيامة. (24)

يقول: فكفى للجدّ بن قيس وأشكاله من المنافقين بِصِلِيِّها خزيًا.

---------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص : 283 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

(19) الأثر : 16788 - سيرة ابن هشام 4 : 159 ، 160 ، وهو تابع صدر الأثر السالف رقم: 16784 ، بعد قوله هناك: "وأخبرهم أنه يريد الروم"، وبين الذي رواه أبو جعفر، وما في السيرة خلاف يسير في ختام الخبر.

(20) في المطبوعة: "سراري ووصفانًا"، والصواب من المخطوطة. و "الوصفاء" جمع "وصيف"، والأنثى "وصيفة"، وجمعها "وصائف"، وهو الخادم الغلام الشاب، ومثله الخادمة.

(21) في المطبوعة: "ووقعت" ، مكان "وقعدت" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأراد القعود عن الخروج إلى الغزوة خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(22) في المطبوعة: "فغضب"، وفي المخطوطة: "وغضب"، وظاهر أنه سقط من الخبر ما أثبته بين القوسين.

(23) في المطبوعة: "الجعد الشعر البراء بن معرور" ، غير ما كان في المخطوطة، وهو الصواب المحض، فإن الخبر هو خبر "بشر بن البراء بن معرور" في تسويده على بني سلمة. وأما أبوه "البراء بن معرور"، فهو من أول من بايع بيعة العقبة الأولى، وأول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله، وهو أحد النقباء، ومات قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مقدم رسول الله المدينة بشهر، ولما دفنوه ، وجهوا قبره إلى القبلة.

ويقال: "رجل جعد" ، يراد به أنه مدمج الخلق، معصوب الجوارح، شديد الأسر، غير مسترخ ولا مضطرب، وهو من حلية الكريم. ويراد به أيضا: جعودة الشعر، وهو مدح العرب، لأن سبوطة الشعر إنما هي في الروم وفي الفرس. وإنما أراد في الخبر المعنى الأول.

(24) انظر تفسير " الإحاطة " فيما سلف 13 : 581 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

المعاني :

وَمِنۡهُم :       ومن المنافقين الميسر في غريب القرآن
ٱئۡذَن لِّي :       في التخَلُّف عن الجهادِ الميسر في غريب القرآن
وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ :       لاتُوقِعْني في فتنةِ النِّساءِ حالةَ الخروجِ معك الميسر في غريب القرآن
لا تفتنّي :       لا توقعني في الإثم بمخالفة أمرك معاني القرآن
فِي ٱلۡفِتۡنَةِ :       فتنةِ النِّفاقِ والتخلُّفِ عن الجهادِ الميسر في غريب القرآن
سَقَطُواْۗ :       وقعوا في الإثمِ لمخالَفَتِهم أمرَ اللهِ ورسولِه الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ يتظاهرون بالخوف من الفتنة وهم مفتونون، وبحرب الإرهاب وهم الإرهابيون، وبالدفاع عن الأوطان وهم الخونة.
وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ ليس كلُّ من ادَّعى اتقاءَ الفتنةِ كان صادقًا، بل منهم المنافق ومنهم الخائف.
وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ قال ابن عباس: «ما زالت تنزل (ومنهم) (ومنهم) حتى ظنوا ألا يبقى أحد إلا ذكر فيها».
وقفة
[49] الحزن على فوات الطاعة علامة إيمان: ﴿تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [92]، والتفنن في التخلُّص منها علامة نفاق: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾.
لمسة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ تغيرت الصيغة من المفرد إلى الجمع، فـ (مَنْ) تأتي للمفرد والجمع والمثنى والمذكر والمؤنث، وفي سنن العربية تأتي أولًا بصيغة المفرد الذي يعود على لفظها (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي)، ثم يُؤتى بالذي يفسّر ويخصص المعنى (سَقَطُوا) وهذا هو الأكثر في القرآن.
وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ المنافق صاحب أعذار واهية! قالَ الْجَدُّ بْنُ قَيْس: «قد علمت الأنصار أني مشتهر بالنساء، فلا تفْتنِّي ببنات الأصفر یعنی نساء الروم، ولكن أعينك بمالي فاتركني».
وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ ليس كلُّ من ادَّعى اتقاءَ الفتنةِ كان صادقًا، بل منهم المنافق ومنهم الخائف.
وقفة
[49] ترك الحق البين خشية الوقوع في الفتنة بلا مسوغ شرعي إنما هو وقوع صريح في حقيقة الفتنة! ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.
وقفة
[49] المنافقون يُظهرون التحذير من الفتنة بمفهومٍ محدود ولا يبالون بالوقوع بما هو أكبر ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.
وقفة
[49] الخطوب تكشف من بهم نفاق، إذ يتذرعون باتقاء الفتنة في اﻷمور الواضحة، وتذرعهم هو عين الفتنة ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.
وقفة
[49] ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ من الفتنة أن يوصف (الحق) بأنه (فتنة)!
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ التخلف عن الجهاد مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة، وهي معصية لله ومعصية لرسوله.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ الفتنة حفرة في الطريق ﻻ ينجي منها (إﻻ المشي بنور العلم).
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ الفتنة تحف بالمنافق من جميع الجهات: فكل جزئية من كلامه تهدم جزئيّة من اعتقادك، كرة ثلج عظيمة إن جاريتها ابتلعتك.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ تثبيط المؤمنين وإضعافهم والعمل على هدم الدين ونشر الفوضى والفرقة هاوية تبتلع المنافقين ولا تفلتهم.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ الفتن دركات، ومن أسوأ الفتن وأخطرها: فتنة القعود عن الجهاد، والتخلي عن نصرة الدين، والتثاقل عن فعل الواجبات.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ ارتفع بالطاعة؛ فالمعصية سقوط.
وقفة
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ أنت تسقط حين تعصي الله؛ فارفع نفسك بطاعته.
وقفة
[49] أخطر دواعي إذكاء الصراع مع كل من خالف الرأي، مواجهة خلافه بتكفير مضاد، أو تفسيق مضاد، أو شيطنة مضادة بزعم أنها تقمع الفتنة ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.
وقفة
[49] أهل الهوى يستعملون الفتنة بوجهين، فيصفون من ينكر خطأهم بإثارة الفتنة، ويصفون من لا يعينهم على الخطأ بإثارة الفتنة أيضًا! ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.
تفاعل
[49] ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ استعذ بالله من الفتن.
وقفة
[49] ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ نعوذ بالله من حياة تحيط بها جهنم من جميع جهاتها.
وقفة
[49] ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ لا فرار مهما حاولوا، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها.
تفاعل
[49] ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ استعذ بالله من جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
  • الواو: استئنافية. من: حرف جر. و «هم»:ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «مَنْ» وجملة «يَقُولُ» صلة الموصول.
  • ﴿ ائْذَنْ لِي:
  • لجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- أي منهم من يقول لك. ائذن: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. لي: جار ومجرور متعلق بإئذن أي أئذن لي في التخلف.
  • ﴿ وَلا تَفْتِنِّي:
  • الواو: عاطفة لا: ناهية جازمة. تفتنّي: أي توقعني في العصيان: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره حرّك بالكسر لاتصاله بياء المتكلم والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والياء:ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا:
  • ألا: حرف استفتاح وتنبيه لا محل لها. في الفتنة:جار ومجرور متعلق بتفتني. سقطوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ:
  • لواو: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.جهنم: اسم «إِنَّ» منصوبة بالفتحة ولم تنون لأنها ممنوعة من الصرف
  • ﴿ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ:
  • اللام: مزحلقة- لام التوكيد- لا عمل لها.محيطة: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة. بالكافرين: جار ومجرور متعلق بمحيطة وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته '

المتشابهات :

التوبة: 49﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
العنكبوت: 54﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومِنهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي ولا تَفْتِنِّي﴾ نَزَلَتْ في جَدِّ بْنِ قَيْسٍ المُنافِقِ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا تَجَهَّزَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ قالَ لَهُ: ”يا أبا وهْبٍ، هَلْ لَكَ في جِهادِ بَنِي الأصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنهم سَرارِيَّ ووُصَفاءَ“ . فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّساءِ، وإنِّي أخْشى إنْ رَأيْتُ بَناتِ بَنِي الأصْفَرِ ألّا أصْبِرَ عَنْهُنَّ، فَلا تَفْتِنِّي بِهِنَّ، وائْذَنْ لِي في القُعُودِ عَنْكَ فَأُعِينَكَ بِمالِي. فَأعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ وقالَ: ”قَدْ أذِنْتُ لَكَ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِبَنِي سَلِمَةَ - وكانَ الجَدُّ مِنهم -: ”مَن سَيِّدُكم يا بَنِي سَلِمَةَ ؟“ . قالُوا: الجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، غَيْرَ أنَّهُ بَخِيلٌ جَبانٌ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”وأيُّ داءٍ أدْوى مِنَ البُخْلِ ؟ بَلْ سَيِّدُكُمُ الفَتى الأبْيَضُ الجَعْدُ بِشْرُ بْنُ البَراءِ بْنِ مَعْرُورٍ“ . فَقالَ فِيهِ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:وقالَ رَسُولُ اللَّهِ والحَقُّ لاحِقٌبِمَن قالَ مِنّا: مَن تَعُدُّونَ سَيِّدافَقُلْنا لَهُ: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلى الَّذِينُبَخِّلُهُ فِينا وإنْ كانَ أنْكَدافَقالَ: وأيُّ الدّاءِ أدْوى مِنَ الَّذِيرَمَيْتُمْ بِهِ جَدًّا وعالى بِها يَداوسَوَّدَ بِشْرَ بَنَ البَراءِ بِجُودِهِوحُقَّ لِبِشْرٍ ذِي النَّدا أنْ يُسَوَّداإذا ما أتاهُ الوَفْدُ أنْهَبَ مالَهُوقالَ: خُذُوهُ إنَّهُ عائِدٌ غَداوما بَعْدُ هَذِهِ الآيَةِ كُلُّهُ في المُنافِقِينَ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ﴾ [التوبة: ٦٠]'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد ذم المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك، ذكرَ اللهُ عز وجل هنا بعضَ أعذارِهم الواهيةِ لَمَّا قالَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ: «أخافُ إن رأيتُ نساءَ بني الأصفرِ ألا أصبرَ عنهنَّ فأُفتنَ»، قال تعالى:
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا تفتنى:
وقرئ:
1- لا تفتنى بضم أوله، من «أفتن» ، وهى قراءة عيسى بن عمر، وهى لغة تميم.

مدارسة الآية : [50] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن ..

التفسير :

[50] إن يصبك -أيها النبي- سرور وغنيمة يحزن المنافقون، وإن يلحق بك مكروه من هزيمة أو شدة يقولوا:نحن أصحاب رأي وتدبير قد احتطنا لأنفسنا بتخلفنا عن محمد، وينصرفوا وهم مسرورون بما صنعوا وبما أصابك من السوء.

يقول تعالى مبينا أن المنافقين هم الأعداء حقا، المبغضون للدين صرفًا‏:‏ ‏{‏إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ‏}‏ كنصر وإدالة على العدو ‏{‏تَسُؤْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ تحزنهم وتغمهم‏.‏

‏{‏وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ‏}‏ كإدالة العدو عليك ‏{‏يَقُولُوا‏}‏ متبجحين بسلامتهم من الحضور معك‏.‏

‏{‏قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ قد حذرنا وعملنا بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة‏.‏

‏{‏وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ‏}‏ فيفرحون بمصيبتك، وبعدم مشاركتهم إياك فيها‏.

وقوله: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ.. بيان لنوع آخر من خبث نواياهم، وسوء بواطنهم.

أى: «إن تصبك» يا محمد حسنة من نصر أو نعمة أو غنيمة- كما حدث يوم بدر- «تسؤهم» تلك الحسنة، وتورثهم حزنا وغما، بسبب شدة عداوتهم لك ولأصحابك.

«وإن تصبك مصيبة» من هزيمة أو شدة- كما حدث يوم أحد- «يقولوا» باختيال وعجب وشماتة «قد أخذنا أمرنا من قبل» .

أى: قد تلافينا ما يهمنا من الأمر بالحزم والتيقظ، من قبل وقوع المصيبة التي حلت بالمسلمين، ولم نلق بأيدينا إلى التهلكة كما فعل هؤلاء المسلمون.

وقوله: وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ تصوير لحالهم، ولما جبلوا عليه من شماتة بالمسلمين.

أى: عند ما تصيب المسلمين مصيبة أو مكروه، ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم وشيعتهم- والفرح يملأ جوانحهم- ليبشروهم بما نزل بالمسلمين من مكروه.

قال الجمل: فإن قلت: فلم قابل الله الحسنة بالمصيبة، ولم يقابلها بالسيئة كما قال في سورة آل عمران: «وإن تصيبكم سيئة يفرحوا بها» ؟.

قلت: لأن الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وهي في حقه مصيبة يثاب عليها، لا سيئة يعاتب عليها، والتي في آل عمران خطاب للمؤمنين» .

يعلم تبارك وتعالى نبيه بعداوة هؤلاء له ؛ لأنه مهما أصابه من ( حسنة ) أي : فتح ونصر وظفر على الأعداء ، مما يسره ويسر أصحابه ، ساءهم ذلك ، ( وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ) أي : قد احترزنا من متابعته من قبل هذا ، ( ويتولوا وهم فرحون )

القول في تأويل قوله : إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسؤ الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين, وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه =(من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة =(ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

&; 14-290 &;

* ذكر من قال ذلك:

16792- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (إن تصبك حسنة تسؤهم)، يقول: إن تصبك في سفرك هذه الغزوة تبوك =(حسنة تسؤهم)، قال: الجدُّ وأصحابه.

16793- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، حِذْرنا.

16794- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، قال: حِذْرنا.

16795- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (إن تصبك حسنة تسؤهم)، إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءَهم.

----------------------

الهوامش :

(25) انظر تفسير " الإصابة " فيما سلف : 13 : 473 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

= وتفسير "الحسنة" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن).

(26) "الفلول"، مصدر "فل"، لازمًا، بمعنى: انهزم. وقد مر آنفًا في كلام الطبري أيضًا، ولم أجد له ذكرًا في كتب اللغة. انظر ما سلف 7 : 313 ، تعليق : 3 ، وما قلته في تصحيح ذلك استظهارًا من قولهم: "من فل ذل" ، أي : من انهزم وفر عن عدوه ، ذل .

(27) انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى).

(28) "الفلول"، مصدر "فل"، لازمًا، بمعنى: انهزم. وقد مر آنفًا في كلام الطبري أيضًا، ولم أجد له ذكرًا في كتب اللغة. انظر ما سلف 7 : 313 ، تعليق : 3 ، وما قلته في تصحيح ذلك استظهارًا من قولهم: "من فل ذل" ، أي : من انهزم وفر عن عدوه ، ذل .

المعاني :

حَسَنَةࣱ :       نصرٌ وغنيمةٌ الميسر في غريب القرآن
مُصِيبَةࣱ :       مَكْرُوهٌ من هزيمةٍ أو شدَّةٍ الميسر في غريب القرآن
قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ :       قد احْتَطْنا لأنفسِنا حين تَخَلَّفْنا عن الجهادِ قبلَ هذه المصيبةِ الميسر في غريب القرآن
وَيَتَوَلَّواْ :       وينصَرِفُوا الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[50] ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ﴾: نصرة وغنيمة، ﴿تَسُؤْهُمْ﴾: تحزنهم؛ يعني: المنافقين، ﴿وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾: قتل أو هزيمة، ﴿يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ﴾: حذرنا، ﴿وَيَتَوَلَّوا﴾: يدبروا، ﴿وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾: مسرورون بما نالك من المصيبة.
وقفة
[50] من علامات المنافق أن يفرح بسلامة دنياه ولو خسر دينه: ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾.
وقفة
[50] المؤمن يفرح بسلامة دينه ولو خسر دنياه والمنافق يفرح بسلامة دنياه ولو خسر دينه ﴿وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ:
  • إن: حرف شرط جازم. تصبك: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الياء تخفيفا ولالتقاء الساكنين والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. حسنة: فاعل مرفوع بالضمة. تسؤ: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أي إن تصبك حسنة من عند الله تسؤهم.
  • ﴿ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ:
  • معطوفة بالواو على «إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ» وتعرب إعرابها أي ان تصبك مصيبة من هزيمة
  • ﴿ يَقُولُوا:
  • فعل مضارع جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون.الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- قد: حرف تحقيق. أخذ: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. أمر: مفعول به منصوب بالفتحة و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. من: حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأخذنا أي أخذنا أمرنا بالتخلف عن الخروج.
  • ﴿ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ:
  • ويتولوا: معطوفة بالواو على «يَقُولُوا» وتعرب إعرابها.وهم: الواو: حالية. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ فَرِحُونَ:
  • خبر «هُمْ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد والجملة الاسمية في محل نصب حال. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     3- كراهتهم الخير للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، ومحبتهم الشر لهم، قال تعالى:
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا ..

التفسير :

[51] قل -أيها النبي- لهؤلاء المتخاذلين زجراً لهم وتوبيخاً:لن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه في اللوح المحفوظ، هو ناصرنا على أعدائنا، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به.

قال تعالى رادا عليهم في ذلك ‏{‏قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا‏}‏ أي‏:‏ ما قدره وأجراه في اللوح المحفوظ‏.‏

‏{‏هُوَ مَوْلَانَا‏}‏ أي‏:‏ متولي أمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره وليس في أيدينا من الأمر شيء‏.‏

‏{‏وَعَلَى اللَّهِ‏}‏ وحده ‏{‏فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم، ويثقوا به في تحصيل مطلوبهم، فلا خاب من توكل عليه، وأما من توكل على غيره، فإنه مخذول غير مدرك لما أمل‏.‏

وقوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا.. إرشاد للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يكبتهم ويزيل فرحتهم.

أى: «قل» يا محمد- لهؤلاء المنافقين الذين يسرهم ما يصيبك من شر، ويحزنهم ما يصيبك من خير، والذين خلت قلوبهم من الإيمان بقضاء الله وقدره، قل لهم على سبيل التقريع والتبكيت. لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وقدره علينا «هو مولانا» الذي يتولانا في كل أمورنا، ونلجأ إليه في كل أحوالنا. وعليه وحده- سبحانه نكل أمورنا وليس على أحد سواه.

فأرشد الله تعالى رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة ، فقال : ( قل ) أي : لهم ( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) أي : نحن تحت مشيئة الله وقدره ، ( هو مولانا ) أي : سيدنا وملجؤنا ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي : ونحن متوكلون عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

القول في تأويل قوله : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مؤدِّبًا نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عنك: (لن يصيبنا)، أيها المرتابون في دينهم =(إلا ما كتب الله لنا)، في اللوح المحفوظ، وقضاه علينا (29) =(هو مولانا)، يقول: هو ناصرنا على أعدائه (30) =(وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، يقول: وعلى الله فليتوكل المؤمنون, فإنهم إن يتوكلوا عليه، ولم يرجُوا النصر من عند غيره، ولم يخافوا شيئًا غيره, يكفهم أمورهم، وينصرهم على من بغاهم وكادهم. (31)

----------------------

الهوامش :

(29) انظر تفسير "كتب" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب).

(30) انظر تفسير "المولى" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى).

(31) انظر تفسير "التوكل" فيما سلف ص : 43 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

المعاني :

مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا :       ما قَدَّرَه علينا الميسر في غريب القرآن
هُوَ مَوۡلَىٰنَا :       ناصِرُنا ومُتَوَلِّي أمورِنا الميسر في غريب القرآن
وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ :       فلْيَعْتَمِدْ ولْيُفَوِّضْ أمرَه إليه الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ كلما نقص يقينك بهذه الآية زاد مستوى الخوف والهلع في قلبك.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ لو أيقن الناس بما أعد الله للعصاة لم يعصه أحد، ولو أيقن الناس ما أعد الله للطائعين لأقبل الناس جميعًا على طاعة ربهم، القضية قضية يقين.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ الإنسان إذا عرف الله سبحانه حق المعرفة يهون عليه كلُّ شيء، ويحتقر كلُّ شيء سواه.
عمل
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ قولوا للجبناء فليعالجوا أنفسهم بهذه الآية.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ إنما لم يقل: (ما كتب علينا)؛ لأنه أمر يتعلق بالمؤمن، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له، إن كان خيرًا فهو له في العاجل، وإن كان شرًا فهو ثواب له في الآجل.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ كل ما يصيب المؤمن فهو له لا عليه، فأمر المؤمن كله خير؛ فما أعظم الإيمان الذي تتحول به المصائب إلى مكاسب!
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ جميع قدر الله فيك هو (لك) لا (عليك)؛ إما سراء فتشكر، وإما ضراء فتصبر، والعاقبة: لك، لك.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ دع الدنيا تفعل بك ما تشاء، فهي لن تتجرأ أن تفعل أكبر مما قد كتبه الله لك.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾ كم يطمئن مَن تَيَقَّن بهذا، ولا يضعف بفرح أو شماتة أهل النفاق به؛ لعلمه بأن ما أصابه هو بأمر الله.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في الآيات تعليم للمسلمين ألا يحزنوا لما يصيبهم؛ لئلا يَهِنوا وتذهب قوتهم، وأن يرضوا بما قدَّر الله لهم، ويرجوا رضا ربهم؛ لأنهم واثقون بأن الله يريد نصر دينه.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ حين تخبر الله أنك رضيت بقدره، كن واثقًا أنه سيرضيك بسعادة أكبر ذات يَوْم.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الله وعد وكتب للمؤمنين النصر في النهاية، فمهما يصبهم من شدة وابتلاء؛ فهو إعداد للنصر الموعود، ليناله المؤمنون عن بينة وبعد تمحيص، نصرًا عزيزًا لا رخيصًا، وعزة تحميها نفوس عزيزة مستعدة لكل ابتلاء صابرة على كل تضحية.
عمل
[51] تدبر هذه الآية وتمثل مقاصدها ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
وقفة
[51] ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أطل النظر في حسن موقع قول الله: (هو مولانا)، وما تفعله في قلبك.
عمل
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ قال (لنا) ولم يقل: (علينا)، لأن المصيبةَ خيرٌ لكَ، ليست عليكَ، قل: الحمدُ للهِ.
وقفة
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ کلما نقص يقينك بهذه الآية، زاد منسوب الخوف في قلبك.
عمل
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ بنفس مطمئنة يستقبل المؤمن المصائب، والسبب علمه بأن الأمر مكتوب وقد قُضي.
عمل
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ افعل السبب وسلم أمرك لله وتوكل عليه؛ فلن يصيبك إلا ما قدر.
وقفة
[51] لم يكن عبثًا أن يكتب رزقك وأنت في بطن أمك، وأن يحدد عمرك قبل أن تولد، يريدك الله أن تعيش رافعًا رأسك لا تنحنِ لأجل لقمة، ما كتب لك سيصلك رغمًا عن أنف العالم، وعمرك لن ينقص منه لحظة ولو اجتمعت جيوش العالم تريد قتلك، عش شامخًا، أما قرأت: ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾.
وقفة
[51] يضجر المؤمن الضعيف عند المصيبة إذ يراها كتبت عليه لا له، أما قوي اﻹيمان فيقول: ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾، ولم يقل علينا؛ ﻷن في الصبر أجرًا له.
وقفة
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾ إذا كان الله وليّك هل تخاف أحدًا؟
وقفة
[51] ﴿لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾ آية تملأ قلب المؤمن أمنًا وطمأنينة، وتملأ قلب المؤمن ثقة بالله عز.
لمسة
[51] ﴿يُصِيبَنَا﴾ صيغة مضارع، ومن لطائف كونه مضارعًا وليس ماضيًا أن المؤمن راض عما أصابه ومطمئن لما يصيبه في مستقبل أيامه.
وقفة
[51] ﴿هُوَ مَوْلَانَا﴾ اســم الله (الـمـولى): المتولى أمور خلقه، نصير المؤمنين وحفيظهم.
وقفة
[51] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ على حسب إيمان العبد يكون توكله، والتوكل هو اعتماد العبد على ربه في حصول منافعه ودفع مضاره.
عمل
[51] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ﺃﻟﻖِ ﺑِﺤِﻤْﻠِﻚ ﻛﻠﻪ ﻋﻠﻰ الله ﻭﺳِﺮْ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ؛ ﺳﺘﺼﻞ ﺳﺎﻟﻤًﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ.
وقفة
[51] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الإنسان إذا عرف الله جل وتقدس حق المعرفة يهون عليه كلُّ شيء ويحتقر كلُّ شيء سواه .
وقفة
[51] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الله يريد منا أن نشعر بـ(السلام الداخلي)، فلا ضجيج أفكار يقلقنا، وﻻ خوف يستنزف طاقتنا.
وقفة
[51] ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فالمؤمن المتوكل على الله يوقن أن ما أصابه إنما هو ابتلاء له، إذا صبر عليه فإن الله إما أن يكفّر ذنوبه أو يرفع درجاته، فهو الفائز في الحالين؛ لأن ابتلاء الله تعالى للمؤمن رحمة به، اللهم ارزقنا الصبر عند البلاء، والشكر والحمد عند النعم.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والفاعل:ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ لَنْ يُصِيبَنا:
  • الجملة وما بعدها: في محل نصب مفعول به- مقول القول- لن: حرف نفي ونصب واستقبال. يصيبنا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه: الفتحة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. كتب: فعل ماض مبني على الفتح.الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لنا: جار ومجرور متعلق بكتب أي ما قدره الله علينا والجملة الفعلية «كَتَبَ اللَّهُ لَنا» صلة الموصول لا محل لها. والعائد الى الموصول: ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: ما كتبه الله.
  • ﴿ هُوَ مَوْلانا:
  • هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.مولى: خبر «هُوَ» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
  • الواو: استئنافية. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيتوكل. فليتوكل: الفاء زائدة اللام لام الأمر يتوكل: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. المؤمنون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد بيان أنَّ هؤلاء المنافقين يحزنون كلما حدث للنبي والمؤمنين خير، ويَفرَحونَ كلما أصابت النبي والمؤمنين مصيبة، أمرَ اللهُ عز وجل نبيَّه أن يرد عليهم بردين: الرد الأول: عَدم اكتراثِ المُسلِمينَ بالمُصيبةِ، وانتفاءِ حُزْنِهم عليها؛ لأنَّهم يعلمونَ أنَّ ما أصابَهم ما كان إلَّا بتقديرِ الله لِمَصلحتهم، فهو نَفعٌ مَحضٌ، قال تعالى:
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لن يصيبنا:
وقرئ:
1- هل يصيبنا، وهى قراءة ابن مسعود، وابن مصرف.
2- هل يصيبنا، بالتشديد، وهى قراءة ابن مصرف أيضا، وأعين، قاضى الري.

مدارسة الآية : [52] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ ..

التفسير :

[52] قل لهم -أيها النبي-:هل تنتظرون بنا إلا شهادةً في سبيل الله أو ظفراً بكم؟ ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة مِن عنده عاجلة تهلككم أو بأيدينا فنقتلكم، فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بكل فريق منا ومنكم.

أي‏:‏ قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر‏:‏ أي شيء تربصون بنا‏؟‏ فإنكم لا تربصون بنا إلا أمرا فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين، إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي‏.‏ وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخلق، وأرفع المنازل عند اللّه‏.‏

وأما تربصنا بكم ـ يا معشر المنافقين ـ فنحن نتربص بكم، أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده، لا سبب لنا فيه، أو بأيدينا، بأن يسلطنا عليكم فنقتلكم‏.‏ ‏{‏فَتَرَبَّصُوا‏}‏ بنا الخير ‏{‏إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ‏}‏ بكم الشر‏.‏

وقوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ.. إرشاد آخر للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يخرس ألسنة هؤلاء المنافقين ويزيل فرحتهم.

وقوله: تَرَبَّصُونَ التربص بمعنى الانتظار في تمهل. يقال: فلان يتربص بفلان الدوائر، إذا كان ينتظر وقوع مكروه به.

والحسنيان: مثنى الحسنى. والمراد بهما: النصر أو الشهادة.

أى: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين- أيضا- إنكم ما تنتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما أحسن من جميع العواقب، وهما إما النصر على الأعداء، وفي ذلك الأجر والمغنم والسلامة، وإما أن نقتل بأيديهم وفي ذلك الشهادة والفوز بالجنة والنجاة من النار.

قال الآلوسى: والحاصل أن ما تنتظرونه بنا- أيها المنافقون- لا يخلو من أحد هذين الأمرين، كل منهما عاقبته حسنى لا كما تزعمون من أن ما يصيبنا من القتل في الغزو سوء، ولذلك سررتم به.

وصح من حديث أبى هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «تكفل الله- تعالى- لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلمته أن يدخله الجنة. أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة» .

وقوله: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا بيان لما ينتظر المؤمنون وقوعه بالمنافقين.

أى: ونحن معشر المؤمنين نتربص بكم أيها المنافقون إحدى السوءيين من العواقب: إما «أن يصيبكم الله بعذاب» كائن «من عنده» فيهلككم كما أهلك الذين من قبلكم، وإما أن يصيبكم بعذاب كائن «بأيدينا» بأن يأذن لنا في قتالكم وقتلكم.

والفاء في قوله: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ للإفصاح.

أى إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا، فإنا معكم متربصون ما هو عاقبتكم، وسترون أن عاقبتنا على كل حال هي الخير، وأن عاقبتكم هي الشر.

وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة، قد حكت طرفا من رذائل المنافقين ومن مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإسلامية، وردت عليهم بما يكبتهم، ويفضحهم على رءوس الأشهاد.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين نفقاتهم غير مقبولة، لأن قلوبهم خالية من الإيمان.

ولأن عباداتهم ليست خالصة لوجه الله، وأن ما ينفقونه سيكون عليهم حسرة فقال- تعالى-:

يقول تعالى : ( قل ) لهم يا محمد : ( هل تربصون بنا ) ؟ أي : تنتظرون بنا ( إلا إحدى الحسنيين ) شهادة أو ظفر بكم . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم . ( ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ) أي : ننتظر بكم هذا أو هذا ، إما أن يصيبكم الله بقارعة من عنده أو بأيدينا ، بسبي أو بقتل ، ( فتربصوا إنا معكم متربصون )

القول في تأويل قوله : قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين وصفتُ لك صفتهم وبينت لك أمرهم: هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخَلَّتين اللتين هما أحسن من غيرهما, (32) إما ظفرًا بالعدو وفتحًا لنا بِغَلَبَتِناهم, ففيها الأجر والغنيمة والسلامة = وإما قتلا من عدوِّنا لنا, ففيه الشهادة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. وكلتاهما مما نُحبُّ ولا نكره =(ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده)، يقول: ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة من عنده عاجلة، تهلككم =(أو بأيدينا)، فنقتلكم =(فتربصوا إنا معكم متربصون)، يقول: فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بنا, وما إليه صائرٌ أمر كلِّ فريقٍ منَّا ومنكم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16796- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين)، يقول: فتح أو شهادة = وقال مرة أخرى: يقول القتل, فهي الشهادة والحياة والرزق. وإما يخزيكم بأيدينا.

16797- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين)، يقول: قتل فيه الحياة والرزق, وإما أن يغلب فيؤتيه الله أجرًا عظيمًا، وهو مثل قوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إلى فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء: 74].

16798- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (إلا إحدى الحسنيين)، قال: القتل في سبيل الله، والظهور على أعدائه.

16799- ...... قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال: القتل في سبيل الله, والظهور.

16800- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إحدى الحسنيين)، القتل في سبيل الله، والظهور على أعداء الله.

16801- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه = قال ابن جريج، قال ابن عباس: (بعذاب من عنده)، بالموت =(أو بأيدينا), قال: القتل.

16802- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين)، إلا فتحًا أو قتلا في سبيل الله =(ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا)، أي: قتل.

---------------------------

الهوامش :

(32) انظر تفسير "التربص" فيما سلف ص : 177، تعليق : 3، والمراجع هناك.

= وتفسير " الحسنى " فيما سلف 9 : 96 ، 97 .

المعاني :

تَرَبَّصُونَ :       تَنْتَظِرُونَ السراج
هَلۡ تَرَبَّصُونَ :       ما تنتظرون أن يَقَعَ الميسر في غريب القرآن
هل تربّصون بنا :       ما تنتظرون بنا معاني القرآن
إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ :       الشَّهَادَةَ أَوِ النَّصْرَ السراج
إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِ :       إحدى العاقبتَين: النصرَ، أوالشهادةَ في سبيلِ اللهِ الميسر في غريب القرآن
الحُسنيين :       النّصرة و الشّهادة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[52] ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ أي: هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله، وكل واحد من الخصلتين حسن، ﴿بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾: المصائب وما ينزل من السماء، أو عذاب الآخرة، ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ يعني: القتل، ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾: تهديد.
وقفة
[52] ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ القرآن يجيب على المنافقين الذي ينتظرون موت الصالحين ويفرحون به.
وقفة
[52] ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ كيف تخاف أمة كل خياراتها حسنة!
وقفة
[52] ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ قل لي بربك: كيف تنكسر أمة يرى أبناؤها أنهم رابحون في كل الأحوال؟!
وقفة
[52] ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ هل الفسق يحبط الطاعات ويمنع قبول الحسنات؟ والجواب: لا؛ لأن الآية التي تليها أشارت إلى أن سبب عدم قبول الأعمال الكفر لا الفسق، وهذا من أوضح الأدلة على أن الفسق لا يحبط الطاعات.
تفاعل
[52] سل الله تعالى الشهادة بصدق يبلغك منازل الشهداء ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾.
وقفة
[52] ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّـهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ لو أبلغنا الإسلام للبلاد الكافرة ثم استكبروا فسيعذبهم الله إما بأيدينا أو من عنده.
تفاعل
[52] ﴿أَن يُصِيبَكُمُ اللَّـهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
عمل
[52] ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ كن شجاعًا؛ أعلن تحدياتك لأعداء الدين، مَرّغ أنوف الطغاة باليقين الذي معك.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل:ضمير مستتر فيه وجوا تقديره أنت أي قل لهم.
  • ﴿ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا:
  • هل: حرف استفهام لا محل لها. تربصون: أي تنتظرون: وأصلها «تتربصون» وحذفت التاء والكلمة: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بنا: جار ومجرور متعلق بتربصون والجملة في محل نصب مفعول به لقل.
  • ﴿ إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. إحدى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر أي الّا واحدة من العاقبتين الحسنيين. الحسنيين: مضاف اليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه مثنى والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. وهما النصرة أو الشهادة في سبيل الله. الحسنى مؤنث الأحسن.
  • ﴿ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ:
  • الواو: استئنافية. نحن: ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. نتربص: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. بكم: جار ومجرور متعلق بنتربص والميم علامة جمع الذكور والجملة الفعلية «نَتَرَبَّصُ بِكُمْ» في محل رفع خبر «نَحْنُ» بمعنى: أما نحن فننتظر. أو ونحن نتربص بكم إحدى السوأتين من العواقب.
  • ﴿ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ:
  • أن حرف مصدرية ونصب. يصيب: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حركت الضم للاشباع. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. أن المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ والخبر محذوف تقديره: كائن وجملة «يُصِيبَكُمُ اللَّهُ» صلة الموصول الحرفي لا محل لها. بمعنى إمّا أن يصيبكم الله. ويجوز أن يكون المصدر في محل نصب مفعول «نَتَرَبَّصُ».
  • ﴿ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيصيبكم. من عنده: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «عذاب» والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَوْ بِأَيْدِينا:
  • حرف عطف للتخيير. بأيدي: جار ومجرور متعلق بيصيبكم و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة أي بتقدير:او بعذاب بأيدينا. والجملة المؤوّلة معطوفة على الجملة المؤولّة الأولى.
  • ﴿ فَتَرَبَّصُوا:
  • أي فاصبروا أو فانتظروا بنا. الفاء: استئنافية ويجوز أن تكون جوابا لإمّا المقدرة. و «تربصوا»: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا»:ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة والاجتماع في محل نصب متعلق بمتربصون. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف اليه والميم علامة جمع الذكور.متربّصون: خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     الرد الثاني: أنَّ المؤمنينَ ينتظرُونَ: نصرًا أو شهادةً، والمنافقينَ ينتظرُونَ: عذابًا من اللهِ أو بأيدي المؤمنينَ، قال تعالى:
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إلا إحدى:
وقرئ:
إلا حدى، بإسقاط الهمزة، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [53] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ..

التفسير :

[53] قل -أيها النبي- للمنافقين:أنفقوا أموالكم كيف شئتم، وعلى أي حال شئتم طائعين أو كارهين، لن يقبل الله منكم نفقاتكم؛ لأنكم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.

يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المنافقين، وذاكرا السبب في ذلك ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏أَنْفِقُوا طَوْعًا‏}‏ من أنفسكم ‏{‏أَوْ كَرْهًا‏}‏ على ذلك، بغير اختياركم‏.‏ ‏{‏لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ‏}‏ شيء من أعمالكم ‏{‏إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ‏}‏ خارجين عن طاعة اللّه .

روى أن بعض المنافقين قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما دعاهم إلى الخروج معه إلى تبوك:

ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به، فنزل قوله- تعالى-: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ...

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء أنفقوا ما شئتم من أموالكم في وجوه الخير حالة كونكم طائعين، أى: من غير إجبار أحد لكم، أو كارهين، أى بأن تجبروا على هذا الإنفاق إجبارا، فلن يقبل منكم ذلك الإنفاق.

والكلام وإن كان قد جاء في صورة الأمر، إلا أن المراد به الخبر وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله.

فإن قلت: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ؟

قلت: هو أمر في معنى الخبر، كقوله- تعالى- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ومعناه: لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها، ونحوه قوله- تعالى-:

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وقول الشاعر.

أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت

أى: لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم.. أم لم تستغفر لهم. ولا نلومك سواء أسأت إلينا أم أحسنت ...

وجاء الكلام في صورة الأمر، للمبالغة في تساوى الأمرين، وعدم الاعتداد بنفقتهم سواء أقدموها عن طواعية أم عن كراهية.

وقوله: لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ بيان لثمرة إنفاقهم. أى: لن يتقبل منكم ما أنفقتموه، ولن تنالوا عليه ثوابا.

وقوله: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ تعليل لعدم قبول نفقاتهم.

أى: لن تقبل منكم نفقاتكم بسبب عتوكم في الكفر، وتمردكم على تعاليم الإسلام وخروجكم عن الطاعة والاستقامة.

قال القرطبي ما ملخصه. وفي الآية دليل على أن أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة، وجبر الكسير، وإغاثة الملهوف، لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، بيد أنه يطعم بها في الدنيا.

دليله ما رواه مسلم عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟

قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

وروى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» .

وقال الجمل: وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين، فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله، بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه .

وقوله : ( قل أنفقوا طوعا أو كرها ) أي : مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين ( لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين )

القول في تأويل قوله : قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين: أنفقوا كيف شئتم أموالكم في سفركم هذا وغيره, وعلى أي حال شئتم، من حال الطوع والكره, (33) فإنكم إن تنفقوها لن يتقبَّل الله منكم نفقاتكم, وأنتم في شك من دينكم، وجهلٍ منكم بنبوة نبيكم، وسوء معرفة منكم بثواب الله وعقابه =(إنكم كنتم قومًا فاسقين)، يقول: خارجين عن الإيمان بربكم. (34)

* * *

وخرج قوله: (أنفقوا طوعا أو كرها)، مخرج الأمر، ومعناه الجزاء, (35) والعرب تفعل ذلك في الأماكن التي يحسن فيها " إن "، التي تأتي بمعنى الجزاء, كما قال جل ثناؤه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [سورة التوبة: 80]، فهو في لفظ الأمر، ومعناه الجزاء، (36) ومنه قول الشاعر: (37)

أَسِــيئي بِنَـا أَوْ أَحْسِـنِي لا مَلُومَـةً

لَدَيْنَـــا, ولا مَقْلِيَّـــةً إِنْ تَقَلَّــتِ (38)

فكذلك قوله: (أنفقوا طوعًا أو كرهًا)، إنما معناه: إن تنفقوا طوعًا أو كرهًا لن يُتَقَبَّل منكم.

* * *

وقيل: إن هذه الآية نـزلت في الجدّ بن قيس، حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم، لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الخروج معه لغزو الروم: " هذا مالي أعينك به ".

16803- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: قال، الجدّ بن قيس: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن, ولكن أعينك بمالي ! قال: ففيه نـزلت (أنفقوا طوعًا أو كرهًا لن يتقبل منكم)، قال: لقوله " أعينك بمالي".

--------------------------

الهوامش :

(33) انظر تفسير "الطوع" فيما سلف 6 : 564 ، 565.

= وتفسير " الكره " فيما سلف ص : 283 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك.

(34) انظر تفسير "الفسق" فيما سلف 13 : 110 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(35) في المطبوعة في الموضعين: "ومعناه الخبر"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 441 .

(36) في المطبوعة في الموضعين: "ومعناه الخبر"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 441 .

(37) هو كثير عزة.

(38) سلف تخريجه وبيانه في التفسير 2 : 294 ، ولم أشر هناك إلى هذا الموضع، ومعاني القرآن للفراء 1 : 441.

المعاني :

طَوۡعًا :       طائعِين الميسر في غريب القرآن
كَرۡهࣰا :       كارهِين الميسر في غريب القرآن
فَٰسِقِينَ :       خارجِين عن دينِ اللهِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[53] ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ لا يأمرك الدين أن تكون بلا ذاكرة؛ تنسى الذين كذبوا عليك، واصطفوا ضد مبادئك، وعبثوا بقداسة قيمك.
وقفة
[53] ما الفرق بين كلمة (الكَره) بفتح الكاف و(الكُره) بضمها؟ (الكَره) بفتح الكاف هو: ما يأتي من الخارج يقابله الطوع، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: 19]، أما (الكُره) بضم الكاف فهو: ما ينبعث من الداخل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، جاءت كلمة (الكُره)؛ لأن الإنسان بطبيعته يكره القتال، ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: 15]، آلآم الوضع والحمل في نفس الأم ثقيل.
لمسة
[53] ﴿طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ ما الفرق بين: (طوعًا) و(طائعًا)؟ (طوعًا) تعني تلقائيًا من النفس، و(طائعًا) تعني طائعًا لإرادة الله سبحانه وتعالى.
لمسة
[53] ﴿لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾ ما الفرق بين: يُقبل ويُتقبل؟ يقبل من الرسول أو العباد وهو في الدنيا، أما يتقبل فهو من الله تعالى، يتقبل الأعمال أو لا، وهذا في الآخرة.
وقفة
[53، 54] ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أي كافرين ولو بالنفاق، بقرينة قوله ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نفقاتُهم إلّاَ أَنَّهُمْ كفَرُوا باللهِ وَبِرَسولِهِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين. والفاعل:ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً:
  • أنفقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة ومعموله محذوف تقديره: أنفقوا أموالكم في سبيل الله أيها المنافقون. طوعا: حال منصوب بالفتحة أي طائعين. أو: حرف عطف للتخيير. كرها: معطوفة على «طَوْعاً» منصوبة مثلها بالفتحة أيضا لأنها حال ثان أي مكرهين أو مكروهين.
  • ﴿ لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ:
  • لن: حرف نفي ونصب واستقبال. يتقبل: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب وعلامة نصبه الفتحة. منكم: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل بمعنى: لن يتقبلها الله منكم.
  • ﴿ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ:
  • حرف نصب توكيد مشه بالفعل يفيد هنا التعليل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والميم علامة جمع الذكور. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. قوما: خبر «كان» منصوب بالفتحة. فاسقين: صفة- نعت- لقوما منصوبة وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد والجملة الفعلية «كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ» في محل رفع خبر إنّ. '

المتشابهات :

التوبة: 53﴿قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ
فصلت: 11﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد بيان أن المنافقينَ ينتظرُونَ: عذابًا من اللهِ أو بأيدي المؤمنينَ؛ بين اللهُ عز وجل هنا أنهم حتى ولو أتَوْا بأعمالِ البِرِّ، فإنَّهم لا ينتَفِعونَ بها في الآخرةِ ما داموا على ما هم عليه، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كرها:
وقرئ:
كرها، بضم الكاف، وهى قراءة الأعمش، وابن وثاب.

مدارسة الآية : [54] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ ..

التفسير :

[54] وسبب عدم قَبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل وتكذيب رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا يأتون الصلاة إلا وهم متثاقلون، ولا ينفقون الأموال إلا وهم كارهون، فهم لا يرجون ثواب هذه الفرائض، ولا يخشون على تركها عقاباً؛ بسبب كفرهم.

ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ‏}‏ والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها قاموا كسالى، قال‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى‏}‏ أي‏:‏ متثاقلون، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم‏.‏

‏{‏وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ‏}‏ من غير انشراح صدر وثبات نفس، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده، ولا يتشبه بالمنافقين‏.‏

ثم بين- سبحانه- على سبيل التفصيل لمظاهر فسقهم- أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم.

أما السبب الأول فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ...

أى: وما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالاستثناء من أهم الأشياء. والضمير في «منعهم» هو المفعول الأول للفعل، وقوله:

أَنْ تُقْبَلَ هو المفعول الثاني، لأن الفعل «منع» يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا، وتارة يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر وهو حرف «من» أو «عن» .

والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله: إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا ...

وأما السبب الثاني فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى.

ولفظ «كسالى» . جمع كسلان، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشيء، والفتور عن أدائه. وفعله بزنة فرح.

أى: ولا يأتون الصلاة التي كتبها الله عليهم في حال من الأحوال، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثوابا ولا يخشون من وراء تركها عقابا، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين.

وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله- تعالى- في سورة النساء: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى، يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.

وأما، السبب الثالث فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ.

أى. ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كارهون لها لأنهم يعدونها مغرما، ويعتبرون تركها مغنما، وما حملهم على الإنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم، وافتضاح حالهم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية، وقد جعلهم الله- تعالى- طائعين في قوله «طوعا» ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك؟

قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار .

أى: أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة، أو خدمة مصالحهم الخاصة.

ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك ، وهو أنهم لا يتقبل منهم ، ( إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ) أي : [ قد كفروا ] والأعمال إنما تصح بالإيمان ، ( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) أي : ليس لهم قصد صحيح ، ولا همة في العمل ، ( ولا ينفقون ) نفقة ( إلا وهم كارهون )

وقد أخبر الصادق المصدوق أن الله لا يمل حتى تملوا ، وأنه طيب لا يقبل إلا طيبا ؛ فلهذا لا يتقبل الله من هؤلاء نفقة ولا عملا لأنه إنما يتقبل من المتقين .

القول في تأويل قوله : وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما منع هؤلاء المنافقين، يا محمد، أن تقبل منهم نفقاتهم التي ينفقونها في سفرهم معك، وفي غير ذلك من السبل، إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله، فـ " أن " الأولى في موضع نصب, والثانية في موضع رفع, (39) لان معنى الكلام: ما منع قبول نفقاتهم إلا كفرهم بالله =(ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى)، يقول: لا يأتونها إلا متثاقلين بها. (40) لأنهم لا يرجون بأدائها ثوابًا، ولا يخافون بتركها عقابًا, وإنما يقيمونها مخافةً على أنفسهم بتركها من المؤمنين، فإذا أمنوهم لم يقيموها =(ولا ينفقون)، يقول: ولا ينفقون من أموالهم شيئًا =(إلا وهم كارهون)، أن ينفقونه في الوجه الذي ينفقونه فيه، مما فيه تقوية للإسلام وأهله. (41)

------------------------

الهوامش:

(39) يعني بالثانية "أن" المشددة في "أنهم"، وأما الأولى فهي "أن" الخفيفة.

(40) انظر تفسير "كسالى" فيما سلف 9 : 330 ، 331.

(41) انظر تفسير "الكره" فيما سلف ص : 293 . تعليق : 1 والمراجع هناك.

المعاني :

كُسَالَىٰ :       متثاقلون عن الصَّلاةِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[54] ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ قال القرطبي: «أفعال الكافر إذا كانت برًا كصلة القرابة، وجبر الكسير وإغاثة الملهوف؛ لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، بيد أنه يطعم بها في الدنيا».
وقفة
[54] ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ لا قبول لطيّب الأعمال مع خُبث الاعتقاد.
وقفة
[54] هنا: ﴿كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ﴾ بزيادة (باء)، وفي نفس السورة: ﴿إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا﴾ [84] بغير (باء)؛ لأن الكلام في الآية الأولى إيجاب بعد نفي، وهو الغاية في باب التأكيد، وهو قولهم: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ﴾، فأكد المعطوف أيضًا، فالباء ليكون الكل في التأكيد على منهاج واحد، وليس كذلك الآيتان بعده، فإنهما خلتا من التأكيد.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ ذمّهم اللهُ على مجيئهم إلى الصلاة وهم كُسَالَى، فكيف بمن يركَعها في بيتِه؟!
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ الكسل يكون من فقد الرغبة من قلوبهم، فلولا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله وإلى ما عنده لم يصدر منهم الكسل.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ فيه الحث على دخول الصلاة بنشاط والإنفاق عن طيب نفس.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾فارغ القلب من الله والدار الآخرة، المبتلى بحب الدنيا أشقُّ ما عليه الصلاة، مع تفرُّغه وصحته وعدم اشتغاله!
وقفة
[54] قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾، قال ابن عباس: «إن كان في جماعة صلى وإن انفرد لم يصل، وهو الذي لا يرجو على الصلاة ثوابًا، ولا يخشى في تركها عقابًا»، لو لم يكن للنفاق آفة إلا أنه يورث الكسل عن العبادة، لكفى به ذمًّا، فكيف ببقية آثاره السيئة؟!
وقفة
[54] من علامات صلاة المؤمن: أنه يأتيها وهو محب لها لما فيها من الخيرات الكثيرة له ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده. لأنهم يعدونها مغرمًا، ومنعها مغنمًا، وإذا كان المرء كذلك؛ فهي غير متقبلة، ولا مثاب عليها.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ المنافقون يتصدقون، المنافقون يصلون، فليست العبادة بظاهرها فحسب، لكن الباطن ومحتوى القلب أساس.
اسقاط
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ من علامات ضعف الإيمان وقلة التقوى التكاسل في أداء الصلاة والإنفاق عن غير رضا ورجاء للثواب.
وقفة
[54] ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ ... كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ ... كَارِهُونَ﴾ التثاقلُ والتّكاسلُ عن الطاعةِ صِفةٌ من صِفاتِ المنافقين.
وقفة
[54] في قوله تعالى عن المنافقين: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ تنبيه إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يقوم إلى صلاته بنشاط وإقبال ورغبة، وأن تكون نفسه عند الإنفاق منشرحة.
وقفة
[54] أيام عشر ذي الحجة: أيام ذكر وتكبير وصدقة، ومسابقة في الأعمال الصالحة، وقد وصف الله المنافقين بأنهم: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142]، وأنهم: ﴿وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾؛ فاحذر أن تشابههم في صفة من صفاتهم.
وقفة
[54] الصدقة مع طيب نفس علامة إيمان، والصدقة مع تثاقل نفس علامة نفاق، قال الله عن المنافقين ﴿وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ .

الإعراب :

  • ﴿ وَما مَنَعَهُمْ:
  • الواو: استئنافية. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. منع: فعل ماض مبني على الفتح و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. والجملة الفعلية من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر «ما» ويجوز أن يكون المصدران: قبول نفقاتهم منهم وكفرهم في محل جر بحرف جر. مقدر.
  • ﴿ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. تقبل: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. منهم: جار ومجرور متعلق بتقبل و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن. نفقات: نائب فاعل مرفوع بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان للفعل «منع» وجملة «تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسمها
  • ﴿ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ:
  • الجملة في محل رفع خبر «أن» وأنّ وما بعدها:بتأويل مصدر في محل رفع فاعل الفعل «منع» أي ما منعهم غير كفرهم بالله وبرسوله. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بكفروا وبرسوله. الواو: عاطفة. برسوله: يعرب إعراب «بِاللَّهِ» أي وكفروا برسوله. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يأتون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.الصلاة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِلَّا وَهُمْ كُسالى:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. وهم: الواو حالية. هم:ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كسالى: خبر «هُمْ» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف والجملة الاسمية في محل نصب حال.
  • ﴿ وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ:
  • معطوفة بالواو: على «لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى» وتعرب إعرابها ومفعول «يُنْفِقُونَ» محذوف تقديره «أموالهم» وعلامة رفع الخبر كارهون الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

التوبة: 48﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّـهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
التوبة: 54﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنه لا يتقبَّلُ من المنافقين نفَقاتهم؛ بَيَّنَ هنا أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم، قال تعالى:
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تقبل:
قرئ:
1- يقيل، بالياء، وهى قراءة الأخوين، وزيد بن على.
2- تقبل، بالتاء، وهى قراءة باقى السبعة.
نفقاتهم:
قرئ:
1- بالإفراد، وهى قراءة زيد بن على.
2- بالجمع، وهى قراءة باقى السبعة.

البحث بالسورة

البحث في المصحف