40246474849505152

الإحصائيات

سورة العنكبوت
ترتيب المصحف29ترتيب النزول85
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.00
عدد الآيات69عدد الأجزاء0.37
عدد الأحزاب0.75عدد الأرباع3.00
ترتيب الطول26تبدأ في الجزء20
تنتهي في الجزء21عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 15/29آلم: 3/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (49) عدد الآيات (4)

= ثُمَّ أمرَ بالتَّلطُّفِ في دعوةِ أهلِ الكتابِ للإيمانِ، ثُمَّ ذكرَ الدليلَ على صدقِ محمدٍ ﷺ وصحَّةِ القرآنِ: كونُه لا يَقرأُ ولا يَكتبُ ولا يُخالطُ أهلَ الكتابِ وجاءَهم بأخبارِ الأنبياءِ والأممِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (50) الى الآية رقم (52) عدد الآيات (3)

وبِرَغْمِ ذلكَ طلبَ المشركونَ آيةً أو معجزةً محسوسةً كناقةِ صالحٍ وعصا موسى ردَّ اللهُ عليهم بأنَّ الآياتِ عندَ اللهِ يُنزلها حسبَ إرادتِه وحكمتِه، وكفى بالقرآنِ آيةً، وكفى باللهِ شهيدًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة العنكبوت

الفتن والابتلاءات سنة ماضية (جَاهِد الفتن)/ هوان الباطل وأهله مهما علوا وتجبروا/ الابتلاء والولاء

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • امتحانات وامتحانات:: في الحياة الدراسية اختبارات وامتحانات، بعضها مهم، وبعضها أقل أهمية، وهناك امتحانات مصيرية، تغير المسار ويعتمد عليها ما بعدها (كالثانوية العامة مثلًا). وهناك أيضًا امتحانات كهذه في حياتنا بصفة عامة، امتحانات تحدد مصيرنا. فالإنسان معرّض للامتحان أو الاختبار، معرض أن يفتن في كثير من الأمور كفتنة المال والبنين والدنيا والسلطة والشهوات والصحة والأهل، وهذا من تدبير الله تعالى ليبلوا الناس أيهم أحسن عملًا، وليعلم صدق العباد وليختبرهم في إيمانهم وصدقهم.
  • • وسورة العنكبوت تتحدث عن هذا الموضوع: الامتحان أو الابتلاء أو الفتنة. كيف؟: سورة العنكبوت من أواخر ما نزل في مكة، قبل هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، والمسلمون يتعرضون في مكة لأقصى أنواع التعذيب ليتركوا دينهم، محنة وشدة وفتنة وابتلاء. ومع هذا التعذيب يأتي امتحان جديد؛ امتحان مختلف. هذا الامتحان هو: الهجرة؛ أن يتركوا مكة، أن يتركوا الأهل والأقارب والعشيرة والعمل والمال والبيوت. كثيرًا ما تتعبنا أوطاننا، لكن قرار مغادرتها ليس سهلًا بالمرة. الهجرة اليوم مألوفة، والناس يتبادلون التهاني عندما يحصلون عليها، لكنها لم تكن كذلك آنذاك، هذا التنقل لم يكن مقبولًا بالنسبة للعربي الحضري، من يولد في مدينة يموت فيها غالبًا. السورة تعرض لقصص أنبياء في لحظات خروجهم من مدنهم، كل قصة من هذه القصص عرضت سابقًا في سور مختلفة، لكننا الآن نراها على نحو مختلف، هذه المرة نراهم وهم يهاجرون، كما يجب أن يفعل من تنزلت السورة بينهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «العنكبوت».
  • • معنى الاسم :: العنكبوت حيوان صغير، ذكره يدعي عنكب، أما أنثاه فهي العنكبوت، وهي التي تبني البيت من خلال مغزل خاص موجود في نهاية بطنها، ولا يوجد مثله عند الذكر، ولذا جاء في الآية: ﴿كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ (41)، وتصل عدد الخيوط إلي 400 ألف خيط، وطول الخيط الواحد 20 سم، له ثمانية أرجل، وست إلي ثمان أعين، ينسج شبكة من الخيوط للقبض عل فرائسها.
  • • سبب التسمية :: لأن ‏الله شبه في الآية (41) الذين جعلوا الأوثان أولياء من دون الله يرجون نصرها بالعنكبوت التي عملت بيتًا لنفسها ليحفظها من الحر والبرد، ولم يرد لفظ (العنكبوت) في غيرها من السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الطريق إلى الله غير مفروش بالورود؛ فلابد من التعرض لألوان من الفتن والابتلاءات.
  • • علمتني السورة :: أنه لابد للمؤمن أن يبتلى في هذه الدنيا فالإيمان ليس كلمة تقال باللسان فقط فالله تعالى يبتلي عباده ليميز بينهم: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾
  • • علمتني السورة :: أن العبرة بالأفعال، لا بالأقوال فقط: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ﴾
  • • علمتني السورة :: أن كل إنسان يحمل أوزاره يوم القيامة، وأوزار من أضلهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾

مدارسة الآية : [46] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا ..

التفسير :

[46] ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن، والقول الجميل، والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك، إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فقاتلوهم حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية بأيديهم وهم أذلَّاء، وقولوا:آ

ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع.

{ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} أي:ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان بما أنزل إليكم وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم، وعلى أن الإله واحد، ولا تكن مناظرتكم إياهم [على وجه] يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل، كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم، يقدح بجميع ما معهم، من حق وباطل، فهذا ظلم، وخروج عن الواجب وآداب النظر، فإن الواجب، أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرا. وأيضا، فإن بناء مناظرة أهل الكتاب، على هذا الطريق، فيه إلزام لهم بالإقرار بالقرآن، وبالرسول الذي جاء به، فإنه إذا تكلم في الأصول الدينية التي اتفقت عليها الأنبياء والكتب، وتقررت عند المتناظرين، وثبتت حقائقها عندهما، وكانت الكتب السابقة والمرسلون مع القرآن ومحمد صلى اللّه عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها وأخبرت بها، فإنه يلزم التصديق بالكتب كلها، والرسل كلهم، وهذا من خصائص الإسلام.

فأما أن يقال:نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني، دون الكتاب الفلاني وهو الحق الذي صدق ما قبله، فهذا ظلم وجور، وهو يرجع إلى قوله بالتكذيب، لأنه إذا كذب القرآن الدال عليها، المصدق لما بين يديه من التوراة، فإنه مكذب لما زعم أنه به مؤمن.

وأيضا، فإن كل طريق تثبت به نبوة أي:نبي كان، فإن مثلها وأعظم منها، دالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن مثلها أو أعظم منها، يمكن توجيهها إلى نبوة غيره، فإذا ثبت بطلانها في غيره، فثبوت بطلانها في حقه صلى اللّه عليه وسلم أظهر وأظهر.

وقوله:{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي:منقادون مستسلمون لأمره. ومن آمن به، واتخذه إلها، وآمن بجميع كتبه ورسله، وانقاد للّه واتبع رسله، فهو السعيد، ومن انحرف عن هذا الطريق، فهو الشقي.

والمجادلة: المخاصمة. يقال: جادل فلان فلانا، إذا خاصمه، وحرص كل واحد منهما على أن يغلب صاحبه بقوة حجته. أى: ولا تجادلوا- أيها المؤمنون- غيركم من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، إلا بالطريقة التي هي أحسن، بأن ترشدوهم إلى طريق الحق بأسلوب لين كريم، كما قال- تعالى- في آية أخرى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. .

وقوله: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ استثناء من الذين يجادلون بالتي هي أحسن.

أى: ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. بأن أساءوا إليكم، ولم يستعملوا الأدب في جدالهم، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإغلاظ والتأديب.

وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى في مجادلتهم لأهل الكتاب عموما، ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم.

وقيل: المراد بأهل الكتاب هنا: المؤمنون منهم، والمراد بالذين ظلموا: من بقي على الكفر منهم.

فيكون المعنى: ولا تجادلوا- أيها المؤمنون- من آمن من أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين بقوا على كفرهم فعاملوهم بما يليق بحالهم من التأديب والإغلاظ عليهم.

ويبدو لنا أن التفسير الأول هو الأرجح والأظهر، لأن الآية مسوقة لتعليم المؤمنين كيف يجادلون من بقي على دينه من أهل الكتاب، ولأن من ترك كفره منهم ودخل في الإسلام أصبح مسلما وليس من أهل الكتاب، وما دام الأمر كذلك فليس المسلمون في حاجة إلى إرشادهم إلى كيفية مجادلته، ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ... يرجح أن المراد بأهل الكتاب هنا من بقي على دينه منهم.

أى: جادلوهم بالطريقة الحسنى ماداموا لم يظلموكم، وقولوا لهم على سبيل التعليم والإرشاد «آمنا بالذي أنزل إلينا» وهو القرآن، وآمنا بالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل.

قال الشوكانى: أى: آمنا بأنهما منزلان من عند الله، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية، والبعثة المحمدية ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه، .

وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته وَنَحْنُ جميعا معاشر المؤمنين لَهُ مُسْلِمُونَ أى: مطيعون وعابدون له وحده، ولا نتخذ أربابا من دونه- عز وجل-.

قال القرطبي ما ملخصه: اختلف العلماء في قوله- تعالى-: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ.. فقال مجاهد: هي محكمة، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، على معنى الدعاء لهم إلى الله- عز وجل-، والتنبيه على حججه وآياته ... وقوله: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أى ظلموكم..

وقيل: هذه الآية منسوخة بآية القتال وهي قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...

وقول مجاهد: حسن، لأن أحكام الله- عز وجل- لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة من معقول ... » .

قال قتادة وغير واحد : هذه الآية منسوخة بآية السيف ، ولم يبق معهم مجادلة ، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف .

وقال آخرون : بل هي باقية أو محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين ، فيجادل بالتي هي أحسن ، ليكون أنجع فيه ، كما قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) [ النحل : 125 ] ، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) [ طه : 44 ] . وهذا القول اختاره ابن جرير ، وحكاه عن ابن زيد .

وقوله : ( إلا الذين ظلموا منهم ) أي : حادوا عن وجه الحق ، وعموا عن واضح المحجة ، وعاندوا وكابروا ، فحينئذ ينتقل من الجدال إلى الجلاد ، ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم ، قال الله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ) [ الحديد : 25 ] .

قال جابر : أمرنا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف .

قال مجاهد : ( إلا الذين ظلموا منهم ) يعني : أهل الحرب ، ومن امتنع منهم عن أداء الجزية .

وقوله : ( وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ) ، يعني : إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقا ، ولا على تصديقه ، فلعله أن يكون باطلا ولكن نؤمن به إيمانا مجملا معلقا على شرط وهو أن يكون منزلا لا مبدلا ولا مؤولا .

وقال البخاري ، رحمه الله : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ، وإلهنا وإلهكم واحد ، ونحن له مسلمون " . وهذا الحديث تفرد به البخاري .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني ابن أبي نملة أن أبا نملة الأنصاري أخبره ، أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل من اليهود ، فقال : يا محمد ، هل تتكلم هذه الجنازة ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم " . قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله ورسله وكتبه ، فإن كان حقا لم تكذبوهم ، وإن كان باطلا لم تصدقوهم "

قلت : وأبو نملة هذا هو : عمارة . وقيل : عمار . وقيل : عمرو بن معاذ بن زرارة الأنصاري ، رضي الله عنه .

ثم ليعلم أن أكثر ما يحدثون به غالبه كذب وبهتان ; لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل ، وما أقل الصدق فيه ، ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا .

قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن سليمان بن عامر ، عن عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية ، تدعوه إلى دينه كتالية المال .

وقال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرنا ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أحدث تقرءونه محضا لم يشب ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله ، وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا ؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم .

وقال البخاري : وقال أبو اليمان : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني حميد بن عبد الرحمن : أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة - وذكر كعب الأحبار - فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب .

قلت : معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد ; لأنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن ، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة ; لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة ، ومع ذلك وقرب العهد وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة ، لا يعلمها إلا الله ، ومن منحه الله علما بذلك ، كل بحسبه ، ولله الحمد والمنة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)

يقول تعالى ذكره: (وَلا تُجَادِلُوا) أيها المؤمنون بالله وبرسوله اليهود والنصارى، وهم (أَهْلَ الكِتابِ إلا بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقول: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حُججه.

وقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا الذين أبوا أن يقرّوا لكم بإعطاء الجزية، ونصبوا دون ذلك لكم حربا، فإنهم ظلمة، فأولئك جادلوهم بالسيف حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد في قوله: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) قال: من قاتل ولم يُعط الجزية.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، بنحوه. إلا أنه قال: من قاتلك ولم يعطك الجزية.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: إن قالوا شرّا؛ فقولوا خيرا، ( إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فانتصروا منهم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال: قالوا: مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا صلى الله عليه وسلم، قال: هم أهل الكتاب.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) قال: أهل الحرب، من لا عهد له جادله بالسيف.

وقال آخرون: معنى ذلك: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ) الذين قد آمنوا به، واتبعوا رسوله فيما أخبروكم عنه مما في كتبهم ( إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) فأقاموا على كفرهم، وقالوا: هذه الآية محكمة، وليست بمنسوخة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: ليست بمنسوخة، لا ينبغي أن تجادل من آمن منهم، لعلهم يحسنون شيئا في كتاب الله، لا تعلمه أنت فلا تجادله، ولا ينبغي أن تجادل إلا الذين ظلموا، المقيمَ منهم على دينه. فقال: هو الذي يُجادَلُ، ويقال له بالسيف (1) قال: وهؤلاء يهود. قال: ولم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد، إنما كانوا يهودا هم الذي كلَّموا وحالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدرت النضير يوم أُحد، وغدرت قُريظة يوم الأحزاب.

وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية قبل أن يؤمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: هي منسوخة، نسخها قوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ .

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشدّ من السيف، أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقرّوا بالخراج.

وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: عني بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) : إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب.

فإن قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب إلا من لم يؤدّ الجزية؟ قيل: إن جميعهم، وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ظلمة، فإنه لم يعن بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) . ظلم أنفسهم. وإنما عنى به: إلا الذين ظلموا منهم أهل الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أولئك جادلوهم بالقتال.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لأن الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب، بغير الذي هو أحسن بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فمعلوم إذ كان قد أذن لهم في جدالهم، أن الذين لم يؤذن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن؛ لأن المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحقّ، لأنه إذا جاء بغير الحق، فقد صار في معنى الظلمة في الذي خالف فيه الحقّ، فإذ كان ذلك كذلك، تبين أن ألا معنى لقول من قال: عنى بقوله: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ) أهل الإيمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نـزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة؛ لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل.

وقد بيَّنا في غير موضع من كتابنا، أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل.

وقوله: ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنـزلَ إِلَيْنَا وَأُنـزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن ويجوز أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تعلموا أمرهم وحالهم في ذلك، فقولوا لهم ( آمَنَّا بِالَّذِي أُنـزلَ إِلَيْنَا وَأُنـزلَ إِلَيْكُمْ ) مما في التوراة والإنجيل، ( وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ) يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) يقول: ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا ونهانا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر الرواية بذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا عليّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلا تُكَذّبُوُهْم، (وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذِي أُنـزلَ إلَيْنا وأُنـزلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)".

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار قال: كان ناس من اليهود يحدثون ناسا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذّبُوهُمْ، (وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذِي أُنـزلَ إلَيْنا وأُنـزلَ إلَيْكُمْ)".

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، عن عبد الله قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحقّ أو تصدّقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال (2) .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ). قال: قالوا: مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا، ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنـزلَ إِلَيْنَا وَأُنـزلَ إِلَيْكُمْ ) لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب.

---------------------

الهوامش :

الهوامش:

(1) يقال له بالسيف: أي يرفع عليه السيف. قال في (اللسان: قول): والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده: أي أخذ، وقال برجله: أي مشى. وقال الشاعر وقـالت لـه العينـان سـمعًا وطاعـةً

أي أومأت. وقال بثوب: أي رفعه. وكل ذلك على المجاز والاتساع. وفي الأصل: و"يقال له: السبت" تحريف من الناسخ.

(2) تالية اسم فاعل من تلاه يتلوه: إذا تبعه. يريد: داعية تدعوه إلى الاستمساك بدينه. وتالية المال: لعل المراد به: التابعة التي تتبع أمهاتها من صغار الإبل ونحوها.

المعاني :

أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ :       وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارَى الميسر في غريب القرآن
ظَلَمُوا مِنْهُمْ :       عَانَدُوا الحَقَّ، وَأَعْلَنُوا الحَرْبَ السراج
مُسْلِمُونَ :       خَاضِعُونَ مُتَذَلِّلُونَ بِالطَّاعَةِ السراج

التدبر :

وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ مجادلة أهل الكتاب تكون بالتي هي أحسن.
وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ هو أصل في آداب المناظرة والجدل.
وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الحوار الجاف طريقه مسدود نحو العقول والقلوب أيضًا، ولين الكلام يفتحهما.
اسقاط
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ إذا كان الله قد أمرك ألا تجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، فما بالك بأخيك المسلم؟ أليس أولى بإحسانك؟!
عمل
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ تدرب على الحوار؛ فهو من سنن الأنبياء؛ اختر زميلًا وحاوره بهدوء وحكمة، واحرص على العدل والإنصاف في كلامك.
وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ في حوارك كن محسنًا.
وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ إذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي أحسن، فالمسلمون أولى بإحسانك ولطفك وجميل تعاملك.
وقفة
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ووجه الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب: أن أهل الكتاب مؤمنون بالله غير مشركين به؛ فهم مؤهَّلون لقبول الحجة، غير مظنون بهم المكابرة، ولأن آداب دينهم وكتابهم أكسبتهم معرفة طريق المجادلة؛ فينبغي الاقتصار في مجادلتهم على بيان الحجة دون إغلاظ؛ حذرًا من تنفيرهم.
وقفة
[45، 46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ عطفت على: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ ليفيد بأن الانشغال بالدعوة والعبادة أولى من مجادلة أهل الكتاب.
عمل
[46] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ في حواراتك انطلق من القواسم المشتركة قبل الولوج لمواطن الخلاف.
عمل
[46] ﴿وَقُولُوا آمَنَّا﴾ أعلن للعالم كله أنك مؤمن، وافرح بذلك، وكن عزيزًا بعقيدتك.
وقفة
[46] ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ لا تكن مناظرتكم إياهم على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل؛ كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم؛ يقدح بجميع ما معهم من حق وباطل؛ فهذا ظلم وخروج عن الواجب وآداب النظر؛ فإن الواجب أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرًا.
وقفة
[46] ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ الإيمان بجميع الرسل والكتب دون تفريق شرط لصحة الإيمان.
عمل
[46] ﴿وإلهنا وإلهكم واحد﴾ في حوارك مع المخالف انطلق من نقطة الاتفاق التي بينكما.
تفاعل
[46] ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ادع الله تعالى أن يجعلك مستسلمًا لأمره وشرعه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تُجادِلُوا:
  • الواو استئنافية. لا: ناهية جازمة. تجادلوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكتاب:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. الا: اداة حصر لا عمل لها
  • ﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:
  • الباء حرف جر. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بتجادلوا. هي: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. احسن: خبر «هي» مرفوع بالضمة ولم تنون الكلمة لانها ممنوعة من الصرف-التنوين-على وزن-افعل-صيغة تفضيل وبوزن الفعل. والجملة الاسمية هِيَ أَحْسَنُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. اي بالخصلة التي هي احسن مثل ادفع بالتي هي احسن فحذف الموصوف المجرور «الخصلة» وحلت الصفة-النعت-التي محله
  • ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ:
  • إلا: اداة استثناء. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بالا. ظلموا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «الذين».وجملة ظَلَمُوا مِنْهُمْ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى: الا الذين ظلموا بافراطهم في الاعتداء والعناد. وقيل الا الذين آذوا رسول الله محمدا (صلّى الله عليه وسلّم) ويجوز ان تعرب «الا» اداة حصر لا عمل لها. فيكون «الذين» في محل نصب بدلا من اهل الكتاب.
  • ﴿ وَقُولُوا:
  • الواو عاطفة للاستدراك. قولوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والجملة الفعلية بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ آمَنّا بِالَّذِي:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل رفع فاعل. الباء حرف جر. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بآمنا. والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ أُنْزِلَ إِلَيْنا:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الينا: جار ومجرور متعلق بأنزل.
  • ﴿ وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ:
  • معطوفة بالواو على بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا» وتعرب اعرابها. اي وبالذي انزل اليكم. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ:
  • الواو استئنافية. إله: مبتدأ مرفوع بالضمة.و«نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والهكم: معطوف بالواو على «الهنا» وهو مرفوع مثله بالضمة.والكاف ضمير المخاطبين-ضمير متصل-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. واحد: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ويجوز ان يكون «واحد» توكيدا لخبر المبتدأ المحذوف لمعلوميته. بمعنى: والهنا والهكم اله واحد.
  • ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ:
  • الواو عاطفة. نحن: ضمير منفصل-ضمير المتكلمين-في محل رفع مبتدأ. له: جار ومجرور متعلق بخبر «نحن».مسلمون: خبر «نحن» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى: ونحن له مطيعون او مستسلمون.'

المتشابهات :

البقرة: 150﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي
العنكبوت: 46﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ ضلالَ من اتخذ معبودًا من دون الله، وضرب له المثل ببيت العنكبوت؛ أمرَ هنا بالتَّلطُّفِ في دعوةِ أهلِ الكتابِ للإيمانِ، قال تعالى:
﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ ..

التفسير :

[47] وكما أنزلنا -أيها الرسول- الكتب على مَن قبلك من الرسل، أنزلنا إليك هذا الكتاب المصدق للكتب السابقة، فالذين آتيناهم الكتاب من بني إسرائيل فعرفوه حق معرفته يؤمنون بالقرآن، ومِن هؤلاء العرب من قريش وغيرهم مَن يؤمن به، ولا ينكر القرآن أو يتشكك في دلائله

أي:{ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} يا محمد، هذا{ الْكِتَاب} الكريم، المبين كل نبأ عظيم، الداعي إلى كل خلق فاضل، وأمر كامل، المصدق للكتب السابقة، المخبر به الأنبياء الأقدمون.

{ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} فعرفوه حق معرفته، ولم يداخلهم حسد وهوى.

{ يُؤْمِنُونَ بِهِ} لأنهم تيقنوا صدقه، بما لديهم من الموافقات، وبما عندهم من البشارات، وبما تميزوا به من معرفة الحسن والقبيح، والصدق والكذب.

{ وَمِنْ هَؤُلَاءِ} الموجودين{ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} إيمانا عن بصيرة، لا عن رغبته ولا رهبته.{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له. وهذا حصر لمن كفر به، أنه لا يكون من أحد قصده متابعة الحق، وإلا، فكل من له قصد صحيح، فإنه لا بد أن يؤمن به، لما اشتمل عليه من البينات، لكل من له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد.

ثم بين- سبحانه- موقف الناس من هذا الكتاب الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:

وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ...

والكاف بمعنى مثل: واسم الإشارة يعود إلى المصدر المفهوم من أنزلنا. أى: ومثل ذلك الإنزال المعجز البديع، أنزلنا إليك الكتاب- أيها الرسول الكريم- ليكون هداية للناس، فالذين آتيناهم الكتاب الشامل للتوراة والإنجيل وعقلوه وفتحوا قلوبهم للحق، يؤمنون بهذا الكتاب الذي نزل عليك، وهو القرآن.

فالمراد بالذين أوتوا الكتاب: المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأمثاله. والمراد بالكتاب جنسه. والضمير في «به» يعود إلى القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وخص هؤلاء المؤمنين منهم بإيتاء الكتاب، على سبيل المدح لهم. لأنهم انتفعوا بما أوتوه من علم وعملوا بمقتضاه، أما غيرهم ممن بقي على كفره، فلكونه لم ينتفع بما في الكتاب من هدايات، فكأنه لم يره أصلا.

وقوله: وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أى: ومن هؤلاء العرب الذين أرسلت إليهم- أيها الرسول الكريم- من يؤمن بهذا القرآن الذي أنزلناه إليك.

و «من» للتبعيض، لأنهم لم يؤمنوا جميعا، وإنما آمن منهم من هداه الله- تعالى- إلى الصراط المستقيم.

وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وعلى صدقك فيما تبلغه عنا، إِلَّا الْكافِرُونَ أى: إلا الموغلون في الكفر، المصرون عليه إصرارا تاما.

والجحود: إنكار الحق مع معرفة أنه حق.

وعبر عن الكتاب بالآيات، للإشعار بأنها في غاية الظهور والدلالة على كونها من عند الله- تعالى-، وأنه ما يكذب بها إلا من غطى الحق بالباطل عن تعمد وإصرار.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن من الناس من قابل هذا القرآن بالتصديق والإذعان، ومنهم من قابله بالجحود والنكران.

قال ابن جرير : يقول الله تعالى : كما أنزلنا الكتب على من قبلك - يا محمد - من الرسل ، كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب .

وهذا الذي قاله حسن ومناسبة وارتباط جيد .

وقوله : ( فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) أي : الذين أخذوه فتلوه حق تلاوته من أحبارهم العلماء الأذكياء ، كعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، وأشباههما .

وقوله : ( ومن هؤلاء من يؤمن به ) ، يعني العرب من قريش وغيرهم ، ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ) ، أي : ما يكذب بها ويجحد حقها إلا من يستر الحق بالباطل ، ويغطي ضوء الشمس بالوصائل ، وهيهات .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ (47)

يقول تعالى ذكر: كما أنـزلنا الكتب على مَن قبلك يا محمد من الرسل (كَذلكَ أنـزلْنَا إلَيْكَ) هذا(الكِتابَ فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ) من قبلك من بني إسرائيل (يُؤْمِنُون بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يقول: ومن هؤلاء الذين هم بين ظهرانيك اليوم، من يؤمن به، كعبد الله بن سلام، ومن آمن برسوله من بني إسرائيل.

وقوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ ) يقول تعالى ذكره: وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلا الذي يجحد نعمنا عليه، وينكر توحيدنا وربوبيتنا على علم منه عنادا لنا.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ ) قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة.

المعاني :

وَمِنْ هَؤُلَاءِ :       العَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ السراج
وَمَا يَجۡحَدُ :       وما يُنكِرُ الميسر في غريب القرآن
بِٔايَٰتِنَآ :       أي: بالقرآنِ وما فيه مِن دَلَائِلَ وبَرَاهِينَ الميسر في غريب القرآن
ٱلۡكَٰفِرُونَ :       أي: المُكابِرُونَ في كُفْرِهِم الميسر في غريب القرآن

التدبر :

لمسة
[47] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَـٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أنه سيقع في المستقبل، أو للدلالة على تجدد إيمان هذا الفريق به؛ أي إيمان من آمن منهم مستمرٌّ يزداد عدد المؤمنين يومًا فيومًا.
وقفة
[47] أُنظر إلى قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ فقد عبَّر الله تعالى عن اليهود والنصارى بالإسم الموصول والصلة، ولم يعبِّر عنهم بالاسم (أهل الكتاب)، فلم يقل: (فأهل الكتاب يؤمنون به)؛ لأن التعبير بالفعل: (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) فيه تذكير لهم بأنهم أُمناء على الكتاب، وهذا يقتضي أن ينزلوا عند حدوده، ويطبقوا أوامره، دون تحريف أو تغيير، ودون زيادة أو نقص.
وقفة
[47] ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ومن أمثال هؤلاء: عبد الله بن سَلَام وغيره، وخصهم الله بإيتاء الكتاب لكونهم من العاملين به، وكأن غيرهم لم يؤتوه؛ لأنهم لم يعملوا بما فيه، ومما فيه: أوصاف النبي صلي الله عليه وسلم.
وقفة
[47] ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له، وهذا حصر لمن كفر به؛ أنه لا يكون من أحد قصده متابعة الحق، وإلا فكل من له قصد صحيح فإنه لا بد أن يؤمن به؛ لما اشتمل عليه من البينات لكل من له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا:
  • الواو حرف عطف والكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب صفة-نعت-لمصدر-مفعول مطلق-محذوف اي ومثل ذلك الانزال أنزلنا وهو مضاف. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام للبعد والكاف للخطاب. أنزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ إِلَيْكَ الْكِتابَ:
  • إليك: جار ومجرور متعلق بأنزلنا. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ:
  • الفاء استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آتيناهم الكتاب: تعرب اعراب «انزلنا الكتاب» و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به اول. وجملة آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين».يؤمنون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.به: جار ومجرور متعلق بيؤمنون.
  • ﴿ وَمِنْ هؤُلاءِ:
  • الواو استئنافية. من: حرف جر. هؤلاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر.يؤمن: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بيؤمن. والجملة صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يجحد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. بآياتنا: جار ومجرور متعلق بيجحد. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلاَّ الْكافِرُونَ:
  • الا: اداة حصر لا عمل لها. الكافرون: فاعل مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

البقرة: 121﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
البقرة: 146﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
الأنعام: 20﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
القصص: 52﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ
الرعد: 36﴿وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
الأنعام: 89﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
الأنعام: 114﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
العنكبوت: 47﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَـ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَ اللهُ بالتَّلطُّفِ في دعوةِ أهلِ الكتابِ للإيمانِ بالقرآن؛ بَيَّنَ هنا أنه لا عجبَ في إنزال القرآن، فكما أنزلَ اللهُ الكتبَ على الأنبياء السابقين، أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ ..

التفسير :

[48] ومن معجزاتك البينة -أيها الرسول- أنك لم تقرأ كتاباً ولم تكتب حروفاً بيمينك قبل نزول القرآن عليك، وهم يعرفون ذلك، ولو كنت قارئاً أو كاتباً من قبل أن يوحى إليك لشك في ذلك المبطلون، وقالوا:تعلَّمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها.

ومما يدل على صحته، أنه جاء به هذا النبي الأمين، الذي عرف قومه صدقه وأمانته ومدخله ومخرجه وسائر أحواله، وهو لا يكتب بيده خطا، ولا يقرأ خطا مكتوبا، فإتيانه به في هذه الحال، من أظهر البينات القاطعة، التي لا تقبل الارتياب، أنه من عند اللّه العزيز الحميد، ولهذا قال:{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} أي:تقرأ{ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا} لو كنت بهذه الحال{ لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} فقالوا:تعلمه من الكتب السابقة، أو استنسخه منها، فأما وقد نزل على قلبك، كتابا جليلا، تحديت به الفصحاء والبلغاء، الأعداء الألداء، أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا غاية العجز، بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة، لعلمهم ببلاغته وفصاحته، وأن كلام أحد من البشر، لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله، ولهذا قال:

ثم ساق- سبحانه- أبلغ الأدلة وأوضحها على أن هذا القرآن من عنده- تعالى-، فقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.

أى: أنت- أيها الرسول الكريم- ما كنت في يوم من الأيام قبل أن ننزل عليك هذا القرآن- تاليا لكتاب من الكتب، ولا عارفا للكتابة، ولو كنت ممن يعرف القراءة والكتابة، لارتاب المبطلون في شأنك، ولقالوا إنك نقلت هذا القرآن بخطك من كتب السابقين.

ومِنْ في قوله مِنْ كِتابٍ لتأكيد نفى كونه صلى الله عليه وسلم قارئا لأى كتاب من الكتب قبل نزول القرآن عليه.

وقوله: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ لتأكيد نفى كونه صلى الله عليه وسلم يعرف الكتابة أو الخط.

قال الإمام ابن كثير: وهكذا صفته صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، كما قال- تعالى-:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ.. وهكذا كان صلوات الله وسلامه عليه- إلى يوم القيامة، لا بحسن الكتابة، ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحى والرسائل إلى الأقاليم ... » .

والمراد بالمبطلين، كل من شك في كون هذا القرآن من عند الله- تعالى-، سواء أكان من مشركي مكة أم من غيرهم.

وسماهم- سبحانه- مبطلين، لأن ارتيابهم ظاهر بطلانه ومجانبته للحق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لبث فيهم قبل النبوة أربعين سنة، يعرفون حسبه ونسبه، ويعلمون حق العلم أنه أمى لا يعرف الكتابة والقراءة.

ثم قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) ، أي : قد لبثت في قومك - يا محمد - ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة ، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب . وهكذا صفته في الكتب المتقدمة ، كما قال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) الآية [ الأعراف : 157 ] . وهكذا كان ، صلوات الله وسلامه عليه [ دائما أبدا ] إلى يوم القيامة ، لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده ، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم . ومن زعم من متأخري الفقهاء ، كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه عليه السلام ، كتب يوم الحديبية : " هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري : " ثم أخذ فكتب " : وهذه محمولة على الرواية الأخرى : " ثم أمر فكتب " . ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي ، وتبرءوا منه ، وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم : وإنما أراد الرجل - أعني الباجي ، فيما يظهر عنه - أنه كتب ذلك على وجه المعجزة ، لا أنه كان يحسن الكتابة ، كما قال ، عليه الصلاة والسلام إخبارا عن الدجال : " مكتوب بين عينيه كافر " وفي رواية : " ك ف ر ، يقرؤها كل مؤمن " ، وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت ، عليه السلام حتى تعلم الكتابة ، فضعيف لا أصل له ; قال الله تعالى : ( وما كنت تتلو ) أي : تقرأ ( من قبله من كتاب ) لتأكيد النفي ، ( ولا تخطه بيمينك ) تأكيد أيضا ، وخرج مخرج الغالب ، كقوله تعالى : ( ولا طائر يطير بجناحيه ) [ الأنعام : 38 ] .

وقوله : ( إذا لارتاب المبطلون ) أي : لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول : إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء ، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) [ الفرقان : 5 ] ، قال الله تعالى : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 6 ] ، وقال هاهنا : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) أي : [ هذا ] القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق ، أمرا ونهيا وخبرا ، يحفظه العلماء ، يسره الله عليهم حفظا وتلاوة وتفسيرا ، كما قال تعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) [ القمر : 17 ] ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من نبي إلا وقد أعطي ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا " .

وفي حديث عياض بن حمار ، في صحيح مسلم : " يقول الله تعالى : إني مبتليك ومبتل بك ، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان " . أي : لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل ، كما جاء في الحديث الآخر : " لو كان القرآن في إهاب ، ما أحرقته النار " ، لأنه محفوظ في الصدور ، ميسر على الألسنة ، مهيمن على القلوب ، معجز لفظا ومعنى ; ولهذا جاء في الكتب المتقدمة ، في صفة هذه الأمة : " أناجيلهم في صدورهم " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)

يقول تعالى ذكره: (وَما كُنْتَ) يا محمد ( تَتْلُو ) يعني: تقرأ (مِنْ قَبْلِهِ) يعني: من قبل هذا الكتاب الذي أنـزلته إليك (مِنْ كِتَابٍ وَلا تخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أمِّيًّا(إذًا لارْتابَ المُبْطِلَونَ) يقول: ولو كنت من قبل أن يُوحَى إليك تقرأ الكتاب، أو تخطه بيمينك، (إذًا لارْتَابَ) يقول: إذن لشكّ -بسبب ذلك في أمرك، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه عليهم- المبطلون القائلون إنه سجع وكهانة، وإنه أساطير الأوّلين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أمِّيا؛ لا يقرأ شيئا ولا يكتب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) قال: كان نبيّ الله لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه، قال: كان أُمِّيا، والأمّي: الذي لا يكتب.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إدريس الأودي، عن الحكم، عن مجاهد ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخطّ بيمينه، ولا يقرأ كتابا، فنـزلت هذه الآية.

وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ) قالوا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ) إذن لقالوا: إنما هذا شيء تعلَّمه محمد صلى الله عليه وسلم وكتبه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُون) قال: قريش.

المعاني :

لَّٱرۡتَابَ :       لَشَكَّ الميسر في غريب القرآن
ٱلۡمُبۡطِلُونَ :       هُمْ أَهلُ الباطِلِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[48] ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ العالم من عرف العبادة الصحيحة ولو كان لا يقرأ ولا يكتب.
وقفة
[48] ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ معجزة القرآن لم تكتمل إلا بكون النبي صلي الله عليه وسلم أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، قال الرازي: «أجل معجزات النبي محمد r وأشرفها أنه كان رجلاً أميًّا».
وقفة
[48] ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ القرآن بلغ الغاية في الفصاحة، مع أن المرسل به نبينا r أمي لا يقرأ ولا يكتب.
لمسة
[48] ﴿وَما كُنتَ تَتلو مِن قَبلِهِ مِن كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ﴾ استخدام أسلوبين للنفى لمزيد من التأكيد على أنه ﷺ لم يكن يعرف الكتابة والقراءة.
عمل
[48] ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون﴾ كل ما يمكن أن يستغله خصومك لتنفير الناس منك ومن دعوتك والتشويش على منهجك؛ فاجتنبه، ولو كان أصله مباحًا، ما لم يكن واجبًا.
وقفة
[48] ﴿إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ قال قتادة: «يعني لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي؛ لشك المبطلون المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنه يقرؤه من كتب الأولين، وينسخه منها».
وقفة
[48] ﴿إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ أغلق الله كل باب شك وارتياب في هذ الكتاب، وذلك بأن جعل رسوله الذي أنزل عليه الكتاب أميًّا، فلم يعد هناك مجال للشك فيه.

الإعراب :

  • ﴿ وَما كُنْتَ تَتْلُوا:
  • الواو حالية بمعنى: وانت امي ما عرفك احد بتلاوة كتاب ولا خط‍.ما: نافية لا عمل لها. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضميرالمخاطب-مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان».تتلو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. والجملة الفعلية «تتلو» في محل نصب خبر «كان» اي ما كنت يا محمد تقرأ.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بتتلو والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. اي من قبل القرآن.
  • ﴿ مِنْ كِتابٍ:
  • من: حرف جر زائد لتأكيد النفي. كتاب: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لانه مفعول تتلو.
  • ﴿ وَلا تَخُطُّهُ:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. تخطه: معطوفة على «تتلو» وتعرب اعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى: ولا تكتبه.
  • ﴿ بِيَمِينِكَ:
  • جار ومجرور متعلق بلا تخطه والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ:
  • اذا: حرف جواب وجزاء وهي دالة على ان ما بعدها وهو لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» جواب عن جزاء للو المحذوفة بمعنى فلو كنت يا محمد ممن يقرأ ويكتب لشك المبطلون. او لو كان شيء من ذلك: اي من التلاوة والخط‍ لارتاب المبطلون. اللام واقعة في جواب «لو» المقدرة.ارتاب: فعل ماض مبني على الفتح. المبطلون: فاعل مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من الحركة في المفرد. وجملة لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعد بيان أن القرآن نزل من عند الله؛ ذكرَ اللهُ هنا ثلاثًا من شُبَه الكفار حول الوحي والرسالة، ورَدَّ عليها: الشُّبْهَةُ الأولَى: دَعْوَاهم أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم، والرد عليها: كيف وهو لا يقرأ، ولا يكتب، ولم يجلس إلى معلم؟!، قال تعالى:
﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي ..

التفسير :

[49] بل القرآن آيات بينات واضحة في الدلالة على الحق يحفظه العلماء، وما يكذِّب بآياتنا ويردها إلا الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه.

أي:{ بَلْ} هذا القرآن{ آيَات بَيِّنَات} لا خفيات،{ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وهم سادة الخلق، وعقلاؤهم، وأولو الألباب منهم، والكمل منهم.

فإذا كان آيات بينات في صدور أمثال هؤلاء، كانوا حجة على غيرهم، وإنكار غيرهم لا يضر، ولا يكون ذلك إلا ظلما، ولهذا قال:{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} لأنه لا يجحدها إلا جاهل تكلم بغير علم، ولم يقتد بأهل العلم، وهو متمكن من معرفته على حقيقته، وإما متجاهل عرف أنه حق فعانده، وعرف صدقه فخالفه.

ثم بين- سبحانه- حقيقة هذا الكتاب المعجز فقال: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ....

أى: هذا الكتاب ليس أساطير الأولين اكتتبها الرسول صلى الله عليه وسلم كما زعم المبطلون-، بل هو آيات بينات واضحات راسخات، في صدور المؤمنين به، الذين حفظوه وتدبروه وعملوا بتوجيهاته وإرشاداته، وعملوا بما فيه من حكم وأحكام وعقائد وآداب.

ووصف الله- تعالى- المؤمنين بهذا القرآن بالعلم على سبيل المدح لهم، والإعلاء من شأنهم، حيث استطاعوا عن طريق ما وهبهم- سبحانه- من علم نافع، أن يوقنوا بأن هذا من عند الله، ولو كان من عند غير الله، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

وقوله- سبحانه-: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ تذييل المقصود به ذم الذين تجاوزوا كل حق وصدق في أحكامهم وتصرفاتهم.

أى: وما يجحد آياتنا مع وضوحها وسطوعها، وينكر كونها من عند الله- تعالى-، إلا الظالمون المتجاوزون لكل ما هو حق، ولكل ما هو صدق.

ثم قصت علينا السورة الكريمة بعد ذلك طرفا من أقوال المشركين الفاسدة وأمرت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بما يزهق باطلهم، كما قصت علينا لونا من ألوان جهالاتهم، حيث استعجلوا العذاب الذي لا يستعجله عاقل. فقال- تعالى-:

واختار ابن جرير أن المعنى في قوله تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) ، بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا ولا تخطه بيمينك ، آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب . ونقله عن قتادة ، وابن جريج . وحكى الأول عن الحسن [ البصري ] فقط .

قلت : وهو الذي رواه العوفي عن عبد الله بن عباس ، وقاله الضحاك ، وهو الأظهر ، والله أعلم .

وقوله : ( وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) أي : ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون ، أي : المعتدون المكابرون ، الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه ، كما قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ (49)

اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) فقال بعضهم: عنى به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: معنى الكلام: بل وجود أهل الكتاب في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ، وأنه أمّي، آيات بينات في صدورهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: كان الله تعالى أنـزل في شأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لأهل العلم، وعلمه لهم، وجعله لهم آية، فقال لهم: إن آية نبوّته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتابا، ولا يخطه بيمينه، وهي الآيات البينات.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ) قال: كان نبي الله لا يكتب ولا يقرأ، وكذلك جعل الله نعته في التوراة والإنجيل، أنه نبيّ أمّي لا يقرأ ولا يكتب، وهي الآية البينة في صدور الذين أوتوا العلم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) من أهل الكتاب، صدّقوا بمحمد ونعته ونبوّته.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) قال: أنـزل الله شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم، بل هو آية بينة في صدور الذين أوتوا العلم، يقول: النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون: عنى بذلك القرآن، وقالوا: معنى الكلام: بل هذا القرآن آيات بيِّنات في صدور الذين أوتوا العلم، من المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، يعني المؤمنين.

وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا، ولا تخطه بيمينك، آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.

وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالآية؛ لأن قوله: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) بين خبرين من أخبار الله عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو بأن يكون خبرًا عنه، أولى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الخبر عنه قبل.

وقوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ما يجحد نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأدلته، ويُنكر العلم الذي يعلم من كتب الله، التي أنـزلها على أنبيائه، ببعث محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ومبعثه إلا الظالمون، يعني: الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله عزّ وجلّ.

المعاني :

هُوَ ءَايَٰتُۢ :       أي: القرآنُ آياتٌ تُتْلى الميسر في غريب القرآن
بَيِّنَٰتࣱ :       واضِحاتٌ الميسر في غريب القرآن
أُوتُواْ :       أُعْطُوا الميسر في غريب القرآن
ٱلظَّٰلِمُونَ :       أي: المُعانِدُونَ الَّذينَ يَعْلَمُونَ الحقَّ ولا يَتَّبعُونَه الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ مدح صدورهم لما فيها من القرآن، ﻻ تزاحم صدرك بغير القرآن يصفو لك العلم.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ حفظ القرآن! قال الحسن: «أعطيت هذه الأمة الحفظ، وكان من قبلها لا يقرؤون كتابهم إلا نظرًا، فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيون».
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ لا تكون من أهل العلم حتى يكون القرآن في صدرك.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ تأمل قوله (بينات) الدالة على وضوحها وظهورها في قلوبهم، من صفة أهل العلم فهم معاني القرآن.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ محفوظ في الصدور، ميسر على الألسنة، مهيمن على القلوب، معجز لفظًا ومعنى.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ فضيلةُ حفظِ القرآنِ في الصُّدور، فيكفي حَفَظَةَ القرآنِ عزًّا وشرفًا أن يُوصفوا بـ: أهلِ العلمِ.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ تكون الآية أكثر وضوحًا حين تكون محفوظة في الصدر.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ العلم الذي لا يحفظ في الصدور دليلًا وتعليلًا لا يسمى صاحبه عالمًا، ومسألة لا تستظهرها لست بعالم فيها.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أعظم ما حوته الصدور: كلام الله ففيه الحياة والنجاة.
وقفة
[49] ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ الله سبحانه مدح أهل العلم، وأثنى عليهم وشرفهم؛ بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم.
وقفة
[49] ﴿بَل هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ﴾ أهل العلم لا يلتبس عليهم الأمر، فالأمر بالنسبة لهم واضحٌ جلى.
وقفة
[49] رسالة بليغة لمن يزهد في حفظ القرآن: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، قال السعدي: «هم سادة الخلق وعقلاؤهم والكمَّل منهم».
عمل
[49] احفظ اليوم آيات لم تكن تحفظها من قبل ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾.
وقفة
[49] من لم يُعظَّم حفظ القرآن لا يؤتمن على معانيه، قال الله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» [البخاري 4937].
وقفة
[49] الحافظ للقرآن يلحق بأهل العلم إذا كان مع الحفظ فهم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾.
عمل
[49] ﴿أوتوا العلم﴾، ﴿مما عُلِّمت﴾ [الكهف: 66]، ﴿وعلَّمناه﴾ [الكهف: 65]؛ لا تغتر بعلمك، إنما هو شيء أوتيته وعُلمته، ليس لك منه شيء.

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ هُوَ آياتٌ:
  • بل حرف اضراب للاستئناف. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. آيات: خبر «هو» مرفوع بالضمة اي كلا بل القرآن آيات
  • ﴿ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ:
  • صفة-نعت-لآيات مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة. في صدور: جار ومجرور متعلق بصفة ثانية لآيات بمعنى: آيات واضحات المعاني. اي محفوظة في صدور
  • ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. العلم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة أُوتُوا الْعِلْمَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب
  • ﴿ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ:
  • اعربت في الآية الكريمة السابعة والاربعين.'

المتشابهات :

العنكبوت: 47﴿وَمِنْ هَـٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
العنكبوت: 49﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ
لقمان: 32﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد الرد على دَعْوَاهم أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن القرآن آيات واضحات الدلالة على الحق، قال تعالى:
﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ ..

التفسير :

[50] وقال المشركون:هلَّا أُنزل على محمد دلائل وحجج من ربه نشاهدها كناقة صالح، وعصا موسى! قل لهم:إن أمر هذه الآيات لله، إن شاء أنزلها، وإن شاء منعها، وإنما أنا لكم نذير أحذركم شدة بأسه وعقابه، مبيِّن طريق الحق من الباطل.

أي:واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول ولما جاء به، واقترحوا عليه نزول آيات عينوها، كقولهم:{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الآيات. فتعيين الآيات ليس عندهم، ولا عند الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإن في ذلك تدبيرا مع اللّه، وأنه لو كان كذلك، وينبغيأن يكون كذلك، وليس لأحد من الأمر شيء.

ولهذا قال:{ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} إن شاء أنزلها أو منعها{ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} وليس لي مرتبة فوق هذه المرتبة.

وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل، فإذا حصل المقصود -بأي:طريق- كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك ظلما وجورا، وتكبرا على اللّه وعلى الحق.

بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، ويكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها، كان ذلك ليس بإيمان، وإنما ذلك شيء وافق أهواءهم، فآمنوا، لا لأنه حق، بل لتلك الآيات. فأي فائدة حصلت في إنزالها على التقدير الفرضي؟

ومرادهم بالآيات في قوله- تعالى-: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ الآيات الكونية، كعصا موسى، وناقة صالح. ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا.

أى: وقال المبطلون للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت والعناد، هلا جئتنا يا محمد بمعجزات حسية كالتي جاء بها بعض الأنبياء من قبلك، لكي نؤمن بك ونتبعك؟

وقوله: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ إرشاد من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يرد به عليهم.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- في ردك على هؤلاء الجاهلين، إنما الآيات التي تريدونها عند الله- تعالى- وحده، ينزلها حسب إرادته وحكمته، أما أنا فإن وظيفتي الإنذار الواضح بسوء مصير من أعرض عن دعوتي، وليس من وظيفتي أن أقترح على الله- تعالى- شيئا.

يقول تعالى مخبرا عن المشركين في تعنتهم وطلبهم آيات - يعنون - ترشدهم إلى أن محمدا رسول الله كما جاء صالح بناقته ، قال الله تعالى : ( قل ) يا محمد : ( إنما الآيات عند الله ) أي : إنما أمر ذلك إلى الله ، فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم ; لأن ذلك سهل عليه ، يسير لديه ، ولكنه يعلم منكم أنما قصدكم التعنت والامتحان ، فلا يجيبكم إلى ذلك ، كما قال تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ) [ الإسراء : 59 ] .

وقوله : ( وإنما أنا نذير مبين ) أي : إنما بعثت نذيرا لكم بين النذارة فعلي أن أبلغكم رسالة الله و ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) [ الكهف : 17 ] ، وقال تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)

يقول تعالى ذكره: وقالت المشركون من قريش: هلا أنـزل على محمد آية من ربه، تكون حجة لله علينا، كما جعلت الناقة لصالح، والمائدة آية لعيسى، قل يا محمد: إنما الآيات عند الله، لا يقدر على الإتيان بها غيره (وَإنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) وإنما أنا نذير لكم، أنذركم بأس الله وعقابه على كفركم برسوله. وما جاءكم به من عند ربكم (مُبِينٌ) يقول: قد أبان لكم إنذاره.

المعاني :

لَوْلَا :       هَلَّا السراج
ءَايَٰتࣱ :       أي: مُعْجِزَاتٌ حِسِّيَّةٌ تُثْبِتُ صِدْقَهُ الميسر في غريب القرآن
آيَاتٌ :       حُجَجٌ وَبَرَاهِينُ نُشَاهِدُهَا؛ كَنَاقَةِ صَالِحٍ - عليه السلام - السراج
عِندَ ٱللَّهِ :       أي: إِنْ شَاءَ أنْزَلَها، وإِنْ شَاءَ مَنَعَها الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[50] ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ لو كان القرآن من عند محمد کما یزعم المبطلون لأجابهم إلى ما يريدون، لكن ذلك لا ينبغي له، وهذا دليل على أنه عبد لله مثلهم، وأنه لا يملك من أمر الرسالة إلا ما أذن الله له به.
وقفة
[50] لِمَ خصّ الله تعالى في قوله: ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ وصف النبي بالنذير دون غيره من صفاته عليه الصلاة والسلام؟ خصّ ربنا وصف النبي بالنذير دون غيرها من الصفات؛ للتعريض بالمشركين، وليبين لهم بأن شأنهم يقتضي الإنذار، وهو توقّع الشرّ، فإن لم يتوبوا فليس غريبًا وبعيدًا لأن يستأصلهم الله بعذاب بئيس شديد.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو عاطفة. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والفعل معطوف على لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ».
  • ﴿ لَوْلا أُنْزِلَ:
  • لولا: حرف تحضيض بمعنى «هلا».أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.
  • ﴿ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بأنزل. آيات: نائب فاعل مرفوع بالضمة. من ربه: جار ومجرور متعلق بصفة لآيات والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. اي معجزات من ربه.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل امر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. اي فقل لهم.
  • ﴿ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ:
  • كافة ومكفوفة. الآيات: مبتدأ مرفوع بالضمة.عند: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بخبر المبتدأ او واقع موقعه وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَإِنَّما أَنَا:
  • معطوفة بالواو على «انما» الاولى. انا: ضمير منفصل-ضمير المتكلم-في محل رفع مبتدأ مبني على السكون.
  • ﴿ نَذِيرٌ مُبِينٌ:
  • خبران متتابعان للمبتدإ مرفوعان بالضمة. او يكون «مبين» صفة-نعتا-لنذير بمعنى انما انا منذر لكم.'

المتشابهات :

الأنعام: 8﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ
العنكبوت: 50﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ
يونس: 20﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ
الرعد: 7﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ
الرعد: 27﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ
هود: 12﴿أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ
الأنعام: 37﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ
الفرقان: 32﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     الشُّبْهَةُ الثانية: طلبَ المشركونَ آيةً أو معجزةً محسوسةً كناقةِ صالحٍ وعصا موسى، والرد عليها: أنَّ الآياتِ عندَ اللهِ، إن شاء أنزلها، وإن شاء منعها، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

آية:
قرئ:
1- آيات، على الجمع، وهى قراءة العربيين، ونافع، وحفص.
2- على التوحيد، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [51] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ..

التفسير :

[51] أو لم يكف هؤلاء المشركين في علمهم بصدقك -أيها الرسول- أنَّا أنزلنا عليك القرآن يتلى عليهم؟ إن في هذا القرآن لَرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وذكرى يتذكرون بما فيه من عبرة وعظة.

ولما كان المقصود بيان الحق، ذكر تعالى طريقه، فقال:{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} في علمهم بصدقك وصدق ما جئت به{ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} وهذا كلام مختصر جامع، فيه من الآيات البينات، والدلالات الباهرات، شيء كثير، فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده وهو أمي، من أكبر الآيات على صدقه.

ثم عجزهم عن معارضته، وتحديه إياهم آية أخرى، ثم ظهوره، وبروزه جهرا علانية، يتلى عليهم، ويقال:هو من عند اللّه، قد أظهره الرسول، وهو في وقت قلَّ فيه أنصاره، وكثر مخالفوه وأعداؤه، فلم يخفه، ولم يثن ذلك عزمه، بل صرح به على رءوس الأشهاد، ونادى به بين الحاضر والباد، بأن هذا كلام ربي، فهل أحد يقدر على معارضته، أو ينطق بمباراته أو يستطيع مجاراته؟.

ثم إخباره عن قصص الأولين، وأنباء السابقين والغيوب المتقدمة والمتأخرة، مع مطابقته للواقع.

ثم هيمنته على الكتب المتقدمة، وتصحيحه للصحيح، ونَفْيُ ما أدخل فيها من التحريف والتبديل، ثم هدايته لسواء السبيل، في أمره ونهيه، فما أمر بشيء فقال العقل "ليته لم يأمر به"ولا نهى عن شيء فقال العقل:"ليته لم ينه عنه"بل هو مطابق للعدل والميزان، والحكمة المعقولة لذوي البصائر والعقول [ثم مسايرة إرشاداته وهدايته وأحكامه لكل حال وكل زمان بحيث لا تصلح الأمور إلا به]

فجميع ذلك يكفي من أراد تصديق الحق، وعمل على طلب الحق، فلا كفى اللّه من لم يكفه القرآن، ولا شفى اللّه من لم يشفه الفرقان، ومن اهتدى به واكتفى، فإنه خير له فلذلك قال:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير، والخير الغزير، وتزكية القلوب والأرواح، وتطهير العقائد، وتكميل الأخلاق، والفتوحات الإلهية، والأسرار الربانية.

وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ.. كلام مستأنف من جهته- تعالى- لتوبيخهم على جهالاتهم، والاستفهام للإنكار، والواو للعطف على مقدر.

والمعنى: أقالوا ما قالوا من باطل وجهل، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب الناطق بالحق، يتلى على مسامعهم صباح مساء، ويهديهم إلى ما فيه سعادتهم، لو تدبروه وآمنوا به، واتبعوا أوامره ونواهيه؟

والتعبير بقوله- سبحانه-: يُتْلى عَلَيْهِمْ، يشير إلى أن هذه التلاوة متجددة عليهم، وغير منقطعة عنهم، وكان في إمكانهم أن ينتفعوا بها لو كانوا يعقلون.

ولذا ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

أى: إن في ذلك الكتاب الذي أنزلناه عليك- أيها الرسول الكريم-، والذي تتلوه عليهم صباح مساء، لرحمة عظيمة، وذكرى نافعة، لقوم يؤمنون بالحق، ويفتحون عقولهم للرشد، لا للتعنت والجحود والعناد.

ثم قال تعالى مبينا كثرة جهلهم ، وسخافة عقلهم ، حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد فيما جاءهم [ به ] - وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الذي هو أعظم من كل معجزة ، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته ، بل عن معارضة عشر سور من مثله ، بل عن معارضة سورة منه - فقال تعالى : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) أي : أولم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم ، الذي فيه خبر ما قبلهم ، ونبأ ما بعدهم ، وحكم ما بينهم ، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولم تخالط أحدا من أهل الكتاب ، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ، ببيان الصواب مما اختلفوا فيه ، وبالحق الواضح البين الجلي ، كما قال تعالى : ( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) [ الشعراء : 197 ] ، وقال تعالى : ( وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) [ طه : 133 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا ليث ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " . أخرجاه من حديث الليث .

وقال الله تعالى : ( إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) أي : إن في هذا القرآن : ( لرحمة ) أي : بيانا للحق ، وإزاحة للباطل و ) ذكرى ) بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين ، ( لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)

يقول تعالى ذكره: أولم يكف هؤلاء المشركين يا محمد، القائلين: لولا أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه، من الآيات والحجج (أنَّا أنـزلْنا عَلَيْكَ) هذا(الكِتابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) يقول: يُقرأ عليهم، (إنَّ فِي ذلكَ لَرَحْمَةٌ) يقول: إن في هذا الكتاب الذي أنـزلنا عليهم لرحمة للمؤمنين به وذكرى يتذكرون بما فيه من عبرة وعظة.

وذُكر أن هذه الآية نـزلت من أجل أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بكتب، قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما أن نظر فيها ألقاها، ثم قال: " كفى بها حماقة قوم -أو ضلالة قوم- أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم، إلى ما جاء به غير نبيهم، إلى قوم غيرهم "، فنـزلت: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ من لم يكفه القرآن؛ فلن يكفيه شيء مهما كان.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ القرآن کنز، قال ابن تيمية: «كل علم دین لا يطلب من القرآن فهو ضلال».
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ القرآن كفاية كل محتاج، ولا يكفيك ويروي ظمأ روحك إلا القرآن.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ قال الرازي: «القرآن معجزة أتم من كل معجزة تقدمتها لوجوه: أحدها: أن تلك المعجزات وجدت وما دامت، فإن قلب العصا ثعبانًا وإحياء الميت لم يبق لنا منه أثر، وأما القرآن فهو باق، لو أنكره واحد، فنقول له: فأت بآية من مثله. الثاني: هو أن قلب العصا ثعبانًا كان في مكان واحد، ولم يره من لم يكن في ذلك المكان، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب، وسمعه كل أحد».
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ الكتاب كاف عن كل آية لمن تدبره، وتعقله، وعرف معانيه، وانتفع بأخباره، واتعظ بقصصه؛ فإنه يغني عن كل شيء من الآيات، لكن الذي يجعلنا لا نحس بهذه الآيات العظيمة: أننا لا نقرأ القرآن على وجه نتدبره، ونتعظ بما فيه؛ فأكثر المسلمين يتلونه لمجرد التبرك!
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ القرآن كاف في الدلالة، قائم مقام معجزات غيره من الأنبياء، وإذا كان كذلك وجب الاهتمام بمعرفة إعجازه.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ فضلُ الله سبحانه على هذه الأمة؛ إذ أنزل إليهم خير كتاب على أفضل رسول.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ تعزيزٌ لكفايةِ المنهج واستقلاليةِ المعتقد وعدمِ التَّبَعِيَّة، «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟!» [أحمد 3/387، وحسنه الألباني]، كلماتٌ قالَها رسول الله ﷺ لما رأى معه قطعة من التوراة، فكيف بمن انْكَبَّ على كُتُب الفلسفات الاستشراقية؟!
وقفة
[51] كل علم دين لا يُطلب من القرآن فهو ضلال، وكل عاقل يترك كتاب الله مريدًا للعلو في الأرض والفساد فإن الله يقصمه؛ فالضال لم يحصل له المطلوب؛ بل يعذب بالعمل الذي لا فائدة فيه، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾.
وقفة
[51] كل علم دين لا يطلب من القرآن فهو ضلال ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ القرآن الكريم الآية الخالدة والحجة الدائمة على صدق النبي r.
وقفة
[51] ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ المعنى: كيف يطلبون آية والقرآن الكريم أعظم الآيات، وأوضحها دلالة على صحة النبوة، فهلا اكتفوا به عن طلب الآيات.
عمل
[51] وأنت تقرأ وردك من القرآن املأ قلبك بروح هذه الآية: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
وقفة
[51] قال أحدهم: «كنت أصلي بالناس في صلاة التراويح، فلما قرأت في سورة العنكبوت قوله تعالي: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ تأثرت كثيرًا، وبكيت بكاء وجدت له طعمًا ولذة، وطال وقوفي عندها، وأنا أتأمل كفاية القرآن، وما فيه من الرحمة والذكري».

الإعراب :

  • ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ:
  • الهمزة همزة انكار بلفظ‍ استفهام والواو زائدة او عاطفة على معطوف عليه محذوف. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكف: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره الياء-حرف العلة-و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ أَنّا أَنْزَلْنا:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل- ضمير الواحد المطاع-مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».انزل:فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ» في محل رفع خبر «ان» و «ان» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «يكفي».
  • ﴿ عَلَيْكَ الْكِتابَ:
  • جار ومجرور متعلق بالفعل «انزل».الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى: ألم يكفهم آية مغنية عن سائر المعجزات أنزلنا عليك هذا القرآن.
  • ﴿ يُتْلى عَلَيْهِمْ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من الكتاب. يتلى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان. على حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى.والجار والمجرور متعلق بيتلى.
  • ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في حرف جر. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي واللام للبعد والكاف للخطاب.والجار والمجرور متعلق بخبر «ان» المقدم.
  • ﴿ لَرَحْمَةً وَذِكْرى:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.رحمة: اسم «ان» منصوب بالفتحة. وذكرى: معطوفة بالواو على «رحمة» منصوبة مثلها بالفتحة المقدرة على الالف للتعذر ولم تنون الكلمة لانها ممنوعة من الصرف- التنوين-لانها رباعي مؤنث مقصور. بمعنى لنعمة عظيمة وتذكرة او وعظة.
  • ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بذكرى او بصفة لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.والجملة الفعلية «يؤمنون» في محل جر صفة-نعت-لقوم.'

المتشابهات :

النحل: 64﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ
طه: 2﴿مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ لِتَشۡقَىٰٓ
العنكبوت: 51﴿أَوَ لَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ
الزمر: 41﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد أن طلبَ المشركونَ آيةً أو معجزةً محسوسةً تدل على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورَدَّ اللهُ عليهم؛ وَبَّخَهم هنا، وبَيَّنَ سخف عقولهم، كيف يطلبون آية أو معجزة، بعد أن أُنزل إليهم القرآن أعظم المعجزات؟! قال تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [52] :العنكبوت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ..

التفسير :

[52] قل:كفى بالله بيني وبينكم شاهداً على صدقي أني رسوله، وعلى تكذيبكم لي وردكم الحق الذي جئتُ به من عند الله، يعلم ما في السموات والأرض، فلا يخفى عليه شيء فيهما. والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله -مع هذه الدلائل الواضحة- أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخ

{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} فأنا قد استشهدته، فإن كنت كاذبا، أَحَلَّ بي ما به تعتبرون، وإن كان إنما يؤيدني وينصرني وييسر لي الأمور، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه، فإن وقع في قلوبكم أن شهادته -وأنتم لم تسمعوه ولم تروه- لا تكفي دليلا، فإنه{ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

ومن جملة معلوماته حالي وحالكم، ومقالي لكم فلو كنت متقولا عليه، مع علمه بذلك، وقدرته على عقوبتي، لكان [قدحا في علمه وقدرته وحكمته] كما قال تعالى:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} حيث هم خسروا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وحيث فاتهم النعيم المقيم، وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح، وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

ثم أرشده- سبحانه- إلى جواب آخر يرد به عليهم فقال: قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً. أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين: يكفيني كفاية تامة أن يكون الله- تعالى- وحده، هو الشهيد بيني وبينكم على أنى صادق فيما أبلغه عنه، وعلى أن هذا القرآن من عنده.

وهو- سبحانه- يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ علما لا يعزب عنه شيء، وسيجازينى بما أستحقه من ثواب، وسيجازيكم بما تستحقونه من عقاب.

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وأعرضوا عن الحق وَكَفَرُوا بِاللَّهِ- تعالى- مع وضوح الأدلة على أنه- سبحانه- هو المستحق للعبادة والطاعة.

الذين فعلوا ذلك: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ خسارة ليس بعدها خسارة، حيث آثروا الغي على الرشد، واستحبوا العمى على الهدى، وسيكون أمرهم فرطا في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى : قل : ( كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ) أي : هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب ، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه ، بأنه أرسلني ، فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني ، كما قال تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ الحاقة : 44 - 47 ] ، وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به ، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات ، والدلائل القاطعات .

( يعلم ما في السموات والأرض ) [ أي ] : لا تخفى عليه خافية .

( والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) أي : يوم معادهم سيجزيهم على ما فعلوا ، ويقابلهم على ما صنعوا ، من تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل ، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم ، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل ، سيجازيهم على ذلك ، إنه حكيم عليم .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، للقائلين لك: لولا أنـزل عليك آية من ربك، الجاحدين بآياتنا من قومك: كفى الله يا هؤلاء بيني وبينكم، شاهدا لي وعليّ؛ لأنه يعلم المحقّ منا من المبطل، ويعلم ما في السموات وما في الأرض، لا يخفى عليه شيء فيهما، وهو المجازي كل فريق منا بما هو أهله، المحق على ثباته على الحقّ، والمبطل على باطله بما هو أهله، (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) يقول: صدقوا بالشرك، فأقرّوا به وكفروا به، يقول: وجحدوا الله (أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ) يقول: : هم المغبونون في صفقتهم.

وبنحو الذي قلنا في قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) : الشرك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[52] ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا﴾ يعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذبًا عليه لانتقم مني.
وقفة
[52] ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لماذا يذكر الله علمه عند ذكر الشهادة؟! قال ابن القيم: «فإذا كان سبحانه عالمًا بجميع الأشياء، كانت شهادته أصدق شهادة وأعدلها، فإنها شهادة بعلم تام محيط بالمشهود به، فيكون الشاهد به أعدل الشهداء وأصدقهم».
وقفة
[52] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّـهِ﴾ إذا كان الإيمان بما سوی الله كفرًا به، فما فائدة هذا العطف؟! الجواب: فائدتان: الأولى: التأكيد، كما يقول القائل: «قم ولا تقعد، واقترب مني ولا تبتعد». الثانية: في ذكر الثاني بيان قبح الأول، كقول القائل: «أتقول بالباطل وتترك الحق؟!» لبيان أن قول الباطل قبيح.
وقفة
[52] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ كأنهم انفردوا بالخسران، وهذا أتم وجوه الخسران؛ لأن من يخسر رأس ماله ولا تركبه الديون، أخف ضررًا ممن خسر رأس مالة وركبته الديون، فلما عبدوا غير الله أفنوا أعمارهم وهي رؤوس أموالهم، ثم اجتمع عليهم مع ذلك ضرر ترك عبادة الله، وهو دين يطالبون بها يوم القيامة، فلا يجيبون، فيدخلون النار.
وقفة
[52] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الإيمان کسب في ذاته، والأجر فضل من الله! الإيمان بالله کسب، کسب في ذاته، والأجر عليه بعد ذلك فضل من الله، إنه طمأنينة في القلب واستقامة على الطريق، وثبات على الأحداث، وثقة بالسند، واطمئنان للحمى، ويقين بالعاقبة، وإن هذا في ذاته لهو الكسب، وهو هو الذي يخسره الكافرون.
تفاعل
[52] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. اي قل لهم.
  • ﴿ كَفى بِاللهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-.كفى:فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. بالله: الباء حرف جر. الله لفظ‍ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم لفظا مرفوع محلا لانه فاعل «كفى».
  • ﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بشهيدا وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة. وبينكم: معطوفة بالواو على «بيني» وتعرب اعرابها وعلامة النصب الفتحة الظاهرة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. شهيدا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة او حال من لفظ‍ الجلالة. بمعنى شاهدا بيننا.
  • ﴿ يَعْلَمُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «يعلم» في محل نصب حال من لفظ‍ الجلالة بمعنى:عالما او في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقدير: هو يعلم. بمعنى: فهو مطلع على امري وامركم
  • ﴿ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في السموات: جار ومجرور متعلق بمضمر تقديره:استقر او هو مستقر. وجملة «استقر في السماوات» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والارض: معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ:
  • الواو استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.بالباطل: جار ومجرور متعلق بآمنوا. وجملة آمَنُوا بِالْباطِلِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَكَفَرُوا بِاللهِ:
  • معطوفة بالواو على آمَنُوا بِالْباطِلِ» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين».اولئك: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الخاسرون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والجملة الاسمية هُمُ الْخاسِرُونَ» في محل رفع خبر المبتدأ «اولئك» ويجوز ان يعرب «هم» ضمير فصل او عماد لا محل له من الاعراب.و«الخاسرون» في محل رفع خبر المبتدأ «اولئك» والوجه الاول من الاعراب اصوب خشية الالتباس من كون «الخاسرون» ان تعرب بدلا من اسم الاشارة «اولئك».'

المتشابهات :

يونس: 29﴿ فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
الرعد: 43﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
الإسراء: 96﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
العنكبوت: 52﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     وبعد أن رَدَّ اللهُ عليهم، ووَبَّخَهم؛ أرشد هنا إلى جواب آخر يُرد به عليهم، قال تعالى:
﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف