ترتيب المصحف | 11 | ترتيب النزول | 52 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 14.00 |
عدد الآيات | 123 | عدد الأجزاء | 0.65 |
عدد الأحزاب | 1.30 | عدد الأرباع | 5.90 |
ترتيب الطول | 8 | تبدأ في الجزء | 11 |
تنتهي في الجزء | 12 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 5/29 | آلر: 2/5 |
بعدَ إصرارِهم على الكفرِ اتَّهمُوه هنا بالجنونِ، فأعلنَ هودٌ عليه السلام براءَته من الشِّركِ، وفوَّضَ أمرَه إلى اللهِ، وحَذَّرَهم من الاستئصالِ، ثُمَّ بيانُ نجاةِ هودٍ عليه السلام والذينَ آمنُوا معَه، وعقوبةِ اللهِ لمن جحدَ بآياتِه.
قريبًا إن شاء الله
القصَّةُ الثالثةُ: قِصَّةُ صالحٍ عليه السلام معَ قومِه ثمودَ، يدْعُوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ، وإلى الاستغفارِ والتوبةِ، فيستغربُونَ ويَشُكُّونَ في دعْوتِه.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
تفسير الآيتين 54 و 55:ـ
{ إِنْ نَقُولُ} فيك{ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي:أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم.
ولهذا بين هود، عليه الصلاة والسلام، أنه واثق غاية الوثوق، أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى، فقال:{ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أي:اطلبوا لي الضرر كلكم، بكل طريق تتمكنون بها مني{ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} أي:لا تمهلوني.
قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ.
أى: قال هود- عليه السلام- للطغاة من قومه بعزة وثقة إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ الذي لا رب سواه على براءتي من عبادتكم لغيره.
وَاشْهَدُوا أنتم أيضا على أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ.
أى: على براءتي من كل عبادة تعبدونها لغير الله- تعالى- لأنها عبادة باطلة. يحتقرها العقلاء، ويتنزه عنها كل إنسان يحترم نفسه.
فأنت تراه في هذه الآية الكريمة يعلن احتقاره لآلهتهم، وبراءته من شركهم، واستخفافه بأصنامهم التي زعموا أن بعضها قد أصابه بسوء، ويوثق هذه البراءة بإشهاد الله- تعالى- وإشهادهم.
وذلك كما يقول الرجل لخصمه إذا لم يبال به: أشهد الله وأشهدك على أنى فعلت بك كذا وكذا، وقلت في حقك كذا وكذا ... فافعل أنت ما بدا لك!!
( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) يقولون : ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها ( قال إني أشهد الله واشهدوا ) [ أي أنتم أيضا ] ( أني بريء مما تشركون)
القول في تأويل قوله تعالى : إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره، عن قول قوم هود : أنهم قالوا له، إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد الله وتصديقه، وخلع الأوثان والبراءة منها: لا نترك عبادة آلهتنا، وما نقول إلا أن الذي حملك على ذمِّها والنهي عن عبادتها ، أنه أصابك منها خبَلٌ من جنونٌ . فقال هود لهم: إني أشهد الله على نفسي وأشهدكم أيضًا أيها القوم ، أني بريء مما تشركون في عبادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 19 | ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ |
---|
الأنعام: 78 | ﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ |
---|
هود: 54 | ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّـهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 54 و 55:ـ
{ إِنْ نَقُولُ} فيك{ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي:أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم.
ولهذا بين هود، عليه الصلاة والسلام، أنه واثق غاية الوثوق، أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى، فقال:{ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أي:اطلبوا لي الضرر كلكم، بكل طريق تتمكنون بها مني{ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} أي:لا تمهلوني.
ثم ينتقل من براءته من شركهم، إلى تحديهم بثقة واطمئنان فيقول: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.
أى: لقد أعلنت أمامكم بكل قوة ووضوح أنى برىء من شرككم، وها أنذا في مواجهتكم، فانضموا إلى آلهتكم، وحاربونى بما شئتم من ألوان المحاربة والأذى بدون تريث أو إمهال، فإنى لن أكف عن الجهر بدعوتي، ولن أتراجع عن احتقار الباطل الذي أنتم عليه.
وهذا- كما يقول صاحب الكشاف- من أعظم الآيات، أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه، يرمونه عن قوس واحدة وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم.. .
يقول : إني بريء من جميع الأنداد والأصنام ، ( فكيدوني جميعا ) أي : أنتم وآلهتكم إن كانت حقا ، [ ف ذروها تكيدني ] ، ( ثم لا تنظرون ) أي : طرفة عين [ واحدة ] .
(فكيدوني جميعا) ، يقول: فاحتالوا أنتم جميعًا وآلهتكم في ضري ومكروهي (1) ، (ثم لا تنظرون) ، يقول: ثم لا تؤخرون ذلك، (2) فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أن آلهتكم نالتني به من السوء؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك.
18267- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ )، قال: أصابتك الأوثان بجنون.
18268- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : ( اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، قال: أصابك الأوثان بجنون.
18269- حدثني المثني قال ، حدثنا ابن دكين قال ، حدثنا سفيان، عن عيسى، عن مجاهد: ( اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، قال: سببتَ آلهتنا وعبتها ، فأجنَّتك.
18270-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن نجيح، عن مجاهد: ( اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، أصابك بعض آلهتنا بسوء ، يعنون الأوثان.
18271-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) قال: أصابك الأوثان بجنون.
18272- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، قال: تصيبك آلهتنا بالجنون.
18273- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، قال: ما يحملك على ذمّ آلهتنا، إلا أنه أصابك منها سوء.
18274- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، قال: إنما تصنع هذا بآلهتنا أنها أصابتك بسوء.
18275- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: أصابتك آلهتنا بشر.
18276- حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ )، يقولون: نخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء، ولا نحب أن تعتريك ، يقولون: يصيبك منها سوء.
18277- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) ، يقولون: اختلَط عقلك فأصابك هذا مما صنعت بك آلهتنا.
* * *
وقوله: (اعْتَرَاكَ) ، ا " فتعل "، من " عراني الشيء يعروني" :، إذا أصابك، كما قال الشاعر: (3)
مِنَ القَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِرَاءٌ وَمَأْثَمُ (4)
--------------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير " الكيد " فيما سلف 13 : 449 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " الإنظار " فيما سلف ص : 151 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(3) هو أبو خراش الهذلي .
(4) ديوان الهذليين 2 : 147 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 290 ، من قصيدته التي ذكر فيها فراره من فائد وأصحابه الخزاعيين ، وكان لهم وتر عنده . فلما لقوه فر وعدا ، فذكر ذلك في شعره ، ثم انتهى إلى ذكر رجل كان يتبعه وهو يعدو فقال : أُوائِــلُ بالشَّــدِّ الـذَّلِيقِ , وَحَـثَّنِي
لَـدَى المَتْـنِ مَشْـبُوحُ الذِّرَاعَينِ خَلْجَمُ
تَذَكَّـر ذَخْـلاً عِنْدَنَـا , وهـو فـاتِكٌ
مِـنَ القَـوْمِ يَعْـرُوهُ اجْـتِرَاءٌ وَمَـأْثَمُ
يقول : " أوائل بالشد " ، أطلب النجاة بالعدو السريع ، و" الذليق " ، الحديد السريع الشديد ، و" حثني لدى المتن " ، يحثني على عدوى ، رجل من ورائي ، كأنه من قربه قد ركب متني ، " مشبوح الذراعين " ، من صفة هذا الرجل أنه عريض الذراعين ، " خلجم " ، طويل شديد . و" تذكر ذحلا " ، أي ثأرًا ، فكان تذكره للثأر أحفز له على طلب أبي خراش . ثم قال : إنه فاتك من فتاكهم ، لا يرهب ، ويدفعه على ذلك " اجتراء " ، أي جرأة لا تكفها المخافة ، و" مأثم " ، أي طلب الأثام ، وهو المجازاة والعقوبة على إثمي الذي سلف إليهم . و" المأثم " و"الأثام "واحد .
وكان في المطبوعة : " اجترام " ، وفي المخطوطة : " اجترامًا " ، وهما خطأ ، صوابه ما أثبت من ديوانه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 195 | ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ ﴾ |
---|
هود: 55 | ﴿مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} أي:اعتمدت في أمري كله على الله{ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} أي:هو خالق الجميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا.
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه، فلو اجتمعتم جميعا على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي، لم تقدروا على ذلك، فإن سلطكم، فلحكمة أرادها.
فـ{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي:على عدل، وقسط، وحكمة، وحمد في قضائه وقدره، في شرعه وأمره، وفي جزائه وثوابه، وعقابه، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم، التي يحمد، ويثنى عليه بها.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان السبب الذي دعاه إلى البراءة من شركهم، وإلى عدم المبالاة بهم فقال- كما حكى القرآن عنه- إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ....
أى: إنى فوضت أمرى إلى الله الذي هو ربي وربكم، ومالك أمرى وأمركم، والذي لا يقع في هذا الكون شيء الا بإرادته ومشيئته.
وفي قوله: رَبِّي وَرَبِّكُمْ مواجهة لهم بالحقيقة التي ينكرونها، لإفهامهم أن إنكارهم لا قيمة له، وأنه إنكار عن جحود وعناد.. فهو- سبحانه- ربهم سواء أقبلوا ذلك أم رفضوه. وقوله ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها تصوير بديع لشمول قدرته- سبحانه- والأخذ: هو التناول للشيء عن طريق الغلبة والقهر.
والناصية: منبت الشعر في مقدم الرأس، ويطلق على الشعر النابت نفسه.
قال الإمام الرازي: واعلم أن العرب إذا وصفوا إنسانا بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان. أى أنه مطيع له، لأن كل من أخذت بناصيته فقد قهرته. وكانوا إذا أسروا أسيرا وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره فخوطبوا في القرآن بما يعرفون ... .
والمعنى: إنى اعتمدت على الله ربي وربكم: ما من دابة تدب على وجه الأرض إلا والله- تعالى- مالكها وقاهر لها، وقادر عليها، ومتصرف فيها كما يتصرف المالك في ملكه.
وفي هذا التعبير الحكيم صورة حسية بديعة تناسب المقام، كما تناسب غلظة قوم هود وشدتهم. وصلابة أجسامهم وبنيتهم، وجفاف حسهم ومشاعرهم.. فكأنه- عليه السلام- يقول لهم: إنكم مهما بلغتم من القوة والبطش، فما أنتم الا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربي بناصيتها. ويقهرها بقوته قهرا يهلكها- إذا شاء ذلك- فكيف أخشى دوابا مثلكم مع توكلي على الله ربي وربكم؟! ثم يتبع هذا الوصف الدال على شمول قدرة الله- تعالى- بوصف آخر يدل على عدالته وتنزهه عن الظلم فيقول: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
أى: إن ربي قد اقتضت سنته أن يسلك في أحكامه طريق الحق والعدل وما دام الأمر كذلك فلن يسلطكم على لأنه- حاشاه- أن يسلط من كان متمسكا بالباطل، على من كان متمسكا بالحق.
واكتفى هنا بإضافة الرب إلى نفسه، للإشارة إلى أن لطفه- سبحانه- يشمل هودا وحده ولا يشملهم، لأنهم أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
وقوله : ( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) أي : [ هي ] تحت قهره وسلطانه ، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه ، فإنه على صراط مستقيم .
قال الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه قال في قوله تعالى : ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) قال : فيأخذ بنواصي عباده فيلقى المؤمن حتى يكون له أشفق من الوالد لولده ويقال للكافر : ( ما غرك بربك الكريم ) [ الانفطار : 6 ] .
وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به ، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر ، ولا توالي ولا تعادي ، وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له ، الذي بيده الملك ، وله التصرف ، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه ، فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .
القول في تأويل قوله تعالى : إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
قال أبو جعفر: يقول: إني على الله الذي هو مالكي ومالككم ، والقيِّم على جميع خلقه ، توكلت من أن تصيبوني ، أنتم وغيركم من الخلق بسوء، (5) فإنه ليس من شيء يدب على الأرض ، (6) إلا والله مالكه، وهو في قبضته وسلطانه. ذليلٌ له خاضعٌ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (هو آخذ بناصيتها)، فخص بالأخذ " الناصية " دون سائر أماكن الجسد.
قيل: لأن العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذلة والخضوع، فتقول: " ما ناصية فلان إلا بيد فلان "، أي : أنه له مطيع يصرفه كيف شاء . وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمنّ عليه ، جزُّوا ناصيته ، ليعتدّوا بذلك عليه فخرًا عند المفاخرة. فخاطبهم الله بما يعرفون في كلامهم، والمعنى ما ذكرت.
* * *
وقوله: (إن ربي على صراط مستقيم) ، يقول: إن ربي على طريق الحق، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسيء بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم شيئًا ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به، (7) كما:-
18278- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إن ربي على صراط مستقيم) ، الحقّ .
18279- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18280- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
18281- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
----------------------
الهوامش :
(5) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف من فهارس اللغة ( وكل ) .
(6) انظر تفسير " دابة " فيما سلف ص : 240 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(7) انظر تفسير " صراط مستقيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( سرط ) ، ( قوم ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 38 | ﴿وَ مَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ |
---|
هود: 6 | ﴿وَ مَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا﴾ |
---|
هود: 56 | ﴿إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا} عما دعوتكم إليه{ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} فلم يبق عليَّ تبعة من شأنكم.
{ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يقومون بعبادته، ولا يشركون به شيئا،{ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} فإن ضرركم، إنما يعود عليكم، فالله لا تضره معصية العاصين. ولا تنفعه طاعة المطيعين{ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} [{ إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}].
ثم ختم هود- عليه السلام- رده على قومه، بتحذيرهم من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ....
أى: فإن تتولوا عن دعوتي، وتعرضوا عن الحق الذي جئتكم به من عند ربي، فتكون عاقبتكم خسرا، وأمركم فرطا.
أما أنا فقد أديت واجبى، وأبلغتكم ما أرسلت به إليكم من عند ربي بدون تكاسل أو تقصير. وقوله وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً وعيد لهم بإهلاكهم وإحلال غيرهم محلهم.
أى: وهو- سبحانه- سيهلككم بسبب إصراركم على كفركم في الوقت الذي يشاؤه، ويستخلف من بعدكم قوما آخرين سواكم، يرثون دياركم وأموالكم، ولن تضروا الله شيئا من الضرر بسبب إصراركم على كفركم، وإنما أنتم الذين تضرون أنفسكم بتعريضها للدمار في الدنيا، وللعذاب الدائم في الآخرة.
وقوله: إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أى: إن ربي قائم على كل شيء بالحفظ والرقابة والهيمنة، وقد اقتضت سنته- سبحانه- أن يحفظ رسله وأولياءه، وأن يخذل أعداءه.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد ساقت لنا بأسلوب بليغ حكيم، جانبا من الحوار الذي دار بين هود وقومه وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فماذا كانت نتيجة هذا الحوار والجدال؟
لقد كانت نتيجته إنجاء هود والذين آمنوا معه، وإهلاك أعدائهم.
يقول لهم [ رسولهم ] هود : فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له ، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها ، ( ويستخلف ربي قوما غيركم ) يعبدونه وحده لا يشركون به [ شيئا ] ولا يبالي بكم : فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم ، ( إن ربي على كل شيء حفيظ ) أي : شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه: (فإن تولوا) ، يقول: فإن أدبروا معرضين عما أدعوهم إليه من توحيد الله وترك عبادة الأوثان (8) ، (فقد أبلغتكم) أيها القوم ، (ما أرسلت به إليكم) ، وما على الرسول إلا البلاغ ، (ويستخلف ربي قوما غيركم) ، يهلككم ربي، ثم يستبدل ربي منكم قومًا غيركم ، (9) يوحِّدونه ويخلصون له العبادة ، (ولا تضرونه شيئًا ) ، يقول: ولا تقدرون له على ضرّ إذا أراد إهلاككم أو أهلككم.
* * *
وقد قيل: لا يضره هلاككُم إذا أهلككم ، لا تنقصونه شيئًا ، لأنه سواء عنده كُنتم أو لم تكونوا.
* * *
، (إن ربي على كل شيء حفيظ) ، يقول: إن ربي على جميع خلقه ذو حفظ وعلم . (10)
يقول: هو الذي يحفظني من أن تنالوني بسوء.
---------------------
الهوامش :
(8) كان حق الكلام أن يقول : " فإن أدبرتم معرضين عما أدعوكم إليه " ، فهو خطاب من هود لقومه ، أي : " فإن تتولوا " ، وحذف إحدى التاءين . وكأن هذا سهو من أبي جعفر رحمه الله وغفر له.
(9) انظر تفسير " الاستخلاف " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلف ) .
(10) انظر تفسير " حفيظ " فيما سلف 8 : 562 / 12 : 25 ، 33 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 57 | ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ |
---|
الأحقاف: 23 | ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّـهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فإن تولوا:
1- تولوا، أي تتولوا، مضارع تولى، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- تولوا، بضم التاء واللام، مضارع «ولى» ، وهى قراءة الأعرج، وعيسى الثقفي.
ويستخلف:
1- بضم الفاء، على معنى الخبر المستأنف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يجزمها، عطفا على موضع الجزاء، وهى قراءة حفص.
ولا تضرونه:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ولا تضروه، بالجزم، وهى قراءة عبد الله.
التفسير :
{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} أي:عذابنا بإرسال الريح العقيم، التي{ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}
{ نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي:عظيم شديد، أحله الله بعاد، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
قال- تعالى- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ. وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ.
والمراد بالأمر في قوله- سبحانه- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا الأمر بنزول العذاب بهم.
أى: وحين جاء أمرنا بتحقيق وعيدنا في قوم هود، وبتنفيذ ما أردناه من إهلاكهم وتدميرهم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ تنجية مصحوبة بِرَحْمَةٍ عظيمة كائنة مِنَّا بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.
وَنَجَّيْناهُمْ كذلك مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ أى: من عذاب ضخم شديد مضاعف ترك هؤلاء الطغاة وراءه صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.
ووصف العذاب بأنه غليظ، بهذا التصوير المحسوس، يتناسب كل التناسب مع جو هذه القصة، ومع ما عرف عن قوم هود من ضخامة في الأجسام، ومن تفاخر بالقوة.
قال- تعالى- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ... .
وكان عذابهم كما جاء في آيات أخرى بالريح العقيم، ومن ذلك قوله- تعالى- وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ....
( ولما جاء أمرنا ) وهو [ ما أرسل الله عليهم من ] الريح العقيم [ التي لا تمر بشيء إلا جعلته كالرميم ] فأهلكهم الله عن آخرهم ، ونجى [ من بينهم رسولهم ] هودا وأتباعه [ المؤمنين ] من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاء قوم هود عذابُنا ، نجينا منه هودًا والذين آمنوا بالله معه ، (برحمة منا ) ، يعني : بفضل منه عليهم ونعمة ، (ونجيناهم من عذاب غليظ) ، يقول: نجيناهم أيضًا من عذاب غليظ يوم القيامة، كما نجيناهم في الدنيا من السخطة التي أنـزلتها بعادٍ. (11)
--------------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير " الغلظة " فيما سلف 14 : 576 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 58 | ﴿وَ لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ |
---|
هود: 66 | ﴿فَـ لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ |
---|
هود: 94 | ﴿وَ لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَتِلْكَ عَادٌ} الذين أوقع الله بهم ما أوقع، بظلم منهم لأنهم{ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} ولهذا قالوا لهود:{ ما جئتنا ببينة} فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته، وإنما عاندوا وجحدوا{ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} لأن من عصى رسولا، فقد عصى جميع المرسلين، لأن دعوتهم واحدة.
{ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ} أي:متسلط على عباد الله بالجبروت،{ عنيد} أي:معاند لآيات الله، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم، واتبعوا كل غاش لهم، يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله.
واسم الإشارة في قوله- سبحانه- وَتِلْكَ عادٌ ... يعود إلى القبيلة أو إلى آثارهم التي خلفوها من بعدهم. أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها هود- عليه السلام- وتلك هي عاقبتها وكانت الإشارة للبعيد تحقيرا لهم، وتهوينا من شأنهم بعد أن انتهوا، وبعدوا عن الأنظار والأفكار، وقد كانوا يقولون: من أشد منا قوة.
وقوله: جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... بيان لجرائمهم التي استحقوا بسببها العذاب الغليظ.
والجحد: الإنكار الشديد للحق الواضح.
وآيات ربهم: الحجج والبراهين التي جاء بها الأنبياء من ربهم للدلالة على صدقهم.
والجبار: هو الشخص المتعالي المتعاظم على الناس، المترفع عن الاستجابة للحق.
والعنيد: المعاند الطاغي الذي يعرف الحق ولكنه لا يتبعه.
أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها، كفروا بآيات ربهم الدالة على صدق أنبيائه، وعصوا رسله الذين جاءوا لهدايتهم، واتبع سفلتهم وعوامهم أمر كل رئيس متجبر متكبر معاند منهم، بدون تفكر أو تدبر.
وقال- سبحانه- وَعَصَوْا رُسُلَهُ مع أنهم قد عصوا رسولا واحدا هو هود- عليه السلام-، للإشارة إلى أى معصيتهم لهذا الرسول كأنها معصية للرسل جميعا، لأنهم قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها وهي: عبادة الله- تعالى- وحده، والتقيد بأوامره ونواهيه.
والإشارة أيضا إلى ضخامة جرائمهم، وإبراز شناعتها حيث عصوا رسلا لا رسولا.
وقد وصفهم- سبحانه- في هذه الآية بثلاث صفات هي أعظم الصفات في القبح والشناعة: أولها: جحودهم لآيات ربهم. وثانيها: عصيانهم لرسله. وثالثها: اتباعهم أمر رؤسائهم الطغاة.
( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم ) [ أي ] كفروا بها ، وعصوا رسل الله ، وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء ، لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به ، فعاد كفروا بهود ، فنزل كفرهم [ به ] منزلة من كفر بجميع الرسل ، ( واتبعوا أمر كل جبار عنيد ) تركوا اتباع رسولهم الرشيد ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد .
القول في تأويل قوله تعالى : وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا ، عادٌ، جحدوا بأدلة الله وحججه، (12) وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) ، يعني : كلّ مستكبر على الله، (13) حائد عن الحق ، لا يُذعن له ولا يقبله.
* * *
يقال منه: " عَنَد عن الحق ، فهو يعنِد عُنُودًا " ، و " الرجل عَاند وعَنُود " . ومن ذلك قيل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ: " عِرْق عاند ": أي ضَارٍ، (14)
ومنه قول الراجز: (15)
إِنِّي كَبِيرٌ لا أَطِيقُ العُنَّدَا (16)
* * *
18282- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واتبعوا أمر كل جبار عنيد)، المشرك.
---------------------------
الهوامش :
(12) انظر تفسير " الجحد " فيما سلف 11 : 334 / 12 : 476 .
(13) انظر تفسير " الجبار " فيما سلف 10 : 172 .
(14) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 291 ، ففيه زيادة بيان .
(15) لم أعرف قائله .
(16) مجاز القرآن 1 : 291 ، البطليوسي : 415 ، الجواليقي : 336 ، اللسان ( عند ) ، وسيأتي في التفسير 29 : 97 ( بولاق) ، وغيرها ، وهي أبيات لشواهد الإكفاء ، يقول :
إذَا رَحَــلْتُ فَــاجْعَلُونِي وَسَــطَا
إِنِّــي كَبِــيرٌ لاَ أَطِيــقُ العُنَّــدَا
وَلاَ أُطِيـــقُ البَكــرَاتِ الشُّــرَّدَا
.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} فكل وقت وجيل، إلا ولأنبائهم القبيحة، وأخبارهم الشنيعة، ذكر يذكرون به، وذم يلحقهم{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} لهم أيضا لعنة،{ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} أي:جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم.{ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} أي:أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر.
ثم ختم- سبحانه- قصتهم مع نبيهم في هذه السورة بقوله: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ.
والإتباع: اقتفاء أثر الشيء بحيث لا يفوته. يقال: أتبع فلان فلانا إذا اقتفى أثره لكي يدركه أو يسير على نهجه.
واللعنة: الطرد بإهانة وتحقير.
أى: أنهم هلكوا مشيعين ومتبوعين باللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة.
وقوله: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ تسجيل لحقيقة حالهم، ودعاء عليهم بدوام الهلاك، وتأكيد لسخط الله عليهم.
أى: ألا إن قوم عاد كفروا بنعم ربهم عليهم، ألا سحقا وبعدا لهم عن رحمة الله، جزاء جحودهم للحق، وإصرارهم على الكفر، واستحبابهم العمى على الهدى.
وتكرير حرف التنبيه «ألا» وإعادة لفظ «عاد» للمبالغة في تهويل حالهم وللحض على الاعتبار والاتعاظ بمآلهم.
هذا، ومن العبر البارزة في هذه القصة: 1- أن الداعي إلى الله، عليه أن يذكر المدعوين بما يستثير مشاعرهم، ويحقق اطمئنانهم إليه، ويرغبهم في اتباع الحق، ببيان أن اتباعهم لهذا الحق سيؤدي إلى زيادة غناهم وقوتهم وأمنهم وسعادتهم.
وأن الانحراف عنه سيؤدي إلى فقرهم وضعفهم وهلاكهم.
انظر إلى قول هود- عليه السلام-: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.
2- وأن الداعي إلى الله- تعالى- عند ما يخلص لله دعوته، ويعتمد عليه- سبحانه- في تبليغ رسالته، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد.
فإنه في هذه الحالة سيقف في وجه الطغاة المناوئين للحق، كالطود الأشم، دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم.. لأنه قد أوى إلى ركن شديد.
وهذه العبرة من أبرز العبر في قصة هود عليه السلام.
ألا تراه وهو رجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا طغاة، إذا بطشوا بطشوا جبارين، يدلون بقوتهم ويقولون في زهو وغرور: من أشد منا قوة.
ومع كل ذلك عند ما يتطاولون على عقيدته ويراهم قد أصروا على عصيانه.
يواجههم بقوله: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ...
أرأيت كيف واجه هود- عليه السلام- هؤلاء الغلاظ الشداد بالحق الذي يؤمن به دون مبالاة بوعيدهم أو تهديدهم..؟
وهكذا الإيمان بالحق عند ما يختلط بالقلب ... يجعل الإنسان يجهر به دون أن يخشى أحدا إلا الله- تعالى-.
ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم فتحدثت عن قصة صالح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-
فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد ، ( ألا إن عادا كفروا ربهم [ ألا بعدا لعاد قوم هود ] ) .
قال السدي : ما بعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأتبع عاد قوم هود في هذه الدنيا غضبًا من الله وسخطةً يوم القيامة، مثلها ، لعنةً إلى اللعنة التي سلفت لهم من الله في الدنيا (17) ، (ألا إن عادًا كفروا ربهم ألا بعدًا لعاد قوم هود) ، يقولُ: أبعدهم الله من الخير. (18)
* * *
يقال: " كفر فلان ربه وكفر بربه "، " وشكرت لك ، وشكرتك ". (19)
* * *
وقيل ، إن معنى: (كفروا ربهم) ، كفروا نعمةَ ربهم.
-------------------------
الهوامش :
(17) انظر تفسير " اللعنة " فيما سلف من فهارس اللغة ( لعن ) .
(18) انظر تفسير " البعد " فيما سلف ص : 335.
(19) انظر ما سلف 3 : 212 ، مثله .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 60 | ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ |
---|
هود: 99 | ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ |
---|
القصص: 42 | ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:{ و} أرسلنا{ إِلَى ثَمُودَ} وهم:عاد الثانية، المعروفون، الذين يسكنون الحجر، ووادي القرى،{ أَخَاهُمْ} في النسب{ صَالِحًا} عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فـ{ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي:وحدوه، وأخلصوا له الدين{ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} لا من أهل السماء، ولا من أهل الأرض.
{ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} أي:خلقكم فيها{ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي:استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.
{ فَاسْتَغْفِرُوهُ} مما صدر منكم، من الكفر، والشرك، والمعاصي, وأقلعوا عنها،{ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي:ارجعوا إليه بالتوبة النصوح، والإنابة،{ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} أي:قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب، واعلم أن قربه تعالى نوعان:عام، وخاص، فالقرب العام:قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى:{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} والقرب الخاص:قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى{ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}
وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن، باسمه "القريب"اسمه "المجيب"
هذه قصة صالح- عليه السلام- مع قومه كما ذكرتها هذه السورة، وقد وردت هذه القصة في سور أخرى منها سورة الأعراف، والشعراء، والنمل، والقمر.
وصالح- عليه السلام- ينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام- فهو صالح بن عبيد بن آصف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ... بن نوح.
وثمود: اسم للقبيلة التي منها صالح، سميت باسم جدها ثمود، وقيل سميت بذلك لقلة مائها، لأن الثمد هو الماء القليل.
وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم- وهو مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وموقعه الآن- تقريبا- المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن، وما يزال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح حتى اليوم.
وقبيلة صالح من القبائل العربية، وكانوا خلفاء لقوم هود- عليه السلام فقد قال- سبحانه-: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً.. .
وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم صالحا ليأمرهم بعبادة الله وحده.
وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ..
معطوف على ما قبله من قصتي نوح وهود- عليهما السلام- أى: وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا- عليه السلام فقال لهم تلك الكلمة التي قالها كل نبي لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده، فهو الإله الذي خلقكم ورزقكم، وليس هناك من إله سواه يفعل ذلك.
ثم ذكرهم بقدرة الله- تعالى- وبنعمه عليهم فقال: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها.
والإنشاء: الإيجاد والإحداث للشيء على غير مثال سابق.
واستعمركم من الإعمار ضد الخراب فالسين والتاء للمبالغة. يقال: أعمر فلان فلانا في المكان واستعمره، أى جعله يعمره بأنواع البناء والغرس والزرع.
أى: اعبدوا الله- تعالى- وحده، لأنه- سبحانه- هو الذي ابتدأ خلقكم من هذه الأرض، وأبوكم آدم ما خلق إلا منها وهو الذي جعلكم المعمرين لها، والساكنين فيها تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً....
قال- تعالى- في شأنهم.. أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. .
فأنت ترى أن صالحا- عليه السلام- قد ذكرهم بجانب من مظاهر قدرة الله ومن أفضاله عليهم، لكي يستميلهم إلى التفكر والتدبر، وإلى تصديقه فيما يدعوهم إليه.
والفاء في قوله فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ للتفريع على ما تقدم.
أى: إذا كان الله- تعالى- هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فعليكم أن تخلصوا له العبادة، وأن تطلبوا مغفرته عما سلف منكم من ذنوب.
ثم تتوبوا إليه توبة صادقة: تجعلكم تندمون على ما كان منكم في الماضي من شرك وكفر، وتعزمون على التمسك بكل ما يرضى الله- تعالى- في المستقبل.
ثم فتح أمامهم باب الأمل في رحمة الله- تعالى- فقال: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
أى: إن ربي قريب الرحمة من المحسنين، مجيب لدعاء الداعين المخلصين، فاقبلوا على عبادته وطاعته، ولا تقنطوا من رحمة الله.
يقول تعالى : ولقد أرسلنا ( إلى ثمود ) وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة ، وكانوا بعد عاد ، فبعث الله منهم ( أخاهم صالحا ) فأمرهم بعبادة الله وحده [ لا شريك له الخالق الرازق ] ; ولهذا قال : ( هو أنشأكم من الأرض ) أي : ابتدأ خلقكم منها ، [ من الأرض التي ] خلق منها أباكم آدم ، ( واستعمركم فيها ) أي : جعلكم [ فيها ] عمارا تعمرونها وتستغلونها ، لسالف ذنوبكم ، ( ثم توبوا إليه ) فيما تستقبلونه; ( إن ربي قريب مجيب ) كما قال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية [ البقرة : 186 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا، فقال لهم: يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الآلهة، فما لكم من إله غيره يستوجب عليكم العبادة، ولا تجوز الألوهة إلا له ، (هو أنشأكم من الأرض) ، يقول: هو ابتدأ خلقكم من الأرض. (20)
* * *
وإنما قال ذلك لأنه خلق آدم من الأرض، فخرج الخطاب لهم ، إذ كان ذلك فعله بمن هم منه.
* * *
، (واستعمركم فيها) ، يقول: وجعلكم عُمَّارًا فيها، فكان المعنى فيه: أسكنكم فيها أيام حياتكم.
* * *
، من قولهم: " أعْمر فلانٌ فلانًا دارَه "، و " هي له عُمْرَى " . (21)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18283- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (واستعمركم فيها) ، قال: أعمركم فيها
18284- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واستعمركم فيها) ، يقول: أعمركم
* * *
وقوله: (فاستغفروه) ، يقول: اعملوا عملا يكون سببًا لستر الله عليكم ذنوبكم، وذلك الإيمان به، وإخلاص العبادة له دون ما سواه ، واتباعُ رسوله صالح ، (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربكم ، إلى ما يرضاه ويحبه ، (إن ربي قريب مجيب) ، يقول: إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورغب إليه في التوبة، مجيبٌ له إذا دعاه.
-------------------------
الهوامش :
(20) انظر تفسير " الإنشاء " فيما سلف 12 : 156 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(21) " عمري " ( بضم فسكون ، فراء مفتوحة ) ، مصدر مثل " الرجعي " : و " أعمره الدار " ، جعله يسكنها مدة عمره ، فإذا مات عادت إلى صاحبها . وكان ذلك من فعل الجاهلية ، فأبطله الله بالإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعمروا ولا ترقبوا " ، فمن أعمر دارًا أو أرقبها ، فهي لورثته من بعده " .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 73 | ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ |
---|
هود: 61 | ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ثمود:
1- على منع الصرف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالصرف، على إرادة الحي، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش.
التفسير :
فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام، ورغبهم في الإخلاص لله وحده, ردوا عليه دعوته، وقابلوه أشنع المقابلة.
{ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} أي:قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع، وهذا شهادة منهم، لنبيهم صالح، أنه ما زال معروفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأنه من خيار قومه.
ولكنه، لما جاءهم بهذا الأمر، الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة, قالوا هذه المقالة، التي مضمونها، أنك [قد] كنت كاملا، والآن أخلفت ظننا فيك، وصرت بحالة لا يرجى منك خير.
وذنبه، ما قالوه عنه، وهو قولهم:{ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} وبزعمهم أن هذا من أعظم القدح في صالح، كيف قدح في عقولهم، وعقول آبائهم الضالين، وكيف ينهاهم عن عبادة، من لا ينفع ولا يضر، ولا يغني شيئا من الأحجار، والأشجار ونحوها.
وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم، الذي لم تزل نعمه عليهم تترى, وإحسانه عليهم دائما ينزل، الذي ما بهم من نعمة، إلا منه، ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو.{ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} أي:ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه، شكا مؤثرا في قلوبنا الريب، وبزعمهم أنهم لو علموا صحة ما دعاهم إليه، لاتبعوه، وهم كذبة في ذلك
ثم حكى القرآن ما رد به قوم صالح عليه فقال: قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا....
أى: قال قوم صالح له بعد أن دعاهم لما يسعدهم: يا صالح لقد كنت فينا رجلا فاضلا نرجوك لمهمات الأمور فينا لعلمك وعقلك وصدقك.. قبل أن تقول ما قلته، أما الآن وبعد أن جئتنا بهذا الدين الجديد فقد خاب رجاؤنا فيك، وصرت في رأينا رجلا مختل التفكير.
فالإشارة في قوله قَبْلَ هذا إلى الكلام الذي خاطبهم به حين بعثه الله إليهم.
والاستفهام في قولهم أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا للتعجيب والإنكار.
أى: أجئتنا بدعوتك الجديدة لتنهانا عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤنا من قبلنا؟
لا، إننا لن نستجيب لك، وإنما نحن قد وجدنا آباءنا على دين وإننا على آثارهم نسير.
ثم ختموا ردهم عليه بقولهم: وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ.
ومريب: اسم فاعل من أراب. تقول: أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة أى: القلق والاضطراب.
أى: لن نترك عبادة الأصنام التي كان يعبدها آباؤنا، وإننا لفي شك كبير، وريب عظيم من صحة ما تدعونا إليه.
يذكر تعالى ما كان من الكلام بين صالح ، عليه السلام ، وبين قومه ، وما كان عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم : ( قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ) أي : كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت! ( أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ) وما كان عليه أسلافنا ، ( وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ) أي : [ في ] شك كثير .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قالت ثمود لصالح نبيِّهم: (يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا) ، أي كنا نرجُو أن تكون فينا سيدًا قبل هذا القول الذي قلته لنا ، من أنه مالنا من إله غير الله (22) ، (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) ، يقول: أتنهانا أن نعبد الآلهة التي كانت آباؤنا تعبدها ، (وإننا لفي شك مما تدعونَا إليه مريب) ، يعنون أنهم لا يعلمون صحَّة ما يدعوهم إليه من توحيد الله، وأن الألوهة لا تكون إلا لهُ خالصًا.
* * *
وقوله : (مريب) ، أي يوجب التهمة ، من " أربته فأنا أريبه إرابة "، إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة، (23) ومنه قول الهذلي: (24)
كُــنْتُ إِذَا أَتَوْتُــه مِــنْ غَيْــبِ
يَشَـــمُّ عِطْفِــي وَيــبُزُّ ثَــوْبِي
*كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيْبِ* (25)
------------------------
الهوامش:
(22) انظر تفسير " الرجاء " فيما سلف 4 : 319 .
(23) انظر تفسير " الريبة " فيما سلف من فهارس اللغة ( ريب) .
(24) هو خالد بن زهير الهذلي
(25) ديوان الهذليين 1 : 165 ، واللسان ( ريب) ( بزز ) ، ( أتى ) ، وغيرها كثير ، وسيأتي في التفسير 22 : 76 ( بولاق ) . وكان خالد بن زهير ، ابن أخت أبي ذؤيب ، وكان رسول أبي ذؤيب إلى صديقته ، فأفسدها عليه ، فكان يشك في أمره ، فقال له خالد :
يَــا قَــوْمِ مَــالِي وَأَبَـا ذُؤَيْـبِ
كُــنْتُ إذَا أَتَوْتُــه مــن غَيْــبِ
" أتوته " ، لغة في " أتيته " ، وقوله : " من غيب " ، من حيث لا يدري ، لأن " الغيب " ، هو الموضع الذي لا يدري ما ورائه . و" يبز ثوبي " ، أي يجذبه إليه ، يريد أن يمسكه حتى يستخرج خبء نفسه ، من طول ارتيابه فيه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 70 | ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾ |
---|
ابراهيم: 10 | ﴿قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَـ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ |
---|
هود: 62 | ﴿أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء