54412131415161718192021

الإحصائيات

سورة المجادلة
ترتيب المصحف58ترتيب النزول105
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات3.50
عدد الآيات22عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.40
ترتيب الطول47تبدأ في الجزء28
تنتهي في الجزء28عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 12/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (12) الى الآية رقم (13) عدد الآيات (2)

الأمرُ بتقديمِ صدقةٍ قبلَ مناجاةِ النَّبي ﷺ لأنهُم كانُوا يكثرُونَ من هذه المناجاةِ فشقَّ عليه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (14) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (3)

لمَّا أخبرَ بإحاطةِ علمِه تعالى بكلِّ شيءٍ، بَيَّنَ هنا اطلاعَه على نفاقِ المنافقينَ الذينَ والَوْا اليهودَ ونقلُوا إليهم أسرارَ المؤمنينَ، ولمَّا أخبرَ عن حالِهم أتبعَه بذكرِ مآلِهم، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (17) الى الآية رقم (21) عدد الآيات (5)

= ومدى إفلاسِهِم يومَ القيامةِ، وبَيَّنَ سببَ ضلالِهم، ثُمَّ جزاءُ المُعادِينَ للهِ ورسولِه والوعدُ بنصرِ المؤمنينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة المجادلة

الولاء للمؤمنين والبراء ممن حاد الله ورسوله/ تربية المؤمنين على الالتزام بحدود الله السميع العليم

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • الوقفة الأولى: الظهار:: الوقفة الأولى أسرية ؛ لأن سلامة الأسرة تعنى سلامة المجتمع، ولن يقوى مجتمع يتكون من أسرٍ مهلهلة. تبدأ السورة بأسرة معرضة للتفكك؛ رجل قال لزوجته: «أنت علي كظهر أمي»، وهذا معناه أن تحْرُم عليه، فلا يقربها في الفراش ولا يعطيها حقها، ظلم شديد للمرأة، وعادة من أقبح العادات الجاهلية التي كانت لا تزال موجودة في مجتمع المدينة، فنزلت آيات السورة لتعطي للمرأة حقها من فوق سبع سماوات: ﴿قَدْ سَمِعَ ٱلله قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى ٱلله وَٱلله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما إِنَّ ٱلله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (1). ثم تضع الآيات حلًا لمن يقع في الظهار، ومن حجم الكفارة نعلم كبر الذنب الذي يمارسه مرتكب فِعلة الظهار، ثلاثة أمور على الترتيب لا التخيير، ولا يحق للرجل مس امرأته قبل ذلك.
  • • الوقفة الثانية: النجوى:: والتناجي هو الكلام سرًا بين اثنين فأكثر، وتحريمه إذا كان تناجيًا بالإثم والعدوان، وهذا دأب اليهود والمنافقين: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ... فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ...﴾ (8-9).
  • • الوقفة الثالثة: آداب المجلس:: وهنا دعوة لتبادل الاحترام بين أفراد المجتمع، ومعرفة حق وجهاء المجتمع؛ كأصحاب السابقة والعلماء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا ...﴾ (11).
  • • الوقفة الرابعة: أدب مناجاة الرسول:: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ...﴾ (12).
  • • الوقفة الخامسة: الولاء الكامل لله والتبرؤ من أعدائه:: ﴿لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱلله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ ...﴾ (22)، كلام شديد ولهجة قوية، إياك أن تحب من يعادي دينك، الأمر ليس فقط متعلقًا بأفعالك، بل حتى بمشاعرك القلبية، ولا بد من التذكير أن الحديث هنا مختص بالمناهج والحضارات التي تعادي الإسلام، فلو كانوا غير مؤذين أو محاربين فلا بأس من التعامل معهم، كما سنرى في سورة الممتحنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «المجادلة» (بكسر الدال وفتحها).
  • • معنى الاسم :: المجادَلة (بالفتح): المناظرة والمخاصمة، والمجادِلة (بالكسر): اسم فاعل للمرأة التي جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها.
  • • سبب التسمية :: لأَنَّهَا افْتُتِحَتْ بِقَضِيَّةِ مُجَادَلَةِ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَدَى النبي صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِ مُظَاهَرَةِ زَوْجِهَا.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سُورَةُ قَدْ سَمِعَ»، و«سُورَةُ الظِّهَارِ».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: مراقبة الله تعالى.
  • • علمتني السورة :: سعة علم الله وإحاطته للأصوات: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ (1).
  • • علمتني السورة :: إذا أصابك هم أو حزن فتوجه إلى الله: ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾
  • • علمتني السورة :: أن الله حرم التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ...﴾

مدارسة الآية : [12] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ..

التفسير :

[12] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا أردتم أن تُكلِّموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرّاً بينكم وبينه، فقدِّموا قبل ذلك صدقة لأهل الحاجة، ذلك خير لكم لما فيه من الثواب، وأزكى لقلوبكم من المآثم، فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فلا حرج علي

يأمر تعالى المؤمنين بالصدقة، أمام مناجاة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تأديبا لهم وتعليما، وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا التعظيم، خير للمؤمنين وأطهر أي:بذلك يكثر خيركم وأجركم، وتحصل لكم الطهارة من الأدناس، التي من جملتها ترك احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والأدب معه بكثرة المناجاة التي لا ثمرة تحتها، فإنه إذا أمر بالصدقة بين يدي مناجاته صار هذا ميزانا لمن كان حريصا على الخير والعلم، فلا يبالي بالصدقة، ومن لم يكن له حرص ولا رغبة في الخير، وإنما مقصوده مجرد كثرة الكلام، فينكف بذلك عن الذي يشق على الرسول، هذا في الواجد للصدقة، وأما الذي لا يجد الصدقة، فإن الله لم يضيق عليه الأمر، بل عفا عنه وسامحه، وأباح له المناجاة، بدون تقديم صدقة لا يقدر عليها.

ثم أرشدهم- سبحانه- إلى لون ثالث من الأدب السامي، فناداهم للمرة الثالثة بقوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

والمراد بقوله- تعالى- إِذا ناجَيْتُمُ: إذا أردتم المناجاة، كما في قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ.

والمراد بقوله: بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ أى: قبل مناجاتكم للرسول صلى الله عليه وسلم بقليل، والكلام من باب الاستعارة التمثيلية. حيث شبهت هيئة قرب الشيء من آخر. بهيئة وصول الشخص إلى من يريد الوصول إليه، على سبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ يعود إلى تقديم الصدقة، والجملة بمنزلة التعليل للأمر بتقديمها.

والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، إذا أردتم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم والحديث معه في أمر ما على سبيل السر، فقدموا صدقة للفقراء قبل مناجاته صلى الله عليه وسلم فذلك التقديم خير لكم لما فيه من الثواب، وأكثر طهرا لنفوسكم، فإن لم تجدوا شيئا تتصدقون به قبل مناجاتكم له صلى الله عليه وسلم فلا تحزنوا فإن الله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات، منها: ما جاء عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال: نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله- تعالى- أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية، كف كثير من الناس، ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها .

وقال بعض العلماء: إن هذا الأمر قد اشتمل على فوائد كثيرة:

منها: تعظيم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وإكبار شأن مناجاته، كأنها شيء لا ينال بسهولة.

ومنها: التخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتقليل من المناجاة، حتى يتفرغ صلى الله عليه وسلم للمهام العظمى التي كلفه- سبحانه- بها.

ومنها: تهوين الأمر على الفقراء الذين قد يغلبهم الأغنياء على مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم إذا علموا أن قرب الأغنياء من الرسول صلى الله عليه وسلم ومناجاتهم له، تسبقها الصدقة، لم يضجروا.

ومنها: عدم شغل الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يكون مهما من الأمور، فيتفرغ للرسالة. فإن الناس وقد جبلوا على الشح بالمال، يقتصدون في المناجاة التي تسبقها الصدقة.

ومنها: تمييز محب الدنيا من محب الآخرة، فإن المال محك الدواعي .

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي : يساره فيما بينه وبينه ، أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام ; ولهذا قال : ( ذلك خير لكم وأطهر )

ثم قال : ( فإن لم تجدوا ) أي : إلا من عجز عن ذلك لفقده ( فإن الله غفور رحيم ) فما أمر بها إلا من قدر عليها .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إذا ناجيتم رسول الله، فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة، ( ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ ) يقول: وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، خير لكم عند الله ( وَأَطْهَرُ ) لقلوبكم من المآثم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

&; 23-248 &;

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) قال: نهوا عن مناجاة النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدم دينارًا فتصدق به، ثم أنـزلت الرخصة في ذلك.

حدثنا محمد بن عبيد بن محمد المحاربي، قال: ثنا المطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد، قال، قال عليّ رضي الله عنه: إن في كتاب الله عزّ وجلّ لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) قال: فُرِضت، ثم نُسخت.

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أَسامة، عن شبل بن عباد، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) قال: نهوا عن مناجاة النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى يتصدّقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قدّم دينارًا صدقة تصدق به، ثم أنـزلت الرخصة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن مجاهد، قال، قال عليّ رضي الله عنه: آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تصدقت بدرهم، فنسخت، فلم يعمل بها أحد قبلي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) قال: سأل الناس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أحفوه بالمسألة، فوعظهم الله بهذه الآية، وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلا يستطيع &; 23-249 &; أن يقضيها، حتى يقدّم بين يديه صدقة، فاشتدّ ذلك عليهم، فأنـزل الله عزّ وجلّ الرخصة بعد ذلك ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) قال: إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) ... إلى ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قال: كان المسلمون يقدّمون بين يدي النجوى صدقة، فلما نـزلت الزكاة نُسخ هذا.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً )، وذاك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه؛ فلما قال ذلك صبر كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، فأنـزل الله بعد هذا فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، فوسع الله عليهم، ولم يضيق.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن أبى المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عليّ بن علقمة الأنماريّ، عن عليّ، قال، قال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " مَا تَرَى؟ دِينَارٌ" قَالَ: لا يطيقون، قال: " نصف دينار؟ " قال: لا يطيقون قال: " ما ترى؟ " قال: شعيرة، فقال له النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنَّكَ لَزَهِيدٌ"، قال عليّ رضي الله عنه: فبي خفف الله عن هذه الأمة، وقوله: ( إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً )، فنـزلت: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ): لئلا &; 23-250 &; يناجي أهل الباطل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيشُقّ ذلك على أهل الحقّ، قالوا: يا رسول الله ما نستطيع ذلك ولا نطيقه، فقال الله عزّ وجلّ: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وقال: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، من جاء يناجيك في هذا فاقبل مناجاته، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذاك عنه لا تناجه. قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه، فقال الله عزّ وجلّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ قال: لأن الخبيث يدخل في ذلك.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة والحسن البصري قالا قال في المجادلة: ( إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، فنسختها الآية التي بعدها، فقال: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .

وقوله: ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ) يقول تعالى ذكره: فإن لم تجدوا ما تتصدّقون به أمام مناجاتكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: فإن الله ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة، وغير مؤاخذكم بمناجاتكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قبل أن تقدّموا بين يدي نجواكم إياه صدقة.

المعاني :

نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ :       أَرَدْتُم أَن تُكَلِّمُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ سرّاً الميسر في غريب القرآن
وَأَطۡهَرُۚ :       وأَزْكَى لِقُلُوبِكُم مِنَ المأثَمِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[12] المعني يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم رسول الله, فقدموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على المساكين, والآية الكريمة منسوخة, ومن معاني فرض الصدقة قبل السؤال: لكي يقل السؤال ويكثر العمل، فغالبًا كثير العمل صبورٌ عن السؤال.
وقفة
[12] ذكروا في سبب تقديم الصدقة أسبابًا: تعظيم أمر مناجاة الرسول ﷺ والتخفيف عن النبي ﷺ ليتفرغ لعظيم المهام، وتهوين الأمر على الفقراء الذين قد يسبقهم الأغنياء إلى مجلس النبي ﷺ، فإذا علموا أن مناجاة الأغنياء تسبقها صدقة، لم يضجروا.
وقفة
[12] استُحبَّت الصدقةُ على الفقراء بين يدَي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنًا، وكان من هَدي سلفنا الصالح التصُّدُّق بين يَدي مناجاة الله بالدعاء؛ تطهيرًا لنفوسهم، والتماسًا لقَبول ربِّهم.
وقفة
[12] لطف الله بنبيه ﷺ؛ حيث أدَّب صحابته بعدم المشقَّة عليه بكثرة المناجاة.
وقفة
[12] قد يحتاج مقابلة العظماء والعلماء لإخراج الصدقات لتحجيم إزعاجهم.
وقفة
[12] من أبين النسخ في القرآن: نسخ وجوب الصدقة عند مناجاة الرسول ﷺ، وقد أجمع العلماء عليه، ويبقى السؤال: ما حكمة ذكره وقد نسخ وزال المقصود منه بموت الرسول؟ فيقال: ليبقى لورثة رسول الله ﷺ من أهل العلم هيبة وقدر، فلا يجترأ عليهم ولا يؤذون بكثرة الأسئلة، والمناجاة في كل وقت فلا جفاء ولا غلو.
عمل
[12] ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ ادع لأستاذك أو لشيخك لصبره على تعليمك.
وقفة
[12] ﴿واعلموا أن الله غَفُورٌ حليم﴾ عفوه يسبق غضبه، يُكرم من أتاه، ويصفح عمَّن عصاه مرة ومرّات؛ لعله يتذكر أو يخشى، يعفو مع قدرته على العقاب.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة. ناجيتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. وجملة «ناجيتم» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الفاء واقعة في جواب الشرط‍.قدموا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.وجملة «فقدموا» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بقدموا وهو مضاف. يدي: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذفت النون للاضافة وهو مضاف. نجوى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وفي القول استعارة ممن له يدان بمعنى: قبل مسارتكم.
  • ﴿ صَدَقَةً ذلِكَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. أي ذلك التقديم.
  • ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ:
  • خبر «ذلك» مرفوع بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بخير والميم علامة جمع الذكور. وأطهر معطوفة بالواو على «خير» مرفوعة مثلها بالضمة ولم تنون لأنها اسم ممنوع من الصرف على وزن-أفعل-صيغة تفضيل وبوزن الفعل. أي خير لكم في دينكم وأطهر لكم أي لأنفسكم.
  • ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا:
  • الفاء: استئنافية. ان: حرف شرط‍ جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تجدوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون وهو فعل الشرط‍ في محل جزم بان. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وحذف مفعولها اختصارا لأن ما قبلها يدل عليه.
  • ﴿ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • الجملة جواب الشرط‍.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. غفور: خبر «ان» مرفوع بالضمة. رحيم: خبر ثان ويجوز أن يكون نعتا لغفور. والجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بإن.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ قالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: نَزَلَتِ الآيَةُ في الأغْنِياءِ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ ﷺ فَيُكْثِرُونَ مُناجاتَهُ ويَغْلِبُونَ الفُقَراءَ عَلى المَجالِسِ، حَتّى كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ مِن طُولِ جُلُوسِهِمْ ومُناجاتِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، وأمَرَ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ المُناجاةِ، فَأمّا أهْلُ العُسْرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، وأمّا أهْلُ المَيْسَرَةِ فَبَخِلُوا، واشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ.وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّ في كِتابِ اللَّهِ لَآيَةً ما عَمِلَ بِها أحَدٌ قَبْلِي، ولا يَعْمَلُ بِها أحَدٌ بَعْدِي: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ . كانَ لِي دِينارٌ فَبِعْتُهُ بِدَراهِمَ، وكُنْتُ إذا ناجَيْتُ الرَّسُولَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ حَتّى نَفِدَ، فَنُسِخَتْ بِالآيَةِ الأُخْرى: ﴿أأشْفَقْتُمْ أن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكم صَدَقاتٍ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا كان المؤمنون يتنافسون في القرب من مجلسه صلى الله عليه وسلم لسماع أحاديثه، ولمناجاته، فلما أكثروا في ذلك، حتى شُقَّ عليه صلى الله عليه وسلم؛ نزلت هذه الآية آمرة بوجوب تقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول، وهذه الصدقة لنفع الفقراء، وليست لمصلحة الرسول، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

صدقة:
وقرئ:
صدقات، بالجمع.

مدارسة الآية : [13] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ..

التفسير :

[13] أخشيتم الفقر إذا قدَّمتم صدقة قبل مناجاتكم رسول الله؟ فإذْ لم تفعلوا ما أُمرتم به، وتاب الله عليكم، ورخَّص لكم في ألَّا تفعلوه، فاثبتوا وداوموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله في كل ما أُمرتم به، والله سبحانه خبير بأعمالكم، ومجازيكم ع

ثم لما رأى تبارك وتعالى شفقة المؤمنين، ومشقة الصدقات عليهم عند كل مناجاة، سهل الأمر عليهم، ولم يؤاخذهم بترك الصدقة بين يدي المناجاة، وبقي التعظيم للرسول والاحترام بحاله لم ينسخ، لأن هذا الحكم من باب المشروع لغيره، ليس مقصودا لنفسه، وإنما المقصود هو الأدب مع الرسول والإكرام له، وأمرهم تعالى أن يقوموا بالمأمورات الكبار المقصودة بنفسها، فقال:{ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي:لم يهن عليكم تقديم الصدقة، ولا يكفي هذا، فإنه ليس من شرط الأمر أن يكون هينا على العبد، ولهذا قيده بقوله:{ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي:عفا لكم عن ذلك،{ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بأركانها وشروطها، وجميع حدودها ولوازمها،{ وَآتُوا الزَّكَاةَ} المفروضة [في أموالكم] إلى مستحقيها.

وهاتان العبادتان هما أم العبادات البدنية والمالية، فمن قام بهما على الوجه الشرعي، فقد قام بحقوق الله وحقوق عباده، [ولهذا قال بعده:]{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وهذا أشمل ما يكون من الأوامر.

ويدخل في ذلك طاعة الله [وطاعة] رسوله، بامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما، وتصديق ما أخبرا به، والوقوف عند حدود الله

والعبرة في ذلك على الإخلاص والإحسان، ولهذا قال:{ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فيعلم تعالى أعمالهم، وعلى أي:وجه صدرت، فيجازيهم على حسب علمه بما في صدورهم.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر لطفه بعباده فقال: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.

الإشفاق معناه: أن يتوقع الإنسان عدم حصوله على ما يريده والمراد به هنا: الخوف.

والاستفهام مستعمل فيما يشبه اللوم والعتاب، لتخلف بعضهم عن مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب تقديم الصدقة.

و «إذ» في قوله: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ظرفية مفيدة للتعليل.

والمعنى: أخفتم- أيها المؤمنون- أن تقدموا قبل مناجاتكم للرسول صلى الله عليه وسلم صدقة فيصيبكم بسبب ذلك الفقر، إذا ما واظبتم على ذلك.

فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أى: فحين لم تفعلوا ما كلفناكم به من تقديم الصدقة قبل مناجاتكم للرسول صلى الله عليه وسلم، وتاب الله- تعالى- عليكم، بأن رخص لكم في هذه المناجاة بدون تقديم صدقة، وخفف عنكم ما كان قد كلفكم به- سبحانه- والفاء في قوله:

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. وَآتُوا الزَّكاةَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ معطوفة على كلام محذوف.

أى: فحين خففنا عنكم الصدقة- بفضلنا ورحمتنا- فداوموا على إقامة الصلاة، وعلى إعطاء الزكاة لمستحقيها، وأطيعوا الله ورسوله، في كل ما أمركم به أو نهاكم عنه.

واعلموا أن الله- تعالى- خبير بما تعملون، ولا يخفى عليه شيء من أقوالكم أو أفعالكم، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية ناسخة للتي قبلها، لأنها أسقطت وجوب تقديم الصدقة الذي أمرت به الآية السابقة.

وقد لخص الإمام الآلوسى كلام العلماء في هذه المسألة تلخيصا حسنا فقال: «واختلف في أن الأمر للندب أو للوجوب، لكنه نسخ بقوله- تعالى-: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...

وهو وإن كان متصلا به تلاوة، لكنه غير متصل به نزولا. وقيل نسخ بآية الزكاة. والمعول عليه الأول.

ولم يعين مقدار الصدقة، ليجزئ القليل والكثير. أخرج الترمذي عن على بن أبى طالب قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً....

قال لي النبي: صلى الله عليه وسلم: «ما ترى في دينار» قلت: لا يطيقونه قال: «نصف دينار» قلت: لا يطيقونه، قال: «فكم» ؟ قلت: شعيرة. قال: «فإنك لزهيد» .

فلما نزلت: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ... قال صلى الله عليه وسلم: «خفف الله عن هذه الأمة» ولم يعمل بها- على المشهور- غير على- كرم الله وجهه.

واختلف في مدة بقاء هذا الأمر. أى: الأمر بتقديم الصدقة: فعن مقاتل: عشرة أيام.

وقال قتادة: ساعة من نهار ... .

قال بعض العلماء: «والآية الناسخة متأخرة في النزول، وإن كانت تالية للآية المنسوخة في التلاوة.

والظاهر- والله أعلم- أن الحادثة من باب الابتلاء والامتحان، ليظهر للناس محب الدنيا من محب الآخرة، والله بكل شيء عليم» .

وقال أحد العلماء: «ولا يشتم من قوله- تعالى-: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.... أن الصحابة قد وقع منهم تقصير. فإن التقصير إنما يكون إذا ثبت أنه كانت هناك مناجاة لم تصحبها صدقة، والآية قالت: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا أى: ما أمرتم به من الصدقة، وقد يكون عدم الفعل، لأنهم لم يناجوا، فلا يكون عدم الفعل تقصيرا.

وأما التعبير بالإشفاق من جانبهم، فلا يدل على تقصيرهم، فقد يكون الله- تعالى- علم- أن كثيرا منهم استكثر التصدق عند كل مناجاة في المستقبل لو دام الوجوب، فقال الله- تعالى- لهم أَأَشْفَقْتُمْ.

وكذلك ليس في قوله وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ما يدل على أنهم قصروا، فإنه يحمل على أن المعنى أنه تاب عليهم برفع التكليف عنهم تخفيفا، ومثل هذا يجوز أن يعبر عنه بالتوبة ... »

ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن المنافقين وأشباههم، فتصور أحوالهم، وتبين سوء مصيرهم، وتكشف القناع عن الأسباب التي أدت بهم إلى الخسران والهلاك فقال- تعالى-:

ثم قال : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) أي : أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ، ( فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) فنسخ وجوب ذلك عنهم .

وقد قيل : إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .

قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : نهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب ، قدم دينارا صدقة تصدق به ، ثم ناجى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن عشر خصال ، ثم أنزلت الرخصة .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، قال علي ، رضي الله عنه : آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، فكنت إذا ناجيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم ، فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الآية .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى ، دينارا ؟ " . قال : لا يطيقون . قال : " نصف دينار ؟ " . قال : لا يطيقون . قال : " ما ترى ؟ " قال : شعيرة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنك زهيد قال : قال علي : فبي خفف الله عن هذه الأمة ، وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) فنزلت : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات )

ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن يحيى بن آدم ، عن عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان الثوري ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى آخرها ، قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى ، دينارا ؟ " قلت لا يطيقونه . وذكره بتمامه ، مثله ، ثم قال : " هذا حديث حسن غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه " . ثم قال : ومعنى قوله : " شعيرة " : يعني وزن شعيرة من ذهب

ورواه أبو يعلى ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن آدم به .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى ( فإن الله غفور رحيم ) كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شقوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه ، عليه السلام . فلما قال ذلك صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة ، فأنزل الله بعد هذا : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فوسع الله عليهم ولم يضيق .

وقال عكرمة ، والحسن البصري في قوله : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) نسختها الآية التي بعدها ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى آخرها .

وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، ومقاتل بن حيان : سأل الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه بالمسألة ، فقطعهم الله بهذه الآية ، فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة بعد ذلك : ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم )

وقال معمر ، عن قتادة : ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إنها منسوخة : ما كانت إلا ساعة من نهار . وهكذا روى عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن مجاهد قال علي : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وأحسبه قال : وما كانت إلا ساعة .

القول في تأويل قوله تعالى : أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)

&; 23-251 &;

يقول تعالى ذكره: أشقّ عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صدقات الفاقة، وأصل الإشفاق في كلام العرب: الخوف والحذر، ومعناه في هذا الموضع: أخشيتم بتقديم الصدقة الفاقة والفقر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَأَشْفَقْتُمْ ) قال: شقّ عليكم تقديم الصدقة، فقد وُضِعت عنكم، وأمروا بمناجاة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بغير صدقة حين شقّ عليهم ذلك.

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أَبو أُسامة، عن شبل بن عباد المكيّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ): فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.

وقوله: (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) يقول تعالى ذكره: فإذ لم تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، ورزقكم الله التوبة من ترككم ذلك، فأدّوا فرائض الله التي أوجبها عليكم، ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة، وأطيعوا الله ورسوله، فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه.

(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: والله ذو خبرة وعلم بأعمالكم، وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها.

&; 23-252 &;

المعاني :

أَأَشْفَقْتُمْ :       أَخَشِيتُمُ الفَقْرَ؟ السراج
ءَأَشۡفَقۡتُمۡ :       أخَشِيْتُم الفَقْرَ عَقِبَ تَقْدِيمِ الصَّدَقةِ؟ الميسر في غريب القرآن
ءَأشـفـقـتـمْ :       أخِفـتم الفقر و العَيلة معاني القرآن
تاب الله عليكم :       خفّـف عنكم بنسخ حكمِها معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[13] نزلت بعد عشرة أيام من التي قبلها، ونسخت التي قبلها، وهي من أظهر آيات النسخ؛ لأنها أسقطت وجوب تقديم الصدقة، قال الألوسي: «والظاهر -والله أعلم- أن الحادثة من باب الابتلاء والامتحان، ليظهر للناس محب الدنيا من محب الآخرة، والله بكل شيء عليم».
وقفة
[13] ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ النفوس شديدة التعلق بالمال والحرص عليه، ومن رحمة الله تعالى بخَلقه أن خفَّفَ عنهم التكاليف في المال وأوجب القليل فيه.
تفاعل
[13] ﴿وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يتوب عليك.
لمسة
[13] ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ عدل عن (فصلوا) إلى: (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ليكون المراد المثابرة على توفية حقوق الصلاة ورعاية ما فيه كمالها، لا على أصل فعلها فقط.
وقفة
[13] ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ هاتان العباداتان هما أم العبادات البدنية والمالية؛ فمن قام بهما على الوجه الشرعي فقد قام بحقوق الله وحقوق عباده.
عمل
[13] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ﴾ احرصْ على اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبي ﷺ.
وقفة
[13] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ﴾ الحرص على اتباع سنة النبي ﷺ.
وقفة
[13] ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ﴾ والعبرة في ذلك على الإخلاص والإحسان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فيعلم تعالى أعمالهم، وعلى أي وجه صدرت، فيجازيهم على حسب علمه بما في صدورهم.
وقفة
[13] أحيانًا تأتي الفاصلة القرآنية: ﴿والله بما تعملون خبير﴾ [البقرة: 271]، وأحيانًا: ﴿والله خبير بما تعملون﴾ فما الفرق بينهما؟ الجواب: الخبير: هو العالم ببواطن الأمور، فإذا كانت الآية تتحدث عن العمل الخفي؛ قدم العمل نحو: ﴿وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ... والله بما تعملون خبير﴾ [البقرة: 271]، وإذا كانت الآية تتحدث عن خفي قدم الخبير نحو: ﴿إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ... والله خبير بما تعملون﴾، والنجوى خفية.

الإعراب :

  • ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ:
  • الهمزة همزة انكار بلفظ‍ استفهام. أشفقتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. بمعنى أخفتم الفقر من تقديم الصدقات؟ .
  • ﴿ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ:
  • حرف مصدري ناصب. تقدموا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «تقدموا» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الاعراب و «ان» المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به لأشفقتم أي أخفتم تقديم. وشبه الجملة بَيْنَ يَدَيْ نَجْااكُمْ» أعرب في الآية الكريمة السابقة. صدقات: مفعول به لتقدموا منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا:
  • الفاء استئنافية. اذ: ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب فيه معنى المجازاة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تفعلوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم بمعنى: فان لم تفعلوا ما أمرتم به وشق عليكم.
  • ﴿ وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ:
  • الواو عاطفة. تاب: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم وعلامة رفعه الضمة. عليكم: جار ومجرور متعلق بتاب. الميم علامة جمع الذكور بمعنى: وعذركم.
  • ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ:
  • الفاء: واقعة في جواب «اذ» أقيموا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الصلاة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة
  • ﴿ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ:
  • الجملتان معطوفتان بواوي العطف على «أقيموا الصلاة» وتعربان اعرابها. الواو عاطفة. رسوله: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثالثة بمعنى والله ذو خبرة بعملكم أو عليم بأعمالكم.'

المتشابهات :

آل عمران: 32﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
آل عمران: 132﴿وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
الأنفال: 1﴿وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ
الأنفال: 20﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ
الأنفال: 46﴿وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ
المجادلة: 13﴿فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ قالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: نَزَلَتِ الآيَةُ في الأغْنِياءِ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ ﷺ فَيُكْثِرُونَ مُناجاتَهُ ويَغْلِبُونَ الفُقَراءَ عَلى المَجالِسِ، حَتّى كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ مِن طُولِ جُلُوسِهِمْ ومُناجاتِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، وأمَرَ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ المُناجاةِ، فَأمّا أهْلُ العُسْرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، وأمّا أهْلُ المَيْسَرَةِ فَبَخِلُوا، واشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ.وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّ في كِتابِ اللَّهِ لَآيَةً ما عَمِلَ بِها أحَدٌ قَبْلِي، ولا يَعْمَلُ بِها أحَدٌ بَعْدِي: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ . كانَ لِي دِينارٌ فَبِعْتُهُ بِدَراهِمَ، وكُنْتُ إذا ناجَيْتُ الرَّسُولَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ حَتّى نَفِدَ، فَنُسِخَتْ بِالآيَةِ الأُخْرى: ﴿أأشْفَقْتُمْ أن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكم صَدَقاتٍ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا دَلَّ خَتمُ الآيةِ على التَّخفيفِ، وكان قد يَدَّعي مُدَّعُونَ عَدَمَ الوِجدانِ كَذِبًا، فيَحصُلُ لهم حَرَجٌ، وكان اللهُ تعالى شديدَ العنايةِ بنَجاةِ هذه الأُمَّةِ؛ دَلَّ على لُطفِه بهم بنَسْخِه بعد فَرْضِه، قال تعالى:
﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعلون:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة عياش، عن أبى عمر.

مدارسة الآية : [14] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا ..

التفسير :

[14] ألم تر إلى المنافقين الذين اتخذوا اليهود أصدقاء ووالَوْهم؟ والمنافقون في الحقيقة ليسوا من المسلمين ولا من اليهود، ويحلفون كذباً إنهم مسلمون، وإنك رسول الله، وهم يعلمون أنهم كاذبون فيما حلفوا عليه.

يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الذين يتولون الكافرين، من اليهود والنصارى وغيرهم ممن غضب الله عليهم، ونالوا من لعنة الله أوفى نصيب، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين،{ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}

فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا، لأن ظاهرهم مع المؤمنين، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به، والحال أنهم يحلفون على ضده الذي هو الكذب، فيحلفون أنهم مؤمنون، وهم يعلمونأنهم ليسوا مؤمنين.

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا ... للتعجيب من حال هؤلاء المنافقين، حيث اتخذوا اليهود حلفاء لهم، ينقلون إليهم أسرار المؤمنين ...

أى: ألم ينته إلى علمك- أيها الرسول الكريم- حال أولئك المنافقين، الذين اتخذوا اليهود أولياء، يناصحونهم ويطلعونهم على أخباركم.

فالمراد بالقوم الذين غضب الله عليهم: اليهود، ووصفهم بذلك للتنفير منهم، ولبيان أن المنافقين قد بلغوا النهاية في القبح والسوء، حيث والوا وناصروا من غضب الله عليهم، لا من رضى الله عنهم.

ثم دمغ- سبحانه- هؤلاء المنافقين برذيلة أخرى فقال: ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ أى: أن هؤلاء المنافقين بمسلكهم هذا، صاروا بمنزلة الذين ليسوا منكم- أيها المؤمنون- وليسوا- أيضا- منهم، أى: من اليهود.

وإنما هم دائما لا مبدأ لهم ولا عقيدة، فهم كما قال- سبحانه- مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ....

وفي الحديث الشريف: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين- أى المترددة بين قطيعين- لا تدرى أيهما تتبع» .

قال الجمل: وقوله: ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ فيه أوجه. أحدها: أن هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، فقد أخبر عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخلص، ولا من الكافرين الخلص، بل هم كقوله- تعالى-: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ....

والضمير في قوله ما هُمْ يعود على المنافقين، وفي قوله مِنْهُمْ يعود على اليهود.

الثاني: أنها حال من فاعل «تولوا» والمعنى على ما تقدم.

الثالث: أنها صفة ثانية لقوله «قوما» ، وعليه يكون الضمير في قوله:

«ما هم» يعود على اليهود، والضمير في قوله: «منهم» يعود على المنافقين.

يعنى: أن اليهود ليسوا منكم- أيها المؤمنون- ولا من المنافقين. ومع ذلك تولاهم «المنافقون» ... إلا أن في هذا الوجه تنافرا بين الضمائر، فإن الضمير في «ويحلفون» عائد على المنافقين، وعلى الوجهين الأولين تتحد الضمائر» .

ثم دمغهم- سبحانه- برذيلة ثالثة أشد نكرا من سابقتيها فقال: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

أى: أنهم ينقلون إلى اليهود أسرار المؤمنين، مع أنهم لا تربطهم باليهود أية رابطة، لا من دين ولا من نسب ... وفضلا عن كل ذلك، فإن هؤلاء المنافقين يواظبون ويستمرون على الحلف الكاذب المخالف للواقع، والحال أنهم يعلمون أنهم كاذبون علما لا يخالطه شك أو ريب.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد ذم هؤلاء المنافقين. بجملة من الصفات القبيحة، التي على رأسها تعمدهم الكذب، وإصرارهم عليه.

قال صاحب الكشاف: «قوله: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ أى: يقولون: والله إنا لمسلمون، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أن المحلوف عليه كذب بحت.

فإن قلت: فما فائدة قوله: وَهُمْ يَعْلَمُونَ؟ قلت: الكذب أن يكون لا على وفاق المخبر عنه، سواء علم المخبر أم لم يعلم.. فالمعنى أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه، وهم عالمون بذلك متعمدون له، كمن يحلف بالغموس ... » .

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في رجل يقال له: عبد الله بن نبتل- وكان من المنافقين الذين يجالسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفعون حديثه إلى اليهود، وفي يوم من الأيام كان صلى الله عليه وسلم جالسا في إحدى حجراته، فقال لمن حوله: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبار، وينظر بعيني شيطان» فدخل ابن نبتل، - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية- فقال له صلى الله عليه وسلم: «علام تشتمني أنت وأصحابك» ؟.

فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت هذه الآية .

ومن الآيات الكثيرة التي صرحت بأن المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة على سبيل التعمد قوله- تعالى-: وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ. يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ .

يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن ، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين ، كما قال تعالى : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) [ النساء : 143 ] وقال ها هنا : ( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) يعني : اليهود ، الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن . ثم قال : ( ما هم منكم ولا منهم ) أي : هؤلاء المنافقون ، ليسوا في الحقيقة لا منكم أيها المؤمنون ، ولا من الذين تولوهم وهم اليهود .

ثم قال : ( ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) يعني : المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا ، وهي اليمين الغموس ، ولا سيما في مثل حالهم اللعين ، عياذا بالله منه فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله له أنهم مؤمنون ، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ; لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه ، وإن كان في نفس الأمر مطابقا ; ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى القوم الذين تَولَّوْا قومًا غضب الله عليهم، وهم المنافقون تولَّوا اليهود وناصحوهم.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولَّوا اليهود وناصحوهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) قال: هم اليهود تولاهم المنافقون.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عز وجلّ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ ) قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود، وقرأ قول الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى بلغ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لئن كانَ ذلك لا يفعلُونَ وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معًا لنصرتنا وعزّنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال الله عزّ وجلّ: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حتى بلغ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ وقرأ حتى بلغ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ قال: لا يبرزون.

وقوله: ( مَا هُمْ مِنْكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ما هؤلاء الذين تولَّوْا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم، منكم يعني: من أهل دينكم وملتكم، ولا منهم ولا &; 23-253 &; هم من اليهود الذين غضب الله عليهم، وإنما وصفهم بذلك منكم جلّ ثناؤه لأنهم منافقون إذا لقوا اليهود، قالوا وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ .

وقوله: ( وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ويحلفون على الكذب، وذلك قولهم لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: نشهد إنك لرسول الله وهم كاذبون غير مصدّقين به، ولا مؤمنين به، كما قال جلّ ثناؤه وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ وقد ذُكر أن هـَذِه الآية نـزلت في رجل منهم عاتبه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على أمر بلغه عنه، فحلف كذبًا.

* ذكر الخبر الذي رُوي بذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، أو بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ"، قال: فدخل رجل أزرق، فقال له: " علام تسبني أو تشتمني. قال: فجعل يحلف، قال: فنـزلت هذه الآية التي في المجادلة: ( وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) والآية الأخرى.

المعاني :

إلى الذين :       هم المنافقون معاني القرآن
الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا :       المُنَافِقِينَ اتَّخَذُوا اليَهُودَ أَصْدِقَاءَ، وَوَالَوْهُمْ السراج
تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا :       اتخذوهم أصدقاءَ يُحِبُّونهم وينصرونهم الميسر في غريب القرآن
توَلوْا قومًا :       اتـّـخذوا اليهود أولياء معاني القرآن
غضب الله عليه :       هم اليهود معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[14] قال القشيري: «من وافق مغضوبًا عليه أشرك نفسه في استحقاق غضب من هو غضبان عليه؛ فمن تولى مغضوبًا عليه من قبل الله استوجب غضب الله، وكفى بذلك هوانًا وحزنًا وحرمانًا».
وقفة
[14] قال قتادة: «هم المنافقون تولوا اليهود»، وهو شأن المنافقين في كل عصر، يتولون اليهود على حساب المؤمنين.
وقفة
[14] أشدُّ النَّاس حُمقًا من استدبر أهل ملَّته، وأقبل على أعداء دينه وأمَّته، فلم يحظَ برضاهم، وباء بسخط من الله وغضب.
وقفة
[14] أعمالُ القلوب من أعظم الأعمال، ولذا كانت موالاة أعداء الله من شرِّ ما يوجب غضبَ الله والعذابَ الأليم.
وقفة
[14] انتصر المنافقون لليهود، والنبي ﷺ بينهم والوحي ينزل؛ فانتصارهم من بعده أولى.
وقفة
[14] من علامات النفاق: ظهور الحمية في قضايا غير المسلمين، والفتور عند قضايا المسلمين.
وقفة
[14] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِم﴾ ولاية اليهود من شأن المنافقين.
تفاعل
[14] ﴿غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِم﴾ استعذ بالله من غضبه.
وقفة
[14] ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ، تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً» [مسلم 2784]، ومعنى تعير أي تنفلت، فالمنافق يدخل مع أهل الإيمان تارة، ومع أهل الكفر والباطل تارة، فلا ثبات له على حال، لكنه دائمًا حائر بين الفريقين.
وقفة
[14] ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين غنمين، لا تدرى أيّهما تتبع؟!
وقفة
[14] ﴿وَيَحْلِفونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي أنهم كاذبون، إن قلتَ: ما فائدةُ الِإخبار عنهم بذلك؟ قلتُ: فائدتُه بيانُ ذمِّهم بارتكابهم اليمين الغموس.
وقفة
[14] لم تزلِ الأيمانُ الكاذبةُ حصنًا لأهل النفاق: ﴿وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى﴾ [التوبة: 107]، ﴿ويحلفون على الكذب وهم يعلمون﴾، ﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم﴾ [التوبة: 56]، ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ [16].

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً:
  • أعربت في الآية الكريمة الثامنة. تولوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. قوما: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أي اتخذوهم أولياء.
  • ﴿ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لقوما وهم اليهود. غضب: فعل ماض مبني على الفتح ولفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بغضب
  • ﴿ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب بدل من الجملة الفعلية غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ» أو تفسيرية لا محل لها من الاعراب. ما: نافية بمنزلة «ليس» في لغة الحجاز لا عمل لها في لغة تميم. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم «ما» على اللغة الأولى ومبتدأ على اللغة الثانية. منكم: جار ومجرور متعلق بخبر «ما» أو بخبر «هم» والميم علامة جمع الذكور. الواو عاطفة. لا: زائدة لتاكيد معنى النفي. منهم: جار ومجرور معطوف على «منكم» ويعرب اعرابه.
  • ﴿ وَيَحْلِفُونَ:
  • الواو عاطفة. يحلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ عَلَى الْكَذِبِ:
  • جار ومجرور متعلق بيحلفون أي يقولون والله انا لمسلمون أي فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الاسلام أو يكون الجار والمجرور متعلقا بحال من ضمير «يحلفون» بتقدير: ويحلفون بالله كاذبين بمعنى مدعين الاسلام.
  • ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يعلمون: تعرب اعراب «يحلفون» وجملة «يعلمون» في محل رفع خبر «هم» وحذف مفعولها اختصارا لأنه معلوم. أي وهم يعلمون أن المحلوف عليه كذب.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قالَ السُّدِّيُّ ومُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلٍ المُنافِقِ، كانَ يُجالِسُ النَّبِيَّ ﷺ ثُمَّ يَرْفَعُ حَدِيثَهُ إلى اليَهُودِ، فَبَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في حُجْرَةٍ مِن حُجَرِهِ إذْ قالَ: ”يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ قَلْبُهُ قَلْبُ جَبّارٍ، ويَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطانٍ“ . فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ المُنافِقُ، وكانَ أزْرَقَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وأصْحابُكَ ؟“ . فَحَلَفَ بِاللَّهِ ما فَعَلَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ”فَعَلْتَ“ . فانْطَلَقَ فَجاءَ بِأصْحابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ ما سَبُّوهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآياتِ.أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، قالَ: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيابِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعاوِيَةَ، قالَ: حَدَّثَنا سِماكُ بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ حَدَّثَهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ في ظِلِّ حُجْرَةٍ مِن حُجَرِهِ وعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ قَدْ كادَ الظِّلُّ يَقْلِصُ عَنْهم، فَقالَ لَهم: ”إنَّهُ سَيَأْتِيكم إنْسانٌ يَنْظُرُ إلَيْكم بِعَيْنَيْ شَيْطانٍ، فَإذا أتاكم فَلا تُكَلِّمُوهُ“ . فَجاءَ رَجُلٌ أزْرَقُ، فَدَعاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وكَلَّمَهُ، فَقالَ: ”عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وفُلانٌ وفُلانٌ ؟“ . نَفَرٌ دَعا بِأسْمائِهِمْ، فانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَدَعاهم، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ واعْتَذَرُوا إلَيْهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكم ويَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى شَيْءٍ ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [المجادلة: ١٨] .رَواهُ الحاكِمُ في صَحِيحِهِ عَنِ الأصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَفّانَ، عَنْ عَمْرٍو العَنْقَزِيِّ، عَنْ إسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولَمَّا أخبرَ اللهُ بإحاطةِ علمِه تعالى بكلِّ شيءٍ، بَيَّنَ هنا اطلاعَه على نفاقِ المنافقينَ الذينَ والَوْا اليهودَ ونقلُوا إليهم أسرارَ المؤمنينَ، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ..

التفسير :

[15] أعدَّ الله لهؤلاء المنافقين عذاباً بالغ الشدة والألم، إنهم ساء ما كانوا يعملون من النفاق والحلف على الكذب.

فجزاء هؤلاء الخونة الفجرة الكذبة، أن الله أعد لهم عذابا شديدا، لا يقادر قدره، ولا يعلم وصفه، إنهم ساء ما كانوا يعملون، حيث عملوا بما يسخط اللهويوجب عليهم العقوبة واللعنة.

ثم بين- سبحانه- ما أعده لهم من عذاب فقال: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ...

أى: هيأ الله- تعالى- لهؤلاء المنافقين عذابا قد بلغ النهاية في الشدة والألم.

وجملة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ تعليل لنزول العذاب الشديد بهم، أى: إن هذا العذاب الشديد المهيأ لهم سببه سوء أعمالهم في الدنيا، واستحبابهم العمى على الهدى.

ثم قال : ( أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون ) أي : أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة ، وهي موالاة الكافرين ونصحهم ، ومعاداة المؤمنين وغشهم ; ولهذا قال تعالى

القول في تأويل قوله تعالى : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)

يقول تعالى ذكره: أعدّ الله لهؤلاء المنافقين الذين تولَّوا اليهود عذابًا في الآخرة شديدًا(إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) في الدنيا بغشهم المسلمين، ونصحهم لأعدائهم من اليهود.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[15] ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم عَذابًا شَديدًا﴾ العذاب معد سلفًا.
تفاعل
[15] ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
لمسة
[15] ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ تعليلٌ لإعداد العذاب الشديد للمنافقين في الدرك الأسفل من النار، كي لا تأخذ المسلمين بهم شفقة، فقد عملوا أعمالًا سيئة متكررة كما يؤذن بذلك الفعل المضارع: (يَعْمَلُونَ).

الإعراب :

  • ﴿ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً:
  • تعرب اعراب-غضب الله عليهم-. عذابا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. شديدا: صفة-نعت- لعذابا منصوبة بالفتحة أيضا.
  • ﴿ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة من سورة «التوبة» وفي الآية الثانية من سورة «المنافقون».'

المتشابهات :

التوبة: 9﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
المجادلة: 15﴿أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
المنافقون: 2﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ عن حالِ المنافِقينَ؛ أتْبَعَه الإخبارَ عن مآلِهم، قال تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ولَمَّا أخبَرَ اللهُ بعَذابِهم؛ علَّله هنا، قال تعالى:
﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن ..

التفسير :

[16] اتخذ المنافقون أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من القتل بسبب كفرهم، ولمنع المسلمين عن قتالهم وأخذ أموالهم، فبسبب ذلك صدُّوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله وهو الإسلام، فلهم عذاب مُذلٌّ في النار؛ لاستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله وصدِّهم عن سبيله.

{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي:ترسا ووقاية، يتقون بها من لوم الله ورسوله والمؤمنين، فبسبب ذلك صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله، وهي الصراط الذي من سلكه أفضى به إلى جنات النعيم. ومن صد عنه فليس إلا الصراط الموصل إلى الجحيم،{ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} حيث استكبروا عن الإيمان بالله والانقياد لآياته، أهانهم بالعذاب السرمدي، الذي لا يفتر عنهم ساعة ولا هم ينظرون.

وقوله- سبحانه- اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... بيان لرذيلة رابعة أو خامسة، لا تقل في قبحها عما سبقها من رذائل، وقوله: أَيْمانَهُمْ جمع يمين بمعنى الحلف.

وقوله: جُنَّةً من الجنّ بمعنى الستر عن الخاصة، وهذه المادة وما اشتق منها تدور حول الستر والخفاء. وتطلق الجنة على الترس الذي يضعه المقاتل على صدره أو على ذراعيه ليتقى به الضربات من عدوه.

ومفعول فَصَدُّوا: محذوف للعلم به.

أى: أن هؤلاء المنافقين قد اتخذوا أيمانهم الكاذبة. وهي حلفهم للمسلمين بأنهم معهم، وبأنهم لا يضمرون شرا لهم.. اتخذوا من كل ذلك وقاية وسترة عن المؤاخذة، كما يتخذ المقاتل الترس وقاية له من الأذى..

فَصَدُّوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى: عن دينه الحق، وطريقه المستقيم.

فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أى: فترتب على تسترهم خلف الأيمان الفاجرة، وعلى صدهم غيرهم عن الحق، أن أعد الله- تعالى- لهم عذابا يهينهم ويذلهم.

( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ) أي : أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم ، فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس ( فلهم عذاب مهين ) أي : في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة .

القول في تأويل قوله تعالى : اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)

&; 23-254 &;

وقوله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) يقول جلّ ثناؤه: جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وذلك أنهم إذا أطلع منهم على النفاق، حلفوا للمؤمنين بالله إنهم لمنهم (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول جلّ ثناؤه: فصدّوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل الله فيهم، وذلك أنهم كفر، وحكم الله وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل، أو أخذ الجزية، وفي عبدة الأوثان القتل، فالمنافقون يصدّون المؤمنين عن سبيل الله فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون، وإنهم منهم، فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم، ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الإيمان بالله.

وقوله: (فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) يقول: فلهم عذاب مذِلّ لهم في النار.

المعاني :

جُنَّةً :       وِقَايَةً لَهُمْ مِنَ القَتْلِ السراج
جُنَّةࣰ :       وِقايِةً وسِتْرَةً الميسر في غريب القرآن
جُـنّـة :       وقاية لأنفسهم و أموالهم معاني القرآن
مُّهِينࣱ :       مُذِلٌّ في النَّارِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[16] ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ ما أسهل على المنافق أن يبيع دينه بأيمان كاذبة!
وقفة
[16] ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ قالوا في الأمثال الشعبية: «قالوا للحرامي: احلف، قال: جاءك الفرج».
وقفة
[16] ﴿فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ بيننا اليوم من ينتسب لهذا الدين، ثم يصد الناس عن الإسلام، ويُضعف في القلوب أمر الإيمان، وينال من حملة القرآن، ولا شك أن أمثال هؤلاء ينتظرهم أشد العذاب مع الهوان.
تفاعل
[16] ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ اتَّخَذُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَيْمانَهُمْ جُنَّةً:
  • مفعولا «اتخذوا» منصوبان بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة أي جعلوا أو صيروا أيمانهم التي حلفوا بها أو أيمانهم الذي أظهروه سترة يتسترون بها من قتلهم.
  • ﴿ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ:
  • معطوفة بالفاء على «اتخذوا» وتعرب اعرابها. وحذف المفعول. أي فصدوا الناس من خلال أمنهم وسلامتهم. ويجوز أن يكون الفعل لازما بمعنى: فأعرضوا عن سبيل الله أي عن دينه. عن سبيل: جار ومجرور متعلق بصدوا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ:
  • الفاء استئنافية تفيد التعليل. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. مهين: صفة-نعت-لعذاب مرفوعة بالضمة أيضا.'

المتشابهات :

المجادلة: 16﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
المنافقون: 2﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد بيان سوء أعمالهم، ومداومتهم عليها؛ أكد ذلك هنا بقوله تعالى:
﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أيمانهم:
1- بفتح الهمزة، جمع «يمين» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- إيمانهم، بكسر الهمزة، وهى قراءة الحسن.

مدارسة الآية : [17] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا ..

التفسير :

[17] لن تدفع عن المنافقين أموالهم ولا أولادهم مِن عذاب الله شيئاً، أولئك أهل النار يدخلونها فيبقَوْن فيها أبداً، لا يخرجون منها. وهذا الجزاء يعم كلَّ من صدَّ عن دين الله بقوله أو فعله.

{ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} فلا تدفععنهم شيئا من العذاب، ولا تحصل لهم قسطا من الثواب،{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} الملازمون لها، الذين لا يخرجون عنها، و{ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ومن عاش على شيء مات عليه.

وقوله- سبحانه-: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ... رد على ما كانوا يزعمونه من أنهم لن يعذبوا، لأنهم أكثر أموالا وأولادا من المؤمنين.

قال القرطبي: «قال مقاتل: قال المنافقون إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذا فو الله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة، فنزلت» .

ومن المعروف أن عبد الله بن أبى بن سلول- زعيم المنافقين-، كان من أغنياء المدينة، وكان يوطن نفسه على أن يكون رئيسا للمدينة قبيل- الإسلام، وهو القائل- كما حكى القرآن عنه-: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ...

أى: أن هؤلاء المنافقين المتفاخرين بأموالهم وأولادهم، لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من الغناء.

أُولئِكَ المنافقون هم أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ خلودا أبديا،

قال تعالى "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا" أي لن يدفع ذلك عنهم بأسا إذا جاءهم "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

القول في تأويل قوله تعالى : لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)

يقول تعالى ذكره: لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم، فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم، فينصرونهم ويستنقذونهم من الله إذا عاقبهم (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ) يقول: هؤلاء الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم، وهم المنافقون أصحاب النار، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون، يقول: هم في النار ماكثون إلى غير النهاية.

المعاني :

لَّن تُغۡنِيَ :       لَن تَدْفَعَ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[17] قال القرطبي: «قال مقاتل: قال المنافقون إن محمدًا يزعم أنه يُنصَر يوم القيامة لقد شقينا إذًا، فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة، فنزلت».
وقفة
[17] من صدَّ عن دين الله الحق بمقال أو فعال؛ أذاقه الله مُرَّ الوبال، ولم يغنِ عنه ما كان يستقوي به من ولدٍ أو مال.
وقفة
[17] مهما زادت الأموال وكثر الأولاد؛ فلن يستطيعوا صد عذاب الله عنكم، فهى سنة إلهية.
تفاعل
[17] ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب النار.

الإعراب :

  • ﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في سورة «آل عمران» الآية السادسة عشرة بعد المائة.'

المتشابهات :

آل عمران: 10﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ
آل عمران: 116﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
المجادلة: 17﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۚ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     ولَمَّا لمْ تَقِهم أيمانُهم العذابَ؛ لم تُغْنِ عنهم أموالُهم ولا أنصارُهم شَيئًا يومَ القيامةِ، قال تعالى:
﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ ..

التفسير :

[18] يوم القيامة يبعث الله المنافقين جميعاً من قبورهم أحياء، فيحلفون له إنَّهم كانوا مؤمنين، كما كانوا يحلفون لكم -أيها المؤمنون- في الدنيا، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم في الدنيا عند المسلمين، ألا إنهم هم البالغون في الكذب حدّاً لم يبلغ

فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون في ذلك، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة.

ثم بين- سبحانه- حالهم يوم القيامة، وأنهم سيكونون على مثل حالهم في الدنيا من الكذب والفجور.. فقال- تعالى- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ.

أى: اذكر- أيها الرسول الكريم- يوم يبعث الله- تعالى- هؤلاء المنافقين جميعا للحساب والجزاء «فيحلفون» لله- تعالى- في الآخرة بأنهم مسلمون «كما» كانوا «يحلفون لكم» في الدنيا بأنهم مسلمون.

«ويحسبون» في الآخرة- لغبائهم وانطماس بصائرهم «أنهم» بسبب تلك الأيمان الفاجرة «على شيء» من جلب المنفعة أو دفع المضرة.

أى يتوهمون في الآخرة أن هذه الأيمان قد تنفعهم في تخفيف شيء من العذاب عنهم.

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ أى الذين بلغوا في الكذب حدا لا غاية وراءه.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن هؤلاء المنافقين في الدنيا، قد بعثوا والنفاق ما زال في قلوبهم، وسلوكهم القبيح لا يزال متلبسا بهم. فهم لم يكتفوا بكذبهم على المؤمنين في الدنيا، بل وفي الآخرة- أيضا- يحلفون لله- تعالى- بأنهم كانوا مسلمين.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ .

وقوله- سبحانه-: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: يعنى ليس العجب من حلفهم لكم- في الدنيا بأنهم مسلمون- فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر. ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة- بأنهم كانوا مسلمين في الدنيا.

والمراد وصفهم بالتوغل في نفاقهم، ومرونهم عليه، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل» .

وقال بعض العلماء ما ملخصه: وقوله: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ حذفت صفة شيء، لظهور معناها من المقام، أى: ويحسبون أنهم على شيء نافع.

وهذا يقتضى توغلهم في النفاق، ومرونتهم عليه، وأنه باق في أرواحهم بعد بعثهم، لأن نفوسهم خرجت من الدنيا متخلقة به، فإن النفوس إنما تكتسب تزكية أو خبثا في عالم التكليف.

وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن رجلا من أهل الجنة يستأذن ربه أن يزرع، فيقول الله له: أولست فيما شئت؟ قال: بلى يا ربي ولكن أحب أن أزرع، فأسرع وبذر، فيبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال.

وكان رجل من أهل البادية عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لا نجد هذا الرجل إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن- أى أهل البوادي- فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم إقرارا لما فهمه الأعرابى.

وفي حديث جابر بن عبد الله الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يبعث كل عبد على ما مات عليه.

قال عياض: هو عام في كل حالة مات عليها المرء، وقال السيوطي: يبعث الزمار بمزماره، وشارب الخمر بقدحه.

قلت: «ثم تتجلى لهم الحقائق على ما هي عليه، إذ تصير العلوم على الحقيقة» .

ثم قال : ( يوم يبعثهم الله جميعا ) أي : يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدا ، ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ) أي : يحلفون بالله عز وجل ، أنهم كانوا على الهدى والاستقامة ، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ; لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس ، فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ; ولهذا قال : ( ويحسبون أنهم على شيء ) أي : حلفهم ذلك لربهم ، عز وجل .

ثم قال منكرا عليهم حسبانهم ( ألا إنهم هم الكاذبون ) فأكد الخبر عنهم بالكذب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا زهير عن سماك بن حرب ، حدثني سعيد بن جبير ; أن ابن عباس حدثه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في ظل حجرة من حجره ، وعنده نفر من المسلمين قد كان يقلص عنهم الظل ، قال : " إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان ، فإذا أتاكم فلا تكلموه " . فجاء رجل أزرق ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه ، فقال ; " علام تشتمني أنت وفلان وفلان ؟ " - نفر دعاهم بأسمائهم - قال : فانطلق الرجل فدعاهم ، فحلفوا له واعتذروا إليه ، قال فأنزل الله ، عز وجل : ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون )

وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين ، عن سماك به ورواه ابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، به نحوه ، وأخرجه أيضا من حديث سفيان الثوري ، عن سماك بنحوه . إسناد جيد ولم يخرجوه .

وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) [ الأنعام : 23 ، 24 ]

القول في تأويل قوله تعالى : يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ &; 23-255 &; الْكَاذِبُونَ (18)

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرهم هم أصحاب النار، يوم يبعثهم الله جميعًا، فيوم من صلة أصحاب النار. وعُني بقوله: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ) من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم، فيحلفون له كما يحلفون لكم كاذبين مبطلين فيها.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فَيَحْلِفُونَ لَهُ ) قال: إن المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ) ... الآية، والله حالف المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياءه في الدنيا.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن سعيد بن جُبَير، قال: كان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في ظلّ حجرة قد كاد يَقْلِصُ عنه الظلّ، فقال: " إنَّهُ سيَأتِيكُمْ رَجُلٌ، أو يَطْلُعُ رَجُلٌ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَلا تُكَلِّمُوهُ" فلم يلبث أن جاء، فاطلع فإذا رجل أزرق، فقال له: " عَلام تَشْتُمُنِي أَنْت وَفُلانٌ وَفُلانٌ "؟ قال: فذهب فدعا أصحابه، فحلفوا ما فعلوا، فنـزلت: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .

وقوله: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ) يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحقّ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) فيما يحلفون عليه.

المعاني :

وَيَحْسَبُونَ :       يَعْتَقِدُونَ السراج

التدبر :

وقفة
[18] قال تعالى عن المنافقين: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾، وهذا يقتضي توغلهم في النفاق ورسوخه فيهم، وأنه باق في أرواحهم بعد بعثهم؛ لأن نفوسهم خرجت من عالم الدنيا متخلقة به، فإن النفوس إنما تكتسب تزكية أو خبثًا في عالم التكليف.
وقفة
[18] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا فِي ظِلِّ حُجْرَتِهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: يَجِيئُكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَلَا تُكَلِّمُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ دَعَاهُ، فَقَالَ: عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟! قَالَ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى آتِيَكَ بِهِمْ، قَالَ: فَذَهَبَ فَجَاءَ بِهِمْ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَمَا فَعَلُوا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. [أحمد 3277، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن].
وقفة
[18] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ من عاش على شيء مات عليه؛ فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعًا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء؛ لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئًا فشيئًا، حتى غرتهم، وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب.
وقفة
[18] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ لقد بلغ المنافقون في الكذب الغاية، وانحطوا به إلى دركة بعيدة، حتى تجاسروا يوم القيامة على الكذب على ربهم الذي يعلم السرَّ وأخفى، فما أشدَّ طيشهم!
وقفة
[18] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ عادتهم القبيحة كثرة الحلف، حتى حلفوا بين يدي عالم الغيب والشهادة ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾.
وقفة
[18] ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ عادتُهم القبيحةُ الأيمانُ الكاذبةُ، حتَّى حَلَفوا بين يدي عالِمِ الغيبِ والشَّهادةِ.
وقفة
[18] ﴿ويَحسبون أنهم مهتدون﴾ [الأعراف: 30]، ﴿ويَحسبون أنهم يُحسِـنون﴾ [الكهف: 104]، ﴿ويحسبون أنهم على شيء﴾ كم من مفتون لا يدري أنه مفتون!

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ:
  • مفعول فيه-ظرف زمان-منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخالدين أو يجوز أن يكون اسما منصوبا بمضمر أي مفعولا به لفعل محذوف تقديره: اذكر.
  • ﴿ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً:
  • الجملة الفعلية: في محل جر بالاضافة. يبعث: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة جميعا توكيد للضمير «هم» منصوب وعلامة نصبه الفتحة أي كلهم. ويجوز أن تكون حالا بتقدير: مجتمعين..
  • ﴿ فَيَحْلِفُونَ لَهُ:
  • الفاء عاطفة. يحلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. له: جار ومجرور متعلق بيحلفون. أي فيحلفون لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة.
  • ﴿ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ:
  • الكاف حرف جر للتشبيه. ما: مصدرية. يحلفون: أعربت. وجملة «يحلفون» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب لكم: جار ومجرور متعلق بيحلفون والميم علامة جمع الذكور. و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق-مصدر-محذوف التقدير: فيحلفون له حلفا كحلفهم لكم. بمعنى كما يحلفون لكم في الدنيا على ذلك. أو تكون الكاف اسما بمعنى «مثل» مبنيا على الفتح في محل نصب صفة للمصدر المحذوف..
  • ﴿ وَيَحْسَبُونَ:
  • معطوفة بالواو على «يحلفون» وتعرب اعرابها. و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «يحسبون».
  • ﴿ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أن» على شيء: جار ومجرور متعلق بخبر «أن» أي أنهم على شيء من النفع.
  • ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ:
  • حرف استفتاح أو تنبيه. انهم: أعربت. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الكاذبون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. وجملة هُمُ الْكاذِبُونَ» في محل رفع خبر «إنّ» ويجوز أن تكون «هم» ضمير فصل- عماد-لا محل له من الاعراب وتكون «الكاذبون» خبر «إنّ».'

المتشابهات :

التوبة: 96﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ
المجادلة: 18﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍۚ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا اتخذ المنافقون أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من القتل في الدنيا؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنهم سيكونون على مثل حالهم في الدنيا من الكذب والفجور، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ..

التفسير :

[19] غلب عليهم الشيطان واستولى عليهم، حتى تركوا أوامر الله والعمل بطاعته، أولئك حزب الشيطان وأتباعه. ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر،{ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}

{ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الذين خسروا دينهم ودنياهم وأنفسهم وأهليهم.

ثم بين- سبحانه- الأسباب التي جعلت المنافقين ينغمسون في نفاقهم فقال: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ...

وقوله: اسْتَحْوَذَ من الحوذ: وهو أن يتبع السائق حاذيى البعير، أى: أدبار فخذه ثم يسوقه سوقا عنيفا، لا يستطيع البعير الفكاك منه ... والمراد به هنا: شدة الاستيلاء والغلبة ... ومنه قول السيدة عائشة في عمر- رضى الله عنهما-: «كان أحوذيا» أى: كان ضابطا للأمور، ومستوليا عليها استيلاء تاما ...

والمعنى: إن هؤلاء المنافقين قد استولى عليهم الشيطان استيلاء تاما، بحيث صيرهم تابعين لوساوسه وتزيينه، فهم طوع أمره، ورهن إشارته، فترتب على طاعتهم له أن أنساهم طاعة الله- تعالى-، وحسابه، وجزاءه، فعاشوا حياتهم يتركون ما هو خير، ويسرعون نحو ما هو شر ...

أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة حِزْبُ الشَّيْطانِ أى: جنوده وأتباعه أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ خسارة لا تقاربها خسارة، لأنهم آثروا العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، والضلال على الهدى ...

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة ببيان سنة من سننه في خلقه، وهي أن الذلة والصغار لأهل الباطل، والعزة والغلبة لأهل الحق ... الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، فقال- تعالى-:

ثم قال : ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) أي : استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله ، عز وجل ، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه ; ولهذا قال أبو داود :

حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زائدة ، حدثنا السائب بن حبيش ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ، عن أبي الدرداء : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو ، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب القاصية " . قال زائدة : قال السائب : يعني الصلاة في الجماعة .

ثم قال تعالى : ( أولئك حزب الشيطان ) يعني : الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله . ثم قال تعالى : ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )

القول في تأويل قوله تعالى : اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)

يعني تعالى ذكره بقوله: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ) غلب عليهم الشيطان (فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ) يعني جنده وأتباعه (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ &; 23-256 &; الْخَاسِرُونَ ) يقول: ألا إن جند الشيطان وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صَفْقَتِهِمْ.

المعاني :

اسْتَحْوَذَ :       غَلَبَ، وَاسْتَوْلَى السراج
استحوذ عليهم :       اسْـتولى و غلبَ على عقولهم معاني القرآن
فَأَنسَىٰهُمۡ :       جَعَلَهُم يَتْرُكُونَ الميسر في غريب القرآن
ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ :       تَوْحِيدَ اللهِ، والعَمَلَ بِطاعَتِهِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

تفاعل
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
عمل
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ أحاط بهم من كل جهة، لا تُمكِّن لعدو الله من جميع منافذك.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ هذا والله الاعتقال الذي لا يفك قيوده إلا التوبة أو النار.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ أوَّل قيودِ الشيطانِ على الإنسانِ تقييدُ اللسانِ عن الذِّكرِ، فإذا قُيّدَ اللسانُ استسلَمَت الأركانُ.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ أشد عقوبة في الدنيا أن يمسك الله لسانك عن ذكره.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ هذا هو الاعتقال الحقيقي أن يأسرك الشيطان باستحواذه عليك، فلا تجد مخرجًا إلى نور الذكر.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ معركة شرسة يديرها الشيطان بخطوات وخبث.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ عملية أسر متكاملة الأركان، وتجنيد في حزب الشيطان، وملامحها الرئيسة: نسيان الذكر، وأعلاه: القرآن.
وقفة
[19] ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾ أي: أحاط بهم من كل جهة، فمن فقه الآية: لا تُمكِّن لعدو الله من جميع منافذك؛ لأنه سيستحوذ عليها، ولن يترك لك مخرجًا.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ إذا أردت أن تعرف قدر سيطرة الشيطان؛ تأمل حالك مع ذكر الله وخاصة مع القرآن.
عمل
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ إن أردت الأنس بذكر الله والقرب منه؛ فأغلق مداخل الشيطان إلى قلبك.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ ذكر الله من أعظم ما يجلو القلب ويمنعه من استحواذ الشيطان عليه، إذ لم يستحوذ الشيطان قط علي قلب ذاكر.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ أول ما يصيب الإنسان من قيود الشيطان، تقييد لسانه عن الذكر والشكران، فإذا ما قيد اللسان استسلم الجَنانْ، وتبعته سائر الأركان.
عمل
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ من أهم علامات استيلاء الشيطان عليك: نسيانك ذكر الله؛ فاجتهد في ذكر الله في كل وقت.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ المعاصي حاجز عن حفظ القرآن ومراجعته، وتدبر آياته.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ أهم نقطة لعدوك الشيطان: إغفالك عن الذكر؛ لأنه من أعظم ما يقربك من الله.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ إذا نسيت ذكر الله؛ فاعلم أن الشيطان قد استحوذ عليك؛ فارجع إلى ربك واستعذ به.
وقفة
[19] ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ تُعرَف سيطرة الشيطان على الإنسان بمقدار غفلته عن ذكر الله.
عمل
[19] احرص على ذكر الله قبل الأكل وبعده وقبل النوم وبعده ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾.
عمل
[19] احرص على الصلوات الخمس مع الجماعة؛ خاصة الفجر والعصر ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ﴾.
عمل
[19] المنافقون من حزب الشيطان؛ فاحذرهم واحذر صفاتهم ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
وقفة
[19] ﴿أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ يتحزبون لله، لكن أفعالهم شيطانية!
وقفة
[19] ﴿أُولئِك حِزْبُ الشَيْطان ألا إِن حِزْبَ الشَيْطان هُمُ الْخاسِرُون﴾ ليس من دأب العاقل أن يقبل مثل هذا لنفسه.
عمل
[19] ﴿أُولئِك حِزْبُ الشَيْطان ألا إِن حِزْبَ الشَيْطان هُمُ الْخاسِرُون﴾ في الدنيا حزبان لا ثالث لهما، حزب الله المفلحون،حزب الشيطان الخاسرن؛ فاختر لنفسك ما تريد.
عمل
[19] ﴿أُولئِك حِزْبُ الشَيْطان ألا إِن حِزْبَ الشَيْطان هُمُ الْخاسِرُون﴾ هما حزبان ورايتان؛ فإمَّا أن تكون من حزب الله وتمضي تحت رايته، وإما أن تكون من حزب الشيطان وتنقاد لرايته، فاختَر لنفسك.

الإعراب :

  • ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق باستحوذ. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة. أي استولى عليهم الشيطان.
  • ﴿ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ:
  • الفاء عاطفة. أنسى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول. ذكر: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب. حزب: خبر «أولئك» مرفوع بالضمة أو يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم وجملة «هم حزب الشيطان» في محل رفع خبر «أولئك» الشيطان: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أي جنده وأتباعه.
  • ﴿ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة. و «حزب» اسم «ان».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد بيان حالهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا السببَ الذي أوصلهم إلى هذه الحال، فقال تعالى:
﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

استحوذ:
وقرئ:
استحاذ، على الأصل والقياس، و «استحوذ» شاذ فى القياس فصيح فى الاستعمال، وهى قراءة عمر.

مدارسة الآية : [20] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..

التفسير :

[20] إن الذين يخالفون أمر الله ورسوله، أولئك من جملة الأذلاء المغلوبين المهانين في الدنيا والآخرة.

هذا وعد ووعيد، وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول، لا عاقبة له حميدة، ولا راية له منصورة.

أى: إن الذين يحادون دين الله- تعالى-، ويحاربون ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، أولئك الذين يفعلون ذلك ...

«في الأذلين» أى: في عداد أذل خلق الله- تعالى- وهم المنافقون ومن لف لفهم، من الكافرين وأهل الكتاب.

وقال- سبحانه-: أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ للإشعار بأنهم مظروفون وكائنون، في ذروة أشد خلق الله ذلا وصغارا.

يقول تعالى مخبرا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله ، يعني : الذين هم في حد والشرع في حد ، أي : مجانبون للحق مشاقون له ، هم في ناحية والهدى في ناحية ، ( أولئك في الأذلين ) أي : في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب ، الأذلين في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20)

يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله ورسوله في حدوده، وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) يقول: يعادون الله ورسوله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.

حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) قال: يعادون، يشاقُّون.

وقوله: (أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله في أهل الذلة، لأن الغلبة لله ورسوله.

المعاني :

يُحَادُّونَ :       يُخَالِفُونَ، وَيُشَاقُّونَ السراج
يُحَآدُّونَ :       يُخالِفُونَ الميسر في غريب القرآن
يُحادّون :       يُـعادون و يُشاقّـون و يُخالفون معاني القرآن
الأَذَلِّينَ :       الأَذِلَّاءِ المَغْلُوبِينَ المُهَانِينَ السراج
ٱلۡأَذَلِّينَ :       مِن جُمْلةِ الأذِلَّاءِ المغلوبِينَ المهانِينَ الميسر في غريب القرآن
الأذلين :       الزّائدين في الذلة و الهوان معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[20] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم، فيظن من رآهم أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم، قال تعالى نفيًا لهذا الغرور الظاهر: أولئك أي: الأباعد الأسافل ﴿فِي الْأَذَلِّينَ﴾ أي: الذين يعرفون أنهم أذل الخلق، قال الحسن البصري: «إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهَملَجَتْ بهم البراذين، إنَّ ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى اللهُ إلا أن يُذِلَّ من عصاه»، ومعنى الهملجة: أي حسن سير الدابة في سرعة وبخترة، والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب.
وقفة
[20] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ من استهان بالدِّين أذله رب العالمين، ومن حارب أولياء الله انتظم في سلك المهانين.
وقفة
[20] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ ذكر الذين يحادون الله ورسوله في آية سابقة، وقد ذكر أنهم كبتوا كما كبت الذين من قبلهم، أي: أُذلوا وأُخذوا وأن لهم عذابًا مهينًا. وقد ذكر في هذه الآية أنهم في الأذلين، أي: في جملة من هو أذل خلق الله، لا ترى أحدًا أذل منهم. وقال عنهم: إنهم في الأذلين، ولم يقل: (أولئك هم الأذلون) ذلك أن هناك من هم من الأذلين غيرهم، وهم الذين كبتوا من الأمم السابقة ممن حاد الله ورسله، وممن سيأتي فيما بعد. فناسب أن يقول:﴿أُوْلَٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّين﴾ أي: في جملتهم وذلك في الدنيا والآخرة.
وقفة
[20] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ من طلب العزة بغير الله؛ أذله الله وأخزاه، فكيف بمن يطلبها عند أعدائه المحاربين له ولدينه ولكتابه؟!
وقفة
[20] لن يرتفع رأس امرئ منتسب للإسلام وهو يخاصم شرعة الله ورسوله ﷺ، ويقعد ﻷهلها بكل صراط يوعد ويصد عنها ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾.
تفاعل
[20] ﴿أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الأذلاء المهانين.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان».
  • ﴿ يُحَادُّونَ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى: يعادون وأصله: يحاددون فأدغمت الدال في الدال فحصل التشديد.
  • ﴿ اللهَ وَرَسُولَهُ:
  • مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. الواو عاطفة. رسوله: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «ان» أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. في الأذلين: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. بمعنى في جملة من هو أذل خلق الله.'

المتشابهات :

المجادلة: 5﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
المجادلة: 20﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ خسران حزب الشيطان؛ بَيَّنَ هنا سنة من سننه في خلقه، وهي أن الذلة والصغار لأهل الباطل، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :المجادلة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ..

التفسير :

[21] كتب الله في اللوح المحفوظ وحَكَم بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين. إن الله سبحانه قوي لا يعجزه شيء، عزيز على خلقه.

ووعد لمن آمن به، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين، أن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة، وهذا وعد لا يخلف ولا يغير، فإنه من الصادق القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء يريده.

ثم بشر- سبحانه- من هم على الحق بأعظم البشارات فقال: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.

أى: أثبت الله- تعالى- ذلك في اللوح المحفوظ وقضاه، وأراد وقوعه في الوقت الذي يشاؤه.

فالمراد بالكتابة: القضاء والحكم. وعبر بالكتابة للمبالغة في تحقق الوقوع.

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية، أنه لما فتح الله- تعالى- للمؤمنين ما فتح من الأرض، قال المؤمنون: إنا لنرجو أن يفتح الله لنا فارس والروم.

فقال بعض المنافقين: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي تغلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا، من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت.

قال الآلوسى: كَتَبَ اللَّهُ أى: أثبت في اللوح المحفوظ، أو قضى وحكم.. وهذا التعبير جار مجرى القسم، ولذا قال- سبحانه-: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أى: بالحجة والسيف وما يجرى مجراه، أو بأحدهما.. .

إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصر رسله وأوليائه عَزِيزٌ لا يغلبه غالب بل هو القاهر فوق عباده.

والمقصود بالآية الكريمة: تقرير سنة من سننه- تعالى- التي لا تتخلف، وأن النصر سيكون حليفا لأوليائه، في الوقت الذي علمه وأراده.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .

وقوله- تعالى- وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ .

( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) أي : قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ، ولا يبدل ، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة ، وأن العاقبة للمتقين ، كما قال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 51 ، 52 ] وقال ها هنا ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) أي : كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه . وهذا قدر محكم وأمر مبرم ، أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)

وقوله: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) يقول: قضى الله وخطّ في أمّ &; 23-257 &; الكتاب، لأغلبن أنا ورسلي مَن حادّني وشاقَّني.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) . الآية، قال: كتب الله كتابا وأمضاه.

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول: إن الله جلّ ثناؤه ذو قوّة وقدرة على كلّ من حادّه، ورسوله أن يهلكه، ذو عزّة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه، أو عاقبه، أو أصابه في نفسه بسوء.

المعاني :

كَتَبَ :       قَضَى وَكَتَبَ في اللَّوحِ المحْفُوظِ الميسر في غريب القرآن
لَأَغْلِبَنَّ :       لَأَنْتَصِرَنَّ السراج
لَأَغۡلِبَنَّ :       لَتَكونَنَّ الغَلَبةُ بِالقُوَّةِ للهِ ولِرُسُلِهِ الميسر في غريب القرآن
عَزِيزٌ :       غَالِبٌ لَا يُغْلَبُ السراج
عَزِيزࣱ :       مانِعٌ حِزْبَهُ مِنْ أَن يُذَلَّ الميسر في غريب القرآن
عزيزٌ :       غالب على أعدائه غير مغلوب معاني القرآن

التدبر :

عمل
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ عجبًا لمن يتشاءم بعد هذه الآية ويقنط من نصر الله وروحه، فإن تأخر النصر فلنتفقد أنفسنا ولا نسيء الظن بربنا.
وقفة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ مهما طال الزمن سيظهر الحق.
عمل
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ كن أبدًا على ثقة بموعود الله ويقين أنَّ الغلبة والنصر والتمكين لله ورسله وأتباعهم المتقين.
لمسة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ من المتكلِّم هنا؟ الله سبحانه وتعالى، هذا نسميه التفات، ما قال: (كتبت لأغلبن).
وقفة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغلِبَنَّ أَنا وَرُسُلي﴾ النصر آتٍ آتٍ.
وقفة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ قال الزجاج: «غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب، ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة».
وقفة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ خسران أهل الكفر وغلبة أهل الإيمان سُنَّة إلهية قد تتأخر، لكنها لا تتخلف.
وقفة
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ على شدَّة العداء للإسلام والحرب، وتحالف الكفَّار في الشرق والغرب، فإنَّ راية الإسلام لا تزال خفَّاقة، بفضل الله القويِّ العزيز.
اسقاط
[21] ﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ إن صاحب الثقة بالله لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه، حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب.

الإعراب :

  • ﴿ كَتَبَ اللهُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. أي كتب سبحانه في اللوح.
  • ﴿ لَأَغْلِبَنَّ:
  • اللام لام التوكيد. أغلبن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. ونون التوكيد لا محل لها من الاعراب. وحذف مفعولها أي لأغلبن بالحجة والسيف أو بأحدهما أعداء الحق ممن حادنا أي عادانا.
  • ﴿ أَنَا وَرُسُلِي:
  • ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع توكيد للمضمر في «أغلبن» الواو عاطفة. رسلي: معطوف على «المضمر» في «أغلبن» مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة
  • ﴿ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة اسم «ان» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. قوي عزيز: خبرا «ان» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة. ويجوز أن يكون «عزيز» صفة لقوي.:'

المتشابهات :

الحج: 40﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
الحج: 74﴿مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
الحديد: 25﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
المجادلة: 21﴿كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     وبعد بيان أن الذلةَ والصغارَ لأهل الباطل؛ بَشَّرَ هنا أهلَ الحقِّ بالعزة والغَلبة، قال تعالى:
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف