272434445464748495051525354

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (43) الى الآية رقم (48) عدد الآيات (6)

الشُبْهَةُ الرَّابعةُ: قالُوا: اللهُ أعلى وأجلُّ من أن يكونَ رسولُه واحدًا من البشرِ، بل لو أراد بعثةَ رسولٍ لبعثَ ملَكًا، فأجابَ اللهُ: أنَّ عادَتَه من أولِ الخلقِ أنَّه لم يبعثْ رسولاً إلا من البشرِ، ثُمَّ هدَّدَهم، فالكونُ كلُّه خاضعٌ له.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (49) الى الآية رقم (55) عدد الآيات (7)

يَسْجُدُ له كلُّ مَا في السَّماواتِ والأرضِ، ثُمَّ أتبعَ ذلكَ بالنَّهيِ عن الشّركِ، فالكلُّ مُلْكُه، والنِّعمُ منه، والنَّاسُ مذبْذبُونَ، إذا أصابَهم الضّرُّ تضرّعُوا، وإذا كشَفَه عادُوا لشركِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة:: فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل:: انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «النحل».
  • • معنى الاسم :: النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية :: قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة :: أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة :: أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة :: أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

مدارسة الآية : [43] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ ..

التفسير :

[43] وما أرسلنا في السابقين قبلك -أيها الرسول- إلا رسلاً من الرجال لا من الملائكة، نوحي إليهم، وإن كنتم -يا مشركي قريش- لا تصدقون بذلك فاسألوا علماءَ أهل الكتب السابقة، يخبروكم أن الأنبياء كانوا بشراً، إن كنتم لا تعلمون أنهم بشر. والآية عامة في كل مسألة م

تفسير الآيتين 43 و44:ـ

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ْ} أي:لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين لا نساء.{ نُوحِي إِلَيْهِمْ ْ} من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم،{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ْ} أي:الكتب السابقة{ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ْ} نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى، وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.

وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ْ} أي:القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة،{ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ْ} وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه،{ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ} فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه.

قال الإمام ابن كثير: عن ابن عباس- رضى الله عنهما-: لما بعث الله- تعالى- محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فأنزل الله: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ..

وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ.. .

أى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- لهداية الناس وإرشادهم إلى الحق إلا رجالا مثلك، وقد أوحينا إليهم بما يبلغونه إلى أقوامهم، من نصائح وتوجيهات وعبادات وتشريعات، وقد لقى هؤلاء الرسل من أقوامهم، مثل ما لقيت من قومك من أذى وتكذيب وتعنت في الأسئلة.

فالمقصود من الآية الكريمة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والرد على المشركين فيما أثاروه حوله صلى الله عليه وسلم من شبهات.

وقد حكى القرآن في مواطن عدة إنكار المشركين لبشرية الرسل ورد عليهم بما يخرسهم، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.. .

وقوله- تعالى-: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا، أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا .

وقوله- تعالى- ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ .

والمراد بأهل الذكر في قوله «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» علماء أهل الكتاب أى: لقد اقتضت حكمتنا أن يكون الرسول من البشر في كل زمان ومكان، فإن كنتم في شك من ذلك- أيها المكذبون- فاسألوا علماء أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى، فسيبينون لكم أن الرسل جميعا كانوا من البشر ولم يكونوا من الملائكة.

وهذه الجملة الكريمة معترضة بين قوله- تعالى- وَما أَرْسَلْنا.. وبين قوله بعد ذلك: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.. للمبادرة إلى توبيخ المشركين وإبطال شبهتهم، لأنه قد احتج عليهم، بمن كانوا يذهبون إليهم لسؤالهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي قوله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ إيماء إلى أنهم كانوا يعلمون أن الرسل لا يكونون إلا من البشر، ولكنهم قصدوا بإنكار ذلك الجحود والمكابرة، والتمويه لتضليل الجهلاء، ولذا جيء في الشرط بحرف «إن» المفيد للشك.

وجواب الشرط لهذه الجملة محذوف، دل عليه ما قبله. أى: إن كنتم لا تعلمون، فاسألوا أهل الذكر. وقيل المراد بأهل الذكر هنا: المسلمون مطلقا، لأن الذكر هو القرآن، وأهله هم المسلمون.

ونحن لا ننكر أن الذكر يطلق على القرآن الكريم، كما في قوله- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ إلا أن المراد بأهل الذكر هنا: علماء أهل الكتاب، لأن المشركين كانوا يستفسرون منهم عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من استفسارهم من المسلمين.

قال الآلوسى ما ملخصه قوله- تعالى-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.. أى: أهل الكتاب من اليهود والنصارى. قاله: ابن عباس والحسن والسدى وغيرهم.

وقال أبو حيان في البحر: والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب، لأنهم الذين لا يتهمون عند المشركين في إخبارهم بأن الرسل كانوا رجالا، فإخبارهم بذلك حجة عليهم. والمراد كسر حجتهم وإلزامهم، وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج إلى إخبار هؤلاء..» .

قالوا: وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى أهل العلم فيما لا يعلم، وعلى أن الرسل جميعا كانوا من الرجال ولم يكن من بينهم امرأة قط.

قال الضحاك ، عن ابن عباس : لما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسولا أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا . فأنزل الله : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ) [ يونس : 2 ] وقال ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) يعني : أهل الكتب الماضية : أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم ، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا ، [ و ] قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ليسوا من أهل السماء كما قلتم .

وهكذا روي عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أن المراد بأهل الذكر : أهل الكتاب . وقاله مجاهد ، والأعمش .

وقول عبد الرحمن بن زيد - الذكر : القرآن واستشهد بقوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] - صحيح ، [ و ] لكن ليس هو المراد هاهنا ; لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه .

وكذا قول أبي جعفر الباقر : " نحن أهل الذكر " - ومراده أن هذه الأمة أهل الذكر - صحيح ، فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة ، وعلماء أهل بيت الرسول - عليهم السلام والرحمة - من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة ، كعلي ، وابن عباس ، وبني علي : الحسن والحسين ، ومحمد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وأبي جعفر الباقر - وهو محمد بن علي بن الحسين - وجعفر ابنه ، وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ، ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم ، وعرف كل ذي حق حقه ، ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمع إليه قلوب عباده المؤمنين .

والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت أن الرسل الماضين قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا بشرا كما هو بشر ، كما قال تعالى : ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) [ الإسراء : 93 ، 94 ] وقال تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) [ الفرقان : 20 ] وقال ( وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين [ ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ] ) [ الأنبياء : 8 ، 9 ] وقال : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) [ الأحقاف : 9 ] وقال تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] .

ثم أرشد الله تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشرا إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا : هل كان أنبياؤهم بشرا أو ملائكة ؟

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم، للدعاء إلى توحيدنا ، والانتهاء إلى أمرنا ونهينا، إلا رجالا من بني آدم نوحي إليهم وحينا لا ملائكة، يقول: فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نرسل إلى من قَبلهم من الأمم من جنسهم وعلى منهاجهم ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) يقول لمشركي قريش: وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الأمم رجال من بني آدم مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقلتم: هم ملائكة: أي ظننتم أن الله كلمهم قبلا فاسألوا أهل الذكر ، وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنـزلها على عباده.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) قال: أهل التوراة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) قال: سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة والإنجيل.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: هم أهل الكتاب.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: قال لمشركي قريش: إن محمدا في التوراة والإنجيل.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، قال: فأنـزل الله أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ فاسألوا أهل الذكر: يعني أهل الكتب الماضية، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم ، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولا قال: ثم قال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم.

وقال آخرون في ذلك ما حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: نحن أهل الذكر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال: الذكر: القرآن ، وقرأ إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وقرأ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ... الآية.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[43] لاحظ الالتفات من الغيبة إلى المتكلم: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾؛ وذلك إشارة لعلو شأن إرسال الرسل.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ ما المقصود بأهل الذكر؟ وهل يوجد فرق بين أهل العلم وأهل الذكر؟ هل لأهل الذكر صفات معينة؟ الجواب: المراد في هذا السياق: اسألوا العالمين بالقرآن، والذكر يطلق غالبًا على الوحي.
وقفة
[43] العلماء هم المفوضون في استنباط الأحكام، لا لعصمة اختصوا بها -فليس في ديننا كهنوت- ولكن لأهليتهم في أن يُسموا أهل الذكر ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ غيرهم ﻻ يسأل.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ليس العَـار أن تكون جَاهـلًا؛ العـار أن تبقىٰ جاهـلًا !
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ السؤال مفتاح العلم، ومن استشار الرجال استعَار عقولهم.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «إذا كنت لا تدري، ولم تك بالذي يسائل من يدري، فكيف إذن تدري».
عمل
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ لا تخجَل مِن سؤال أهل العِلمِ في شي ء مِن أمور الدين والدُّنيا، فهو أمر ربَّاني بسؤالهِم في أمور نجهلها وهم يعلمُونهَا.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قيل: «من تحدث بغير فنه أتى بالعجائب».
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وفي ضِمنِهِ تعديلٌ لأهل العلم، وتزكيةٌ لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدلَّ على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنْزيله.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وأفضل أهل الذكر: أهل القرآن العظيم؛ فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: 44] أي: القرآن.
عمل
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي مسألة تجهلها فعليك أن ترجع إلى أهل الاختصاص بها، ولا تأتِ بشيء من عندك.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال الإمام السيوطي: «استدل به على جواز التقليد في الفروع للعامي».
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال العلامة السعدي: «وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب، وأحرى للسلامة من الخطأ».
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ عن ابن عباس قال: «أتدرون ما ذهاب العلم ؟» قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء.
وقفة
[43] ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس: «لا يزال عالم يموت، وأثر للحق يدرس، حتى يكثر أهل الجهل، وقد ذهب أهل العلم، فيعملون بالجهل، ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل».
وقفة
[43] الجاهل يتنازعه إفراط وتفريط، فإما أن يأتي بمالم يأذن به الله فإفراط، أو يغفل عما أمر الله به فتفريط، والحل ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وقفة
[43] قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، لم يقل: (من عنده ذكر وعلم) بل لابد أن يكون مؤهلًا متخصصًا.
وقفة
[43] إذا كان الإنسان يذهب ويسأل الأمهر والأحذق في أمور دنياه، فإن التوقّي في إصلاح أمور دينه أعظم ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
عمل
[43] إذا أردت الإتقان والتفوق فاسأل أهل الخبرة: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وإن أردت أن تعرف الله وتسعد بقربه: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 59].

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَرْسَلْنا:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.أي وما أرسلنا الى الأمم.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً:
  • جار ومجرور متعلق بأرسلنا والكاف في محل جر بالاضافة. إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. رجالا: مفعول به منصوب بالفتحة أي رجالا لا ملائكة.
  • ﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ:
  • الجملة: في محل نصب صفة-نعت-لرجالا. نوحي:فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. إليهم: جار ومجرور متعلق بنوحي.
  • ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ:
  • الفاء: واقعة في جواب شرط‍ متقدم. اسألوا:فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أهل: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف. الذكر: مضاف إليه مجرور بالكسرة. أي فاسألوا أهل الكتب السماوية. أو العلماء والعارفين بالتواريخ.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. والتاء ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. لا تعلمون: الجملة: في محل نصب خبر «كان» لا: نافية لا عمل لها. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف المفعول اختصارا لأنه معلوم. أي لا تعلمون ذلك. وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه التقدير: إن كنتم لا تعلمون ذلك فاسألوا أهل الذكر. '

المتشابهات :

يوسف: 109﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ
النحل: 43﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
الأنبياء: 7﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُّوحِي إلَيْهِمْ﴾ نَزَلَتْ في مُشْرِكِي مَكَّةَ، أنْكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وقالُوا: اللَّهُ أعْظَمُ مِن أنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا، فَهَلّا بَعَثَ إلَيْنا مَلَكًا ؟ '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     الشُبْهَةُ الرَّابعةُ من شبهاتِ المشركين: قالُوا: «اللهُ أعلى وأجلُّ من أن يكونَ رسولُه واحدًا من البشرِ، بل لو أراد بعثةَ رسولٍ لبعثَ ملَكًا»، فبَيَّنَ اللهُ أنَّ عادَتَه من أولِ الخلقِ أنَّه لم يبعثْ رسولاً إلا من البشرِ، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نوحى:
1- بالنون وكسر الحاء، وهى قراءة عبد الله، والسلمى، وطلحة، وحفص.
وقرئ:
2- بالياء وفتح الحاء، وهى قراءة الجمهور.
3- بالياء وكسر الحاء، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [44] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ..

التفسير :

[44] وأَرْسَلْنا الرسل السابقين بالدلائل الواضحة وبالكتب السماوية، وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن؛ لتوضح للناس ما خفي مِن معانيه وأحكامه، ولكي يتدبروه ويهتدوا به.

تفسير الآيتين 43 و44:ـ

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ْ} أي:لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين لا نساء.{ نُوحِي إِلَيْهِمْ ْ} من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم،{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ْ} أي:الكتب السابقة{ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ْ} نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى، وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.

وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ْ} أي:القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة،{ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ْ} وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه،{ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ} فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه.

والجار والمجرور في قوله: «بالبينات والزبر» .... متعلق بقوله «وما أرسلنا..» وداخل تحت حكم الاستثناء مع «رجالا» .

والمراد بالبينات: الحجج والمعجزات الدالة على صدق الرسل.

والزبر: جمع زبور بمعنى مزبور أى مكتوب. يقال: زبرت الكتاب.. من باب نصر وضرب- أى: كتبته كتابة عظيمة.

أى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- إلا رجالا مؤيدين بالمعجزات الواضحات، وبالكتب العظيمة المشتملة على التشريعات الحكيمة والآداب الحميدة، والعقائد السليمة، التي تسعد الناس في دينهم وفي دنياهم.

وقوله- سبحانه-: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. بيان للحكم التي من أجلها أنزل الله- تعالى- القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

أى: وأنزلنا إليك- أيها الرسول الكريم- القرآن، لتعرف الناس بحقائق وأسرار ما أنزل لهدايتهم في هذا القرآن من تشريعات وآداب وأحكام ومواعظ ولعلهم بهذا التعريف والتبيين يتفكرون فيما أرشدتهم إليه، ويعملون بهديك ويقتدون بك في أقوالك وأفعالك، وبذلك يفوزون ويسعدون.

فأنت ترى أن الجملة الكريمة قد اشتملت على حكمتين من الحكم التي أنزل الله- تعالى- من أجلها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الحكمة الأولى: فهي تفسير ما اشتمل عليه هذا القرآن من آيات خفى معناها على أتباعه، بأن يوضح لهم صلى الله عليه وسلم ما أجمله القرآن الكريم من أحكام أو يؤكد لهم صلى الله عليه وسلم هذه الأحكام.

ففي الحديث الشريف عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

«ألا وإنى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ... » .

وأما الحكمة الثانية: فهي التفكر في آيات هذا القرآن، والاتعاظ بها، والعمل بمقتضاها، قال- تعالى-: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ. وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.

والمراد بالناس في قوله- تعالى- لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ العموم، ويدخل فيهم المعاصرون لنزول القرآن الكريم دخولا أوليا.

وأسند- سبحانه- التبيين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ عن الله- تعالى- ما أمره بتبليغه.

قال الجمل: قوله- تعالى- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...

يعنى: أنزلنا إليك- يا محمد- الذكر الذي هو القرآن، وإنما سماه ذكرا، لأن فيه مواعظ وتنبيها للغافلين، «لتبين للناس ما نزل إليهم» يعنى ما أجمل إليك من أحكام القرآن، وبيان الكتاب يطلب من السنة، والمبين لذلك المجمل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال بعضهم: متى وقع تعارض بين القرآن والحديث، وجب تقديم الحديث، لأن القرآن مجمل والحديث مبين، بدلالة هذه الآية، والمبين مقدم على المجمل» .

وبعد أن ردت السورة الكريمة على ما أثاره المشركون من شبهات حول الدعوة الإسلامية، أتبعت ذلك بتهديدهم من سوء عاقبة ما هم فيه من كفر وعصيان وعناد، فقال- تعالى-:

ثم ذكر تعالى أنه أرسلهم ) بالبينات ) أي : بالدلالات والحجج ، ( والزبر ) وهي الكتب . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك وغيرهم .

والزبر : جمع زبور ، تقول العرب : زبرت الكتاب إذا كتبته ، وقال تعالى : ( وكل شيء فعلوه في الزبر ) [ القمر : 52 ] وقال : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء : 105 ] .

ثم قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر ) يعني : القرآن ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) من ربهم أي : لعلمك بمعنى ما أنزل عليك ، وحرصك عليه ، واتباعك له ، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم ، فتفصل لهم ما أجمل ، وتبين لهم ما أشكل : ( ولعلهم يتفكرون ) أي : ينظرون لأنفسهم فيهتدون ، فيفوزون بالنجاة في الدارين .

يقول تعالى ذكره: أرسلنا بالبينات والزُّبُر رجالا نوحي إليهم.

فإن قال قائل: وكيف قيل بالبينات والزُّبُر ، وما الجالب لهذه الباء في قوله ( بِالْبَيِّنَاتِ ) فإن قلت: جالبها قوله ( أرْسَلْنَا ) وهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة " ما " قبل " إلا " بعدها؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها ، قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: الباء التي في قوله (بالبَيِّنَاتِ ) من صلة أرسلنا، وقال: إلا في هذا الموضع، ومع الجحد والاستفهام في كلّ موضع بمعنى غير ، وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلكم بالبينات والزبر غير رجال نوحي إليهم، ويقول على ذلك: ما ضرب إلا أخوك زيدا، وهل كلم إلا أخوك عمرا، بمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلم عمرا إلا أخوك؟ ويحتجّ في ذلك بقول أوْس بن حَجَر:

أبَنِـــي لُبَيْنَـــي لَسْــتُمَ بِيَــدٍ

إلا يَـــدٍ لَيْسَــتْ لَهَــا عَضُــدُ (1)

ويقول: لو كانت " إلا " بغير معنى لفسد الكلام، لأن الذي خفض الباء قبل إلا لا يقدر على إعادته بعد إلا لخفض اليد الثانية، ولكن معنى إلا معنى غير ، ويستشهد أيضا بقول الله عزّ وجلّ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ ويقول: إلا بمعنى غير في هذا الموضع ، وكان غيره يقول: إنما هذا على كلامين، يريد: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا أرسلنا بالبينات والزبر ، قال: وكذلك قول القائل: ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه: ما ضرب إلا أخوك ، ثم يبتدئ ضرب زيدا، وكذلك ما مَرَّ إلا أخوك بزيد ما مرّ إلا أخوك، ثم يقول: مرّ بزيد ، ويستشهد على ذلك ببيت الأعشى:

ولَيْسَ مُجِـيرًا إنْ أتَـى الحَـيَّ خائِفٌ

وَلا قـــائِلا إلا هُـــوَ المُتَعَيَّبــا (2)

ويقول: لو كان ذلك على كلمة لكان خطأ، لأن المُتَعَيَّبا من صلة القائل، ولكن جاز ذلك على كلامين وكذلك قول الآخر:

نُبِّئْــتُهُمْ عَذَّبُــوا بالنَّــارِ جـارَهُمُ

وَهَــلْ يُعَــذِّبُ إلا اللَّــهُ بالنَّـارِ (3)

فتأويل الكلام إذن: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ أرسلناهم بالبينات والزبر، وأنـزلنا إليك الذكر. والبينات: هي الأدلة والحجج التي أعطاها الله رسله أدلة على نبوّتهم شاهدة لهم على حقيقة ما أتوا به إليهم من عند الله. والزُّبُر: هي الكتب، وهي جمع زَبُور، من زَبَرْت الكتاب وذَبَرته: إذا كتبته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ) قال: الزبر: الكتب.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ) قال: الآيات. والزبر: الكتب.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الزُّبُر: الكتب.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (بالزُّبُر) يعني: بالكتب.

وقوله ( وَأَنـزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) يقول: وأنـزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم ، ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ) يقول: لتعرفهم ما أنـزل إليهم من ذلك ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) يقول: وليتذكروا فيه ويعتبروا به أي بما أنـزلنا إليك ، وقد حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا الثوري، قال: قال مجاهد ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) قال: يطيعون.

----------------------

الهوامش :

(1) رواية هذا البيت في الكتاب لسيبويه ( 1: 362 ):

يــا بُنَــيْ لُبَيْنَــى لَسْــتُمَا بِيَـدٍ

إلاَّ يَـــداً لَيسَــتْ لَهَــا عَضُــدُ

بنصب يد التي بعد إلا على محل بيد التي قبلها. قال الشنتمري في الكلام على الشاهد: الشاهد فيه نصب ما بعد إلا، على البدل من موضع الباء وما عملت فيه. والتقدير: لستما يدا إلا يدا لا عضد لها. ولا يجوز الجر على البدل من المجرور، لأن ما بعد "إلا" مجرور، والباء: مؤكدة للنفي. ويروي: مخبولة

العضد. والخبل: الفساد، أي أنتما في الضعف وقلة النفع كيد بطل عضدها. أ ه.

وقال الفراء في معاني القرآن ( 1: 172): ورأيت الكسائي يجعل إلا مع الجحد والاستفهام بمنزلة غير ... وقال في قوله تعالى: ( لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا) لا أجد المعنى إلا: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا. واحتج بقول الشاعر:

أبنـــي لبينـــي لســتم بيــد

إلا يـــد ليســت لهــا عضــد

فقال: لو كان المعنى إلا لكان الكلام فاسدا في هذا المعنى؛ لأني لا أقدر في هذا البيت على إعادة خافض بضمير، وقد ذهب ههنا مذهبا. قلت: وقد جوز الشيخ خالد في يد التي بعد إلا النصب على الاستثناء، وعلى البدلية، كما مر في كلام الأعلم الشنتمري. وجوز وجهاً ثالثاً تبعا للكسائي وأنشد بيته الشاهد، وهذا الوجه: هو جره على الصفة ليد الأولى. التصريح بمضمون التوضيح 1: 424 ( طبعة الأميرية، باب الاستثناء) .

وقال الشيخ يس العليمي الحمصي في حاشيته على التصريح في هذا الموضع: "أبني لبيني" بصيغة المثنى، بدليل قوله "لستما" أي في رواية صاحب التصريح. وهو منادي حذف منه حرف النداء، وليس في قوله: "إلا يد" وصف الشيء بنفسه، لأن المعتمد بالصفة ليد الأولى صفة يد الثانية و "يد" الثانية صفة موطئة.

(2) البيت للأعشى بني ثعلبة ميمون بن قيس ( ديوانه طبعة القاهرة ص 113 ) يقول: إنه لا يملك أن يؤمن رجلا، فيجعله في جواره، لأن الناس لا يحترمون هذا الجوار، وإنما يحترمون جوار الأقوياء، فلا يجرءون أن ينالوا جارهم بأذى، والمتعيب اسم مفعول من تعيبه إذا نسبه إلى العيب: أي ولا قائلا القول المعيب إلا هو. وقد بين المؤلف وجه استشهاد بعض النحويين (وهو الكسائي) بالبيت. وأن المتعيبا منصوب بقائلا المحذوف. والتقدير: ولا قائلا إلا هو "قائلا" المعيبا. وهو معنى قوله، ولكن جاز ذلك على كلامين. أ ه.

(3) هذا البيت كسابقه: شاهد على أن قوله "بالنار" من صلة الفعل "يعذب" وما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها، فأخره ونوى كلامين، فيكون "بالنار" من صلة "يعذب" المحذوف. والتقدير: وهل يعذب إلا الله، يعذب بالنار. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( 172 ).

المعاني :

بالبيّنات :       أرسلناهم بالمعجزات معاني القرآن
وَالزُّبُرِ :       الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ السراج
الزّبُر :       كتب الشّرائع و التكاليف معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ يا لبركة القرآن، التفكير فيه عبادة وقربة وطاعة!
عمل
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ اقرأ آياته، تأمَّل قصصَه، تدبَّر أحكامه، فكَّر بمعانيه، الذكر: القرآن.
وقفة
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ لن تصل إلى مقاصد القرآن ودقائقه إلا بمعرفة سنة الحبيب ﷺ.
عمل
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ اقرأ حديثًا، أو مجموعة أحاديث من كتاب التفسير من صحيح البخاري، وتأمل كيف كان رسول الله ﷺ يبين القرآن.
وقفة
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ من إجمال مهمة الرسول: بيان ما في القرآن؛ لذا يجب على المفسر إذا وجد التفسير النبوي بطريق صحيح ثابت، ألا يذهب إلى غيره، لذا كان الحافظ ابن حجر يبذل غاية وسعه ليجد حديثًا صحيحًا في تفسير السورة أو الآية التي تطرق إليها بالكلام والتفسير، وإن لم يجد شيئًا من ذلك صرح به، كما قال في سورة قريش: أما هذه السورة فلم أر فيها حديثًا مرفوعًا صحيحًا.
وقفة
[44] ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ قال السعدي: «كلما ازداد العبد تأملًا في القرآن ازداد علمًا وعملًا وبصيرةً».
وقفة
[44] يجب أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بَيَّنَ لهم ألفاظه، فقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ يشمل هذا وهذا، يعنى اللفظ والمعنى.
وقفة
[44] العقل مع الوحي كالبصر مع الشمس، الوحي ينير الطريق والعقل يسير، والسير بلا نور تيه، والوحي بلا تدبر قصور ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ بِالْبَيِّناتِ:
  • جار ومجرور متعلق بما أرسلنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا: أي وما أرسلنا إلاّ رجالا بالبينات. أو متعلق بصفة لرجالا. أي رجالا متلبسين بالبينات. ويجوز أن يتعلق بمضمر تقديره أرسلنا بالبينات على تقدير سائل: بم أرسلوا؟ فالجواب بالبينات. ويجوز أن يتعلق بنوحي. أي نوحي اليهم بالبينات. والبينات. بمعنى: الآيات الواضحات.
  • ﴿ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ:
  • معطوفة بالواو على «البينات» مجرورة مثلها ومعناها: الكتب. الواو: عاطفة. أنزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. اليك: جار ومجرور متعلق بأنزلنا. الذكر: مفعول به منصوب بالفتحة. والذكر: أي القرآن.
  • ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ:
  • اللام: حرف جر للتعليل. تبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. وأن وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأرسلنا. وجملة «تبين» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ:
  • ا: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. نزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. اليهم: جار ومجرور متعلق بنزل وجملة «نزل» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى: ما نزل اليهم من الفرائض وغيرها.
  • ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ:
  • الواو للتعليل أو على ارادة اصغائهم للتنبيهات فيتأملوا أو استئنافية. لعل: حرف مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «لعلّ».يتفكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يتفكرون» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

فاطر: 25﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ
آل عمران: 184﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ
النحل: 44﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     ولَمَّا كانت رُسُلُ الملوك تقترن بما يُعرِّف بصِدْقِهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنه أرسل الرسل السابقين بالمعجزات والأدلة على صدقهم، قال تعالى:
﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن ..

التفسير :

[45] أفأمن الكفار المدبِّرون للمكايد أن يخسف الله بهم الأرض كما فَعَل بقارون، أو يأتيهم العذاب من مكان لا يُحِسُّونه ولا يتوقعونه.

تفسير الآيات من 45 حتى 47:ـ

هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده . ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهمأبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظاتومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله- تعالى-: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ هم عند أكثر المفسرين، مشركو مكة، الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وراموا صد أصحابه عن الإيمان.

وقيل: هم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء ... والمعول عليه ما عليه أكثر المفسرين، .

والاستفهام في الآية الكريمة للتعجيب والتوبيخ.

والفاء للعطف على مقدر دل عليه المقام.

قال بعضهم ما ملخصه: كل ما جاء في القرآن الكريم، من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه. فالأظهر فيه، أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل عليه المقام. والتقدير هنا: أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله لهم بالعقاب، فأمنوا مكره» .

والمراد بمكرهم هنا: سعيهم بالفساد بين المؤمنين، على سبيل الإخفاء والخداع.

والسيئات: صفة لمصدر محذوف، أى: مكروا المكرات السيئات. والمكرات- بفتح الكاف- جمع مكرة- بسكونها- وهي المرة من المكر.

ويجوز أن تكون كلمة السيئات مفعولا به بتضمين «مكروا» معنى: فعلوا.

والخسف: التغييب في الأرض، بحيث يصير المخسوف به في باطنها.

يقال: خسف الله بفلان الأرض، إذا أهلكه بتغييبه فيها.

ومنه قوله- تعالى-: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ.... .

والمعنى: أجهل الذين اجترحوا السيئات وعيدنا، فأمنوا عقابنا وتوهموا أنهم لن يصيبهم شيء من عذابنا، الذي من مظاهره خسف الأرض بهم كما خسفناها بقارون من قبلهم؟!!.

إن جهلهم هذا لدليل على انطماس بصيرتهم، واستحواذ الشيطان عليهم.

وقوله «أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون» بيان للون آخر من ألوان تهديدهم.

أى: في قدرتنا أن نخسف بهم الأرض، وفي قدرتنا أيضا أن نرسل عليهم العذاب فجأة فيأتيهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها، ولا يترقبون الشر من ناحيتها.

وفي الجملة الكريمة إشارة إلى أن هذا العذاب الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون. عذاب لا يمكن دفعه أو الهروب منه، لأنه أتاهم بغتة، ومن جهة لا يترقبون الشر منها.

وشبيه بهذا قوله- سبحانه- فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ... .

يخبر تعالى عن حلمه [ وإمهاله ] وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها ، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها ، مع قدرته على ( أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي : من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم ، كما قال تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ) [ الملك : 16 ، 17 ]

يقول تعالى ذكره: أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا: إذ قيل لهم: ماذا أنـزل ربكم: أساطير الأوّلين، صدّا منهم لمن أراد الإيمان بالله عن قصد السبيل، أن يخسف الله بهم الأرض على كفرهم وشركهم، أو يأتيهم عذاب الله من مكان لا يشعر به ، ولا يدري من أين يأتيه ، وكان مجاهد يقول: عنى بذلك نمرود بن كنعان.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ ) ... إلى قوله أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ قال: هو نمرود بن كنعان وقومه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك، لأن ذلك تهديد من الله أهل الشرك به، وهو عقيب قوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فكان تهديد من لم يقرّ بحجة الله الذي جرى الكلام بخطابه قبل ذلك أحرى من الخبر عمن انقطع ذكره عنه.

وكان قتادة يقول في معنى السيئات في هذا الموضع، ما حدثنا به بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ) : أي الشرك.

المعاني :

مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ :       دَبَّرُوا المَكَايِدَ السراج
يخسف :       يُغيّب معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[45] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ولكنه رؤوف رحيم، لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم، ويعافيهم، ويرزقهم، وهم يؤذونه، ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب.
وقفة
[45] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ينبغي لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي الخوف من الله تعالى أن يأخذهم بالعذاب على غِرَّة وهم لا يشعرون.
وقفة
[45] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ المصر على معصية قد ينزل الله به العذاب من حيث لا يشعر ولا يتوقع.
وقفة
[45] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يا راقدَ اللَّيلِ مسرورًا بأوَّلهِ ... إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أسحارَا
عمل
[45] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ جاهد نفسك على ترك المعاصي، لا تصر عليها، حاول، بادر، لا تسوف، وتذكر أن الله قادر على أن ينزل عليك غضبه في أي لحظة، وأنت لاه لا تشعر؛ لأنه سبحانه لا يعجزه شيء.
تفاعل
[45] ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ:
  • الهمزة: حرف استفهام لا محل لها. الفاء: زائدة-تزيينية- أمن: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. السيئات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى: دبروا المكرات السيئات لرسول الله.
  • ﴿ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يخسف:فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بهم: جار ومجرور. الأرض: مفعول به منصوب بالفتحة. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «أمن» وجملة «يخسف وما بعدها» صلة «أن» المصدرية لا محل لها.بمعنى: يقلب عاليها سافلها و «بهم» متعلق بيخسف.
  • ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ:
  • أو: حرف عطف للتخيير. يأتي العذاب: معطوفة بالواو على يَخْسِفَ اللهُ» وتعرب إعرابها. و «هم» ضمير الغائبين على السكون في محل نصب مفعول به مقدم وحرك آخره بالضم للاشباع. بمعنى: أو يأتيهم العذاب بغتة.
  • ﴿ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ:
  • من: حرف جر. حيث: اسم مبني على الضم في محل جر بمن. لا: نافية لا عمل لها. يشعرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة لا يَشْعُرُونَ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد حيث. '

المتشابهات :

النحل: 26﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
النحل: 45﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
الزمر: 25﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَـ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد ذكرِ مَساوئ المُشرِكين ومكايدهم، وتهديدِهم بعذابِ الآخرة؛ جاء هنا التعجب من استمرارهم في العناد، فهَدَّدَهم اللهُ عز وجل بأربعة أمور في الدنيا: الأول: أن يخسفَ اللهُ بهم الأرض كما خسف بقارون. الثاني: أن يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، فيهلكهم كما فعل بقوم لوط، قال تعالى:
﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا ..

التفسير :

[46]أو يأخذهم العذاب، وهم يتقلبون في أسفارهم وتصرفهم؟ فما هم بسابقين الله ولا فائتيه ولا ناجين من عذابه؛ لأنه القوي الذي لا يعجزه شيء.

تفسير الآيات من 45 حتى 47:ـ

هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده . ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهمأبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظاتومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه.

وقوله- سبحانه- أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ بيان لنوع ثالث من أنواع التهديدات التي هددهم الله- تعالى- بها.

والأخذ في الأصل: حوز الشيء وتحصيله، والمراد به هنا: القهر والإهلاك والتدمير ومنه قوله- تعالى- فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً وقوله- تعالى-: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

والتقلب: الحركة السريعة إقبالا وإدبارا، من أجل السعى في شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر وغير ذلك.

ومنه قوله- تعالى-: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ.

أى: في قدرتنا أن نخسف بهم الأرض، وأن نرسل عليهم العذاب من حيث لا يشعرون، وفي قدرتنا كذلك أن نهلكهم وهم يتحركون في مناكب الأرض خلال سفرهم أو إقامتهم، فإنهم في جميع الأحوال لا يعجزنا أخذهم، ولا مهرب لهم مما نريده بهم.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ .

وقوله ( أو يأخذهم في تقلبهم ) أي : في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها ، من أسفار ونحوها من الأشغال الملهية .

قال قتادة والسدي : ( تقلبهم ) أي : أسفارهم .

وقال مجاهد ، والضحاك : ( في تقلبهم ) في الليل والنهار ، كما قال تعالى : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ) [ الأعراف : 97 ، 98 ] . وقوله ( فما هم بمعجزين ) أي : لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه .

يعني تعالى ذكره بقوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أو يهلكهم في تصرّفهم في البلاد ، وتردّدهم في أسفارهم (فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: إن شئت أخذته في سفر.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.

وقال ابن جريج في ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: التقلب: أن يأخذهم بالليل والنهار.

المعاني :

تَقَلُّبِهِمْ :       أَسْفَارِهِمْ، وَتَصَرُّفَاتِهِمْ السراج
تقلّبهم :       أسفارهم و متاجرهم معاني القرآن
بمُعجزين :       فائتين من عذاب الله بالهرب معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[46] ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ الموت يأتي فجأة، وقد يكون بسبب أو بغير سبب، وقد يأتي في أوج صحة المرء أو انهيارها، وفي ذروة حركته أو سكونه.

الإعراب :

  • ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ:
  • أو: حرف عطف للتخيير. يأخذ: معطوفة على يَخْسِفَ اللهُ» وتعرب إعرابها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. يعود على الله سبحانه. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فِي تَقَلُّبِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بحال التقدير: أو يأخذهم في أسفارهم.أي متقلبين في أسفارهم. أو متقلبين في اسباب دنياهم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ:
  • الفاء: استئنافية. ما: نافية تعمل عمل «ليس» عند الحجازيين ولا عمل لها عند بني تميم. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم «ليس» أو مبتدأ. الباء: حرف جر زائد. معجزين: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر «ما» أو مرفوع محلا على أنه خبر «هم» وعلامة جر الاسم لفظا الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     الثالث: أن يأخذهم بعقوبة وهم في السفر، قال تعالى:
﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ ..

التفسير :

[47]أو يأخذهم الله بنقص من الأموال والأنفس والثمرات، أو في حال خوفهم مِن أخْذه لهم، فإن ربكم ليرحم خلقه رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم.

تفسير الآيات من 45 حتى 47:ـ

هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده . ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهمأبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظاتومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه.

وقوله- سبحانه-: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

قال بعض العلماء: والتخوف في اللغة يأتى مصدر تخوف القاصر، بمعنى خاف، ويأتى مصدر تخوف المتعدى بمعنى تنقص. وهذا الثاني لغة هذيل، وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن» .

والمعنى على الأول: أو يأخذهم وهم في حالة خوف وتوقع لنزول العذاب بهم، كما نزل بالذين من قبلهم.

وإلى هذا المعنى أشار ابن كثير بقوله: وقوله: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ. أى: أو يأخذهم الله- تعالى- في حال خوفهم من أخذه لهم، فإنه يكون أبلغ وأشد حالات الأخذ، فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ... » .

والمعنى على الثاني: أو يأخذهم وهم في حالة تنقص في أنفسهم وأموالهم وأولادهم حتى يهلكوا، فيكون هلاكهم قد سبقه الفقر والقحط والمرض، وفي ذلك ما فيه من عذاب لهم، وحسرة عليهم.

قال القرطبي: وقال سعيد بن المسيب: بينما عمر بن الخطاب- رضى الله عنه على المنبر قال: أيها الناس ما تقولون في قول الله- عز وجل-: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ.

فسكت الناس.

فقال شيخ من بنى هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين. التخوف: التنقص.

فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال نعم قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد اكتنازه:

تخوّف الرحل منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن

فقال عمر: أيها الناس: عليكم بديوانكم شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم» .

وختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ لبيان فضله- سبحانه- على عباده، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلهم لعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه.

وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد حذرت الكافرين من التمادي في كفرهم، وهددتهم:

بخسف الأرض بهم. أو بنزول العذاب عليهم من حيث لا يشعرون، أو بإهلاكهم وهم في الأرض يكدحون، أو بأخذهم وهم للأخذ متوقعون.

وبعد أن خوف- سبحانه- الماكرين بما خوف، أتبع ذلك بما يدل على كمال قدرته وعظمته وجلاله، حيث خضعت جميع المخلوقات لذاته- سبحانه- فقال- تعالى-:

وقوله : ( أو يأخذهم على تخوف ) أي : أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم ، فإنه يكون أبلغ وأشد حالة الأخذ ; فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ; ولهذا قال العوفي ، عن ابن عباس : ( أو يأخذهم على تخوف ) يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك . وكذا روي عن مجاهد ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم .

ثم قال تعالى : ( فإن ربكم لرءوف رحيم ) أي : حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ، كما ثبت في الصحيحين " [ لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " . وفي الصحيحين ] إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] وقال تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] .

وأما قوله ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) فإنه يعني: أو يهلكهم بتخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال منه: تخوّف مال فلان الإنفاق: إذا انتقصه، ونحو تخوّفه من التخوّف بمعنى التنقص، قول الشاعر:

تَخَـوَّفَ السَّـيْرَ مِنْهـا تامِكـا قَـرِدًا

كمـا تَخَـوَّفَ عُـودَ النَّبْعَـةِ السَّـفَنُ (4)

يعني بقوله تخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عدّي أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم ، ومنه قول الآخر:

تَخَــوَّفَ عَــدْوُهُمْ مـالي وأهْـدَى

سَلاسِـل فـي الحُـلُوقِ لَهَـا صَلِيـلُ (5)

وكان الفرّاء يقول: العرب تقول: تحوّفته: أي تنقصته، تحوّفا: أي أخذته من حافاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتى التفسير بالحاء وهما بمعنى. قال: ومثله ما قرئ بوجهين قوله: إن لك في النهار سَبْحًا وسَبْخًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن إبراهيم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عُمَر أنه سألهم عن هذه الآية (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) فقالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردّده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله ، قال: فخرج رجل من كان عند عمر، فلقي أعرابيا، فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تَخَيفته، يعني تنقصته ، قال: فرجع إلى عمر فأخبره، فقال: قدّر الله ذلك.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوّف بذلك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس ( عَلَى تَخَوُّفٍ ) قال: التنقص، والتفزيع.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) على تنقص.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( عَلَى تَخَوُّفٍ ) قال: تنقص.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) فيعاقب أو يتجاوز.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) قال: كان يقال: التخوّف: التنقُّص، ينتقصهم من البلدان من الأطراف.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) يعني: يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى، ويعذّب القرية ويهلكها، ويترك أخرى إلى جنبها.

وقوله ( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) يقول: فإن ربكم أن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجَّل لهم، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض، لرءوف بخلقه، رحيم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الأرض، ولم يعجِّل لهم العذاب، ولكن يخوّفهم وينقّصهم بموت.

--------------------

الهوامش :

(4) البيت لابن مقبل (لسان العرب: خوف) قال: التخوف: التنقص. وفي التنزيل: "أو يأخذهم على تخوف". قال الفراء في التفسير بأنه التنقيص قال: والعرب تقول: تحوقته أي تنقصته من حافاته. قال: فهذا الذي سمعته. قال: وقد أتى التفسير بالحاء قال الزجاج: ويجوز أن يكون معناه: أو يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية، فتخاف التي تليها. وقال ابن مقبل: تخوف ... إلخ والسفن: الحديدة التي تبرد بها القسي، أي تنقص، كما تأكل هذه الحديدة خشب القسي. وكذلك التخويف، يقال: خوفه وخوف منه. قال ابن السكيت: يقال: هو يتحوف المال (بالمهملة) ويتخوفه، أي يتنقصه، ويأخذ من أطرافه. وقال ابن الأعرابي: تحوفته وتحيفته، وتخوفته وتخيفته إذا تنقصته. والتامك السنام أو السنام المرتفع. والقرد: الذي تجمع شعره، أو الذي تراكم لحمه من السمن. وفي "فتح القدير" للشوكاني: التخوف بالفاء: التنقص: لغة لأزد شنوءة. والنبع من شجر الجبال نتخذه من القس، الواحدة نبعة.

(5) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (1: 360) قال: "على تخوف" مجازه: على التنقص، وأنشد بيتين ثانيهما بيت الشاهد، وأولهما:

أُلاُم عَــلى الهِجــاءِ وكُــلَّ يَـوْمٍ

يُلاقِينِــي مِــنَ الجِــيرَانِ غُـولُ

أي تنقص غدرهم مالي. سلاسل: يريد القوافي تنشد، فهو صليلها. وهو قلائد في أعناقهم. وفي رواية أبي عبيدة والقرطبي غدرهم، في مكان عدوهم. أي اعتداؤهم. قلت: وفي اللسان أيضاً (خوف) تخونه، وخونه ، وخون منه: نقصه. يقال: تخونني فلان حقي إذا تنقصك .

المعاني :

تَخَوُّفٍ :       حَالِ خَوْفٍ، وَنَقْصٍ فِي الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ السراج
تخوّف :       مخافة من العذاب أو تَنَقُّص معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[47] ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ﴾: فيه وجهان: أحدهما: أن معناه على تنقص؛ أي ينتقص أموالهم وأنفسهم شيئا بعد شيء، حتى يهلكوا من غير أن يهلكهم جملة واحدة، ولهذا أشار بقوله: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾؛ لأن الأخذ هكذا أخف من غيره، وقد كان عمر بن الخطاب أشكل عليه معنى التخوف في الآية، حتى قال له رجل من هذيل: التخوف: التنقص في لغتنا. والوجه الثاني: أنه من الخوف؛ أي يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا هم ذلك، فيأخذهم بعد أن توقعوا العذاب وخافوه.
عمل
[47] ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ تعرَّف على معنى اسمي الله: (الرؤوف) و(الرحيم), وادع الله بهما.

الإعراب :

  • ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ:
  • تعرب إعراب أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ» الواردة في الآية الكريمة السابقة أي متخوفين بمعنى: أو يدهمهم وهم متخوفون منه ولكنه لم يفعل. أو على خوف ووجل من العذاب.
  • ﴿ فَإِنَّ رَبَّكُمْ:
  • الفاء: استئنافية. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.ربّ: اسم «إنّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ:
  • اللام: لام الابتداء-المزحلقة-للتوكيد. رءوف: خبر «إنّ» مرفوع بالضمة. رحيم: صفة-نعت-لرءوف أو خبر ثان لأنّ مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

النحل: 46﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ
النحل: 47﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     الرابع: بأن يخيفهم أولًا ثم يعذبهم، قال تعالى:
﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا ..

التفسير :

[48] أَعَمِيَ هؤلاء الكفار، فلم ينظروا إلى ما خلق الله من شيء له ظل، كالجبال والأشجار، تميل ظلالها تارة يميناً وتارة شمالاً؛ تبعاً لحركة الشمس نهاراً والقمرِ ليلاً، كلها خاضعة لعظمة ربها وجلاله، وهي تحت تسخيره وتدبيره وقهره؟

يقول تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا ْ} أي:الشاكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله،{ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ْ} أي:إلى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ أظلتها،{ عَن الْيَمِينِ ْ} وعن{ الشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ ْ} أي:كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله،{ وَهُمْ دَاخِرُونَ ْ} أي:ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر، ما منهم أحد إلا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده.

قرأ جمهور القراء «أو لم يروا..» وقرأ حمزة والكسائي: «أو لم تروا» بالتاء، على الخطاب، على طريقة الالتفات.

وقوله «من شيء» بيان للإبهام الذي في «ما» الموصولة في قوله «إلى ما خلق الله» .

وقوله «يتفيأ» من التفيؤ، بمعنى الرجوع. يقال: فاء فلان يفيء إذا رجع وفاء الظل فيئا، إذا عاد بعد إزالة ضوء الشمس له. وتفيؤ الظلال: تنقلها من جهة إلى أخرى بعد شروق الشمس، وبعد زوالها.

والظلال: جمع ظل، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.

و «داخرون» من الدخور بمعنى الانقياد والخضوع، يقال: دخر فلان يدخر دخورا، ودخر- بزنة فرح- يدخر دخرا، إذا انقاد لغيره وذل له.

والمعنى: أعمى هؤلاء المشركون الذين مكروا السيئات، ولم يروا ما خلق الله- تعالى- من الأشياء ذوات الظلال- كالجبال والأشجار وغيرها- وهي تتنقل ظلالها. من جانب إلى جانب، ومن جهة إلى جهة، باختلاف الأوقات وهي في كل الأحوال والأوقات منقادة لأمر الله- تعالى- جارية على ما أراده لها من امتداد وتقلص وغير ذلك، خاضعة كل الخضوع لما سخرت له.

قال ابن كثير- رحمه الله-: يخبر- تعالى- عن عظمته وجلاله، الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها، جمادها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، فأخبر أن كل ماله ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال- أى بكرة وعشيا-، فإنه ساجد بظله لله- تعالى- .

والاستفهام في قوله- تعالى- أَوَلَمْ يَرَوْا.. للإنكار والتوبيخ، والرؤية بصرية.

أى: قد رأوا كل ذلك، ولكنهم لم ينتفعوا بما رأوا، ولم يتعظوا بما شاهدوا.

والمراد بقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ جهتهما، وليس المراد التقييد بذلك، إذ أن الظل أحيانا يكون أمام الإنسان وأحيانا يكون خلفه. وإنما ذكر اليمين والشمائل اختصارا للكلام.

وأفرد اليمين، لأن المراد به جنس الجهة، كما يقال: المشرق، أى جهة المشرق، وجمع «الشمائل» - مفردة شمال-، لأن المقصود تعدد هذه الجهة باعتبار تعدد أصحابها.

قال الشوكانى: قال الفراء: وحد اليمين، لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال، وجمع الشمائل، لأنه أراد كلها.

وقال الواحدي: وحد اليمين والمراد به الجميع إيجازا في اللفظ، كقوله: «ويولون الدبر» ، ودلت الشمائل على أن المراد به الجمع. وقيل: إن العرب إذا ذكرت صيغتي جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد، كما في قوله- تعالى- وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ... .

وقوله- سبحانه-: سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ. حال من «ظلاله» أى: حال كون هذه الأشياء وظلالها سجدا لله- تعالى-، وحال كون الجميع لا يمتنع عن أمر الله- تعالى-، بل الكل خاضع له- سبحانه- كل الخضوع.

وجاء قوله- تعالى-: وَهُمْ داخِرُونَ. بصيغة الجمع الخاصة بالعقلاء، تغليبا لهم على غيرهم

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ، ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها : جمادها وحيواناتها ، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة ، فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال ، أي : بكرة وعشيا ، فإنه ساجد بظله لله تعالى .

قال مجاهد : إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله - عز وجل - . وكذا قال قتادة ، والضحاك ، وغيرهم .

وقوله : ( وهم داخرون ) أي : صاغرون .

وقال مجاهد أيضا : سجود كل شيء فيه . وذكر الجبال قال : سجودها فيها .

وقال أبو غالب الشيباني : أمواج البحر صلاته .

ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم .

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة ( أَوَلَمْ يَرَوْا ) بالياء على الخبر عن الذين مكروا السيئات ، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفيين " أوَلم تَرَوا " بالتاء على الخطاب.

وأولى القراءتين عندي بالصواب قراءة من قرأ بالياء على وجه الخبر عن الذين مكروا السيئات ، لأن ذلك في سياق قَصَصِهم ، والخبر عنهم، ثم عقب ذلك الخبر عن ذهابهم عن حجة الله عليهم ، وتركهم النظر في أدلته والاعتبار بها ، فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات ، إلى ما خلق الله من جسم قائم ، شجر أو جبل أو غير ذلك ، يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل ، يقول: يرجع من موضع إلى موضع، فهو في أوّل النهار على حال، ثم يتقلَّص، ثم يعود إلى حال أخرى في آخر النهار.

وكان جماعة من أهل التأويل يقولون في اليمين والشمائل ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ ) أما اليمين: فأوّل النهار ، وأما الشمال: فآخر النهار.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ) قال: الغدوّ والآصال، إذا فاءت الظِّلال ، ظلال كلّ شيء بالغدوّ سجدت لله، وإذا فاءت بالعشيّ سجدت لله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ) يعني: بالغدو والآصال، تسجد الظلال لله غدوة إلى أن يفئ الظلّ، ثم تسجد لله إلى الليل، يعني: ظلّ كلّ شَيء.

وكان ابن عباس يقوله في قوله ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) ما حدثنا المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) يقول: تتميل.

واختلف في معنى قوله ( سُجَّدًا لِلَّهِ ) فقال بعضهم: ظلّ كلّ شيء سجوده.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) قال: ظلّ كلّ شيء سجوده.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق الرازيّ، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) قال: سجد ظلّ المؤمن طوعا، وظلّ الكافر كَرْها.

وقال آخرون: بل عنى بقوله ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) كلا عن اليمين والشمائل في حال سجودها، قالوا: وسجود الأشياء غير ظلالها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأوّديّ، قالا ثنا حَكَّام، عن أبي سنان، عن ثابت عن الضحاك، في قول الله ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) قال: إذا فاء الفيء توجه كلّ شيء ساجدا قبل القبلة ، من نبت أو شجر، قال: فكانوا يستحبون الصلاة عند ذلك.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحمَّانيّ، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، في قول الله ( يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) قال: إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عزّ وجلّ.

وقال آخرون: بل الذي وصف الله بالسجود في هذه الآية ظلال الأشياء، فإنما يسجد ظلالها دون التي لها الظلال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) قال: هو سجود الظلال، ظلال كلّ شيء ما في السموات وما في الأرض من دابة، قال: سجود ظلال الدواب، وظلال كلّ شيء.

حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ ) ما خلق من كلّ شيء عن يمينه وشمائله، فلفظ ما لفظ عن اليمين والشمائل، قال: ألم تر أنك إذا صليت الفجر ، كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ثم بعث الله عليه الشمس دليلا وقبض الله الظلّ.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر في هذه الآية أن ظلال الأشياء هي التي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلى جانب ، وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس يقال من ذلك: سجدت النخلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميل للركوب. وقد بيَّنا معنى السجود في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.

وقوله ( وَهُمْ دَاخِرُونَ ) يعني: وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرُّمَّة:

فَلَــمْ يَبْـقَ إلا داخِـرٌ فِـي مُخَـيَّسٍ

ومُنْجَحِـرٌ فِـي غيرِ أرْضِكَ في جُحْرِ (6)

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَهُمْ دَاخِرُونَ ) صاغرون.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَهُمْ دَاخِرُونَ ) : أي صاغرون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله.

وأما توحيد اليمين في قوله ( عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ) فجمعها، فإن ذلك إنما جاء كذلك، لأن معنى الكلام: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلال ما خلق من شيء عن يمينه: أي ما خلق، وشمائله ، فلفظ " ما " لفظ واحد، ومعناه معنى الجمع، فقال: عن اليمين بمعنى: عن يمين ما خلق، ثم رجع إلى معناه في الشمائل ، وكان بعض أهل العربية يقول: إنما تفعل العرب ذلك، لأن أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد، فيقال للرجل: خذ عن يمينك، قال: فكأنه إذا وحد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مساءلة فيه، واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر:

بِفـي الشَّـامِتِينَ الصَّخْرُ إنْ كان هَدَّني

رَزِيَّـةُ شِـبْلَيْ مُخْـدِرٍ فـي الضَّراغمِ (7)

فقال: بِفي الشامتين، ولم يقل: بأفواه ، وقول الآخر:

الــوَارِدُونَ وتَيْــمٌ فــي ذَرَا سَـبإ

قـد عَـضَّ أعْنـاقَهُمْ جِـلْدُ الجَوَامِيسِ (8)

ولم يقل: جلود.

-------------------

الهوامش :

(6) البيت شاهد على أن معنى الداخر: الصاغر. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: وهم داخرون: أي صاغرون يقال: فلان دخر لله: أي ذل وخضع. و ( في اللسان: دخر): دخر الرجل بالفتح يدخر دخورا، فهو داخر، ودخر دخرا: ( كفرح ) ذل وصغر يصغر صغارًا ، وهو الذي يفعل ما يؤمر به ، شاء أو أبى، صاغرا قميئا. وفي (اللسان: خيس): وكل سجن: مخيس ومخيس (بتشديد الياء مفتوحة ومكسورة ). وأنشد البيت ونسبه إلى الفرزدق. والمنجحر: الداخل في الجحر، يقال: أجحره فانجحر: أدخله الجحر، فدخله. والجحر: كل شيء تحتقره الهوام والسباع لأنفسها. والجمع: أجحار وجحرة .

(7) هذا البيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن 1: 172) استشهد به عند قوله تعالى: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل) قال: الظن يرجع على كل شيء من جوانبه، فذلك تفيؤه، ثم فسر فقال: عن اليمين والشمائل، وكل ذلك جائز في العربية، قال الشاعر: "بفي الشامتين ...الخ البيت". قال ولم يقل: بأفواه الشامتين. قلت: يريد أن جمع الشمائل وإفراد اليمين، جائز في العربية، واستشهد عليه بالبيت. وقد وجه المؤلف في التفسير توجيهاً حسناً.

(8) وهذا البيت أيضاً كالشاهد قبله من شواهد الفراء ، في ( معاني القرآن، بعد سابقه 1: 172) على أن الشاعر قال: جلد الجواميس بالإفراد، ولم يقل: جلود الجواميس، في مقابلة أعناقهم ولم نقف على البيت في المراجع، ولا على قائله.

المعاني :

من شيء :       من جسم قائم له ظلّ معاني القرآن
يَتَفَيَّأُ :       يَمِيلُ السراج
يتفيّأ ضلاله :       تميل و تنتقل من جانب إلى آخر معاني القرآن
سُجّدًا لله :       منقادة لِحُكمه و تسخيره تعالى معاني القرآن
دَاخِرُونَ :       خَاضِعُونَ لِعَظَمَةِ اللهِ السراج
و هم داخرون :       و الظِلال صاغرون منقادون كأصحابها معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[48] ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّـهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ ما فائدة ذكر سجود الظلال لله في هذا السياق؟! الفائدة هي التعريض بالكفار الذين لا يسجدون لله، والإخبار بأن هذه الظلال خير من الكفار، فهي تعبد الله، وهم لا يعبدون.
وقفة
[48] ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ ظلال كل شيء ما في السموات وما في الأرض، كل شيء تدب فيه الحياة يسجد لله رب العالمين.
وقفة
[48] ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ لماذا كان اليمين مفرد والشمال جمع؟ اليمين يُقصد بها جهة المشرق؛ والشمائل يقصد بها جهة المغرب، وقد قال المفسرون إن كل المشرق جهة اليمين، أما في جهة الغرب تكثر الظلال خاصة بعد الزوال، بخلاف جهة المشرق، حتى اتجاهات الظلال تختلف، فلذلك أصبحت شمائل، يتحول الظل ويتسع ويمتد.

الإعراب :

  • ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا:
  • الهمزة همزة تقرير بلفظ‍ استفهام. الواو استئنافية. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يروا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل الألف فارقة وعدي الفعل بحرف جر لأن معناه ينظروا.
  • ﴿ إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيروا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإلى. خلق: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة خَلَقَ اللهُ» صلة «ما» وهو مبهم بيانه. من شيء: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما» بمعنى ألم ينظروا ويجوز أن تكون «من» زائدة و «شيء» مجرورة لفظا منصوبة محلا.
  • ﴿ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ:
  • الجملة في محل جر صفة لشيء وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة وكتب بواو قبل الهمزة على لفظ‍ من يفخم الألف قبل الهمزة فيمليها إلى واو. ظلاله: فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة أي تتقلب ظلاله. عن اليمين: جار ومجرور. والشمائل: معطوفة بالواو على «اليمين» مجرورة مثلها. أي منقلبة عن ايمانها وشمائلها واللفظ‍ مفرد بمعنى جمع. والشمائل: جمع شمال. وعَنِ الْيَمِينِ» متعلق بيتفيأ.
  • ﴿ سُجَّداً لِلّهِ:
  • حال من الظلال منصوب بالفتحة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بسجدا بمعنى ساجدين لله أي منقادين.
  • ﴿ وَهُمْ داخِرُونَ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية بعده: في محل نصب حال من الضمير في «ظلاله» لأنه في معنى الجمع. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. داخرون: أي صاغرون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. وقد جمع بالواو لأن الدخور من أوصاف العقلاء. والنون عوض من تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     ولَمَّا خَوَّف اللهُ عز وجل المُشرِكينَ بالأنواع الأربعة المذكورة من العذاب؛ أنكرَ اللهُ عليهم هنا تعاميهم عن قدرة الله، فذكرَ ما يدل على كَمالِ قُدرتِه، وطواعيَةَ ما خلَقَ مِن غَيرِهم وخُضوعَه؛ ليُنَبِّهَهم على أنَّه يجِبُ عليهم أن يكونوا طائعينَ مُنقادينَ لأمْرِه تعالى، قال تعالى:
﴿ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أو لم يروا:
قرئ:
1- بتاء الخطاب، وهى قراءة السلمى والأعرج، والأخوين.
2- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة باقى السبعة.
يتفيأ:
قرئ:
1- بالتاء، على التأنيث، وهى قراءة أبى عمرو، وعيسى، ويعقوب.
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.
ظلاله:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ظلله، جمع ظله، كحلة وحلل، وهى قراءة عيسى.

مدارسة الآية : [49] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[49] ولله وحده يسجد كل ما في السموات وما في الأرض مِن دابة، والملائكة يسجدون لله، وهم لا يستكبرون عن عبادته. وخصَّهم بالذكر بعد العموم لفَضْلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم.

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ْ} من الحيوانات الناطقة والصامتة،{ وَالْمَلَائِكَةِ ْ} الكرام خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم ولهذا قال:{ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ْ} أي:عن عبادته على كثرتهم وعظمة أخلاقهم وقوتهم كما قال تعالى:{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ْ}

ثم أتبع- سبحانه- هذه الآية الكريمة، بآيات أخرى مؤكدة لها، ومبينة أن كل المخلوقات لن تمتنع عن السجود لله- تعالى-، سواء أكانت لها ظلال أم لا، فقال- سبحانه-: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ، وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ...

والدابة: كل ما يدب على وجه الأرض، مشتقة من الدب بمعنى الحركة.

قال الجمل: قال العلماء، السجود على نوعين: سجود طاعة وعبادة كسجود المسلم لله- عز وجل- وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال فقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. يحتمل النوعين، لأن سجود كل شيء بحسبه، فسجود المسلمين والملائكة سجود طاعة وعبادة، وسجود غيرهم سجود خضوع وانقياد..» .

وأوثرت «ما» الموصولة على من، تغليبا لغير العقلاء، لكثرتهم ولإرادة العموم.

وقوله: «من دابة» بيان لما في الأرض، إذ الدابة ما يدب على الأرض أو- كما يقول الآلوسى- بيان لما فيهما، بناء على أن الدبيب هو الحركة الجسمانية، سواء أكانت في أرض أم سماء..» .

وقوله «والملائكة» معطوف على «ما» في قوله «ما في السموات وما في الأرض» من باب عطف الخاص على العام.

وخصهم- سبحانه- بالذكر تشريفا لهم. ورفعا لمنزلتهم، وتعريضا بالمشركين الذين عبدوا الملائكة. أو قالوا هم بنات الله.

قوله «وهم لا يستكبرون» أى: والملائكة لا يستكبرون عن إخلاص العبادة له، وعن السجود لذاته- سبحانه- بل هم «عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون» .

ثم قال : ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ) كما قال : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) [ الرعد : 15 ] وقوله : ( والملائكة وهم لا يستكبرون ) أي : تسجد لله أي غير مستكبرين عن عبادته ،

يقول تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات وما في الأرض من دابَّة يدبّ عليها، والملائكة التي في السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون.

وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: اجتزئ بذكر الواحد من الدوابّ عن ذكر الجميع. وإنما معنى الكلام: ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من الدوابّ والملائكة، كما يقال: ما أتاني من رجل، بمعنى: ما أتاني من الرجال.

وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: إنما قيل: من دابة، لأن " ما " وإن كانت قد تكون على مذهب الذي، فإنها غير مؤقتة، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الجزاء، والجزاء يدخل من فيما جاء من اسم بعده من النكرة، فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه، ولا تسقط " من " من هذا الموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن و ما ، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقتتين، فكان دخول من فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وكان دخول من أدلّ على ما لم يوقت من من وما، فلذلك لم تلغيا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[49] ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ما الفرق بين استعمال (من) و(ما) مع السجود؟ (من) تستعمل لذوات العقلاء، وأولي العلم فقط، أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: 3]، والله هو الخالق، وذوات غير العاقل: (أشرب من ما تشرب) وهي أعمُّ وأشمل.
وقفة
[49] ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ سجود خضوع وانقياد وهو السجود الحق الذي يحدث الأثر فينبغي أن يسجد قلبك كما تسجد جوارحه.
وقفة
[49] ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ منْ دَابَّةٍ﴾ تجوَّزَ بالسجود عن الانقياد فيما لا يعقل، والسُّجودِ على الجبهة في من يعقل، ففيه جمعٌ بين الحقيقة والمجاز، وإنَّما لم يُغَلِّب العقلاء من الدَّواب على غيرهم، كما في آية: ﴿واللهُ خَلَقَ كلَّ دَابَّة مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: 45]؛ لأنه أراد هنا عموم كلِّ دابة، ولم يقترنْ بتغليب، فجاء بـ (ما) التي تعمُّ النوعين، وفي تلك -إن أراد العموم- لكنَّه اقترن بتغليبٍ، وهو ذكرُ ضميرِ العقلاء، في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي﴾ [النور: 45] فجاء بـ (مِنْ) تغليبًا للعقلاء.
وقفة
[49] ﴿وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الرعد: 15]، وهنا فى النحل: ﴿وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ كيف؟ الجواب: أنه حيث أريد بالسجود الخضوع والانقياد جئ بـ (ما)؛ لأنها عامة فيمن يعقل ومن لايعقل، كآية النحل فيمن يعقل ومن لا يعقل، وفي الرعد خص من يعقل لتقدم قوله: ﴿والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء﴾ [الرعد: 13]، وقبله: ﴿سواء منكم من أسر القول ومن جهر به﴾ [الرعد: 10]، فناسب: (من في السماوات والأرض) [الرعد: 15]، ولما تقدم في النحل: ﴿أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء﴾ [48] وهو عام في كل ذي ظل غلب ما لا يعقل؛ لأنه أكثر.
وقفة
[49] ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ منْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ السجود على نوعين: سجود طاعة وعبادة كسجود المسلم لله عز وجل، وسجود انقياد وخشوع كسجود الظلال، والآية تحتمل النوعين، فسجود المسلمين والملائكة سجود طاعة وعبادة، وسجود غيرهم سجود خضوع وانقياد.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ:
  • الواو: استئنافية. لله: جار ومجرور للتعظيم. يسجد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. في السموات: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا تقديره استقر. وجملة استقر في السموات أو ما هو مستقر في السموات» صلة الموصول لا محل لها. أي ينقاد ذليلا له سبحانه.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ:
  • معطوفة بالواو على ما فِي السَّماااتِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ:
  • أي من كل حيّ يدبّ على الأرض وهو يعم الانسان وكذلك الملائكة. من دابة: جار ومجرور. والدبيب هو الحركة الجسمانية.والملائكة: معطوفة بالواو على «ما» مرفوعة مثلها وعلامة رفعها: الضمة.والجار والمجرور. من دابة: يجوز أن يكون بيانا لما في السموات وما في الأرض جميعا على أنّ في السموات خلقا لله يدبون فيها كما يدب الأناسي في الأرض. ويجوز أن يكون بيانا لما في الأرض وحده وكرر ذكرهم على معنى:والملائكة خصوصا من بين الساجدين لأنهم أطوع الخلق وأعبدهم.
  • ﴿ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لا: نافية لا عمل لها. يستكبرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة في محل رفع خبر «هم» والجملة الاسمية في محل نصب حال. '

المتشابهات :

الرعد: 15﴿ وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
النحل: 49﴿ وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد بيان خضوع المخلوقات التي تطلع عليها الشمس على هذه الأرض، وسجود ظلالها لله تعالى؛ جاء هنا بيان أن المخلوقات التي تسجد لله ليست هذه المخلوقات الأرضية المذكورة فقط، بل كل ما في السموات والأرض، بما في ذلك الدواب والملائكة، قال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ/ ولَمَّا ذكرَ اللهُ سجودَ الملائكة؛ ذكرَ هنا أنهم لا يستكبرون تعريضًا بالمشركين، يعني: إذا كانت الملائكة أصحاب القدرات الخارقة بالنسبة لكم لا يستكبرون عن عبادة الله؛ فكيف تستكبرون وأنتم البشر الضعفاء؟! قال تعالى: /وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ..

التفسير :

[50] يخاف الملائكة ربهم الذي هو فوقهم بالذات والقهر وكمال الصفات، ويفعلون ما يُؤْمرون به من طاعة الله. وفي الآية إثبات صفة العلو والفوقية لله على جميع خلقه، كما يليق بجلاله وكماله.

{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ْ} لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله، مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر، وكمال الأوصاف، فهم أذلاء تحت قهره.{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ْ} أي:مهما أمرهم الله تعالى امتثلوا لأمره، طوعا واختيارا، وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان:سجود اضطرار ودلالة على ما له من صفات الكمال، وهذا عام لكل مخلوق من مؤمن وكافر وبر وفاجر وحيوان ناطق وغيره، وسجود اختيار يختص بأوليائه وعباده المؤمنين من الملائكة وغيرهم [من المخلوقات].

ثم وصفهم- سبحانه- بالخشية منه، وبالخوف من عقابه فقال: «يخافون ربهم من فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون» .

أى: أن من صفات الملائكة، أنهم يخافون ربهم الذي هو من فوقهم بجلاله وقهره وعلوه- بلا تشبيه ولا تمثيل-، ويفعلون ما يؤمرون به من الطاعات، ومن كل ما يكلفهم به- سبحانه- دون أن تصدر منهم مخالفة.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد وصفت الله- تعالى- بما هو أهل له- سبحانه- من صفات القدرة والجلال والكبرياء، حتى يفيء الضالون إلى رشدهم، ويخلصوا العبادة لخالقهم- عز وجل-.

وبعد أن بين- سبحانه- أن كل شيء في هذا الكون خاضع لقدرته، أتبع ذلك بالنهى عن الشرك، وبوجوب إخلاص العبادة له، فقال- تعالى-.

( يخافون ربهم من فوقهم ) أي : يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلاله ، ( ويفعلون ما يؤمرون ) أي : مثابرين على طاعته تعالى ، وامتثال أوامره ، وترك زواجره .

يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة التي في السموات ، وما في الأرض من دابة، ربهم من فوقهم، أن يعذّبهم إن عَصَوا أمره ،ويفعلون ما يؤمرون ، يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدّون حقوقه ، ويجتنبون سُخْطه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[50] ﴿يخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ۩﴾ (ملائكة) يخافون وهم لا يذنبون؟! كيف بمدمن الأوزار بالليل والنهار؟!
عمل
[50] ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ هنا موضع سجود للقارىء بالاتفاق، وحكمته هنا إظهار المؤمن أنه من الفريق الممدوح بأنه مشابه للملائكة في السجود لله تعالى.
لمسة
[50] ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ لماذا تخاف الملائكة وهم المعصومون الذين لا يعصون الله ما أمرهم؟ والجواب: الخوف أنواع؛ فخوف منشؤه فعل الخطأ، وخوف منشؤه الإجلال والتعظيم، وخوف الملائكة من النوع الثاني.
لمسة
[50] ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ ترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل، الخوف توقع أمر مكروه. الخشية خوف يشوبه تعظيم، ولذلك أكثر ما تكون الخشية إذا علم المرء ما يخشى منه، ولذلك قال تعالى: ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ [فاطر: 28]، وقد تكون الخشية أشد الخوف، والسياق هو الذي يحدد. الوجل هو الفزع، ويربطونه باضطراب القلب تحديدًا: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: 35]، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة» أي: سعفة النخل، وعلامته حصول قشعريرة في الجلد، وفي القرآن لم نجد إسناد الوجل إلا للشخص عامة: ﴿قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ﴾ [الحجر: 52]، أو للقلب خاصة: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: 60]، في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله.

الإعراب :

  • ﴿ يَخافُونَ رَبَّهُمْ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. ربّ: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وجملة «يخافون» بيان لنفي الاستكبار ويجوز أن تكون في محل نصب حالا من الضمير في لا يستكبرون أي لا يستكبرون خائفين. والوجه الأول أصوب.
  • ﴿ مِنْ فَوْقِهِمْ:
  • بمعنى: وهو فوقهم بالقهر. من فوق: جار ومجرور متعلق بحال من «ربهم» أي يخافون ربهم عاليا لهم قاهرا كقوله وَإِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ:
  • ويفعلون: معطوفة بالواو على «يخافون» وتعرب إعرابها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.يؤمرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «يؤمرون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد جار ومجرور. التقدير ما يؤمرون به. '

المتشابهات :

النحل: 50﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
التحريم: 6﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     ولَمَّا مدَحَ اللهُ عز وجل الملائِكةَ بكَثرةِ الطَّاعةِ والخُضوعِ لله؛ مدَحَهم بالخَوفِ مِن اللهِ، وأنهم لا يعصون الله في شيء، قال تعالى:
﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ ..

التفسير :

[51] وقال الله لعباده:لا تعبدوا إلهين اثنين، إنما معبودكم إله واحد، فخافوني دون سواي.

يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، ويستدل على ذلك بانفراده بالنعم والوحدانية فقال:{ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} أي:تجعلون له شريكا في إلهيته، وهو{ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} متوحد في الأوصاف العظيمة متفرد بالأفعال كلها. فكما أنه الواحد في ذاته وأسمائه ونعوته وأفعاله، فلتوحِّدوه في عبادته، ولهذا قال:{ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي:خافوني وامتثلوا أمري، واجتنبوا نهيي من غير أن تشركوا بي شيئا من المخلوقات، فإنها كلها لله تعالى مملوكة.

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- سبحانه- لما بين في الآيات الأولى، أن ما سوى الله- تعالى- سواء أكان من عالم الأرواح أم من عالم الأجسام، منقاد وخاضع لجلاله- تعالى- وكبريائه- أتبعه في هذه الآية بالنهى عن الشرك، وببيان أن كل ما سواه واقع في ملكه وتحت تصرفه، وأنه غنى عن الكل، فقال- تعالى-: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ... .

أى: وقال الله- تعالى- لعباده عن طريق رسله- عليهم الصلاة والسلام- لا تتخذوا شركاء معى في العبادة والطاعة، بل اجعلوهما لي وحدي، فأنا الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء.

قال الآلوسى: وقوله وَقالَ اللَّهُ.. معطوف على قوله- سبحانه- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...

وإظهار الفاعل، وتخصيص لفظ الجلالة بالذكر، للإيذان بأنه- تعالى- متعين الألوهية.

والمنهي عنه هو الإشراك به، لا أن المنهي عنه هو مطلق اتخاذ إلهين..»

«اثنين» صفة للفظ إلهين أو مؤكد له. وخص هذا العدد بالذكر، لأنه الأقل، فيعلم انتفاء اتخاذ ما فوقه بالطريق الأولى.

وقوله- سبحانه- إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بيان وتوكيد لما قبله، وهو مقول لقوله- سبحانه- وَقالَ اللَّهُ.

أى: وقال الله لا تتخذوا معى في العبادة إلها آخر، وقال- أيضا- إنما المستحق للعبادة إله واحد، والقصر في الجملة الكريمة من قصر الموصوف على الصفة، أى: الله وحده هو المختص بصفة الوحدانية.

وقد نهى- سبحانه- عن الشرك في آيات كثيرة، وأقام الأدلة على بطلانه ومن ذلك قوله- تعالى- ... وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً وقوله- سبحانه- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا، فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ .

والفاء في قوله «فإياى فارهبون» واقعة في جواب شرط مقدر و «إياى» مفعول به لفعل محذوف يقدر مؤخرا، يدل عليه قوله «فارهبون» .

والرهبة: الخوف المصحوب بالتحرز، وفعله رهب بزنة طرب.

والمعنى: إن رهبتم شيئا فإياى فارهبوا دون غيرى، لأنى أنا الذي لا يعجزنى شيء.

وفي الجملة الكريمة التفات من الغيبة إلى الخطاب، للمبالغة في التخويف، إذ تخويف الحاضر أبلغ من تخويف الغائب، لا سيما بعد أن وصف- سبحانه- ذاته بما وصف من صفات القهر والغلبة والكبرياء.

وقدم المفعول وهو إياى لإفادة الحصر، وحذف متعلق الرهبة، للعموم.

أى: ارهبونى في جميع ما تأتون وما تذرون.

والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على ألوان من المؤكدات للنهى عن الشرك، والأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، تارة عن طريق التقرير «وقال الله..» وتارة عن طريق النهى الصريح، وتارة عن طريق القصر وتارة عن طريق التخصيص.

وذلك لكي يقلع الناس عن هذه الرذيلة النكراء، ويؤمنوا بالله الواحد القهار.

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له فإنه مالك كل شئ وخالقه وربه.

يقول تعالى ذكره: وقال الله لعباده: لا تتخذوا لي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودين، فإنكم إذا عبدتم معي غيري جعلتم لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك ، ( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) يقول: فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكا.

المعاني :

فَارْهَبُونِ :       فَخَافُونِي السراج

التدبر :

لمسة
[51] ﴿وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ ليس للتكرار والتأكيد المحض، وليس الموضع موضع تأكيد، بل لما كان النهي واقعًا على التعدد والاثنينية دون الواحد أتى بلفظ الاثنين، فكأنه قال: لا تعدد الآلهة ولا تتخذ عددًا تعبد، إنما هو إله واحد فلا تضم إليه غيره وتجعلهما اثنين، فلا تكرار إذن.
لمسة
[51] ﴿وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ والاقتصار على الأمر بالرّهبة، وقصرها على كونها من الله يفهم منه الأمر بقصر الرغبة عليه؛ لدلالة قصر الرهبة على اعتقاد قصر القدرة التامة عليه تعالى.
لمسة
[51] ﴿وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ قد يسأل سائل: إن الإلهين لا بد وأن يكونا اثنين، فما فائدة قوله: إلهين اثنين؟ والجواب: أن الشيء إذا كان مستنكرًا مستقبحًا، فمن أراد المبالغة في تنفير الناس عنه، عبر عنه بعبارات كثيرة، ليصبح توالي تلك العبارات سببًا لوقوف العقل على ما فيه من القبح، فما أقبح الشرك بالله!

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ اللهُ:
  • الواو: استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة بعده: في محل نصب مفعول به. لقال.
  • ﴿ لا تَتَّخِذُوا:
  • لا: ناهية جازمة. تتخذوا: أي لا تعبدوا وهي فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ:
  • مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد. اثنين: توكيد لإلهين منصوب مثله بالياء لأنه مثنى.
  • ﴿ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. إله: خبر «هو» مرفوع بالضمة.واحد: توكيد لإله مرفوع مثله بالضمة وهو توكيد لتثبيت الوحدانية.
  • ﴿ فَإِيّايَ:
  • الفاء: استئنافية. إيّا: ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بفعل مضمر يفسره ما بعده أي ارهبوا إيّاي أي ارهبوني والياء حرف للمتكلم سبحانه وقيل ان الكلمة بأكلمها «إيّاي» في محل نصب مفعول به وفي هذا القول الكريم انتقل سبحانه بالكلام من الغيبة إلى المتكلم وهو أبلغ في الترهيب من فايّاه فارهبوه.
  • ﴿ فَارْهَبُونِ:
  • الفاء: استئنافية. ارهبون: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. النون للوقاية والكسرة دالة على الياء المحذوفة اختصارا أو لأنها رأس آية وهي ضمير متصل في محل نصب مفعول به. أي فخافوني. '

المتشابهات :

الأنعام: 19﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
النحل: 51﴿وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
ابراهيم: 52﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن كل شيء في هذا الكون خاضع لقدرته؛ أتبع ذلك بالنهى عن الشرك، وبوجوب إخلاص العبادة له، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [52] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ..

التفسير :

[52] ولله كل ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً وعبيداً، وله وحده العبادة والطاعة والإخلاص دائماً، أيليق بكم أن تخافوا غير الله وتعبدوه؟

{ وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} أي:الدين والعبادة والذل في جميع الأوقات لله وحده على الخلق أن يخلصوه لله وينصبغوا بعبوديته.{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} من أهل الأرض أو أهل السماوات فإنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على كمال قدرته، ونفاذ إرادته، فقال- تعالى-: وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ...

والمراد بالدين هنا: الطاعة والخضوع بامتثال أمره واجتناب نهيه، وقد أتى الدين بمعنى الطاعة في كثير من كلام العرب، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته:

وأياما لنا غرا كراما ... عصينا الملك فيها أن ندينا

أى: عصيناه وامتنعنا عن طاعته وعن الخضوع له.

قوله «واصبا» من الوصوب بمعنى الدوام والثبات، يقال: وصب الشيء يصب- بكسر الصاد- وصوبا، إذا دام وثبت. ومنه قوله- تعالى- دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أى: دائم.

أى: ولله- تعالى- وحده ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا، لا شريك له في ذلك، ولا منازع له في أمره أو نهيه.. وله- أيضا- الطاعة الدائمة، والخضوع الباقي الثابت الذي لا يحول ولا يزول.

والآية الكريمة معطوفة على قوله «إنما هو إله واحد» .

والاستفهام في قوله «أفغير الله تتقون» للإنكار والتعجيب، والفاء للتعقيب، وهي معطوفة على محذوف، والتقدير، أفبعد أن علمتم أن الله- تعالى- له ما في السموات والأرض، وله الطاعة الدائمة.. تتقون غيره، أو ترهبون سواه؟

إن من يفعل ذلك لا يكون من جملة العقلاء، وإنما يكون من الضالين الجاهلين.

( وله الدين واصبا ) قال ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران ، والسدي ، وقتادة ، وغير واحد : أي دائما .

وعن ابن عباس أيضا : واجبا . وقال مجاهد : خالصا . أي : له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض ، كقوله : ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) [ آل عمران : 83 ] . هذا على قول ابن عباس وعكرمة ، فيكون من باب الخبر ، وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب ، أي : ارهبوا أن تشركوا به شيئا ، وأخلصوا له الطلب ، كما في قوله تعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) [ الزمر : 3 ] .

يقول تعالى ذكره: ولله ملك ما في السموات والأرض من شيء، لا شريك له في شيء من ذلك، هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبيده حياتهم وموتهم. وقوله ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) يقول جلّ ثناؤه: وله الطاعة والإخلاص دائما ثابتا واجبا، يقال منه: وَصَبَ الدِّينُ يَصِبُ وُصُوبا ووَصْبا كما قال الدِّيلِيّ:

لا أبْتَغِــي الحَــمْدَ القَلِيــلَ بَقـاؤُهُ

يَوْمــا بِـذَمّ الدَّهْـرِ أجـمَعَ وَاصِبـا (9)

ومنه قول الله وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ، وقول حسان:

غَيَّرَتْـــهُ الــرِّيحُ تَسْــفِي بِــهِ

وهَـــزِيمٌ رَعْـــدُهُ وَاصِـــبٌ (10)

فأما من الألم، فإنما يقال: وصب الرجل يوصب وصبا، وذلك إذا أعيا وملّ ، ومنه قول الشاعر:

لا يغْمِـزُ السَّـاقَ مِـنْ أيْنِ ولا وَصَبٍ

ولا يعَـضُّ عـلى شُرْسُـوفِهِ الصَّفَـرُ (11)

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن الأغرّ بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نضرة، عن ابن عباس ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما.

حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبي حصين، عن عكرمة، في قوله ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن يعلى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائما.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما.

حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) : أي دائما، فإن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا من خلقه إلا عبده طائعا أو كارها.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَاصِبًا ) قال: دائما، ألا ترى أنه يقول عَذَابٌ وَاصِبٌ أي دائم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: دائما، والواصب: الدائم.

وقال آخرون: الواصب في هذا الموضع: الواجب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن يَعَلَى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: واجبا.

وكان مجاهد يقول: معنى الدين في هذا الموضع: الإخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) قال: الإخلاص.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الدين: الإخلاص.

وقوله ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ) يقول تعالى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتحذرون أن يسلبكم نعمة الله عليكم بإخلاصكم العبادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه.

---------------------

الهوامش :

(9) البيت لأبي الأسود الدؤلي، ويقال فيه الديلي أيضا، استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (1: 361) على أن معنى "واصبا": دائما. وروايته فيه كرواية المؤلف (الطبري). واستشهد به كذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (10 : 114) ورواه بروايتين: الأولى كرواية المؤلف، وقال قبلها، أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما... البيت. والأخرى باختلاف في الشطر الثاني. وهو: "بدم يكون الدهر أجمع واصبا" وظاهر أن هذه الرواية محرفة عن الأولى. وقال صاحب لسان العرب في "وصب". وفي التنزيل العزيز، "وله الدين واصبا" قال أبو إسحاق، قيل في معناه: دائبا: أي طاعته دائمة واجبة أبدا. قال: ويجوز، والله أعلم أن يكون "وله الدين واصبا": أي له الدين والطاعة، رضي العبد بما يؤمر به، أو لم يرض به، سهل عليه، أو لم يسهل، فله الدين وإن كان فيه الوصب، والوصب: شدة التعب، وفيه: "بعذاب واصب" أي دائم ثابت. وقيل: موجع.

(10) البيت لحسان بن ثابت (ديوانه طبع ليدن سنة 1910 ص 61) وقبله بيت وهو المطلع:

قَـــدْ تَعَفَّـــى بَعْدَنــا عــاذِبُ

مـــا بِـــهِ بــادٍ وَلا قــارِبُ

وتسفى به: تحمل إليه التراب. والهزيم: السحاب المتشقق بالمطر. يقول: غير هذا المكان ما تسفيه الريح عليه من التراب، وما يأتي به السحاب من مطر رعده دائم.

(11) هذا البيت لأعشى باهلة، واسمه عامر بن الحارث جمهرة أشعار العرب لمحمد بن أبي الخطاب القرشي ( 135 - 137 ) من قصيدة يقولها في أخ له اسمه المنتشر، قتله بنو الحارث بن كعب وقطعوه إربا إربا (عضوا عضوا) برجل منهم كان فعل معه مثل ذلك. ورواية البيت فيه وفي اللسان (صفر):

لا يَتَأَسَّــى لِمَـا فِـي الْقِـدْرِ يَرْقبُـهُ

ولا يَعَـضُّ عَـلى شُرْسُـوفِهِ الصَّفْـرُ

قال: والصفر دويية تكون في البطن، تدعيها الأعراب، ويكون منها الجوع. وخطأ رواية البيت الصاغاني، وأورده كرواية المؤلف . (انظر هامش اللسان : أرى). والغمز: العصر باليد. والشرسوف: جمعه شراسيف، وهي أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن.

المعاني :

وَلَهُ الدِّينُ :       لَهُ العِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ وَحْدَهُ السراج
له الدّين :       الطّاعة و الإنقياد لله تعالى وحده معاني القرآن
وَاصِبًا :       دَائِمًا السراج
واصبا :       دائما واجبا لازما أو خالصا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[52] ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ جميع النعم من الله تعالى، سواء المادية كالرِّزق والسّلامة والصّحة، أو المعنوية كالأمان والجاه والمنصب ونحوها.
وقفة
[52] ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ الواصب في اللغة لها أكثر من معنى، واجب أو لازم أو خالص أو دائم، له الدين لازمًا لا زوال له، وخالصًا واجبًا ودائمًا، هذه الكلمة تجمعها كلها، وكلها مرادة في السياق.
وقفة
[52] ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ قال الرازي: «والدين ها هنا الطاعة، والواصب: الدائم، يقال: واظب على الشيء، وواصب عليه إذا داوم، ومفازة واصبة أي بعيدة لا غاية لها، ويقال للعليل: واصب ليكون ذلك المرض لازمًا له».
وقفة
[52] ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ قال ابن قتيبة: «ليس من أحد يدان له ويطاع، إلا انقطع ذلك بسبب في حال الحياة أو بالموت إلا الحق سبحانه، فإن طاعته واجبة أبدًا».
وقفة
[52] ﴿أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ جاءت التقوى في كتاب الله في أكثر من 300 موضع.
وقفة
[52] من يعظم كلام البشر أكثر من أمور الشرع؛ أعظم عظة له: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • الواو عاطفة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. في السموات: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا تقديره استقر. وجملة «استقر في السماوات والأرض» صلة الموصول لا محل لها.والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً:
  • الواو عاطفة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.الدين: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. واصبا: حال منصوب بالفتحة عمل فيه الظرف. ويجوز أن يكون من الوصب: أي وله الدين. ذا كلفة ومشقة بمعنى: وله الطاعة دائما.
  • ﴿ أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ:
  • الهمزة همزة توبيخ بلفظ‍ استفهام. غير: مفعول به منصوب بالفتحة لفعل مضمر يفسره المذكور بعده أي أتتقون غير الله والفاء:زائدة-تزيينية-.الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. تتقون: أي تخافون: وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

الأنعام: 14﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ
الأنعام: 40﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
الأنعام: 164﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ
الأعراف: 140﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
الأنعام: 114﴿ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ
النحل: 52﴿وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ
الزمر: 64﴿قُلۡ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     وبعد بيان أن اللهَ عز وجل واحد، وأن الواجب على الخلق أن يخافوا منه وحده ولا يشركوا به شيئًا؛ جاء هنا بيان الأمور الموجبة لتوحيده بالعبادة، وتوحيده بالرهبة، وذلك لأن الله سبحانه يملك السموات والأرض، فالكل ملكه وتحت تصرفه، قال تعالى:
﴿ وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ..

التفسير :

[53] وما بكم مِن نعمةِ هدايةٍ، أو صحةِ جسم، وسَعَة رزقٍ، وولدٍ، وغير ذلك، فمِنَ الله وحده، فهو المُنْعِم بها عليكم، ثم إذا نزل بكم السَّقَم والبلاء والقحط فإلى الله وحده تَضِجُّون بالدعاء.

تفسير الآيتين 53 و 54:ـ

والله المنفرد بالعطاء والإحسان{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ} ظاهرة وباطنة{ فَمِنَ اللَّهِ} لا أحد يشركه فيها،{ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} من فقر ومرض وشدة{ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي:تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم، ويجحدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة

ثم بين- سبحانه- أن كل نعمة في هذا الكون، هو- سبحانه- مصدرها وموجدها، فقال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ...

أى: وكل نعمة عندكم كعافية في أبدانكم، ونماء في مالكم، وكثرة في أولادكم، وصلاح في بالكم.. فهي من الله- تعالى- وحده.

فالمراد بالنعمة هنا النعم الكثيرة التي أنعم بها- سبحانه- على الناس، لأنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معينة، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع- اعتمادا على القرينة- من أبلغ الأساليب الكلامية، و «ما» موصولة مبتدأ، متضمنة معنى الشرط.

وقوله «فمن الله» خبرها.

وقوله «من نعمة» بيان لما اشتملت عليه «ما» من إبهام.

وقوله- سبحانه- ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ. ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ، إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ بيان لطبيعة الإنسان، ولموقفه من خالقه- عز وجل- والضر: يشمل المرض والبلاء والفقر وكل ما يتضرر منه الإنسان.

وقوله «تجأرون» من الجؤار بمعنى- رفع الصوت بالاستغاثة وطلب العون، يقال: جأر فلان يجأر جأرا وجؤارا، إذا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث وأصله: صياح الوحش. ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

أى: كل ما يصاحبكم من نعمة فهو من الله- تعالى- فكان من الواجب عليكم أن تشكروه على ذلك، ولكنكم لم تفعلوا، فإنكم إذا نزل بكم الضر، صحتم بالدعاء، ورفعتم أصواتكم بالتضرع، ليكشف عنكم ما حل بكم، فإذا ما كشف- سبحانه- عنكم الضر، سرعان ما يقع فريق منكم في الشرك الذي نهى الله- تعالى- عنه.

و «ثم» في هاتين الآيتين للتراخي الرتبى، لبيان الفرق الشاسع بين حالتهم الأولى وحالتهم الثانية.

والتعبير بالمس في قوله «ثم إذا مسكم الضر..» للإيماء بأنهم بمجرد أن ينزل بهم الضر ولو نزولا يسيرا، جأروا إلى الله- تعالى- بالدعاء لكشفه.

وقدم- سبحانه- الجار والمجرور في قوله «فإليه تجأرون» لإفادة القصر، أى إليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء ليرفع عنكم ما نزل بكم من بلاء، لا إلى غيره لأنكم تعلمون أنه لا كاشف للضر إلا هو- سبحانه-.

ثم أخبر أنه مالك النفع والضر ، وأن ما بالعبد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليه وإحسانه إليه .

( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ) أي : لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو ، فإنكم عند الضرورات تلجئون إليه ، وتسألونه وتلحون في الرغبة مستغيثين به كما قال تعالى : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ) [ الإسراء : 67 ]

اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله ( فَمِنَ اللَّهِ ) فقال بعض البصريين: دخلت الفاء، لأن " ما " بمنـزلة " من " فجعل الخبر بالفاء. وقال بعض الكوفيين: " ما " في معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله، لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لم يظهر فهو مضمر ، كما قال الشاعر:

إنِ العَقْـلُ فـي أموَالِنـا لا نَضِـقْ بِهِ

ذِرَاعًـا وَإنْ صَـبْرًا فنَعْـرِفُ للصَّبْرِ (12)

وقال: أراد: إن يكن العقل فأضمره. قال: وإن جعلت " ما بكم " في معنى الذي جاز ، وجعلت صلته بكم و " ما " في موضع رفع بقوله ( فَمِنَ اللَّهِ ) وأدخل الفاء ، كما قال إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وكل اسم وصل مثل من و ما و الذي، فقد يجوز دخول الفاء في خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لأنه اسم غير موصول، وكذلك تقول: مالك لي، فإن قلت: مالك، جاز أن تقول: مالك فهو لي، وإن ألقيت الفاء فصواب.

وتأويل الكلام: ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة ، وفي أموالكم من نماء، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره، لأن ذلك إليه وبيده ( ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ) يقول: إذا أصابكم في أبدانكم سَقَم ومرض ، وعلة عارضة ، وشدّة من عيش ( فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) يقول: فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم ، وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ، ومنه قول الأعشى:

وَمـــا أيْبُـــلِيٌّ عَــلى هَيْكَــلِ

بَنــاهُ وَصَلَّــبَ فِيــهِ وصَــارَا

يُــرَاوِحُ مِــنْ صَلَــوَاتٍ المَـلِيـ

كِ طَـوْرًا سُـجُودًا وَطَـوْرًا جُـؤْارًا (13)

يعني بالجؤار: الصياح، إما بالدعاء ، وإما بالقراءة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) قال: تضرعون دعاء.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: الضُّرُّ: السُّقْم.

------------------------

الهوامش:

(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (1 : 173) عند قوله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله. قال: ما: في معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله؛ لأن الجزاء لا بد له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لم يظهر فهو مضمر، كما قال الشاعر: "إن العقل .." البيت. أراد: إن يكن، فأضمرها. ولو جعلت " ما بكم " في معنى "الذي": جاز ، وجعلت صلته "بكم"، والذي حينئذ: في موضع رفع، بقوله "فمن الله". وأدخل الفاء، كما قال تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم). وكل اسم وصل، مثل من وما، والذي، فقد يجوز دخول الفاء في خبره؛ لأنه مضارع للجزاء، والعقل في البيت معناه: الدية.

(13) البيتان من شعر الأعشى ميمون بن قيس (ديوانه طبع القاهرة ص 53) من قصيدة له سبعون بيتا، يمدح بها قيس ابن معد يكرب. والأييلي: الراهب صاحب الأيبل، وهو العصا التي يدق بها الناقوس. والهيكل: موضع في صدر الكنيسة، يقرب في القربان. صلب صور فيه الصليب. وفي اللسان صار:

صور عن أبي علي الفارسي. ويلوح لي أن المراد بصور في البيت: هو ما قاله الأعشى في بيت آخر وهو قوله وفي وصف الخمر "وصلى على دنها وارتسم". ومعنى ارتسم: أشار بيده على جبهته وقلبه وصدره يمنة ويسرة، كما يفعل المسيحيون. وراوح بين العملين: تداول هذا مرة، وهذا مرة. وجأر إلى الله جؤارا: تضرع إليه بالدعاء والاستغاثة. يقول: ليس الراهب المعتكف في هيكله أمام صليبه، دائبا على صلواته سجوداً وتضرعاً إلى الله، بأعظم منه تقي في الحساب (خبر مِا: في البيت الذي بعد البيتين).

المعاني :

تَجْأَرُونَ :       تَضِجُّونَ بِالدُّعَاءِ السراج
تجأرون :       تضِجّون بالإستغاثة و التّضرّع معاني القرآن

التدبر :

عمل
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ كُن مع صاحب الرحمات تصبك نفحاته !
عمل
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ ﻻ تنسب لنفسك شيئًا.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ وهذا من توفيق المولى وفضله فله الحمد ابتداء ونهاية.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ من جهل الإنسان العاصي: كيف يتقلَّبُ في نِعم الله ويُبَارزُهُ بها؟!
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ إذا كانت القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وكل إحسان وصل إلى العبد فمن الله، فلا ألأَمَ ممن شغل قلبه بحب غيره دونه!
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ النعم التي تتقلَّب بها صباح مساء، الإنجازات التي تصل إليها، الأفراح التي تغمرك كلّها من الله؛ اشكرهُ عليها.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ له الحمدُ أولًا وآخِرًا، له الحمدُ ظاهرًا وباطنًا، له الحمدُ دائمًا وأبدًا له الحمدُ في كل حال .
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ العجبُ ممَّن يعلم أن كل ما به من النعم من الله، ثم لا يستحي من الاستعانة بها على ارتكاب ما نهاه!
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ على المجرم أن يستحي من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ النعم بنوعيها من الله وحده؛ نعم الطاعات، ونعم اللذات، فالجأ إليه کي يعينك على شكرها.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ لا خروج للعبد عن نعمة الله وفضله وإحسانه طرفة عين، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومع هذا فبعضهم يجادل ويقول: إنما أوتيته على علم!
اسقاط
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ إذا قرّبَك النعيم إلى الله فهو نعمة، وإذا أبعدك عن الله فهو فتنة، اللهم لا تحرمنا فضلك.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ وما بكم مِن نعمةِ هدايةٍ، أو صحة جسم، أو سَعَة رزقٍ وولد؛ فمِنَ الله وحده، فهو المُنْعِم بها عليكم، ثم إذا نزل بكم السقم والبلاء والقحط فإلى الله وحده تَضِجُّون بالدعاء.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ جميع النعم ظاهرها وباطنها منه وحده سبحانه، فلا تظن أن أحدًا قد منحك شيئًا، ولو أعطاك كنوز الدنيا، بل الله ساقه إليك سوقًا؛ فاشكر الله المنعم أولًا، ثم البشر.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ كل نعمة؛ مادية كانت أو معنوية، صغيرة أو كبيرة، قليلة أو كثيرة، هي محض فضل من الله وحده.
عمل
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ فلا تتكبر على غيرك بنعمة أعطاك الله إياها فتسلب منك.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظَرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ أنت مخلوق بأمره، وحوائجك مقضية بتقديره، وحياتك ماضية بتدبيره، فأين أنت عن ذكره وشكره وكل ما أنت فيه من خيره؟!
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ لا أحد يستطيع أن يجلب النعمة إذا لم يأت بها الله، ولا يقدر أن يمنعها إذا أرادها الله لأحد؛ فلنطلبها من الله.
وقفة
[53] الحاسد سخط على قضاء الله وقدره؛ فكره نعمته على عباده ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾، ﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّـهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: 2].
عمل
[53] اجعل النعم تذكرك بالشكر، لا بضده ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[53] كل تلك النجاحات والإنجازات التي حققتها لا تنسبها إلى نفسك، ولا تكن كقارون الذي قال: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ [القصص: 78]، بل قل دائمًا: ﴿وما توفيقي إلا بالله﴾ [هود: 88]، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[53] تسمى سورة النحل بسورة النِّعم، ثمَّ ذكر أنه هو المنعم بها، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾، وأمر بشكرها: ﴿واشكروا نعمت الله﴾ [114].
وقفة
[53] من أدوية العجب الحاسمة: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[53] سورة النحل سورة النعم، تخاطب قارئها بتذكيره بنعم الله عليه الظاهرة والخفية، ولذا تكررت مفردة (نعمة) فيها، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ أي: كيف تتقون غير الله؟! وما بكم من نعمة فمنه وحده، ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ أي: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والتضرع.
عمل
[53] ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ تذكر نعمة عظيمة أنعم الله بها عليك، ثم قل: «الله أنعم علي بكذا»، وإياك ونسبتها إلى الخلق أو إلى نفسك.
وقفة
[53] ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ لا يجد الإنسان ملجأ لكشف الضُّرِّ عنه في وقت الشدائد إلا الله تعالى فيضجَّ بالدُّعاء إليه؛ لعلمه أنه لا يقدر أحد على إزالة الكرب سواه.
وقفة
[53] ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ لا ضير من تلمس عطايا ربك وقت الشدة، لكن ما أسوأ عودتك لاهيًا مغترًّا كما كنت بعد كشف البلاء.
وقفة
[53] ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ أوقات صحتك وطربك تمنحها لعدوه، وأوقات انكسارك ومرضك تهتف به؛ تبدو قسمة غير عادلة!
اسقاط
[53] ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ عند المصيبة تلجأ إلى الله؛ فأين شكرك له عند العطاء؟!
وقفة
[53، 54] ﴿ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون* ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون﴾ أيُّ لؤمٍ هـذا؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ:
  • الواو: استئنافية. ما: اسم شرط‍ جازم «بمعنى أيّ شيء» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بكم: جار ومجرور متعلق بفعل الشرط‍ المحذوف بمعنى وأي شيء حل بكم. من نعمة: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما».
  • ﴿ فَمِنَ اللهِ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط‍ وما بعده: أي هو من الله جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم والجملة من فعل الشرط‍ المقدر وجوابه -جزائه-في محل رفع خبر «ما».من الله: جار ومجرور للتعظيم في محل رفع خبر مقدم لمبتدإ محذوف تقديره: هو. ويجوز أن تكون «ما» في محل جر اسما موصولا مجرورا بحرف جر مقدر أي «مما بكم من نعمة» والفاء في فَمِنَ اللهِ» استئنافية وشبه الجملة. بكم «جارا ومجرورا متعلقا بفعل محذوف تقديره استقر. وجملة «استقر بكم» صلة الموصول
  • ﴿ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ:
  • ثم: حرف عطف. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهي أداة شرط‍ غير جازمة. مسّكم:أي لحقكم: فعل ماض مبني على الفتح والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. الضرّ: فاعل مرفوع بالضمة.وجملة مَسَّكُمُ الضُّرُّ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد اذا.
  • ﴿ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها الفاء واقعة في جواب الشرط‍.اليه: جار ومجرور متعلق بتجأرون. تجأرون: أي ترفعون أصواتكم مستغيثين. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد بيان أنَّ الواجِبَ على العاقِلِ ألَّا يتَّقِيَ غيرَ اللهِ؛ جاء هنا التعجب: كيف تتقون غير الله وكل نعمة بكم هي من الله، ورفع البلاء بيد الله، فكيف تعبدون معه غيره؟! قال تعالى:
﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تجأرون:
وقرئ:
تجرون، بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على الجيم.

مدارسة الآية : [54] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ ..

التفسير :

[54] ثم إذا كشف عنكم البلاء والسَّقَم، إذا جماعة منكم بربهم الـمُنْعِم عليهم بالنجاة يتخذون معه الشركاء والأولياء.

تفسير الآيتين 53 و 54:ـ

والله المنفرد بالعطاء والإحسان{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ} ظاهرة وباطنة{ فَمِنَ اللَّهِ} لا أحد يشركه فيها،{ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} من فقر ومرض وشدة{ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي:تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم، ويجحدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة

و «إذا» الأولى في قوله «ثم إذا كشف..» شرطية والثانية وهي قوله «إذا فريق منكم..» فجائية، وهي جواب الأولى.

وهذا التعبير يشير إلى مسارعة فريق من الناس، إلى جحود نعم الله- تعالى- بمجرد أن يكشف عنهم الضر بدون تريث أو تمهل.

وقال- سبحانه- فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لتسجيل الشرك على هذا الفريق ولإنصاف غيره من المؤمنين الصادقين، الذين يشكرون الله- تعالى- في جميع الأحوال، ويواظبون على أداء ما كلفهم به في السراء والضراء.

وهذا المعنى الذي تضمنته هاتان الآيتان، قد جاء ما يشبهه في آيات كثيرة منها قوله- تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ .

وقوله- سبحانه-: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ، أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ.. .

فهذه الآيات الكريمة تصور الطبائع البشرية أكمل تصوير وأصدقه، إذ الناس- إلا من عصم الله- يجأرون إلى الله- تعالى- بالدعاء عند الشدائد والمحن، وينسونه عند السراء والرخاء.

وقال هاهنا : ( ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم )

قيل : " اللام " هاهنا لام العاقبة . وقيل : لام التعليل ، بمعنى : قيضنا لهم ذلك ليكفروا ، أي : يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم ، وأنه المسدي إليهم النعم ، الكاشف عنهم النقم .

ثم توعدهم قائلا ) فتمتعوا ) أي : اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا ( فسوف تعلمون ) أي : عاقبة ذلك .

يقول تعالى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم ، ومن الشدة في معاشكم، وفرّج البلاء عنكم (إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) يقول : إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا في عبادتهم، فيعبدون الأوثان ، ويذبحون لها الذبائح شكرا لغير من أنعم عليهم بالفرج مما كانوا فيه من الضرِّ .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[54] ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ كل أحد يستطيع أن يقول كلمة (كن) لكن لا يستطيع تحقيق الكينونة، فعلق قلبك بمن لا يملك تحقيقها إلا هو ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82].
وقفة
[54] ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ كمْ نطلبُ الله في ضُرِّ يحِلُّ بِنا ... فإنْ تولَّتْ بلايانا نَسِيَناهُ ندعوه في البحرِ أنْ يُنْجي سفينتَنا ... فإنْ رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ ونركبُ الجوَّ في أمنٍ وفي دَعَةٍ ... وما سقطْنا لأنَّ الحافظ اللهُ

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة. وفاعل «كشف» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه و «الضر» مفعول به منصوب بالفتحة. عنكم: جار ومجرور متعلق بكشف والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ:
  • اذا: فجائية-حرف فجاءة-لا عمل لها. والجملة بعده: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.فريق: مبتدأ مرفوع بالضمة. منكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «فريق» و «من» للبيان لا للتبعيض بمعنى: فاذا فريق كافر وهم أنتم.برب: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيشركون. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. يشركون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة: في محل رفع خبر فريق. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     وبعد بيان أن المضطرين لا يتجهون بالدعاء إلا إلى الله، وهم من شدة تعلقهم بالله يجأرون بالدعاء إليه، أي يرفعون أصواتهم؛ يأتي التعجب هنا من أنه وبعد أن يكشف اللهُ عنهم الضُّرَّ، يشرك فريق منهم بالله، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كشف:
وقرئ:
كاشف، و «فاعل» هنا بمعنى «فعل» ، وهى قراءة قتادة.

البحث بالسورة

البحث في المصحف