ترتيب المصحف | 7 | ترتيب النزول | 39 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 26.00 |
عدد الآيات | 206 | عدد الأجزاء | 1.25 |
عدد الأحزاب | 2.50 | عدد الأرباع | 10.00 |
ترتيب الطول | 4 | تبدأ في الجزء | 8 |
تنتهي في الجزء | 9 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 3/29 | آلمص: 1/1 |
بعْدَ أنْ أَغْرقَ اللهُ عدُوَّهم عَبَرَ موسى عليه السلام وبنو إسرائيلَ البحرَ، فمرُّوا على قومٍ يعبدُونَ أصنامًا، فقالُوا لموسى عليه السلام :اجعلْ لنا صنمًا نعبدُه، فوَبَّخَهم موسى عليه السلام ، ثُمَّ ذَكَّرَهم بنعمِ اللهِ عليهم.
واعدَ اللهُ موسى عليه السلام ثلاثينَ ليلةً يرتقِبُ بعْدَها مُناجاةَ ربِّهِ وإنزالَ التَّوراةِ، ثُمَّ أكملَها بعشرٍ فصارتْ أربعينَ، فلَمَّا جاءَ موسى في الموعدِ كلَّمَه اللهُ، وطلبَ موسى رؤيةَ اللهِ تعالى.
التفسير :
جَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ بعد ما أنجاهم اللّه من عدوهم فرعون وقومه، وأهلكهم اللّه، وبنو إسرائيل ينظرون.
فَأَتَوْا أي:مروا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ أي:يقيمون عندها ويتبركون بها، ويعبدونها.
فـ قَالُوا من جهلهم وسفههم لنبيهم موسى بعدما أراهم الله من الآيات ما أراهم يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ أي:اشرع لنا أن نتخذ أصناما آلهة كما اتخذها هؤلاء.
فـ قَالَ لهم موسى:إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وأي جهل أعظم من جهل من جهل ربه وخالقه وأراد أن يسوي به غيره، ممن لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؟
إن هذه الآيات تحكى قصة عجيبة لبنى إسرائيل ملخصها: أنهم بعد أن خرجوا من مصر بقيادة موسى- عليه السلام- تبعهم فرعون وجنوده ليعيدوهم إليها، إلا أن الله- تعالى- انتقم لهم من فرعون وجنده فأغرقهم أمام أعينهم وسار بنو إسرائيل نحو المشرق متجهين إلى الأرض المقدسة بعد أن عبروا البحر، ولكنهم ما إن جاوزوا البحر الذي غرق فيه عدوهم والذي ما زالت رماله الرطبة عالقة بنعالهم، حتى وقعت أبصارهم على قوم يعبدون الأصنام، فماذا كان من بنى إسرائيل؟.
كان منهم أن عاودتهم طبيعتهم الوثنية، فطلبوا من نبيهم موسى- عليه السلام- الذي جاء لهدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من ظلم أن يصنع لهم آلهة من جنس الآلهة التي يعبدها أولئك القوم.
وهنا غضب عليهم موسى غضبا شديدا. ووصفهم بأنهم قوم يجهلون الحق، وبين لهم فساد ما عليه المشركون، وذكرهم بما حباهم الله- تعالى- به من نعم جزيلة، يوجب عليهم إفراده بالخضوع والعبادة والطاعة والشكر.
وقوله- تعالى- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ بيان للمنة العظيمة التي منحهم الله إياها، وهي عبورهم البحر بعد أن ضربه موسى بعصاه، فأصبح طريقا يابسا يسيرون فيه بأمان واطمئنان حتى عبروه إلى الناحية الأخرى، يصحبهم لطف الله، وتحدوهم عنايته ورعايته.
وجاوز بمعنى أصل الفعل الذي هو جاز، أى: قطعنا بهم البحر. يقال: جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره.
والمراد بالبحر: بحر القلزم وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر.
وقوله تعالى فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ بيان لما شاهدوه من أحوال بعض المشركين عقب عبورهم البحر ونجاتهم من عدوهم، فماذا كانت نتيجة هذه المشاهدة؟ لقد كان المتوقع منهم أن يحتقروا ما شاهدوه، وأن ينفروا مما أبصروه، لأن العهد لم يطل بهم منذ أن كانوا يسامون سوء العذاب في ظل عبادة الأصنام عند فرعون وقومه، ولأن نجاتهم مما كانوا فيه من ذل وهوان، قد تمت على يد نبيهم الذي دعاهم إلى توحيد الله- تعالى- لكي يزيدهم من فضله.
ولكن طبيعة بنى إسرائيل المعوجة لم تفارقهم، فها هم أولاء ما إن وقعت أبصارهم على قوم يعكفون ويداومون على عبادة أصنام لهم ، حتى انجذبوا إليها وطلبوا من نبيهم الذي جاء لهدايتهم، أن يجعل لهم وثنا كغيرهم لكي يعبدوه من جديد. لقد حكى القرآن عنهم أنهم عند ما شاهدوا هذا المنظر، ما لبثوا أن قالوا لنبيهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.
قالوا ذلك لأن الإيمان لم يستقر في قلوبهم، ولأن ما ألفوه من عبادة الأصنام أيام استعباد فرعون لهم، ما زال متمكنا من نفوسهم، ومسيطرا على عقولهم، وهكذا عدوى الأمراض تصيب النفوس كما تصيب الأبدان، وهكذا طبيعة بنى إسرائيل ما تكاد تهتدى حتى تضل، وما تكاد ترتفع حتى تنحط وما تكاد تسير في طريق الاستقامة حتى ترتكس وتنتكس.
وفي قولهم لنبيهم اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ بصيغة الأمر أكبر دليل على غباء عقولهم، وسوء أدبهم لأنهم لو استأذنوه- مثلا- في اتخاذ صنم يعبدونه كغيرهم لكان شأنهم أقل غرابة ولكن الذي حصل منهم أنهم طلبوا منه- وهو نبيهم الداعي لهم إلى توحيد الله تعالى والمنقذ لهم من عدوهم الوثني الجبار- أن يقوم هو بنفسه بصناعة صنم لكي يعبدوه كغيرهم!!.
قال القرطبي: ونظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط- لأنهم كانوا ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه- وكان الكفار يعظمون هذه الشجرة في كل سنة يوما، قال الأعراب: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه» وكان هذا في مخرجه إلى حنين .
ولقد غضب موسى- عليه السلام- من طلبهم هذا- وهو الغضوب بطبيعته لربه ودينه- فرد عليهم ردا قويا فيه توبيخ لهم وتعجب من قولهم بعد أن رأوا من المعجزات ما رأوا فقال:
إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أى: إنكم يا بنى إسرائيل بطلبكم هذا برهنتم على أنكم قوم قد ملأ الجهل قلوبكم، وغطى على عقولكم، فصرتم لا تفرقون بين ما عليه هؤلاء من ضلال مبين، وبين ما تستحقه الألوهية من صفات وتعظيم ولم يقيد ما يجهلونه ليفيد أنه جهل كامل شامل يتناول فقد العلم، وسفه النفس، وفساد العقل. وسوء التقدير.
يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى ، عليه السلام ، حين جاوزوا البحر ، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا ، ( فأتوا ) أي : فمروا ( على قوم يعكفون على أصنام لهم ) قال بعض المفسرين : كانوا من الكنعانيين . وقيل : كانوا من لخم .
قال ابن جريج : وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر ، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك ، فقالوا : ( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) أي : تجهلون عظمة الله وجلاله ، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل .
القول في تأويل قوله : وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد الآيات التي أريناهموها، والعبر التي عاينوها على يدي نبيّ الله موسى, فلم تزجرهم تلك الآيات، ولم تعظهم تلك العبر والبينات! حتى قالوا = مع معاينتهم من الحجج ما يحق أن يذكُرَ معها البهائم, إذ مرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم, يقول: يقومون على مُثُل لهم يعبدونها من دون الله (1) = " اجعل لنا " يا موسى " إلهًا ", يقول: مثالا نعبده وصنما نتخذُه إلهًا, كما لهؤلاء القوم أصنامٌ يعبدونها. ولا تنبغي العبادة لشيء سوى الله الواحد القهار. وقال موسى صلوات الله عليه: إنكم أيها القوم قوم تجهلون عظمة الله وواجبَ حقه عليكم, ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله الذي له ملك السماوات والأرض.
* * *
وذكر عن ابن جريج في ذلك ما: -
15053 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم)، قال ابن جريج: " على أصنام لهم "، قال: تماثيل بقر. فلما كان عجل السامريّ شبِّه لهم أنه من تلك البقر, فذلك كان أوّل شأن العجل: (قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون)،
* * *
وقيل: إن القوم الذين كانوا عكوفًا على أصنام لهم، الذين ذكرهم الله في هذه الآية, قوم كانوا من لَخْم.
* ذكر من قال ذلك:
15054 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا بشر بن عمرو قال، حدثنا العباس بن المفضل, عن أبي العوام, عن قتادة: (فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم)،قال: على لخم. (2)
* * *
وقيل: إنهم كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم. وقد:-
15055 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري: أن أبا واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين, فمررنا بِسدْرة, (3) قلت: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذاتُ أنواط كما للكفار ذاتُ أنواط! وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها (4) = فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة ", إنكم ستركبون سنن الذين من قبلكم. (5)
15056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري, عن سنان بن أبي سنان, عن واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين, فمررنا بسدرة, فقلنا: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط, فذكر نحوه. (6)
15057- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن سنان بن أبي سنان, عن أبي واقد الليثي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نحوه. (7)
15058 - حدثني المثنى قال، حدثنا ابن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب قال، أخبرني سنان بن أبي سنان الديلي, عن أبي واقد الليثي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم, يقال لها " ذات أنواط، قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط. قال: " قلتم والذي نفسي بيده، ما قال قوم موسى: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون "، إنها السنن، لتركبن سَنَنَ من كان قبلكم. (8)
------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير (( العكوف )) فيما سلف 3 : 41 ، 539 ، 540 . و (( المثل )) ( بضمتين ) جمع ((مثال)) ( بكسر الميم ) ، وهو الصورة ، مثل (( التمثال )) .
(2) الأثر : 15054 - (( بشر بن عمر الحكم بن عقبة الزهراني الأزدي )) ، روي له الجماعة . مضى برقم 3375 . و (( العباس بن المفضل )) ، هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، وأرجح أنه (( العباس بن الفضل الأنصارى الواقفي )) ، مترجم في التهيب ، وابن أبي حاتم 2/1/212 ، وهو متروك الحديث . و(( أبو العوام )) ، هو (( عمران بن داور القطان )) ، مضى برقم : 7503 .
(3) (( السدرة )) ، وواحدتها (( سدرة )) ، هو شجر النبق .
(4) (( ناط الشيء ينوطه نوطا )) ، علقه . و (( الأنواط )) ما يعلق على الهودج أو غيره ، وهي المعاليق .
(5) الأثر : 15055 - خبر أبي واقد الليثى ، في (( ذات أنواط )) ، رواه أبو جعفر من أربع طرق ، هذا أولها ، وهو خبر مرسل ، لأن الزهري لم يسنده . وسيأتي تخريجه في الذي يليه .
(6) الأثر : 15056 - ((سنان بن أبي سنان = الديلى أو الدؤلى =الجدرى )) ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/2/163 ، وابن أبي حاتم 2/1/252 . وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5 : 218 من طريق عبد الرازق ، عن معمر ، بنحوه .
(7) الأثر : 15057 - رواه ابن إسحق في سيرته 4 : 84 ، عن (( أبي واقد الليثى ، الحارث بن مالك قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، ونحن حديثو عهد بكفر )) ، وفي المطبوعة الحلبية (( أن الحارث بن مالك )) ، بزيادة (( أن )) ، وهي زيادة فاسدة ، ليست في سائر النسخ .
(8) الأثر : 15058 - (( ابن صالح )) : هو (( عبد الله بن صالح الجهني المصري )) ، (( أبو صالح )) ، كاتب الليث بن سعد . وأسقط في المطبوعة والمخطوطة [ حدثني المثنى قال ] ، وأبو جعفر لم يدرك أبا صالح ، وإنما يروى عنه عن طريق (( المثنى )) ، كما سلف في إسناده الدائر في التفسير ، وأقربه: 15050 : (( حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح )) . وقد رواه البخاري كما سترى عن أبي صالح مباشرة ، فلذلك ثبت أنه قد سقط من الإسناد : [حدثني المثنى] فزدتها ، وانظر مثل هذا الإسناد فيما سلف : 2350 . والليث هو (( الليث بن سعد )) الإمام . و(( عقيل )) هو (( عقيل بن خالد الأيلي )) ، مضى برقم : 19 ، 2350 ، ثقة ثبت حجة . وهذا الخبر رواه أحمد من طريق حجاج ، عن ليث بن سعد ، بنحوه ، ورواه البخاري مختصراً في تاريخه 2/2/164 قال : (( وقال لنا أبو صالح حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرنى سنان بن أبي سنان الدؤلى ، ثم الجدرى ، عن أبي واقد الليثى ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم : لتركبن سنن من قبلكم )) . وزاد أحمد طريقاً أخرى في مسنده لخبر أبي واقد ، طريق مالك بن أنس ، عن الزهرى ، عن سنان ابن أبي سنان ( المسند رقم 5 : 218 ) . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده : 191 من طريق إبراهيم بن سعد الزهرى ، عن [الزهرى] ، عن سنان بن أبي سنان ، نحوه . وفي المسند إسقاط [الزهرى] . وخرجه السيوطي في الدر المنشور 3 : 114 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردوية . و (( السنن )) ( بفتحتين ) : نهج الطريق .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 138 | ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ﴾ |
---|
يونس: 90 | ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وجاوزنا:
قرئ:
وجوزنا، وهو مما جاء فيه «فعل» المضعف، بمعنى «فعل» المجرد، وهى قراءة الحسن، وإبراهيم، وأبى رجاء، ويعقوب.
يعكفون:
قرئ:
1- بكسر الكاف، وهى قراءة الأخوين، وأبى عمرو.
2- بضمها، وهى قراءة باقى السبعة.
وهما لغتان فصيحتان.
التفسير :
ولهذا قال لهم موسى إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لأن دعاءهم إياها باطل، وهي باطلة بنفسها، فالعمل باطل وغايته باطلة.
وبعد أن كشف لهم سوء حالهم، وفرط جهالاتهم، بين لهم فساد ما طلبوه في ذاته، وقبح عاقبة من أرادوا تقليدهم، فقال لهم بأسلوب الاستئناف المفيد للتعليل إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
متبر: من التتبير بمعنى الإهلاك أو التكسير والتحطيم يقال: تبره يتبره وتبره أى أهلكه ودمره.
أى: إن هؤلاء الذين تبغون تقليدهم في عبادة الأوثان، محكوم على ما هم فيه بالدمار، ومقضي على ما يعملونه من عبادة الأصنام بالاضمحلال والزوال لأن دين التوحيد سيظهر في هذه الديار، وستصير العبادة لله الواحد القهار.
وبهذا الرد يكون موسى- عليه السلام- قد كشف لقومه عن سوء ما يطلبون، وصرح لهم بأن مصير ما يبغونه إلى الهلاك والتدمير.
قال الإمام الرازي: (والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من عبادة ذلك العجل نفع ولا دفع ضرر، وتحقيق القول في هذا الباب أن المقصود من العبادة أن تصير المواظبة على تلك الأعمال سببا لاستحكام ذكر الله تعالى في القلب حتى تصير الروح سعيدة بحصول تلك المعرفة فيها، فإذا اشتغل الإنسان بعبادة غير الله تعلق قلبه بغيره، ويصير ذلك التعلق سببا لإعراض القلب عن ذكره تعالى. وإذا ثبت هذا التحقيق ظهر أن الاشتغال بعبادة غير الله متبر وباطل وضائع. وسعى في تحصيل ضد هذا الشيء ونقيضه، لأنا بينا أن المقصود من العبادة رسوخ معرفة الله- تعالى- في القلب. والاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفته عن القلب، فكان هذا ضد الغرض ونقيضا للمطلوب- والله أعلم-) .
( إن هؤلاء متبر ما هم فيه ) أي : هالك ( وباطل ما كانوا يعملون )
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعقيل ، ومعمر كلهم ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال : " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الديلي ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلت : يا نبي الله اجعل لنا هذه " ذات أنواط " ، كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة [ قال إنكم قوم تجهلون ] ) إنكم تركبون سنن من قبلكم "
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه عن جده مرفوعا
القول في تأويل قوله : إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)
قال أبو حعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: قال لهم موسى: إن هؤلاء العُكوف على هذه الأصنام, الله مُهْلِكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده, ومخسرهم فيه، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين = " وباطل ما كانوا يعملون "، من عبادتهم إياها، فمضمحلّ، لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم, (9) ولا مدافع عنهم بأسَ الله إذا نـزل بهم, ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة, فهو في معنى ما لم يكن. (10)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15059 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل, = حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد = قالا جميعًا، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه)، يقول: مهلك ما هم فيه.
15060 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه)، يقول: خُسْران.
15061 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون)، قال: هذا كله واحد كهيئة: " غفور رحيم ", " عفوّ غفور ". قال: والعرب تقول: " إنه البائس لمُتَبَّرٌ", " وإنه البائس لَمُخَسَّرٌ" .
----------------------
الهوامش :
(9) في المطبوعة : (( غير نافع )) ، وأثبت ما في المخطوطة .
(10) انظر تفسير (( الباطل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( بطل ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 139 | ﴿إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
هود: 16 | ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا أي:أأطلب لكم إلها غير اللّه المألوه، الكامل في ذاته، وصفاته وأفعاله. وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ فيقتضي أن تقابلوا فضله، وتفضيله بالشكر، وذلك بإفراده وحده بالعبادة، والكفر بما يدعي من دونه.
ثم مضى موسى- عليه السلام- يستنكر عليهم هذا الطلب، ويبين لهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة فقال: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
أى قال موسى- عليه السلام مذكرا قومه بنعم الله عليهم الموجبة لإفراده بالعبادة والخضوع:
أغير الله أطلب لكم معبودا أحملكم على العبودية له، وهو فضلكم على عالمي زمانكم، وقد كان الواجب عليكم أى تخصوه بالعبادة، كما اختصكم هو بشتى النعم الجليلة. فالاستفهام في الآية الكريمة للإنكار المشرب معنى التعجب لابتغائهم معبودا سوى الله- تعالى- الذي غمرهم بنعمه، وأحاطهم بألوان إحسانه.
و «غير» كما قال الجمل- منصوب على أنه مفعول به لأبغيكم على حذف اللام والتقدير:
أأبغي لكم غير الله إلها، فلما حذف الحرف وصل الفعل بنفسه وهو غير منقاس. و «إلها» تمييز لغير.
يذكرهم موسى ، عليه السلام ، بنعمة الله عليهم ، من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره ، وما كانوا فيه من الهوان والذلة ، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم ، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه ، وغرقه ودماره . وقد تقدم تفسيرها في [ سورة ] البقرة .
القول في تأويل قوله : قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى لقومه: أسِوَى الله ألتمسكم إلهًا، وأجعل لكم معبودًا تعبدونه, (11) والله الذي هو خالقكم, فضلكم على عالمي دهركم وزمانكم؟ (12) يقول: أفأبغيكم معبودًا لا ينفعكم ولا يضركم تعبدونه، وتتركون عبادة من فضلكم على الخلق؟ إن هذا منكم لجهل!
--------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير (( بغى )) فيما سلف 12 : 559 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(12) انظر تفسير (( العالمين )) فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 14 | ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ |
---|
الأنعام: 40 | ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّـهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ |
---|
الأنعام: 164 | ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ |
---|
الأعراف: 140 | ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
الأنعام: 114 | ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ﴾ |
---|
النحل: 52 | ﴿وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ﴾ |
---|
الزمر: 64 | ﴿قُلۡ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم ذكرهم بما امتن اللّه به عليهم فقال:وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي:من فرعون وآله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ أي:يوجهون إليكم من العذاب أسوأه، وهو أنهم كانوا يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ النجاة من عذابهم بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أي:نعمة جليلة، ومنحة جزيلة، أو:وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلاء من ربكم عليكم عظيم، فلما ذكرهم موسى ووعظهم انتهوا عن ذلك.
ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة إنجائهم من العذاب والتنكيل، ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون، فقال تعالى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.
«إذ» بمعنى وقت، وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أى: اذكروا وقت أن أنجيناكم من آل فرعون. والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث.
وآل الرجل: أهله وخاصته وأتباعه. ويطلق غالبا على أولى الشأن والخطر من الناس، فلا يقال آل الحجام أو الإسكاف.
ويَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يبغون لكم أشد العذاب وأفظعه من السوم وهو مطلق الذهاب، أو الذهاب في ابتغاء الشيء. يقال: سامت الإبل فهي سائمة، أى ذهبت إلى المرعى. وسام السلعة، إذا طلبها وابتغاها.
والسوء- بالضم- كل ما يحزن الإنسان ويغمه من الأمور الدنيوية أو الأخروية.
ويستحيون: أى يستبقون. يقال: استحياه أى: استبقاه، وأصله: طلب له الحياة والبقاء.
والبلاء: الامتحان والاختبار ويكون بالخير والشر.
والمعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا وتشكروا الله على نعمه وقت أن أنجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم، ويستبقون نفوس نسائكم ليستخدموهن ويستذلوهن. وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان لكم لتشكروا الله على نعمه، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الإذلال في الدنيا، والعذاب في الأخرى.
وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه، مع أنه هو الآمر بتعذيب بنى إسرائيل، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا له على إذاقتهم سوء العذاب، وفي إنزال ألوان الأذلال بهم.
وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل- مع أنه في ظاهره نعمة لهم- لأن هذا الإبقاء على النساء كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن، واستعمالهن في شتى أنواع الخدمة، وإذلالهن بالاسترقاق، فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة، والطباع الحرة الأبية.
قال الامام الرازي ما ملخصه: في قتل الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:
أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال، وذلك يقضى انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا.
ثانيها: أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة.
فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها الرجال. لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد.
ثالثها: ان قتل الولد عقب الحمل الطويل، وتحمل الكد، والرجاء القوى في الانتفاع به من أعظم العذاب. فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة.
رابعا: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء. وذلك نهاية الذل والهوان .
وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا الأطفال لا البالغين، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال، لا الأطفال، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء، والنساء هن البالغات.
والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإنجاء، حيث كان آل فرعون يقتلون الصغار قطعا للنسل، ويسترقون الأمهات استعبادا لهن، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت.
وبهذا تكون الآيات الكريمة قد ردت على بنى إسرائيل فيما طلبوا أبلغ رد وأحكمه، ووصفتهم بما هم أهله من سوء تدبير، وسفاهة تفكير. فقد بدأت بإثبات جهلهم بربهم وبأنفسهم، حيث طلبوا من نبيهم أن يجعل لهم إلها كما لغيرهم آلهة، ثم ثنت بإظهار فساد ما طلبوه في ذاته، لأن مصيره إلى الزوال والهلاك، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون الها، ثم بينت بعد ذلك بأن العبادة لغير الله لا تجوز بأى حال، لأنه هو وحده صاحب الخلق والأمر، ثم ذكرتهم في ختامها بوجوه النعم التي أسبغها الله عليهم، لتشعرهم بأن ما طلبوه من نبيهم، هو من قبيل مقابلة الإحسان بالجحود والنكران، ولتحملهم على أن يتدبروا أمرهم، ويراجعوا أنفسهم، ويتوبوا إلى خالقهم توبة صادقة نصوحا. ان كانوا ممن ينتفع بالعظات ويعتبر بالمثلات.
ثم حكت لنا السورة الكريمة بعد ذلك مشهد تطلع موسى- عليه السلام- للقاء ربه، ووصيته لأخيه هارون قبل ذهابه لهذا اللقاء العظيم فقالت:
يذكرهم موسى عليه السلام نعم الله عليهم من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره وما كانوا فيه من الهوان والذلة وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه وغرقة ودماره وقد تقدم تفسيرها في البقرة.
القول في تأويل قوله : وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم: واذكروا مع قيلكم هذا الذي قلتموه لموسى بعد رؤيتكم من الآيات والعبر, وبعد النعم التي سلفت مني إليكم, والأيادي التي تقدمت = فعلَكم ما فعلتم =(إذ أنجيناكم من آل فرعون)، وهم الذين كانوا على منهاجه وطريقته في الكفر بالله من قومه (13) =(يسومونكم سوء العذاب)، يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيئه. (14)
* * *
وقد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ما كان العذاب الذي كان يسومهم سيئه. (15)
* * *
=(يقتلون أبناءكم)، الذكورَ من أولادهم =(ويستحيون نساءكم)، يقول: يستبقون إناثهم (16) =(وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)، يقول: وفي سومهم إياكم سوء العذاب, اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة. (17)
-----------------------
الهوامش :
(13) انظر تفسير (( الآل )) فيما سلف 2 : 37 / 3 : 222 ، تعليق 3 / 6 : 326 / 8 : 480 .
(14) انظر تفسير (( السوم )) فيما سلف 2 : 40 .
(15) انظر ما سلف 2 : 40 ، 41 .
(16) انظر تفسير (( الاستحياء )) فيما سلف 2 : 41 - 48 / 13 : 41 .
(17) انظر تفسير (( البلاء )) فيما سلف 12 : 289 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك . وكان في المطبوعة : (( وتعمد عظيم )) ، ولا معنى له ، والصواب ما أثبت ، وانظر ما سلف في تفسير نظيرة هذه الآية 2 : 48 ، 49 ، فمنه استظهرت الصواب .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 49 | ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ |
---|
الأعراف: 141 | ﴿ وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ |
---|
ابراهيم: 6 | ﴿ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أنجيناكم:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أنجاكم، وهى قراءة ابن عامر.
3- نجيناكم، مشددا.
يقتلون:
1- بالتشديد، من قتل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتخفيف، من قتل، وهى قراءة نافع.
التفسير :
ولما أتم اللّه نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد اللّه، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها.
ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته:اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي أي:كن خليفتي فيهم، واعمل فيهم بما كنت أعمل، وَأَصْلِحْ أي:اتبع طريق الصلاح وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وهم الذين يعملون بالمعاصي.
قال صاحب الكشاف: «روى أن موسى- عليه السلام- وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوك. فقالت له الملائكة: كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله- تعالى- ان يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وان يعمل فيها بما يقربه من الله ثم انزل الله عليه في العشر التوراة وكلمه فيها» .
والمواعدة مفاعلة من الجانبين، وهي هنا على غير بابها، لأن المراد بها هنا أن الله- تعالى- أمر موسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيدا لإعطائه التوراة، ويؤيد ذلك قراءة أبى عمرو ويعقوب «وعدنا» .
وقيل المفاعلة على بابها على معنى أن الله- تعالى- وعد نبيه موسى أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال.
وقوله ثَلاثِينَ مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف، أى: إثمام ثلاثين ليلة أو إتيانها.
والضمير في قوله وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ يعود على المواعدة المفهومة من قوله واعَدْنا أى:
وأتممنا مواعدته بعشر، أو أنه يعود على ثلاثين:
وحذف تمييز عشر لدلالة الكلام عليه، أى: وأتممناها بعشر ليال.
وأَرْبَعِينَ منصوب على الحالية أى: فتم ميقات ربه بالغا أربعين ليلة.
ثم حكى- سبحانه- ما وصى به موسى أخاه هارون فقال: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي أى: قال موسى لأخيه هارون حين استودعه ليذهب لمناجاة ربه: كن خليفتي في قومي، وراقبهم فيما يأتون ويذرون فإنهم في حاجة إلى ذلك لضعف إيمانهم، واستيلاء الشهوات والأهواء عليهم وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الذين إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا.
وإننا لنلمح من هذه الوصية أن موسى- عليه السلام- كان متوقعا شرا من قومه، ولقد صح ما توقعه، فإنهم بعد أن فارقهم موسى استغلوا جانب اللين في هارون فعبدوا عجلا جسدا له خوار صنعه لهم السامري.
يقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل ، بما حصل لهم من الهداية ، بتكليمه موسى ، عليه السلام ، وإعطائه التوراة ، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم ، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة .
قال المفسرون : فصامها موسى ، عليه السلام ، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة ، فأمره الله تعالى أن يكمل بعشر أربعين .
وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي ؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة ، والعشر عشر ذي الحجة . قاله مجاهد ، ومسروق ، وابن جريج . وروي عن ابن عباس . فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر ، وحصل فيه التكليم لموسى ، عليه السلام ، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : ( ( 142 ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ المائدة : 3 ]
فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور ، كما قال تعالى : ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) الآية [ طه : 80 ] ، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون ، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد . وهذا تنبيه وتذكير ، وإلا فهارون ، عليه السلام ، نبي شريف كريم على الله ، له وجاهة وجلالة ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى سائر الأنبياء .
القول في تأويل قوله : وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: وواعدنا موسى لمناجاتنا ثلاثين ليلة. (18) وقيل: إنها ثلاثون ليلة من ذي القعدة. =(وأتممناها بعشر)، يقول: وأتممنا الثلاثين الليلة بعشر ليال تتمة أربعين ليلة.
* * *
وقيل: إن العشر التي أتمها به أربعين, عشر ذي الحجة.
* ذكر من قال ذلك.
15062 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)، قال: ذو القعدة، وعشر ذي الحجة.
15063 - ... قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)، قال: ذو القعدة، وعشر ذي الحجة. ففي ذلك اختلفوا. (19)
15064 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة)، هو ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة, فذلك قوله: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة).
15065 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ أن الثلاثين التي كان واعدَ موسى ربه، كانت ذا القعدة، والعشرَ من ذي الحجة التي تمم الله بها الأربعين.
15066 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة)، قال: ذو القعدة.(وأتممناها بعشر)، قال: عشر ذي الحجة = قال ابن جريج: قال ابن عباس مثله.
15067 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)، قال: ذو القعدة, والعشر الأوَل من ذي الحجة.
15068 - ... قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن مسروق: (وأتممناها بعشر)، قال: عشر الأضحى.
* * *
وأما قوله: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة)، فإنه يعني: فكمل الوقت الذي واعد الله موسى أربعين ليلة، (20) وبلغها. كما:-
15069 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج: (فتم ميقات ربه)، قال: فبلغ ميقات ربه أربعين ليلة.
* * *
القول في تأويل قوله : وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما مضى لموعد ربه قال لأخيه هارون: (اخلفني في قومي)، يقول: كن خليفتي فيهم إلى أن أرجع.
* * *
يقال منه: " خَلَفه يخْلُفه خِلافة ". (21)
* * *
(وأصلح)، يقول: وأصلحهم بحملك إياهم على طاعة الله وعبادته، كما:-
15070 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال: " وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح "، وكان من إصلاحه أن لا يدع العجل يُعْبد.
* * *
وقوله: (ولا تتبع سبيل المفسدين)، يقول: ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض، بمعصيتهم ربهم, ومعونتهم أهل المعاصي على عصيانهم ربهم, ولكن اسلك سبيل المطيعين ربهم. (22)
* * *
وكانت مواعدة الله موسى عليه السلام بعد أن أهلك فرعون، ونجَّى منه بني إسرائيل، فيما قال أهل العلم, كما:-
15071 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج, عن ابن جريج قوله: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً ، الآية، قال: يقول: إن ذلك بعد ما فرغ من فرعون وقبل الطور، لما نجى الله موسى عليه السلام من البحر وغرّق آل فرعون، وخلص إلى الأرض الطيبة, أنـزل الله عليهم فيها المنّ والسلوى، وأمره ربه أن يلقَاه, فلما أراد لقاء ربه، استخلف هارون على قومه, وواعدهم أن يأتيهم إلى ثلاثين ليلة، ميعادًا من قِبَله، من غير أمر ربه ولا ميعاده. فتوجه ليلقى ربه, فلما تمت ثلاثون ليلة، قال عدو الله السامريُّ: ليس يأتيكم موسى, وما يصلحكم إلا إله تعبدونه ! فناشدهم هارون وقال: لا تفعلوا، انظروا ليلتكم هذه ويومكم هذا, فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم ! فقالوا: نعم! فلما أصبحوا من غد ولم يروا موسى، عاد السامري لمثل قوله بالأمس. قال: وأحدث الله الأجل بعد الأجل الذي جعله بينهم عشرًا, (23) فتم ميقات ربه أربعين ليلة, فعاد هارون فناشدهم إلا ما نظروا يومهم ذلك أيضًا, فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم! ثم عاد السامري الثالثة لمثل قوله لهم, وعاد هارون فناشدهم أن ينتظروا، فلما لم يروا ... (24)
15072 - قال القاسم، قال الحسين، حدثني حجاج قال، حدثني أبو بكر بن عبد الله الهذليّ قال: قام السامري إلى هارون حين انطلق موسى فقال: يا نبي الله، إنا استعرنا يوم خرجنا من القبط حليًّا كثيرًا من زينتهم, وإن الجند الذين معك قد أسرعوا في الحلي يبيعونه وينفقونه, (25) وإنما كان عارية من آل فرعون، فليسوا بأحياء فنردّها عليهم, ولا ندري لعل أخاك نبيّ الله موسى إذا جاء يكون له فيها رأي, إما يقرّبها قربانا فتأكلها النار , وإما يجعلها للفقراء دون الأغنياء! فقال له هارون: نِعْمَ ما رأيت وما قلت ! فأمر مناديًا فنادى: من كان عنده شيء من حليّ آل فرعون فليأتنا به ! فأتوه به, فقال هارون: يا سامري أنت أحق من كانت عنده هذه الخزانة! فقبضها السامري, وكان عدو الله الخبيث صائغًا, فصاغ منه عجلا جسدًا, ثم قذف في جوفه تُرْبة من القبضة التي قبض من أثر فرس جبريل عليه السلام إذ رآه في البحر, فجعل يخور, ولم يخر إلا مرة واحدة, وقال لبني إسرائيل: إنما تخلف موسى بعد الثلاثين الليلة يلتمس هذا ! هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ، [طه: 88]. يقول: إن موسى عليه السلام نسي ربّه.
-------------------
الهوامش :
(18) انظر تفسير (( المواعدة )) فيما سلف 2 : 58 - 60 ، في نظيرة هذه الآية .
(19) الأثر : 15063 - وضعت النقط ، لأنه اختصار أراد به أن صدر الإسناد هو صدر الإسناد الذي قبله ، وقد مضى مثل ذلك مرارًا ولم أشر إليه ، فآثرت منذ الآن ، أن أضع النقط تنبيهاً على ذلك ، فهو رواية سفيان بن وكيع ، عن جرير ، كما مضى مرارًا مثل هذا الإسناد .
(20) انظر تفسير (( التمام )) فيما سلف 3 : 17 ، 18 / 4 : 7/ 12 : 62 . = وتفسير (( الميقات )) فيما سلف 3 : 553 - 555 .
(21) انظر تفسير (( الخلافة )) فيما سلف 12 : 540 ، 541 تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير (( اتبع )) و (( الفساد )) فيما سلف من فهارس اللغة ( تبع ) ( فسد ) .
(23) في المطبوعة : (( بينهم عشرا )) وفي المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صوابها .
(24) الأثر 15071 - هذا خبر لم يتم كما ترى ، ولم أجده في مكان آخر . وسبب ذلك أن قوله (( فلما لم يروه )) هو في المخطوطة في آخر الصفحة اليسرى ، ثم بدأ بعدها : (( قال القاسم )) ، فظاهر أن الناسخ عجل ، فأسقط من الخبر تمامه ، لما قلب الصفحة ، وبدأ الخبر التالي بعده .
(25) (3) في المطبوعة : (( وإن الذين معك )) ، حذف (( الجند )) ، لأنها غير منقوطة ، فلم يحسن قراءتها .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 51 | ﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾ |
---|
الأعراف: 142 | ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا الذي وقتناه له لإنزال الكتاب وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ بما كلمه من وحيه وأمره ونهيه، تشوق إلى رؤية اللّه، ونزعت نفسه لذلك، حبا لربه ومودة لرؤيته.
فـ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ اللَّهِ لَنْ تَرَانِي أي:لن تقدر الآن على رؤيتي، فإن اللّه تبارك وتعالى أنشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها، ولا يثبتون لرؤية اللّه، وليس في هذا دليل على أنهم لا يرونه في الجنة، فإنه قد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وأنه ينشئهم نشأة كاملة، يقدرون معها على رؤية اللّه تعالى، ولهذا رتب اللّه الرؤية في هذه الآية على ثبوت الجبل، فقال - مقنعا لموسى في عدم إجابته للرؤية - وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ إذا تجلى اللّه له فَسَوْفَ تَرَانِي .
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ الأصم الغليظ جَعَلَهُ دَكًّا أي:انهال مثل الرمل، انزعاجا من رؤية اللّه وعدم ثبوته لها وَخَرَّ مُوسَى حين رأى ما رأى صَعِقًا فتبين له حينئذ أنه إذا لم يثبت الجبل لرؤية اللّه، فموسى أولى أن لا يثبت لذلك، واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال، الذي لم يوافق موضعا و [ لذلك] قَالَ سُبْحَانَكَ أي:تنزيها لك، وتعظيما عما لا يليق بجلالك تُبْتُ إِلَيْكَ من جميع الذنوب، وسوء الأدب معك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أي:جدد عليه الصلاة والسلام إيمانه، بما كمل اللّه له مما كان يجهله قبل ذلك، فلما منعه اللّه من رؤيته - بعدما ما كان متشوقا إليها - أعطاه خيرا كثيرا فقال:
ثم حكى القرآن ما كان من موسى عند ما وصل إلى طور سيناء لمناجاة ربه فقال: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أى: وحين حضر موسى لموقتنا الذي وقتناه له وحددناه، وكلمه ربه، أى: خاطيه من غير واسطة ملك قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أى: قال موسى حين كلمه ربه وسمع منه: رب أرنى ذاتك الجليلة. والمراد مكنى من رؤيتك. أو تجل لي أنظر إليك وأراك.
وأَرِنِي فعل أمر مبنى على حذف الياء. وياء المتكلم مفعول، والمفعول الثاني محذوف أى: ذاتك أو نفسك ولم يصرح به لأنه معلوم، وزيادة في التأدب مع الخالق- عز وجل-.
وجملة قالَ لَنْ تَرانِي مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنه قيل: فماذا قال الله- تعالى- حين قال موسى ذلك، فكان الجواب قالَ لَنْ تَرانِي أى: لن تطيق رؤيتي، وأنت في هذه النشأة وعلى الحالة التي أنت عليها في هذه الدنيا فنفى الرؤية منصب على الحالة الدنيوية، أما في الآخرة فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين يرون ربهم في روضات الجنات.
ثم قال- تعالى- وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي أى: لن تطيق رؤيتي يا موسى وأنت في هذه الحياة الدنيا، ولكن انظر إلى الجبل الذي هو أقوى منك، فإن استقر مكانه أى ثبت مكانه حين أتجلى له ولم يتفتت من هذا التجلي، فسوف تراني أى تثبت لرؤيتى إذا تجليت لك وإلا فلا طاقة لك برؤيتى.
وفي هذا الاستدراك وَلكِنِ انْظُرْ ... إلخ، تسلية لموسى- عليه السلام- وتلطف معه في الخطاب، وتكريم له، وتعظيم لأمر الرؤية، وأنه لا يقوى عليها إلا من قواه الله بمعونته.
ثم بين- سبحانه- ما حدث للجبل عند التجلي فقال: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أى: فحين ظهر نوره- سبحانه- للجبل على الوجه اللائق بجلاله جَعَلَهُ دَكًّا أى مدقوقا مفتتا، فنبه- سبحانه- بذلك على أن الجبل مع شدته وصلابته مادام لم يستقر عند هذا التجلي، فالآدمى مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقر. والداك والدق بمعنى، وهو تفتيت الشيء وسحقه وفعله من باب رد.
قال الآلوسى: وهذا كما لا يخفى من المتشابهات التي يسلك فيها طريق التسليم وهو أسلم وأحكم، أو التأويل بما يليق بجلال ذاته- تعالى-.
وقوله وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أى: سقط من هول ما رأى من النور الذي حصل به التجلي مغشيا عليه، كمن أخذته الصاعقة.
يقال: صعقتهم السماء تصعقهم صعقا فهو صعق أى: غشى عليه.
وقوله: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أى: فلما أفاق موسى من غشيته، وعاد إلى حالته الأولى التي كان عليها قبل أن يخر مغشيا عليه، قال تعظيما لأمر الله سُبْحانَكَ أى تنزيها لك من مشابهة خلقك في شيء تُبْتُ إِلَيْكَ من الإقدام على السؤال بغير إذن وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بعظمتك وجلالك أو أنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد.
قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون: ولكن يقول أنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة. قال ابن كثير: وهو قول حسن.
هذا، وقد توسع بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآية في الحديث عن رؤية الله- تعالى- وعلى رأس هذا البعض الإمام الآلوسى، فقد قال- رحمه الله-: «واستدل أهل السنة المجوزون لرؤيته- سبحانه- بهذه الآية على جوازها في الجملة، واستدل بها المعتزلة النفاة على خلاف ذلك، وقامت الحرب بينهما على ساق، وخلاصة الكلام في ذلك أن أهل السنة قالوا:
إن الآية تدل على إمكان الرؤية من وجهين:
الأول: أن موسى- عليه السلام- سألها بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ولو كانت مستحيلة فإن كان موسى عالما بالاستحالة فالعالم- فضلا عن النبي مطلقا، فضلا عمن هو من أولى العزم- لا يسأل المحال ولا يطلبه. وإن لم يكن عالما بذلك، لزم أن يكون آحاد المعتزلة أعلم بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز من النبي الصفي، والقول بذلك غاية الجهل والرعونة وحيث بطل القول بالاستحالة تعين القول بالجواز.
والثاني: أن فيها تعليق الرؤية على استقرار الجبل وهو ممكن في ذاته وما علق على الممكن ممكن» .
ثم قال ما ملخصه: واعترض الخصوم على الوجه الأول بوجوه منها أنا لا نسلم أن موسى سأل الرؤية وإنما سأل العلم الضروري به- تعالى- إلا أنه عبر عنه بالرؤية مجازا. أو أنه سأل رؤية علم من أعلام الساعة بطريق حذف المضاف، أى: أرنى أنظر إلى علم من أعلامك الدالة على الساعة. أو أنه سأل الرؤية لا لنفسه ولكن لدفع قومه القائلين أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وإنما أضاف الرؤية إليه دونهم ليكون منعه أبلغ في دفعهم وردعهم عما سألوه تنبيها بالأدنى على الأعلى.
واعترضوا على الوجه الثاني بأنا لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن، لأن التعليق لم يكن على استقرار الجبل حال سكونه وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط، لأن الجبل حال سكونه كان مستقرا، بل على استقراره حال حركته وهو محال لذاته.
ثم أورد الآلوسى بعد ذلك ما رد به كل فريق على الآخر مما لا مجال لذكره هنا .
والذي نراه أن رؤية الله في الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تشهد بذلك، أما في الدنيا فقد منع العلماء وقوعها، وقد بينا ذلك بشيء من التفصيل عند تفسيرنا لقوله- تعالى- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ .
يخبر تعالى عن موسى ، عليه السلام ، أنه لما جاء لميقات الله تعالى ، وحصل له التكليم من الله [ تعالى ] سأل الله تعالى أن ينظر إليه فقال : ( ( 143 ) رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )
وقد أشكل حرف " لن " هاهنا على كثير من العلماء ; لأنها موضوعة لنفي التأبيد ، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة . وهذا أضعف الأقوال ; لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة ، كما سنوردها عند قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة ) [ القيامة : 22 ، 23 ] .
وقوله تعالى إخبارا عن الكفار : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15 ]
وقيل : إنها لنفي التأبيد في الدنيا ، جمعا بين هذه الآية ، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة .
وقيل : إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) وقد تقدم ذلك في الأنعام [ الآية : 103 ] .
وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى ، عليه السلام : " يا موسى ، إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده " ; ولهذا قال تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا )
قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية : حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، حدثنا قرة بن عيسى ، حدثنا الأعمش ، عن رجل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى ربه للجبل ، أشار بإصبعه فجعله دكا " وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة
هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم ، ثم قال
حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، عن ليث ، عن أنس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : " هكذا بإصبعه - ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - فساخ الجبل "
هكذا وقع في هذه الرواية " حماد بن سلمة ، عن ليث ، عن أنس " . والمشهور : " حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس " ، كما قال ابن جرير :
حدثني المثنى ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره ، قال : فساخ الجبل - قال حميد لثابت : تقول هذا ؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقوله أنس وأنا أكتمه ؟
وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو المثنى ، معاذ بن معاذ العنبري ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : قال هكذا - يعني أنه أخرج طرف الخنصر - قال أحمد : أرانا معاذ ، فقال له حميد الطويل : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ؟ قال : فضرب صدره ضربة شديدة وقال : من أنت يا حميد ؟ ! وما أنت يا حميد ؟ ! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقول أنت : ما تريد إليه ؟ !
وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، عن معاذ بن معاذ به . وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة به ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد .
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه
ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، عن محمد بن علي بن سويد ، عن أبي القاسم البغوي ، عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، فذكره وقال : هذا إسناد صحيح لا علة فيه .
وقد رواه داود بن المحبر ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا وهذا ليس بشيء ، لأن داود بن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر بنحوه
وأسنده ابن مردويه من طريقين ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس مرفوعا بنحوه ، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، ولا يصح أيضا .
وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل ) قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ( جعله دكا ) قال : ترابا ( وخر موسى صعقا ) قال : مغشيا عليه . رواه ابن جرير .
وقال قتادة : ( وخر موسى صعقا ) قال : ميتا .
وقال سفيان الثوري : ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه
وقال سنيد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، عن أبي بكر الهذلي : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) انقعر فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة .
وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض ، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ، رواه ابن مردويه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية بن عبد الله ، عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، بالمدينة : أحد ، وورقان ، ورضوى . ووقع بمكة : حراء ، وثبير ، وثور " .
وهذا حديث غريب ، بل منكر
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عثمان بن حصين بن علاق ، عن عروة بن رويم قال : كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف .
وقال الربيع بن أنس : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور ، صار مثل دك من الدكاك . وقال بعضهم : ( جعله دكا ) أي : فتته .
وقال مجاهد في قوله : ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) فإنه أكبر منك وأشد خلقا ، ( فلما تجلى ربه للجبل ) فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل فدك على أوله ، ورأى موسى ما يصنع الجبل ، فخر صعقا .
وقال عكرمة : ( جعله دكا ) قال : نظر الله إلى الجبل ، فصار صحراء ترابا .
وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء ، واختارها ابن جرير ، وقد ورد فيها حديث مرفوع ، رواه ابن مردويه .
والمعروف أن " الصعق " هو الغشي هاهنا ، كما فسره ابن عباس وغيره ، لا كما فسره قتادة بالموت ، وإن كان ذلك صحيحا في اللغة ، كقوله تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [ الزمر : 68 ] فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هنا قرينة تدل على الغشي ، وهي قوله : ( فلما أفاق ) والإفاقة إنما تكون من غشي .
( قال سبحانك ) تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد من الدنيا إلا مات .
وقوله : ( تبت إليك ) قال مجاهد : أن أسألك الرؤية .
( وأنا أول المؤمنين ) قال ابن عباس ومجاهد : من بني إسرائيل . واختاره ابن جرير . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : ( وأنا أول المؤمنين ) أنه لا يراك أحد . وكذا قال أبو العالية : قد كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .
وهذا قول حسن له اتجاه . وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرا طويلا فيه غرائب وعجائب ، عن محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله تعالى أعلم .
وقوله : ( وخر موسى صعقا ) فيه أبو سعيد وأبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد ، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا ، فقال :
حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه ، فقال : يا محمد ، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي . قال : " ادعوه " فدعوه ، قال : " لم لطمت وجهه ؟ " قال : يا رسول الله ، إني مررت باليهودي فسمعته يقول : والذي اصطفى موسى على البشر .
قال : قلت : وعلى محمد ؟ فأخذتني غضبة فلطمته ، قال : " لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " .
وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه ، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه ، وأبو داود في كتاب " السنة " من سننه من طرق ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ، به
وأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده :
حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : استب رجلان : رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين . وقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه ، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعترف بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى ; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى ممسكا بجانب العرش ، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي ، أم كان ممن استثناه الله ، عز وجل " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الزهري ، به
وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ، رحمه الله : أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار ، وهذا هو أصح وأصرح ، والله أعلم .
والكلام في قوله ، عليه السلام : " لا تخيروني على موسى " ، كالكلام على قوله : " لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى " ، قيل : من باب التواضع . وقيل : قبل أن يعلم بذلك . وقيل : نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب . وقيل : على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي ، والله أعلم .
وقوله : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة " ، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة ، يحصل أمر يصعقون منه ، والله أعلم به . وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء ، وتجلى للخلائق الملك الديان ، كما صعق موسى من تجلي الرب ، عز وجل ، ولهذا قال ، عليه السلام : " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؟
وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه " الشفاء " بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق : حدثنا قتادة ، حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله لموسى ، عليه السلام ، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء ، مسيرة عشرة فراسخ " ثم قال : " ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب ، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى .
انتهى ما قاله ، وكأنه صحح هذا الحديث ، وفي صحته نظر ، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون ، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله ، حتى ينتهي إلى منتهاه ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله : وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي
قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يلقانا فيه (26) = " وكلمه ربه "، وناجاه = " قال " موسى لربه =(أرني أنظر إليك)، قال الله له مجيبًا: "(لن تراني ولكن انظر إلى الجبل)" .
* * *
وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إليه, ما:-
15073 - حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: إن موسى عليه السلام لما كلمه ربه، أحب أن ينظر إليه = قال: " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني"، فحُفَّ حول الجبل [بملائكة], (27) وحُفَّ حول الملائكة بنار, وحُفّ حول النار بملائكة، وحُفّ حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربه للجبل.
15074 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, في قوله: وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ، [مريم: 52]، قال: حدثني من لقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ حتى سمع صَرِيف القلم, (28) فقال عند ذلك من الشوق إليه: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل).
15075 - حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج, عن أبي بكر الهذلي قال: لما تخلف موسى عليه السلام بعد الثلاثين, حتى سمع كلام الله، اشتاق إلى النظر إليه فقال: ربّ أرني أنظر إليك! قال: لن تراني، وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا, من نظر إلي مات! قال: إلهي سمعت منطقك، واشتقت إلى النظر إليك, ولأن أنظر إليك ثم أموتُ أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك ! قال: فانظر إلى الجبل, فإن استقر مكانه فسوف تراني.
15076 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ربّ أرني أنظر إليك)، قال: أعطني.
15077 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: استخلف موسى هارون على بني إسرائيل وقال: إني متعجل إلى ربي, فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربه متعجلا للقيّه شوقًا إليه, وأقام هارون في بني إسرائيل, ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به. فلما كلم الله موسى, طمع في رؤيته, فسأل ربه أن ينظر إليه, فقال الله لموسى: إنك لن تراني، ربّ كن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)، الآية. قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل إلينا في كتاب الله عن خبر موسى لما طلب النظر إلى ربه، وأهل الكتاب يزعمونَ وأهلُ التوراة: أنْ قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثيرة، ومراجعة لم تأتنا في كتاب الله, والله أعلم. =
قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب، إنهم يجدون في تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلى ربه، أنه كان من كلامه إياه حين طمع في رؤيته, وطلب ذلك منه, وردّ عليه ربه منه ما ردّ: أن موسى كان تطهّر وطهّر ثيابه، وصام للقاء ربه. فلما أتى طور سينا, ودنا الله له في الغمام فكلّمه, سبحه وحمّده وكبره وقدَّسه, مع تضرع وبكاء حزين, ثم أخذ في مِدْحته, فقال: ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله! من عظمتك أنه لم يكن شيء من قبلك, فأنت الواحد القهار, كأن عرشك تحت عظمتك نارًا توقد لك, وجعلت سرادقًا [من نور] من دونه سرادق من نور, (29) فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك! جعلت بينك وبين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام. فما أعظمك رب وأعظم ملكك في سلطانك! فإذا أردت شيئًا تقضيه في جنودك الذين في السماء أو الذين في الأرض, وجنودك الذين في البحر, بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خلقك، إلا أنت إن شئت, (30) فدخلت في جوف من شئت من أنبيائك, فبلغوا لما أردت من عبادك. (31) وليس أحد من ملائكتك يستطيع شيئًا من عظمتك ولا من عرشك ولا يسمع صوتك, فقد أنعمت عليّ وأعظمت عليّ في الفضل, وأحسنت إليّ كلّ الإحسان! عظمتني في أمم الأرض, وعظمتني عند ملائكتك, وأسمعتني صوتك, وبذلت لي كلامك, وآتيتني حكمتك, فإن أعدَّ نعماك لا أحصيها, وإن أُرِد شكرك لا أستطيعه. (32) دعوتك، ربّ، على فرعون بالآيات العظام, والعقوبة الشديدة, فضربت بعصاي التي في يدي البحر فانفلق لي ولمن معي! ودعوتك حين أجزتُ البحر, (33) فأغرقت عدوك وعدوّي. وسألتك الماء لي ولأمتي, فضربت بعصاي التي في يدي الحجر, فمنه أرويتني وأمتي. وسألتك لأمتي طعامًا لم يأكله أحد كان قبلهم, فأمرتني أن أدعوك من قبل المشرق ومن قبل المغرب، فناديتك من شرقي أمتي فأعطيتهم المن من مشرق لنفسي, (34) وآتيتهم السلوى من غربيهم من قبل البحر, واشتكيت الحر فناديتك, فظللت عليهم بالغمام. فما أطيق نعماك علي أن أعدّها ولا أحصيها, وإن أردت شكرها لا أستطيعه. (35) فجئتك اليوم راغبًا طالبًا سائلا متضرعًا, لتعطيني ما منعت غيري. أطلب إليك، وأسالك يا ذا العظمة والعزة والسلطان، أن تريني أنظر إليك, فإني قد أحببت أن أرى وجهك الذي لم يره شيء من خلقك! قال له رب العزة: ألا ترى يا ابن عمران ما تقول؟ (36) تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق! لا يراني أحد فيحيا, [ ليس في السماوات معمري, فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتي, وليس في الأرض معمري, فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي]. (37) فلستُ في مكان واحد فأتجلى لعين تنظر إليّ. قال موسى: يا رب، أن أراك وأموت, أحب إليّ من أن لا أراك وأحيا. قال له رب العزة: يا ابن عمران تكلمتَ بكلام هو أعظم من سائر الخلق, لا يراني أحد فيحيا! قال: رب تمم علي نعماك, وتمم عليّ فضلك, وتمم عليّ إحسانك، بهذا الذي سألتك، (38) ليس لي أن أراك فأقبض, ولكن أحب أن أراك فيطمئن قلبي. قال له: يا ابن عمران، لن يراني أحد فيحيا! قال: موسى رب تمم عليّ نعماك وتمم عليّ فضلك, وتمم علي إحسانك بهذا الذي سألتك، فأموت على أثر ذلك، (39) أحب إلي من الحياة! فقال الرحمن المترحِّم على خلقه: قد طلبت يا موسى, [وحي ] لأعطينك (40) سؤلك إن استطعت أن تنظر إليّ, فاذهب فاتخذ لوحين, ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل, فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلا مجلسك يا ابن عمران. ثم انظر فإني أهبط إليك وجنودي من قليل وكثير، ففعل موسى كما أمره ربه, نحت لوحين ثم صعد بهما إلى الجبل فجلس على الحجر، فلما استوى عليه, أمر الله جنوده الذين في السماء الدنيا فقال: ضعي أكتافك حول الجبل. فسمعت ما قال الرب، ففعلت أمره. ثم أرسل الله الصواعق والظلمة والضباب على ما كان يلي الجبل الذي يلي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية, ثم أمر الله ملائكة الدنيا أن يمرُّوا بموسى, فاعترضوا عليه, فمروا به طيرانَ النُّغَر، (41) تنبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد, فقال موسى بن عمران عليه السلام: رب، إني كنت عن هذا غنيًّا, ما ترى عيناي شيئًا، قد ذهب بصرهما من شعاع النور المتصفِّف على ملائكة ربي! ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية: أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه! فهبطوا أمثال الأسد لهم لَجَبٌ بالتسبيح والتقديس, (42) ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى ومما سمع, فاقشعرّت كل شعرة في رأسه وجلده, ثم قال: ندمت على مسألتي إياك, فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء؟ فقال له كبير الملائكة ورأسهم (43) يا موسى، اصبر لما سألت, فقليل من كثير ما رأيت ! ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة: أن اهبطوا على موسى, فاعترضوا عليه! فأقبلوا أمثال النسور لهم قَصْفٌ ورجفٌ ولجبٌ شديد, (44) وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس، كلجَب الجيش العظيم، كلهب النار. (45) ففزع موسى, وأَسِيَتْ نفسه وأساء ظنه, (46) وأَيِسَ من الحياة, فقال له كبير الملائكة ورأسهم: مكانك يا ابن عمران, حتى ترى ما لا تصبر عليه! ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى بن عمران! فأقبلوا وهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مرُّوا به قبلهم, ألوانهم كلهب النار, وسائر خلقهم كالثلج الأبيض, أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس, لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرُّوا به قبلهم. فاصطكّت ركبتاه, وأرعد قلبه, واشتد بكاؤه, فقال كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران اصبر لما سألت, فقليل من كثيرٍ ما رأيت ! ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى! فهبطوا عليه سبعةَ ألوان, فلم يستطع موسى أن يُتبعهم طرفه, ولم ير مثلهم، ولم يسمع مثل أصواتهم, وامتلأ جوفه خوفًا, واشتد حزنه وكثر بكاؤه, فقال له كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران، مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه ! ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أن اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران، واعترضوا عليه! فهبطوا عليه في يد كل ملك مثل النخلة الطويلة نارًا أشد ضوءًا من الشمس, ولباسهم كلهب النار, إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السماوات كلهم, يقولون بشدة أصواتهم: " سبوح قدوس، رب العزة أبدا لا يموت " في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم حين سبحوا, وهو يبكي ويقول: " رب أذكرني, ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفلتُ مما أنا فيه أم لا إن خرجت أحرقت, وإن مكثت مت " ! فقال له كبير الملائكة ورئيسهم (47) قد أوشكت يا ابن عمران أن يمتلئ جوفك, وينخلع قلبك, ويشتد بكاؤك، فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران! وكان جبل موسى جبلا عظيما, فأمر الله أن يحمل عرشه, ثم قال: مرُّوا بي على عبدي ليراني, فقليل من كثيرٍ ما رأى ! فانفرج الجبل من عظمة الرب, وغشَّي ضوء عرش الرحمن جبل موسى, ورفعت ملائكة السماوات أصواتها جميعا, فارتجّ الجبل فاندكَّ, وكل شجرة كانت فيه, وخرّ العبد الضعيفُ موسى بن عمران صعقًا على وجهه، ليس معه روحه, فأرسل الله الحياة برحمته, فتغشاه برحمته (48) وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمعِدة كهيئة القبة، (49) لئلا يحترق موسى, فأقامه الروح، مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع. قال: فقام موسى يسبح الله ويقول: آمنت أنك ربي, وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا, ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه, فما أعظمك ربّ، وأعظم ملائكتك, أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك, تأمر الجنود الذين عندك فيطيعونك وتأمر السماء وما فيها فتطيعك, لا تستنكف من ذلك, ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء, رب تبت إليك, الحمد لله الذي لا شريك له, ما أعظمك وأجلّك ربَّ العالمين!
* * *
القول في تأويل قوله : فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما اطّلع الرب للجبل، جعل الله الجبل دكًّا، أي: مستويًا بالأرض =(وخر موسى صعقًا)، أي: مغشيا عليه. (50)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15078 - حدثني الحسين بن محمد بن عمرو العنقزي قال، حدثني أبي قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن عكرمة, عن ابن عباس في قول الله: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)، قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر =(جعله دكًّا) ، قال: ترابًا =(وخر موسى صعقًا)، قال: مغشيًّا عليه.
15079 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال: زعم السدي, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: تجلى منه مثل الخِنصر, فجعل الجبل دكَّا, وخر موسى صعقًا, فلم يزل صعقًا ما شاء الله.
15080 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وخر موسى صعقا)، قال: مغشيًّا عليه.
15081 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا)، قال انقعر بعضه على بعض =(وخر موسى صعقًا)، أي: ميتا.
15082 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (وخر موسى صعقًا)، أي: ميتًا.
15083 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة في قوله: (دكًّا)، قال: دك بعضه بعضًا.
15084 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا)، قال: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه.
15085 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, عن الحجاج, عن أبي بكر الهذلي: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا) ، انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.
15086 - حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي قال، حدثنا قرة بن عيسى قال، حدثنا الأعمش, عن رجل, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما تجلى ربه للجبل أشار بأصبعه فجعله دكًّا " = وأرانا أبو إسماعيل بأصبعه السبابة. (51)
15087 - حدثني المثنى قال، حدثني الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد, عن ثابت, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا)، قال هكذا بإصبعه، (52) =ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر =" فساخ الجبل ". (53)
15088 - حدثني المثنى قال، حدثنا هدبة بن خالد قال، حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا)، قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل = فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ قال: فرفع ثابت يده فضرب صدر حُمَيْد, وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس، وأنا أكتمه! (54)
15089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا)، وذلك أن الجبل حين كُشِف الغطاء ورأى النور، صار مثل دكّ من الدكَّات. (55)
15090 - حدثنا الحرث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد, عن مجاهد: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ، فإنه أكبر منك وأشد خلقا =(فلما تجلى ربه للجبل)، فنظر إلى الجبل لا يتمالك, وأقبل الجبل يندك على أوله (56) . فلما رأى موسى ما يصنع الجبل، خر صعقًا.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (دكًّا). فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: ( دكًّا)، مقصورًا بالتنوين بمعنى: " دكّ الله الجبل دكًّا " أي: فتته, واعتبارًا بقول الله: كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ، [سورة الفجر: 21] وقوله: وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ، [سورة الحاقة: 14] واستشهد بعضهم على ذلك بقول حميد: (57) يَــدُكُّ أَرْكَــانَ الجِبَــال هَزَمُــهْ
تَخْــطُرِ بِــالبِيضِ الرِّقَـاقِ بُهَمُـهْ (58)
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين: " جَعَلَهُ دَكَّاءَ"، بالمد وترك الجر والتنوين, مثل
* * *
" حمراء " و " سوداء ". وكان ممن يقرؤه كذلك، عكرمة, ويقول فيه ما:-
15091- حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عباد بن عباد, عن يزيد بن حازم, عن عكرمة قال: " دكَّاء من الدكَّاوات ". وقال: لما نظر الله تبارك وتعالى إلى الجبل صار صَحراء ترابًا. (59)
* * *
واختلف أهل العربية في معناه إذا قرئ كذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: العرب تقول: " ناقة دكَّاء "، ليس لها سنام. وقال: " الجبل " مذكر, فلا يشبه أن يكون منه، إلا أن يكون جعله: " مثل دكاء "، حذف " مثل "، وأجراه مجرى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [سورة يوسف: 82].
* * *
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: معنى ذلك: جعل الجبل أرضًا دكاء, ثم حذفت " الأرض "، وأقيمت " الدكاء " مقامها، إذْ أدَّت عنها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي، قراءةُ من قرأ: ( جَعَلَهُ دَكَّاءَ )، بالمد وترك الجر، لدلالة الخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحته. وذلك أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فساخ الجبل "، (60) ولم يقل: " فتفتت " ولا " تحول ترابًا ". ولا شك أنه إذا ساخ فذهب، ظهرَ وجهُ الأرض, فصار بمنـزلة الناقة التي قد ذهب سنامها, وصارت دكاء بلا سنام. وأما إذا دك بعضه، فإنما يكسر بعضه بعضًا ويتفتت ولا يَسُوخ. وأما " الدكاء " فإنها خَلَفٌ من " الأرض ", فلذلك أنثت، (61) على ما قد بينت.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: فلما تجلى ربه للجبل ساخ, فجعل مكانه أرضًا دكاء. وقد بينا معنى " الصعق " بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (62)
* * *
القول في تأويل قوله : فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما ثاب إلى موسى عليه السلام فهمه من غشيته, وذلك هو الإفاقة من الصعقة التي خرّ لها موسى صلى الله عليه وسلم= " قال سبحانك "، تنـزيهًا لك، يا رب، وتبرئةً أن يراك أحد في الدنيا، (63) ثم يعيش = " تبت إليك "، من مسألتي إياك ما سألتك من الرؤية= " وأنا أوّل المؤمنين "، بك من قومي، أن لا يراك في الدنيا أحد إلا هلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15092- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن موسى, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية في قوله: " تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين "، قال: كان قبله مؤمنون, ولكن يقول: أنا أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
15093- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: لما رأى موسى ذلك وأفاق, عرف أنه قد سأل أمرًا لا ينبغي له, فقال: " سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين "، قال أبو العالية: عنى: إني أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحدٌ قبل يوم القيامة.
15094- حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، قال سفيان، قال أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عباس: " وخر موسى صعقًا "، فمرّت به الملائكة وقد صعق, فقالت: يا ابن النساء الحيَّض، لقد سألت ربك أمرًا عظيمًا! فلما أفاق قال: سبحانك لا إله إلا أنت تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين! قال: أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحدٌ من خلقك = يعني: في الدنيا.
15095- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: " قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين "، يقول: أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.
15096- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد: " سبحانك تبت إليك "، قال: من مسألتي الرؤية.
15097- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد, عن مجاهد: " قال سبحانك تبت إليك "، أن أسألك الرؤية.
15098- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم, عن سفيان, عن عيسى بن ميمون, عن رجل, عن مجاهد: " سبحانك تبت إليك "، أن أسألك الرؤية.
15099- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن عيسى بن ميمون, عن مجاهد في قوله: " سبحانك تبت إليك "، قال: تبت إليك من أن أسألك الرؤية.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: وأنا أول المؤمنين بك من بني إسرائيل.
* ذكر من قال ذلك:
15100- حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن عكرمة, عن ابن عباس: " وأنا أول المؤمنين "، قال: أول من آمن بك من بني إسرائيل.
15101- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن عكرمة, عن ابن عباس: " وأنا أول المؤمنين "، يعني: أول المؤمنين من بني إسرائيل.
15102- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: " وأنا أول المؤمنين "، أنا أول قومي إيمانًا.
15103- حدثنا ابن وكيع والمثنى قالا حدثنا أبو نعيم, عن سفيان, عن عيسى بن ميمون, عن رجل, عن مجاهد: " وأنا أول المؤمنين "، يقول: أول قومي إيمانًا.
15104- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وأنا أول المؤمنين "، قال: أنا أول قومي إيمانًا.
15105- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: " وأنا أول المؤمنين "، قال: أول قومي آمن.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في قوله: " وأنا أول المؤمنين "، على قول من قال: معناه: أنا أول المؤمنين من بني إسرائيل= لأنه قد كان قبله في بني إسرائيل مؤمنون وأنبياء , منهم ولدُ إسرائيل لصُلْبه, وكانوا مؤمنين وأنبياء. فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل.
----------------------
الهوامش :
(26) انظر تفسير (( الميقات )) فيما سلف قريباً ص : 87 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(27) هذه الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق .
(28) (( صريف القلم والباب والناب )) ، ونحوها : وهو مثل (( الصرير )) ، وهو صوت ممتد حاد .
(29) الزيادة بين القوسين مما يقتضيه السياق .
(30) في المخطوطة والمطبوعة : (( بعثت الريح )) ، ولا أشك أن الصواب ما أثبت ، ويعني بذلك ما قال الله سبحانه في (( سورة غافر )) 15 : " رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ "
(31) في المطبوعة : (( لما أردت من عبادك )) وفي المخطوطة : (( ما أردت )) ، والصواب ما أثبت .
(32) في المطبوعة : ( وإن أردت شكرك لا أستطيعها )) ، وفي المخطوطة : (( وإن أرد شكرك لا أستطيعها )) ، والصواب ما أثبت .
(33) في المطبوعة : (( جزت )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب أيضاً .
(34) في المطبوعة : (( مشرقي لننفسى )) ، وهذه جملة مضطربة لا أدرى ما صوابها .
(35) في المطبوعة والمخطوطة : (( لا أستطيعها )) ، والصواب ما أثبت .
(36) في المطبوعة : (( فلا ترى )) وأثبت ما في المخطوطة .
(37) هذه العبارة التي بين القوسين ، لم أدر ما هي ، قد جاءت في المخطوطة هكذا : (( في السماء معمرى ... )) ، وسائر الجملة كما في المطبوعة . وأنا في شك من ألفاظها ، ولم أستطع أن اهتدي إلى تحريفها ، فوضعتها بين القوسين . والخبر كله مضطرب اللفظ ، ولم أجده في مكان آخر . فلذلك تركته كما هو ، إلا أن يكون خطأ ظاهراً .
(38) في المطبوعة : (( هذا الذي سألتك )) ، وأثبت ما في المخطوطة . وكذلك كانت في المطبوعة في الجملة التالية .
(39) في المطبوعة : "هذا الذي سألتك ليس لي أن أراك فأموت " زادها قياسًا على السالف قبلها وأثبت ما في المخطوطة.
(40) هذه الكلمة بين القوسين (هكذا في المخطوطة). ولا أدري ما قراءتها . وأما في المطبوعة فقد حذفها وغير ما بعدها وكتب: "وأعطيتك" مكان "لأعطينك" .
(41) (( النغر )) ( بضم ففتح ) : ضرب من الطير حمر المناقير وأصول الأحناك ، يقال : هو البلبل عند أهل المدينة .
(42) (( اللجب )) ( بفتحتين ) : ارتفاع الأصوات واختلاطها .
(43) في المطبوعة والمخطوطة : (( خير الملائكة )) وكأن الصواب (( كبير الملائكة )) ، كما أثبثها ، وقد جاءت (( خير الملائكة )) في جميع المواضع الآتية ، الأخير منها فقد كتبت علي الصواب : (( كبير )) .
(44) في المطبوعة : (( نخف )) ، وفي المخطوطة : (( قصف )) غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت. و (( القصف )) و (( القصيف )) صوت الرعد وما أشبهه .
(45) في المطبوعة : (( أو كلهب )) بزيادة (( أو )) وأثبت ما في المخطوطة .
(46) في المطبوعة : (( وأيست نفسه ، وأساء ظنه )) وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب . يقال : (( أسيت نفسه )) أي : حزنت . وانظر تفسير ((ساء ظنه )) فيما سلف 3 : 585 ، تعليق : 1 ، ومعناه : خامرته الظنون السيئة .
(47) انظر التعليق السالف ص : 95 ، تعليق : 1.
(48) في المطبوعة أسقط (( الروح )) من الجملة .
(49) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : (( كالمعدة )) ، ولا أدري أيصح هذا أم لا ؟
(50) انظر تفسير (( الصعقة )) فيما سلف 2 : 83 ، 84 /9 : 359 .
(51) الأثر : 15086 - (( أحمد بن سهيل الواسطى )) ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة. و"قرة أبي عيسى" ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرا. وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره نقلا عن هذا الموضع ، ولم يزد علي أن قال : (( هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم )) .
(52) (( قال )) هنا بمعني : أشار .
(53) الأثر : 15087 - (( حماد )) ، هو حماد بن سلمة )) ، مضى مرارًا . و(( ثابت )) هو ثابت بن أسلم البنانى )) ، ثقة ، روى له الجماعة : مضى برقم : 2942 ، 7030 . وهو إسناد رجالة ثقات . وهذا الخبر رواه الترمذي في تفسير الآية ، من طريق سليمان بن حرب ، عن حماد ، ثم قال (( هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة )) . وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 546 ، عن هذا الموضع في تفسير الطبري ، ولكنه كتب إسناده هكذا : ((حدثنا حماد ، عن ليث ، عن أنس )) ثم قال : (( هكذا وقع في هذا الرواية : (( حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن ليث ، عن أنس )) وليس ذلك كما نقل ، فان الثابت في المخطوطة والمطبوعة ، (( حماد ، عن ثابت ، عن أنس )) ، ليس فيها (( ليث )) ، فلا أدرى كيف وقع هذا للحافظ ابن كثير ، ولا من أين ؟ . وانظر تخريج الأثر التالي .
(54) الأثر : 15088 - هو مطول الأثر السالف . وقد رواه ابن كثير تفسيره 3 : 546 ، 547 ، ثم قال : (( وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو المثنى ، معاذ ابن معاذ العنبرى ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البنانى ، عن أنس بن مالك )) ثم ذكر الخبر بنحوه . ثم قال : (( وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية ، عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، عن معاذ بن معاذ )) . ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 320 ، من طريق عفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، وعن طريق سليمان بن حرب ، عن حماد ، بنحو حديث هد بة بن خالد ، عن حماد ، ثم قال : (( هذا حديث صحيح علي شرط مسلم )) ووافقه الذهبي . وقال ابن كثير : (( وهذا إسناد صحيح له علة فيه )) . بعد أن ذكر خبر أبي جعفر . و (( حميد )) المذكور في هذا الخبر ، هو (( حميد الطويل )) .
(55) ( 2) لعل صواب من (( الدكاوات )) ، كما سيأتي في ص : 101 ، تعليق : 1 .
(56) ( 1) هكذا في المطبوعة : وفي المخطوطة : (( على أدله )) أيضاً ، ولكن بشدة على اللام ، فكأنها تقرأ : (( على أذله )) ، وهي أوضح معنى من التي في المطبوعة . يعني أنه ذل أشد ذل فاندك .
(57) حميد ، هو حميد الأرقط .
(58) لم أجد البيتين في مكان ، وفي تاريخ الطبري 7 : 41 ، أبيات من رجز ، كأن الذي هنا من تمامها. وكان في المطبوعة هنا : (( هدمه )) ، والصواب ما أثبت ، والمخطوطة غير منقوطة ، وكأنها هناك راء مهملة لا دال . و (( الهزم )) ( بفتحتين ) و (( الهزيم )) هو صوت الرعد الذي يشبه التكسر ، ومثله قول رؤبة في صفة جيش لجب : * يُرْجِـفُ أَنْضَـادَ الجِبَـالِ هَزَمَهُ *
و (( تخطر )) أي تمشى متمايلة ، تهز سيوفها معجبة مدلة بقوتها وبأسها و (( البهم )) جمع (( بهمة )) ( بضم فسكون ) : وهو الفارس الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له ، ولا من أين يدخل عليه مقاتله ، من شدة بأسه ويقظته . و (( البيض الرقاق )) : السيوف الرقيقة من حسن صقلها .
(59) (1) الأثر 15091 - (( عباد بن عباد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي )) ثقة ، روى له الجماعة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 82 . و (( يزيد بن حازم بن يزيد الأزدي الجهضمى )) ، وثقه أحمد وابن معين ، وهو أخو (( جرير ابن حازم )) ، أكبر منه . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/ 2/325 ، وابن أبي حاتم 4/2/257 . وقوله: (( دكاء من الدكاوات )) ، (( الدكاوات )) جمع (( دكاء )) ، وهي الرابية من الطين ليست غليظة ، وأجروه مجرى الأسماء ، لغلبته ، كقولهم : (( ليس في الخضراوات صدقة )). وكان في المطبوعة : (( صار صخرة تراباً )) ، وفي المخطوطة: (( صار صحرا ترابا )) وهذا صواب قرأةتها .
(60) (2) يعني في الأثرين رقم 15087 ، 15088
(61) (1) في المطبوعة : (( فلذلك أتت )) وفي المخطوطة : (( فلذلك أتيت )) ، وصواب ذلك ما أثبت .
(62) (2) انظر تفسير (( الصعق )) فيما سلف 2 : 83 ، 84 / : 359 .
(63) (3) انظر تفسير (( سبحان )) فيما سلف 12 : 10 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 163 | ﴿لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ |
---|
الأعراف: 143 | ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
دكا:
وقرئ:
دكاء، على وزن حمراء، وهى الناقة التي لا سنام لها، شبه الأرض بها، وهى قراءة حمزة، والكسائي.