5384567891011

الإحصائيات

سورة الحديد
ترتيب المصحف57ترتيب النزول94
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات4.20
عدد الآيات29عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.70
ترتيب الطول42تبدأ في الجزء27
تنتهي في الجزء27عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 8/14_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (4) الى الآية رقم (6) عدد الآيات (3)

= أدلَّةُ وحدانيةِ اللهِ وعلمِه وقدرتِه ومُوجِباتِ تسبيحِه: أنَّه خالقُ السَّمواتِ والأرضِ، ومالكُ ما فيهما.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (7) الى الآية رقم (11) عدد الآيات (5)

بعدَ ذِكرِ أدلَّةِ وحدانيةِ اللهِ وعِلمِه وقُدرتِه، أمرَ هنا ببعضِ التَّكاليفِ: الإيمانِ باللهِ والإنفاقِ في سبيلِه، ثُمَّ بَيَّنَ فضلَ السَّابقينَ الأوَّلينَ الذينَ أنفَقُوا قبلَ فتحِ مكَّةَ وقاتلُوا، والذينَ أنفقُوا وقاتلُوا بعدَ فتحِ مكَّةَ، ثُمَّ أعاد

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحديد

التوازن بين المادية والروحانية/ الدعوة إلى الإيمان والإنفاق في سبيل الجهاد لنصرة الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • التوازن:: قبل أن نبدأ مع آيات السورة: لا بد أن نذكر حقيقة محزنة، أن أمتنا التي تقرأ في كتابها سورة الحديد لا تعرف كيف تصنع الحديد، أن هناك آية محورية في السورة لكنها غائبة عن حياتنا وعن أمتنا: ﴿وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ (25). فالحديد هو -بلغة اليوم- رمز للصناعات الثقيلة، واستخدام هذه الصناعات كما بينت الآية هو: ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي الصناعات الحربية، ﴿وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ أي الصناعات التكنولوجية والمتطورة، فهو محور أساسي في صناعات الأمم في حالتي الحرب والسلم، أين نحن من سورة الحديد، وأين نحن من التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي؟ بعد هذه الحقيقة الصعبة، تعالوا نفهم مراد ربنا من هذه السورة، حتى نفهم توازن الإسلام وشموله ونمضي في ركب التطور والحضارة.
  • • أمة وسط:: هناك ناس تفرغوا تمامًا للعمل المادي فقست قلوبهم، وهناك ناس تفرغوا تمامًا للعبادة الروحانية فترهبنوا، وكلاهما فشل، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنتم أمة متوازنة بين العبادة وبين النجاح في الحياة، فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى، إنما أنتم متوازنون بين الاثنين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «الحديد».
  • • معنى الاسم :: الحديد: هو المعدن المعروف.
  • • سبب التسمية :: لِوُقُوعِ لَفْظِ «الْحَدِيدِ» فِيهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (25)، ولفظ الحديد ورد في سور أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: الموازنة بين المادية والروحانية.
  • • علمتني السورة :: التسابيحُ تملأُ كلَّ شئٍ حَولَنا، شاركْ الكَونَ: سَبِّح: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة :: أسباب إطفاء نور المنافقين والمنافقات يوم القيامة: فتنوا أنفسهم بالملذات والمعاصي، يسوفون التوبة، يتوعدون الذين آمنوا، يشككون في يوم البعث، غرتهم الأماني في الحياة الدنيا، استمروا على ذلك حتى ماتوا، وكان وراء ذلك الشيطان: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ...﴾
  • • علمتني السورة :: أن حقيقة الحياة الدنيا: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر في الأموال والأولاد، متاع، فلزم الحذر منها ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ ...﴾

مدارسة الآية : [4] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ..

التفسير :

[4] هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى -أي:علا وارتفع- على عرشه فوق جميع خلقه استواء يليق بجلاله، يعلم ما يدخل في الأرض من حب ومطر وغير ذلك، وما يخرج منها من نبات وزرع وثمار، وما ينزل من السماء من مطر وغيره، وما يعرج فيها من المل

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} استواء يليق بجلاله، فوق جميع خلقه،{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} من حب وحيوان ومطر، وغير ذلك.{ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من نبات وشجر وحيوان وغير ذلك،{ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الملائكة والأقدار والأرزاق.

{ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة والأرواح، والأدعية والأعمال، وغير ذلك.{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} كقوله:{ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}

وهذه المعية، معية العلم والاطلاع، ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله:{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي:هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال، وما صدرت عنه تلك الأعمال، من بر وفجور، فمجازيكم عليها، وحافظها عليكم.

ثم ساق- سبحانه- ألوانا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته وقدرته فقال:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.

والأيام: جمع يوم، واليوم في اللغة مطلق الوقت، أى: في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله- تعالى-. وقيل: هذه الأيام من أيام الدنيا.

والاستواء في اللغة: يطلق على الاستقرار، كما في قوله- تعالى- وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ أى استقرت سفينة نوح- عليه السلام- عند ذلك الجبل المسمى بذلك الاسم..

كما يطلق بمعنى القصد، ومنه قولهم: استوى إلىّ يخاصمني، أى: قصد لي. كما يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر، ومنه قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق.

وعرش الله، مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم أما حقيقته وكيفيته فلا يعلمها إلا الله- تعالى-.

وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية من القرآن الكريم، كما ذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.

أى: هو- سبحانه- الذي خلق السموات والأرض في ستة أوقات، ثم استوى على العرش، استواء يليق به- تعالى-. بلا كيف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، لاستحالة اتصافه- تعالى: بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

قال الإمام مالك- رحمه الله- الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

ثم بين- سبحانه- شمول علمه فقال: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها.

وقوله: يَلِجُ من الولوج بمعنى الدخول، يقال: ولج فلان بيته، إذا دخله.

وقوله: يَعْرُجُ من العروج وهو الذهاب في صعود، والسماء، جهة العلو مطلقا.

أى أنه- سبحانه- يعلم ما يلج في الأرض، وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء، ومن جواهر وكنوز قد طويت في باطنها، ومن بذور ومعادن في طياتها.

ويعلم- أيضا- ما يَخْرُجُ مِنْها من نبات وحبوب وكنوز، وغير ذلك من أنواع الخيرات، ويعلم- كذلك- ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من أمطار، وثلوج، وبرد، وصواعق، وبركات، من عنده- تعالى- لأهل الأرض.

ويعلم- أيضا- ما يصعد فيها من الملائكة، ومن الأعمال الصالحة، كما قال- تعالى- إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

وعدى العروج بحرف في، لتضمنه معنى الاستقرار، وهو في الأصل يعدى بحرف إلى، كما في قوله- تعالى-: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

وقوله- سبحانه-: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ أى: وهو معكم بعلمه ولطفه ورحمته..

أينما كنتم وحيثما وجدتم.

قال الآلوسى: قوله- تعالى-: وهو معكم أينما كنتم تمثيل لإحاطة علمه- تعالى-بهم، وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما كانوا، وقيل المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية والقرينة السياق واللحاق مع استحالة الحقيقة.

وقد أول السلف هذه الآية بذلك، أخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها: عالم بكم أينما كنتم.

وأخرج- أيضا- عن سفيان الثوري انه سئل عنها فقال: علمه معكم.

وفي البحر: أنه أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أى: والله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أقوالكم أو أفعالكم.. بل هو مطلع عليكم اطلاعا تاما.

يخبر تعالى عن خلقه السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم أخبر باستوائه على العرش بعد خلقهن ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية وأشباهها في سورة " الأعراف بما أغنى عن إعادته ها هنا .

( يعلم ما يلج في الأرض ) أي : يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر ( وما يخرج منها ) من زرع ونبات وثمار ، كما قال : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) [ الأنعام : 59 ] .

وقوله : ( وما ينزل من السماء ) أي : من الأمطار ، والثلوج والبرد ، والأقدار والأحكام مع الملائكة الكرام ، وقد تقدم في سورة " البقرة " أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء تعالى .

وقوله : ( وما يعرج فيها ) أي : من الملائكة والأعمال ، كما جاء في الصحيح : " يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل "

وقوله : ( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) أي : رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم حيث أنتم ، وأين كنتم ، من بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم ، كما قال : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) [ هود : 5 ] . وقال ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) [ الرعد : 10 ] ، فلا إله غيره ولا رب سواه . وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال لجبريل ، لما سأله عن الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة ، حدثني أبي ، عن نصر بن علقمة ، عن أخيه ، عن عبد الرحمن بن عائذ قال : قال عمر : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : زودني كلمة أعيش بها فقال : " استح الله كما تستحي رجلا من صالح عشيرتك لا يفارقك "

هذا حديث غريب ، وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا : " ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان : من عبد الله وحده ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ، ولم يعط الهرمة ، ولا الدرنة ، ولا الشرط اللئيمة ، ولا المريضة ، ولكن من أوسط أموالكم . وزكى نفسه " ، وقال رجل : يا رسول الله ، ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال : " يعلم أن الله معه حيث كان "

وقال نعيم بن حماد ، رحمه الله : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، عن محمد بن مهاجر ، عن عروة بن رويم ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت " . غريب .

وكان الإمام أحمد ينشد هذين البيتين :

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما يخفى عليه يغيب

وقوله: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبرهنّ وما فيهنّ، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا.

وقوله: ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ) يقول تعالى ذكره: مخبرا عن صفته، وأنه لا يخفى عليه خافية من خلقه، ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ ) من خلقه. يعني بقوله: ( يَلِجَ ) : يدخل، ( وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنـزلُ مِنَ السَّمَاءِ ) إلى الأرض من شيء قطّ.( وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا )، فيصعد إليها من الأرض.( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع، ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول: والله بأعمالكم التي تعملونها من حسن وسيئ، وطاعة ومعصية، ذو بصر، وهو لها محص، ليجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .

المعاني :

استوى على العرش :       استواءٍ يليق بكماله تعالى معاني القرآن
مَا يَلِجُ :       مَا يَدْخُلُ مِنْ مَطَرٍ، وَغَيْرِهِ السراج
وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا :       مَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا مِنَ المَلَائِكَةِ، وَالأَعْمَالِ السراج
و هو معكم :       بعلمه المحيط بكل شيء معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[4] ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ إنما خلقها الله في ستة أيام -والله أعلم- لحكمتين: 1- أن هذه المخلوقات يترتب بعضها على بعض، فرتب الله تعالى بعضها على بعض حتى أحكمها، وانتهى منها في ستة أيام. 2- أن الله علم عبادة التؤدة والتأني، وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه.
وقفة
[4] التذكير بعظمة الله تعالى ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
اسقاط
[4] ﴿وما ينزل من السماء وما يعرج فيها﴾ أترقب رزق السماء النازل، وتغفل عن أن يكون لك عمل صالح صاعد؟!
عمل
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ تَكفي هذه الآيةُ لتشعر بطُمَأنينةِ قلبِك، لا تَخَفْ ولا تَقلقْ، فاللهُ مَعَكَ.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ معنا في حلنا وسفرنا، في آهاتنا وأحزاننا، في فرحنا، في منامنا، في سقمنا، طوال عمرنا الله معنا، فأي شيءٍ بعدها نخشى.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ يا طمأنينة القلب! يا صدق اليقين!
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ حتى في لحظات وحدتك وصمتك الطويل هو معك.
وقفة
[4] لا يغـفل المؤمن عن معية الله العـامة التي يطَّلع بهـا عليه ويعـلم حـاله ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ عن ابن السماك قال: أوصاني أخي داود بوصية: «انظر، أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، واستح في قربه منك وقدرته عليك».
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ كم تتغشانا من طمأنينة؟ وكم تنتابنا من راحة؟ الله معنا يا مؤمن، وأي شيء أعظم من معية الله؟!
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ كفيلة بأن تجعل المؤمن مرتاحًا مطمئنًا لا يخشى أحدًا، فإذا كان الله معك كان كل شيء معك، ولو كان الناس ضدك.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ إن الله قادر أن يخلق الكون بما فيه بقول (كن)، ولكنه سبحانه أراد بحكمته توجيه خلقه إلى الاتئاد والتأني.
عمل
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ إن ضاقت بك السبل، وادلهمت الخطوب، واستوحشت من تخلي القريب والبعيد، فتذكر أن الله معك لتطيب نفسك وينشرح صدرك.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ طمأنينة في كل خطوة نخطوها.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ الله معك في كل حين، اللهم كن معنا، ولا تكن علينا، وامكر لنا، ولا تمكر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا.
اسقاط
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُم أَينَ ما كُنتُم﴾ فأين تذهبون منه؟ وأين تختفون بذنوب الخلوات؟ وأين تخفون ما تخفى الصدور؟
عمل
[4] املأ قلبكَ بالطمأنينة فقد طَمْأنكَ الله بها حينما قال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُم﴾.
وقفة
[4] ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ وهذه المعية معية العلم والاطلاع، ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله: ﴿وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ:
  • القول الكريم من هُوَ الَّذِي» الى عَلَى الْعَرْشِ» سبق إعرابه في العديد من السور تراجع الآية الكريمة الرابعة من سورة «السجدة».
  • ﴿ يَعْلَمُ ما يَلِجُ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يلج: تعرب إعراب «يعلم» من باب «وعد».
  • ﴿ فِي الْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بيلج اي ما يدخل في الأرض. وجملة يَلِجُ فِي الْأَرْضِ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَما يَخْرُجُ مِنْها:
  • معطوفة بالواو على ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها:
  • معطوفتان بواوي العطف على ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها» وتعربان مثلهما.
  • ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ:
  • الواو عاطفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مع: ظرف مكان منصوب على الظرفية والعامل فيه محذوف على معنى: وهو حاضر معكم. والظرف يدل على الاجتماع والمصاحبة متعلق بخبر «هو» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم للجمع.
  • ﴿ أَيْنَ ما كُنْتُمْ:
  • اسم شرط‍ جازم مبني على الفتح في محل نصب ظرف مكان متعلق بخبر «كنتم».ما: زائدة لا عمل لها وحذف جواب الشرط‍ لتقدم معناه. التقدير: اينما تكونوا فهو معكم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بأين والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة الجمع او تكون «كنتم» فعلا تاما والتاء ضميرا متصلا في محل رفع فاعلا بمعنى: أينما حللتم و «ما» زائدة وجملة «كنتم» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَاللهُ بِما:
  • الواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة والباء حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بالخبر.
  • ﴿ تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بصير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وجملة «تعملون» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: بما تعملونه. ويجوز ان تكون «ما» مصدرية. وجملة «تعملون» صلتها لا محل لها. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء التقدير بأعمالكم.'

المتشابهات :

سبإ: 2﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
الحديد: 4﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     وبعد بيان عمومِ مُلْكِه وتمامِ قدرتِه؛ ساق سبحانه ألوانًا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته وقدرته، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [5] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى ..

التفسير :

[5] له ملك السموات والأرض، وإلى الله مصير أمور الخلائق في الآخرة، وسيجازيهم على أعمالهم.

{ لَهُ ملك السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ملكا وخلقا وعبيدا، يتصرف فيهم بما شاءه من أوامره القدرية والشرعية، الجارية على الحكمة الربانية،{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} من الأعمال والعمال، فيعرض عليه العباد، فيميز الخبيث من الطيب، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

ثم أكد- سبحانه- كمال قدرته فقال لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: له- سبحانه- التصرف الكلى في السموات والأرض. وفيما فيهما من موجودات، من حيث الإيجاد والإعدام وسائر التصرفات.

وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أى: وإلى الله- تعالى- وحده لا إلى غيره، مرد الأمور كلها، والحكم عليها، والتصرف فيها.. وليس إلى أحد غيره لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك.

وقوله : ( له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) أي : هو المالك للدنيا والآخرة كما قال : ( وإن لنا للآخرة والأولى ) [ الليل : 13 ] ، وهو المحمود على ذلك ، كما قال : ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ) [ القصص : 70 ] ، وقال ( الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ) [ سبإ : 1 ] . فجميع ما في السماوات والأرض ملك له ، وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم : 93 - 95 ] . ولهذا قال : ( وإلى الله ترجع الأمور ) أي : إليه المرجع يوم القيامة ، فيحكم في خلقه بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة ، بل إن يكن أحدهم عمل حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها ، ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] وكما قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] .

يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض نافذ في جميعهنّ، وفي جميع ما فيهنّ أمره.(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) يقول جلّ ثناؤه: وإلى الله مصير أمور جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[5] ﴿لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ﴾ أحاطت ملكيته جل شأنه للسموات والأرض بآية خلقهما فوردت قبلها وبعدها تأكيدًا، فلا مالك غيره، ولا خالق غيره، ولا مرجعية إلا إليه.
عمل
[5] ﴿وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ لا تلجأ لغير الله، فمن أنزل حاجته بالله قُضيت، ومن أنزل حاجته بغير الله وُكل إليه.
وقفة
[5] ﴿وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ أي ترجع أفعال الناس إلى الله، والمراد: رجوع أهلها للجزاء على أعمالهم يوم القيامة.
وقفة
[5] ﴿وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ اليقين برجوع كل شيء إلى الله يخفف آلام المبتلين، ويذهب غيظ المظلومين، ويسوق إلى الصالحات أقدام المتقين، ويكف النفوس عن معصية رب العالمين.

الإعراب :

  • ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ملك:مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:
  • الواو عاطفة. الى الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بترجع. ترجع: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الامور: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وجملة تُرْجَعُ الْأُمُورُ» معطوفة على الجملة الابتدائية لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لا محل لها.'

المتشابهات :

البقرة: 210﴿وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
آل عمران: 109﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
الأنفال: 44﴿لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
الحج: 76﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
فاطر: 4﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
الحديد: 5﴿لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     ولَمَّا كان صانِعُ الشَّيءِ قد لا يَكونُ مَلِكًا، وكان المَلِكُ لا يَكمُلُ مُلكُه إلَّا بعِلمِ جَميعِ ما يكونُ في مَملكتِه، والقُدرةِ عليه، وكان إنكارُهم للبَعثِ إنكارًا لأن يكونَ مَلِكًا؛ أكَّدَ ذلك بتَكريرِ الإخبارِ به، فقال تعالى:
﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [6] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ ..

التفسير :

[6] يُدْخِل ما نقص من ساعات الليل في النهار فيزيد النهار، ويُدْخِل ما نقص من ساعات النهار في الليل فيزيد الليل، وهو سبحانه عليم بالسَّرائر وما تكنُّه الصدور، لا يخفى عليه من ذلك خافية.

{ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي:يدخل الليل على النهار، فيغشيهم الليل بظلامه، فيسكنون ويهدأون، ثم يدخل النهار على الليل، فيزول ما على الأرض من الظلام، ويضيء الكون، فيتحرك العباد، ويقومون إلى مصالحهم ومعايشهم، ولا يزال الله يكور الليل على النهار، والنهار على الليل، ويداول بينهما، في الزيادة والنقص، والطول والقصر، حتى تقوم بذلك الفصول، وتستقيم الأزمنة، ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك، فتبارك الله رب العالمين، وتعالى الكريم الجواد، الذي أنعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة،{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي:بما يكون في صدور العالمين، فيوفق من يعلم أنه أهل لذلك، ويخذل من يعلم أنه لا يصلح لهدايته

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ أى: يدخل- سبحانه- طائفة من الليل في النهار، فيقصر الليل ويزيد النهار ويدخل طائفة من النهار في الليل، فيقصر النهار، ويزيد الليل، ثم يسيران على هذا النظام البديع، دون أن يسبق أحدهما الآخر.

وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ و «ذات» هنا مؤنث ذو بمعنى صاحب.

أى: وهو- سبحانه- عليم علما تاما بمكنونات الصدور، وما تضمره من خير أو شر وما يتردد فيها من خواطر وأفكار.

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة من أول السورة إلى هنا، يراها قد اشتملت على بضع عشرة صفة، من صفات الله عز وجل- الدالة على وجوب إخلاص العبادة له، والانقياد لأمره ونهيه.

ثم- دعا- سبحانه- عباده المؤمنين إلى التمسك بهذا الإيمان، وإلى تنفيذ تكاليفه، ووعدهم على ذلك بأجزل الثواب، فقال- تعالى-:

قوله : ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) أي : هو المتصرف في الخلق ، يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء ، فتارة يطول الليل ، ويقصر النهار ، وتارة بالعكس ، وتارة يتركهما معتدلين . وتارة يكون الفصل شتاء ، ثم ربيعا ، ثم قيظا ، ثم خريفا ، وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه ، ( وهو عليم بذات الصدور ) أي : يعلم السرائر وإن دقت ، وإن خفيت .

وقوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ )، يعني بقوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار، فيجعله زيادة في ساعاته، (وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) يقول: ويدخل ما نقص من ساعات النهار في الليل، فيجعله زيادة في ساعات الليل.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

وقد ذكرنا الرواية بما قالوا فيما مضى من كتابنا هذا، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر هنالك إن شاء الله تعالى .

حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) قال: قصر هذا في طول هذا، وطول هذا في قصر هذا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) قال: دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) قال: قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره.

وقوله: (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) يقول: وهو ذو علم بضمائر صدور عباده، وما عزمت عليه نفوسهم من خير أو شرّ، أو حدّثت بهما أنفسهم، لا يخفى عليه من ذلك خافية.

المعاني :

يُولِجُ :       يُدْخِلُ السراج
يولج الليل :       يدخله معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[6] ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ صورة لو اجتمع من بأقطارها لا يملك خلقها ولا ردها ليقف العقل مندهشا مسبحًا.
عمل
[6] ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ إن القادر على إدخال ضياء النهار في سواد الليل، لقادر على إدخال أنوار الهداية إلى ظلمات القلوب الجانحة، فلا تقنط أيها المقصر من روح الله.
عمل
[6] ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ إن الذي أحاط بأعمال عبده الظاهرة لمحيط بما يضمر بنفسه من نيات، فأخلص نيتك لربك يُقبل عملك، وينجح قصدك.
عمل
[6] ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ إذا كنت تصدق بذلك، فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله، إن كنت مؤمنًا؟ لا يمكن، فطهر قلبك من الرياء والنفاق، والغل على المسلمين، والحقد والبغضاء، لأن قلبك معلوم عند الله عز وجل.
وقفة
[6] ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ وسع علمه الآفاق، وحتى أصغر مخلوقاته قد أحاط بها علمًا، ما تخفيه في نفسك ولو كان خاطرة الله يعلمها.

الإعراب :

  • ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الليل: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة يُولِجُ اللَّيْلَ» ابتدائية لا محل لها من الإعراب مثل لَهُ مُلْكُ السَّماااتِ وَالْأَرْضِ» او هي في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف تقديره هو يولج الليل او في محل نصب حال من الضمير المجرور في «له».والجار عامل فيه.
  • ﴿ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ:
  • جار ومجرور متعلق بيولج وما بعدها معطوف بالواو على يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ» ويعرب إعرابها بمعنى:يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا.
  • ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ:
  • تعرب إعراب وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» الواردة في الآية الكريمة الثانية. اي عليم بنفس الصدور اي ببواطنها.والصدور: يكنى بها عن القلوب.'

المتشابهات :

آل عمران: 27﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ
الحج: 61﴿لِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ
لقمان: 29﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
فاطر: 13﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى
الحديد: 6﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعد بيان أن للهِ وحده مُلْك السَّمَاوات والأرض؛ حَثَّ عباده هنا على النظر والتأمل، ثم الشكر على ما أولى وأنعم، قال تعالى:
﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [7] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا ..

التفسير :

[7] آمنوا بالله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنفقوا مما رزقكم الله من المال واستخلفكم فيه، فالذين آمنوا منكم أيها الناس، وأنفقوا من مالهم، لهم ثواب عظيم.

يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله وبما جاء به، وبالنفقة في سبيله، من الأموال التي جعلها الله في أيديهم واستخلفهم عليها، لينظر كيف يعملون، ثم لما أمرهم بذلك، رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب، فقال:{ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا} أي:جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، والنفقة في سبيله، لهم أجر كبير، أعظمه [وأجله] رضا ربهم، والفوز بدار كرامته، وما فيها من النعيم المقيم، الذي أعده الله للمؤمنين والمجاهدين، ثم ذكر [السبب] الداعي لهم إلى الإيمان، وعدم المانع منه، فقال:

والخطاب في قوله- تعالى-: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى الناس جميعا ويدخل فيه المؤمنون دخولا أوليا، ويكون المقصود بدعوتهم إلى الإيمان المداومة عليه والتمسك بتعاليمه، وتنفيذ توجيهاته.. كما قال- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ، وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ .

وقوله: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ بيان لما يقتضيه هذا الإيمان.

وقوله: مُسْتَخْلَفِينَ اسم مفعول من الاستخلاف، بمعنى أن يخلف الإنسان غيره، أو أن يخلفه غيره من بعده.

أى: آمنوا- أيها الناس- بالله- تعالى- وبرسوله صلى الله عليه وسلم إيمانا حقا، وإن من مقتضيات هذا الإيمان، أن تنفقوا من أموالكم في وجوه الخير، فإن هذه الأموال هي عارية في أيديكم، فقد ورثتموها من غيركم، وغيركم سيرثها عنكم، وهي في جميع الأحوال ملك لله- تعالى- وحده على الحقيقة.

قال القرطبي: قوله: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ دليل على أن أصل الملك لله- سبحانه- وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضى الله فيثيبه على ذلك بالجنة، فمن أنفق منها في حقوق الله، وهان عليه الإنفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه، كان له الأجر الجزيل.

وقال الحسن: مستخلفين فيه: ورثتكم إياه عمن كان قبلكم.

وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم إلا بمنزلة النواب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق، قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم .

ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء المنفقين فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ إيمانا حقا..

وَأَنْفِقُوا أموالهم فيما يرضى الله- تعالى- لَهُمْ منه- عز وجل- أَجْرٌ كَبِيرٌ لا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-.

أمر تعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل ، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار ، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية ، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ، ثم صار إليكم ، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته ، فإن يفعلوا وإلا حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه .

وقوله : ( مما جعلكم مستخلفين فيه ) فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفا عنك ، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه ، فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك ، أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة يحدث ، عن مطرف - يعني بن عبد الله بن الشخير - عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : " ( ألهاكم التكاثر ) [ التكاثر : 1 ] ، يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " .

ورواه مسلم من حديث شعبة به وزاد : " وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس "

وقوله : ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة ،

يقول تعالى ذكره: آمنوا بالله أيها الناس، فأقرّوا بوحدانيته، وبرسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فصدقوه فيما جاءكم به من عند الله واتبعوه، (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، يقول جلّ ثناؤه: وأنفقوا مما خوّلكم الله، من المال الذي أورثكم عمن كان قبلكم، فجعلكم خلفاءهم فيه في سبيل الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله (مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) قال: المعمرين فيه بالرزق.

وقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا ) يقول: فالذين آمنوا بالله ورسوله منكم أيها الناس، وأنفقوا مما خولهم الله عمن كان قبلهم، ورزقهم من المال في سبيل الله (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) يقول: لهم ثواب عظيم.

المعاني :

مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ :       مِنَ المَالِ الَّذِي جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ السراج

التدبر :

وقفة
[7] ﴿آمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَأَنفِقوا مِمّا جَعَلَكُم مُستَخلَفينَ فيهِ فَالَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَأَنفَقوا لَهُم أَجرٌ كَبيرٌ﴾ تأملوا، دائمًا يأتى الإنفاق مقرونًا بالإيمان، فلا ينفق بنفس راضية مؤديًا حق الله عليه إلا مؤمن، وتُرك وصف الأجر نكرة بلا تعريف؛ لتذهب النفس كل مذهب فى تخيله وتصوره ولبيان كثرته، وجاء وصفه بالكبير بعد ذلك تأكيدًا.
عمل
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ أنفِق جزءًا من مالِك مُستشعِرًا أنَّكَ وكِيلٌ قد استَخلفَكَ اللهُ على هذا المالِ.
وقفة
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ المال مال الله، والإنسان مُسْتَخْلف فيه.
وقفة
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ قال القرطبي: «فيه دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يُرضي الله، فيثيبه على ذلك بالجنة، فمن أنفق منها في حقوق الله، وهان عليه الإنفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه، كان له الأجر الجزيل».
وقفة
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ مال، صحة، وقت، علم؛ اصرفها في طاعة الله، وتذكر أنك مستخلف جعلها الله في حوزتك ليختبرك.
وقفة
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ إن رسخ في الذهن الاستخلاف على المال ما وجدت متكبرًا بما يملك ولأغنت الصدقات السائلين.
وقفة
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ ما أكرمك ربنا وأجزل فضلك! مننت علينا بالمال من لدنك, وحثثتنا علي الإنفاق منه في سبيلك, ثم كافأتنا عظيم المكافأة علي إنفاقه, وما هو إلا منك وإليك.
عمل
[7] ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ كل ما أنت مغمور فيه من نعم، هو مما استخلفك الله عليه؛ فأحسن.
وقفة
[7] ﴿مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ يعني: أن الأموال التي بأيديكم إنما هي أموال الله؛ لأنه خلقها، ولكنه متَّعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه.
وقفة
[7] ﴿مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ ورثتكم إياه عمن كان قبلكم، وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم إلا بمنزلة النواب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق، قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم.
وقفة
[7] ﴿مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ من طريف ما قيل: «إذا رأيت الرجل ينفق بسخاء؛ فاعلم أنه ينفق من غير ماله»، ولما كان المال مال الله، فلماذا لا تنفق منه في سبيله؟!
وقفة
[7] ﴿فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبير﴾ المال ليس فتنة فقط، بل هو نعمة للمؤمن وسبيل من سبل العمل الصالح، وهو الإنفاق لوجه الله.
وقفة
[7] ﴿فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبير﴾ من ثمرات الإيمان الصحيح الصادق: الإنفاق في سبيل الله، فهو يحمل صاحبه على السخاء والعطاء، ليقينه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
عمل
[7] تذكر عظيم الثواب والأجر الذي يناله من تصدق وأنفق ماله في سبيل الله تعالى ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ آمِنُوا بِاللهِ:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمنوا.
  • ﴿ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا:
  • معطوفان بواوي العطف على آمِنُوا بِاللهِ» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِمّا جَعَلَكُمْ:
  • أصلها: من: حرف جر. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. وقد ادغمت النون في «ما» فحصل التشديد.والجار والمجرور متعلق بأنفقوا. و «من» للتبعيض وقد حذف مفعول«أنفقوا» لدلالة «من» التبعيضية عليه. جعل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به اول والميم علامة جمع الذكور. وجملة جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. فيه: جار ومجرور متعلق بمستخلفين.بمعنى: وابذلوا في سبيل الله بعض الاموال التي جعلكم خلفاء الذين سبقوكم عليها.
  • ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الفاء استئنافية تفيد التعليل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. اي آمنوا بالله ورسوله وحذف الجار والمجرور لان ما قبله يدل عليه.
  • ﴿ مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة لاسم الموصول «الذين» والميم علامة جمع الذكور. التقدير: حال كونهم منكم. وانفقوا: معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب إعرابها
  • ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر «الذين» واللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. أجر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. كبير: صفة-نعت-لأجر مرفوعة مثلها بالضمة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     وبعد ذِكرِ أدلَّةِ وحدانيةِ اللهِ وقُدرتِه وعِلمِه؛ أمرَ هنا ببعضِ التَّكاليفِ: الإيمانِ باللهِ، والإنفاقِ في سبيلِه، قال تعالى:آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ولَمَّا أمَرَ تعالى بالإنفاقِ، ووَصَفه بما سَهَّله؛ سَبَّب عنه ما يُرَغِّبُ فيه، فقال تعالى:
﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [8] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..

التفسير :

[8] وأيُّ عذر لكم في أن لا تصدقوا بوحدانية الله وتعملوا بشرعه، والرسول يدعوكم إلى ذلك، وقد أخذ الله ميثاقكم على ذلك، إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم؟

{ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي:وما الذي يمنعكم من الإيمان، والحال أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم، فهذا مما يوجب المبادرة إلى إجابة دعوته، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان إن كنتم مؤمنين، ومع ذلك، من لطفه وعنايته بكم، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم، بل أيده بالمعجزات، ودلكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات .

ثم رغبهم- سبحانه- في الثبات على الإيمان بالله ورسوله فقال: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ، وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

أى: وأى مانع يمنعكم من الثبات على الإيمان. ومن القيام بتكاليفه، ومن إخلاص العبادة له- تعالى- وحده، والحال أن الرسول صلى الله عليه وسلم بينكم صباح مساء، يدعوكم إلى الإيمان بربكم، وقد أخذ- سبحانه- عليكم العهود والمواثيق على هذا الإيمان، عن طريق ما ركب فيكم من عقول تعقل، وعن طريق ما نصب لكم من أدلة متنوعة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله الواحد القهار.

قال: الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: أى: وأى شيء يمنعكم من الإيمان، والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به. وقد روينا في الحديث من طرق، في أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: «أى المؤمنين أعجب إليكم إيمانا؟» قالوا: الملائكة.

قال: «ومالهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟» قالوا: فالأنبياء قال: «وما لهم لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم» قالوا: فنحن، قال: «فما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم، يجدون صحفا يؤمنون بما فيها» .

وقوله- تعالى-: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ كما قال- تعالى-: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.. ويعنى بذلك بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وزعم ابن جرير: أن المراد بذلك: الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم .

وجواب الشرط في قوله- تعالى-: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه.

أى: إن كنتم مؤمنين لسبب من الأسباب، فعلى رأس هذه الأسباب وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينكم يدعوكم إلى هذا الإيمان ويقنعكم بوجوب الاعتصام به.

ثم قال : ( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ) ؟ أي : وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم ، يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ؟ وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح " كتاب الإيمان " من صحيح البخاري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه : " أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا : الملائكة . قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء . قال : " وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ " . قالوا : فنحن ؟ قال : " وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها "

وقد ذكرنا طرفا من هذا في أول سورة " البقرة " عند قوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) [ البقرة : 3 ] .

وقوله : ( وقد أخذ ميثاقكم ) كما قال : ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) [ المائدة : 7 ] . ويعني بذلك : بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ، وهو مذهب مجاهد ، فالله أعلم .

يقول تعالى ذكره: (وما لكم لا تؤمنون بالله)، وما شأنكم أيها الناس لا تقرّون بوحدانية الله، ورسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيته، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك، ما قطع عذركم، وأزال الشكّ من قلوبكم، (وقد أخذ ميثاقكم)، قيل: عني بذلك؛ وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صُلب آدم، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ) قال: في ظهر آدم.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ )، بفتح الألف من أخذ ونصب الميثاق، بمعنى: وقد أخذ ربكم ميثاقكم. وقرأ ذلك أبو عمرو: ( وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ ) بضمّ الألف ورفع الميثاق، على وجه ما لم يسمّ فاعله.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان فتح الألف من أخذ ونصب الميثاق أعجب القراءتين إليّ في ذلك، لكثرة القراءة بذلك، وقلة القراءة بالقراءة الأخرى.

وقوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) يقول: إن كنتم تريدون أن تؤمنوا بالله يوما من الأيام، فالآن أحرى الأوقات، أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه، ودعائه إياكم إلى ما قد تقرّرت صحته عندكم بالإعلام، والأدلة والميثاق المأخوذ عليكم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[8] ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ ليس العجب من الإيمان في حضرة الرسل، إنما الأعجب: أن نؤمن بهم دون أن نراهم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ، قَالَ: وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟ قَالُوا: فَنَحْنُ، قَالَ: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَعْجَبَ الْخَلْقِ إِلَيَّ إِيمَانًا لَقَوْمٌ يَكُونُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كِتَابٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا» [ البزار 3/318، وحسنه الألباني].
وقفة
[8] ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ بَيَّن بهذا أنه لا يثبت حكم قبل ورود شرع عن طريق الرسول.
وقفة
[8] أخذ الميثاق إشارة إلى ما نصب في العقول من الدلائل الموجبة لقبول دعوة الرسل، وبهذا تتطابق دلائل النقل والعقل، أما النقل فبقوله: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾، وأما العقل فبقوله: ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما لَكُمْ:
  • الواو استئنافية. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ يفيد الانكار لعدم الايمان. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر «ما» والميم علامة جمع الذكور بمعنى اي شيء لكم
  • ﴿ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من كاف المخاطبين في «ما لكم» اي من معنى الفعل في «ما لكم» اي وما لكم كافرين. لا: نافية لا عمل لها. تؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتؤمنون اي كيف تكفرون.
  • ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال فهما حالان متداخلتان. و «الرسول» مبتدأ مرفوع بالضمة. يدعو:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «يدعوكم» في محل رفع خبر المبتدأ
  • ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ:
  • اللام حرف جر للتعليل. تؤمنوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «تؤمنوا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب. و «أن» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام.والجار والمجرور متعلق بيدعو. برب: جار ومجرور متعلق بتؤمنوا والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور بمعنى: واي عذر لكم في ترك الايمان والرسول يدعوكم اليه.
  • ﴿ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ:
  • الواو حالية والجملة بعدها في محل نصب حال. قد:حرف تحقيق. اخذ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه. ميثاق: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «كم» اعربت في «بربكم».
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ:
  • حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن والتاء ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور وحذف جواب الشرط‍ اختصارا ولان ما بعده يفسره اي ان كنتم مؤمنين لموجب ما فان هذا الموجب لا مزيد عليه. بمعنى ان اردتم الايمان فقد حان وقته بعد ان نبهكم الرسول عليه وتلا عليكم الكتاب الناطق بالبراهين والحجج.
  • ﴿ مُؤْمِنِينَ:
  • خبر «كان» منصوب بالياء لا نه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ تعالى بالإيمانِ؛ ذَكَرَ هنا السَّبَبَ الدَّاعيَ لهم إلى الإيمانِ، وعَدَمَ المانعِ منه، فقال تعالى:
﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أخذ:
1- مبنيا للفاعل، و «ميثاقكم» ، بالنصب وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول و «ميثاقكم» رفعا، وهى قراءة أبى عمرو.

مدارسة الآية : [9] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ..

التفسير :

[9] هو الذي ينزل على عبده محمد -صلى الله عليه وسلم- آيات مفصلات واضحات من القرآن؛ ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وإن الله في إخراجكم من الظلمات إلى النور لَيَرحمكم رحمة واسعة في عاجلكم وآجلكم، فيجازيكم أحسن الجزاء.

{ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي:ظاهرات تدل أهل العقول على صدق كل ما جاء بهوأنه حق اليقين،{ لِيُخْرِجَكُمْ} بإرسال الرسول إليكم، وما أنزله الله على يده من الكتاب والحكمة.

{ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي:من ظلمات الجهل والكفر، إلى نور العلم والإيمان، وهذا من رحمته بكم ورأفته، حيث كان أرحم بعباده من الوالدة بولدها{ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}

ثم ذكر- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم وعليهم فقال: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

والرءوف: مبالغة في الاتصاف بالرأفة، ومعناها: كراهية إصابة الغير بما يضره أو يؤذيه.

والرحيم: مبالغة في الاتصاف بصفة الرحمة. ومعناه: محبة إيصال الخير والنفع إلى الغير.

أى: هو- سبحانه- وحده الذي ينزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم آياتٍ بَيِّناتٍ أى: حججا واضحات، ودلائل باهرات، لكي يخرجكم من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان والعلم.

وإن الله- تعالى- بكم- أيها الناس- لكثير الرأفة والرحمة، حيث أنزل إليكم كتابه، وأرسل إليكم رسوله صلى الله عليه وسلم.

وكما حضهم- سبحانه- على الثبات على الإيمان.. حضهم أيضا مرة أخرى على الإنفاق في سبيله بأبلغ أسلوب، فقال: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

وقوله : ( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ) أي : حججا واضحات ، ودلائل باهرات ، وبراهين قاطعات ، ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي : من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان ، ( وإن الله بكم لرءوف رحيم ) أي : في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس ، وإزاحة العلل وإزالة الشبه .

ولما أمرهم أولا بالإيمان والإنفاق ، ثم حثهم على الإيمان ، وبين أنه قد أزال عنهم موانعه ، حثهم أيضا على الإنفاق .

يقول تعالى ذكره: الله الذي ينـزل على عبده محمد (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) يعني مفصلات (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) يقول جلّ ثناؤه: ليخرجكم أيها الناس من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة إلى الهُدى.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) قال: من الضلالة إلى الهدى.

وقوله: (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: وإن الله بإنـزاله على عبده ما أنـزل عليه من الآيات البيِّنات لهدايتكم، وتبصيركم الرشاد، لذو رأفة بكم ورحمة، فمن رأفته ورحمته بكم فعل ذلك

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[9] ﴿هُوَ الَّذي يُنَزِّلُ عَلى عَبدِهِ﴾ وصف سبحانه رسوله ﷺ بصفة العبد، فصفة العبودية لله هى الأرفع شأنًا والأعلى مقامًا.
عمل
[9] ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ اشرح آية لمسلم يحتاج إليها.
وقفة
[9] ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ الآيات هي المعجزات، وأعظم المعجزات: القرآن، فمن تعرَّض لآيات القرآن قراءة وتدبرًا عاش في أنوار الهداية، ومن غاب عنها تخبط في الظلمات.
وقفة
[9] ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ هدايات القرآن من الظلام إلى النور.
وقفة
[9] ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ يؤتى الإنسان من البصيرة، وتشرق نفسه بأنوار الإيمان، بمقدار ما يتدبر من آيات ربه، وما يتبصر بهداياتها.
وقفة
[9] ﴿لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُم لَرَءوفٌ رَحيمٌ﴾ شبه سبحانه الكفر بالظلمات وجاءت جمعًا؛ لكثرة أنواع الكفر والشرك بالله، وشبه الإيمان بالنور، فهو الحق البين الواضح، وجاءت مفردة؛ لأن الحق واحد لا ثانى له.
وقفة
[9] ﴿وَإِنَّ اللَّـهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ من علامات رأفته ورحمته: أن نبَّهكم بالرسول والآيات، ولم يقتصر على ما جعل لكم من الأدلة العقلية على وجود الله.
وقفة
[9] ﴿وَإِنَّ اللَّـهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أقرب الخلق إلى الله تعالى أعظمهم رأفة ورحمة، كما أن أبعدهم منه من اتصف بضد صفاته.

الإعراب :

  • ﴿ هُوَ الَّذِي:
  • ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره.
  • ﴿ يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ينزل: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. على عبده: جار ومجرور متعلق بينزل والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. آيات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لا نه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ:
  • صفة -نعت -لآيات منصوبة مثلها بالكسرة بدلا من الفتحة لا نها ملحقة بجمع المؤنث السالم واللام لائم التعليل حرف جر.يخرج: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين -مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. وجملة «يخرجكم» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الإعراب. و «ان» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بينزل.
  • ﴿ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
  • جار ومجرور متعلق بيخرج. اي من ظلمات الكفر والضلال. الى النور: جار ومجرور متعلق بيخرج اي الى نور الايمان والحق.
  • ﴿ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ:
  • الواو عاطفة. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. بكم: جار ومجرور متعلق بخبر «ان» والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ:
  • اللام لائم التوكيد-المزحلقة -.رؤف رحيم: خبران لان على التتابع اي خبر بعد خبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة.'

المتشابهات :

البقرة: 257﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ
المائدة: 16﴿يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ
ابراهيم: 1﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ
ابراهيم: 5﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ
الأحزاب: 43﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا
الحديد: 9﴿هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ
الطلاق: 11﴿لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ تَوطِئةَ ما يُوجِبُ الإيمانَ، وذكَرَ دُعاءَ الرَّسولِ إيَّاهم للإيمانِ؛ ذكَرَ أنَّه تعالى هو المُنَزِّلُ على رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما دعا به إلى الإيمانِ، فقال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ينزل:
1- بالتشديد.
وقرئ:
2- بالتخفيف.
3- أنزل، ماضيا، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [10] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي ..

التفسير :

[10] وأيُّ شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ ولله ميراث السموات والأرض يرث كلَّ ما فيهما، ولا يبقى أحد مالكاً لشيء فيهما. لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح «مكة» وقاتل الكفار، أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل الله من بع

أي:وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وهي طرق الخير كلها، ويوجب لكم أن تبخلوا،{ و} الحال أنه ليس لكم شيء، بل{ لله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فجميع الأموال ستنتقل من أيديكم أو تنقلون عنها، ثم يعود الملك إلى مالكه تبارك وتعالى، فاغتنموا الإنفاق ما دامت الأموال في أيديكم، وانتهزوا الفرصة، ثم ذكر تعالى تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية، فقال:{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية، حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو أعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الإسلام، واختلاط المسلمين بالكافرين، والدعوة إلى الدين من غير معارض، فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله أفواجا، واعتز الإسلام عزا عظيما، وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة إلى الدين في غير البقعة التي أسلم أهلها، كالمدينة وتوابعها، وكان من أسلم من أهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف، فلذلك كان من أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل، أعظم درجة وأجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله:{ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي:الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة،{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله.

والاستفهام في قوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا.. للتعجيب من حال من يمسك عن الإنفاق في سبيل الله، مع أن كل المقتضيات تدعوه إلى هذا الإنفاق. والكلام في قوله - تعالى-: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ على حذف مضاف، والجملة حال من فاعل أَلَّا تُنْفِقُوا، أو من مفعوله المعلوم مما تقدم.

وإضافة ميراث إلى السموات والأرض، من إضافة المصدر إلى المفعول أى: وأى سبب يحملكم على البخل وعدم الإنفاق في سبيل إعلاء كلمة الله، والحال أن لله- تعالى- ميراث أهل السموات وأهل الأرض.

إنه لا عذر لكم في الشح والإمساك بعد أن بينت لكم ما بينت من وجوب الإنفاق في سبيل الله.

قال الآلوسى: قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: يرث كل شيء فيهما، ولا يبقى لأحد مال، على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما، لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف. وجوز أن يراد: يرثهما وما فيهما، واختير الأول، لأنه يكفى لتوبيخهم، إذ لا علاقة لأخذ السموات والأرض هنا.. والجملة مؤكدة للتوبيخ، فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر، ومع تحقيق ما يوجب الإنفاق أشد في القبح، وأدخل في الإنكار .

ثم قال- تعالى-: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.

والمراد بمن أنفق من قبل الفتح وقاتل: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين أنفقوا الكثير من أموالهم، قيل فتح مكة ... وقيل: المراد بالفتح: صلح الحديبية.

وإنما كان الذين أنفقوا وقاتلوا قبل هذا الوقت، أعظم درجة ممن فعل ذلك بعد هذا الوقت، لأن الأيام التي سبقت الفتح تعرض المسلمون خلالها لكثير من المصائب والخوف والجوع ونقص الثمرات.. فكان الإنفاق والجهاد فيها أشق على النفس، والثواب على قدر المشقة.

أى: لا يستوي منكم- أيها المؤمنون- في الفضيلة والدرجة من أنفق الكثير من ماله، من قبل أن تفتح مكة، وجاهد في سبيل الله- تعالى- جهادا كبيرا، أولئك الذين فعلوا ذلك، أعظم درجة ومنزلة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد أن فتحت مكة.

فالجملة الكريمة بيان لتفاوت الدرجات، على حسب تفاوت الأحوال والأعمال، وعطف- سبحانه- القتال في قوله وَقاتَلُوا على الإنفاق في قوله: أَنْفَقُوا للإشعار بشدة ارتباطهما، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح: فتح مكة. وقال الشعبي والزهري:

فتح الحديبية ... وفي الكلام حذف. أى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقائل، فحذف لدلالة الكلام عليه.

وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق، والأجر على قدر النصب .

وقوله- تعالى-: مَنْ أَنْفَقَ.. عام يشمل جميع من بذل ماله قبل الفتح في سبيل الله.

وقيل: المراد به أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق.

وقوله- عز وجل-: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى مدح للفريقين، ودفع للتوهم من أن يظن ظان أن الفريق الثاني وهو الذي أنفق من بعد الفتح وقاتل، محروم من الأجر.

أى: وكلا الفريقين وعده الله- تعالى- المثوبة الحسنى وهي الجنة، إلا أن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد ذلك.

فهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما بينهم، وأن الفضل ثابت لهم جميعا إلا أنهم تفاوتوا على حسب أعمالهم وجهادهم وسبقهم.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى: أنه- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم الظاهرة أو الباطنة فأخلصوا أقوالكم وأفعالكم لله- تعالى- لتنالوا أجره وثوابه.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث التي تدل على فضل الصحابة- رضوان الله عليهم- ومنها ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابى، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»

فقال : ( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ) أي : أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض ، وبيده مقاليدهما ، وعنده خزائنهما ، وهو مالك العرش بما حوى ، وهو القائل : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) [ سبإ : 39 ] ، وقال ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) [ النحل : 96 ] فمن توكل على الله أنفق ، ولم يخش من ذي العرش إقلالا وعلم أن الله سيخلفه عليه .

وقوله : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) أي : لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله ، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا ، فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون ، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ; ولهذا قال : ( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى )

والجمهور على أن المراد بالفتح ها هنا فتح مكة . وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح ها هنا : صلح الحديبية ، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد :

حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا زهير ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام ، فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها ؟ فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده ، لو أنفقتم مثل أحد - أو مثل الجبال - ذهبا ، ما بلغتم أعمالهم "

ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة ، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعد الفتح ، فجعلوا يقولون : " صبأنا ، صبأنا " ، فلم يحسنوا أن يقولوا : " أسلمنا " ، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم ، فخالفه عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما . فاختصم خالد ، وعبد الرحمن بسبب ذلك

والذي في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده ، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "

وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من حديث ابن وهب : أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية ، حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " ، فقلنا : من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال : لا ، ولكن أهل اليمن ، هم أرق أفئدة ، وألين قلوبا " . فقلنا : أهم خير منا يا رسول الله ؟ قال : " لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ، ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ، ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )

] وهذا الحديث غريب بهذا السياق ، والذي في الصحيحين من رواية جماعة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد - ذكر الخوارج - : " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " الحديث . ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر ، فقال :

حدثني بن البرقي ، حدثنا بن أبي مريم ، أخبرنا محمد بن جعفر ، أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبي سعيد التمار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " . قلنا : من هم يا رسول الله ؟ قريش ؟ قال : " لا ، ولكن أهل اليمن ، لأنهم أرق أفئدة ، وألين قلوبا " . وأشار بيده إلى اليمن ، فقال : " هم أهل اليمن ، ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " . فقلنا : يا رسول الله ، هم خير منا ؟ قال : " والذي نفسي بيده ، لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصيفه " . ثم جمع أصابعه ومد خنصره ، وقال : " ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ، ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ) ] "

فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم ، فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده ، كما في قوله تعالى في سورة " المزمل " - وهي مكية ، من أوائل ما نزل - : ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) الآية [ المزمل : 20 ] فهي بشارة بما يستقبل ، وهكذا هذه والله أعلم .

وقوله : ( وكلا وعد الله الحسنى ) يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ، كلهم لهم ثواب على ما عملوا ، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) [ النساء : 95 ] . وهكذا الحديث الذي في الصحيح : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر ، فيتوهم متوهم ذمه ; فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه ، مع تفضيل الأول عليه ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون خبير ) أي : فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ومن فعل ذلك بعد ذلك ، وما ذلك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام ، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق . وفي الحديث : " سبق درهم مائة ألف " ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه ، له الحظ الأوفر من هذه الآية ، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء ، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله ، عز وجل ، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها .

وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن آدم بن علي ، عن ابن عمر قال : كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر الصديق ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله علي قبل الفتح " قال : فإن الله يقول : اقرأ عليه السلام ، وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله : " يا أبا بكر ، إن الله يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ " فقال : أبو بكر ، رضي الله عنه : أسخط على ربي عز وجل ؟ ! إني عن ربي راض

هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه .

يقول تعالى ذكره: وما لكم أيها الناس أن لا تنفقوا مما رزقكم الله في سبيل الله، وإلى الله صائرٌ أموالكم إن لم تنفقوها في حياتكم في سبيل الله، لأن له ميراث السموات والأرض، وإنما حثهم جل ثناؤه بذلك على حظهم، فقال لهم: أنفقوا أموالكم في سبيل الله، ليكون ذلكم لكم ذخرًا عند الله من قبل أن تموتوا، فلا تقدروا على ذلك، وتصير الأموال ميراثًا لمن له السموات والأرض.

وقوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكه وهاجر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) قال: آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) يقول: من آمن.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: يقول غير ذلك.

وقال آخرون: عني بالفتح فتح مكة، وبالنفقة: النفقة في جهاد المشركين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) قال: كان قتالان، أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح " فتح مكة " أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) قال: فتح مكة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال، قال زيد بن أسلم في هذه الآية (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) قال: فتح مكة.

وقال آخرون: عني بالفتح في هذا الموضع: صلح الحديبية.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، يقول تعالى ذكره (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ... ) الآية.

حدثني حُميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، في هذه الآية، قوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) قال: فتح الحديبية، قال: " فصل ما بين العمرتين فتح الحديبية ".

حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر ،قال: " فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية ". وأُنـزلت (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) .... إلى (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) فقالوا: يا رسول الله فتحٌ هو؟ قال: " نَعَمْ عَظِيمٌ".

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، قال : " فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، ثم تلا هنا الآية (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ ) .... الآية."

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، قال، قال لنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عام الحديبية: " يُوشكُ أنْ يأتي قَوْمٌ تَّحْقِرُونَ أعمالَكُمْ مَعَ أعمالِهمْ، قلنا: من هم يا رسول الله، أقريش هم؟ قال: لا وَلَكنْ أهْلُ اليمَن أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبا، فقلنا: هم خير منا يا رسول الله، فقال: لَوْ كانَ لأحَدَهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَب فأنْفَقَهُ ما أدْرَكَ مُدّ أحَدِكُمْ وَلا نَصيفَهُ، ألا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنَا وَبَينَ النَّاس، (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) ... الآية، إلى قوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ".

حدثني ابن البرْقيّ، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن أبي سعيد التمار، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " يُوشِكُ أنْ يأتي قوم تَحَقِرُون أعمالَكُمْ مع أعمالِهِمْ، فقلنا: من هم يا رسول الله، أقريش؟ قال: لا هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبا "، وأشار بيده إلى اليمن، فقال: هُم أهْلُ اليَمَنِ، ألا إنَّ الإيمان يَمَانٍ، والحكْمَة يَمانيَهٌ، فقلنا: يا رسول الله هم خير منا؟ قال: وَالَذَّي نَفسي بيَده لَوْ كان لأحَدِهمْ جَبَلُ ذَهَب يُنْفقهُ ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدكُمْ وَلا نَصيَفهُ، ثم جمع أصابعه، ومدّ خنصره وقال: ألا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنَا وَبَينَ النَّاس، (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل الله من قبل فتح الحُديبية، للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذي رويناه عن أبي سعيد الخُدريّ عنه، وقاتل المشركين، بمن أنفق بعد ذلك وقاتل، وترك ذكر من أنفق بعد ذلك وقاتل، استغناء بدلالة الكلام الذي ذُكر عليه من ذكره.(أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين، أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك وقاتلوا.

وقوله: (وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) يقول تعالى ذكره: وكلّ هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداءه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللُّهُ الْحُسْنَى ) قال: الجنة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) قال: الجنة.

وقوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون من النفقة في سبيل الله، وقتال أعدائه، وغير ذلك من أعمالكم التي تعملون خبير، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك يوم القيامة.

المعاني :

الْفَتْحِ :       فَتْحِ مَكَّةَ السراج
قبْل الفتح :       فتح مكة أو صلح الحديبية معاني القرآن
الْحُسْنَى :       الجَنَّةَ السراج
الحسنى :       المثوبة الحسنى (الجنّة) معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[10] ﴿وَما لَكُم أَلّا تُنفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ﴾ جددوا النية، لمن تنفق يا عبد الله وفى سبيل من؟
وقفة
[10] ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرًا وإقلالًا؛ فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض، وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما.
وقفة
[10] ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ما في أيديكم سيرثه الله، وعن قريب ستورثونه إلى غيركم، وهذا أعظم باعث على الصدقة والمبادرة إلى الطاعة وعدم الإخلاد إلى الأرض.
وقفة
[10] لم يأت فى كتاب الله ذكر قوله تعالى: ﴿أَعظَمُ دَرَجَةً﴾ إلا مرتين، وجائتا مع ذكر الجهاد فى سبيل الله: الأولى: فى قوله تعالى: ﴿الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الفائِزونَ﴾ [التوبة: ٢٠]، والثانية: فى قوله تعالى: ﴿وَما لَكُم أَلّا تُنفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ ميراثُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا يَستَوي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذينَ أَنفَقوا مِن بَعدُ وَقاتَلوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنى وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ خَبيرٌ﴾، فالجهاد فى سبيل الله ذروة سنام الإسلام ، ولهذا فهو أعظم درجة.
وقفة
[10] ﴿وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ثبت في السنة اسمه الوارث، الذي يبقى وغيره يفنى، والعلم به يورث الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بما تملك؛ لأنه زائل.
وقفة
[10] ﴿وما يستوي البحران﴾ [فاطر: 12]، ﴿لا يستوي منكم من أنفق﴾ (ما): لنفي الحال، وقد يمتد للاستقبال، وهذا في الدنيا فحسب، فنفي الاستواء للبحرين في الدنيا. (لا): أقوى أدوات النفي تنفي الأزمنة كلَّها، وهذا في الدنيا والآخرة، فلا يستوي من أنفق وقاتل في سبيل الله لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم؛ لأن حاجة الناس كانت أكثر؛ لضعف الإسلام، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق، والأجر على قدر النصب.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ تفاوت درجات المؤمنين بحسب السبق إلى الإيمان وأعمال البر.
وقفة
[10] ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل﴾ حسب الصحابة الكرام رضي الله عنهم شرفًا بهذه التزكية الربانية.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ كُل عمل يُسبق إليه أفضل مما يؤخر، من غير أن نلحق بالمتأخر تقصيرًا.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ يوقن أولوا الألباب أنهم لن يصطحبوا إلى قبورهم شيئًا من مالهم، فتراهم ينفقونه بسخاء نفس وطيب خاطر في أوجه الخير والصلاح.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ إذا كان الإنفاق فضيلة، فإن السبق في الإنفاق تمام الفضيلة، وخاصة في أوقات العوز والضيق.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ الشدائد والمحن هي المحك الحقيقي لمعادن الرجال, الكاشف عن صدق الإيمان وقوة اليقين؛ فمن كان فيها جسورًا صبورًا استحق الرفعة في الدنيا والكرامة في الآخرة.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ تقديره: من أنفق وقاتل قبلَ الفتح، ومن أنفق وقاتَلَ بَعده، لأن الاستواء إنما يكون بين اثنين فأكثر، وإنما حذفه لدلالة ما بعده عليه.
وقفة
[10] اتباع الحق زمن ضعفه أعظم من اتباعه زمن قوته؛ لأن للقوة هيبة تحجب الحقيقة عن العقول ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة﴾.
وقفة
[10] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ تفاوت الدعاة بحسب سابقتهم الدعويَّة من معايير المفاضلة التي نبَّه إليها الشرع، وحِفْظُ حقِّ السابقة فضيلة.
وقفة
[10] نَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَيْنَ مَنْ أَنْفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ أَكْثَرُ، لِضَعْفِ الْإِسْلَامِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَشَقُّ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ.
وقفة
[10] استنبط بعض العلماء من هذه الآية أن الصحابة كلهم في الجنة.
وقفة
[10] أيها المبادرون: هذا ربكم يثني على المبادرين.
وقفة
[10] بالشجاعة والكرم في سبيل الله فُضِّل السابقون!
وقفة
[10] أجرٌ عظيمٌ للعَطَاءِ وقتَ الحاجةِ.
وقفة
[10] السبق في البذل = السبق في الفضل + علو الدرجات + زيادة الأجر.
وقفة
[10] ولذا فُضِّل أبو بكر t، وقُدِّم على غيره من الصحابة؛ لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق ماله على رسول الله.
وقفة
[10] سر تفضيل الصحابة: قال الرازي: «جعل علماء التوحيد هذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول قبل الفتح، وبيَّنوا الوجه في ذلك، وهو عظم موقع نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام بالنفس، وإنفاق المال في تلك الحال، وفي عدد المسلمين قلة، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد، فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد بخلاف ما بعد الفتح، فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قويًّا، والكفر ضعيفًا».
وقفة
[10] استوت أعمالهم وتساوت جهودهم, ولكن اختلفت منازلهم باختلاف الوقت، فما أبعد البون بين سابق مسرع ومتأخر مبطئ!
عمل
[10] إنزال الناس منازلهم، ومراعاة مراتبهم في الفضل منهج قرآني، تأمل: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ فليحذر أولئك الذين يتجاوزون من لهم سابقة في علم أو دعوة بحجة أنهم بشر، وأنهم غير معصومين ... إلخ، تلك الدعاوى التي نهايتها أن لا يبقى للأمة أئمة يُقتدى بهم.
وقفة
[10] ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ﴾ يمكننا أن نثني على من نحب دون أن نهدم مجد الآخرين؛ هكذا يؤدبنا القرآن.
وقفة
[10] ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ﴾ إلا أن ثواب السبق يُدهش العقول ويُغري كل كسول؛ ولذا قالوا: السِّباق السِّبَاقَ قَوْلًا وفِعلًا ... حَذِرِ النفسَ حَسْرَةَ المسْبُوقِ
تفاعل
[10] ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ﴾ سَل الله الجنة الآن.
وقفة
[10] ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ﴾ هذا منهج القرآن عند الحديث عن تفاضل أهل الفضل، فلا يجاوز مع المفضول العدل.

الإعراب :

  • ﴿ وَما لَكُمْ:
  • معطوفة بالواو على ما لَكُمْ» الواردة في الآية الكريمة الثامنة وتعرب إعرابها. اي واي غرض لكم؟
  • ﴿ أَلاّ تُنْفِقُوا:
  • اصلها: أن: حرف مصدري ناصب. و «لا» مدغمة النون فيها فحصل التشديد وهي نافية لا عمل لها. تنفقوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «تنفقوا» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الإعراب و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب حال من معنى الفعل في «ما لكم» اي وما لكم مقترين غير باذلين اموالكم. او واي غرض لكم في ترك الانفاق فيكون المصدر المؤول في محل جر بحرف الجر «في» المقدر
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللهِ
  • رة وحذف مفعول «تنفقوا» اختصارا وايجازا لا نه معلوم من السياق بمعنى: في ان لا تبذلوا بعض اموالكم في سبيل الله اي في ترك الانفاق.
  • ﴿ وَلِلّهِ مِيراثُ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية في محل نصب حال. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. ميراث: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.والأرض: معطوفة بالواو على «السماوات» وتعرب مثلها
  • ﴿ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ:
  • نافية لا عمل لها. يستوي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. منكم: جار ومجرور متعلق بيستوي والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ مَنْ أَنْفَقَ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. انفق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «انفق» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب وحذف المفعول اختصارا لا نه معلوم. أي من بذل ماله منكم في سبيل الله.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ:
  • جار ومجرور متعلق بأنفق. الفتح: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى: قبل فتح مكة اي قبل عز الاسلام وقوة اهله ومن انفق من بعد الفتح فحذف لوضوح الدلالة اي بين التفاوت بين المنفقين منهم قبل الفتح وبعده.
  • ﴿ وَقاتَلَ:
  • معطوفة بالواو على «انفق» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ أُولئِكَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب.أي أولئك الذين انفقوا قبل الفتح وهم السابقون الاولون من المهاجرين.
  • ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً:
  • خبر «اولئك» مرفوع بالضمة. درجة: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة
  • ﴿ مِنَ الَّذِينَ:
  • حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بأعظم.
  • ﴿ أَنْفَقُوا:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة اي بذلوا اموالهم.
  • ﴿ مِنْ بَعْدُ:
  • حرف جر. بعد: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بأنفقوا اي بعد فتح مكة.
  • ﴿ وَقاتَلُوا:
  • معطوفة بالواو على «انفقوا» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ:
  • الواو استئنافية. كلا: مفعول به مقدم. اي وكل واحد من الفريقين. وعد: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم وعلامة الرفع الضمة.
  • ﴿ الْحُسْنى:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الالف للتعذر اي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه.
  • ﴿ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:
  • اعربت في الآية الكريمة الرابعة. بمعنى والله ذو خبرة بعملكم او خبير بأعمالكم.'

المتشابهات :

آل عمران: 180﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
الحديد: 10﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ﴾ رَوى مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الكَلْبِيِّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.ويَدُلُّ عَلى هَذا ما أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ بْنِ يَحْيى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْراهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ سُلَيْمانَ البَغْدادِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ المَخْزُومِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا العَلاءُ بْنُ عَمْرٍو، قالَ: حَدَّثَنا أبُو إسْحاقَ الفَزارِيُّ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: بَيْنا النَّبِيُّ ﷺ جالِسٌ وعِنْدَهُ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعَلَيْهِ عَباءَةٌ قَدْ خَلَّلَها عَلى صَدْرِهِ بِخِلالٍ، إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَأقْرَأهُ مِنَ اللَّهِ السَّلامَ وقالَ: يا مُحَمَّدُ، ما لِي أرى أبا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَباءَةٌ قَدْ خَلَّلَها عَلى صَدْرِهِ بِخِلالٍ ؟ فَقالَ: ”يا جِبْرِيلُ، أنْفَقَ مالَهُ قَبْلَ الفَتْحِ عَلَيَّ“ . قالَ: فَأقْرِئْهُ مِنَ اللَّهِ السَّلامَ، وقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أراضٍ أنْتَ عَنِّي في فَقْرِكَ هَذا أمْ ساخِطٌ ؟ فالتَفَتَ النَّبِيُّ ﷺ إلى أبِي بَكْرٍ فَقالَ: ”يا أبا بَكْرٍ، هَذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ مِنَ اللَّهِ السَّلامَ، ويَقُولُ لَكَ: أراضٍ أنْتَ عَنِّي في فَقْرِكَ هَذا أمْ ساخِطٌ ؟“ . فَبَكى أبُو بَكْرٍ وقالَ: عَلى رَبِّي أغْضَبُ ؟ أنا عَنْ رَبِّي راضٍ، أنا عَنْ رَبِّي راضٍ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ أوَّلًا بالإيمانِ وبالإنفاقِ، ثمَّ أكَّد في الآيةِ المتقَدِّمةِ إيجابَ الإيمانِ؛ أتْبَعَه في هذه الآيةِ بتأكيدِ إيجابِ الإنفاقِ، والمعنى: أنَّكم ستَموتونَ فتُورَثونَ؛ فهلَّا قَدَّمْتُموه في الإنفاقِ في طاعةِ اللهِ تعالى؟! قال تعالى:وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ولَمَّا بَيَّنَ تعالى أنَّ الإنفاقَ فَضيلةٌ؛ بَيَّنَ أنَّ المُسابَقةَ في الإنفاقِ تَمامُ الفَضيلةِ، قال تعالى:لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ولَمَّا كان التَّفضيلُ قد يُتوَهَّمُ منه نَقصٌ وقَدحٌ في المفضولِ؛ صَرَّحَ هنا باشتِراكِ الكُلِّ في الفَضلِ؛ ترغيبًا في الإنفاقِ على كُلِّ حالٍ، قال تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ولَمَّا كان زَكاءُ الأعمالِ إنَّما هو بالنِّيَّاتِ، وكان التَّفضيلُ مَناطَ العِلمِ؛ قال مُرَغِّبًا في إحسانِ النِّيَّاتِ، مُرَهِّبًا مِنَ التَّقصيرِ فيها:
﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

من قبل:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- قبل، بغير «من» ، وهى قراءة زيد بن على.
وكلا:
1- بالنصب، المفعول الأول للفعل «وعد» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، مبتدأ، والجملة بعده الخبر، وهى قراءة ابن عامر، وعبد الوارث.

مدارسة الآية : [11] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ ..

التفسير :

[11] من ذا الذي ينفق في سبيل الله محتسباً من قلبه بلا مَنٍّ ولا أذى، فيضاعفَ له ربُّه الأجر والثواب، وله جزاء كريم، وهو الجنة؟

حث على النفقة في سبيله، لأن الجهاد متوقف على النفقة فيه، وبذل الأموال في التجهز له، فقال:{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} وهي النفقة [الطيبة] التي تكون خالصة لوجه الله، موافقة لمرضاة الله، من مال حلال طيب، طيبة به نفسه، وهذا من كرم الله تعالى [حيث] سماه قرضا، والمال ماله، والعبد عبده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافا كثيرة، وهو الكريم الوهاب، وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة، يوم كل يتبين فقره، ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن، ولذلك قال:

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة، بتحريض أشد وأقوى على الإنفاق في وجوه الخير، فقال- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، فَيُضاعِفَهُ لَهُ، وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.

قال القرطبي: القرض: اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، وأقرض فلان فلانا، أى:

أعطاه ما يتجازاه واستقرضت من فلان أى: طلبت منه القرض فأقرضنى، واقترضت منه أى: أخذت منه القرض. وأصل الكلمة: القطع. ومنه المقراض، وأقرضته، أى: قطعت له من مالي قطعة يجازى عليها.

ثم قال: والتعبير بالقرض في هذه الآية، إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه، والله هو الغنى الحميد، لكنه- تعالى- شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء» .

والقرض الحسن: هو الإنفاق من المال الحلال، مع صدق النية، دون رياء أو سمعة. أو منّ أو أذى مع تحرى أوسط الأموال.

والاستفهام: للحض على البذل والعطاء، والتحريض على التحلي بمكارم الأخلاق.

ومَنْ اسم استفهام مبتدأ، وذَا اسم إشارة خبره، والَّذِي وصلته صفة لاسم الإشارة، أو بدل منه.

والمعنى: من هذا المؤمن القوى الإيمان، الذي يقدم ماله في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، وفي غير ذلك من وجوه الخير كمعاونة المحتاجين، وسد حاجة البائسين ... فَيُضاعِفَهُ لَهُ أى: فيعطيه- سبحانه- أجره على إنفاقه أضعافا مضاعفة.

وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ، أى: ولهذا المنفق- فضلا عن كل ذلك- أجر كريم عند خالقه، لا يعلم مقداره إلا هو- تعالى-.

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، قد اشتملت على ألوان من الحض على الإنفاق في وجوه الخير.

ومن ذلك التعبير بالاستفهام في ذاته، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة.

ومن ذلك- أيضا- التعبير بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي.. إذ لا يستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر، وكأن المخاطب لعظم شأنه، من شأنه أن يشار إليه، وأن يجمع له بين اسم الإشارة وبين الاسم الموصول.

ومن ذلك تسميته ما يبذله الباذل قرضا، ولمن هذا القرض؟ إنه لله الذي له خزائن السموات والأرض.

فكأنه- تعالى- يقول: أقرضونى مما أعطيتكم، وسأضاعف لكم هذا القرض أضعافا مضاعفة، يوم القيامة يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً.

ومن ذلك إخفاء مرات المضاعفة، وضم الأجر الكريم إليها.

ومن ذلك التعبير عن الإنفاق بالقرض، إذ القرض معناه: إخراج المال. وانتظار ما يقابله من بدل.

والخلاصة أن هذه الآية وما قبلها، فيها ما فيها من الدعوة إلى الإنفاق في وجوه الخير، وإلى الجهاد في سبيل الله.

ثم بين- سبحانه- ما أعده للمؤمنين الصادقين من ثواب، وساق جانبا مما يدور بينهم وبين المنافقين من محاورات.. فقال- تعالى-:

وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله ، وقيل : هو النفقة على العيال ، والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة ، وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ; ولهذا قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) كما قال في الآية الأخرى : ( أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] أي : جزاء جميل ورزق باهر - وهو الجنة - يوم القيامة .

قال بن أبي حاتم ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، وإن الله ليريد منا القرض ؟ " قال : " نعم ، يا أبا الدحداح " . قال : أرني يدك يا رسول الله ، قال : فناوله يده ، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي - وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها - قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك . فقال : اخرجي ، فقد أقرضته ربي ، عز وجل - وفي رواية : أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح . ونقلت منه متاعها وصبيانها ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح " . وفي لفظ : " رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة " .

يقول تعالى ذكره: من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا، محتسبا في نفقته، مبتغيًا ما عند الله، وذلك هو القرض الحسن، يقول: فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه، بإنفاقه في سبيله، فيجعل له بالواحدة سبع مئة. وكان بعض نحوّيي البصرة يقول في قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) فهو كقول العرب: لي عندك قرض صدق، وقرض سَوْء إذا فعل به خيرا؛ وأنشد ذلك بيتا للشنفرى:

سَـنجْزِي سَـلامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها

بِمَــا قَــدَّمَتْ أيْــدِيهم فــأزَلَّتِ (1)

(وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) يقول: وله ثواب وجزاء كريم، يعني بذلك الأجر: الجنة، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته.

------------------------

الهوامش:

(1) نسب المؤلف البيت إلى الشنفرى. وسلامان بن مفرج قبيلة من العرب. والقرض كما في (اللسان: قرض) بفتح القاف وكسرها: ما يتجازى به الناس بينهم، ويتقاضونه، وجمعه قروض، وهو ما أسلفه من إحسان، ومن إساءة. قال أمية بن أبي الصلت:

كـلُّ امْرِئٍ سوْفَ يُجْزَى قرْضَه حَسَنا

أوْ سَــيِّئا وَمَدِينــا مِثْـلَ مـا دَانـا

قد سبق استشهاد المؤلف ببيت أمية هذا في (2 : 592) من هذه الطبعة.

المعاني :

قَرْضًا حَسَنًا :       مُحْتَسِبًا فِي نَفَقَتِهِ بِلَا مَنٍّ، وَلَا أَذًى السراج
قرْضا حسنا :       محتسبا به ، طيبة به نفسه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[11] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ إذا كنت تخشى على أموالك الضياع؛ فأقرضها لربك يحفظها لك، فتجدها يوم أن تكون في أشد الحاجة لها.
وقفة
[11] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ مقتضى تسمية الصدقة (قرضًا) أن الله يعد (بالوفاء للمقرض) والله أكرم.
وقفة
[11] ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ وسمي ذلك الإنفاق قرضًا حسنًا؛ حثًّا للنفوس، وبعثًا لها على البذل؛ لأن الباذل متى علم أن المستقرض مليءٌ وفيٌّ محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه.
وقفة
[11] ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ وحيث جاء هذا القرض في القرآن قَيَّدَه بكونه حسنًا؛ وذلك يجمع أمورًا ثلاثة: أحدها: أن يكون من طيب ماله، لا من رديئه وخبيثه. الثاني: أن يخرجه طيبة به نفسه، ثابتة عند بذله ابتغاء مرضاة الله. الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذي. فالأول يتعلق بالمال، والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ.
وقفة
[11] ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ حُكي عن عبد الله بن المبارك أنه جاء إليه في بعض الأيام سائل ليسأله شيئًا من الطعام، فلم يجد عنده شيء سوى عشر بيضات فأمر جاريته بأن تعطيه إياها، فأعطته تسعًا وخبأت واحدة، فلما كان وقت غروب الشمس، جاء رجل فدق الباب، وقال: خذوا مني هذه السلة، فخرج عليه عبد الله وأخذها منه، فرأى فيها بيضًا، فعده فإذا هو تسعون بيضة، فقال لجاريته: أين البيضة الأخرى؟ كم أعطيتِ السائل؟ فقالت: أعطيته تسعًا، وتركت واحدة نفطر عليها، فقال لها: غرمتنا عشرًا.
وقفة
[11] قال القشيري: «والقرض الحسن: أن يكون المتصدق صادق النية، طيب النفس، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسمعة، وأن يكون من الحلال».
وقفة
[11] الإنفاق في سبيل الله سبب في بركة المال ونمائه.
وقفة
[11] وقلة الجود سوء ظنٍّ بالمعبود.
اسقاط
[11] متى علمت أن ما تنفق من مالٍ سيعود إليك يقينًا؛ طابت نفسك ببذله وسهُل عليك إخراجه، فكيف وقد أيقنت أنه سيرد عليك أضعافًا كثيرة؟
وقفة
[11] بمقدار ما تحسن في إنفاقك؛ تنال المضاعفة في الأجر والزيادة من الخير.
وقفة
[11] حين تنفق عن المحتاجين والمضطرين فإنك في الحقيقة لا تعاملهم، ولكن تعامل ربك وربهم، فأحسن في الإنفاق يحسن الله إليك.
وقفة
[11] وردت صفتين للأجر مرتين فى هذا الوجه: ﴿لَهُم أَجرٌ كَبيرٌ﴾ [٧]، و﴿وَلَهُ أَجرٌ كَريمٌ﴾، فاللهم لا تحرمنا كلاهما.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي:
  • اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع خبر «من».الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من «ذا» او صفة -نعت -له. وجملة يُقْرِضُ اللهَ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يُقْرِضُ اللهَ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الله: لفظ‍ الجلالة مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة بمعنى يسلف الله سلفا حسنا. والقرض الحسن: الانفاق في سبيل الله. شبه ذلك بالقرض على سبيل المجاز لأنه إذا اعطى ماله لوجه الله تعالى فكأنه أقرضه إياه.
  • ﴿ قَرْضاً حَسَناً:
  • مصدر-مفعول مطلق -منصوب وعلامة نصبه الفتحة ويجوز ان يكون مفعولا به على المعنى اي يسلفه مالا حسنا او هو مصدر في موضع المفعول. حسنا: صفة -نعت -لقرضا منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.
  • ﴿ فَيُضاعِفَهُ لَهُ:
  • الفاء سببية. يضاعفه: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب الاستفهام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. له: جار ومجرور متعلق بيضاعف بمعنى يعطيه اجره على انفاقه مضاعفا اضعافا من فضله.
  • ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ:
  • الواو استئنافية. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. أجر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. كريم: صفة -نعت -لأجر مرفوعة مثلها بالضمة.'

المتشابهات :

الحديد: 12﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ
التحريم: 8﴿يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بالإنفاقِ في سبيلِ الله، والتوبيخِ على تركِه، وبيانِ درجاتِ المنفقينَ؛ خَتَمَ اللهُ هذه الآيات بتحريض أشد وأقوى على الإنفاق في سَبيلِه؛ لأنَّ الجِهادَ مُتوَقِّفٌ على النَّفَقةِ فيه، وبَذْلِ الأموالِ في التَّجَهُّزِ له، فقال تعالى:
﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف