ترتيب المصحف | 66 | ترتيب النزول | 107 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 2.00 |
عدد الآيات | 12 | عدد الأجزاء | 0.00 |
عدد الأحزاب | 0.00 | عدد الأرباع | 1.00 |
ترتيب الطول | 66 | تبدأ في الجزء | 28 |
تنتهي في الجزء | 28 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 8/10 | يا أيها النبي: 3/3 |
= ثُمَّ أمرَ اللهُ المؤمنينَ هنا بالتَّوبةِ النَّصُوحِ، ثُمَّ أمَرَهم بجهادِ الكُفَّارِ والمنافقينَ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ الحديثِ عن نساءِ النَّبي ﷺ تُختَمُ السُّورةُ بالحديثِ عن: امرأتَينِ كافرتَينِ في بيوتِ أنبياءَ (امرأةُ نوحٍ وامرأةُ لوطٍ)، وامرأتَينِ مؤمنتَينِ في وسطِ كُفَّارٍ (آسيةُ امرأةُ فرعونَ، ومريمُ بنتُ عمرانٍ)، لبيانِ أنَّه لا يُغنِي أحَدٌ عن أحَدٍ في الآخِ
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار، التي لا تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتمملهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم مامعهم من النور واليقين، إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح.
والمراد بها:التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجههوالقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله.
ثم يرشد- سبحانه- المؤمنين، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً....
والتوبة: العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها في الماضي، والنصوح صيغة مبالغة من النصح، وصفت بها التوبة على سبيل الإسناد المجازى، والمقصود وصف التائبين بها، من نصح فلان التوب إذا خاطه، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية. أو من قولهم: عسل ناصح.
وقد ذكروا في معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجها.
قال القرطبي ما ملخصه: اختلفت عبارة العلماء، وأرباب القلوب، في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا، فقيل: هي التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
وقال قتادة: النصوح الصادقة الناصحة.. الخالصة.
قال القرطبي: التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيئ الإخوان.
وقال الفقهاء: التوبة التي لا تعلق لها بحق آدمي لها ثلاثة شروط: أحدها أن يقلع عن المعصية، وثانيها: أن يندم على ما فعله، وثالثها: أن يعزم على أن لا يعود إليها.
فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة كانت نصوحا.
وإن كانت تتعلق بحق آدمي، فشروطها أربعة، هذه الثلاثة المتقدمة، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه، أو طلب العفو منه، وإن كانت غيبة استحله منها.
وهي واجبة من كل معصية على الفور، ولا يجوز تأخيرها.. .
وقوله- سبحانه- عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
والرجاء المستفاد من فعل عَسى مستعمل هنا في الوعد الصادق منه- تعالى- على سبيل الكرم والفضل، فقد قالوا إن كل ترج في القرآن واقع منه- تعالى- فضلا منه وكرما.
أى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان، توبوا إلى الله- تعالى- «توبة صادقة» بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب، وتعزمون على عدم العودة إليها، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم.. فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله- تعالى- لكم ذنوبكم: وكفر عنكم سيئاتكم، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار.
قال صاحب الكشاف: قوله: عَسى رَبُّكُمْ: إطماع من الله لعباده. وفيه وجهان:
أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل. ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني: أن يجيء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء.. .
والظرف في قوله- سبحانه-: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ منصوب بقوله- تعالى- قبل ذلك: يُدْخِلَكُمْ، أو بفعل مضمر تقديره: اذكر.
وقوله: لا يُخْزِي من الخزي بمعنى الافتضاح: يقال أخزى الله فلانا إذا فضحه، والمراد به هنا: عذاب النار.
وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ معطوف على النبي، وجملة نُورُهُمْ يَسْعى مستأنفة.
أى: يدخلكم الله- بفضله وكرمه- جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يوم القيامة، يوم ينجى- سبحانه- النبي صلى الله عليه وسلم وينجى الذين آمنوا معه من عذاب النار، ومن خزي هذا اليوم العصيب.
وهم جميعا وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم نورهم وهم على الصراط، يسعى ويمتد وينتشر بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.
أى أمامهم وَبِأَيْمانِهِمْ أى: وعن أيمانهم.
ويقولون- على سبيل الحمد والشكر لله- تعالى- يا ربنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا بأن تزيده ولا تنقصه حتى ندخل جنتك.
وَاغْفِرْ لَنا يا ربنا ذنوبنا إِنَّكَ يا ربنا، عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وفي عطف الذين آمنوا على النبي صلى الله عليه وسلم إشعار بأن سبب انتفاء خزيهم، هو إيمانهم الصادق، وعملهم الصالح، وصحبتهم الكريمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
والضمير في قوله نُورُهُمْ يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه.
وخص- سبحانه- الأمام واليمين بالذكر، لفضل هذين المكانين، إذ النور عند ما يكون من الأمام يستمتع الإنسان بمشاهدته، وعند ما يكون من جهة اليمين يزداد تفاؤلا وانشراحا به.
والتخصيص بذلك لا ينفى أن يكون النور محيطا بهم من كل جوانبهم، وهو نور حقيقى يكرم الله- تعالى- به عباده الصالحين.
وختموا دعاءهم بقولهم- كما حكى القرآن عنهم-: إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ للإشارة إلى أنهم كانوا على جانب كبير من رجاء تحقيق دعائهم، لأنهم يسألون ويدعون الله- تعالى- الذي لا يقف أمام قدرته شيء.
ثم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) أي : توبة صادقة جازمة ، تمحو ما قبلها من السيئات ، وتلم شعث التائب ، وتجمعه ، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات .
قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب : سمعت النعمان بن بشير يخطب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) قال : يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه .
وقال الثوري ، عن سماك ، عن النعمان ، عن عمر قال : التوبة النصوح : أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه ، أو لا يعود فيه .
وقال أبو الأحوص ، وغيره ، عن سماك ، عن النعمان ، سئل عمر عن التوبة النصوح ، فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ، ثم لا يعود إليه أبدا .
وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( توبة نصوحا ) قال : يتوب ثم لا يعود .
وقد روي هذا مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " التوبة من الذنب أن يتوب منه ، ثم لا يعود فيه " . تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف ، والموقوف أصح والله أعلم .
ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ، ويندم على ما سلف منه في الماضي ، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل . ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، أخبرني زياد بن أبي مريم ، عن عبد الله بن معقل قال : دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود فقال : أنت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الندم توبة ؟ " . قال : نعم . وقال مرة : نعم سمعته يقول : " الندم توبة " .
ورواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الكريم - وهو ابن مالك الجزري - به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني الوليد بن بكير أبو خباب ، عن عبد الله بن محمد العدوي ، عن أبي سنان البصري ، عن أبي قلابة ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، منها نكاح الرجل امرأته ، أو أمته في دبرها ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها : نكاح الرجل الرجل ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . ومنها نكاح المرأة المرأة ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا ، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا . قال زر : فقلت لأبي بن كعب : فما التوبة النصوح ؟ فقال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " هو الندم على الذنب حين يفرط منك ، فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ، ثم لا تعود إليه أبدا " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عباد بن عمرو ، حدثنا أبو عمرو بن العلاء سمعت الحسن يقول : التوبة النصوح : أن تبغض الذنب كما أحببته ، وتستغفر منه إذا ذكرته .
فأما إذا حزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات ، كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها " .
وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات ، كما تقدم في الحديث وفي الأثر : " لا يعود فيه أبدا " ، أو يكفي العزم على ألا يعود في تكفير الماضي ، بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارا في تكفير ما تقدم ، لعموم قوله ، عليه السلام : " التوبة تجب ما قبلها ؟ " . وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضا : " من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة ، فالتوبة بطريق الأولى ، والله أعلم . وقوله : ( عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) و ) عسى ) من الله موجبة ، ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) أي : ولا يخزيهم معه يعني : يوم القيامة ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) كما تقدم في سورة الحديد .
( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) قال مجاهد ، والضحاك ، والحسن البصري ، وغيرهم : هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ .
وقال محمد بن نصر المروزي : حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر ، وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال رجل : يا رسول الله ، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال : " غر محجلون من آثار الطهور ، ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن يحيى بن حسان ، عن رجل من بني كنانة ، قال : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فسمعته يقول : " اللهم ، لا تخزني يوم القيامة " .
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( نَصُوحًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد بن السَّريّ، قال: ثنا أَبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال: التوبة النصوح: أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سألت عمر عن قوله: ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدًا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.
حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال: أخبرني عن عمر بهذا الإسناد، فقال: التوبة النصوح: الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود.
حدثني أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يتوب ثم لا يعود.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله قال: التوبة النصوح: الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال: توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يستغفرون ثم لا يعودون.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: النصوح. أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: هي الصادقة الناصحة.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله.( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عاصم ( نَصُوحًا ) بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذُكر عن عاصم أنه قرأه ( نُصْوحًا ) بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نُصُوحًا.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.
وقوله: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم ( وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ) محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) يقول: يسعى نورهم أمامهم ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يقول: وبأيمانهم كتابهم.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ... إلى قوله: ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يأخذون كتابهم فيه البشرى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لِنَا ) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) قال: قول المؤمنين حين يُطفأ نور المنافقين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال: ليس أحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله: ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يذكرنا ويبكي، ويصدّق قوله فعله، يقول: يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند الله عزّ وجلّ بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلاتكم، فإذا كان يومُ القيامة قيل: يا فلانُ ابْنَ فلان هاكَ نورَك، ويا فلانُ ابْنَ فلان، لا نور لك.
وقوله: ( وَاغْفِرْ لَنَا ) يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها( إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 271 | ﴿وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَ يُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ |
---|
الأنفال: 29 | ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ |
---|
التحريم: 8 | ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
توبة:
وقرئ:
توبا، بغير تاء، وهى قراءة زيد بن على.
وبأيمانهم:
1- بفتح الهمزة، جمع «يمين» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسر الهمزة، وهى قراءة سهل بن شعيب، وأبى حيوة.
نصوحا:
1- بفتح النون، وصفا للنوبة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، مصدر وصف به، وهى قراءة الحسن، والأعرج، وعيسى، وأبى بكر، عن عاصم، وخارجة، عن نافع.
التفسير :
يأمر [الله] تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، بجهاد الكفار والمنافقين، والإغلاظ عليهم في ذلك، وهذا شامل لجهادهم، بإقامة الحجة [عليهم ودعوتهم] بالموعظة الحسنة، وإبطال ما هم عليه من أنواع الضلال، وجهادهم بالسلاح والقتال لمن أبى أن يجيب دعوة الله وينقاد لحكمه، فإن هذا يجاهد ويغلظ له، وأما المرتبة الأولى، فتكون بالتي هي أحسن، فالكفار والمنافقون لهم عذاب في الدنيا، بتسليط الله لرسوله وحزبه [عليهم و] على جهادهم وقتالهم، وعذاب النار في الآخرة وبئس المصير، الذي يصير إليها كل شقي خاسر.
ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين جهادا كبيرا فقال:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.
وخص النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالجهاد، مع أن الأمر به يشمل المؤمنين معه، لأنه صلى الله عليه وسلم هو قائدهم ورائدهم.
وجهاده صلى الله عليه وسلم للكفار يكون بدعوتهم إلى الحق حتى يسلموا، فإذا لم يستجيبوا جاهدهم بالسيف والسلاح حتى يزهق باطلهم.
وجهاده للمنافقين يكون بتأديبهم وزجرهم وإلقاء الرعب في قلوبهم، حتى يأمن المؤمنون شرهم، وحتى يشعروا بأن النبي والمؤمنين لهم بالمرصاد.
والغلظة في الأصل: تطلق على الشيء الصلب الغليظ، والمراد بها هنا: معاملتهم بالشدة والخشونة والقسوة.. حتى يأمن المؤمنون جانبهم، ويتقوا شرهم.
أى: يا أيها النبي الكريم جاهد أنت ومن معك من المؤمنين، الكفار والمنافقين. وعاملهم جميعا بالخشونة والغلظة.. حتى يهابوك أنت ومن معك، وحتى تكونوا في مأمن منهم ومن أذاهم إذ الحق لا بد له من قوة تحميه وتدفع عنه كيد أعدائه.
وقوله- تعالى-: وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ بيان لسوء مصيرهم في الآخرة.
أى: أن هؤلاء الكافرين والمنافقين، حالهم في الدنيا المجاهدة والمعاملة التي لا تسامح معها ولا تساهل، حتى تكون كلمتهم السفلى، وكلمة الله- تعالى- هي العليا.
أما حالهم في الآخرة، فالإلقاء بهم في جهنم، وبئس المأوى والمسكن جهنم، فالمخصوص بالذم محذوف، وهو جهنم، أو المأوى.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أرشدت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.
وبعد هذه النداءات، للمؤمنين، وللكافرين وللنبي صلى الله عليه وسلم ضرب- سبحانه- مثلين لنساء كافرات في بيوت أنبياء، ولنساء مؤمنات في بيوت كفار، لتزداد الموعظة وضوحا، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، وليشعر الجميع- ولا سيما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مسئولون أمام الله- تعالى- عن أعمالهم.. فقال- تعالى-:
يقول تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بجهاد الكفار والمنافقين ، هؤلاء بالسلاح والقتال ، وهؤلاء بإقامة الحدود عليهم ، ( واغلظ عليهم ) أي : في الدنيا ، ( ومأواهم جهنم وبئس المصير ) أي : في الآخرة .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ) بالسيف (وَالْمُنَافِقِينَ ) بالوعيد واللسان.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين بالحدود (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) يقول: وأشدد عليهم في ذات الله (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) قال: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 73 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ |
---|
التحريم: 9 | ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئًا، وأن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه.
فكأن في ذلك إشارة وتحذيرًا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، عن المعصية، وأن اتصالهن به صلى الله عليه وسلم، لا ينفعهن شيئًا مع الإساءة، فقال:
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا} أي:المرأتان{ تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} وهما نوح، ولوط عليهما السلام.
{ فَخَانَتَاهُمَا} في الدين، بأن كانتا على غير دين زوجيهما، وهذا هو المراد بالخيانة لا خيانة النسب والفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيًا،{ فَلَمْ يُغْنِيَا} أي:نوح ولوط{ عَنْهُمَا} أي:عن امرأتيهما{ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ} لهما{ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} .
والمراد بضرب المثل. إيراد حالة غريبة، ليعرف بها حالة أخرى مشابهة لها في الغرابة.
وقوله مَثَلًا مفعول ثان لضرب، والمفعول الأول امْرَأَتَ نُوحٍ....
والمتدبر للقرآن الكريم، يراه قد أكثر من ضرب الأمثال، لأن فيها تقريبا للبعيد، وتوضيحا للغريب وتشبيه الأمر المعقول بالأمر المحسوس، حتى يرسخ في الأذهان ...
أى: جعل الله- تعالى- مثلا لحال الكافرين، وأنه لا يغنى أحد عن أحد امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ عليهما السلام.
وعدى الفعل ضَرَبَ باللام، للإشعار بأن هذا المثل إنما سيق من أجل أن يعتبر به الذين كفروا، وأن يقلعوا عن جهالاتهم التي جعلتهم يعتقدون أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة.
وقوله- تعالى-: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ... بيان لحال هاتين المرأتين، ولما قامتا به من أفعال شائنة، تتنافى مع صلتهما بهذين النبيين الكريمين ...
والمراد بالتحتية هنا: كونهما زوجين لهذين النبيين الكريمين، وتحت عصمتهما وصيانتهما، وأشد الناس التصاقا بهما.
وقال- سبحانه- كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ ... للتعظيم، أى: كانتا في عصمة نبيين لهما من سمو المنزلة ما لهما عند الله- تعالى-.
ووصفهما- سبحانه- بالصلاح، مع أنهما نبيان والنبوة أعظم هبة من الله لعبد من عباده- للتنويه بشأن الصالحين من الناس، حتى يحرصوا على هذه الصفة، ويتمسكوا بها، فقد مدح الله- تعالى- من هذه صفته في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.
وخيانة امرأة نوح له، كانت عن طريق إفشاء أسراره، وقولها لقومه: إنه مجنون.
وخيانة امرأة لوط له، كانت عن طريق إرشاد قومه إلى ضيوفه.. مع استمرار هاتين المرأتين على كفرهما ...
قال الإمام ابن كثير: قوله: فَخانَتاهُما أى: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة..
وليس المراد بقوله: فَخانَتاهُما في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة ...
وعن ابن عباس: قال: ما زنتا، أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تدل على قومها على أضيافه.
وفي رواية عنه قال: كانت خيانتهما أن امرأة نوح، كانت تفشى سره، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط، فكانت إذا أضاف لوط أحدا، أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء.. .
وقوله- تعالى-: فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ بيان لما أصابهما من سوء العاقبة بسبب خيانتهما.
أى: أن نوحا ولوطا- عليهما السلام- مع جلالة قدرهما، لم يستطيعا أن يدفعا شيئا من العذاب عن زوجتيهما الخائنتين لهما، وإنما قيل لهاتين المرأتين عند موتهما. أو يوم القيامة، ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الفجرة..
وقوله شَيْئاً منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله: يُغْنِيا، وجاء منكرا للتقليل والتحقير، أى: فلم يغنيا عنهما شيئا من الإغناء حتى ولو كان قليلا ...
وقوله: مَعَ الدَّاخِلِينَ بعد قوله: ادْخُلَا النَّارَ لزيادة تبكيتهما، ولتأكيد مساواتهما في العذاب مع غيرهما من الكافرين الخائنين الذين لا صلة لهما بالأنبياء من حيث القرابة أو ما يشبهها.
ثم قال : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا ) أي : في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم ، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئا ولا ينفعهم عند الله ، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم ، ثم ذكر المثل فقال : ( امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلا ونهارا يؤاكلانهما ، ويضاجعانهما ، ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط ( فخانتاهما ) أي : في الإيمان ، لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدقاهما في الرسالة ، فلم يجد ذلك كله شيئا ، ولا دفع عنهما محذورا ; ولهذا قال : ( فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) أي : لكفرهما ، ( وقيل ) أي : للمرأتين : ( ادخلا النار مع الداخلين ) وليس المراد : ( فخانتاهما ) في فاحشة ، بل في الدين ، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة ; لحرمة الأنبياء ، كما قدمنا في سورة النور .
قال سفيان الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة : سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية ( فخانتاهما ) قال : ما زنتا ، أما امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قال : كانت خيانتهما أنهما كانتا على عورتيهما ، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء .
وهكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وغيرهم .
[ وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، إنما كانت خيانتهما في الدين ] .
وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعض العلماء على ضعف الحديث الذي يأثره كثير من الناس : من أكل مع مغفور له غفر له . وهذا الحديث لا أصل له ، وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال : يا رسول الله ، أنت قلت : من أكل مع مغفور له غفر له ؟ قال : " لا ، ولكني الآن أقوله " .
يقول تعالى ذكره: مَثَّل الله مثلا للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.
ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة امرأة لوط، أن لوطًا كان يُسِرّ الضيف، وتَدُلّ عليه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قيس، عن ابن عباس، قوله: (فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تَدُل على الضيف.
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسماعيل بن عمر، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، قال: سمعت ابن عباس قال في هذه الآية: أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون؛ وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تَدُلّ على لوط.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أَبي عامر الهمداني، عن الضحاك (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) قال: ما بغت امرأة نبيّ قط (فَخَانَتَاهُمَا ) قال: في الدين خانتاهما.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سرّ نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها؛ وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطًا أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن أبي سعيد، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية (فَخَانَتَاهُمَا ) قال: في الدين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) قال: وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: عبيد بن سليمان، عن الضحاك (فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانتا مخالفتين دين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كافرتين بالله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أَبو صخر، عن أَبي معاوية البجلي، قال: سألت سعيد بن جبير: ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح؟ فقال: أما امرأة لوط، فإنها كانت تدلّ على الأضياف؛ وأما امرأة نوح فلا علم لي بها.
وقوله: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئًا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ ) ... الآية، هاتان زوجتا نَبِيَّي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئًا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ) .... الآية، قال: يقول الله: لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئًا، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون.
وقوله: (وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها{ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فوصفها الله بالإيمان والتضرع لربها، وسؤالها لربها أجل المطالب، وهو دخول الجنة، ومجاورة الرب الكريم، وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة، ومن فتنة كل ظالم، فاستجاب الله لها، فعاشت في إيمان كامل، وثبات تام، ونجاة من الفتن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:{ كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء، إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام} .
ثم ضرب- سبحانه- مثلا للمؤمنين فقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وهي آسية ابنة مزاحم، التي لم يمنعها ظلام الكفر الذي كانت تعيش فيه في بيت فرعون، ولم يشغلها ما كانت فيه من متاع الحياة الدنيا وزينتها.. عن أن تطلب الحق، وتعرض عن الباطل، وأن تكفر بكل ما يدعيه زوجها من كذب وطغيان.
قال الجمل: آمنت بموسى- عليه السلام- لما غلب السحرة، وتبين لها أنه على الحق.
ولم تضرها الوصلة بالكافر، وهي الزوجية التي هي من أعظم الوصل ولا نفعه إيمانها، لأن كل امرئ بما كسب رهين..
وروى الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أنه قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون.
قيل: إنها إسرائيلية وأنها عمة موسى. وقيل إنها ابنة عم فرعون.. ومن فضائلها أنها اختارت القتل على الملك، وعذاب الدنيا على النعيم الذي كانت فيه- بعد أن خالط الإيمان قلبها .
أى: وجعل الله- تعالى- حال امرأة فرعون، مثلا للمؤمنين، حيث آمنت بالحق بعد أن تبين لها، دون أن يصرفها عن ذلك أى صارف، فكان ما فعلته في أسمى درجات الإخلاص وصدق اليقين..
والظرف في قوله: إِذْ قالَتْ ... متعلق بمحذوف، أو بقوله: مَثَلًا.
أى: وضرب الله- تعالى- مثلا للذين آمنوا، حال امرأة فرعون وقت أن قالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ أى: ابن لي بيتا في مستقر رحمتك، أو في جنتك التي لا يستطيع أحد التصرف فيها إلا بإذنك.
وقوله: فِي الْجَنَّةِ بدل أو عطف بيان لقوله- تعالى- عِنْدَكَ وقدم عندك، للإشعار بأن محبتها للقرب من رحمته- تعالى- أهم من أى شيء آخر.
وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ أى: ونجنى من طغيان فرعون، ومن عمله الذي بلغ النهاية في السوء والقبح..
وَنَجِّنِي- أيضا- من القوم الظالمين، وهم أتباع فرعون وحاشيته وملؤه، وشيعته..
وفي هذا الدعاء أسمى ألوان الأدب، فهي تسأل الله- تعالى- أن يعوضها عن دار فرعون، دارا في أعلى درجات الجنة وهذا الدعاء يشعر بأن فرعون وقومه، قد صدوها عن الإيمان، وهددوها بأنها إن آمنت..
حرموها من قصر فرعون، وزينته وفخامته.
كما أنها سألت ربها- عز وجل- أن ينجيها من ذات فرعون، ومن عمله السيئ، ومن كل من حام حول فرعون، واتبعه في طغيانه وكفره.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) [ آل عمران : 28 ] .
قال : قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده ، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حكم عدل ، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه .
وقال ابن جرير : حدثنا إسماعيل بن حفص الأبلي ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة .
ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي ، عن أسباط بن محمد ، عن سليمان التيمي ، به .
ثم قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، حدثنا القاسم بن أبي بزة ، قال : كانت امرأة فرعون تسأل : من غلب ؟ فيقال : غلب موسى ، وهارون . فتقول : آمنت برب موسى ، وهارون ، فأرسل إليها فرعون ، فقال : انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مضت على قولها فألقوها عليها ، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها ، وانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح .
فقولها : ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) قال العلماء : اختارت الجار قبل الدار . وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع ، ( ونجني من فرعون وعمله ) أي : خلصني منه ، فإني أبرأ إليك من عمله ، ( ونجني من القوم الظالمين ) وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم ، رضي الله عنها .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون ، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون ، فوقع المشط من يدها ، فقالت تعس من كفر بالله ؟ فقالت لها ابنة فرعون : ولك رب غير أبي ؟ قالت : ربي ، ورب أبيك ، ورب كل شيء الله . فلطمتها بنت فرعون وضربتها ، وأخبرت أباها ، فأرسل إليها فرعون ، فقال : تعبدين ربا غيري ؟ قالت : نعم ، ربي ، وربك ، ورب كل شيء الله . وإياه أعبد فعذبها فرعون ، وأوتد لها أوتادا ، فشد رجليها ، ويديها ، وأرسل عليها الحيات ، وكانت كذلك ، فأتى عليها يوما ، فقال لها : ما أنت منتهية ؟ فقالت له : ربي ، وربك ، ورب كل شيء الله . فقال لها : إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي . فقالت له : اقض ما أنت قاض . فذبح ابنها في فيها ، وإن روح ابنها بشرها ، فقال لها : أبشري يا أمه ، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . فصبرت ثم أتى عليها فرعون يوما آخر فقال لها مثل ذلك ، فقالت له مثل ذلك ، فذبح ابنها الآخر في فيها ، فبشرها روحه أيضا ، وقال لها . اصبري يا أمه ، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . قال : وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ، ثم الأصغر ، فآمنت امرأة فرعون ، وقبض الله روح امرأة خازن فرعون ، وكشف الغطاء عن ثوبها ، ومنزلتها ، وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت ، فازدادت إيمانا ويقينا ، وتصديقا ، فاطلع فرعون على إيمانها ، فقال للملإ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها ، فقال لهم : إنها تعبد غيري . فقالوا له : اقتلها . فأوتد لها أوتادا فشد يديها ورجليها ، فدعت آسية ربها فقالت : ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) فوافق ذلك أن حضرها فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها ، إنا نعذبها وهي تضحك ، فقبض الله روحها ، رضي الله عنها .
يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدّقت رسوله موسى، وهي تحت عدوّ من أعداء الله كافر، فلم يضرّها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة بالله، وكان من قضاء الله في خلقه أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكلّ نفس ما كسبت، إذ قالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) ، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتًا في الجنة.
كما حدثني إسماعيل بن حفص الأبلي (1) قال: ثنا محمد بن جعفر، عن سليمان التيميّ، عن أَبي عثمان، عن سلمان، قال: كانت امرأة فرعون تعذّب بالشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: قال سليمان: كانت امرأة فرعون، فذكر نحوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا القاسم بن أبي بَزَّة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون؛ فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ) وكان أعتى أهل الأرض على الله، وأبعده من الله، فوالله ما ضرّ امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكم عدل، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه.
وقوله: (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ) وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله.
وقوله: (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك،ومن عذابهم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
ابراهيم: 24 | ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ﴾ |
---|
النحل: 75 | ﴿ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ﴾ |
---|
النحل: 76 | ﴿وَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡكَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ﴾ |
---|
النحل: 112 | ﴿وَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا﴾ |
---|
الزمر: 29 | ﴿ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ﴾ |
---|
التحريم: 10 | ﴿ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ﴾ |
---|
التحريم: 11 | ﴿ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡن﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي:صانته وحفظته عن الفاحشة، لكمال ديانتها، وعفتها، ونزاهتها.
{ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} بأن نفخ جبريل [عليه السلام] في جيب درعها فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى ابن مريم [عليه السلام]، الرسول الكريم والسيد العظيم.
{ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة، فإن التصديق بكلمات الله، يشمل كلماته الدينية والقدرية، والتصديق بكتبه، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، [ولهذا قال]{ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أي:المطيعين لله، المداومين على طاعتهبخشية وخشوع، وهذا وصف لها بكمال العمل، فإنها رضي الله عنها صديقة، والصديقية:هي كمال العلم والعمل.
تمت ولله الحمد
وقوله- سبحانه-: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ.. معطوف على امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ....
أى: وضرب الله- تعالى- مثلا آخر للمؤمنين مريم ابنة عمران ...
الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أى حفظته وصانته، إذ الإحصان جعل الشيء حصينا، بحيث لا يتوصل إليه، وهو كناية عن عفتها وطهارتها وبعدها عن كل فاحشة..
وقوله فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا مفرع على ما قبله.
قال الآلوسى: قوله: فَنَفَخْنا فِيهِ النافخ رسوله جبريل- عليه السلام- فالإسناد مجازى. وقيل الكلام على حذف مضاف، أى: فنفخ رسولنا، وضمير فِيهِ للفرج.
واشتهر أن جبريل- عليه السلام- نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج.
وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها، وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة، كل فرجة بين شيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها، لأنها إذا منعت جيب درعها، فهي للنفس أمنع.. .
أى: فنفخ رسولنا جبريل في فرجها أو في جيب درعها، روحا من أرواحنا هي روح عبدنا ونبينا عيسى- عليه السلام-.
وإضافة الروح إلى ذاته- تعالى- لأنه هو الخالق والموجد وللإشارة إلى أن تكوين المخلوق الحي في رحمها، كان على غير الأسباب المعتادة.
وقوله- تعالى-: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ زيادة في مدحها، وفي الثناء عليها..
أى: وكان من صفات مريم ابنة عمران أنها آمنت إيمانا حقا بِكَلِماتِ رَبِّها أى:
بشرائعه التي شرعها لعباده، وبما ألقاه إليها من إرشادات عن طريق وحيه.
وَكُتُبِهِ أى: وصدقت بكتبه التي أنزلها على أنبيائه. وقرأ الجمهور وكتابه بالإفراد، على أن المراد به جنس الكتب، أو الإنجيل الذي أنزله- سبحانه- على ابنها عيسى.
ومِنْ في قوله- تعالى-: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ للابتداء، أى: وكانت من نسل الرجال القانتين، الذين بذلوا أقصى جهدهم في طاعة الله- تعالى-، وفي إخلاص العبادة له.
ويصح أن تكون مِنْ للتبعيض. أى: وكانت من عداد المواظبين على الطاعة، وجيء بجمع الذكور على سبيل التغليب، وللإشعار بأن طاعتها لا تقل عن طاعة الرجال، الذين بلغوا الغاية في المواظبة على طاعة الله- تعالى-.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد اشتملت على ثلاثة أمثال: مثل للكافرين، ومثلين للمؤمنين.
وقد تضمن مثل الكفار، أن الكافر يعاقب على كفره، دون أن ينفعه ما بينه وبين المؤمنين من قرابة أو نسب.. كما حدث لامرأة نوح وامرأة لوط..
وأما المثلان اللذان للمؤمنين، فقد تضمنا أن اتصال المؤمن بالكافر، لا يضره شيئا إذا فارقه في كفره وعمله ...
وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال: ما ملخصه مثّل الله- تعالى- حال الكفار، في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين.. دون أن ينفعهم ما بينهم وبينهم من صلة أو قرابة- بحال امرأة نوح وامرأة لوط: فإنهما لما نافقتا وخانتا الرسولين. لم يغن عنهما ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج شيئا..
ومثل حال المؤمنين- في أن وصلة الكافرين لا تضرهم. ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله- بحال امرأة فرعون، فإنها مع كونها زوجة أعدى أعداء الله، فإنها بسبب إيمانها قد رفع منزلتها عنده..
وبحال مريم ابنة عمران، فقد أعطاها الله ما أعطاها من الكرامة.. مع أن قومها كانوا كافرين ...
وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمى المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ...
وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه، كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين..
وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب، بالغة من اللطف والخفاء، حدا يدق عن تفطن العالم، ويزل عن تبصره .
وبعد: فهذا تفسير لسورة «التحريم» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وقوله : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ) أي حفظته وصانته . والإحصان : هو العفاف والحرية ، ( فنفخنا فيه من روحنا ) أي : بواسطة الملك ، وهو جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي ، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها ، فنزلت النفخة فولجت في فرجها ، فكان منه الحمل بعيسى ، عليه السلام . ولهذا قال : ( فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه ) أي : بقدره وشرعه ( وكانت من القانتين )
قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن علباء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة خطوط ، وقال : " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .
وثبت في الصحيحين من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مرة الهمداني ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ، وألفاظها ، والكلام عليها في قصة عيسى ابن مريم عليهما السلام ، في كتابنا " البداية والنهاية " ولله الحمد والمنة وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه ، عليه السلام ، في الجنة عند قوله : ( ثيبات وأبكارا )
آخر تفسير سورة التحريم ولله الحمد والمنة.
يقول تعالى ذكره: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) يقول: التي منعت جيب درعها جبريل عليه السلام، وكلّ ما كان في الدرع من خرق أو فتق، فإنه يسمى فَرْجًا، وكذلك كلّ صدع وشقّ في حائط، أو فرج سقف فهو فرج.
وقوله: ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) يقول: فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) فنفخنا في جيبها من روحنا( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) يقول: آمنت بعيسى، وهو كلمة الله ( وَكُتُبِهِ ) يعني التوراة والإنجيل ( وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) يقول: وكانت من القوم المطيعين.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( مِنَ الْقَانِتِينَ ) من المطيعين.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنبياء: 91 | ﴿وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ |
---|
التحريم: 12 | ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ابنة:
1- بفتح التاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ابنه، بسكون الهاء وصلا، إجراء له مجرى الوقف، وهى قراءة أيوب السختياني.
فنفخنا فيه:
1- فيه، أي: فى الفرج، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فنفخنا فيها، وهى قراءة عبد الله.
وصدقت:
1- بشد الدال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بخفها، وهى قراءة يعقوب، وأبى مجلز، وقتادة، وعصمة، عن عاصم.
بكلمات:
وقرئ:
بكلمة، على التوحيد، وهى قراءة الحسن، ومجاهد، والجحدري.
وكتبه:
1- جمعا، وهى قراءة أبى عمرو، وحفص، ورواها خارجة عن نافع.
وقرئ:
2- وكتابه، على الإفراد، وهى قراءة باقى السبعة.