ترتيب المصحف | 16 | ترتيب النزول | 70 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 14.50 |
عدد الآيات | 128 | عدد الأجزاء | 0.75 |
عدد الأحزاب | 1.50 | عدد الأرباع | 6.00 |
ترتيب الطول | 9 | تبدأ في الجزء | 14 |
تنتهي في الجزء | 14 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 3/21 | _ |
بعدَ أنْ هدَّدَ اللهُ الكفَّارَ بالوعيدِ الشَّديدِ في الآخِرةِ، هدَّدَهم هنا بآفاتِ الدُّنيا، وهي الوقوعُ في الجُوعِ والخوفِ، مبيِّنًا عاقبةَ كفرانِ النّعمِ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ أنْ هدَّدَ الكفَّارَ على كُفْرانِ النِّعَمِ، أمرَ المؤمنينَ بأكلِ ما أحَلَّ اللهُ وتركِ ما حَرَّمَ، ثُمَّ بَيَّنَ أن التَّحليلَ والتَّحريمَ إنما هو للهِ وحدَهُ، وأتبعَه ببيانِ ما خصَّ اليهودَ به من المُحرَّماتِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
في يوم القيامة حين{ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} كلٌّ يقول نفسي نفسي لا يهمه سوى نفسه، ففي ذلك اليوم يفتقر العبد إلى حصول مثقال ذرة من الخير.
{ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} من خير وشر{ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} فلا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم{ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
وقوله- سبحانه-: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها ... منصوب على الظرفية بقوله رَحِيمٌ أو منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره اذكر. والمراد باليوم: يوم القيامة.
والمجادلة هنا بمعنى: المحاجة والمدافعة، والسعى في الخلاص من أهوال ذلك اليوم الشديد.
والمعنى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد تلك المذكورات من الهجرة والفتنة والجهاد والصبر، لغفور رحيم، يوم تأتى كل نفس مشغولة بأمرها، مهتمة بالدفاع عن ذاتها، بدون التفات إلى غيرها، ساعية في الخلاص من عذاب ذلك اليوم.
والمتأمل في هذه الجملة الكريمة، يراها تشير بأسلوب مؤثر بليغ إلى ما يعترى الناس يوم القيامة من خوف وفزع يجعلهم لا يفكرون إلا في ذواتهم ولا يهمهم شأن آبائهم أو أبنائهم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى النفس المضافة إلى النفس؟.
قلت: يقال لعين الشيء وذاته نفسه، وفي نقيضه غيره، والنفس الجملة كما هي، فالنفس الأولى هي الجملة، والثانية عينها وذاتها، فكأنه قيل: يوم يأتى كل إنسان يجادل عن ذاته، لا يهمه شأن غيره، كل يقول: نفسي نفسي. ومعنى المجادلة عنها: الاعتذار عنها، كقولهم:
ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وكقولهم: هؤُلاءِ أَضَلُّونا.. .
وقوله- سبحانه-: وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بيان لمظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- في قضائه بين عباده.
أى: وفي هذا اليوم تعطى كل نفس جزاء ما عملته من أعمال في الدنيا وافيا غير منقوص، بدون ظلم أو حيف أو ميل عن العدل والقسطاس، ولن ينفع نفسا مجادلتها عن ذاتها، واعتذارها بالمعاذير الباطلة، وإنما الذي ينفعها هو عملها.
وبذلك ترى الآيتين الكريمتين، قد بينتا بأسلوب بليغ جانبا من مظاهر فضل الله- تعالى- على عباده، وجانبا من أهوال يوم القيامة، ومن القضاء العادل الذي يحكم الله به بين الناس.
ثم ضرب- سبحانه- مثلا لسوء عاقبة الذين يجحدون نعم الله، ويكذبون بآياته، فقال- تعالى-:
( يوم تأتي كل نفس تجادل ) أي : تحاج ) عن نفسها ) ليس أحد يحاج عنها لا أب ولا ابن ولا أخ ولا زوجة ( وتوفى كل نفس ما عملت ) أي : من خير وشر ، ( وهم لا يظلمون ) أي : لا ينقص من ثواب الخير ولا يزاد على ثواب الشر ولا يظلمون نقيرا .
يقول تعالى ذكره: إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ ) تخاصم عن نفسها، وتحتجّ عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شرّ أو إيمان أو كفر ، ( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ) في الدنيا من طاعة ومعصية ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) : يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدّموه من خير أو شرّ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله.
واختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله قيل تجادل ، فأنَّث الكلّ، فقال بعض نحويِّي البصرة: قيل ذلك لأن معنى كلّ نفس: كلّ إنسان، وأنث لأن النفس تذكر وتؤنث، يقال: ما جاءني نفس واحد وواحدة. وكان بعض أهل العربية يرى هذا القول من قائله غلطا ويقول: كلّ إذا أضيفت إلى نكرة واحدة خرج الفعل على قدر النكرة ، كلّ امرأة قائمة، وكل رجل قائم، وكل امرأتين قائمتان ، وكل رجلين قائمان، وكل نساء قائمات، وكل رجال قائمون، فيخرج على عدد النكرة وتأنيثها وتذكيرها، ولا حاجة به إلى تأنيث النفس وتذكيرها.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 30 | ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ |
---|
النحل: 111 | ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ |
---|
الزمر: 70 | ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 112 و 113:ـ
وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه، فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم، والنعرة العربية فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع.
كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم{ وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
والفعل ضرب في قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ... متضمن معنى جعل، ولذا عدى إلى مفعولين.
والمثل- بفتح الثاء- بمعنى المثل- بسكونها- أى: النظير والشبيه. ويطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه لمورده الذي ورد فيه، ثم استعير للصفة والحال كما في الآية التي معنا.
والمراد بالقرية: أهلها، فالكلام على تقدير مضاف.
وللمفسرين اتجاهان في تفسير هذه الآية. فمنهم من يرى أن هذه القرية غير معينة، وإنما هي مثل لكل قوم قابلوا نعم الله بالجحود والكفران.
وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف حيث قال: قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ... أى: جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة.
فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته، فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها، فضرب بها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها .
ومنهم من يرى أن المقصود بهذه القرية مكة، وعلى هذا الاتجاه سار الامام ابن كثير حيث قال ما ملخصه: هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة، يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا ... فجحدت آلاء الله عليها، وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
ويبدو لنا أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب، لتنكير لفظ قرية، ولشموله الاتجاه الثاني، لأنه يتناول كل قرية بدلت نعمة الله كفرا، ويدخل في ذلك كفار مكة دخولا أوليا.
فيكون المعنى: وجعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم، فلم يشكروا الله- تعالى- عليها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وقوله: كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً أى: كانت تعيش في أمان لا يشوبه خوف، وفي سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج:.
وقوله: يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ بيان لسعة عيشها، أى: يأتيها ما يحتاج إليه أهلها واسعا لينا سهلا من كل مكان من الأمكنة.
يقال: رغد- بضم الغين- عيش القوم، أى: اتسع وطاب فهو رغد ورغيد ... وأرغد القوم، أى: أخصبوا وصاروا في رزق واسع.
فالآية الكريمة قد تضمنت أمهات النعم: الأمان والاطمئنان ورغد العيش. قال بعضهم:
ثلاثة ليس لها نهاية ... الأمن والصحة والكفاية
وقوله- تعالى-: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ بيان لموقفها الجحودى من نعم الله- تعالى- أى: فكان موقف أهل هذه القرية من تلك النعم الجليلة، أنهم جحدوا هذه النعم، ولم يقابلوها بالشكر، وإنما قابلوها بالإشراك بالله- تعالى- مسدي هذه النعم.
قال القرطبي: «والأنعم: جمع النّعمة. كالأشد جمع الشّدة، وقيل: جمع نعمى، مثل بؤسى وأبؤس» .
وقوله- سبحانه-: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بيان للعقوبة الأليمة التي حلت بأهلها بسبب كفرهم وبطرهم.
أى: فأذاق- سبحانه- أهلها لباس الجوع والخوف، بسبب ما كانوا يصنعونه من الكفر والجحود والعتو عن أمر الله ورسله.
وذلك بأن أظهر أثرهما عليهم بصورة واضحة، تجعل الناظر إليهم لا يخفى عليه ما هم فيه من فقر مدقع، وفزع شديد.
ففي الجملة الكريمة تصوير بديع لما أصابهم من جوع وخوف، حتى لكأن ما هم فيه من هزال وسوء حال، يبدو كاللباس الذي يلبسه الإنسان، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا يحسون أثره إحساسا عميقا.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد في تصوير هذا المعنى فقال: «فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان فما وجه صحتهما؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار، فما وجه صحة إيقاعها عليه؟.
قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها. فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب. شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من الطعم المر البشع.
وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس، ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث.
وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف، فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف.. .
هذا مثل أريد به أهل مكة فإنها كانت أمنة مطمئنة مستقره يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف كما قال تعالى "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا" وهكذا قال ههنا "يأتيها رزقها رغدا" أي هنيئا سهلا "من كل مكان فكفرت بأنعم الله" أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم كما قال تعالى "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار" ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه وقوله والخوف وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه.
يقول الله تعالى ذكره: ومثل الله مثلا لمكة التي سكنها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة ، وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى ، ويقتل بعضها بعضا ، ويَسْبي بعضها بعضا، وأهل مكة لا يغار عليهم ، ولا يحارَبون في بلدهم، فذلك كان أمنها. وقوله ( مُطْمَئِنَّةً) يعني: قارّة بأهلها، لا يحتاج أهلها إلى النَّجْع ، كما كان سكان البوادي يحتاجون إليها( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ) يقول: يأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة. وقوله ( مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) يعني: من كلّ فجّ من فِجاج هذه القرية ، ومن كلّ ناحية فيها.
وبنحو الذي قلنا في أن القرية التي ذُكِرت في هذا الموضع أريد بها مكة ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) يعني: مكة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) قال: مكة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد. مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) قال: ذّكر لنا أنها مكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة ( قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً ) قال: هي مكة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) ... إلى آخر الآية. قال: هذه مكة.
وقال آخرون: بل القرية التي ذكر الله في هذا الموضع مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني عبد الرحمن بن شريح، أن عبد الكريم بن الحارث الحضرميّ، حدث أنه سمع مِشْرَح بن عاهانَ، يقول: سمعت سليم بن نمير يقول: صدرنا من الحجّ مع حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعثمان محصور بالمدينة ، فكانت تسأل عنه ما فعل، حتى رأت راكبين، فأرسلت إليهما تسألهما، فقالا قُتِل فقالت حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية، تعني المدينة التي قال الله تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) قرأها ، قال أبو شريح: وأخبرني عبد الله بن المغيرة عمن حدثه، أنه كان يقول: إنها المدينة ، وقوله: ( فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم الله التي أنعم عليها.
واختلف أهل العربية في واحد الأنعم ، فقال بعض نحويِّي البصرة: جمع النعمة على أنعم، كما قال الله حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ فزعم أنه جمع الشِّدّة. وقال آخر منهم الواحد نُعْم، وقال: يقال: أيام طُعْم ونعم: أي نعيم، قال: فيجوز أن يكون معناها: فكفرت بنعيم الله لها. واستشهد على ذلك بقول الشاعر:
وعنـدي قُـرُوضُ الخَـيرِ والشَّرّ كلِّه
فبُــؤْسٌ لِـذي بُـؤْسٍ ونُعْـمٍ بـأنْعُمِ (1)
وكان بعض أهل الكوفة يقول: أنعم: جمع نعماء، مثل بأساء وأبؤس، وضرّاء وأضرّ ؛ فأما الأشدّ فإنه زعم أنه جمع شَدّ.
وقوله ( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) يقول تعالى ذكره: فأذاق الله أهل هذه القرية لباس الجوع ، وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم بمنـزلة اللباس لها. وذلك أنهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أكلوا العلهز والجِيَف. قال أبو جعفر: والعلهز: الوبر يعجن بالدم والقُراد يأكلونه ؛ وأما الخوف فإن ذلك كان خوفهم من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت تطيف بهم. وقوله ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) يقول: بما كانوا يصنعون من الكفر بأنعم الله، ويجحدون آياته، ويكذّبون رسوله ، وقال: بما كانوا يصنعون ، وقد جرى الكلام من ابتداء الآية إلى هذا الموضع على وجه الخبر عن القرية، لأن الخبر وإن كان جرى في الكلام عن القرية ، استغناء بذكرها عن ذكر أهلها لمعرفة السامعين بالمراد منها، فإن المراد أهلها فلذلك قيل ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) فردّ الخبر إلى أهل القرية، وذلك نظير قوله فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ولم يقل قائلة، وقد قال قبله فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ، لأنه رجع بالخبر إلى الإخبار عن أهل القرية ، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة.
------------------------
الهوامش:
(1) في مجاز القرآن لأبي عبيدة ( 1 : 369 ) عند الآية: واحدها "نعم" بضم النون وسكون العين، ومعناه: نعمة، وهما واحد. قالوا: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم بمنى "إنها أيام طعم ونعم، فلا تصوموا". وفي "اللسان: نعم" وجمع النعمة: نعم، وأنعم. كشدة وأشد حكاه سيبويه. وقال النابغة:
فَلَــنْ أذْكُــر النُّعْمَـانَ إلاَّ بِصَـالِحٍ
فــإنَّ لَــهُ عِنْــدِي يُدِيًّـا وأنْعُمـا
والنعم: خلاف البؤس، ويقال: يوم نعم، ويوم بؤس. والجمع: أنعم، وأبؤس.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 22 | ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ﴾ |
---|
ابراهيم: 17 | ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ |
---|
النحل: 112 | ﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
والخوف:
1- بالجر، عطفا على «الجوع» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، عطفا على «لباس» ، رواها العباس عن أبى عمرو.
التفسير :
تفسير الآيتين 112 و 113:ـ
وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه، فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم، والنعرة العربية فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع.
كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم{ وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
ثم بين- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائل أهل هذه القرية الكافرة بأنعم الله فقال:
وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ.
أى: ولقد جاء إلى أهل هذه القرية رسول من جنسهم، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأمرهم بطاعة الله وشكره، ولكنهم كذبوه وأعرضوا عنه.
والتعبير بقوله جاءَهُمْ يدل على أن هذا الرسول وصل إليهم وبلغهم رسالة ربه، دون أن يكلفهم الذهاب إليه، أو البحث عنه.
والتعبير بالفاء في قوله: فَكَذَّبُوهُ يشعر بأنهم لم يتمهلوا ولم يتدبروا دعوة هذا الرسول، وإنما قابلوها بالتكذيب السريع بدون روية، مما يدل على غباوتهم وانطماس بصيرتهم.
وقوله- تعالى- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم.
أى: فكانت نتيجة تكذيبهم السريع لنبيهم أن أخذهم العذاب العاجل الذي استأصل شأفتهم، والحال أنهم هم الظالمون لأنفسهم، لأن هذا العذاب ما نزل بهم إلا بعد أن كفروا بأنعم الله، وكذبوا رسوله.
هذا، والذي يتأمل هاتين الآيتين الكريمتين يراهما وإن كانتا تشملان حال كل قوم بدلوا نعمة الله كفرا.. إلا أنهما ينطبقان تمام الانطباق على كفار مكة.
وقد بين ذلك الإمام الآلوسى- رحمه الله- فقال ما ملخصه: وحال أهل مكة- سواء أضرب المثل لهم خاصة، أم لهم ولمن سار سيرتهم كافة- أشبه بحال أهل تلك القرية من الغراب بالغراب، فقد كانوا في حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم، وكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء رزقا، ولقد جاءهم رسول منهم تحار في سمو مرتبته العقول صلى الله عليه وسلم فأنذرهم وحذرهم فكفروا بأنعم الله، وكذبوه صلى الله عليه وسلم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف، حيث أصابهم بدعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» - ما أصابهم من جدب شديد، فاضطروا إلى أكل الجيف.. وكان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يغيرون عليهم.. .
ثم أمرهم- سبحانه- بأن يأكلوا مما أحله لهم، وأن يشكروه على نعمه، وأن يجتنبوا ما حرمه عليهم، فقال- تعالى-:
وجعلوا كل ما لهم في سفال ودمار ، حتى فتحها الله عليهم وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول الذي بعثه الله فيهم منهم ، وامتن به عليهم في قوله : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) [ آل عمران : 164 ] وقال تعالى : ( فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا [ يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ] ) [ الطلاق : 10 ، 11 ] الآية . وقوله : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ) إلى قوله : ( ولا تكفرون ) [ البقرة : 151 ، 152 ] .
وكما أنه انعكس على الكافرين حالهم فخافوا بعد الأمن ، وجاعوا بعد الرغد ، بدل الله المؤمنين من بعد خوفهم أمنا ، ورزقهم بعد العيلة ، وجعلهم أمراء الناس وحكامهم ، وسادتهم وقادتهم وأئمتهم .
وهذا الذي قلناه - من أن هذا المثل مضروب لمكة - قاله العوفي ، عن ابن عباس . وإليه ذهب مجاهد ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وحكاه مالك عن الزهري رحمهم الله .
وقال ابن جرير : حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نافع بن زيد ، حدثنا عبد الرحمن بن شريح ، أن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي حدثه أنه سمع مشرح بن هاعان يقول : سمعت سليم بن عتر يقول : صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعثمان - رضي الله عنه - محصور ب المدينة ، فكانت تسأل عنه : ما فعل ؟ حتى رأت راكبين ، فأرسلت إليهما تسألهما ، فقالا قتل . فقالت حفصة : والذي نفسي بيده إنها القرية التي قال الله : ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله ) قال أبو شريح : وأخبرني عبيد الله بن المغيرة ، عمن حدثه : أنه كان يقول : إنها المدينة .
يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية ( رَسُولٌ مِنْهُمْ ) يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه ، ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلى الحقّ ، وإلى طريق مستقيم ( فَكَذَّبُوهُ ) ولم يقبلوا ما جاءهم به من عند الله ( فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ) وذلك لباس الجوع والخوف مكان الأمن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتل بالسيف ( وَهُمْ ظَالِمُونَ ) يقول: وهم مشركون، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ ) إي والله، يعرفون نسبه وأمره ، ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) ، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 113 | ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ |
---|
الشعراء: 158 | ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ |
---|
الشعراء: 189 | ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يأمر تعالى عباده بأكل ما رزقهم الله من الحيوانات والحبوب والثمار وغيرها.{ حَلَالًا طَيِّبًا} أي:حالة كونها متصفة بهذين الوصفين بحيث لا تكون مما حرم الله أو أثرا عن غصب ونحوه. فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير إسراف ولا تَعَدٍّ.{ وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} بالاعتراف بها بالقلب والثناء على الله بها وصرفها في طاعة الله.{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي إن كنتم مخلصين له العبادة، فلا تشكروا إلا إياه، ولا تنسوا المنعم.
والفاء في قوله: فَكُلُوا ... للتفريع على ما تقدم من التمثيل بالقرية التي كفرت بأنعم الله، والتي أصابها ما أصابها بسبب ذلك.
أى: لقد ظهر لكم حال الذين بدلوا نعمة الله كفرا، ورأيتم كيف أذاقهم الله لباس الجوع والخوف، فاحذروا أن تسيروا على شاكلتهم، وكلوا من الحلال الطيب الذي رزقكم الله- تعالى- إياه.
واشكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، بأن تستعملوها فيما خلقت له، وبأن تقابلوها بأسمى ألوان الطاعة لمسديها- عز وجل-.
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ سبحانه- تعبدونه حق العبادة، وتطيعونه حق الطاعة.
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب وبشكره على ذلك فإنه المنعم المتفضل به ابتداء الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له.
يقول تعالى ذكره: فكلوا أيها الناس مما رزقكم الله من بهائم الأنعام التي أحلها لكم حلالا طيبا مُذَكَّاة غير محرّمة عليكم ( وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) يقول: واشكروا الله على نعمه التي أنعم بها عليكم في تحليله ما أحلّ لكم من ذلك، وعلى غير ذلك من نعمه ( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) يقول: إن كنتم تعبدون الله، فتطيعونه فيما يأمركم وينهاكم. وكان بعضهم يقول: إنما عنى بقوله ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا ) طعامًا كان بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من قومه في سِنِي الجدب والقحط رقة عليهم، فقال الله تعالى للمشركين: فكلوا مما رزقكم الله من هذا الذي بعث به إليكم حلالا طيبا ، وذلك تأويل بعيد مما يدلّ عليه ظاهر التنـزيل، وذلك أن الله تعالى قد أتبع ذلك بقوله: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ... الآية والتي بعدها، فبين بذلك أن قوله ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا ) إعلام من الله عباده أن ما كان المشركون يحرّمونه من البحائر والسوائب والوصائل ، وغير ذلك مما قد بيَّنا قبل فيما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشيطان، فإن كلّ ذلك حلال لم يحرم الله منه شيئا.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 88 | ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
النحل: 114 | ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ} الأشياء المضرة تنزيها لكم، وذلك:كـ{ الْمَيْتَةَ} ويدخل في ذلك كل ما كان موته على غير ذكاة مشروعة، ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك.
{ والدم} المسفوح وأما ما يبقى في العروق واللحم فلا يضر.
{ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} لقذارته وخبثه وذلك شامل للحمه وشحمه وجميع أجزائه.{ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} كالذي يذبح للأصنام والقبور ونحوها لأنه مقصود به الشرك.
{ فَمَنِ اضْطُرَّ} إلى شيء من المحرمات -بأن حملته الضرورة وخاف إن لم يأكل أن يهلك- فلا جناح عليه إذا لم يكن باغيا أو عاديا، أي:إذا لم يرد أكل المحرم وهو غير مضطر، ولا متعد الحلال إلى الحرام، أو متجاوز لما زاد على قدر الضرورة، فهذا الذي حرمه الله من المباحات.
ثم بين- سبحانه- ما حرمه على عباده رعاية لمصالحهم فقال: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ...
والميتة في عرف الشرع: ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، فيدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما عدا عليها السبع.
وكان الأكل من الميتة محرما، لفساد جسمها بسبب ذبول أجزائه وتعفنها، ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها.
والدم المحرم: هو ما يسيل من الحيوان الحي كثيرا كان أم قليلا وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد ذبحه، وهو الذي عبر عنه القرآن بالمسفوح..
والحكمة في تحريم الدم المسفوح، أنه تستقذره النفوس الكريمة، ويفضى شربه أو أكله إلى الإضرار بالنفس..
وحرمة الخنزير شاملة للحمه ودمه وشحمه وجلده. وإنما خص لحمه بالذكر لأنه المقصود بالأكل، ولأن سائر أجزائه كالتابعة للحمه ...
ومن الحكم في تحريم لحم الخنزير: قذارته، واشتماله على دودة تضر بآكله، كما أثبت ذلك العلم الحديث.
وقوله: وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ معطوف على ما قبله من المحرمات.
والفعل أُهِلَّ مأخوذ من الإهلال بمعنى رفع الصوت، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم، سموا عليها أسماءها فيقولون: باسم اللات أو باسم العزى، رافعين بذلك أصواتهم.
فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لعله ذاتية في تلك الأشياء، أما تحريم ما أهل لغير الله به، بسبب التوجه بالمذبوح إلى غير الله- عز وجل-.
وقوله- تعالى-: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بيان لحالات الضرورة التي يباح للإنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات.
واضطر: من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء بشدة.
والمعنى: فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات، حالة كونه «غير باغ» ، أى: غير طالب للمحرم وهو يجد غيره، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر، «ولا عاد» أى: ولا متجاوز في أكله ما يسد الجوع ويحفظ الحياة «فإن الله» - تعالى- «غفور» واسع المغفرة لعبادة «رحيم» كثير الرحمة بهم ثم نهى- سبحانه- عن القول على الله- تعالى- بغير علم اتباعا للظن والأوهام، فقال:
ثم ذكر ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم في دينهم ودنياهم من الميتة والدم ولحم الخنزير .
( وما أهل لغير الله به ) أي : ذبح على غير اسم الله ، ومع هذا ( فمن اضطر ) أي : احتاج في غير بغي ولا عدوان ، ( فإن الله غفور رحيم )
وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في سورة " البقرة " بما فيه كفاية عن إعادته ، ولله الحمد [ والمنة ] .
يقول تعالى ذكره مكذّبًا المشركين الذين كانوا يحرّمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرّم الله عليكم أيها الناس إلا الميتة والدم ولحم الخنـزير ، وما ذبح للأنصاب ، فسمي عليه غير الله ، لأن ذلك من ذبائح من لا يحلّ أكل ذبيحته، فمن اضطرّ إلى ذلك أو إلى شيء منه لمجاعة حلَّت فأكله ( غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: ذو ستر عليه أن يؤاخذه بأكله ذلك في حال الضرورة، رحيم به أن يعاقبه عليه.
وقد بيَّنا اختلاف المختلفين في قوله ( غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) والصواب عندنا من القول في ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ) ... الآية قال: وإن الإسلام دين يطهره الله من كلّ سوء، وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطرت إلى شيء من ذلك. قوله ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدّى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 173 | ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ |
---|
النحل: 115 | ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 116 و 117:ـ
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} أي:لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه.
{ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا بد أن يظهر الله خزيهم وإن تمتعوا في الدنيا فإنه{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ} ومصيرهم إلى النار{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ.. «ما» موصولة، والعائد محذوف، أى: ولا تقولوا- في شأن الذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة- هذا حلال وهذا حرام، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر، فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه، بل مجرد قول باللسان.
ولفظ «الكذب» منتصب على أنه مفعول به ل تَقُولُوا وقوله- سبحانه-:
هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بدل منه.. .
والمعنى: ولا تقولوا- أيها الجاهلون- للشيء الكذب الذي تصفه ألسنتكم، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان. هذا الشيء حلال وهذا الشيء حرام.
وقد حكى الله- تعالى- عن هؤلاء الجاهلين في آيات كثيرة، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا.. .
وقوله- سبحانه-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ .
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه. فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر.. .
وقال بعض العلماء ما ملخصه: ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولا لتصف، وأن يكون قوله: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ مفعولا لتقولوا.
وعلى هذا الوجه يكون في وصف ألسنتهم الكذب، مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التي جلتها.. ومنه قول الشاعر:
أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا، بل يمينك منها صوّر الجود
واللام في قوله: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ هي لام الصيرورة والعاقبة، أو هي- كما يقول صاحب الكشاف- من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض، لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله، ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب، بل هناك أغراض أخرى، كظهورهم بمظهر أولى العلم، وكحبهم للتباهى والتفاخر..
وقوله: لِتَفْتَرُوا من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب، لأنه اختلاق للكذب الذي لا يستند إلى شيء من الواقع.
أى: ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها، هذا حلال وهذا حرام، لتنسبوا ذلك إلى الله- تعالى- كذبا وزورا.
قال الإمام ابن كثير: ويدخل في الآية كل من ابتدع بدعة، ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه .
وقال الآلوسى: وحاصل معنى الآية: لا تسلموا ما لم يأتكم حله ولا حرمته عن الله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم حلالا ولا حراما، فتكونوا كاذبين على الله، لأن مدار الحل والحرمة ليس إلا حكمه- سبحانه-.
ومن هنا قال: أبو نضرة: لم أزل أخاف الفتيا منذ أن سمعت هذه الآية إلى يومى هذا.
وقال ابن العربي: كره مالك وقوم أن يقول المفتي: هذا حلال وهذا حرام في المسائل الاجتهادية. وإنما يقال ذلك فيما نص الله عليه. ويقال في المسائل الاجتهادية: إنى أكره كذا وكذا ونحو ذلك .
وقوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ بيان لسوء عاقبتهم، وخيبة مسعاهم.
أى: إن الذين يختلقون الكذب وينسبونه إلى الله- تعالى- لا يفوزون بمطلوب، ولا يفلحون في الوصول إلى مأمول.
ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين ، الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وضعوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم ، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه في جاهليتهم ، فقال : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [ له ] فيها مستند شرعي ، أو حلل شيئا مما حرم الله ، أو حرم شيئا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه .
و " ما " في قوله : ( لما ) مصدرية ، أي : ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ) فتكون تصف الكذب، بمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، فتكون " ما " بمعنى المصدر. وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبِ) هذا بخفض الكذب، بمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم ( هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) فيجعل الكذب ترجمة عن " ما " التي في لمَا، فتخفضه بما تخفض به " ما ". وقد حُكي عن بعضهم: (لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكُذُبُ) يرفع الكُذُب، فيجعل الكُذُب من صفة الألسنة، ويخرج على فُعُل على أنه جمع كُذُوب وكذب، مثل شُكُور وشُكُر.
والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكَذِب لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبَ فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذبَ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تُحرِّمون، ولا أحلّ كثيًرا مما تُحِلون ، ثم تقدّم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه، فقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) يقول: إن الذين يتخرّصون على الله الكذب ويختلقونه، لا يخلَّدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها، إنما يتمتعون فيها قليلا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 69 | ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ |
---|
النحل: 116 | ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الكذب:
وقرئ:
1- بالجر، على أن يكون بدلا من «ما» ، وهى قراءة الحسن، وابن يعمر، وطلحة، والأعرج، وبن أبى إسحاق، وابن عبيد، ونعيم بن ميسرة.
2- بضم الثلاثة، صفة للألسنة، جمع كذوب، وهى قراءة معاذ، وابن أبى عبلة، وبعض أهل الشام.
التفسير :
تفسير الآيتين 116 و 117:ـ
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} أي:لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه.
{ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا بد أن يظهر الله خزيهم وإن تمتعوا في الدنيا فإنه{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ} ومصيرهم إلى النار{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وقوله- تعالى-: مَتاعٌ قَلِيلٌ بيان لخسة ما يسعون للحصول إليه من منافع الدنيا، وهو خبر لمبتدأ محذوف أى: متاعهم في الدنيا متاع قليل، لأنهم عما قريب سيتركونه لغيرهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا.
ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم في الآخرة فقال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أى: ولهم في الآخرة عذاب شديد الألم.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ وقوله- تعالى-: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، أن ما حرمه على اليهود من طيبات، كان بسبب ظلمهم وبغيهم، وأن رحمته- تعالى- تسع العصاة متى تابوا وأصلحوا، فقال- تعالى-:
أما في الدنيا فمتاع قليل وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم كما قال "نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" وقال "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون".
وقال ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ) فرفع، لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل، أو لهم متاع قليل في الدنيا. وقوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: ثم إلينا مرجعهم ومعادهم، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) في البحيرة والسائبة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: البحائر والسوائب.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 197 | ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ |
---|
النحل: 117 | ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فالله تعالى ما حرم علينا إلا الخبيثات تفضلا منه، وصيانة عن كل مستقذر.
وأما الذين هادوا فحرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم عقوبة لهم، كما قصه في سورة الأنعام في قوله:{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}
قال ابن كثير- رحمه الله-: لما ذكر- تعالى- أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وإنما أرخص فيه عند الضرورة وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر-، ذكر- سبحانه- بعد ذلك ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها، وما كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج، فقال: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ...
أى: في سورة الأنعام في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ .
والمعنى: وعلى اليهود بصفة خاصة، دون غيرهم من الأمم، حرمنا بعض الطيبات التي سبق أن بيناها لك في هذا القرآن الكريم، وما كان تحريمنا إياها عليهم إلا بسبب بغيهم وظلمهم.
وفي الآية الكريمة إبطال لمزاعمهم، حيث كانوا يقولون: لسنا أول من حرمت عليه هذه الطيبات، وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم وغيرهما ممن جاء بعدهما.
وقوله: مِنْ قَبْلُ متعلق بحرمنا، أو بقصصنا.
وبذلك يتبين أن ما حرمه الله- تعالى- على الأمة الإسلامية، كالميتة والدم ولحم الخنزير.. كان من باب الرحمة بها، والحرص على مصلحتها.. أما ما حرمه- سبحانه- على اليهود، فقد كان بسبب بغيهم وظلمهم.
وقوله- تعالى-: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بيان لمظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- في معاملته لعباده.
أى: وما ظلمنا هؤلاء اليهود بتحريم بعض الطيبات عليهم، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم، حيث تركوها تسير في طريق الشيطان، ولم يوقفوها عند حدود الله- تعالى-، فاستحقوا بسبب ذلك ما استحقوا من عقوبات.
وصدق الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وأنه أرخص فيه عند الضرورة - وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر - ذكر سبحانه وتعالى ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ، وما كانوا فيه من الآصار والأغلال والحرج والتضييق ، فقال : ( وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ) يعني : في " سورة الأنعام " في قوله : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما [ أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ] ) [ الأنعام : 146 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( وما ظلمناهم ) أي : فيما ضيقنا عليهم ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : فاستحقوا ذلك ، كما قال : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) [ النساء : 160 ] .
يقول تعالى ذكره: وحرّمنا من قبلك يا محمد على اليهود ، ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام، وذاك كلّ ذي ظفر، ومن البقر والغنم ، حرمنا عليهم شحومهما ، إلا ما حملت ظُهورهما أو الحوايا ، أو ما اختلط بعظم ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ) بتحريمنا ذلك عليهم ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فجزيناهم ذلك ببغيهم على ربهم ، وظُلمِهم أنفسهم بمعصية الله، فأورثهم ذلك عقوبة الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبى رجاء، عن الحسن، في قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال: في سورة الأنعام.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أيوب، عن عكرمة، في قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال في سورة الأنعام.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) قال: ما قصّ الله تعالى في سورة الأنعام حيث يقول وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ... الآية.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 146 | ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ |
---|
النحل: 118 | ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء