ترتيب المصحف | 39 | ترتيب النزول | 59 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 8.90 |
عدد الآيات | 75 | عدد الأجزاء | 0.43 |
عدد الأحزاب | 0.85 | عدد الأرباع | 3.40 |
ترتيب الطول | 23 | تبدأ في الجزء | 23 |
تنتهي في الجزء | 24 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 7/21 | _ |
بعدَ بيانِ عظمةِ اللهِ بَيَّنَ هنا حالَ النَّاسِ عندَ النَّفْخَتينِ: 1- نفخةُ الصَّعقِ للإماتةِ، 2- نفخةُ البَعثِ للإحياءِ من القبورِ، ثُمَّ تجلّى اللهِ للحكمِ بينَ النَّاسِ بالعدلِ، فتُوفَّى كُلُّ نفسٍ ما عَمِلَتْ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ الحكمِ بينَ النَّاسِ بالعدلِ يومَ القيامةِ: يُساقُ الذينَ كفرُوا إلى جهنَّمَ زُمَرًا، =
قريبًا إن شاء الله
= ويُساقُ الذينَ اتَّقُوا ربَّهم إلى الجَنَّةِ زُمَرًا، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
لما خوفهم تعالى من عظمته، خوفهم بأحوال يوم القيامة، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه،. فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام،. أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن.
{ فَصَعِقَ} أي:غشي أو مات، على اختلاف القولين:{ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} أي:كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له.{ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ممن ثبته اللّه عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق، ونفخة الفزع.
{ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} النفخة الثانية نفخة البعث{ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون} أي:قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم{ يَنْظُرُونَ} ماذا يفعل اللّه بهم.
ثم بين- سبحانه- حال الناس عند النفخة الأولى والثانية فقال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ.
والصور: اسم للقرن الذي ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله- تعالى- وحقيقته لا يعلمها إلا هو- سبحانه- وقوله فَصَعِقَ من الصعق بمعنى الموت أو بمعنى الصوت الشديد الذي يجعل الإنسان في حالة ذهول شديد حتى لكأنه قد فارق الحياة.
أى: ونفخ في الصور بأمر الله- تعالى- النفخة الأولى، فخر ميتا كل من كان حيا في السموات أو في الأرض.
إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ له الحياة من أهلهما، قالوا: والمستثنى من الصعق جبريل وإسرافيل وميكائيل. ولم يرد حديث صحيح يعتمد عليه في تعيين من استثناء الله- تعالى-: من ذلك، فالأولى تفويض من استثناه الله من الصعق إلى علمه- عز وجل-.
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى أى: ثم نفخ في الصور نفخة أخرى- وهي النفخة الثانية التي يكون بعدها البعث والنشور.
فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ أى: فإذا بهؤلاء الذين صعقوا بعد النفخة الأولى قيام من قبورهم، ينظرون حولهم بدهشة وحيرة ماذا يفعل بهم، أو ينظرون على أى حال يكون مصيرهم.
فالآية الكريمة تفيد أن النفخ في الصور يكون مرتين: المرة الأولى يكون بعدها الصعق والموت لجميع الأحياء، والنفخة الثانية يكون بعدها البعث والنشور وإعادة الحياة مرة أخرى.
يقول تعالى مخبرا عن هول يوم القيامة ، وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزلازل الهائلة ، فقوله : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ، هذه النفخة هي الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله كما هو مصرح به مفسرا في حديث الصور المشهور . ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولا وهو الباقي آخرا بالديمومة والبقاء ، ويقول : ( لمن الملك اليوم ) [ غافر : 16 ] ثلاث مرات . ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول : ( لله الواحد القهار ) أي : الذي هو واحد وقد قهر كل شيء ، وحكم بالفناء على كل شيء . ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل ، ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى ، وهي النفخة الثالثة نفخة البعث ، قال تعالى : ( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) أي : أحياء بعد ما كانوا عظاما ورفاتا ، صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) [ النازعات : 14 ، 13 ] ، وقال تعالى : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) [ الإسراء : 52 ] ، وقال تعالى : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ الروم : 25 ] .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم قال : سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال : سمعت رجلا قال لعبد الله بن عمرو : إنك تقول : الساعة تقوم إلى كذا وكذا ؟ قال : لقد هممت ألا أحدثكم شيئا ، إنما قلت : سترون بعد قليل أمرا عظيما . ثم قال عبد الله بن عمرو : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج الدجال في أمتي ، فيمكث فيهم أربعين - لا أدري أربعين يوما أو أربعين عاما أو أربعين شهرا أو أربعين ليلة - فيبعث الله عيسى ابن مريم ، كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، فيظهر فيهلكه الله . ثم يلبث الناس بعده سنين سبعا ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه " . قال : سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ويبقى شرار الناس في خفة الطير ، وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا " . قال : " فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها ، وهم في ذلك دارة أرزاقهم ، حسن عيشهم . ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى له ، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه ، فيصعق ، ثم لا يبقى أحد إلا صعق . ثم يرسل الله - أو : ينزل الله مطرا كأنه الطل - أو الظل شك نعمان - فتنبت منه أجساد الناس . ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال : يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم : ( وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات : 24 ] ، قال : " ثم يقال : أخرجوا بعث النار " . قال : " فيقال : كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيومئذ تبعث الولدان شيبا ، ويومئذ يكشف عن ساق " .
انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه .
وقال البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح قال : سمعت أبا هريرة [ رضي الله عنه ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بين النفختين أربعون " . قالوا : يا أبا هريرة ، أربعون يوما ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت ، ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق .
وقال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سألت جبريل ، - عليه السلام - عن هذه الآية : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم الشهداء ، مقلدون أسيافهم حول عرشه ، تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت نمارها ألين من الحرير ، مد خطاها مد أبصار الرجال ، يسيرون في الجنة يقولون عند طول النزهة : انطلقوا بنا إلى ربنا - عز وجل - لننظر كيف يقضي بين خلقه ، يضحك إليهم إلهي ، وإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه " . رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش ، فإنه غير معروف والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
يقول تعالى ذكره: ونفخ إسرافيل في القرن, وقد بيَّنا معنى الصور فيما مضى بشواهده, وذكرنا اختلاف أهل العلم فيه, والصواب من القول فيه بشواهده, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) يقول: مات, وذلك في النفخة الأولى.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) قال: مات.
وقوله: ( إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالاستثناء في هذه الآية, فقال بعضهم عنى به جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) قال جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
حدثني هارون بن إدريس الأصم, قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, قال: ثنا محمد بن إسحاق, قال: ثنا الفضل بن عيسى, عن عمه يزيد الرقاشي, عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) فقيل: من هؤلاء الذين استثنى الله يا رسول الله؟ قال: " جبرائيلَ وميكائيلَ, ومَلكَ المَوْتِ, فإذَا قَبَضَ أرْوَاحَ الخَلائِقِ قالَ: يَا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِيَ؟ وَهُوَ أعْلَمُ، قال: يَقُولُ: سُبْحانَكَ تَبارَكْتَ رَبِّي ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ, بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكائيل وَمَلَكُ المَوْتِ ، قال: يَقُولُ يَا مَلَكَ المَوْتِ خُذْ نَفْسَ مِيكائيلَ، قالَ: فَيَقَعُ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ, قال: ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِيَ؟ فيَقُولُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي يا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ, بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمَلَكُ المَوْتِ, قَالَ: فَيَقُولُ: يا مَلَكَ المَوْتِ مُتْ, قالَ: فَيَمُوتُ، قالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يا جِبْرِيلُ مَنْ بَقِيَ؟ قالَ: فيَقُولُ جِبْرِيلُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ, بَقِيَ جِبْرِيلُ, وَهُوَ مِنَ اللهِ بالمَكانِ الَّذي هُوَ بِهِ، قالَ: فَيَقُولُ يَا جِبْرِيلُ لا بُدَّ مِنْ مَوْتَةٍ، قالَ: فَيَقَعُ سَاجِدًا يَخْفِقُ بِجناحَيْه يَقُولُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي تَبَارَكَتْ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ, أنْتَ البَاقِي وجِبْرِيلُ المَيِّتُ الفَانِي: قال: ويأْخُذُ رُوحَهُ في الحلْقَةِ التي خُلِقَ مِنْها, قالَ: فَيَقَعُ على مِيكائِيلَ أنَّ فَضْلَ خَلْقِهِ على خَلْقِ مِيكَائيل كفَضْلِ الطَّوْدِ العَظِيمِ عَلى الظَّرْبِ (1) مِنَ الظِّرابِ".
وقال آخرون: عنى بذلك الشهداء.
حدثني محمد بن المثنى, قال: ثني وهب بن جرير, قال: ثنا شعبة عن عمارة, عن ذي حجر اليحمدي, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) قال: الشهداء ثنية الله حول العرش, متقلدين السيوف.
وقال آخرون: عنى بالاستثناء في الفزع: الشهداء, وفي الصعق: جبريل, وملك الموت, وحملة العرش.
* ذكر من قال ذلك, والخبر الذي جاء فيه عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد, عن إسماعيل بن رافع المدني, عن يزيد, عن رجل من الأنصار, عن محمد بن كعب القرظي, عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ثَلاثَ نَفَخَاتٍ: الأولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ, والثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ, والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيَامِ لِرَبِّ العَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى, فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فتَفْزَعُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ"، قالَ أبو هريرة: يا رسول الله, فمن استثنى حين يقول: ( فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) قال: " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ, وإنَّما يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ, أُولَئِكَ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ, وَقاهُمْ الله فَزَعَ ذلكَ اليَوْمِ وأمَّنَهُمْ, ثُمَّ يأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ, فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ, فَيَصْعَقُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ فإذا هُمْ خَامِدُونَ, ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ المَوْتِ إلى الجَبَّارِ تبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شِئْتَ, فَيَقُولُ لَهُ وَهُوَ أعْلَمُ. فمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيَّ الَّذِي لا يَمُوتُ, وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشُكَ, وَبَقِيَ جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اسْكُتْ إنِّي كَتَبْتُ المَوْتَ عَلَى مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ المَوْتِ فَيَقُولُ: يا رَبِّ قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ، فيَقُولُ اللهُ وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ بَقِيتَ أنْتَ الحَيّ الَّذِي لا يَمُوتُ, وبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ, وَبَقِيتُ أنا, فَيَقُولُ اللهُ: فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ العَرْشِ, فَيَمُوتُونَ، وَيَأْمُرُ اللهُ تعالى العَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ. فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ ، فَيَقُولُ: مَنْ بَقِيَ؟ وَهُوَ أعْلَمُ, فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيَّ الَّذِي لا يَمُوتُ وبَقِيتُ أنا, قال: فَيَقُولُ اللهُ: أنْتَ مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ, فَمُتْ لا تَحْيَى, فَيَمُوتُ".
وهذا القول الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أولى بالصحة, لأن الصعقة في هذا الموضع: الموت. والشهداء وإن كانوا عند الله أحياء كما أخبر الله تعالى ذكره فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك.
وإنما عنى جل ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع, الاستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق, لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل ، وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك, وذاق الموت قبل وقت نفخة الصعق, وجب أن يكون المراد بذلك من قد هلك, فذاق الموت من قبل ذلك, لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت لا يجدد له موت آخر في تلك الحال.
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) قال الحسن: يستثني الله وما يدع أحدا من أهل السموات ولا أهل الأرض إلا أذاقه الموت؟ قال قتادة: قد استثنى الله, والله أعلم إلى ما صارت ثنيته, قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله قال: " أتاني مَلَكٌ فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ اخْتَرْ نَبِيًّا مَلِكًا, أوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فأَوْمَأ إليَّ أنْ تَوَاضَعْ, قَالَ: نَبِيًّا عَبْدًا, قال فأُعْطِيتُ خَصْلَتَيْنِ: أنْ جُعِلْتُ أوَّلَ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ, وأوَّلُ شَافِعٌ, فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَجِدُ مُوسَى آخِذًا بالعَرْشِ, فاللهُ أعْلَمُ أصَعِقَ بَعْدَ الصَّعْقَةِ الأولَى أمْ لا؟".
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عبدة بن سليمان, قال: ثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو سلمة, عن أبي هريرة, قال: قال يهودي بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر, قال: فرفع رجل من الأنصار يده, فصكّ بها وجهه, فقال: تقول هذا وفينا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ , فَأَكُونُ أنَا أوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ, فإذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ فَلا أدْرِي أرَفَعَ رَأْسَه قَبْلِي, أوْ كَانَ مِمَّنْ استثنى الله ".
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عطاء, عن الحسن, قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " كأنَّي أنْفُضُ رأسِي مِنَ التُّرَابِ أوَّلَ خَارِجٍ, فَأَلْتَفِتُ فَلا أَرَى أحَدًا إلا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بالعَرْشِ, فَلا أدْرِي أمِمَّنْ اسْتَثْنَى اللهُ أنْ لا تُصِيبُه النَّفْخَةُ أوْ بُعِثَ قَبْلِي".
وقوله: ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: ثم نفخ في الصور نفخة أخرى، والهاء التي في" فيه " من ذكر الصور.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ) قال: في الصور, وهى نفخة البعث.
وذُكر أن بين النخفتين أربعين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله: " ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ" قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت،" ثُمَّ يُنـزلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتَنْبِتُونَ كَمَا يَنْبِتُ البَقْلُ, وَلَيْسَ مِنَ الإنْسانِ شَيْءٌ إلا يَبْلَى, إلا عَظْمًا وَاحِدًا, وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ, وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
حدثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا البلخي بن إياس, قال: سمعت عكرمة يقول في قوله ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) ... الآية, قال: الأولى من الدنيا, والأخيرة من الآخرة.
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) قال نبي الله: " بين النفختين أربعون " قال أصحابه: فما سألناه عن ذلك, ولا زادنا على ذلك, غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة.
وذُكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له مطر الحياة, حتى تطيب الأرض وتهتزّ, وتنبت أجساد الناس نباتَ البقل, ثم ينفخ فيه الثانية ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) قال: ذُكر لنا أن معاذ بن جبل, سأل نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: كيف يبعث المؤمنون يوم القيامة؟ قال: " يُبْعَثُونَ جُرْدًا مُرْدا مُكَحَّلِينَ بني ثَلاثِين سَنَةً".
وقوله: ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) يقول: فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الذين كانوا أمواتا قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر الله فيهم.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) قال: حين يبعثون.
---------------------
الهوامش :
(1) في اللسان : الظرب : الجبل المنبسط . وقيل : هو الجبل الصغير ، وقيل : الروابي الصغار . والجمع ظراب .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النمل: 87 | ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ |
---|
الزمر: 68 | ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الصور:
وقرئ:
بفتح الواو، جمع صورة، وهى قراءة قتادة، وزيد بن على.
التفسير :
{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضحمل، وهو كذلك، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا، فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي:كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما قال تعالى:{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف:{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}
{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم.{ وَالشُّهَدَاءِ} من الملائكة، والأعضاء والأرض.{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي:العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومن هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب.
والمراد بالأرض في قوله- تعالى-: بعد ذلك: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها..
أرض المحشر.
وأصل الإشراق: الإضاءة. يقال: أشرقت الشمس إذا أضاءت، وشرقت: إذا طلعت.
قال ابن كثير: وقوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها أى: أضاءت- الأرض- يوم القيامة، إذا تجلى الحق- تبارك وتعالى- للخلائق لفصل القضاء .
والمراد بالكتاب في قوله- تعالى-: وَوُضِعَ الْكِتابُ صحائف الأعمال التي تكون في أيدى أصحابها.
فالمراد بالكتاب جنسه، أى: أعطى كل واحد كتابه إما بيمينه. وإما بشماله. وقيل المراد بالكتاب هنا: اللوح المحفوظ الذي فيه أعمال الخلق.
وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ أى: وبعد أن أعطى كل إنسان صحائف أعماله جيء بالنبيين لكي يشهدوا على أممهم أنهم بلغوهم ما كلفهم الله بتبليغه إليهم، وجيء بالشهداء وهم الملائكة الذين يسجلون على الناس أعمالهم من خير وشر، كما قال- تعالى-: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ. وقيل المراد بهم: من استشهدوا في سبيل الله.
ثم بين- سبحانه- مظاهر عدالته في جمل حكيمة فقال: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أى:
وقضى- سبحانه- بين الجميع بقضائه العادل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أى: نوع من الظلم.
وقوله : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) أي : أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق ، تبارك وتعالى ، للخلائق لفصل القضاء ، ( ووضع الكتاب ) قال قتادة : كتاب الأعمال ، ( وجيء بالنبيين ) قال ابن عباس : يشهدون على الأمم بأنهم بلغوهم رسالات الله إليهم ، ( والشهداء ) أي : الشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر ، ( وقضي بينهم بالحق ) أي : بالعدل ( وهم لا يظلمون ) قال الله [ تعالى ] : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] ، وقال [ الله ] تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] ، ولهذا قال :
القول في تأويل قوله تعالى : وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها, يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت, وأشرقت: إذا طلعت, وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر. قال. ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.
حدثنا محمد, قال ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) قال: أضاءت.
وقوله ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) يعني. كتاب أعمالهم لمحاسبتهم ومجازاتهم.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال ثنا سعيد, عن قتادة ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) قال: كتب أعمالهم.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) قال: الحساب.
وقوله: ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) يقول: وجيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم, وردت عليهم في الدنيا, حين أتتهم رسالة الله، والشهداء, يعني بالشهداء: أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , ويستشهدهم ربهم على الرسل, فيما ذكرت من تبليغها رسالة الله التي أرسلهم بها ربهم إلى أممها, إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة الله, والشهداء: جمع شهيد, وهذا نظير قول الله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا . وقيل: عنى بقوله: ( الشُّهَدَاءِ ) : الذين قتلوا في سبيل الله، وليس لما قالوا من ذلك في هذا الموضع كبير معنى, لأن عقيب قوله: ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) , وفي ذلك دليل واضح على صحة ما قلنا من أنه إنما دعى بالنبيين والشهداء للقضاء بين الأنبياء وأممها, وأن الشهداء إنما هي جمع شهيد, الذين يشهدون للأنبياء على أممهم كما ذكرنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة, وبتكذيب الأمم إياهم.
* ذكر من قال ما حكينا قوله من القول الآخر:
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) : الذين استشهدوا في طاعة الله.
وقوله: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) يقول تعالى ذكره: وقضي بين النبيين وأممها بالحقّ, وقضاؤه بينهم بالحقّ, أن لا يحمل على أحد ذنب غيره, ولا يعاقب نفسا إلا بما كسبت.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 47 | ﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
يونس: 54 | ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
الزمر: 69 | ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وأشرقت:
1- مبينا للفاعل، أي، أضاءت، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبينا للمفعول، من: شرقت بالضوء، تشرق، إذا امتلأت، وهى قراءة ابن عباس، وعبيد بن عمير.
التفسير :
فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون للّه بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم، ولهذا قال:{ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خير أو شر وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ أى: وهو- سبحانه- عليم بما يفعلونه من طاعة أو معصية، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه، بل هو- تعالى- يعلم السر وأخفى.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة ببيان مصير الكافرين، وببيان مصير المتقين. وببيان ما يقوله المتقون عند ما يرون النعيم المقيم الذي أعده- سبحانه- لهم، فقال- تعالى-:
أي من خير أو شر "وهو أعلم بما يفعلون".
القول في تأويل قوله تعالى : وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
يقول تعالى ذكره: ووفى الله حينئذ كل نفس جزاء عملها من خير وشرّ, وهو أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية, ولا يعزب عنه علم شيء من ذلك, وهو مجازيهم عليه يوم القيامة, فمثيب المحسن بإحسانه, والمسيء بما أساء.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 30 | ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ |
---|
النحل: 111 | ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ |
---|
الزمر: 70 | ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر تعالى حكمه بين عباده، الذين جمعهم في خلقه ورزقه وتدبيره، واجتماعهم في الدنيا، واجتماعهم في موقف القيامة، فرقهم تعالى عند جزائهم، كما افترقوا في الدنيا بالإيمان والكفر، والتقوى والفجور، فقال:{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} أي:سوقا عنيفا، يضربون بالسياط الموجعة، من الزبانية الغلاظ الشداد، إلى شر محبس وأفظع موضع، وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب، وحضرها كل شقاء، وزال عنها كل سرور، كما قال تعالى:{ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي:يدفعون إليها دفعا، وذلك لامتناعهم من دخولها.
ويساقون إليها{ زُمَرًا} أي:فرقا متفرقة، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها، وتشاكل سعيها، يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض.{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي:وصلوا إلى ساحتها{ فُتِحَتْ} لهم أي:لأجلهم{ أَبْوَابُهَا} لقدومهم وقِرًى لنزولهم.
{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} مهنئين لهم بالشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع:{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} أي:من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم، وتتمكنون من التلقي عنهم؟.{ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} التي أرسلهم اللّه بها، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين.
{ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي:وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم، باستعمال تقواه، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال؟
{ قَالُوا} مقرين بذنبهم، وأن حجة اللّه قامت عليهم:{ بَلَى} قد جاءتنا رسل ربنا بآياته وبيناته، وبينوا لنا غاية التبيين، وحذرونا من هذا اليوم.{ وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي:بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب، التي هي لكل من كفر بآيات اللّه، وجحد ما جاءت به المرسلون، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم.
وقوله- تعالى- وَسِيقَ من السوق بمعنى الدفع، والمراد به هنا الدفع بعنف مع الإهانة وزُمَراً أى: جماعات متفرقة بعضها في إثر بعض. جمع زمرة وهي الجماعة القليلة، أى: وسيق الذين كفروا إلى نار جهنم جماعات جماعات، وأفواجا أفواجا.
حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها لتستقبلهم بحرها وسعيرها، وكأنها قبل مجيئهم إليها كانت مغلقة كما تغلق أبواب السجون، فلا تفتح إلا لمن هم أهل لها بسبب جرائمهم.
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها على سبيل الزجر والتأنيب أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ أى: من جنسكم تفهمون عنهم ما يقولونه لكم.
وهؤلاء الرسل يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ المنزلة لمنفعتكم وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أى: ويخوفونكم من أهوال يومكم هذا وهو يوم القيامة.
قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ أى: قالوا في جوابهم على سائليهم: بلى قد أتانا الرسل وبلغونا رسالة الله، ولكننا لم نطعهم، فحقت كلمة العذاب علينا، ووجبت علينا كلمة الله التي قال فيها: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار ؟ وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد ، كما قال تعالى : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) [ الطور : 13 ] أي : يدفعون إليها دفعا . هذا وهم عطاش ظماء ، كما قال في الآية الأخرى : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) [ مريم : 86 ، 85 ] . وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي ، منهم من يمشي على وجهه ، ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء : 97 ] .
وقوله : ( حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ) أي : بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعا ، لتعجل لهم العقوبة ، ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية - الذين هم غلاظ الأخلاق ، شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل - : ( ألم يأتكم رسل منكم ) أي : من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم ، ( يتلون عليكم آيات ربكم ) أي : يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه ، ( وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) أي : ويحذرونكم من شر هذا اليوم ؟ فيقول الكفار لهم : ( بلى ) أي : قد جاءونا وأنذرونا ، وأقاموا علينا الحجج والبراهين ، ( ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) أي : ولكن كذبناهم وخالفناهم ، لما سبق إلينا من الشقوة التي كنا نستحقها حيث عدلنا عن الحق إلى الباطل ، كما قال تعالى مخبرا عنهم في الآية الأخرى : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [ الملك : 8 - 10 ] ، أي : رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة ( فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ) [ الملك : 11 ] أي : بعدا لهم وخسارا .
وقوله: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ ) يقول: وحشر الذين كفروا بالله إلى ناره التي أعدّها لهم يوم القيامة جماعات, جماعة جماعة, وحزبا حزبا.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة في قوله: ( زُمَرًا ) قال: جماعات.
وقوله: ( إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) السبعة ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) قوامها: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ) يعني: كتاب الله المنـزل على رسله وحججه التي بعث بها رسله إلى أممهم ( وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) يقول: وينذرونكم ما تلقون في يومكم هذا ، وقد يحتمل أن يكون معناه: وينذرونكم مصيركم إلى هذا اليوم. قالوا: بلى: يقول: قال الذين كفروا مجيبين لخزنة جهنم: بلى قد أتتنا الرسل منا, فأنذرتنا لقاءنا هذا اليوم ( وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) يقول: قالوا: ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به علينا بكفرنا به.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) بأعمالهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
فصلت: 20 | ﴿ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ |
---|
الزمر: 71 | ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ |
---|
الزمر: 73 | ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يأتكم:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- تأتكم، بتاء التأنيث، وهى قراءة ابن هرمز.
التفسير :
فـ{ قِيلَ} لهم على وجه الإهانة والإذلال:{ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسبها ويوافق عملها.{ خَالِدِينَ فِيهَا} أبدا، لا يظعنون عنها، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون.{ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} أي:بئس المقر، النار مقرهم، وذلك لأنهم تكبروا على الحق، فجازاهم اللّه من جنس عملهم، بالإهانة والذل، والخزي.
وهنا رد عليهم السائلون بقولهم: ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، خلودا أبديا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أى: فبئس المكان المعد للمتكبرين جهنم.
وقوله هاهنا : ( قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ) أي : كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب ; ولهذا لم يسند هذا القول إلى قائل معين ، بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم مستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم به ; ولهذا قال جل وعلا ( قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها لا خروج لكم منها ، ولا زوال لكم عنها ، ( فبئس مثوى المتكبرين ) أي : فبئس المصير وبئس المقيل لكم ، بسبب تكبركم في الدنيا ، وإبائكم عن اتباع الحق ، فهو الذي صيركم إلى ما أنتم فيه ، فبئس الحال وبئس المآل .
القول في تأويل قوله تعالى : قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
يقول تعالى ذكره: فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ: ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) السبعة على قدر منازلكم فيها( خَالِدِينَ فِيهَا ) يقول: ماكثين فيها لا يُنقلون عنها إلى غيرها.( فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) يقول: فبئس مسكن المتكبرين على الله في الدنيا, أن يوحدوه ويفردوا له الألوهة, جهنم يوم القيامة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 29 | ﴿فَـ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ |
---|
الزمر: 72 | ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ |
---|
غافر: 76 | ﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم قال عن أهل الجنة:{ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب.{ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله.{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي:وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها.{ وَفُتِحَتْ} لهم{ أَبْوَابُهَا} فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها.{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} تهنئة لهم وترحيبا:{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي:سلام من كل آفة وشر حال.عليكم{ طِبْتُمْ} أي:طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته.{ فـ} بسبب طيبكم{ ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.
وقال في النار{ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وفي الجنة{ وَفُتِحَتْ} بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.
وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.
وبعد هذا البيان المرعب لمصير الكافرين، جاء البيان الذي يشرح الصدور بالنسبة لحال المتقين فقال- تعالى-: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً أى: جماعات.
قال الآلوسى: أى: جماعات مرتبة حسب ترتب طبقاتهم في الفضل.
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أول زمرة تدخل الجنة من أمتى على صورة القمر ليلة البدر» .
والمراد بالسوق هنا: الحث على المسير للإسراع إلى الإكرام بخلافه فيما تقدم فإنه لإهانة الكفرة، وتعجيلهم إلى العقاب والآلام، واختير للمشاكلة.. .
ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء المتقين من نعيم مقيم فقال: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ.
والواو في قوله وَفُتِحَتْ للحال، والجملة حالية بتقدير قد، وجواب إِذا مقدر بعد قوله خالِدِينَ.
أى: حتى إذا جاءوها، وقد فتحت أبوابها على سبيل التكريم لهم، وقال لهم خزنتها بفرح وحبور: سلام عليكم من جميع المكاره، طبتم من دنس المعاصي، فادخلوها خالدين أى:
حتى إذا جاءوها وقالوا لهم ذلك سعدوا وابتهجوا.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: وحتى هنا هي التي تحكى بعدها الجمل. والجملة المحكية بعدها هي الشرطية، إلا أن جزاءها محذوف لأنه صفة ثواب أهل الجنة، فدل بحذفه على أنه شيء لا يحبط به الوصف. وحق موقعه ما بعد «خالدين» .
وقيل: حتى إذا جاءوها، وفتحت أبوابها. أى: مع فتح أبوابها.. .
وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدا إلى الجنة ) زمرا ) أي : جماعة بعد جماعة : المقربون ، ثم الأبرار ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم : الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم ، والشهداء مع أضرابهم ، والعلماء مع أقرانهم ، وكل صنف مع صنف ، كل زمرة تناسب بعضها بعضا .
( حتى إذا جاءوها ) أي : وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، وقد ورد في حديث الصور أن المؤمنين إذا انتهوا إلى أبواب الجنة تشاوروا فيمن يستأذن لهم بالدخول ، فيقصدون ، آدم ، ثم نوحا ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى ، ثم محمدا ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، كما فعلوا في العرصات عند استشفاعهم إلى الله - عز وجل - أن يأتي لفصل القضاء ، ليظهر شرف محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر البشر في المواطن كلها .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول شفيع في الجنة " وفي لفظ لمسلم : " وأنا أول من يقرع باب الجنة " . .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا سليمان ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد . قال : يقول : بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك " .
ورواه مسلم عن عمرو الناقد وزهير بن حرب ، كلاهما عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن سليمان - وهو ابن المغيرة القيسي - عن ثابت ، عن أنس ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون فيها ، ولا يتغوطون فيها . آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن . لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا " .
رواه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك . ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، كلاهما عن معمر بإسناده نحوه . وكذا رواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء " .
وأخرجاه أيضا من حديث جرير .
وقال الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل الجنة من أمتي زمرة ، هم سبعون ألفا ، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " . فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله ، أن يجعلني منهم : فقال : " اللهم اجعله منهم " . ثم قام رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال - صلى الله عليه وسلم - : " سبقك بها عكاشة " .
أخرجاه وقد روى هذا الحديث - في السبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب - البخاري ومسلم ، عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعمران بن حصين ، وابن مسعود ، ورفاعة بن عرابة الجهني ، وأم قيس بنت محصن .
ولهما عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا - أو : سبعمائة ألف - آخذ بعضهم ببعض ، حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر " . .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : وعدني ربي - عز وجل - أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ولا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي - عز وجل - " .
وكذا رواه الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر [ و ] أبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي عن أبي أمامة [ رضي الله عنه ] .
ورواه الطبراني ، عن عتبة بن عبد السلمي : " ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفا " .
وروي مثله ، عن ثوبان وأبي سعيد الأنماري ، وله شواهد من وجوه كثيرة .
وقوله : ( حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) لم يذكر الجواب هاهنا ، وتقديره : حتى إذا جاءوها ، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما ، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء ، لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب ، فتقديره : إذا كان هذا سعدوا وطابوا ، وسروا وفرحوا ، بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم . وإذا حذف الجواب هاهنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل .
ومن زعم أن " الواو " في قوله : ( وفتحت أبوابها ) واو الثمانية ، واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية ، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع . وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله ، دعي من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر ، رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ، ما على أحد من ضرورة دعي ، من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " .
ورواه البخاري ومسلم ، من حديث الزهري ، بنحوه .
وفيهما من حديث أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة ثمانية أبواب ، باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " .
وفي صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو : فيسبغ الوضوء - ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء " . .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مفتاح الجنة : لا إله إلا الله " .
ذكر سعة أبواب الجنة - نسأل الله العظيم من فضله أن يجعلنا من أهلها - :
في الصحيحين من حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] في حديث الشفاعة الطويل : " فيقول الله يا محمد ، أدخل من لا حساب عليه .
من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر . والذي نفس محمد بيده ، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة - ما بين عضادتي الباب - لكما بين مكة وهجر - أو هجر ومكة " . وفي رواية : " مكة وبصرى " .
وفي صحيح مسلم ، عن عتبة بن غزوان أنه خطبهم خطبة فقال فيها : " ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة ، مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام " .
وفي المسند عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .
وقال عبد بن حميد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة " .
وقوله : ( وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم ) أي : طابت أعمالكم وأقوالكم ، وطاب سعيكم فطاب جزاؤكم ، كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينادى بين المسلمين في بعض الغزوات : " إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة " وفي رواية : " مؤمنة " . .
وقوله : ( فادخلوها خالدين ) أي : ماكثين فيها أبدا ، لا يبغون عنها حولا .
القول في تأويل قوله تعالى : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
يقول تعالى ذكره: وحُشر الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه في الدنيا, وأخلصوا له فيها الألوهة, وأفردوا له العبادة, فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئا( إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) يعني جماعات, فكان سوق هؤلاء إلى منازلهم من الجنة وفدا على ما قد بيَّنا قبل فى سورة مريم على نجائب من نجائب الجنة, وسوق الآخرين إلى النار دعًّا ووردا, كما قال الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكر ذلك في أماكنه من هذا الكتاب.
وقد حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا , وفي قوله: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) قال: كان سوق أولئك عنفا وتعبا ودفعا, وقرأ: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا قال: يدفعون دفعا, وقرأ: فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . قال: يدفعه, وقرأ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا - و نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا . ثم قال: فهؤلاء وفد الله.
حدثنا مجاهد بن موسى, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا شريك بن عبد الله, عن أبي إسحاق, عن عاصم بن ضمرة, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) حتى إذا انتهوا إلى بابها, إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان, فعمدوا إلى إحداهما, فشربوا منها كأنما أمروا بها, فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى, ثم عمدوا إلى الأخرى, فتوضئوا منها كأنما أمروا به, فجرت عليهم نضرة النعيم, فلن تشعث رءوسهم بعدها أبدا ولن تبلى ثيابهم بعدها, ثم دخلوا الجنة, فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون, فيقولون: أبشر, أعد الله لك كذا, وأعد لك كذا وكذا, ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر, يتلألأ كأنه البرق, فلولا أن الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب, ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه, فيقول: أبشري قد قدم فلان بن فلان, فيسميه باسمه واسم أبيه, فتقول: أنت رأيته, أنت رأيته! فيستخفها الفرح حتى تقوم, فتجلس على أسكفة بابها, فيدخل فيتكئ على سريره, ويقرأ هذه الآية: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ... الآية.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: ذكر أبو إسحاق عن الحارث, عن عليّ رضي الله عنه قال: يساقون إلى الجنة, فينتهون إليها, فيجدون عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان تجريان, فيعمدون إلى إحداهما, فيغتسلون منها, فتجري عليهم نضرة النعيم, فلن تشعث رءوسهم بعدها أبدا, ولن تغبر جلودهم بعدها أبدا, كأنما دهنوا بالدهان ، ويعمدون إلى الأخرى, فيشربون منها, فيذهب ما في بطونهم من قذى أو أذى, ثم يأتون باب الجنة فيستفتحون, فيفتح لهم, فتتلقاهم خزنة الجنة فيقولون سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال: وتتلقاهم الولدان المخلدون, يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة, يقولون: أبشر أعد الله لك كذا, وأعد لك كذا, فينطلق أحدهم إلى زوجته, فيبشرها به, فيقول: قدم فلان باسمه الذي كان يسمى به في الدنيا, وقال: فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها, وتقول: أنت رأيته, أنت رأيته ؟ قال: فيقول: نعم, قال: فيجيء حتى يأتي منـزله, فإذا أصوله من جندل اللؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر, قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة, والنمارق مصفوفة, والزرابيّ مبثوثة قال: ثم يدخل إلى زوجته من الحور العين, فلولا أن الله أعدها له لالتمع بصره من نورها وحسنها، قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ قال: فتناديهم الملائكة: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, قال: ذكر السديّ نحوه أيضا, غير أنه قال: لهو أهدى إلى منـزله في الجنة منه إلى منـزله في الدنيا, ثم قرأ السديّ: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ .
واختلف أهل العربية في موضع جواب " إذا " التي في قوله ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) فقال بعض نحويي البصرة: يقال إن قوله ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) في معنى: قال لهم, كأنه يلغي الواو, وقد جاء في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة, كما قال الشاعر:
فــإذَا وَذلـكَ يـا كُبَيْشَـةُ لَـمْ يَكُـنْ
إلا تَــــوَهُّمَ حَـــاِلمٍ بِخَيـــالٍ (2)
فيشبه أن يكون يريد: فإذا ذلك لم يكن. قال: وقال بعضهم: فأضمر الخبر, وإضمار الخبر أيضا أحسن في الآية, وإضمار الخبر في الكلام كثير. وقال آخر منهم: هو مكفوف عن خبره, قال: والعرب تفعل مثل هذا ، قال عبد مَناف بن ربع في آخر قصيدة:
حــتى إذَا أسْــلَكُوهُمْ فِـي قُتـائِدَةٍ
شَـلا كمـا تَطْـرُدُ الجَمَّالَـةُ الشُّـرُدا (3)
وقال الأخطل في آخر القصيدة:
خَـلا أنَّ حيَّـا مـن قُـرَيْشٍ تَفَصَّلُـوا
عـلى النَّـاسِ أوْ أنَّ الأكـارِمَ نَهْشَـلا (4)
وقال بعض نحويِّي الكوفة: أدخلت في حتى إذا وفي فلما الواو في جوابها وأخرجت, فأما من أخرجها فلا شيء فيه, ومن أدخلها شبه الأوائل بالتعجب, فجعل الثاني نسقا على الأوّل, وإن كان الثاني جوابا كأنه قال: أتعجب لهذا وهذا.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: الجواب متروك, وإن كان القول الآخر غير مدفوع, وذلك أن قوله: ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) يدلّ على أن في الكلام متروكا, إذ كان عقيبه ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) ، وإذا كان ذلك كذلك, فمعنى الكلام: حتى إذا جاءوا وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين, دخلوها وقالوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده. وعنى بقوله ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) : أمنة من الله لكم أن ينالكم بعدُ مكروه أو أذى. وقوله ( طِبْتُمْ ) يقول: طابت أعمالكم في الدنيا, فطاب اليوم مثواكم.
وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثنا محمد بن عمر, قال: ثنا أبو عاصم. قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد يقول في ( طِبْتُمْ ) قال: كنتم طيبين في طاعة الله.
------------------------
الهوامش:
(2) هذا البيت لم نقف على قائله . استشهد به المؤلف عند قوله تعالى" حتى إذا جاءوها وفتحت" على أن الواو زائدة في قوله تعالى" وفتحت أبوابها" كزيادتها في قول الشاعر :" فإذا وذلك" لأن الشاعر يريد :" فإذا ذلك" بدون واو .
(3) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ( اللسان : جمل ) . و ( خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 3 : 170 ) شاهد على أن جواب إذ عند الرضي شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر . ( وقد تقدم الاستشهاد به على هذا وغيره في الجزء 14 : 9 ) فراجعه ثمة . وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة ( الورقة 217 ) قال : وقوله" حتى إذا جاءوها ، وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" : مكفوف عن خبره ( أي محذوف خبره ) والعرب تفعل مثل هذا . قال عبد مناف :" حتى إذا أسلكوهم ... البيت" . وفي خزانة الأدب للبغدادي ( 3 : 171) : وقال في الصحاح : إذا : زائدة. أو يكون قد كف عن خبره ، لعلم السامع . هـ . ورد قوله بأن إذا اسم ، والاسم لا يكون لغوا . ا هـ .
(4) البيت للأخطل ، قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 217) وذكر البيت بعقب البيت الذي قبله ، ولم يبين موضع الشاهد فيه وهو قوله" أو أن المكارم نهشلا ..." فلم يذكر خبر أن الثانية ، كما لم يذكر جواب" إذا" في بيت عبد مناف قبله . والعرب تفعل ذلك إذا كان مفهوما من السياق . وتقدير المحذوف في هذا البيت : أو أن الأكارم نهشلا تفضلوا على الناس .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الزمر: 71 | ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ |
---|
الزمر: 73 | ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَقَالُوا} عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أي:وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا.{ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي:أرض الجنة{ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} أي:ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده.{ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.
وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه،.ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.
ثم بين- سبحانه- ما يقوله المتقون عند دخولهم الجنة على سبيل الشكر لله- تعالى-:
فقال: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بأن بعثنا من مرقدنا، ومنحنا المزيد من عطائه ونعمه وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ أى: أرض الجنة التي استقروا فيها.
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أى: ينزل كل واحد منا من جنته الواسعة حيث يريد، دون أن يزاحمه فيها مزاحم، أو ينازعه منازع.
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الجنة التي منحها- سبحانه- لعباده المتقين.
( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ) أي : يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر ، والعطاء العظيم ، والنعيم المقيم ، والملك الكبير ، يقولون عند ذلك : ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) أي : الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام ، كما دعوا في الدنيا : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران : 194 ] ، ( وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف : 43 ] ، ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) [ فاطر : 35 ، 34 ] .
وقولهم : ( وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) قال أبو العالية ، وأبو صالح ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد : أي أرض الجنة .
وهذه الآية كقوله : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء : 105 ] ، ولهذا قالوا : ( نتبوأ من الجنة حيث نشاء ) أي : أين شئنا حللنا ، فنعم الأجر أجرنا على عملنا .
وفي الصحيحين من حديث الزهري ، عن أنس في قصة المعراج قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " .
وقال عبد بن حميد : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد [ رضي الله عنه ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ابن صائد عن تربة الجنة ؟ فقال : درمكة بيضاء مسك خالص : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صدق " .
وكذا رواه مسلم ، من حديث أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، به .
ورواه مسلم [ أيضا ] عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ; أن ابن صائد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة ، فقال : " درمكة بيضاء مسك خالص " .
وقول ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله تعالى : ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) ، قال : سيقوا حتى انتهوا إلى باب من أبواب الجنة ، فوجدوا عندها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فعمدوا إلى إحداهما فتطهروا منها ، فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلم تغير أبشارهم بعدها أبدا ، ولم تشعث أشعارهم أبدا بعدها ، كأنما دهنوا بالدهان ، ثم عمدوا إلى الأخرى كأنما أمروا بها ، فشربوا منها ، فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو قذى ، وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنة : ( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) . ويلقى كل غلمان صاحبهم يطيفون به ، فعل الولدان بالحميم جاء من الغيبة : أبشر ، قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا ، قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا . وقال : وينطلق غلام من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين ، فيقول : هذا فلان - باسمه في الدنيا - فيقلن : أنت رأيته ؟ فيقول : نعم . فيستخفهن الفرح حتى تخرج إلى أسكفة الباب . قال : فيجيء فإذا هو بنمارق مصفوفة ، وأكواب موضوعة ، وزرابي مبثوثة . قال : ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه ، فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ ، بين أحمر وأخضر وأصفر [ وأبيض ] ، ومن كل لون . ثم يرفع طرفه إلى سقفه ، فلولا أن الله قدره له ، لألم أن يذهب ببصره ، إنه لمثل البرق . ثم ينظر إلى أزواجه من الحور العين ، ثم يتكئ على أريكة من أرائكه ، ثم يقول : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) [ الأعراف : 43 ] الآية .
ثم قال : حدثنا ، أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي قال : سمعت أبا معاذ البصري يقول : إن عليا - رضي الله عنه - كان ذات يوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي ، بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون - أو : يؤتون - بنوق لها أجنحة ، وعليها رحال الذهب ، شراك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من إحداهما فيغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى ، فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا ، وتجري عليهم نضرة النعيم ، فينتهون - أو : فيأتون - باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفيحة ، فيسمع لها طنين يا علي ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قيمها فيفتح له ، فإذا رآه خر له - قال مسلمة : أراه قال : ساجدا - فيقول : ارفع رأسك ، فإنما أنا قيمك ، وكلت بأمرك . فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة ، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ، ثم تقول : أنت حبي ، وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن " . فيدخل بيتا من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ ، طرائق أصفر وأخضر وأحمر ، ليس فيها طريق تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه . الأنهار من تحتهم تطرد ، أنهار من ماء غير آسن - قال : صاف ، لا كدر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه - قال : لم يخرج من ضروع الماشية - وأنهار من خمر لذة للشاربين - قال : لم تعصرها الرجال بأقدامهم - وأنهار من عسل مصفى - قال : لم يخرج من بطون النحل . يستجني الثمار ، فإن شاء قائما ، وإن شاء قاعدا ، وإن شاء متكئا - ثم تلا ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) [ الإنسان : 14 ] - فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض - قال : وربما قال : أخضر . قال : - فترفع أجنحتها ، فيأكل من جنوبها ، أي الألوان شاء ، ثم يطير فيذهب ، فيدخل الملك فيقول : سلام عليكم ، تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون . ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض ، لأضاءت الشمس معها سوادا في نور " .
هذا حديث غريب ، وكأنه مرسل ، والله أعلم .
وقوله: ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) يقول وقال الذين سيقوا زمرا ودخلوها: الشكر خالص لله الذي صدقنا وعده, الذي كان وعَدناه في الدنيا على طاعته, فحققه بإنجازه لنا اليوم,( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) يقول: وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا, فدخلوها, ميراثا لنا عنهم.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) قال: أرض الجنة.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) أرض الجنة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) قال: أرض الجنة, وقرأ: أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ .
وقوله: ( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) يقول: نتخذ من الجنة بيتا, ونسكن منها حيث نحب ونشتهي.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) ننـزل منها حيث نشاء.
وقوله: ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) يقول: فنعم ثواب المطيعين لله, العاملين له في الدنيا الجنة لمن أعطاه الله إياها في الآخرة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 136 | ﴿أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ |
---|
العنكبوت: 58 | ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ |
---|
الزمر: 74 | ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء