67133134135136137138139140

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (133) الى الآية رقم (136) عدد الآيات (4)

بعدَ التخويفِ من النَّارِ دعا للمسارعةِ إلى فعلِ الخيراتِ لنيلِ مغفرتِه ودخولِ جنَّتِه التي أعدَّها للمتَّقينَ، ثُمَّ بَيَّنَ صفاتِهم التي استَّحقُّوا بسببِها الجنَّةَ، ثُمَّ أَخبَرَ بجزائِهم.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (137) الى الآية رقم (140) عدد الآيات (4)

تعزيةُ المؤمنينَ على ما أصابَهم في غزوةِ أُحدٍ، وأنَّه قدْ مضتْ من قبلِكم سُننٌ إلهيةٌ في إهلاكِ الكافرينَ، فلا تضعُفُوا ولا تحزنُوا، وإن أصابَكم جِرَاحٌ وقَتْلٌ فقد أصابَ الكفارَ مثلُه.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟: آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة:: تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة:: أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم :: آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية :: تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة :: كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة :: أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة :: أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾

مدارسة الآية : [133] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ..

التفسير :

[133] وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة، عرضها السموات والأرض، أعدَّها الله للمتقين.

ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها

ثم أمرهم- سبحانه- بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى مغفرة الله ورضوانه فقال: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

قال الآلوسى: وسبب نزول هذه الآية على ما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن عطاء بن أبى رباح: أن المسلمين قالوا: يا رسول الله. بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة داره اجدع أنفك، اجدع أذنك، افعل كذا وكذا فسكت صلّى الله عليه وسلّم فنزلت هذه الآيات إلى قوله وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الآية فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلاها عليهم».

وقوله: سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ من السرعة بمعنى المبادرة إلى الشيء بدون تأخير أو تردد. والكلام على حذف مضاف: أى سارعوا وبادروا إلى ما يوصلكم إلى ما به تظفرون بمغفرة ربكم ورحمته ورضوانه وجنته، بأن تقوموا بأداء ما كلفكم به من واجبات، وتنتهوا عما نهاكم عنه من محظورات.

ولقد قرأ نافع وابن عامر بغير واو، وهي قراءة أهل المدينة والشام. والباقون بالواو، وهي قراءة أهل مكة والعراق.

فمن قرأ بالواو، جعل قوله- تعالى- وَسارِعُوا، معطوفا على قوله وَأَطِيعُوا أى:

أطيعوا الله والرسول وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.

ومن قرأ بغير واو جعل قوله «سارعوا» مستأنفا، إذ هو بمنزلة البيان أو بدل الاشتمال.

ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة للمغفرة أى مغفرة كائنة من ربكم..

ولقد عظم- سبحانه- بذلك شأن هذه المغفرة التي ينبغي طلبها بإسراع ومبادرة، بأن جاء بها منكرة، وبأن وصفها بأنها كائنة منه- سبحانه- هو الذي خلق الخلق بقدرته، ورباهم برعايته.

ووصف- سبحانه- الجنة بأن عرضها السموات والأرض على طريقة التشبيه البليغ، بدليل التصريح بحرف التشبيه في قوله- تعالى- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: وفي معنى أن عرض الجنة مثل عرض السموات والأرض وجوه منها: أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا، بحيث تكون كل واحدة من تلك الطبقات سطحا مؤلفا من أجزاء لا تتجزأ، ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله.

ومنها أن المقصود المبالغة في وصف السعة للجنة، وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما ونظيره قوله خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ. فإن أطول الأشياء بقاء عندنا هو السموات والأرض، فخوطبنا على وفق ما عرفناه، فكذا هنا» .

وخص- سبحانه- العرض بالذكر، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها «لأن العرض في العادة أقل من الطول. وذلك كقوله- تعالى- في صفة فرش الجنة مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ لأنه إذا كانت بطانة الفرش من الحرير فكيف يكون ما فوق البطانة مما تراه الأعين؟.

قال القفال: ليس المراد بالعرض هاهنا ما هو خلاف الطول، بل هو عبارة عن السعة كما تقول العرب: بلاد عريضة، ويقال هذه دعوى عريضة أى واسعة عظيمة. والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق، وما ضاق عرضه دق، فجعل العرض كناية عن السعة» .

قال ابن كثير: وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار» .

وعن أبى هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أرأيت قوله- تعالى-: جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فأين النار قال: أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء فأين النهار؟

قال: حيث شاء الله فقال صلّى الله عليه وسلّم: «وكذلك النار تكون حيث شاء الله» .

وقوله- تعالى- أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أى هيئت للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله، وجعلوا بينهم وبينها وقاية وساترا، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى.

ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات ، فقال : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) أي : كما أعدت النار للكافرين . وقد قيل : إن معنى قوله : ( عرضها السماوات والأرض ) تنبيها على اتساع طولها ، كما قال في صفة فرش الجنة : ( بطائنها من إستبرق ) [ الرحمن : 54 ] أي : فما ظنك بالظهائر ؟ وقيل : بل عرضها كطولها ، لأنها قبة تحت العرش ، والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله . وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة ، وسقفها عرش الرحمن " .

وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) الآية [ رقم : 21 ] .

وقد روينا في مسند الإمام أحمد : أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " .

وقد رواه ابن جرير فقال : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني مسلم بن خالد ، عن أبي خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى بن مرة قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص ، شيخا كبيرا فسد ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره . قال : قلت : من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية . فإذا كتاب صاحبي : " إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " .

وقال الأعمش ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب ، أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال عمر [ رضي الله عنه ] أرأيتم إذا جاء الليل أين النهار ؟ وإذا جاء النهار أين الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة .

رواه ابن جرير من الثلاثة الطرق ثم قال : حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا جعفر بن برقان ، أنبأنا يزيد بن الأصم : أن رجلا من أهل الكتاب قال : يقولون : ( جنة عرضها السماوات والأرض ) فأين النار ؟ فقال ابن عباس : أين يكون الليل إذا جاء النهار ، وأين يكون النهار إذا جاء الليل ؟

وقد روي هذا مرفوعا ، فقال البزار : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا المغيرة بن سلمة أبو هشام ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن عمه يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت قوله تعالى : ( جنة عرضها السماوات والأرض ) فأين النار ؟ قال : " أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء ، فأين النهار ؟ " قال : حيث شاء الله . قال : " وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل " .

وهذا يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون المعنى في ذلك : أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون في مكان ، وإن كنا لا نعلمه ، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل ، وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة ، عن البزار .

الثاني : أن يكون المعنى : أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب ، فإن الليل يكون من الجانب الآخر ، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السماوات تحت العرش ، وعرضها كما قال الله ، عز وجل : ( كعرض السماء والأرض ) [ الحديد : 21 ] والنار في أسفل سافلين . فلا تنافي بين كونها كعرض السماوات والأرض ، وبين وجود النار ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأطيعوا الله، أيها المؤمنون، فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وفيما أمركم به الرسول. يقول: وأطيعوا الرسول أيضًا كذلك =" لعلكم ترحمون "، يقول: لترحموا فلا تعذبوا.

* * *

وقد قيل إن ذلك معاتبة من الله عز وجل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمرَه يوم أحد، فأخلُّوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها.

*ذكر من قال ذلك:

7829- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وأطيعوا &; 7-207 &; الله والرسول لعلكم ترحمون "، معاتبة للذين عصوْا رسوله حين أمرهم بالذي أمرهم به في ذلك اليوم وفي غيره - يعني: في يوم أحُد. (81)

* * *

----------------

(81) الأثر: 7829- سيرة ابن هشام 3: 115 ، تابع الآثار التي آخرها: 7828.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[133] في آل عمران: ﴿وَسَارِعُوا﴾، وفي [الحديد: 21]: ﴿سَابِقُوا﴾ أين الذين يسارعون إلى الخيرات؟ وأين الذين إذا دخلوا الميدان لا يرضون بأن يكونوا في الأخير؟ بل هم حريصون على السبق، وبهذا يتحقق التدبر العملي للآيتين.
وقفة
[133] في آل عمران: ﴿وَسَارِعُوا﴾، وفي الحديد: ﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: 21] سارع وسابق إلى الله، وإن صعب عليك فهرول، وإن تعبت فامشي، فإن لم تستطع فسر ولو حبوًا، الغاية ألَّا تتوقف إلي الله.
وقفة
[133] على قدر الهدف تكون سرعة الإنطلاق، ففي طلب الرزق: قال سبحانه: ﴿فَامْشُوا﴾ [الملك: 15]، وللصلاة قال: ﴿فَاسْعَوْا﴾ [الجمعة: 9]، وللجنة قال: ﴿وَسَارِعُوا﴾، وأما إليه فقال: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ﴾ [الذاريات: 50]، فما أجمله من كلام رب عليم خبير، فسبحان من بيده الأمر كله.
عمل
[133] اسبـق اليـوم غيـرك إلى عـمل صـالح؛ رجـاء أن تدخـل في هذه الآيــة: ﴿وَسَارِعُوا﴾.
وقفة
[133] كل الطرق مراقبة بأجهزة ضبط السرعة، إلا الطريق إلى الله مكتوب عليه ﴿وَسَارِعُوا﴾.
عمل
[133] ‏تطور، استفد، تقدم، تعلم، أنجز، أبدع، فالقُرآن يقول: ﴿وَسَارِعُوا﴾، و﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: 21]، و﴿فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]، و﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: 61].
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لم نؤمر بالمسارعة لأن المغفرة تفوت، وإنما لأن قلوبنا يابسة قاسية دونها.
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أمرنا بالمسارعة إلى المغفرة؛ لأن بابها يغلق بموت الجسد الذي يأتي فجأة، وموت القلب هو الذي يمنع من التوبة.
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ هل رأيت كريمًا يأمر بالإسراع لنيل أعظم ما لديه من الهبات؟ فما أكرم رب العالمين!
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ التأنّي في كل شيء حسن إلا ما زادك في الآخرة، قال ﷺ: «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ». [أبو داود 4810، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3009].
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ الترغيب في المسارعة إلى عمل الصالحات اغتنامًا للأوقات، ومبادرة للطاعات قبل فواتها.
لمسة
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ هناك فرق بين فعل الخير وبين المسارعة فيه، والله تعالى يريد منا المسارعة في الخير، وهي التوجه باقبال واندفاع إلى الله تعالى، ويريدنا أن نلجأ إليه كالذي يفِرّ، قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50]، ولم يقل: (امشوا) أو (اذهبوا)، ولا نكون كالمنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
وقفة
[133] شتان بين من يسارعون إلى مغفرة من ربهم ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾، وبين من يسارعون في الكفر! وشتان بين جزائهم!
وقفة
[133] الهمة الهمة، فهذه مواسم الطاعات ومضمار السباق؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾.
وقفة
[133] لما رغَّب الله تعالى في الجنة قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾، و﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: 21]، ولما أباح طلب الدنيا قال: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ [الملك: 15]، فلا يصلح أن يكون العكس؛ فيكون الإسراع والمسابقة للدنيا، ومشي الهوينا للآخرة! والحزم كله في قوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ﴾ [الذاريات: 50]، وها هو رمضان فأين المشمرون؟
تفاعل
[133] ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ سَل الله الجنة.
وقفة
[133] تفريط منك أن تدخل مجلسًا فسيحًا ثم لا تجد لك فيه موضع جلوس! فكيف بجنة كعرض السماء واﻷرض! ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
وقفة
[133] ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [176] ليست كل مسارعة محمودة، فهناك مسارعة توصلك الجنة، ومسارعة تدخلك النار، فلننتبه: أي طريق نسارع فيه؟
وقفة
[133] أخذ أحد الصالحين يبكي لما قرأ قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فقيل له: «لقد أبكتك آية ما مثلها يبكي! إنها جنة عريضة واسعة»؛ فقال: «يا ابن أخي؛ وما ينفعني عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم؟!»، هكذا عاشوا مع القرآن.
عمل
[133] ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ الجنة تستوعب اﻷعمال الصالحة، فلا تبطل عمل غيرك طمعًا بالجنة!
وقفة
[133] تأمل ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻷﺟﻠﻚ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجاثية: 13]، والمطلوب منك: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، ولك الجائزة: ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
وقفة
[133] من أعظم الغبن أن يخبرنا الله في كتابه بأن جنته التي أعد الله لعباده المتقين ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، ثم لا يجد أحدنا فيها موضع قدم.
وقفة
[133] ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ دليل على أن الجنة قد فرغ الله من خلقها، وهي موجودة الآن.
وقفة
[133] ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله (متقين).
وقفة
[133] ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحديد: 21] عندما ضيق حددها للمتقين، ثم وصفهم في الآيات التالية، وعندما وسع عمم القول ليسع الخلق: ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد: 21]، وهؤلاء المتقون جزء من الذين آمنوا، ولم يحدد عملًا محددًا لهؤلاء.
عمل
[133] المتقون هم أهل الجنة؛ فاجتهد في الاتصاف بصفاتهم ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[133، 134] الحج ميدان التقوى الواسع: ففيه الإنفاق، وضبط النفس، والعفو عن الناس، والإحسان لهم، ولنتذكر قوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[133، 134] ﴿لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ لماذا جعل ربنا ﷻ أول صفة للمتقين أنهم ينفقون؟ لأن الإنفاق يؤكِّدُ صدق إيمانهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ:
  • الواو: عاطفة. سارعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. إلى مغفرة جار ومجرور متعلق بسارعوا. من ربكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لمغفرة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا:
  • وجنة: معطوفة بواو العطف على «مَغْفِرَةٍ» مجرورة مثلها بالكسرة. عرضها: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ:
  • السموات: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. والأرض: معطوفة بواو العطف على «السَّماواتُ» مرفوعة مثلها بالضمة. وجملة «عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» في محل جر صفة- نعت- لجنّة.
  • ﴿ أُعِدَّتْ:
  • فعل ماض مبني للمجهول. مبني على الفتح. والتاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي. وجملة «أُعِدَّتْ» في محل جر صفة ثانية. لجنّة. أو حال لها لأنها وصفت فاكتسبت التعريف.
  • ﴿ لِلْمُتَّقِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بأعدت وعلامة جر الإسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 133﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
الحديد: 21﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [133] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ عن غزوةِ أُحدٍ؛ جاء هنا الأمر بالمسارعة إلى النعيم الخالد في الجنان، وليس إلى المتاع الدنيوي كما سارع بعض الصحابة إلى الغنائم تاركين مواقعهم على جبل الرُّماة، مخالفين أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

القراءات :

وسارعوا:
وقرئ:
وسابقوا، وهى قراءة أبى.

مدارسة الآية : [134] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء ..

التفسير :

[134] الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر، والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر، وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله أصحابه.

ثم وصف المتقين وأعمالهم، فقال:{ الذين ينفقون في السراء والضراء} أي:في حال عسرهم ويسرهم، إن أيسروا أكثروا من النفقة، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل.{ والكاظمين الغيظ} أي:إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.{ والعافين عن الناس} يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى:{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ثم ذكر حالة أعم من غيرها، وأحسن وأعلى وأجل، وهي الإحسان، فقال [تعالى]:{ والله يحب المحسنين} والإحسان نوعان:الإحسان في عبادة الخالق. [والإحسان إلى المخلوق، فالإحسان في عبادة الخالق]. فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"وأما الإحسان إلى المخلوق، فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى، واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده.

ثم بين- سبحانه- صفات المتقين الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون، والذين أعد لهم- سبحانه- جنته فقال- تعالى- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ أى الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله في جميع أحوالهم، فهم يبذلونها ابتغاء وجه ربهم في حال يسرهم وفي حال عسرهم، وفي حال سرورهم وفي حال حزنهم، وفي حال صحتهم وفي حال مرضهم، لا يصرفهم صارف عن إنفاق أموالهم في وجوه الخير ما داموا قادرين على ذلك.

وقوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في محل جر صفة للمتقين. ويجوز أن يكون في محل نصب أو رفع على القطع المشعر بالمدح.

وقال يُنْفِقُونَ بالفعل المضارع، للإشارة بأنهم يتجدد إنفاقهم في سبيل الله آنا بعد آن بدون انقطاع.

وقدم الإنفاق على غيره من صفاتهم لأنه وصف إيجابى يدل على صفاء نفوسهم، وقوة إخلاصهم، فإن المال شقيق الروح، فإذا أنفقوه في حالتي السراء والضراء كان ذلك دليلا على التزامهم العميق لتعاليم دينهم وطاعة ربهم.

وقد مدح الله- تعالى- الذين ينفقون أموالهم في سبيله في عشرات الآيات من كتابه، ومن ذلك قوله- تعالى-: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أما الصفتان الثانية والثالثة من صفات هؤلاء المتقين فهما قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ.

أى سارعوا أيها المؤمنون إلى العمل الصالح الذي يوصلكم إلى جنة عظيمة أعدها الله- تعالى- لمن يبذلون أموالهم في السراء والضراء، ولمن يمسكون غيظهم، ويمتنعون عن إمضائه مع القدرة عليه، ولمن يغضون عمن أساء إليهم، فالمراد بكظم الغيظ حبسه وإمساكه. يقال:

كظم فلان غيظه إذا حبسه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بمن أغضبه. ويقال: كظم البعير جرته، إذا ردها وكف عن الاجترار. وكظم القربة: إذا ملأها وشد على فمها ما يمنع من خروج ما فيها.

وقد ساق ابن كثير جملة من الأحاديث التي وردت في فضل كظم الغيظ والعفو عن الناس ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» .

وروى الإمام أحمد- بسنده- عن حارثة بن قدامة السعدي أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:يا رسول الله: قل لي قولا ينفعني وأقلل على لعل أعقله: فقال له: «لا تغضب» فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا كل ذلك يقول: «لا تغضب» .

وعن أبى بن كعب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عن من ظلمه ويعط من حرمه، ويصل من قطعه».

وكظم الغيظ والعفو عن الناس هاتان الصفتان إنما تكونان محمودتين عند ما تكون الإساءة متعلقة بذات الإنسان، أما إذا كانت الإساءة متعلقة بالدين بأن انتهك إنسان حرمة من حرمات الله ففي هذه الحالة يجب الغضب من أجل حرمات الله، ولا يصح العفو عمن انتهك هذه الحرمة.

فلقد وصفت السيدة عائشة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء.

وقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.

والإحسان معناه الإتقان والإجادة. وأل في المحسنين إما للجنس أى والله- تعالى- يحب كل محسن في قوله وعمله، ويكون هؤلاء الذين ذكر الله صفاتهم داخلين دخولا أوليا.

وإما أن تكون للعهد فيكون المعنى: والله- تعالى- يحب هؤلاء المحسنين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم في كل حال من أحوالهم، ويكظمون غيظهم، ويعفون عمن ظلمهم.

ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة ، فقال : ( الذين ينفقون في السراء والضراء ) أي : في الشدة والرخاء ، والمنشط والمكره ، والصحة والمرض ، وفي جميع الأحوال ، كما قال : ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ) [ البقرة : 274 ] . والمعنى : أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مراضيه ، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر .

وقوله : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) أي : إذا ثار بهم الغيظ كظموه ، بمعنى : كتموه فلم يعملوه ، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم وقد ورد في بعض الآثار : " يقول الله تعالى : ابن آدم ، اذكرني إذا غضبت ، أذكرك إذا غضبت ، فلا أهلكك فيمن أهلك " رواه ابن أبي حاتم .

وقد قال أبو يعلى في مسنده : حدثنا أبو موسى الزمن ، حدثنا عيسى بن شعيب الضرير أبو الفضل ، حدثنا الربيع بن سليمان النميري عن أبي عمرو بن أنس بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كف غضبه كف الله عنه عذابه ، ومن خزن لسانه ستر الله عورته ، ومن اعتذر إلى الله قبل عذره " [ و ] هذا حديث غريب ، وفي إسناده نظر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " . وقد رواه الشيخان من حديث مالك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ " قال : قالوا : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه . قال : " اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله ، ما لك من مالك إلا ما قدمت ، ومال وارثك ما أخرت " . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تعدون فيكم الصرعة ؟ " قلنا : الذي لا تصرعه الرجال ، قال : قال " لا ، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب " . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تعدون فيكم الرقوب ؟ " قال : قلنا : الذي لا ولد له . قال : " لا ، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا " .

أخرج البخاري الفصل الأول منه وأخرج مسلم أصل هذا الحديث من رواية الأعمش ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت عروة بن عبد الله الجعفي يحدث عن أبي حصبة ، أو ابن حصبة ، عن رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : " تدرون ما الرقوب ؟ " قالوا الذي لا ولد له . قال : " الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ، ولم يقدم منهم شيئا " . قال : " تدرون ما الصعلوك ؟ " قالوا : الذي ليس له مال . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال ، فمات ولم يقدم منه شيئا " . قال : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما الصرعة ؟ " قالوا : الصريع . قال : فقال صلى الله عليه وسلم الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ، ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره ، فيصرع غضبه " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام - هو ابن عروة - عن أبيه ، عن الأحنف بن قيس ، عن عم له يقال له : جارية بن قدامة السعدي ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قل لي قولا ينفعني وأقلل علي ، لعلي أعيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تغضب " . فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا ، كل ذلك يقول : " لا تغضب " .

وكذا رواه عن أبي معاوية ، عن هشام ، به . ورواه [ أيضا ] عن يحيى بن سعيد القطان ، عن هشام ، به ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، قل لي قولا وأقلل علي لعلي أعقله . قال : " لا تغضب " .

الحديث انفرد به أحمد .

حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل : يا رسول الله ، أوصني . قال : " لا تغضب " . قال الرجل : ففكرت حين قال صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله .

انفرد به أحمد .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا داود بن أبي هند عن ابن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبي الأسود ، عن أبي ذر قال : كان يسقي على حوض له ، فجاء قوم قالوا أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه فقال رجل : أنا . فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه ، وكان أبو ذر قائما فجلس ، ثم اضطجع ، فقيل له : يا أبا ذر ، لم جلست ثم اضطجعت ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " .

ورواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل بإسناده ، إلا أنه وقع في روايته : عن أبي حرب ، عن أبي ذر ، والصحيح : ابن أبي حرب ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، كما رواه عبد الله بن أحمد ، عن أبيه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن خالد : حدثنا أبو وائل الصنعاني قال : كنا جلوسا عند عروة بن محمد إذ دخل عليه رجل ، فكلمه بكلام أغضبه ، فلما أن غضب قام ، ثم عاد إلينا وقد توضأ فقال : حدثني أبي ، عن جدي عطية - هو ابن سعد السعدي ، وقد كانت له صحبة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا أغضب أحدكم فليتوضأ " .

وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني ، عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني : قال أبو داود : أراه عبد الله بن بحير .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا نوح بن جعونة السلمي ، عن مقاتل بن حيان ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنظر معسرا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم ، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة - ثلاثا - ألا إن عمل النار سهل بسهوة . والسعيد من وقي الفتن ، وما من جرعة أحب إلى الله [ عز وجل ] من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ جوفه إيمانا " .

انفرد به أحمد ، إسناده حسن ليس فيه مجروح ، ومتنه حسن .

حديث آخر في معناه : قال أبو داود : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن بشر - يعني ابن منصور - عن محمد بن عجلان ، عن سويد بن وهب ، عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا ، ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه - قال بشر : أحسبه قال : " تواضعا " - كساه الله حلة الكرامة ، ومن زوج لله كساه الله تاج الملك " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد ، حدثني أبو مرحوم ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله على رءوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء " .

ورواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث سعيد بن أبي أيوب ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .

حديث آخر : قال : عبد الرزاق : أخبرنا داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أهل الشام - يقال له : عبد الجليل - عن عم له ، عن أبي هريرة في قوله تعالى : ( والكاظمين الغيظ ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظا ، وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا " . رواه ابن جرير .

حديث آخر : قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، أخبرنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا علي بن عاصم ، أخبرني يونس بن عبيد عن الحسن ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله " .

وكذا رواه ابن ماجه عن بشر بن عمر ، عن حماد بن سلمة ، عن يونس بن عبيد ، به .

فقوله : ( والكاظمين الغيظ ) أي : لا يعملون غضبهم في الناس ، بل يكفون عنهم شرهم ، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل .

ثم قال [ تعالى ] ( والعافين عن الناس ) أي : مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم ، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد ، وهذا أكمل الأحوال ، ولهذا قال : ( والله يحب المحسنين ) فهذا من مقامات الإحسان .

وفي الحديث : " ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، ومن تواضع لله رفعه الله " .

وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشي ، عن عبادة بن الصامت ، عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ، ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه " .

ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه وقد أورده ابن مردويه من حديث علي ، وكعب بن عجرة ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، بنحو ذلك . وروي عن طريق الضحاك ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول : أين العافون عن الناس ؟ هلموا إلى ربكم ، وخذوا أجوركم ، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة " .

القول في تأويل قوله : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وسارعوا "، وبادروا وسابقوا = (1) " إلى مغفرة من ربكم "، يعني: إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها =" وجنة عرضها السموات والأرض "، يعني: وسارعوا أيضًا إلى جنة عرضها السموات والأرض.

* * *

ذكر أن معنى ذلك: وجنة عرضها كعرض السموات السبع والأرضين السبع، إذا ضم بعضها إلى بعض.

*ذكر من قال ذلك:

7830- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وجنة عرضها السموات والأرض "، قال: قال ابن عباس: تُقرن السموات السبع والأرضون السبع، كما تُقرن الثياب بعضها إلى بعض، فذاك عرض الجنة.

* * *

وإنما قيل: " وجنة عرضها السموات والأرض "، فوصف عرضها بالسموات والأرضين، والمعنى ما وصفنا: من وصف عرضها بعرض السموات والأرض، &; 7-208 &; تشبيها به في السعة والعظم، كما قيل: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [سورة لقمان: 28]، يعني: إلا كبعث نفس واحدة، وكما قال الشاعر: (2)

كــأَنَّ عَذِيــرَهُمْ بِجَــنُوب سِـلَّى

نَعَــامٌ قَــاقَ فِــي بَلَــدٍ قِفَـارِ (3)

أي: عذيرُ نعام، وكما قال الآخر: (4)

حَسِــبتَ بُغَــامَ رَاحِـلَتِي عَنَاقًـا!

وَمَـا هـي, وَيْـبَ غَـيْرِكَ بالعَنَـاقِ (5)

يريد صوت عناق.

* * *

قال أبو جعفر: وقد ذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: &; 7-209 &; هذه الجنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال: هذا النهار إذا جاء، أين الليل.

*ذكر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره.

7831- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن مرة قال: لقيت التنوخيّ رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، شيخًا كبيرًا قد فُنِّد. (6) قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره. قال قلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية. فإذا كتاب صاحبي: " إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، (7) فأين النار؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ (8)

7832- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، &; 7-211 &; حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أنّ ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن " جنة عرضها السموات والأرض "، أين النار؟ قال: أرأيتم إذا جاء الليل، أن يكون النهار؟" فقالوا: اللهم نـزعْتَ بمثَله من التوراة " (9) .

7833- حدثني محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نجران، فسألوه وعنده أصحابه فقالوا: أرأيت قوله: " وجنة عرضها السموات والأرض "، فأين النار؟ فأحجم الناس، فقال عمر: " أرأيتم إذا جاء الليل، أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار، أين يكون الليل؟" فقالوا: نـزعت مثَلها من التوراة.

7834- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، أخبرنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن طارق بن شهاب، عن عمر بنحوه، في الثلاثة الرّهط الذين أتوا عمر فسألوه: عن جنة عرضها كعرض السموات والأرض، بمثل حديث قيس بن مسلم.

7835- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا جعفر بن عون قال، أخبرنا الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: تقولون: " جنة عرضها السموات والأرض "، أين تكون النار؟ فقال له عمر: أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل؟ أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار؟ فقال: إنه لمثلها في التوراة، فقال له صاحبه: لم أخبرته؟ فقال له صاحبه: دعه، إنه بكلٍّ موقنٌ.

7836- حدثني أحمد بن حازم قال، أخبرنا أبو نعيم قال، حدثنا جعفر بن برقان قال، حدثنا يزيد بن الأصم: أن رجلا من أهل الكتاب أتى ابن عباس فقال: تقولون " جنة عرضها السموات والأرض "، فأين النار؟ فقال ابن عباس: أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ (10)

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: " أعدت للمتقين " فإنه يعني: إنّ الجنة التي عرضها كعرض السموات والأرضين السبع، أعدها الله للمتقين، الذين اتقوا الله فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم، فلم يتعدوا حدوده، ولم يقصِّروا في واجب حقه عليهم فيضيِّعوه. كما:-

7837- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين "، أي: دارًا لمن أطاعني وأطاع رسولي. (11)

--------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"سارع" فيما سلف 7: 130.

(2) هو شقيق بن جزء بن رياح الباهلي ، وينسب لأعشى باهلة ، وللنابغة خطأ.

(3) الكامل 2: 196 ، معجم البلدان (سلى) ، واللسان (فوق) (سلل) ، وكان شقيق بن جزء قد أغار على بني ضبة بروضة سلى وروضة ساجر ، وهما روضتان لعكل -وضبة وعدى وعكل وتيم حلفاء متجاورون- فهزمهم ، وأفلت عوف بن ضرار ، وحكيم بن قبيصة بن ضرار بعد أن جرح ، وقتلوا عبيدة بن قضيب الضبي ، فقال شقيق:

لَقَــدْ قَــرَّتْ بِهِـمْ عَيْنـي بِسِـلَّى

وَرَوْضَــةِ سَــاجِرٍ ذَاتِ القَــرَارِ

جَــزَيْتُ المُلْجِــئِينَ بِمَــا أَزَلْـتْ

مِـنَ البُؤْسَـى رِمَـاحُ بنـي ضِـرَارِ

وَأَفْلَـــتَ مــن أسِنَّتِنَا حَـكِيمٌ

جَرِيضًـــا مِثْــلَ إفْـلاتِ الحِمـارِ

كــــأَنَّ عَذِيـــرَهُمْ............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفي المعجم"ذات العرا" ، والصواب ما أثبت. والقرار: المكان المنخفض المطمئن يستقر فيه الماء ، فتكون عندها الرياض ، ومنه قوله تعالى: "وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين". والملجئ الذي قد تحصن بملجأ واعتصم. وأزل إليه زلة: أي أنعم إليه واصطنع عنده صنيعة ، وإنما أراد: ما قدم من السوء ، سخرية منهم. يقول: جزيتهم هؤلاء المعتصمين بأسوأ ما صنعوا. وقوله: "جريضًا" ، أي أفلت وقد كاد يقضى ويهلك. والعذير: الحال. يقول كأن حالهم حال نعام في أرض قفر يصوت مذعورًا ، هزموا وتصايحوا. والقفار جمع قفر ، يقال: "أرض قفر وأرض قفار" ، يوصف بالجمع.

(4) هو ذو الخرق الطهوي.

(5) سلف تخريجه وشرحه في 3: 103.

(6) في المطبوعة: "قد أقعد". وهو خطأ لا شك فيه ، وفي تفسير ابن كثير 2: 240"قد فسد" ، وهو خطأ أيضًا ، ولكنه رجع عندي أن نص الطبري هنا قد"فند" (بضم الفاء وتشديد النون المكسورة مبنيًا للمجهول) بمعنى: قد نسب إلى الفند (بفتحتين) وهو العجز ، والخرف وإنكار العقل من الهرم والمرض ، ولم يرد ذلك إنما أراد الكبر والهرم إلى أقصى العمر. وأهل اللغة يقولون في ذلك"أفند" (بالبناء للمعلوم) ، وأفنده الكبر: إذا أوقعه في الفند ، وأما رواية أحمد في المسند ، فنصها: "شيخًا كبيرًا قد بلغ الفند أو قرب".

(7) في المطبوعة: "فإذا هو أنك كتبت تدعوني" ، وهو محاولة تصحيح لما في المخطوطة ، وكان فيها: "فإذا كان كتبت تدعوني" ، والصواب الذي أثبته من ابن كثير في تفسيره 2: 241 ، ومثله في خبر أحمد في مسنده.

(8) الحديث: 7831-"مسلم بن خالد": هو الزنجي المكي الفقيه ، شيخ الإمام الشافعي. وهو في نفسه صدوق ، ولكنه يخطئ كثيرًا في روايته ، حتى قال البخاري: "منكر الحديث" ولذلك رجحنا تضعيفه في المسند: 613. ابن خثيم - بضم الخاء المعجمة ثم فتح الثاء المثلثة: هو عبد الله بن عثمان بن خثيم ، مضت ترجمته في: 4341. سعيد بن أبي راشد: في التهذيب 4: 26 ويقال: ابن ر0اشد. روى عن يعلى بن مرة الثقفي ، وعن التنوخي النصراني رسول قيصر ، ويقال: رسول هرقل. وعنه عبدالله بن عثمان بن خثيم. ذكره ابن حبان في الثقات ، قلت: وفي الرواة سعيد بن أبي راشد ، أو ابن راشد - آخر".

ثم نقل طابع التهذيب هامشة عن الأصل الذي يطبع عنه. وجعل رقمها عند قوله"النصراني" - وهذا نصها: "قال شيخنا: أسلم متأخرًا ، عن هذا يقال له أبو محمد المازني ، السماك ، مذكور في كتاب الضعفاء. نبهت عليه"!!

وهذا تخطيط عجيب من الطابع. فالهامشة أصلها هامشتان يقينًا ، كل منهما في موضع ، كما هو بديهي.

فإن قوله: "أسلم متأخرًا" هو المناسب لقوله"النصراني". وأما ما بعده ، فإنه يريد به أن"سعيد بن راشد" أو"ابن أبي راشد" متأخر عن المترجم الذي يروى عن رسول قيصر ، وأن هذا المتأخر هو الذي كنيته"أبو محمد المازني السماك". وهو مترجم في الكبير للبخاري 2 / 1 / 431 ، وقال فيه: "منكر الحديث". وترجمه ابن أبي حاتم 4 / 1 / 19 - 20 برقم: 80 ، وترجم قبله ، برقم: 79"سعيد بن أبي راشد" وأنه صحابي ، وترجم بعدهما برقم: 81"سعيد بن راشد المرادى" - وهو متأخر عن هذين.

وترجم الحافظ في الإصابة 3: 96 للصحابي ، ثم قال في آخر الترجمة: "وأما سعيد بن أبي راشد شيخ عبد الله بن عثمان بن خثيم ، روى عنه عن رسول قيصر حديثًا = فأظنه غير هذا".

وترجم الذهبي في الميزان 1: 379 ثلاث تراجم ، فرق بينها ، وبين ضعف"سعيد بن راشد المازني السماك". وكذلك صنع الحافظ في لسان الميزان 3: 27 - 28. و"سعيد بن راشد السماك" الضعيف: ترجمه ابن حبان في المجروحين ، برقم: 398 ، وأساء القول فيه. والراجح عندي أن"سعيد بن أبي راشد" الذي هنا = هو الصحابي. وأنه روى هذا عن التنوخي رسول هرقل.

يعلى بن مرة: هو الثقفي الصحابي المعروف. وعندي أن ذكره في هذا الإسناد مقحم خطأ ، كما سيأتي.

التنوخي رسول هرقل: لم أجد له ترجمة ، إلا ذكره بهذا الوصف وأنه روى عنه سعيد بن أبي راشد ، كما ذكره الحافظ في التعجيل ، ص: 535. وإلا الكلمة التي نقلها طابع التهذيب عن هامش أصله بأنه أسلم متأخرًا. فهو بهذا لا يعتبر من الصحابة ، لأنه حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مسلمًا ، وإنما أسلم بعده. ولا يعتبر من الصحابة إلا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا حين الرؤية. أما من رآه وكان كافرًا حين الرؤية ثم أسلم بعد موته صلى الله عليه وسلم -كالتنوخي هذا- فلا صحبة له. انظر تدريب الراوي ، ص: 202

ولكن روايته تكون صحيحة مقبولة ، لأنه كان مسلمًا حين الأداء ، أعني التبليغ والتحديث ، وإن كان كافرًا حين التحمل ، أعني الرؤية وسماع ما يرويه. وانظر أيضًا تدريب الراوي ، ص: 128. وهذا الحديث طرف من حديث طويل في قصة ، رواه الإمام أحمد في المسند: 15719 (ج3 ص 441 - 442 حلبي) ، عن إسحاق بن عيسى -وهو الطباع- عن يحيى بن سليم ، وهو الطائفي ، "عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، قال: رأيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحمص ، وكان جارًا لي ، شيخًا كبيرًا ، قد بلغ الفند أو قرب. . ." - إلى آخر القصة.

وقد نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ 5: 15 - 16 ، عن المسند -بطوله- وبإسناده ، ثم قال: "هذا حديث غريب ، وإسناده لا بأس به. تفرد به أحمد". وأشار إليه في التفسير 2: 240 ، إشارة موجزة.

وقد وقع في نسختي المسند - المطبوعة والمخطوطة: "يحيى بن سليمان" ، بدل"يحيى بن سليم". وهو خطأ من الناسخين. وثبت على الصواب في تاريخ ابن كثير. فهذه رواية يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم - فيها أن سعيد بن أبي راشد هو الذي لقى التنوخي وسمع منه هذا الحديث.

ويحيى بن سليم: سبق توثيقه في: 4894. وقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه ، ومهما يقل في حفظه فلا نشك أنه كان أحفظ من مسلم بن خالد الزنجي الضعيف ، وخاصة في حديث ابن خثيم ، فقد شهد أحمد ليحيى بن سليم بأنه"كان قد أتقن حديث ابن خثيم".

فعن ذلك قطعنا بأن زيادة"عن يعلى بن مرة" - في إسناد الطبري هذا - خطأ ووهم. والراجح أن الخطأ من مسلم بن خالد. ورواية الطبري - هذه - ذكرها ابن كثير في التفسير 2: 240 - 241 ، والسيوطي 2: 71 ، ولم ينسبها لغيره.

(9) في المطبوعة: "مثله من التوراة" ، وفي المخطوطة"فمثله" ، وصواب قراءتها ما أثبت. يقال: "انتزع معنى جيدًا ونزعه" ، أي استخرجه واستنبطه.

(10) الحديث: 7836- جعفر بن برقان -بضم الباء الموحدة وسكون الراء- الكلابي الجزري: ثقة صدوق ، وثقه ابن معين ، وابن نمير ، وغيرهما. يزيد بن الأصم بن عبيد البكائي: تابعي ثقة ، أمه برزة بنت الحارث ، أخت ميمونة أم المؤمنين. وعبد الله بن عباس هو ابن خالته.

ووقع في المطبوعة هنا"يزيد الأصم" ، وهو خطأ."الأصم" لقب أبيه ، وليس لقبه. وهذا الحديث رواه يزيد بن الأصم عن ابن خالته ابن عباس ، موقوفًا عليه من كلامه. والإسناد إليه صحيح.

وقد رواه أيضًا يزيد ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا قال ، "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد ، أرأيت جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء ، أين جعل؟ قال: الله أعلم ، قال: فإن الله يفعل ما يشاء". رواه ابن حبان في صحيحه ، رقم: 103 بتحقيقنا ، والحاكم في المستدرك 1: 36 - من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة. وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ولا أعلم له علة" ، ووافقه الذهبي. وكذلك رواه البزار من حديثه. نقله عنه ابن كثير 2: 241 ، بنحوه.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 327 ، وقال: "رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح". وذكره السيوطي 2: 71 ، ونسبه للبزار والحاكم فقط. وأما الموقوف على ابن عباس ، فقد نقله ابن كثير 2: 241 ، عن هذا الموضع من الطبري. وذكره السيوطي 2: 71 ، ونسبه إليه وإلى عبد بن حميد.

(11) الأثر: 7837- سيرة ابن هشام 3: 115 ، وهو من تمام الآثار التي آخرها: 7829. وكان في المطبوعة: "أي ذلك لمن أطاعني" ، وهو إن كان مستقيما على وجه ، إلا أن نص ابن هشام أشد استقامة على منهاج المعنى في الآية ، فأثبت نص ابن هشام. هذا مع قرب التصحيف في"دارًا" إلى"ذلك". فمن أجل هذا رجحت ما في سيرة ابن هشام.

المعاني :

السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ :       اليُسْرِ، وَالعُسْرِ السراج
الكاظمين الغيظ :       الحابسين غيظهم في قلوبهم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ صدقتهم لا تنقطع! إن أيسروا أكثروا من الصدقة، وإن أعسروا لم يحتقروا القليل.
وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ قد تحمل المعاناة الإنسان على الصدقة ليرفع البلاء، ما أجمل النفقة في حالة السراء!
وقفة
[134] في بيان صفات المتقين –الذين وعدهم الله بجنة عرضها السماوات والأرض-، ابتدأت بـ ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾لم تبدأ بترك الفواحش، أو بذكر أجل الأعمال وهي الصلاة، والسر في ذلك أنه لما نهى عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة في الآية التي قبل هذه الصفات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 130]، بدأ بذكر ضده –ضد أكل الربا– وهو الإنفاق: ﴿يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾.
عمل
[134] تصدق بصدقة سواء كنت مغتنيًا أو محتاجًا ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾.
وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ لا تجد الكريم إلا حليمًا.
وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ ولما ذكر أشق ما يترك ويبذل؛ وهو المال، أتبعه أشق ما يحبس؛ فقال: (والكاظمين) أي: الحابسين (الغيظ) عن أن ينفذوه بعد أن امتلأوا منه.
وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ ابتدأت بالإنفاق واختتمت بالعفو (الإنفاق يوسع الأخلاق).
وقفة
[134] خير الناس أنفعهم للناس وأصبرهم على أذى الناس، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾.
وقفة
[134] من صفات المتقين التي يستحقون بها دخول الجنة: الإنفاق في كل حال، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾.
عمل
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ كم مرة عملت بهذه الآية؟!
عمل
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ هل حققت هذه الآية في حياتك؟
وقفة
[134] ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ لم يتركوا الإنفاق ولو لعسر يمر بهم، لم يتركوا للغيظ والانتقام سلطان على قلوبهم، بل تحروا الإحسان في كل تعامل، سعوا لما يرضي ربهم؛ فأحبهم.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ إنهم ليسوا جمادات لا تشعر ولا تحس، بل لحم ودم يشعرون بالغيظ والحنق والألم ولكنهم يحبسونه ولا ينتقمون.
عمل
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ لا نطالبك بأن لا تشعر بالغيظ، لكن دعه محبوسًا في أقفاص صدرك.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ الغيظ كالطوفان يحتاج إلى سدود عالية من الأخلاق والرحمة والصبر.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ لن يضيِّع الله كلماتٍ تحشرجت داخل جسدك، لن يضيع عند الله عتبًا كتمته، ولا قهرًا ألجمته، ولا ألمًا بحقك سكتَّ عنه.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ عن عائشة: أن خادمًا لها غاظها، فقالت: «للَّه درُّ التقوى، ما تركت لذي غيظ شفاء».
لمسة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ الكظم لغة الإخفاء والإمساك، وهو مأخوذ من كظم القِربة إذا ملأها وأمسك فمها، وعلى هذا تكون الآية تمثيلًا رائعًا بحق الخُلُق العظيم من جهتين: أولًا: إخفاء الغضب، وثانيًا: إمساكه عند وصوله حد الإمتلاء تمامًا كالماء إذا خيف أن يظهر من القربة، وهي هنا النفس الغاضبة.
وقفة
[134] من حقوق الأخوة في الله: العفو عن الزلات، قال الغزالي: «ومهما اعتذر إليك أخوك كاذبًا أو صادقًا؛ فاقبل عذره ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، ولم يقل: (والفاقدين الغيظ)؛ وهذا لأن العادة لا تنتهي إلى أن يُجرح الإنسان فلا يتألم، بل تنتهي إلى أن يصبر عليه ويتحمل».
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ كظم الغيظ يعني قهر للنفس الأمارة بالسوء، فلذلك حمد الكظم.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ قال عروة بن الزبير: «ربَّ كلمة زل احتملتها أورثتنى عزًا طويلًا».
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، يعفون عمن ظلمهم فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد.
وقفة
[134] المؤمن الصادق لا يعرف إلا عند كظمه لغيظه، فهل أنت ممن: يصفح ويعفو ويتنازل حقه لوجه الله، وممن يتصدق بعرضه، ولا يؤذ مسلمًا، تأمل قول الله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ يقال: «كظم فلان غيظه» إذا تجرَّعه، فحفظ نفسه من أن تُمضي ما هي قادرةٌ على إمضائه.
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ الكاظم للغيظ والعافـي عن الناس قد أحسن إلى نفسه وإلى الناس، ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7].
وقفة
[134] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ لا تظن الكره يجعلك أقوى، والحقد يجعلك أذكى، وأن القسوة تجعلك محترمًا، فالنفوس العظيمة هي المتسامحة التي تظل تبتلع حماقات الآخرين وأخطاءهم، فالكريم يظل كريمًا حتى لو افتقر، والمتسامح يظل متسامحًا حتى لو ظُلِم.
وقفة
[134] كان عند ميمون بن مهران ضيف، فاستعجل جاريته بالعشاء، فجاءت مسرعة ومعها إناء، فعثرت وأراقته على سيدها، فقال: «يا جارية أحرقتني»، قالت: «يا معلم الخير ارجع إلى ما قال الله تعالى»، فقال: «وما قال؟»، قالت: «قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾»، قال: «كظمت غيظي»، قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾»، قال: «عفوت عنك»، قالت: «﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾»، قال: «اذهبي، فأنت حرة».
وقفة
[134] ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ يدخل في العفو عن الناس: العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم.
وقفة
[134] ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ قال الحسن بن علي: «لو أنَّ رجلًا شتَمني في أُذني هذه، واعتذر في أُذني الأُخرى، لقبِلتُ عُذرَه».
وقفة
[134] ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ وليس عن المسلمين فحسب، ومن عاجل جزاء العفو ما يجده العافي من سعادةٍ ولذَّةٍ وسلامة قلب.
وقفة
[134] ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ العفو وبالأخص عن الأقربين خلق رفيع، لكن النفوس تستثقله، ولذا نحتاج أن نروِّض النفس عليه.
وقفة
[134] فضل العفو عن الناس ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[134] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ من كان محسنًا أحبه الله، ومن أحبه الله فلن يعذبه.
وقفة
[134] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [146]، ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [159]، اللهم إنا نسألك حبك.
تفاعل
[134] ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك منهم.
وقفة
[134] ما أجمل الإحسان للآخرين! بالكلمة، بالمال، بالابتسامة؛ حتى تنال محبة الله لك ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
اسقاط
[134] بكم بعت صاحبك؟ بخمسين زلة؟ أرخصته، غفرت له ٤٩ زلة وبعته عند الخمسين! هل سألنا أنفسنا بكم زلة سنبيع: أصدقاءنا، إخواننا، زوجاتنا، هناك من يبيع صديقه بزلة واحدة! بل من يبيعه بسوء فهم أو سوء ظن! ينبغي أن نراجع حساباتنا الاجتماعية، ونتذكر قوله ﷻ: ﴿وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ:
  • إسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للمتقين أو في محل نصب على المدح أي أعني. ويجوز أن يكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم الذين. ينفقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف المفعول اختصارا بمعنى: ينفقون أموالهم، والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ:
  • جار ومجرور متعلق بينفقون والضراء معطوفة بواو العطف على «فِي السَّرَّاءِ» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ:
  • والكاظمين: معطوفة بواو العطف على «المتقين» وتعرب إعرابها. الغيظ: مفعول به لإسم الفاعل «الْكاظِمِينَ» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ:
  • تعرب إعراب «وَالْكاظِمِينَ». عن الناس: جار ومجرور متعلق بالعافين وكسرت النون لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة الظاهرة في آخره. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. والجملة الفعلية «يُحِبُّ» في محل رفع خبر المبتدأ. لفظ الجلالة. المحسنين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 134﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
آل عمران: 146﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
آل عمران: 148﴿فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
المائدة: 93﴿إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
التوبة: 108﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [134] لما قبلها :     وبعد بيان أنَّ أهل الجنَّة هم المتَّقون، ذكرَ اللهُ عز وجل هنا جملة من صفاتهم التي استَّحقُّوا بسببِها الجنَّةَ: 1- الإنفاق في السراء والضراء. 2- كظم الغيظ. 3- العفو عن الناس، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [135] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ..

التفسير :

[135] والذين إذا ارتكبوا ذنباً كبيراً أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه، ذكروا وعد الله ووعيده فلجؤوا إلى ربهم تائبين، يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم، وهم موقنون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، فهم لذلك لا يقيمون على معصية، وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله علي

ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم، فقال:{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} أي:صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال:{ ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}

أما الصفة الرابعة من صفات هؤلاء المتقين فقد ذكرها - سبحانه - فى قوله : { والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

والفاحشة من الفحش وهو مجاوزة الحد فى السوء . والمراد بها الفعلة البالغة فى القبح كالزنا والسرقة وما يشبههما من الكبائر .

والمعنى : سارعوا أيها المؤمنون إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدها خالقكم - عز وجل - للمتقين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم فى السراء والضراء ، ويكظمون غيظهم ، ويعفون عن الناس ، وأنهم إذا فعلوا فعلة فاحشة متناهية فى القبح ، أو ظلموا أنفسهم ، بارتكاب أى نوع من أنواع الذنوب " ذكروا الله " أى تذكروا حقه العظيم ، وعذابه الشديد ، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة " فاستغفروا لذنوبهم " أى طلبوا منه - سبحانه - المغفرة لذنوبهم التى ارتكبوها ، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا .

وعلى هذا يكون قوله - تعالى - { والذين إِذَا فَعَلُواْ } معطوفا على الصفة الأولى من صفات المتقين ، ويكون قوله - تعالى - { والله يُحِبُّ المحسنين } جملة معترضة بين الصفات المتعاطفة .

قال الفخر الرازى : واعلم أن وجه النظم من وجهين :

الأول : أنه - تعالى - لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان :

أحدهما : الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات ، وهم الذين وصفهم بالانفاق فى السراء والضراء ، وكظم الغيظ والعفو عن الناس .

وثانيهما : الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله - تعالى - { والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } وبين - سبحانه - أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى فى كونها متقية .

والوجه الثانى : أنه فى الآية الأولى ندب إلى الإحسان إلى الغير ، وندب فى هذه الآية إلى الإحسان إلى النفس ، فإن الذنب إذا تاب كانت توبته إحسانا منه إلى نفسه " .

وقوله { أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ } معطوف على { فَعَلُواْ فَاحِشَةً } من باب عطف العام على الخاص ، وهذا على تفسير الفاحشة بأنها كبائر الذنوب ، أما ظلم النفس فيتناول كل ذنب سواء أكان صغيرا أم كبيراً .

وبعضهم يرى أن الفاحشة وظلم النفس وجهان للمعصية لا ينفصلان عنها ، بمعنى أن كل معصية لا تخلو منهما فهى فاحشة وظلم للنفس ، وعلى هذا تكون " أو " بمعنى الواو .

ويكون المعنى : ومن يرتكب فاحشة ويظلم نفسه ، ويتذكر الله عند ارتكابها فيعود إليه تائباً منيبا يكون من المتقين .

وفى التعبير بقوله : { إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله } بصيغة الشرط الجواب ، إشعار بوجوب اقتران الجواب بالشرط . أى أن الشخص الذى يدخل فى جملة المتقين هو الذاى يعود إلى ربه تائبا فور وقوع المعصية ، بحيث لا يسوف ولا يؤخر التوبة حتى إذا حصره الموت .

قال : إنى تبت الآن .

وقوله : { وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله } جملة معترضة بين قوله { فاستغفروا } وبين قوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ } .

والاستفهام فى قوله : { وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله } للإنكار والنفى .

أى : لا أحد يقبل توبة التائبين ، ويغفر ذنوب المذنبين ، ويمسح خطايا المخطئين ، إلا الله العلى الكبير " الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل ، ويتوب الله على من تاب " - كما جاء فى الحديث الشريف - ولذا قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الجملة ما ملخصه : فى هذه الجملة وصف لذاته - تعالى - بسعة الرحمة ، وقرب المغفرة ، وأن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له ، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه . وفيها تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة ، وبعث عليها ، وردع عن اليأس والقنوط ، وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل ، وكرمه أعظم . والمعنى أنه وحده عنده مصححات المغفرة ، وهذه جملة معترضة بين المعطوف ، والمعطوف عليه " .

وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } بيان لشروط الاستغفار المقبول عند الله - تعالى - .

أى أن من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ، سارعوا بالتوبة إلى الله - تعالى - ، ولم يصروا على الفعل القبيح الذى فعلوه ، وهم عالمون بقبحه ، بل يندمون على ما فعلوا ، ويستغفرون الله - تعالى - مما فعلوا ، ويتوبن إليه توبة صادقة .

وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ } معطوف على قوله { فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ } .

وقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملة حالية من فاعل " يصروا " أى ولم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه .

ومفعول يعلمون محذوف للعمل به أى يعلمون سوء فعلهم ، أو يعلمون أن الله يتوب على من تاب ، أو يعلمون عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه .

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد فتحت باب التوبة أمام المذنبين ، وحرضتهم على ولوجه بعزيمة صادقة ، وقلب سليم ، ولم تكتف بذلك بل بشرتهم بأنهم متى أقلعوا عن ذنوبهم ، وندموا على ما فعلوا ، وعاهدوا الله على عدم العودة على ما ارتكبوه من خطايا ، وردوا المظالم إلى أهلها ، فإن الله - تعالى - يغفر لهم ما فرط منهم ، ويحشرهم فى زمرة عباده المتقين .

إنه - سبحانه - لا يغلق فى وجه عبده الضعيف المخطىء باب التوبة ، ولا يلقيه حئرا منبوذا فى ظلام المتاهات ، ولا يدعه مطرودا خائفا من المصير ، وإنما يطمعه فى مغفرته - سبحانه - ويرشده إلى أسبابها ، ويغريه بمباشرة هذه الأسباب حتى ينجو من العقاب .

ولقد ساق - سبحانه - فى عشرات الآيات ما يبشر التائبين الصادقين فى توبتهم بمغفرته ورحمته ورضوانه ، ومن ذلك قوله - تعالى - :

{ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً } وقد وردت أحاديث كثيرة فى هذا المعنى ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذى عن أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصر من استغفر وإن عاد فى اليوم سبعين مرة " .

وقال القرطبى : وأخرج الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه " .

وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " .

ثم قال القرطبى : " والذنوب التى يتاب منها إما كفر أو غيره فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره ، وغير الكفر إما حق الله - تعالى - وإما حق لغيره؛ فحق الله - تعالى - يكفى فى التوبة منه الترك ، غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك ، بل أضاف إلى ذلك فى بعضها قضاء كالصلاة والصوم . ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث فى الإيمان والظهار وغير ذلك وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها ، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم ، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول ، وفضله مبذول ، فكم ضمن من التبعات ، وبدل من السيئات بالحسنات " .

ويرشده إلى أسبابها، ويغريه بمباشرة هذه الأسباب حتى ينجو من العقاب.

ولقد ساق- سبحانه- في عشرات الآيات ما يبشر التائبين الصادقين في توبتهم بمغفرته ورحمته ورضوانه، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً .

وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» .

وقال القرطبي: وأخرج الشيخان عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» .

وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم» .

ثم قال القرطبي: «والذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره، وغير الكفر إما حق الله- تعالى- وإما حق لغيره فحق الله- تعالى- يكفى في التوبة منه الترك، غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك، بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء كالصلاة والصوم. ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول، وفضله مبذول، فكم ضمن من التبعات، وبدل من السيئات بالحسنات» .

وقوله تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) أي : إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا همام بن يحيى ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن رجلا أذنب ذنبا ، فقال : رب إني أذنبت ذنبا فاغفره . فقال الله [ عز وجل ] عبدي عمل ذنبا ، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب ، إني عملت ذنبا فاغفره . فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي . ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب ، إني عملت ذنبا فاغفره لي . فقال عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب ، إني عملت ذنبا فاغفره فقال عز وجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ، فليعمل ما شاء " .

أخرجه في الصحيح من حديث إسحاق بن أبي طلحة ، بنحوه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر وأبو عامر قالا حدثنا زهير ، حدثنا سعد الطائي ، حدثنا أبو المدلة - مولى أم المؤمنين - سمع أبا هريرة ، قلنا : يا رسول الله ، إذا رأيناك رقت قلوبنا ، وكنا من أهل الآخرة ، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد ، فقال لو أنكم تكونون على كل حال ، على الحال التي أنتم عليها عندي ، لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم ، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم " . قلنا : يا رسول الله ، حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لبنة ذهب ، ولبنة فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .

ورواه الترمذي ، وابن ماجه ، من وجه آخر عن سعد ، به .

ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل :

حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر ، وسفيان - هو الثوري - عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه [ غيري استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني ] وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن - الوضوء - قال مسعر : فيصلي . وقال سفيان : ثم يصلي ركعتين - فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له " .

كذا رواه علي بن المديني ، والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأهل السنن ، وابن حبان في صحيحه والبزار والدارقطني ، من طرق ، عن عثمان بن المغيرة ، به . وقال الترمذي : هو حديث حسن وقد ذكرنا طرقه والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق ، [ رضي الله عنه ] وبالجملة فهو حديث حسن ، وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] عن خليفة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو : فيسبغ - الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء " .

وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " .

فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، عن سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين ، كما دل عليه الكتاب المبين من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين .

وقد قال عبد الرزاق : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : بلغني أن إبليس حين نزلت : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) الآية ، بكى .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محرز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور ، عن أبي نضيرة عن أبي رجاء ، عن أبي بكر ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " .

عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان .

وروى الإمام أحمد في مسنده ، من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال إبليس : يا رب ، وعزتك لا أزال أغوي [ عبادك ] ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني " .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عمر بن أبي خليفة ، سمعت أبا بدر يحدث عن ثابت ، عن أنس قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله ، أذنبت ذنبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أذنبت فاستغفر ربك " . [ قال : فإني أستغفر ، ثم أعود فأذنب . قال فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربك ] " فقالها في الرابعة فقال : " استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور " .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه .

وقوله : ( ومن يغفر الذنوب إلا الله ) أي : لا يغفرها أحد سواه ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا سلام بن مسكين ، والمبارك ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بأسير فقال : اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عرف الحق لأهله " .

وقوله : ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) أي : تابوا من ذنوبهم ، ورجعوا إلى الله عن قريب ، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه ، كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ، رحمه الله ، في مسنده :

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره قالوا : حدثنا أبو يحيى عبد الحميد الحماني ، عن عثمان بن واقد عن أبي نصيرة ، عن مولى لأبي بكر ، عن أبي بكر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " .

ورواه أبو داود ، والترمذي ، والبزار في مسنده ، من حديث عثمان بن واقد - وقد وثقه يحيى بن معين - به وشيخه أبو نصيرة الواسطي واسمه مسلم بن عبيد ، وثقه الإمام أحمد وابن حبان وقول علي بن المديني والترمذي : ليس إسناد هذا الحديث بذاك ، فالظاهر إنما [ هو ] لأجل جهالة مولى أبي بكر ، ولكن جهالة مثله لا تضر ، لأنه تابعي كبير ، ويكفيه نسبته إلى [ أبي بكر ] الصديق ، فهو حديث حسن والله أعلم .

وقوله : ( وهم يعلمون ) قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير : ( وهم يعلمون ) أن من تاب تاب الله عليه .

وهذا كقوله تعالى : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) [ التوبة : 104 ] وكقوله ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ النساء : 110 ] ونظائر هذا كثيرة جدا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا جرير ، حدثنا حبان - هو ابن زيد الشرعبي - عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - وهو على المنبر - : " ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر لكم ، ويل لأقماع القول ، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون " .

تفرد به أحمد ، رحمه الله .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " الذين ينفقون في السراء والضراء "، أعدت الجنة التي عرضها السموات والأرض للمتقين، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله، إما في صرفه على محتاج، وإما في تقوية مُضعِف على النهوض لجهاده في سبيل الله. (12)

* * *

وأما قوله: " في السراء "، فإنه يعني: في حال السرور، بكثرة المال ورخاء العيش

* * *

" والسراء " مصدر من قولهم " سرني هذا الأمر مسرَّة وسرورًا "

* * *

" والضراء " مصدر من قولهم: " قد ضُرّ فلان فهو يُضَرّ"، إذا أصابه الضُّر، وذلك إذا أصابه الضيق، والجهد في عيشه. (13)

* * *

7838- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " الذين ينفقون في السراء والضراء "، يقول: في العسر واليسر.

* * *

فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها، لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة، (14) وفي حال الضيق والشدة، في سبيله.

* * *

وقوله: " والكاظمين الغيظ "، يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه.

* * *

يقال منه: " كظم فلان غيظه "، إذا تجرَّعه، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرةٌ على إمضائه، باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها.

وأصل ذلك من " كظم القربة "، يقال منه: " كظمتُ القربة "، إذا ملأتها ماء. و " فلان كظيمٌ ومكظومٌ"، إذا كان ممتلئًا غمٌّا وحزنًا. ومنه قول الله عز وجل، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [سورة يوسف: 84] يعني: ممتلئ من الحزن. ومنه قيل لمجاري المياه: " الكظائم "، لامتلائها بالماء. ومنه قيل: " أخذت بكَظَمِه " يعني: بمجاري نفسه.

* * *

و " الغيظ " مصدر من قول القائل: " غاظني فلان فهو يغيظني غيظًا "، وذلك إذا أحفظه وأغضبهُ.

* * *

وأما قوله: " والعافين عن الناس "، فإنه يعني: والصافحين عن الناس عقوبَةَ ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون، فتاركوها لهم.

* * *

وأما قوله: " والله يحب المحسنين "، فإنه يعني: فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعدَّ للعاملين بها الجنة التي عرضُها السموات والأرض، والعاملون بها هم " احسنون "، وإحسانهم، هو عملهم بها،. كما:-

7839- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " الذين ينفقون في السراء والضراء " الآية: " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "، أي: وذلك الإحسان، وأنا أحب من عمل به. (15)

7840- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله. فنِعْمت والله يا ابن آدم، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلومٌ.

7841- حدثني موسى بن عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا محرز أبو رجاء، عن الحسن قال: يقال يوم القيامة: ليقم من كان له على الله أجر. فما يقوم إلا إنسان عفا، ثم قرأ هذه الآية: " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". (16)

7842- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل، عن عم له، عن أبي هريرة في قوله: " والكاظمين الغيظ ": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه، ملأه الله أمنًا وإيمانًا. (17)

7843- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " والكاظمين الغيظ " إلى " والله يحب المحسنين "، فـ" الكاظمين الغيظ " كقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ &; 7-217 &; [سورة الشورى: 37]، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حرامًا، فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه الله =" والعافين عن الناس " كقوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ إلى أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [سورة النور: 22]، يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئًا واعفوا واصفحوا.

-------------------------

الهوامش :

(12) في المطبوعة: "للجهاد" ، بلامين ، وأثبت ما في المخطوطة. والمضعف: الذي قد ضعفت دابته.

(13) انظر تفسير"الضراء" فيما سلف 3: 350 - 352.

(14) في المخطوطة: "في حال الرضا" ، وكأنها صواب أيضًا.

(15) الأثر: 7839- سيرة ابن هشام 3: 115 وهو من تمام الآثار التي آخرها: 7837.

(16) الأثر: 7841-"موسى بن عبد الرحمن المسروقي" سلفت ترجمته برقم: 3345. و"محمد بن بشر بن الفرافصة العبدي" مضت ترجمته أيضًا برقم: 4557. و"محرز""أبو رجاء" هو"محرز بن عبد الله الجزري" ، مولى هشام بن عبد الملك. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "كان يدلس عن مكحول".

(17) الحديث 7842- داود بن قيس الفراء: سبق توثيقه في: 5398. زيد بن أسلم: تابعي ثقة معروف ، مضى في 5465.

وأما عبد الجليل ، الذي ذكر غير منسوب ، إلا بأنه من أهل الشام -: فإنه مجهول. وعمه أشد جهالة منه.

وقد ذكره الذهبي في الميزان ، والحافظ في اللسان ، في ترجمة"عبد الجليل" ، وقالا: "قال البخاري: لا يتابع عليه".

وترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 / 33 ، وقال: "روى عنه داود بن قيس. وقال بعضهم: عن داود ابن قيس ، عن زيد بن أسلم". أي كمثل رواية الطبري هنا.

وهذا الإسناد ضعيف ، لجهالة اثنين من رواته. وقد نقله ابن كثير 2: 244 ، عن عبد الرزاق ، به.

ونقله السيوطي 2: 71 - 72 ، ونسبه لعبد الرزاق ، والطبري وابن المنذر.

وذكره في الجامع الصغير: 8997 ، ونسبه لابن أبي الدنيا في ذم الغضب؛ ولم ينسبه لغيره ، فكان عجبًا!!

وفي معناه حديثان ، رواهما أبو داود: 4777 ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه. و: 4778 ، عن سويد بن وهب ، عن رجل من أبناء الصحابة ، عن أبيه.

وقد روى أحمد في المسند: 6114 ، عن علي بن عاصم ، عن يونس بن عبيد ، أخبرنا الحسن ، عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ ، يكظمها ابتغاء وجه الله تعالى".

وهذا إسناد صحيح. ونقله ابن كثير 2: 244 ، من تفسير ابن مردويه. من طريق علي بن عاصم ، عن يونس بن عبيد ، به. ثم قال: "رواه ابن جرير. وكذا رواه ابن ماجه ، عن بشر بن عمر ، عن حماد بن سلمة ، عن يونس بن عبيد ، به". فنسبه ابن كثير -في هذا الموضع- لرواية الطبري. ولم يقع إلينا فيه في هذا الموضع. فلا ندري: أرواه ابن جرير في موضع آخر ، أم سقط هنا سهوًا من الناسخين؟ فلذلك أثبتناه في الشرح احتياطًا.

المعاني :

فعلوا فاحشة :       معصية كبيرة متناهية في القُبح معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[133، 135] ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا﴾ من علامات التقوى عدم إصرار صاحبها على المعصية بل سرعان ما يرجع ويتوب.
وقفة
[135] قال ثابت البناني: «بلغني أن إبليس لما نزلت هذه الآية بكى» .
وقفة
[135] قال ابنُ مسعودٍ: «هذه الآية خيرٌ لأهل الذنوب من الدنيا وما فيها».
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ جاء هذا في وصف المتقين، قال ابن رجب: «فدل على أن المتقين قد يقع منهم أحيانًا كبائر وهي الفواحش، وصغائر وهي ظلم النفس، لكنهم لا يصرون عليها».
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ ظلم النفس بترك أو تأخير واجب أو فعل محرم لا يخدش التقوى إذا استغفر وتاب.
لمسة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ صرَّح بذكر الفاحشة مع دخولها في ظلم النفس، لأنَّ المراد بها نوعٌ من أنواع ظلم النفس، وهو الزنى، أو كلُّ كبيرة، وخصَّ بهذا الاسم تنبيهًا على زيادة قبحه.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ﴾ في وحْلِ الفاحشةِ يلهمهم اللهُ أن يذكروه، ما أطيبَ الله!
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ﴾ المتقي ضعفت نفسه فوقع بالمعصية، ثم تذكر ربه وخاف من غضبه.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ أخطر من فعل الحرام أن تُحرم نعمة الإحساس بمرارة الآثام.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ ليست الغرابة مع الذنوب في السقوط، لكن الغرابة ألا تحاول النهوض.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ المنكرات تتحول فتبدأ معصية ثم تكون موروثًا ثم تكون دينًا؛ فيجب إنكارها قبل تحولها ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّـهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ [الأعراف: 28].
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ ليس المؤمن الذي لا يعصي اﷲ، ولكن المؤمن الذي إذا عصاه رجع إليه.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ نهضوا بسرعة للعمل واستقبلوا الحياة بالذكر والاستغفار.
وقفة
[135] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ نداءات المغفرة للمذنبين تلوح وتقول أين المستغفرين؟
وقفة
[135] ليست الغرابة في سقوطك يومًا ما، لكن الغرابة ألا تستطيع النهوض بعد سقوطك ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾.
عمل
[135] استغفر الله تعالى سبعين مرة في يومك وليلتك ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[135] ﴿ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ ليست العبرة بالذنوب، وإنما العبرة بحال القلوب بعد الذنوب.
تفاعل
[135] ﴿فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ استغفر الآن.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ من لك غيره؟! يغفر ذنبك وهو يفرح.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ لا أحد يمحو خطيئتك إلا الله، مهما عفا عنك البشر سيظلون يحتفظون بشيء في نفوسهم.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ من تفكر في الذنوب عرف أن البشر لابد لهم من رب يغفرها، تأمل كل شيء يعرفك بالله رب كل شيء.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ مهما عفا عنك البشر سيظلون يحتفظون في قلوبهم نحوك بشيء، الله وحده هو من يعفو زلاتك ويمحو عثراتك.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ قال الزمخشري: «في هذه الجملة وصف لذاته تعالى بسعة الرحمة، وقرب المغفرة، وأن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأن عدله يوجب المغفرة للتائب؛ لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه، وجب العفو والتجاوز، وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل، وكرمه أعظم».
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ جاءت جملة: (وَمَن يَغْفِرُ) معترضة، تحث على الاستغفار ودلالة على سعة عفوه سبحانه.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾: أي يسترها، فإِن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنه قال: ﴿وَإِذَا ما غضِبُوا همْ يَغْفِرون﴾ [الشورى: 37]؟ وقال: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ﴾ [الجاثية: 14]؟ قلتُ: معناه: ومن يغفر الذنوب من جميع الوجوه إلا الله؟ وهذا لا يوجد من غيره.
تفاعل
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك.
وقفة
[135] في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ المذنبين ليس لهم من يلجؤون إليه، ويعولون عليه في مغفرة ذنوبهم غيرُه.
وقفة
[135] ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ لا تقبل التوبة من ذنبٍ يُصر الإنسان على فعله، فأعظم شروط التوبة العزم على الترك.
وقفة
[135] ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا﴾ الإصرار على ارتكاب الذنب من أسباب البعد عن التوبة النصوح وعن التعرض لنفحات المغفرة.
وقفة
[135] ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا﴾ فيه أن الإصرار على الصغيرة من الكبائر؛ فكل ذنب أصر عليه العبد كبير, وليس بكبير ما تاب منه العبد.
وقفة
[135] ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا﴾ ليس العيب أن تذنب، ولكن العيب أن تصر على ذنبك، وتكابر، وتحرم نفسك من مغفرة الله وجنته.
وقفة
[135، 136] الرجوع لله تعالى والاستغفار دون تأخر وتوانٍ من علامة قبول الله تعالى لإنابة عبده ورجوعه له ﴿فَاسْتَغْفَرُوا﴾ جاء الاستغفار بالفاء دلالة سرعة الرجوع، فكان الجزاء عظيمًا ﴿أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا:
  • الواو: عاطفة. الذين: إسم موصول معطوف على «الَّذِينَ» في الآية الكريمة السابقة ويعرب إعرابه. إذا: ظرف زمان متضمن معنى الشرط مبني على السكون. فعلوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. وجملة «فَعَلُوا» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا:
  • فاحشة: مفعول به منصوب بالفتحة. أو ظلموا: معطوفة بأو على «فَعَلُوا» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ أَنْفُسَهُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ:
  • ذكروا: تعرب إعراب «فَعَلُوا» الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة وجملة «ذَكَرُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ:
  • فاستغفروا: معطوفة بحرف العطف الفاء على «ذَكَرُوا» وتعرب إعرابها. لذنوبهم: جار ومجرور متعلق باستغفروا و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ:
  • المعنى: لا يغفر الذنوب إلّا الله. الواو: اعتراضية. من: اسم إستفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ متضمن معنى النفي الضمني. يغفر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الذنوب: مفعول به منصوب بالفتحة. إلّا: أداة حصر. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. والجملة الفعلية «يغفر الله» في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة «مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ» اعتراضية لا محل لها.
  • ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا:
  • الواو: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يصرّوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون لانه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة
  • ﴿ عَلى ما فَعَلُوا:
  • على: حرف جر. ما: إسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بيصروا. فعلوا: سبق إعرابها وجملة «فَعَلُوا» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: على ما فعلوه.
  • ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ:
  • الواو حالية. هم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «يَعْلَمُونَ» في محل رفع خبر للمبتدأ «هُمْ» والجملة الإسمية «هُمْ يَعْلَمُونَ» في محل نصب حال وحذفت صلة «يَعْلَمُونَ» الجار. أي وهم يعلمون به. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • ١- نقل الثعلبي عن عطاء قال: نزلت هذه الآية في نبهان التمار، وكنيته أبو مقبل، أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها: إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فهل لك فيه؟قالت: نعم فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله فتركها وندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ذلك، فنزلت هذه الآية.قلت: وهو من رواية موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو كذاب. والمشهور في هذه القصة نزول {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وسيأتي في تفسير هود. ٢- وذكره مقاتل بن سليمان فقال: خرج رجل غازيا وخلف في أهله رجلا، فتعرض له الشيطان فهوي المرأة فكان منه ما ندم عليه فأتى أبا بكر فذكر ذلك له فقال: أما علمت أن الله يغار للغازي! فأتى عمر فذكر له، فقال له مثل ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك ظلمت نفسك فاستغفر الله" ففعل.ثم قال: وقيل نزلت في عمر بن قيس ويكنى أبا مقبل قصة تأتي في سورة هود. ٣- سبب آخر عن الثعلبي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار، والآخر من ثقيف، فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على نفسه، فاشترى لهم اللحم ذات يوم، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها، فدخلت المرأة بيتا، فتبعها فاتقته بيدها، فقبل يدها، ثم ندم وانصرف فقال له: والله ما حفظت غيبة أخيك، ولا نلت حاجتك، فخرج الأنصاري، ووضع التراب على رأسه، وهام على وجهه، فلما رجع الثقفي لم يستقبله الأنصاري، فسأل امرأته عن حاله فقالت: لا أكثر الله في الإخوان مثله، ووصفت له الحال والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده، فأتى به أبا بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجا فقال له الأنصاري: هلكت! قال: وما أهلكك؟ فذكر له القصة فقال له أبو بكر: ويحك أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم؟ ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل مقالتهما، فأنزل الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الآية.'
  • المصدر المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [135] لما قبلها :     - المسارعة إلى الاستغفار والتوبة، وعدم الإصرار على الذنب، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [136] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ..

التفسير :

[136] أولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم، ولهم جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة، خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة.

{ أولئك} الموصوفون بتلك الصفات{ جزاؤهم مغفرة من ربهم} تزيل عنهم كل محذور{ وجنات تجري من تحتها الأنهار} فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات،{ خالدين فيها} لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا، ولا يغير ما هم فيه من النعيم،{ ونعم أجر العاملين} عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا فـ "عند الصباح يحمد القوم السرى"وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا. وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، خلافا للمرجئة، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية، التي في سورة الحديد، نظير هذه الآيات، وهي قوله تعالى:{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله، وهنا قال:{ أعدت للمتقين} ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون.

ثم بين- سبحانه- عاقبة من هذه صفاتهم فقال: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.

أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس.. إلخ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ تستر ذنوبهم، وتمسح خطاياهم.

وفي الإشارة إليهم بأولئك الدالة على البعد، إشعار بعلو منزلتهم في الفضل، وسمو مكانتهم عند الله- تعالى-.

وقوله وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ معطوف على مَغْفِرَةٌ أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار.

وقوله خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير المجرور في جَزاؤُهُمْ لأنه مفعول به في المعنى، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله- تعالى- جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة:

وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الأماني والآمال.

ووعدهم بإدخالهم في جناته التي يتوفر لهم فيها وتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.

ووعدهم بالخلود في تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور.

وقوله- تعالى- وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاء، حتى يرغب في تحصيله العقلاء.

والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذي وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها.

وبذلك نرى السورة الكريمة قبل أن تفصل الحديث عن غزوة أحد، قد ذكرت المؤمنين بطرف مما حدث من بعضهم فيها، وبالنتائج الطيبة التي حصلوا عليها من غزوة بدر، ثم أمرتهم بتقوى الله، وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضاه.

ثم أخذت السورة الكريمة بعد ذلك تتحدث عن غزوة أحد وعن آثارها في نفوس المؤمنين، فبدأت بالإشارة إلى سنن الله في المكذبين بآياته لتخفف عن المؤمنين مصابهم، ثم أمرتهم بالصبر والثبات ونهتهم عن الوهن والجزع لأنهم هم الأعلون. وإن تكن قد أصابتهم جراح فقد أصيب المشركون بأمثالها، والله- تعالى- فيما حدث في غزوة أحد حكم، منها: تمييز الخبيث من الطيب، وتمحيص القلوب واتخاذ الشهداء، ومحق الكافرين.

استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق تلك المعاني بأسلوبه الذي يبعث الأمل في قلوب المؤمنين. ويرشدهم إلى ما يقويهم ويثبتهم، ويمسح بتوجيهاته دموعهم، ويخفف عنه آلامهم فيقول:

ثم قال تعالى - بعد وصفهم بما وصفهم به - : ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات ) أي : جزاؤهم على هذه الصفات مغفرة من الله وجنات ( تجري من تحتها الأنهار ) أي : من أنواع المشروبات ( خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها ( ونعم أجر العاملين ) يمدح تعالى الجنة .

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " والذين إذا فعلوا فاحشة "، أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين، المنفقين في السراء والضراء، والذين إذا فعلوا فاحشة. وجميع هذه النعوت من صفة " المتقين "، الذين قال تعالى ذكره: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، كما:-

7844- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، ثم قرأ: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " إلى " أجر العاملين "، فقال: إن هذين النعتين لنعت رجل واحد.

7845- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم "، قال: هذان ذنبان،" الفاحشة "، ذنب،" وظلموا أنفسهم " ذنب.

* * *

وأما " الفاحشة "، فهي صفة لمتروك، ومعنى الكلام: والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة.

* * *

ومعنى " الفاحشة "، الفعلة القبيحة الخارجة عما أذِن الله عز وجل فيه. وأصل " الفحش ": القبح، والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء. ومنه قيل للطويل المفرط الطول: " إنه لفاحش الطول "، يراد به: قبيح الطول، خارج عن المقدار المستحسن. ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد: " كلام فاحش "، وقيل للمتكلم به: " أفحش في كلامه "، إذا نطق بفُحش (18) .

* * *

وقيل: إن " الفاحشة " في هذا الموضع، معنىٌّ بها الزنا.

*ذكر من قال ذلك:

7846- حدثنا العباس بن عبد العظيم قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن جابر: " والذين إذا فعلوا فاحشة "، قال: زنى القوم وربّ الكعبة.

7847- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والذين إذا فعلوا فاحشة "، أما " الفاحشة "، فالزنا.

* * *

وقوله: " أو ظلموا أنفسهم "، يعني به: فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها. والذي فعلوا من ذلك، ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته، كما:-

7848- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قوله: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم "، قال: الظلم من الفاحشة، والفاحشة من الظلم.

* * *

وقوله: " ذكروا الله "، يعني بذلك: ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه =" فاستغفروا لذنوبهم "، يقول: فسألوا ربهم أن يستُر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها =" ومن يغفر الذنوب إلا الله "، يقول: وهل يغفر الذنوب -أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه- إلا الله =" ولم يصروا على ما فعلوا "، يقول: ولم يقيموا على ذنوبهم التي أتوها، ومعصيتهم التي ركبوها =" وهم يعلمون "، يقول: لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها، وهم يعلمون أنّ الله قد تقدم بالنهي عنها، وأوعد عليها العقوبةَ من ركبها.

* * *

وذكر أن هذه الآية أنـزلت خصوصًا بتخفيفها ويسرها أُمَّتَنا، (19) مما كانت بنو إسرائيل ممتحنة به من عظيم البلاء في ذنوبها.

7849- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبى رباح: أنهم قالوا: يا نبي الله، بنو إسرائيل أكرم على الله منا! كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه: " اجدع أذنك "،" اجدع أنفك "،" افعل "! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنـزلت: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ إلى قوله: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بخير من ذلك "؟ فقرأ هؤلاء الآيات.

7850- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني عمر بن أبي خليفة العبدي قال، حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال: قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبًا على بابه الذنب وكفارته، فأعطينا خيرًا من ذلك، هذه الآية. (20)

7851- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني قال: لما نـزلت: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ، بكى إبليس فزعًا من هذه الآية.

7852- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال: بلغني أن إبليس حين نـزلت هذه الآية: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم "، بكى.

7853- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال، سمعت علي بن ربيعة يحدِّث، عن رجل من فزارة يقال له أسماء -و: ابن أسماء-، عن علي قال: كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني [منه]، فحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد -قال شعبة: وأحسبه قال: مسلم- يذنب ذنبًا، ثم يتوضأ، ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب [إلا غفر له]" = وقال شعبة: وقرأ إحدى هاتين الآيتين: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ). (21)

7854- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا الفضل بن إسحاق قال، حدثنا وكيع = عن مسعر وسفيان، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدَّقته. وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يتوضأ، ثم يصلي = قال أحدهما: ركعتين، وقال الآخر: " ثم يصلي = ويستغفر الله، إلا غفر له ". (22)

7855- حدثنا الزبير بن بكار قال، حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب أنه قال: ما حدثني أحدٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سألته أن يقسم لي بالله لَهُوَ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أبا بكر، فإنه كان لا يكذب. قال علي رضي الله عنه: فحدثني أبو بكر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يذنب ذنبًا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين، ويستغفر الله من ذنبه ذلك، إلا غفره الله له. (23)

* * *

وأما قوله " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "، فإنه كما بينا تأويله.

وبنحو ذلك كان أهل التأويل يقولون:

7856- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق: " والذين إذا فعلوا فاحشة "، أي إن أتوا فاحشة =" أو ظلموا أنفسهم " بمعصية، &; 7-223 &; ذكروا نهي الله عنها، وما حرَّم الله عليهم، فاستغفروا لها، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوبَ إلا هو. (24)

* * *

وأما قوله: " ومن يغفر الذنوب إلا الله "، فإن اسم " الله " مرفوع ولا جحد قبله، وإنما يرفع ما بعد " إلا " بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد، كقول القائل: " ما في الدار أحد إلا أخوك ". (25) فأما إذا قيل: " قام القوم إلا أباك "، فإن وجه الكلام في" الأب " النصب. و " مَنْ" بصلته في قوله: " ومن يغفر الذنوب إلا الله "، معرفة. فإن ذلك إنما جاء رفعًا، لأن معنى الكلام: وهل يغفر الذنوب أحدٌ = أو: ما يغفر الذنوب أحدٌ إلا الله. فرفع ما بعد " إلا " من [اسم] الله، (26) على تأويل الكلام لا على لفظه.

* * *

وأما قوله: " ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون "؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويل " الإصرار "، ومعنى هذه الكلمة.

فقال بعضهم: معنى ذلك: لم يثبتوا على ما أتوا من الذنوب ولم يقيموا عليه، ولكنهم تابوا واستغفروا، كما وصفهم الله به.

*ذكر من قال ذلك:

7857- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون "، فإياكم والإصرار، فإنما هلك المصرُّون، الماضون قُدُمًا، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرَّمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوه، حتى أتاهم الموتُ وهم على ذلك.

7858- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "؟ قال: قُدمًا قُدُمًا في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله، حتى جاءهم أمر الله.

7859- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "، أي: لم يقيموا على معصيتي، كفعل من أشرك بي، فيما عملوا به من كفرٍ بي. (27)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: لم يواقعوا الذنب إذا همُّوا به.

*ذكر من قال ذلك:

7860- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: " ولم يصروا على ما فعلوا "، قال: إتيان العبد ذنبًا إصرارٌ، حتى يتوب.

7861- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ولم يصروا على ما فعلوا "، قال: لم يواقعوا. (28)

* * *

وقال آخرون: معنى " الإصرار "، السكوت على الذنب وترك الاستغفار.

*ذكر من قال ذلك:

7862- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "، أما " يصروا " فيسكتوا ولا يستغفروا.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا، قول من قال: " الإصرار "، الإقامة على الذنب عامدًا، وترك التوبة منه. (29) ولا معنى لقول من قال: " الإصرار على الذنب هو مواقعته "، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مُواقع الذنب، فقال: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "، ولو كان المواقع الذنب مصرًّا بمواقعته إياه، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم. لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه، وجهٌ.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة ".

7863- حدثني بذلك الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن عثمان بن واقد، عن أبي نصيرة، عن مولى لأبي بكر، عن أبي بكر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (30)

* * *

= فلو كان مواقع الذنب مصرًّا، لم يكن لقوله " ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة "، معنى لأن مواقعةَ الذنب إذا كانت هي الإصرار، فلا يزيل الاسمَ الذي لزمه معنى غيره، كما لا يزيل عن الزاني اسم " زان " وعن القاتل اسم " قاتل "، توبته منه، ولا معنى غيرها. وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصرٍّ عليه، فمعلوم بذلك أن " الإصرار " غير المواقعة، وأنه المقام عليه، على ما قلنا قبل.

* * *

واختلف أهل التأويل، في تأويل قوله: " وهم يعلمون ".

فقال بعضهم: معناه: وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا.

*ذكر من قال ذلك:

7864- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " وهم يعلمون "، فيعلمون أنهم قد أذنبوا، ثم أقاموا فلم يستغفروا.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية لله. (31)

*ذكر من قال ذلك:

7865- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وهم يعلمون "، قال: يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري. (32)

* * *

قال أبو جعفر: وقد تقدم بياننا أولى ذلك بالصواب.

---------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير"الفحشاء" فيما سلف 3: 303 / 4: 571.

(19) في المطبوعة: "أمنا" ، مكان"أمتنا" ، أخطأ الناشر الأول قراءتها ، لأنها غير منقوطة في المخطوطة ، وقوله: "أمتنا" منصوب ، مفعول به لقوله: "خصوصًا". أي: قد خص الله بتخفيفها ويسرها أمتنا.

(20) الأثر: 7850-"عمر بن أبي خليفة العبدي" ، واسم"أبي خليفة": "حجاج بن عتاب" ، ثقة مات سنة 189 ، مترجم في التهذيب ، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عمر بن خليفة" وهو خطأ.

(21) الحديث: 7853- عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي: هو عثمان بن المغيرة مولى ثقيف. وسيأتي باسم أبيه في الحديث التالي لهذا. وهو ثقة ، وثقه أحمد ، وابن معين وغيرهما.

علي بن ربيعة بن فضلة الوالبي الأسدي: تابعي ثقة ، روى له الشيخان وأصحاب السنن. أسماء أو ابن أسماء؛ هكذا شك فيه شعبة. وغيره لم يشك فيه. وهو أسماء بن الحكم الفزاري ، كما سيأتي في الإسناد التالي لهذا. وهو تابعي ثقة ، وثقه العجلي وغيره. وترجمه ابن أبي حاتم 1 / 1 / 325 ، فلم يذكر فيه جرحًا.

وترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 55 ، وأشار إلى روايته هذا الحديث ، ثم قال: "ولم يتابع عليه. وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض ، فلم يحلف بعضهم بعضًا". وهذا لا يقدح في صحة الحديث ، كما قال الحافظ المزي.

والحديث رواه الطيالسي ، عن شعبة ، بهذا الإسناد. وهو أول حديث في مسنده المطبوع.

ورواه أحمد في المسند ، برقم: 48 ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، به. ورواه أيضًا ، برقم: 47 ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة.

ورواه أيضًا ، برقم: 56 ، عن أبي كامل ، عن أبي عوانة ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن علي بن ربيعة. و"عثمان بن أبي زرعة": هو عثمان بن المغيرة الثقفي. وكذلك رواه الترمذي 1: 313 - 314 (رقم: 406 بشرحنا). عن قتيبة ، عن أبي عوانة. وكذلك رواه أيضا في كتاب التفسير 4: 84 ، بهذا الإسناد.

وقال في الموضع الأول: "حديث على حديث حسن ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، من حديث عثمان بن المغيرة. وروى عنه شعبة وغير واحد ، فرفعوه مثل حديث أبي عوانة. ورواه سفيان الثوري ومسعر فأوقفاه ، ولم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم"! وقال نحو ذلك في الموضع الثاني. كأنه يريد تعليل المرفوع بالموقوف. وما هي بعلة. ولكنه وهم -رحمه الله- وهمًا شديدًا فيما نسب إلى مسعر وسفيان. وها هي ذي روايتهما عقب هذه الرواية ، مرفوعة أيضًا. ولعل له عذرًا أن تكون روايتهما وقعت له موقوفة

(22) الحديث: 7854- هو تكرار للحديث السابق ، ولكنه مختصر قليلا. والفضل بن إسحاق - شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة. ولعله محرف عن اسم آخر.

والحديث من هذا الوجه رواه أحمد في المسند ، برقم: 2 ، عن وكيع ، عن مسعر وسفيان ، بهذا الإسناد ، مرفوعًا أيضًا. فهو يرد على الترمذي ادعاءه أن سفيان ومسعرًا روياه موقوفًا.

وقد نقله ابن كثير 2: 246 ، عن رواية المسند هذه. ثم قال: "وهكذا رواه علي بن المديني ، والحميدي ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأهل السنن ، وابن حبان في صحيحه ، والبزار ، والدارقطني - من طرق ، عن عثمان بن المغيرة ، به".

وذكره السيوطي 2: 77 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب.

وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 1: 241 ، مختصرًا ، ونسبه لبعض من ذكرنا ، ثم قال: "وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد ، وذكر فيه الركعتين".

(23) الحديث: 7855- وهذا إسناد ثالث للحديث السابق. ولكنه إسناد ضعيف جدًا. الزبير بن بكار - شيخ الطبري: ثقة ثبت عالم بالنسب ، عارف بأخبار المتقدمين. وهو ابن أخي المصعب بن عبد الله الزبيري ، صاحب كتاب"نسب قريش".

سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري: قال أبو حاتم - فيما روى عنه ابنه 2 / 1 / 85: "هو في نفسه مستقيم ، وبليته أنه يحدث عن أخيه عبد الله بن سعيد ، وعبد الله بن سعيد ضعيف الحديث ، ولا يحدث عن غيره. فلا أدري ، منه أو من أخيه؟". وأخوه: هو عبد الله بن سعيد المقبري ، وهو ضعيف جدًا ، رمي بالكذب. والإسنادان السابقان كافيان كل الكفاية لصحة الحديث ، دون هذا الإسناد الواهي.

(24) الأثر: 7856- ابن هشام 3: 115 ، 116 - وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7839.

(25) انظر معاني القرآن للفراء 1: 234.

(26) في المخطوطة والمطبوعة: "ما بعد إلا من الله" ، والصواب زيادة ما بين القوسين.

(27) الأثر: 7859- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7856.

(28) في المخطوطة: "قال: لم يصروا" ، لم يفعل غير إعادة لفظ الآية ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب ، كما سترى في ترجيح أبي جعفر بعد.

(29) في المخطوطة والمطبوعة: "أو ترك التوبة" ، ولا معنى لوضع "أو" هنا والصواب ما أثبت.

(30) الحديث: 7863- الحسين بن يزيد السبيعي؛ مضى الكلام في: 2892 بالشك في نسبته"السبيعي". ولكن هكذا ثبتت هذه النسبة مرة أخرى في هذا الموضع. فلعله شيخ للطبري لم تصل إلينا معرفته. عبد الحميد الحماني - بكسر الحاء وتشديد الميم: هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي ، وهو ثقة ، وثقه ابن معين ، وأخرج له الشيخان. عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: ثقة ، وثقه ابن معين. وقال أحمد: "لا أرى به بأسا".

أبو نصيرة -بضم النون وفتح الصاد المهملة- الواسطي: اسمه مسلم بن عبيد. وهو تابعي ثقة. والحديث ذكره ابن كثير 2: 248 ، من رواية أبي يعلى ، من طريق عبد الحميد الحماني ، بهذا الإسناد ، ووقع فيه تحريف في كنية"أبي نصيرة" واسمه ونسبته. وهو خطأ مطبعي فيما أرجح.

وقال ابن كثير - بعد ذكره: "ورواه أبو داود ، والترمذي ، والبزار في مسنده ، من حديث عثمان بن واقد ، وقد وثقه يحيى بن معين - به. وشيخه أبو نصيرة الواسطى ، واسمه مسلم بن عبيد ، وثقه الإمام أحمد ، وابن حبان. وقول علي بن المديني والترمذي: ليس إسناد هذا الحديث بذاك - فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر. ولكن جهالة مثله لا تضر ، لأنه تابعي كبير ، ويكفيه نسبته إلى أبي بكر ، فهو حديث حسن".

وذكره السيوطي 2: 78 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب.

(31) في المخطوطة: "معصية الله" ، والصواب ما أثبت.

(32) الأثر: 7865- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7859 وكان في المطبوعة والمخطوطة: "بما حرمت عليهم" ، وأثبت ما في ابن هشام ، فهو الصواب.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[136] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حينما تتحدث عن منزلك الباقي لا بد أن تحسن القواعد له وتقيم صرحًا مشيدًا عاليًا من الأعمال الصالحة، حتى تنعم أكثر فأكثر.
عمل
[136] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ اعمل من الطاعات بقدر بقائك في الجنة، وما أكرم من يكافئ على العمل المحدود بثواب يتجاوز العقول وكل الحدود.
وقفة
[136] ثلاث آيات في آل عمران بزيادة: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، كلها في سياق أهل التقوى والمتقين؛ وذلك لفضلهم، آية وحيدة في آل عمران خلت من الزيادة، في شأن من أخرجوا من ديارهم وأوذوا في الله.
تفاعل
[136] ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك منهم.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: للخطاب. جزاء: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ:
  • مغفرة: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة. من ربهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من مغفرة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والجملة الإسمية «جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ» في محل رفع خبر المبتدأ أولاء.
  • ﴿ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي:
  • معطوفة بالواو على «مَغْفِرَةٌ» مرفوعة مثلها بالضمة. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفعل «تَجْرِي مع فاعله» في محل رفع صفة لجنات.
  • ﴿ مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:
  • من تحت: جار ومجرور و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. الانهار: فاعل مرفوع بالضمة و «مِنْ تَحْتِهَا» متعلق بتجري أو بحال من الانهار أي تجري كائنة من تحتها.
  • ﴿ خالِدِينَ فِيها:
  • حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين والحركة في المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بخالدين.
  • ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ:
  • الواو: استئنافية. نعم: فعل ماض جامد مبني على الفتح لانشاء المدح. أجر: فاعل مرفوع بالضمة. العاملين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 136﴿أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
العنكبوت: 58﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
الزمر: 74﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [136] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل صفات المتقين؛ بَيَّنَ هنا جزاءهم، وما أُعدَّ لهم من نعيم، قال تعالى:
﴿ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [137] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ ..

التفسير :

[137] يخاطب الله المؤمنين لمَّا أُصيبوا يوم «أُحد» تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.

وهذه الآيات الكريمات، وما بعدها في قصة "أحد"يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة، امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصر لعباده المؤمنين، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم.{ فسيروا في الأرض} بأبدانكم وقلوبكم{ فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وتبين لكل أحد خسارهم، وذهب عزهم وملكهم، وزال بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا أعظم دليل، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟"وحكمة الله التي يمتحن بها عباده، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم

قال الفخر الرازي ما ملخصه: اعلم أن الله- تعالى- لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية، الغفران والجنات، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية.

وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين فقال: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ.

وأصل الخلو في اللغة: الانفراد. والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه. ويستعمل أيضا في الزمان بمعنى المضي: لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية.

والسنن جمع سنة وهي الطريقة المستقيمة والمثال المتبع. وفي اشتقاق هذه اللفظة وجوه منها:

أنها فعلة من سن الماء يسنه إذا والى صبه. والسن الصب للماء. والعرب شبهت الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب، فإنه لتوالى أجزاء الماء فيه على نهج واحد يكون كالشىء الواحد»

والمراد بالسنن هنا: وقائع في الأمم المكذبة، أجراها الله- تعالى- على حسب عادته، وهي الإهلاك والدمار بسبب كفرهم وظلمهم وفسوقهم عن أمره.

والمعنى: إنه قد مضت وتقررت من قبلكم- أيها المؤمنون- سنن ثابتة، ونظم محكمة فيما قدره- سبحانه- من نصر وهزيمة، وعزة وذلة، وعقاب في الدنيا وثواب فيها، فالحق يصارع الباطل، وينتصر أحدهما على الآخر بما سنه- سبحانه- من سنة في النصر والهزيمة.

وقد جرت سننه- سبحانه- في خلقه أن يجعل العاقبة للمؤمنين الصادقين، وأن يملى للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

فإن كنتم في شك من ذلك- أيها المؤمنون- فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

أى: فسيروا في الأرض متأملين متبصرين، فسترون الحال السيئة التي انتهى إليها المكذبون من تخريب ديارهم، وبقايا آثارهم.

قالوا: وليس المراد بقوله فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا الأمر بذلك لا محالة، بل المقصود تعرف أحوالهم، فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلا، ولا يمتنع أن يقال أيضا: إن لمشاهدة آثار المتقدمين أثرا أقوى من أثر السماع كما قال الشاعر:

تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار

والتعبير بلفظ كيف الدال على الاستفهام، المقصود به تصوير حالة هؤلاء المكذبين التي تدعو إلى العجب، وتثير الاستغراب، وتغرس الاعتبار والاتعاظ في قلوب المؤمنين لأن هؤلاء المكذبين. مكن الله لهم في الأرض، ومنحهم الكثير من نعمه. ولكنهم لم يشكروه عليها، فأهلكهم بسبب طغيانهم.

فهذه الآية وأشباهها من الآيات، تدعو الناس إلى الاعتبار بأحوال من سبقوهم. وإلى الاتعاظ بأيام الله، وبالتاريخ وما فيه من أحداث، وبالآثار التي تركها السابقون، فإنها أصدق من رواية الرواة ومن أخبار المخبرين.

يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد ، وقتل منهم سبعون : ( قد خلت من قبلكم سنن ) أي : قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين ، ولهذا قال : ( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) .

القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أولئك "، الذين ذكر أنه أعد لهم الجنة التي عرضها السموات والأرض، من المتقين، ووصفهم بما وصفهم به. ثم قال: هؤلاء الذين هذه صفتهم =" جزاؤهم "، يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصَفهم تعالى ذكره أنهم عملوها، (33) = " مغفرة من ربهم "، يقول: عفوٌ لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها =" جنات "، وهي البساتين (34) = " تجري من تحتها الأنهار "، يقول: تجري خلال أشجارها الأنهار وفي أسافلها، جزاء لهم على صالح أعمالهم (35) = " خالدين فيها " يعني: دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها =" ونعم أجر العاملين "، يعني: ونعم جزاء العاملين لله، الجنات التي وصفها، كما:-

7866- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين "، أي ثواب المطيعين. (36)

----------------------

الهوامش :

(33) انظر تفسير: "الجزاء" فيما سلف 2: 27 ، 28 ، 314 / 6: 576.

(34) انظر تفسير: "الجنات" فيما سلف 1: 384 / 5 : 535 ، 542.

(35) انظر تفسير: "تجري من تحتها الأنهار" فيما سلف 5: 542.

(36) الأثر: 7866- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7865.

المعاني :

خلت :       مضت و انْقضت معاني القرآن
سننٌ :       وقائع في الأمم المُكذّبة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[137] في الآية دلالة على أهمية علم التاريخ؛ لأن فيه فائدة السير في الأرض، وهي معرفة أخبار الأوائل، وأسباب صلاح الأمم، وفسادها.
وقفة
[137] (التاريخ) علم لا يحتاج إلى معلِّم، يحتاج فقط إلى قدم تسير وعين تنظر ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا﴾.
وقفة
[137] ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [140] لا تبتئس بما يجري ولا تيأس، فالأيام دول، ودوام الحال من المحال.
وقفة
[137] ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا﴾ النظر في أحوال الأمم السابقة من أعظم ما يورث العبرة والعظة لمن كان له قلب يعقل به.
وقفة
[137] ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ هذه الآية دالة على وجوب السير في الأرض للتفكر، والسير يكون إما حسيًّا بالأقدام، أو معنويًّا بالنظر في كتب التاريخ إن عجز الإنسان عن السير في نواحي الأرض.

الإعراب :

  • ﴿ قَدْ خَلَتْ:
  • حرف تحقيق. خلت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين. والتاء: تاء التأنيث.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ:
  • جار ومجرور متعلق بخلت. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. سنن: فاعل مرفوع بالضمة أي قد مضت أمم من قبلكم.
  • ﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ:
  • الفاء: إستئنافية. سيروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. في الارض: جار ومجرور متعلق بسيروا.
  • ﴿ فَانْظُروا كَيْفَ:
  • فانظروا: معطوفة بالفاء على «سيروا» وتعرب إعرابها. كيف: إسم إستفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر «كانَ» مقدم.
  • ﴿ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ:
  • كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. عاقبة: إسم «كانَ» مرفوع بالضمة في آخره. المكذبين: مضاف اليه مجرور وعلامة جره: الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين في المفرد. وجملة «كَيْفَ وما بعدها» في محل نصب مفعول به للفعل «انظروا». '

المتشابهات :

آل عمران: 137﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
النحل: 36﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [137] لما قبلها :     وبعد ما سبَق من الحديث عن غزوة أُحُد، وما أصابَ المسلمين فيها؛ خاطبَهم اللهُ عز وجل هنا؛ تَعزيةً وتسليةً لهم: قد مضت من قبلكم سُنن إلهية في إهلاك الكافرين، وجعل اللهُ العاقبة للمؤمنين، وما حدث في أُحُد فهو حدث عابر، قال تعالى:
﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [138] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ ..

التفسير :

[138] هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق، وتذكير تخشع له قلوب المتقين، وهم الذين يخشون الله، وخُصُّوا بذلك؛ لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.

{ هذا بيان للناس} أي:دلالة ظاهرة، تبين للناس الحق من الباطل، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين.{ وهدى وموعظة للمتقين} لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي، وأما باقي الناس فهي بيان لهم، تقوم [به] عليهم الحجة من الله، ليهلك من هلك عن بينة. ويحتمل أن الإشارة في قوله:{ هذا بيان للناس} للقرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه بيان للناس عموما، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا، وكلا المعنيين حق.

ثم قال- تعالى- هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.

والبيان: هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت حاصلة.

والهدى: هو الإرشاد إلى ما فيه خير الناس في الحال والاستقبال.

والموعظة: هي الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي من الأمور الدينية أو الدنيوية.

قالوا: فالحاصل أن البيان جنس تحته نوعان:

أحدهما: الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى.

والثاني: الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة. فعطفهما على البيان من عطف الخاص على العام» .

واسم الإشارة يعود إلى ما تقدم هذه الآية الكريمة من أوامر ونواه، ومن وعد ووعيد، ومن حض على السير في الأرض للاعتبار والاتعاظ.

أى هذا الذي ذكرناه لكم من وعد ووعيد، ومن أوامر ونواه، ومن حض على الاعتبار بأحوال المكذبين، بَيانٌ لِلنَّاسِ يكشف لهم الحقائق ويرفع عنهم الالتباس وَهُدىً يهديهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وَمَوْعِظَةٌ أى تخويف نافع لِلْمُتَّقِينَ الذين يعتبرون بالمثلات، وينتفعون بالعظات.

وقيل: إن اسم الإشارة يعود إلى القرآن.

أى هذا القرآن بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين.

وقد رجح ابن جرير الرأى الأول فقال: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: قوله هذا إشارة إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله- عز وجل- المؤمنين، وتعريفهم حدوده، وحضهم على لزوم طاعته، والصبر على جهاد أعدائه، لأن قوله هذا إشارة إلى حاضر إما مرئى وإما مسموع وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة، فمعنى الكلام: هذا الذي أوضحت لكم وعرفتكموه بيان للناس» «2» .

والمراد بالناس جميعهم، إذ أن ما ساقه الله- تعالى- من دلالات وهدايات وعظات هي للناس كافة، إلا أن الذين ينتفعون بها هم المتقون، لأنهم هم الذين أخلصوا قلوبهم الله، وهم الذين طلبوا الحق وسلكوا طريقه ...

والكلمة الهادية لا يستفيد بها إلا القلب المؤمن المفتوح للهدى، والعظة البالغة لا ينتفع بها إلا القلب الخاشع المنيب، والناس في كل زمان ومكان لا ينقصهم- في الغالب- العلم بالحق وبالباطل، وبالهدى والضلال.... وإنما الذي ينقصهم هو القلب السليم الذي يسارع إلى الحق فيعتنقه ويدافع عنه بإخلاص وإصرار، ولذا وجدنا القرآن في هذه الآية- وفي عشرات الآيات غيرها- يصرح بأن المنتفعين بالتذكير هم المتقون فيقول: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.

ثم قال : ( هذا بيان للناس ) يعني القرآن فيه بيان للأمور على جليتها ، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم ( وهدى وموعظة ) يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم و ) هدى ) لقلوبكم و ) موعظة ) أي : زاجر [ عن المحارم والمآثم ] .

القول في تأويل قوله : قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)

قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: " قد خلت من قبلكم سنن "، مضت وسلفت منى فيمن كان قبلكم، (37) يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط، وغيرهم من سُلاف الأمم قبلكم (38) = " سنن "، يعني: مثُلات سيرَ بها فيهم وفيمن كذَّبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم، بإمهالي أهلَ التكذيب بهم، واستدراجي إياهم، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجَّلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم، ثم أحللت بهم عقوبتي، وأنـزلتُ بساحتهم نِقَمي، (39) فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرًا =" فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانَ عاقبه المكذبين "، يقول: فسيروا - أيها الظانّون، أنّ إدالتي مَنْ أدلت من أهل الشرك يوم أحُد على محمد وأصحابه، لغير استدراج مني لمن أشرك بي، وكفرَ برسلي، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي، وما الذي آل إليه غِبُّ خلافهم أمري، (40) وإنكارهم وحدانيتي، فتعلموا عند ذلك أنّ إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم. &; 7-229 &; ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم: من تعجيل العقوبة عليهم، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

7867- حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "، فقال: ألم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقومَ صالح، والأممَ التي عذَّب الله عز وجل؟

7868- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " قد خلت من قبلكم سنن "، يقول: في الكفار والمؤمنين، والخير والشرّ.

7869- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " قد خلت من قبلكم سنن "، في المؤمنين والكفار.

7870- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: استقبل ذكر المصيبة التي نـزلت بهم = يعني بالمسلمين يوم أحد = والبلاء الذي أصابهم، والتمحيص لما كان فيهم، واتخاذه الشهداء منهم، فقال تعزية لهم وتعريفًا لهم فيما صنعوا، وما هو صانع بهم: " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "، أي: قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي: (41) عادٍ وثمودَ وقوم لوط وأصحاب مدين، فسيروا في الأرض تروْا مثُلات قد مضت فيهم، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك &; 7-230 &; مني، (42) وإن أمْليْتُ لهم، (43) أي: لئلا تظنوا أنّ نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي، (44) للدوْلة التي أدلتها عليكم بها، لأبتليكم بذلك، (45) لأعلم ما عندكم. (46)

7871- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبه المكذبين "، يقول: متَّعهم في الدنيا قليلا ثم صيرَّهم إلى النار.

* * *

قال أبو جعفر: وأما " السنن " فإنها جمع " سنَّة "،" والسُّنَّة "، هي المثالُ المتبع، والإمام المؤتمُّ به. يقال منه: " سنّ فلان فينا سُنة حسنة، وسنّ سُنة سيئة "، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر، ومنه قول لبيد بن ربيعة:

مِــنْ مَعْشَـرٍ سَـنَّتْ لَهُـمْ آبـاؤُهُمْ

وَلِكـــلِّ قَــوْمٍ سُــنَّةٌ وَإِمَامُهَــا (47)

وقولُ سليمان بن قَتَّه: (48)

وَإنَّ الألَـى بـالطَفِّ مِـنْ آل هَاشِـم

تَآسَــوْا فَسَــنُّوا لِلكِــرَامِ التَّآسِـيَا (49)

* * *

وقال ابن زيد في ذلك ما:-

7872- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " قد خلت من قبلكم سنن "، قال: أمثالٌ.

* * *

القول في تأويل قوله عز وجل : هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه بـ" هذا ".

فقال بعضهم: عنى بقوله " هذا "، القرآن.

*ذكر من قال ذلك:

7873- حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا &; 7-232 &; عباد، عن الحسن في قوله: " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "، قال: هذا القرآن.

7874- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة. قوله: " هذا بيان للناس "، وهو هذا القرآن، جعله الله بيانًا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خصوصًا.

7875- حدثنا المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال في قوله: " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "، خاصةً.

7876- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج في قوله: " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "، خاصةً.

* * *

وقال آخرون: إنما أشير بقوله " هذا "، إلى قوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ، ثم قال: هذا الذي عرَّفتكم، يا معشر أصحاب محمد، بيان للناس.

*ذكر من قال ذلك:

7877- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق بذلك.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: قوله: " هذا "، إشارةٌ إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين، وتعريفهم حدوده، وحضِّهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم. لأن قوله: " هذا "، إشارة إلى حاضر: إما مرئيّ وإما مسموع، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة.

فمعنى الكلام: هذا الذي أوضحتُ لكم وعرفتكموه، بيانٌ للناس = يعني بـ" البيان "، الشرح والتفسير، كما:-

7878- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " هذا بيان للناس "، أي: هذا تفسير للناس إن قبلوه. (50)

7879- حدثنا أحمد بن حازم والمثني قالا حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: " هذا بيان للناس "، قال: من العَمى.

7880- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الشعبي، مثله.

* * *

وأما قوله: " وهدى وموعظة "، فإنه يعني بـ" الهدى "، الدلالةَ على سبيل الحق ومنهج الدين = و بـ" الموعظة "، التذكرة للصواب والرشاد، (51) كما:-

7881- حدثنا أحمد بن حازم والمثني قالا حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: " وهدى "، قال: من الضلالة =" وموعظة "، من الجهل.

7882- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن بيان، عن الشعبي مثله.

7883- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " للمتقين "، أي: لمن أطاعني وعرَف أمري. (52)

-------------------

الهوامش :

(37) انظر تفسير"خلا" فيما سلف 3: 100 ، 128 / 4: 289.

(38) "سلاف" على وزن"جهال" جمع"سلف" ، وجمعه أيضًا"أسلاف" ، والسلاف: المتقدمون من الآباء الذين مضوا.

(39) في المطبوعة: "نقمتي" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(40) في المطبوعة: "عن خلافهم أمري" ، وهي في المخطوطة"عب" غير منقوطة ، فلم يحسن الناشر قراءتها ، وغب الأمر: عاقبته وآخرته.

(41) في المخطوطة والمطبوعة: "والشرك في عاد وثمود. . ." ، وهو خطأ جدًا ، والصواب ما أثبته من سيرة ابن هشام.

(42) في المخطوطة والمطبوعة: "ما هم عليه مثل ذلك مني" ، والصواب من ابن هشام.

(43) في المخطوطة والمطبوعة: "إن أمكنت لهم" ، والصواب من ابن هشام. والإملاء: الإمهال والاستدراج.

(44) في المخطوطة والمطبوعة: "عن عدوهم وعدوي" ، والصواب من ابن هشام ، وهو مقتضى سياق الضمائر في عبارته.

(45) الإدالة الغلبة. يقال: "أديل لنا على عدونا" ، أي نصرنا عليهم ، و"أدلني على فلان" ، أي: انصرني عليه. والدولة (بضم الدال ، وبفتحها وسكون الواو): الانتقال من حال إلى حال في الحرب وغيرها. وانظر ما سيأتي في تفسير ذلك بعد قليل ص: 239.

(46) الأثر: 7870- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو من تمام الآثار التي آخرها: 7866.

(47) من معلقته البارعة ، يذكر قومه وفضلهم ، والبيت متعلق بقوله قبل:

إِنّـا إِذَا التَقَـتِ المَجَـامِعُ لـم يَـزَلْ

مِنَّــا لِــزَازُ عَظِيمَــةٍ جَشّــامُهَا

وَمُقَسِّــمٌ يُعْطِــى العَشِـيرَةَ حَقّهَـا

ومُغَذْمِـــرٌ لِحقوقِهـــا هَضّامُهــا

فَضْـلا وَذُو كَـرَمٍ يعِيـن عَلَى النَّدَى

سَــمْحٌ كَسُــوبُ رَغَـائِبٍ غَنّامُهَـا

مِنْ مَعْشَرٍ............................

......................................

يقول: هذه العادة سنة وطريقة قد توارثناها ، ولكل سنة إمام قد تقدم الناس فيها فاتبعوه ، فنحن أهل الفضل القديم الذي ابتدعته أوائلنا للناس.

(48) في المطبوعة: "سليمان بن قنة" ، وهو تصحيف وقع في كتب كثيرة ، و"قتة" أمه ، وهو مولى لتيم قريش. وهو من التابعين ، روى عن أبي سعيد الخدري ، وابن عمر وابن عباس ، وعمرو ابن العاص ، ومعاوية. ترجم له البخاري في الكبير 2 / 2 / 33 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 136. وزعم بعضهم أنه"سليمان بن حبيب المحاربي" ، وهو خطأ ، بل هما رجلان ، هذا محاربي ، وهذا تيمي. وهو أحد الشعراء الفرسان ، وهو القائل:

وَقَـدْ يَحْـرِمُ اللـه الفَتَـى وَهْـوَ عَاقِلٌ

وَيُعْطِـى الفَتَـى مَـالا وَلَيْس لـه عَقْلُ

وهو من أول من سن رثاء أهل البيت ، وله في رثائهم شعر كثير.

(49) تاريخ الطبري 7: 184 ، وأنساب الأشراف 5: 339 ، وأمالي الشجري 1: 131 ، واللسان (أسى) ، وغيرها. وهذا البيت ، أنشده مصعب بن الزبير قبل مقتله ، فعلم الناس أن لا يريم حتى يقتل. و"الطف": أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وقوله: "تآسوا" ، صار بعضهم أسوة لبعض في الصبر على المصير إلى الموت بلا رهبة ولا فرق.

(50) الأثر: 7878- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7870.

(51) انظر تفسير: "الهدى" فيما سلف ، من فهارس اللغة = وتفسير"الموعظة" ، فيما سلف 2: 180 / 6: 14.

(52) الأثر: 7883- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7878 ، والظاهر أنه قد سقط من نص ابن إسحاق ، ما أثبته ابن هشام في تفسير هذه الآية ، وهو قوله قبل الذي رواه أبو جعفر: أي: "نور وأدب للمتقين". أما ما رواه أبو جعفر فهو تفسير قوله: "للمتقين" ، وهو في هذا الموضع يفسر"الهدى" ، و"الموعظة".

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[138] ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾، ﴿هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ﴾ [ابراهيم: 52] المقصود بالبيان والبلاغ هو القرآن الكريم، البيان على الله تعالى والبلاغ على الرسل، البيان يوضح به الحلال والحرام وكشف أحكام ومسائل مهمة، البلاغ هو وصول الأمر غايته، وجاء هذا البلاغ بعد أن وصل الطغيان من الظالمين منتهاه.
وقفة
[138] ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ فالبيان يعم كل من فَقِهَهُ، والهدى والموعظة للمتقين.
وقفة
[138] ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ بَيَانٌ لِمَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ عَدَمِ التَّلَازُمِ بَيْنَ النَّصْرِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا بَيْنَ الْهَزِيمَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَهِيَ هُدًى لَهُمْ لِيَنْتَزِعُوا الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ سَبَبَ النَّجَاحِ حَقًّا هُوَ الصَّلَاحُ وَالِاسْتِقَامَةُ، وَهِيَ مَوْعِظَةٌ لَهُمْ لِيَحْذَرُوا الْفَسَادَ وَلَا يغترّوا كَمَا اغترّت عَادٌ إِذْ قَالُوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾. [فصلت: 15].
وقفة
[138] ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله (متقين).
وقفة
[138] بعد أن ذكر الله تعالى شيئًا من تفاصيل غزوة أحد في سورة آل عمران، قال: ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾؛ لأن الكلمة الهادية لا يستشرفها إلا القلب المؤمن المفتوح للهداية، والعظة البالغة لا ينتفع بها إلا القلب التقي الذي يخفق لها ويتحرك بها.
وقفة
[138] ما إعراب وهدى في قوله تعالى: ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾؟ ولِمَ صارت تنوين بالفتح بدل الضم إن كانت معطوفة؟ الجواب: (هدى) معطوف على (بيان) مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف.
وقفة
[138] ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ هل معنى هذا أن العبد لن يهتدي بالقرآن إلا إذا وصل لمنزلة التقوى؟ وكيف يصل لها بدون هداية القرآن؟ الجواب: هما متلازمان، فالتقوى داعية للاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يزيد التقوى ويرسخها، والمقصود أن الهداية الكاملة بالقرآن والاتعاظ بمواعظه لا تكون إلا لمن اتقى الله.
وقفة
[138] إذا أردت أن تنتفع بالقرآن وبما فيه من الهدى والمواعظ؛ فالزم التقوى ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ:
  • هذا: الهاء: للتنبيه. ذا: إسم اشارة مبني على السكون في رفع مبتدأ. بيان: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. للناس: جار ومجرور متعلق ببيان.
  • ﴿ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ:
  • وهدى: معطوف بواو العطف على «بَيانٌ» مرفوع مثله بالضمة المقدرة على الالف للتعذر. وموعظة: معطوفة بواو العطف على «هُدىً» مرفوعة بالضمة
  • ﴿ لِلْمُتَّقِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بموعظة أو بصفة محذوفة منها وعلامة جر الإسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 138﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
البقرة: 66﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
المائدة: 46﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
النور: 34﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [138] لما قبلها :     وبعد الحث على النظر في سوء عواقب المكذبين؛ بين هنا أن هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق، قال تعالى:
﴿ هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [139] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ ..

التفسير :

[139] ولا تَضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم، ولا تحزنوا لما أصابكم في «أُحد»، وأنتم الغالبون والعاقبة لكم، إن كنتم مصدقين بالله ورسوله، متَّبعين شرعه.

يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين، ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهممهم:{ ولا تهنوا ولا تحزنوا} أي:ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم، عندما أصابتكم المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى، فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبة عليكم، وعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم وصبروها، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك، ولهذا قال [تعالى]:{ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}

وبعد هذا البيان الحكيم، يتجه القرآن إلى المؤمنين بالتثبيت والتعزية فينهاهم عن أسباب الفشل والضعف، ويأمرهم بالصمود وقوة اليقين. ويبشرهم بأنهم هم الأعلون فيقول:

وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

وقوله تَهِنُوا من الوهن- بسكون الهاء وفتحها- وهو الضعف. وأصله ضعف الذات كما في قوله- تعالى- حكاية عن زكريا: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي أى ضعف جسمي.

وهو هنا مجاز عن خور العزيمة، وضعف الإرادة، وانقلاب الرجاء يأسا والشجاعة جبنا، واليقين شكا، ولذلك نهوا عنه.

وقوله تَحْزَنُوا من الحزن وهو ألم نفسي يصيب الإنسان عند فقد ما يحب أو عدم إدراكه، أو عند نزول أمر يجعل النفس في هم وقلق.

والمقصود من النهى عن الوهن والحزن، النهى عن سببهما وعن الاسترسال في الألم مما أصابهم في غزوة أحد.

والمعنى: لا تسترسلوا- أيها المؤمنون- في الهم والألم مما أصابكم في يوم أحد، ولا تضعفوا عن جهاد أعدائكم فإن الضعف ليس من صفات المؤمنين، ولا تحزنوا على من قتل منكم فإن هؤلاء القتلى من الشهداء الذين لهم منزلتهم السامية عند الله.

وقوله وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ جملة حالية من ضمير الجماعة في ولا تهنوا ولا تحزنوا والمقصود بها بشارتهم وتسليتهم وإدخال الطمأنينة على قلوبهم.

أى لا تضعفوا ولا تحزنوا والحال أنكم أنتم الأعلون الغالبون دون عدوكم فأنتم قد أصبتم منهم في غزوة بدر أكثر مما أصابوا منكم في غزوة أحد. وأنتم تقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله وهم يقاتلون في سبيل الطاغوت.

وأنتم سيكون لكم النصر عليهم في النهاية، لأن الله- تعالى- قد وعدكم بذلك فهو القائل: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .

وقوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ جملة شرطية، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.

أى: إن كنتم مؤمنين حقا فلا تهنوا ولا تحزنوا بل اعتبروا بمن سبقكم ولا تعودوا لما وقعتم فيه من أخطاء فإن الإيمان يوجب قوة القلب، وصدق العزيمة، والصمود في وجه الأعداء، والإصرار على قتالهم حتى تكون كلمة الله هي العليا.

والتعليق بالشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ المراد منه التهييج لنفوسهم حتى يكون تمسكها بالإيمان أشد وأقوى، إذ قد علم الله- تعالى- أنهم مؤمنون، ولكنهم لما لاح عليهم الوهن والحزن بسبب ما أصابهم في أحد صاروا بمنزلة من ضعف يقينه، فقيل لهم: إن كنتم مؤمنين حقا فاتركوا الوهن والحزن وجدوا في قتال أعدائكم، فإن سنة الله في خلقه اقتضت أن تصيبوا من أعدائكم وأن تصابوا منهم إلا أن العاقبة ستكون لكم.

فالآية الكريمة تحريض للمؤمنين على الجهاد والصبر، وتشجيع على القتال وتسلية لهم عما أصابهم، وبشارة بأن النصر في النهاية سيكون حليفهم.

ثم قال مسليا للمؤمنين : ( ولا تهنوا ) أي : لا تضعفوا بسبب ما جرى ( ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون .

القول في تأويل قوله : وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)

قال أبو جعفر: وهذا من الله تعالى ذكره تعزيةٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد.

قال: " ولا تهنوا ولا تحزنوا "، يا أصحاب محمد، يعني: ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد، من القتل والقروح - عن جهاد عدوكم وحربهم.

* * *

=من قول القائل: " وهنَ فلان في هذا الأمر فهو يهنُ وَهْنًا ".

* * *

=" ولا تحزنوا "، ولا تأسوْا فتجزعوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ، فإنكم " أنتم الأعلون "، يعني: الظاهرُون عليهم، ولكم العُقبَى في الظفر والنُّصرة عليهم =" إن كنتم مؤمنين "، يقول: إن كنتم مصدِّقي نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يَعدكم، وفيما ينبئكم من الخبر عما يؤول إليه أمركم وأمرهم. كما:-

7884- حدثنا المثني قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري قال: كثر في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القتلُ والجراح، حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأسُ، فأنـزل الله عز وجل القرآن، فآسَى فيه المؤمنين بأحسن ما آسى به قومًا من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية، فقال: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنم مؤمنين " إلى قوله: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ .

7885- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين "، يعزّي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوَهن في طلب عدوهم في سبيل الله.

7886- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين "، قال: يأمر محمدًا، يقول: " ولا تهنوا "، أن تمضوا في سبيل الله. (53)

7887- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ولا تهنوا "، ولا تضعفوا.

7888- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

7889- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: " ولا تهنوا ولا تحزنوا "، يقول: ولا تضعفوا.

7890- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ولا تهنوا "، قال ابن جريج: ولا تضعفوا في أمر عدوكم، =" ولا تحزنوا وأنتم الأعلون "، قال: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعب، فقالوا: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فنعى بعضهم بعضًا، وتحدَّثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فكانوا في همّ وحزَن. فبينما هم كذلك، إذ علا خالد بن الوليد الجبلَ بخيل المشركين فوقهم، وهم أسفلُ في الشِّعب. فلما رأوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فرحوا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا قوة لنا إلا بك، وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر "!. قال: وثاب نفرٌ من المسلمين رُماة، فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله، وعلا المسلمون الجبلَ. فذلك قوله: " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".

7891- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولا تهنوا "، أي: لا تضعفوا =" ولا تحزنوا "، ولا تأسوا على ما أصابكم، (54) =" وأنتم الأعلون "، أي: لكم تكون العاقبة والظهور =" إن كنتم مؤمنين " إن كنتم صدَّقتم نبيي بما جاءكم به عني. (55)

7892- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا يعلُون علينا ". فأنـزل الله عز وجل: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".

----------------

الهوامش :

(53) في المخطوطة: "وأن تمضوا" ، بزيادة "واو" ، والذي في المطبوعة أظهر.

(54) في سيرة ابن هشام: "ولا تبتئسوا".

(55) الأثر: 7891- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7878.

المعاني :

وَلَا تَهِنُوا :       لَا تَضْعُفُوا السراج
لا تهِنوا :       لا تضعفوا عن قتال أعدائكم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ لو قالها لك أحد أحبابك لخف أحزانك! اسمعها من الله يواسيك ويخفِّف مآسيك.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ الانكسارات مهما عظمت ليست مسوغة للضعف والعجز، خطاب الهزيمة ليس في لغة المؤمنين.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ الحزن لا مصلحة فيه للقلب بل يضعفه، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، لذلك استبشر وتفاءل وأحسن الظن بالله، وثق بما عند الله، وتوكل عليه وحده، وستجد السعادة والرضا في كل حال بإذن الله.
وقفة
[139] لم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه كقوله: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾، أو منفيًا كقوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]، وسر ذلك أن الحزن لا مصلحة فيه للقلب.
وقفة
[139] القرآن مليء بما يبعث على التفاؤل: ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾، ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾، ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ [الزمر: 53]، ﴿وَلَا تَيْأَسُوا﴾ [يوسف: 87]، فتفاءلوا يا أهل القرآن.
عمل
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ ارفع رأسك وشكواك لله؛ لن تُهان ولن تحزن وربُّك الله الذي تولَّى شأنك ورزقك وتدبير أمرك.
عمل
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ وعد من الله، لن يجعل الغلبة للكافِرين على المؤمنين، فلا تهنوا ولا تحزنوا لما أصابكم ولما فاتكم.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ الأعلون فيما تدافعون عنه، فإنكم على الحق، وهم على الباطل، الأعلون لمن تدافعون عنه، فقتالكم لله، وقتالهم للشيطان، الأعلون فيما لكم، فقتلاكم في الجنة، وقتلاهم في النار.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ حكم من الله جامع أنه متى استقر الإيمان في نفوس المؤمنين، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ شجع الله عباده وقوى عزائمهم وأنهض هممهم، فالحزن في القلوب والوهن على الأبدان زيادة مصيبة وأَعون لعدوكم عليكم.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ التعزيز ورفع الهمة واجب الأزمات إغاظة للأعداء.
وقفة
[139] المؤمن الحق ﻻ يشك بتأييد الله له، فنصر الله قادم ولو بعد حين ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فلا تهنوا ولا تحزنوا، فالإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله وعدم المبالاة بأعدائه.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أنتم أعلى بإيمانكم مهما كانت ظروف المعركة، أنتم فوق على الدوام.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ لا يهن المؤمن أبدًا، ولا ينبغي له! فإيمانه يعلو به، وعون الله يكتنفه.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ الهزيمة ليس في لغة المؤمنين.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بقدر إيمانك بالله يرفعك الله.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يجب بهذه الآية أن لا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم بالأصلح.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فالإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله، وعدم المبالاة بأعدائه.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ القرآن يدعونا للرضا والتفاؤل، ويبعث فينا الأمل دائمًا، اللهم إني أسألك صـدق التوكل عليك.
وقفة
[139] إياك والهــوان والـذلة؛ فالمـؤمن عزيز غالب بهذا الدين ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[139] يقول الله: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ والمنافق :لا، أنتم الأدنون ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ [التوبة: 47].
وقفة
[139] حقق الشرط ليتحقق الوعد ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[139] ترديد النفس لهزائمها ومواضع ضعفها يورثها الهوان، ويُنسيها مواضع القوة فيها ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[139] إشاعةُ السلبيات وبث اليأس لا يُجدي نفعًا؛ بل يُحزن القلوب، ويوهن العزائم، ويفرح الأعداء ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[139] ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ استمع الله يقولها لك.
وقفة
[139] ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ للعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان.
وقفة
[139] ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بقدر إيمان العبد يكون علوه وانتصاره.
وقفة
[139] قيل للمؤمنين بعد خسارتهم في معركة أحد: ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، فمهما كانت انكساراتنا السياسية أو الاقتصادية أو الحضارية فنحن الأعلون بالإيمان.
وقفة
[139] يرتفع الإنسان ويعلو بمقدار إيمانه ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ويوضع بمقدار اتباعه لهواه ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ [طه: 16].

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا:
  • الواو: إستئنافية. لا: ناهية جازمة. تهنوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. ولا تحزنوا: معطوفة بواو العطف على «لا تَهِنُوا» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ:
  • الواو: حالية. والجملة بعدها: في محل نصب حال. أنتم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الأعلون: خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
  • إن: حرف شرط جازم كنتم فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين في محل جزم فعل الشرط. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع إسم «كان» والميم للجمع. مؤمنين: خبر «كان» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. والتقدير: إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا. '

المتشابهات :

آل عمران: 139﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
النساء: 104﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
محمد: 35﴿ وَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّـهُ مَعَكُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [139] لما قبلها :     وبعد ما أصابَ الصحابة في يوم أُحُد؛ نهاهم اللهُ عز وجل هنا عن الحزن على ما فات، وأمرهم بالصمود، وبشرهم بأنهم هم الأعلون، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [140] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ..

التفسير :

[140] إن أصابتكم -أيها المؤمنون -جراح أو قتل في غزوة «أُحد» فحزنتم لذلك، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة «بدر». وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس، نصر مرة وهزيمة أخرى؛ لما في ذلك من الحكمة، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل؛ ليميز الله المؤمن

ثم سلَّاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبيَّن الحكم العظيمة المترتبة على ذلك، فقال:{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى:{ إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون} ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فيداول الله الأيام بين الناس، يوم لهذه الطائفة، ويوم للطائفة الأخرى؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة، فإنها خالصة للذين آمنوا.{ وليعلم الله الذين آمنوا} هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء، ليتبين المؤمن من المنافق؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام، في الضراء والسراء، واليسر والعسر، ممن ليس كذلك.{ ويتخذ منكم شهداء} وهذا أيضا من بعض الحكم، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم،{ والله لا يحب الظالمين} الذين ظلموا أنفسهم، وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين، وأنهم مبغضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله.{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}

ثم أضاف- سبحانه- إلى ذلك تسلية جديدة لهم، فأخبرهم بأن ما أصابهم من جراح وآلام قد أصيب أعداؤهم بمثله فقال- تعالى-: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.

فقال الفخر الرازي: واعلم أن هذا من تمام قوله- تعالى- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فبين- تعالى- أن الذي يصيبهم من القرح لا يصح أن يزيل جدهم واجتهادهم في جهاد العدو، وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك، فإذا كانوا مع باطلهم وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى .

والمراد بالمس هنا: الإصابة بالجراح ونحوها.

والقرح- بفتح القاف- الجرح الذي يصيب الإنسان، والقرح- بضم القاف- الألم الذي يترتب على ذلك وقيل هما لغتان بمعنى واحد وهو الجرح وأثره.

والمعنى: إن تكونوا- أيها المؤمنون- قد أصابتكم الجراح من المشركين في غزوة أحد، فأنتم قد أنزلتم بهم من الجراح في غزوة بدر مثل ما أنزلوا بكم في أحد، ومع ذلك فإنهم بعد بدر قد عادوا لقتالكم، فأنتم أولى بسبب إيمانكم ويقينكم ألا تهنوا وألا تحزنوا لما أصابكم في أحد وأن تعقدوا العزم على منازلتهم حتى يظهر أمر الله وهم كارهون.

وقيل: إن المعنى إن تصبكم الجراح في أحد فقد أصيب القوم بجراح مثلها في هذه المعركة ذاتها.

وقد ذكر صاحب الكشاف هذين المعنيين فقال: والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم، ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا. ونحوه وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وقيل: كان ذلك يوم أحد، فقد نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فإن قلت: كيف قيل «قرح مثله» وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟ قلت: بلى كان مثله. ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار. ألا ترى إلى قوله- تعالى- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ

.

ويبدو لنا أن الظاهر هو الرأى الأول، وهو أن الكلام عن غزوتى بدر وأحد، لأن الله- تعالى- قد ساق هذه الآية الكريمة لتسلية المؤمنين بأن ما أصابهم في أحد من المشركين قد أصيب المشركون بمثله على أيدى المؤمنين في غزوة بدر، فلماذا يحزنون أو يضعفون؟ ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، يؤيد هذا المعنى- كما سنبينه بعد قليل-.

وجواب الشرط في قوله إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... إلخ. محذوف. والتقدير إن يمسسكم قرح فاصبروا عليه واعقدوا عزمكم على قتال أعدائكم، فقد مسهم قرح مثله قبل ذلك.

وعبر عما أصاب المسلمين في أحد بصيغة المضارع يَمْسَسْكُمْ لقربه من زمن الحال، وعما أصاب المشركين بصيغة الماضي لبعده لأن ما أصابهم كان في غزوة بدر.

وقوله وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ بيان لسنة الله الجارية في كونه، وتسلية للمؤمنين عما أصابهم في أحد.

وقوله نُداوِلُها من المداولة، وهي نقل الشيء من واحد إلى آخر.

يقال: هذا الشيء تداولته الأيدى، أى انتقل من واحد إلى آخر ...

والمعنى: لا تجزعوا أيها المؤمنون لما أصابكم من الجراح في أحد على أيدى المشركين فهم قد أصيبوا منكم بمثل ذلك في غزوة بدر، وإن أيام الدنيا هي دول بين الناس، لا يدوم سرورها ولا غمها لأحد منهم، فمن سره زمن ساءته أزمان، ومن أمثال العرب. الحرب سجال، والأيام دول فهي تارة لهؤلاء وتارة لأولئك، كما قال الشاعر: فلا وأبى الناس لا يعلمون ... فلا الخير خير ولا الشر شر

فيوم علينا، ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر

واسم الإشارة تِلْكَ مشاربه إلى ما بعده، كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها، ومثل هذا التركيب يفيد التفخيم والتعظيم.

والمراد بالأيام: الأوقات والأزمان المختلفة لا الأيام العرفية التي يتكون الواحد منها من مدة معينة.

وقد فسر صاحب الكشاف مداولة الأيام بتبادل النصر، فقال: وقوله: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ، تلك مبتدأ. والأيام صفته ونُداوِلُها خبره.

ويجوز أن يكون تِلْكَ الْأَيَّامُ مبتدأ وخبرا، كما تقول: هي الأيام تبلى كل جديد.

والمراد بالأيام: أوقات الظفر والغلبة. ونداولها: نصرفها بين الناس، نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء» .

وقد تكلم الإمام الرازي عن الحكمة في مداولة الأيام بين الناس فقال ما ملخصه: واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله- تعالى- ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين، وذلك لأن نصرة الله منصب شريف، وإعزاز عظيم فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين والفائدة فيه من وجوه:

الأول: إنه- سبحانه- لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات. لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب، فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية، والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله.

والثاني: أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبا، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه» .

ووجه آخر وهو شحذ عزائم المؤمنين في اتخاذ وسائل النصر فلا يركنوا إلى إيمانهم ويتركوا العمل بالأسباب.

ثم كشفت السورة الكريمة عن جوانب من حكمة الله فيما وقع من أحداث في غزوة أحد، وفيما وراء مداولة الأيام بين الناس فقال- تعالى- وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ.

أى فعلنا ما فعلنا في أحد، واقتضت حكمتنا أن نداول الأيام بينكم وبين عدوكم، ليظهر أمركم- أيها المؤمنون-، وليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.

فمعنى علم الله هو تحقق ما قدره في الأزل فيعلمه الناس، ويعلمه الله- تعالى- واقعا حاضرا، وذلك لأن العلم الغيبى لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتبان على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس.

قال صاحب الكشاف: وقوله وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون المعلل محذوفا والمعنى: وليتميز الثابتون على الإيمان منكم من الذين على حرف فعلنا ذلك. وهو من باب التمثيل. بمعنى: فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت، وإلا فالله- عز وجل- لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها.

والثاني: أنه تكون العلة محذوفة، وهذا عطف عليه والمعنى: وفعلنا ذلك ليكون كيت وليعلم الله. وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة، ليسليهم عما جرى عليهم، وليبصرهم بأن العبد يسوؤه ما يجرى عليه من المصائب، ولا يشعر أن الله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه» .

وقوله وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ بيان لحكمة أخرى لما أصاب المسلمين يوم أحد.

أى: وليكرم ناسا منكم بالشهادة ليكونوا مثالا لغيرهم في التضحية بالنفس من أجل إعلاء كلمة الله، والدفاع عن الحق. وهو- سبحانه- يحب الشهداء من عباده، ويرفعهم إلى أعلا الدرجات، وأسمى المنازل.

قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى- وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ أى يكرمكم بالشهادة، أى ليقتل قوم منكم فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم. وقيل: لهذا قيل شهيد.

وقيل: سمى شهيدا لأنه مشهود له بالجنة. وقيل: سمى شهيدا، لأن أرواحهم احتضرت دار السّلام لأنهم أحياء عند ربهم، فالشهيد بمعنى الشاهد أى الحاضر للجنة. والشهادة فضلها عظيم ويكفيك في فضلها قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ... الآية. وفي الحديث الشريف أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» .

وقوله- تعالى- وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ جملة معترضة لتقرير مضمون ما قبلها.

أى: والله- تعالى- لا يحب الذين ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم ونفاقهم وتخاذلهم عن نصرة الحق، وإنما يحب المؤمنين الثابتين على الحق، المجاهدين بأنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء دين الله، ونصرة شريعته.

( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) أي : إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) أي : نديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم ، ولهذا قال تعالى :( وليعلم الله الذين آمنوا ) قال ابن عباس : في مثل هذا لنرى ، أي : من يصبر على مناجزة الأعداء ( ويتخذ منكم شهداء ) يعني : يقتلون في سبيله ، ويبذلون مهجهم في مرضاته . ( والله لا يحب الظالمين )

القول في تأويل قوله : إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ

قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة: ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ )، كلاهما بفتح " القاف "، بمعنى: إن يمسسكم القتل والجراح، يا معشر أصحاب محمد، فقد مس القوم من أعدائكم من المشركين قرح = قتلٌ وجراح = مثله.

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ ). [كلاهما بضم القاف]. (56)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: " إن يمسسكم قَرح فقد مس القوم قَرْح مثله "، بفتح " القاف " في الحرفين، لإجماع أهل التأويل على أن معناه: القتل والجراح، فذلك يدل على أن القراءة هي الفتح.

وكان بعض أهل العربية يزعُمُ أن " القَرح " و " القُرح " لغتان بمعنى واحد. والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا. (57)

* * *

*ذكر من قال: إنّ" القَرح "، الجراح والقتل.

7893- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " إن يمسسكم قَرح فقد مس القوم قرحٌ مثله "، قال: جراحٌ وقتلٌ.

7894- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

7895- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: " إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرح مثله "، قال: إن يقتلوا منكم يوم أحد، فقد قتلتم منهم يوم بدر.

7896- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله "، والقرح الجراحة، وذاكم يوم أحد، فشا في أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ القتل والجراحة، فأخبرهم الله عز وجل أن القوم قد أصابهم من ذلك مثلُ الذي أصابكم، وأن الذي أصابكم عقوبة.

7897- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرح مثله "، قال: ذلك يوم أحد، فشا في المسلمين الجراح، وفشا فيهم القتل، فذلك قوله: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله "، يقول: إن كان أصابكم قرح فقد أصاب عدوّكم مثله = يعزّي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحثهُّم على القتال.

7898- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله "، والقرح هي الجراحات.

7899- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إن يمسسكم قرح " أي: جراح =" فقد مس القوم قرح مثله "، أي: جراح مثلها. (58)

7900- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نام المسلمون وبهم الكلوم = يعني يوم أحد = قال عكرمة: وفيهم أنـزلت: " إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس "، وفيهم أنـزلت: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [سورة النساء: 104].

* * *

وأما تأويل قوله: " إن يمسسكم قرحٌ"، فإنه: إن يصبكم،. (59) كما:-

7901- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إن يمسسكم "، إن يصبكم.

* * *

القول في تأويل قوله : وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره [بقوله] (60) " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، أيام بدر وأحُد.

* * *

ويعني بقوله: " نداولها بين الناس "، نجعلها دُوَلا بين الناس مصرَّفة. = ويعني بـ" الناس "، المسلمين والمشركين. وذلك أن الله عز وجل أدال المسلمين من المشركين ببدر، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين. وأدال المشركين من المسلمين بأحُد، فقتلوا منهم سبعين، سوى من جرحوا منهم.

* * *

يقال منه: " أدال الله فلانًا من فلان، فهو يُديله منه إدالة "، إذا ظفر به فانتصر منه مما كان نال منه المُدَال منه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

7902- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، قال جعل الله الأيام دولا أدال الكفار يوم أحُد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

7903- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، إنه والله لولا الدُّوَل ما أوذي المؤمنون، ولكن قد يُدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب.

7904- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، فأظهر الله عز وجل &; 7-240 &; نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين يوم بدر، وأظهر عليهم عدوَّهم يوم أحُد. وقد يدال الكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب. وأما من ابتلى منهم = من المسلمين = يوم أحد، فكان عقوبة بمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

7905- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، يومًا لكم، ويومًا عليكم.

7906- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: " نداولها بين الناس "، قال: أدال المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

7907- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، فإنه كان يوم أحُد بيوم بدر، قُتل المؤمنون يومَ أحد، اتخذ الله منهم شهداء، وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر المشركين، فجعل له الدولة عليهم.

7908- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان قتال أحد وأصاب المسلمين ما أصابَ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد! يا محمد! ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحربُ سجال: يوم لنا ويوم لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أجيبوه، فقالوا: لا سواء، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! فقال أبو سفيان: لنا عُزَّى ولا عُزَّى لكم! فقال رَسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: اعْلُ هُبَل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله أعلى وأجل! فقال أبو سفيان: موعدكم وموعدنا بدرٌ الصغرى = قال عكرمة: وفيهم أنـزلت: " وتلك الأيام نداولها بين الناس ".

7909- حدثني المثني قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك، &; 7-241 &; عن ابن جريج، عن ابن عباس، في قوله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، فإنه أدال على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

7910- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، أي نصرِّفها للناس، للبلاء والتمحيص. (61)

7911- حدثني إبراهيم بن عبد الله قال، أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون، عن محمد في قول الله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، قال: يعني الأمراء. (62)

* * *

القول في تأويل قوله : وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء = نداولها بين الناس.

ولو لم يكن في الكلام " واو "، لكان قوله: " ليعلم " متصلا بما قبله، وكان وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، ليعلم الله الذين آمنوا. ولكن لما دخلت " الواو " فيه، آذنت بأن الكلام متصل بما قبلها، وأن بعدها خبرًا مطلوبًا، واللام التي في قوله: " وليعلم "، به متعلقة. (63)

* * *

فإن قال قائل: وكيف قيل: " وليعلم الله الذين آمنوا " معرِفةً، وأنت لا تستجيز في الكلام: " قد سألت فعلمتُ عبد الله "، وأنت تريد: علمت شخصه، إلا أن تريد: علمت صفته وما هو؟

قيل: إن ذلك إنما جاز مع " الذين "، لأن في" الذين " تأويل " مَن " و " أيّ"، وكذلك جائز مثله في" الألف واللام "، كما قال تعالى ذكره: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [سورة العنكبوت: 3]، (64) لأن في" الألف واللام " من تأويل " أيّ"، و " مَن "، مثل الذي في" الذي". ولو جعل مع الاسم المعرفة اسم فيه دلالة على " أيّ"، جاز، كما يقال: " سألت لأعلم عبد الله مِنْ عمرو "، ويراد بذلك: لأعرف هذا من هذا. (65)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وليعلم الله الذين آمنوا منكم، أيها القوم، من الذين نافقوا منكم، نداول بين الناس = فاستغنى بقوله: " وليعلم الله الذين آمنوا منكم "، عن ذكر قوله: " من الذين نافقوا "، لدلالة الكلام عليه. إذ كان في قوله: " الذين آمنوا " تأويل " أيّ" على ما وصفنا. فكأنه قيل: وليعلم الله أيكم المؤمن، كما قال جل ثناؤه: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى [سورة الكهف: 12] (66) غير أن " الألف واللام "، و " الذي" و " من " إذا وضعت مع العَلم موضع " أيّ"، نصبت بوقوع العلم عليه، كما قيل: وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ، فأما " أيّ" فإنها ترفع. (67)

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: " ويتخذ منكم شهداء "، فإنه يعني: " وليعلم &; 7-243 &; الله الذين آمنوا " وليتخذ منكم شهداء، أي: ليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها.

* * *

=" والشهداء " جمع " شهيد "، (68) كما:-

7912- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء "، أي: ليميِّز بين المؤمنين والمنافقين، وليكرم من أكرَم من أهل الإيمان بالشهادة. (69)

7913- حدثني المثني قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج في قوله: " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء "، قال: فإن المسلمين كانوا يسألون ربهم: " ربنا أرنا يومًا كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، ونُبليك فيه خيرًا، ونلتمس فيه الشهادة "! فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء.

7914- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء "، فكرَّم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوِّهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله.

7915- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء "، قال: قال ابن عباس: كانوا يسألون الشهادة، فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء.

7916- حدثني عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء "، كان المسلمون يسألون ربهم أن يُريهم يومًا كيوم بدر، يبلون فيه خيرًا، ويرزقون فيه الشهادة، ويرزقون الجنة والحياة والرزق، فلقوا المشركين &; 7-244 &; يوم أحد، (70) فاتخذ الله منهم شهداء، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ الآية، [سورة البقرة: 154].

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: " والله لا يحب الظالمين "، فإنه يعني به: الذين ظلموا أنفسهم بمعصيتهم ربهم،، كما:-

7917- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله لا يحب الظالمين "، أي: المنافقين الذي يظهرون بألسنتهم الطاعة، وقلوبهم مصرَّة على المعصية. (71)

* * *

---------------

الهوامش :

(56) ما بين القوسين زيادة استظهرتها من سياق كلامه. هذا ، وظاهر من ترجيح أبي جعفر بعد ، أن في الكلام سقطًا من الناسخ ، وذلك تفسير"القرح" بضم القاف ، ولعله كان قد ذكر هنا ما قاله الفراء في معاني القرآن 1: 234 وذلك قوله: "وقد قرأ أصحابُ عبد الله"قُرْح" وكأن القُرْح: ألم الجراحات ، وكأن القَرْحَ الجراحاتُ بأعيانها".

(57) انظر التعليق السالف ، فنص قوله هنا دال على خرم في نص الطبري.

(58) الأثر: 7899- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7891.

(59) انظر تفسير: "المس" فيما سلف 2: 274 / 5 : 118 / 7: 155.

(60) ما بين القوسين زيادة يقتضيها سياق تفسيره.

(61) الأثر: 7910- سيرة ابن هشام 3: 116 ، 117 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7899.

(62) الأثر: 7911-"إبراهيم بن عبد الله" ، كثير ، والذي نصوا على أن الطبري روى عنه ، هو: "إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ، أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة" توفى سنة 265. مترجم في التهذيب."وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي" ، روى عن مالك وحماد بن زيد. وروى عنه البخاري ، مات سنة 228. مترجم في التهذيب. و"محمد" هو ابن سيرين.

(63) في المطبوعة والمخطوطة"اللام" بغير واو ، والصواب إثباتها. وفي المطبوعة: "متعلقة به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(64) في المخطوطة والمطبوعة: "وليعلمن الله" بالواو ، وهو سهو من الناسخ مخالف للتلاوة.

(65) انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء 1: 234 ، 235.

(66) في المخطوطة والمطبوعة: "ليعلم" بالياء ، وهو سهو من الناسخ مخالف للتلاوة.

(67) انظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 234 ، 235.

(68) انظر تفسير"الشهداء" فيما سلف 1: 376 - 378 / 3: 97 ، 145 / 6 : 75.

(69) الأثر: 7912- سيرة ابن هشام 3: 117 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7910.

(70) في المطبوعة: "فلقى المسلمون" ، بدل الناشر ما كان في المخطوطة: "فلقوا المسلمين" ، أما السيوطي في الدر المنثور 2: 79 ، فحذف"المسلمين" ، وكتب: "فلقوا يوم أحد" لفساد العبارة التي في مخطوطة الطبري فيما استظهر. ولكني رجحت أن الناسخ الكثير السهو ، سها أيضًا فكتب"المسلمين" مكان"المشركين" ، وأثبت ما رجحت ، لأنه حق الكلام.

(71) الأثر: 7917- سيرة ابن هشام 3: 117 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7912.

المعاني :

قَرْحٌ :       جَرْحٌ السراج
قرْحٌ :       جراحة يوم أُحُدْ معاني القرآن
قرحٌ مثله :       يوم بدر معاني القرآن
نُدَاوِلُهَا :       نُصَرِّفُهَا السراج
نداولُها :       نصرّفُها بأحوالٍ مُختلفة معاني القرآن

التدبر :

لمسة
[140] ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ عبَّر عن المصيبة بقوله: (يَمْسَسْكُمْ)، ولم يقل: (يصبكم)؛ لأن المسّ أصله اللمس السطحيّ الذي لا يخترق الجسد، خلاف يصبكم الذي يفيد اختراق القرح إلى داخل الجسد، وهذا للتخفيف من قدر المصيبة على المؤمنين.
وقفة
[140] ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ التعبير عما أصاب المسلمين بصيغة المضارع ﴿يَمْسَسْكُمْ﴾ لقربه من زمن يوم أحد، والماضي في ﴿مَسَّ﴾ للتعبير عما أصاب المشركين بصيغة الماضي ﴿مَسَّ الْقَوْمَ﴾ لبُعدِه لأنه حصل يوم بدر.
وقفة
[140] ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ تصوير الهزيمة بالقرح أي الجرح مؤذن بالشفاء منه؛ لأن الجراح التي تصيب الجيش لا يُعبأ بها إذا كان معها النصر.
وقفة
[140] ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ إذا كان أهل الباطل ثابتين مع شدة ما يصيبهم أفيضعُف أهلُ الحق عند المحن، وهم الموعودون بالنصر والتمكين؟!
وقفة
[140] ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ قد سبق علم الله أن القرح سيُحزننا، وأن نزف الجراح سيُشعرنا بالهوان، فكلَّمنا يسلينا ويصبرنا ويهدينا سبيل الرفع ، فما أحلمه وأعظمه!
وقفة
[140] أنزل الله تعالى بعد مصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أحد واستشهاد 70 منهم: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ ابتلاهم ليرفعهم إلى أعلى درجات دار الخلود، وكان المنافقون حينها يقولون: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [168].
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ یا صاحب الكرب: سنة الله قضت أن يومك الجميل قادم في الطريق.
عمل
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ لا تشمت يومًا بغيرك؛ فالأيام دوارة.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما كتعاقب الليل والنهار والحر والبرد، سنة من سنن الله في الكون.
عمل
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ سيأتي دور أيامك الجميلة، لن تنتظر طويلًا، عش متعة الترقب، ربما تبدأ غدًا.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ إذا حل (التداول) وجب (الاستسلام)، إذا حل (التداول) تعطلت (الأسباب).
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (نداولها) من المخدوع الذي يتوهم قدرته على (إمساك) أيامه ولياليه?!
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ فما من (ماض) إﻻ سيرجع.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس، ودرجة الثقة فيها بالله والقنوط.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ نُداول عليكم الأعداء تارة، وإن كانت العاقبة لكم؛ لما لنا في ذلك من الحكمة.
عمل
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ لا تشغل بالك كيف سيتم الانتصار؟! اقرأ القرآن وخذ العبرة، فالطريق واحد، إما هداية أو ضلال.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ﴾ [ابراهيم: 5] من عرف الماضي فهم الحاضر والمستقبل.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (الأيام) وليست الشهور ولا الأعوام، هي (أيام) فقط وترحل الآلام.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ عيشوا على حسن الظن بربكم وترقبوا الأجمل، حتمًا سيأتي دور أيامكم الجميلة، وربما تبدأ هذه الأيام غدًا.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ دوام الحال في الدنيا من المحال، فإن أضحكت صاحبها اليوم أبكته غدًا؛ فلا تغتر بها.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ مهما بلغ تسلط الكفار وظلم المعتدين؛ فكن على يقين بقرب نصر الله، سنة جارية ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾؛ فكن منهم.
وقفة
[140] ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ قال: (الناس) ولم يقل: (المؤمنين والكافرين)، مع أن المعركة بين المؤمنين والكافرين، والسبب في هذا الاختيار (الناس): أنكم أيها المؤمنون إذا تخليتم عن الإيمان، فإنكم صرتم مثل بقية الناس، لا فضل لكم عليهم، فيصيبكم مثل ما يصيب الناس، والله وعدكم بالنصر إن كنتم مؤمنين، وهذا يفسر سبب تغلب خالد بن الوليد في معركة أحد؛ لأن الرماة لما عصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، أديل عليهم كما يدال على غيرهم من الناس.
وقفة
[140] إن هذه الدنيا: ارتفاع وانخفاض، امتلاء وفراغ، فقر بعده غنى، وغنى قد يأتي بعده الفقر، ولا يدوم في الدنيا حال ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
عمل
[140] لا تحقرن أحدًا ممن تراهم وأنت سائر في طريقك، فربما احتجت إلى أحدهم أثناء رجوعك! فإنما الحياة غدو ورواح ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
وقفة
[140] قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ سنة الله، سيأتي يومك الجميل حتمًا.
وقفة
[140] اعلم أن الزمان لا يثبت على حال، كما قال عز وجل: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، فتارة فقر وتارة غنى، وتارة عز وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي وتارة يشمت الأعادي، فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل.
وقفة
[140] الحياة تغيير مستمر: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، فالأجدر بالمرء أن يتقبل هذه الحقيقة، ولا يلتفت للماضى كثيرًا: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه: 51]، بل يحاول التكيف مع الواقع : ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: 239]، ويرضى قدر الله الجميل: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
وقفة
[140] الأيام دول، ودوام الحال من المحال، فلا تغتر بما أنت عليه من سرور وحبور، ولا تقنط بما أصابك من هموم وأحزان، فالله يقول: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، فمن سره زمن ساءته أزمان، ومن عاش بآلام ستنتهي غيمتها براحة وأمان.
وقفة
[140] تمضي الأعوام ويقع فيها ما يقع من الأحداث العظام، يتذكر معها المؤمن قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، فتدبر ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ فهي لا تستقر عند أحد، وتأمل في بقية الآية ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، ثم ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾، وخاتمتها ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
وقفة
[140] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ معطوف على مقدَّر، والتقديرُ: وتلكَ الأيامُ نداولها بينَ النَّاسِ، ليتعظوا وليعلم اللَّهُ الذين آمنوا.
وقفة
[140] ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾ الشهادة ليست صدفة أو خبط عشواء، إنما هي اتخاذ من الله واصطفاء.
وقفة
[140] ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾ يمشي الشهداء اليوم بيننا ولا نشعر بهم، لكن عين الله ترعاهم وتحرسهم، فإذا اقترب موعد اللقاء، شرفهم الله بالموت في سبيله.
تفاعل
[140] ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من الظالمين.
لمسة
[140، 141] ما دلالة ذكر أو حذف اللام فى الآيتين؟ عندنا قاعدة: أن الذكر آكد من الحذف، فالذي فيه لام يكون أقوى وآكد: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾ أيُّها الأكثر: يعلم الله الذين آمنوا أو يتخذ شهداء؟ يعلم الله الذين آمنوا أكثر، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ تمحيص الذين آمنوا أكثر من محق الكافرين.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ:
  • إن: حرف شرط جازم. يمسس: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه سكون آخره. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. قرح: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق. مسّ: فعل ماض مبني على الفتح. القوم: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة. وجملة «فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ قَرْحٌ مِثْلُهُ:
  • قرح: فاعل مرفوع بالضمة. مثله: صفة- نعت- لقرح مرفوعة مثله بالضمة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ:
  • تي: إسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد. والكاف: للخطاب. الأيام: بدل من إسم الاشارة مرفوع بالضمة
  • ﴿ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ:
  • أي نصرفها: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بين: ظرف مكان متعلق بنداول منصوب على الظرفية. الناس: مضاف اليه مجرور بالكسرة. والجملة الفعلية «نُداوِلُها» في محل رفع خبر المبتدأ «تِلْكَ».
  • ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ:
  • الواو: زائدة. اللام: حرف جر للتعليل. يعلم: الجملة صلة «أن» المضمرة بعد اللام لا محل لها. وهي: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة للتعظيم و «أن» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بنداول.
  • ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا:
  • الذين: إسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف: فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ:
  • ويتخذ: معطوفة بواو العطف على «يعلم» وتعرب مثلها وفاعل. الفعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. منكم: جار ومجرور والميم علامة جمع الذكور. شهداء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة و «مِنْكُمْ» متعلق بيتخذ أو بمقام المفعول الأول.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الظالمين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن التنوين والحركة في الإسم المفرد. والجملة الفعلية «لا يُحِبُّ» في محل رفع خبر المبتدأ. '

المتشابهات :

آل عمران: 57﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
آل عمران: 140﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

  • قوله تعالى ويتخذ منكم شهداء أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال لما أبطأ على النساء الخبر خرجن ليستخبرن بين فإذا رجلان مقبلان على بعير فقالت امرأة ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا حي قالت فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء ونزل القرآن على ما قالت ويتخذ منكم شهداء'
  • المصدر أسباب النزول للواحدي

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [140] لما قبلها :     وبعد أن بَشَّرَ اللهُ عز وجل المؤمنين بأنهم هم الأعلون؛ بَيَّنَ لهم هنا أن ما أصابهم من جراح وآلام قد أصيب أعداؤهم بمثله، ثم ذكرَ اللهُ الدروس المستفادة من غزوةِ أُحدٍ، وهي: 1- تمييز الصادقين في إيمانهم، قال تعالى:
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

القراءات :

إن يمسسكم:
وقرئ:
إن تمسسكم، بالتاء، وهى قراءة الأعمش.
قرح:
قرئ:
1- بضم القاف وتسكين الراء، وهى قراءة الأخوين، وأبى بكر، والأعمش، من طريقه.
2- بالفتح وتسكين الراء، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بفتح القاف والراء، وهى قراءة أبى السمال، وابن السميفع.
4- قروح، بالجمع، وهى قراءة الأعمش «إن تمسسكم قروح» ، وجواب الشرط محذوف، تقديره:
فتأسوا فقد مس القوم قرح.

البحث بالسورة

البحث في المصحف