ترتيب المصحف | 5 | ترتيب النزول | 112 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.50 |
عدد الآيات | 120 | عدد الأجزاء | 1.07 |
عدد الأحزاب | 2.15 | عدد الأرباع | 8.60 |
ترتيب الطول | 6 | تبدأ في الجزء | 6 |
تنتهي في الجزء | 7 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 2/10 | يا أيها الذين آمنوا: 1/3 |
لَمَّا أحلَّ اللهُ الطيِّباتِ حرَّم هنا الخبائثَ: الخمرَ والميسرَ والأنصابَ والأزلامَ، ثُمَّ بَيَّنَ المفاسدَ الموجودةَ في الخمرِ والميسرِ، والأمرُ بطاعةِ اللهِ وطاعةِ الرسولِ، ونَفي الإثمِ عما شربُوه من الخمرِ قبلَ تحريمِها.
بعدَ أن بَيَّنَ ما أحَلّ وما حَرَّم بَيَّنَ هنا ما حرَّمَه في حالٍ دونَ حالٍ، فذكرَ تحريمَ الصيدِ البريّ في حالةِ الإحرامِ بحجٍّ أو عمرةٍ، وبَيَّنَ كفارةَ ذلك.
التفسير :
تفسير الآيتين 90 و 91:يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس.{ فَاجْتَنِبُوهُ} أي:اتركوه{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر وهي:كل ما خامر العقل أي:غطاه بسكره، والميسر، وهو:جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها، والأنصاب التي هي:الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها. فمنها:أنها رجس، أي:خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسا. والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها. ومنها:أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان. ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منهـا، والخوف من الوقوع فيها. ومنها:أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو:الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له. ومنها:أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء. ومنها:أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو. فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟"فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟"ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله:{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ.
ثم أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر ببيان مفاسدهما الدنيوية والدينية فقال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
أى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ بتزيينه المنكرات لكم أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ بأن يقطع ما بينكم من صلات، ويثير في نفوسكم الأحقاد والضغائن بسبب تعاطيكم للخمر والميسر، وذلك لأن شارب الخمر إذا ما استولت الخمر على عقله أزالت رشده. وأفقدته وعيه، وتجعله قد يسيء إلى من أحسن إليه، ويعتدى على صديقه وجليسه. وذلك يورث أشد ألوان العداوة والبغضاء بين الناس.
ولأن متعاطى الميسر كثيرا ما يخسر ما له على مائدة الميسر. والمال كما نعلم شقيق الروح، فإذا ما خسره هذا المقامر صار عدوا لمن سلب ماله منه عند المقامرة، وأصبح يضمر له السوء. وقد يؤدى به الحال إلى قتله حتى يشفى غيظه منه، لأنه قد جعله فقيرا بائسا مجردا من أمواله بعد أن كان مالكها وفي ذلك ما فيه من تولد العداوة والبغضاء وإيقاد نار الفتن والشرور بين الناس.
فقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية.
أما مفاسدهما الدينية فقد أشار إليها سبحانه بقوله: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ.
أى: ويريد الشيطان أيضا بسبب تعاطيكم للخمر والميسر- أن يصدكم أى يشغلكم ويمنعكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: عن طاعته ومراقبته والتقرب إليه وَعَنِ الصَّلاةِ التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام.
وذلك لأن شارب الخمر يمنعه ما حل به من نشوة كاذبة، ومن فقدان لرشده عن طاعة الله وعن أداء ما أوجبه عليه من صلاة وغيرها.
ولأن متعاطى الميسر بسبب استحلاله لكسب المال عن هذا الطريق الخبيث، ويسبب فقدانه للعاطفة الدينية السليمة صار لا يفكر في القيام بما أوجبه الله عليه من عبادات.
ورحم الله الآلوسى، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: ووجه صد الشيطان لهم عن ذكر الله وعن الصلاة بسبب تعاطيهم للخمر والميسر أن الخمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس.
والاستغراق في الملاذ الجسمانية، تلهى عن ذكر الله تعالى- وعن الصلاة.
وأن الميسر إن كان اللاعب به غالبا، انشرحت نفسه، وصده حب الغلب والقهر والكسب عما ذكر، وإن كان مغلوبا حصل له من الانقباض والقهر ما يحثه على الاحتيال لأن يصير غالبا فلا يخطر بقلبه غير ذلك.
وقد شاهدنا كثيرا ممن يلعب بالشطرنج يجرى بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن ذكر الله تعالى ما ينفر منه الفيل وتكبو له الفرس ويحار لشناعته الفهم وتسود رقعة الأعمال .
وجمع- سبحانه- الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام في الآية الأولى ثم أفردهما بالذكر في هذه الآية، لأن الخطاب للمؤمنين، والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر، وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة، أى أن مجيء الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر إنما هو لتقبيح تعاطيهما، وتأكيد حرمتهما، حتى لكأن متعاطى الخمر والميسر يفعل أفعال أهل الجاهلية، وأهل الشرك بالله- تعالى- وكأنه- كما يقول الزمخشري-: لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب، وبين من شرب خمرا أو قامر.
وخص الصلاة بالذكر مع أنها لون من ألوان ذكر الله، تعظيما لشأنها، كما هو الحال في ذكر الخاص بعد العام، وإشعارا بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان، لما أنها عماد الدين والفارق بين المسلم وبين الكافر.
والاستفهام في قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لإنكار استمرارهم على الخمر والميسر بعد أن بين لهم ما بين من مضارهما الدنيوية والدينية ولحضهم على ترك تعاطيهما فورا، أى: انتهوا سريعا عنهما فقد بينت لكم ما يدعو إلى ذلك.
ولقد لبى الصحابة- رضى الله عنهم- هذا الأمر فقالوا: «انتهينا يا رب انتهينا يا رب» وألقوا ما عندهم من خمر في طرقات المدينة.
ثم قال تعالى : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) وهذا تهديد وترهيب .
ذكر الأحاديث الواردة في [ بيان ] تحريم الخمر :
قال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن أبي وهب مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة قال : حرمت الخمر ثلاث مرات ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما ، فأنزل الله : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) إلى آخر الآية [ البقرة : 219 ] . فقال الناس : ما حرم علينا ، إنما قال : ( فيهما إثم كبير ) وكانوا يشربون الخمر ، حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين ، أم أصحابه في المغرب ، خلط في قراءته ، فأنزل الله [ عز وجل ] آية أغلظ منها : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ النساء : 43 ] وكان الناس يشربون ، حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق . ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) قالوا : انتهينا ربنا . وقال الناس : يا رسول الله ، ناس قتلوا في سبيل الله ، [ وناس ] ماتوا على سرفهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان؟ فأنزل الله تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) إلى آخر الآية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم " . انفرد به أحمد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] أنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت هذه الآية التي في البقرة : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في سورة النساء : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : ألا يقربن الصلاة سكران . فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ : ( فهل أنتم منتهون ) قال عمر : انتهينا .
وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعن أبي ميسرة - واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني - عن عمر ، به . وليس له عنه سواه ، قال أبو زرعة : ولم يسمع منه . وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي .
وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل .
وقال البخاري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، حدثني نافع عن ابن عمر قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب .
حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا محمد بن أبي حميد ، عن المصري - يعني أبا طعمة قارئ مصر - قال : سمعت ابن عمر يقول : نزلت في الخمر ثلاث آيات ، فأول شيء نزل : ( يسألونك عن الخمر والميسر ) الآية [ البقرة : 219 ] فقيل : حرمت الخمر . فقالوا : يا رسول الله ، ننتفع بها كما قال الله تعالى . قال : فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) [ النساء : 43 ] . فقيل : حرمت الخمر ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لا نشربها قرب الصلاة ، فسكت عنهم ثم نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حرمت الخمر " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : ، حدثنا يعلى ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن القعقاع بن حكيم ; أن عبد الرحمن بن وعلة قال : سألت ابن عباس عن بيع الخمر ، فقال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف - أو : من دوس - فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، أما علمت أن الله حرمها؟ " فأقبل الرجل على غلامه فقال : اذهب فبعها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، بماذا أمرته؟ " فقال : أمرته أن يبيعها . قال : " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " . فأمر بها فأفرغت في البطحاء .
رواه مسلم من طريق ابن وهب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم . ومن طريق ابن وهب أيضا ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد كلاهما - عن عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس ، به . ورواه النسائي ، عن قتيبة ، عن مالك ، به .
حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن شهر بن حوشب عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر ، فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال : " إنها قد حرمت بعدك " . قال : يا رسول الله ، فأبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود ، حرم عليهم شحوم البقر والغنم ، فأذابوه ، وباعوه ، والله حرم الخمر وثمنها " .
وقد رواه أيضا الإمام أحمد فقال : حدثنا روح ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال : سمعت شهر بن حوشب قال : حدثني عبد الرحمن بن غنم : أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر ، فلما كان عام حرمت جاء براوية ، فلما نظر إليه ضحك ، فقال : أشعرت أنها حرمت بعدك؟ " فقال : يا رسول الله ، ألا أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود ، انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه ، فباعوا به ما يأكلون ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق ، يريد بها التجارة ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني جئتك بشراب طيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا كيسان ، إنها قد حرمت بعدك " . قال : فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها قد حرمت وحرم ثمنها " . فانطلق كيسان إلى الزقاق ، فأخذ بأرجلها ثم هراقها .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيي بن سعيد ، عن حميد عن أنس قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم ، حتى كاد الشراب يأخذ منهم ، فأتى آت من المسلمين فقال : أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فما قالوا : حتى ننظر ونسأل ، فقالوا : يا أنس ، اكف ما بقي في إنائك ، فوالله ما عادوا فيها ، وما هي إلا التمر والبسر ، وهي خمرهم يومئذ .
أخرجاه في الصحيحين - من غير وجه - عن أنس وفي رواية حماد بن زيد ، عن ثابت عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر ، فإذا مناد ينادي ، قال : اخرج فانظر . فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ، فجرت في سكك المدينة ، قال : فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها . فهرقتها ، فقالوا - أو : قال بعضهم : قتل فلان وفلان وهي في بطونهم . قال : فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد ، حدثنا عباد بن راشد ، عن قتادة عن أنس بن مالك قال : بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة ، حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر . فسمعت مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ، وأصبنا من طيب أم سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات وهو يشربها؟ فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ] ) الآية ، فقال رجل لقتادة : أنت سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم . وقال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم - أو : حدثني من لم يكذب ، ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن بكر بن سوادة ، عن قيس بن سعد بن عبادة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ربي تبارك وتعالى حرم علي الخمر ، والكوبة ، والقنين . وإياكم والغبيراء ، فإنها ثلث خمر العالم " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا فرج بن فضالة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر ، والكوبة والقنين . وزادني صلاة الوتر " . قال يزيد : القنين : البرابط . تفرد به أحمد .
وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو عاصم - وهو النبيل - أخبرنا عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد ، عن عبد الله بن عمرو ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم " . قال : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء ، وكل مسكر حرام " . تفرد به أحمد أيضا .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي طعمة - مولاهم - وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعنت الخمر على عشرة وجوه : لعنت الخمر بعينها وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها " .
ورواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث وكيع ، به .
وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو طعمة ، سمعت ابن عمر يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد ، فخرجت معه فكنت عن يمينه ، وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه ، فكان عن يمينه وكنت عن يساره . ثم أقبل عمر فتنحيت له ، فكان عن يساره . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد ، فإذا بزقاق على المربد فيها خمر - قال ابن عمر - : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية - قال ابن عمر : وما عرفت المدية إلا يومئذ - فأمر بالزقاق فشقت ، ثم قال : " لعنت الخمر وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها وحاملها ، والمحمولة إليه ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وآكل ثمنها " .
وقال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن ضمرة بن حبيب قال : قال عبد الله بن عمر : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة ، فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها ، وقال : " اغد علي بها " . ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ، وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام ، فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ، ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني ، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ، ففعلت ، فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته .
حديث آخر : قال عبد الله بن وهب : أخبرني عبد الرحمن بن شريح وابن لهيعة والليث بن سعد عن خالد بن يزيد ، عن ثابت بن يزيد الخولاني أخبره : أنه كان له عم يبيع الخمر ، وكان يتصدق ، فنهيته عنها فلم ينته ، فقدمت المدينة فتلقيت ابن عباس ، فسألته عن الخمر وثمنها ، فقال : هي حرام وثمنها حرام . ثم قال ابن عباس ، رضي الله عنه : يا معشر أمة محمد ، إنه لو كان كتاب بعد كتابكم ، ونبي بعد نبيكم ، لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم ، ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة ، ولعمري لهو أشد عليكم ، قال ثابت : فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر ، فقال : سأخبرك عن الخمر ، إني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فبينما هو محتب حل حبوته ثم قال : " من كان عنده من هذه الخمر فليأتنا بها " . فجعلوا يأتونه ، فيقول أحدهم : عندي راوية . ويقول الآخر : عندي زق أو : ما شاء الله أن يكون عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثم آذنوني " . ففعلوا ، ثم آذنوه فقام وقمت معه ، فمشيت عن يمينه وهو متكئ علي ، فألحقنا أبو بكر ، رضي الله عنه ، فأخرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلني عن شماله ، وجعل أبا بكر في مكاني . ثم لحقنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه فأخرني ، وجعله عن يساره ، فمشى بينهما . حتى إذا وقف على الخمر قال للناس : " أتعرفون هذه ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، هذه الخمر . قال : " صدقتم " . قال : " فإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها ، وشاربها وساقيها ، وحاملها والمحمولة إليه ، وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها " . ثم دعا بسكين ، فقال : " اشحذوها " . ففعلوا ، ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق ، قال : فقال الناس : في هذه الزقاق منفعة ، قال : " أجل ، ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله ، عز وجل ، لما فيها من سخطه " . فقال عمر : أنا أكفيك يا رسول الله؟ قال : " لا " .
قال ابن وهب : وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث . رواه البيهقي .
حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد ، قال : أنزلت في الخمر أربع آيات ، فذكر الحديث . قال : وضع رجل من الأنصار طعاما ، فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا ، فتفاخرنا ، فقالت الأنصار : نحن أفضل . وقالت قريش : نحن أفضل . فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور ، فضرب به أنف سعد ففزره ، وكان أنف سعد مفزورا . فنزلت آية الخمر : ( إنما الخمر والميسر [ والأنصاب والأزلام ] ) إلى قوله تعالى : ( فهل أنتم منتهون ) أخرجه مسلم من حديث شعبة .
حديث آخر : قال البيهقي : وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنبأنا أبو علي الرفاء ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا ربيعة بن كلثوم ، حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار ، شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته ، فيقول : صنع هذا بي ، أخي فلان - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع هذا بي ، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان [ فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ] فهل أنتم منتهون ) فقال ناس من المتكلفين : هي رجس ، وهي في بطن فلان ، وقد قتل يوم أحد ، فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ] )
ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني محمد بن خلف ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، عن أبي تميلة ، عن سلام مولى حفص أبي القاسم ، عن أبي بريدة ، عن أبيه قال : بينا نحن قعود على شراب لنا ، ونحن رملة ، ونحن ثلاثة أو أربعة ، وعندنا باطية لنا ، ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ، إذ نزل تحريم الخمر : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) إلى آخر الآيتين ( فهل أنتم منتهون ) ؟ فجئت إلى أصحابي فقرأتها إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) ؟ قال : وبعض القوم شربته في يده ، قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا ، كما يفعل الحجام ، ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا .
حديث آخر : قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو عن جابر قال : صبح ناس غداة أحد الخمر ، فقتلوا من يومهم جميعا شهداء ، وذلك قبل تحريمها .
هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتلوا شهداء يوم أحد ، فقالت اليهود : فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم .
فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) ثم قال : وهذا إسناد صحيح . وهو كما قال ، ولكن في سياقته غرابة .
حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية .
ورواه الترمذي ، عن بندار غندر ، عن شعبة ، به نحو . وقال : حسن صحيح .
حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا جعفر بن حميد الكوفي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن عيسى بن جارية ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين ، فحمل منها بمال ، فقدم بها المدينة ، فلقيه رجل من المسلمين فقال : يا فلان ، إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل ، وسجى عليها بأكسية ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، بلغني أن الخمر قد حرمت؟ قال : " أجل " قال : لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال : " لا يصلح ردها " . قال : لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال : " لا " . قال : فإن فيها مالا ليتامى في حجري؟ قال : " إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم " . ثم نادى بالمدينة ، فقال رجل : يا رسول الله ، الأوعية ننتفع بها؟ . قال : " فحلوا أوكيتها " . فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي هذا حديث غريب .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي هبيرة - وهو يحيى بن عباد الأنصاري - عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمرا فقال : " أهرقها " . قال : أفلا نجعلها خلا؟ قال : " لا " .
ورواه مسلم وأبو داود والترمذي ، من حديث الثوري ، به نحوه .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، حدثنا هلال بن أبي هلال ، عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال : إن هذه الآية التي في القرآن : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) قال : هي في التوراة : " إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ، ويبطل به اللعب ، والمزامير ، والزفن ، والكبارات - يعني البرابط - والزمارات - يعني به الدف - والطنابير ، والشعر ، والخمر مرة لمن طعمها . أقسم الله بيمينه وعزة حيله من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة ، ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس " .
وهذا إسناد صحيح .
حديث آخر : قال عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ; أن عمرو بن شعيب حدثهم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة ، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ، ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات ، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قيل : وما طينة الخبال؟ قال : " عصارة أهل جهنم " .
ورواه أحمد ، من طريق عمرو بن شعيب .
حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني ، قال : سمعت النعمان - هو ابن أبي شيبة الجندي - يقول عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مخمر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ قال : " صديد أهل النار ، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه ، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال "
تفرد به أبو داود .
حديث آخر : قال الشافعي ، رحمه الله : أنبأنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " .
أخرجه البخاري ومسلم ، من حديث مالك ، به .
وروى مسلم ، عن أبي الربيع ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " .
حديث آخر : قال ابن وهب : أخبرني عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار ; أنه سمع سالم بن عبد الله يقول : قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " .
ورواه النسائي ، عن عمر بن علي ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، به .
وروى أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة منان ولا عاق ، ولا مدمن خمر " .
ورواه أحمد أيضا ، عن عبد الصمد ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، به . وعن مروان بن شجاع ، عن خصيف ، عن مجاهد ، به ورواه النسائي ، عن القاسم بن زكريا ، عن الحسين الجعفي ، عن زائدة ، عن ابن أبي زياد ، عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد ، كلاهما عن أبي سعيد ، به .
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا منان ، ولا ولد زنية " .
وكذا رواه عن يزيد ، عن همام ، عن منصور ، عن سالم ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو به ، وقد رواه أيضا عن غندر وغيره ، عن شعبة ، عن منصور ، عن سالم ، عن نبيط بن شريط ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق والديه ، ولا مدمن خمر " .
ورواه النسائي ، من حديث شعبة كذلك ، ثم قال : ولا نعلم أحدا تابع شعبة ، عن نبيط بن شريط .
وقال البخاري : لا يعرف لجابان سماع من عبد الله ولا لسالم من جابان ولا نبيط .
وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد ، عن ابن عباس - ومن طريقه أيضا ، عن أبي هريرة ، فالله أعلم .
وقال الزهري : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أن أباه قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : اجتنبوا الخمر ، فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس ، فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت : إنا ندعوك لشهادة . فدخل معها ، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام ، أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسا ، فقال : زيدوني ، فلم يرم حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه .
رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح . وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه " ذم المسكر " عن محمد بن عبد الله بن بزيع ، عن الفضيل بن سليمان النميري ، عن عمر بن سعيد ، عن الزهري ، به مرفوعا والموقوف أصح ، والله أعلم .
وله شاهد في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " .
وقال أحمد بن حنبل : حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما حرمت الخمر قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية . قال : ولما حولت القبلة قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) [ البقرة : 143 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا داود بن مهران الدباغ ، حدثنا داود - يعني العطار - ، عن ابن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة ، إن مات مات كافرا ، وإن تاب تاب الله عليه . وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قالت : قلت : يا رسول الله ، وما طينة الخبال؟ قال : " صديد أهل النار " .
وقال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قيل لي : أنت منهم " .
وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي ، من طريقه .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : قرأت على أبي ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم وهاتان الكعبتان الموسمتان اللتان تزجران زجرا ، فإنهما ميسر العجم " .
القول في تأويل قوله : إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يُريد لكم الشيطانُ شربَ الخمر والمياسرةَ بالقِدَاح، ويحسِّن ذلك لكم، إرادةً منه أن يوقع بينكم العَداوَة والبغضاءَ في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، (5) ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغِّض بعضَكم إلى بعض، فيشتِّت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام =" ويصدّكم عن ذكر الله "، يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، (6) وباشتغالكم بهذا الميسر، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم =" وعن الصلاة "، التي فرضها عليكم ربكم =" فهل أنتم منتهون "، يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، (7) وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟.
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نـزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تحريمَها. (8)
ذكر من قال ذلك:
12512 - حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنـزلت الآية التي في" البقرة ": يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، [سورة البقرة: 219]. قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنـزلت الآية التي في" النساء ": لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [سورة النساء: 43]. قال: وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنـزلت الآية التي في" المائدة ": يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون ". فلما انتهى إلى قوله: " فهل أنتم منتهون " قال عمر: انتهينا انتهينا !! (9)
12513 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا أبى، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فإنها تَذْهب بالعقل والمال! = ثم ذكر نحو حديث وكيع. (10)
12514 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر بن الخطاب: اللهم بيِّن لنا، فذكر نحوه.
12515 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه = وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله.
12516 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله. (11)
12517 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني أبو معشر المدني، عن محمد بن قيس، قال: لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسِر، فسألوه عن ذلك، فأنـزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [سورة البقرة: 219]، فقالوا: هذا شيء قد جاء فيه رخْصة، نأكل الميسر ونشرَب الخمر، ونستغفر من ذلك!. حتى أتى رجلٌ صلاةَ المغرب، فجعل يقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون]. فجعل لا يجوز ذلك، (12)
ولا يدري ما يقرأ، فأنـزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [سورة النساء: 43]. فكان الناس يشربون الخمرَ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتى أنـزل الله تعالى ذكره: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "، فقالوا: انتهينا يا رب ! (13)
* * *
وقال آخرون: نـزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه كان لاحَى رجلا على شراب لهما، فضربه صاحبه بلَحْيَىْ جمل، ففَزَر أنفه، فنـزلت فيهما. (14)
ذكر الرواية بذلك:
12518 - حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد أنه قال: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فَدَعانا. قال: فشربنا الخمرَ حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضلُ منكم! قال: فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَى جملٍ فضرب به أنف سعد ففَزَره، فكان سعد أفزَرَ الأنف. قال: فنـزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى آخر الآية. (15)
12519 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، قال حدثنا شعبة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال، قال سعد: شربتُ مع قوم من الأنصار، فضربت رجلا منهم = أظنّ بفكّ جمل = فكسرته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فلم ألبث أن نـزل تحريم الخمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ، إلى آخر الآية. (16)
12520 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فذكر نحوه. (17)
12521 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبره، أن سالم بن عبد الله حدَّثه: أن أول ما حُرِّمت الخمر، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابًا له شربوا فاقتتلوا، فكسروا أنف سعدٍ، فأنـزل الله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ، الآية. (18)
* * *
وقال آخرون: نـزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.
ذكر من قال ذلك:
12522 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نـزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا، عبث بعضهم على بعض. (19) فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان! = وكانوا إخوة، ليس في قلوبهم ضغائن = والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن، (20) فأنـزل الله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "! فقال ناس من المتكلِّفين: رجْسٌ في بطن فلانُ قتل يوم بدر، (21) وقتل فلان يوم أحُدٍ! فأنـزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [سورة المائدة: 93]، . الآية. (22)
12523 - حدثنا محمد بن خلف قال، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، [ونحن على رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطِيةٌ لنا]، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وقد نـزل تحريم الخمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، إلى آخر الآيتين،" فهل أنتم منتهون "، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا! (23)
* * *
وقال آخرون: إنما كانت العداوة والبغضاء، كانت تكون بين الذين نـزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر، لا بسبب السُّكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر. فلذلك نهاهم الله عن الميسر.
ذكر من قال ذلك:
12524 - حدثنا بشر قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع = قال بشر: وقد سمعته من يزيد وحدثنيه = قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الرجل في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حَرِيبًا سليبًا ينظر إلى ماله في يَدَي غيره، (24) فكانت تُورِث بينهم عداوة وبغضاءَ، فنهى الله عن ذلك وقدَّم فيه. والله أعلم بالذي يصلح خلقه. (25)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية " رجسًا "، وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نـزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر = وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب = وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه، (26) وليس عندنا بأيِّ ذلك كان، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نـزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك، كما قال تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
-----------------
الهوامش :
(5) انظر تفسير"البغضاء" فيما سلف 7: 145/10: 136.
(6) انظر تفسير"الصد" فيما سلف 9: 489 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(7) انظر تفسير"الانتهاء" فيما سلف 482 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(8) انظر ما سلف في تحريم الخمر 4: 330-336/8: 376 ، 377.
(9) الأثر: 12512 -"أبو ميسرة" هو: "عمرو بن شرحبيل الهمداني" ، سمع عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم: 2839 ، 2840 ، 9228. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة.
ورواه أحمد في مسنده رقم: 378 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، بمثله ، وأبو داود في سننه 3 : 444 رقم: 3670 ، بمثله ، وفيه: "بيانًا شفاء". والنسائي في سننه 8 : 286 ، 287 ، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، مرفوعًا ، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء ، عن وكيع. عن إسرائيل ، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري ، عن وكيع ، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب: "وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف" ، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 278 ، من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بمثله ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا ، ومن طريق إسمعيل بن جعفر ، عن إسرائيل ، بمثله.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 39 ، من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، الآتية في رقم: 12513 ، وليس في رواية الترمذي.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154 ، من طريق أحمد بن حنبل ، عن خلف بن وليد ، عن إسرائيل ، بمثل ما في المسند.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 499 ، 500/ ثم 3 : 225 ، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم: 378 ، ثم قال: "وذكره ابن كثير في التفسير 1 : 499 ، 500/3: 226 وقال: هكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق الثوري ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة ، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي ، عن عمر ، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني: "هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل".
قال أخي السيد أحمد: "وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس ، وهو تابعي قديم مخضرم ، مات سنة 63. وفي طبقات ابن سعد 6 : 73 ، عن أبي إسحق قال: أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس ، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم = وشريح الكندي ، استقضاه عمر على الكوفة ، وأقام على القضاء ستين سنة ، فأبو ميسرة أقدم منه".
أقول: ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت ، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.
(10) الأثر: 12513 - هذه الزيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، أشرت إليها في التعليق السالف في رواية أبي جعفر النحاس ، وذكرها ابن كثير ، من رواية ابن أبي حاتم.
(11) الآثار : 12514 - 12516 - انظر التخريج في رقم: 12512.
(12) في المطبوعة ، والدر المنثور: "لا يجود ذلك" (بتشديد الواو المكسورة) ، وفي المخطوطة كما أثبته غير منقوطة ، وهو الصواب إن شاء الله.
(13) الأثر: 15217 - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 318 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(14) "لاحاه يلاحيه ملاحاة ولحاء": إذا نازعه وشاتمه = و"لحي الجمل" (بفتح اللام وسكون الحاء): وهما"لحيان": وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. يقال: لحي الجمل ، ولحي الإنسان ، وغيرهما. وكان في المطبوعة: "لحي" بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية: "لحيي" = و"فزر الشيء": صدعه. و" فزر أنفه": شقه.
(15) الأثر: 12518 - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد. كلها صحيح.
فرواه من هذه الطريق الأولى أحمد في مسنده رقم: 1567 ، 1614 ، مطولا. ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة في مسنده: 28 ، رقم: 208.
ورواه مسلم من طريق أبي جعفر هذه ، عن محمد بن المثنى نفسه (15 : 186 ، 187) وفيه"وكان أنف سعد مفزورًا" ، بخلاف رواية أبي جعفر"أفزر الأنف". ورواه مطولا بغير هذا اللفظ من طريق"الحسن بن موسى ، عن زهير ، عن سماك".
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق وهب بن جرير ، عن شعبة.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 ، من طريق زهير ، عن سماك.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، وقصر في نسبته ، وزاد أيضًا نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
وكان في المخطوطة: "صنع رجل من الأنصار فدعانا" ، أسقط"طعامًا" ، وهي ثابتة في المطبوعة ، وفي جميع روايات الخبر. ولذلك أثبتها.
وقوله: "فكان سعد أفرز الأنف" ، في جميع الروايات: "مفزور الأنف" ، أي مشقوقه ، كما سلف في التعليق: 2 ، ص569 ولم تقيد كتب اللغة: "أفزر الأنف" ، على"أفعل". وهذا مما يثبت صحته ، وهو جائز في العربية.
(16) الأثر: 12519 - في المطبوعة: "قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك" ، وهو خطأ لا شك فيه وكان في المخطوطة في آخر الصفحة: "قال حدثنا أبو الأحوص قال" ثم بدأ في الصفحة التالية: "عن سماك..." ، فنسى الناسخ في نسخة فأسقط"حدثنا شعبة" ، وبدأ: "عن سماك".
(17) الأثر: 12520 - هذا الأثر والذي قبلها طريقان أخريان للأثر رقم: 12518 ، انظر التخريج في التعليق عليه.
(18) الأثر: 12521 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(19) في المطبوعة: "عبث بعضهم ببعض" ، وهكذا جاء في جمبع روايات الأثر ، فيما بين يدي من الكتب ، ولكنها في المخطوطة كما أثبتها ، وهي صحيحة إن شاء الله.
(20) في المطبوعة: "في قلوبهم الضغائن" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(21) في المطبوعة: "هي رجس ، وهي في بطن فلان" ، وهكذا في سائر المراجع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه صواب أيضا.
(22) الأثر: 12522 -"ربيعة بن كلثوم بن جبر الديلي البصري" ، روى له مسلم والنسائي ، متكلم فيه ، وهو ثقة. مضى برقم: 6240. وكان في المطبوعة: "ربيعة بن كلثوم عن جبير ، عن أبيه" ، وهو خطأ. وفي المخطوطة"ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه" ، وهو خطأ أيضًا ، وإن كان فيها"جبر" على الصواب. وجاء في المستدرك خطأ"جبير" وهو خطأ يصحح. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/266 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 1/2/477 ، 478 ، وثقه يحيى بن معين. وفيه عن علي بن المديني ، قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول ، قلت: "لربيعة بن كلثوم في حديث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، هو: عن ابن عباس؟ قال: وهل كان يروي سعيد بن جبير إلا عن ابن عباس؟".
وأبوه"كلثوم بن جبر بن مؤمل الديلي" ، ثقة ، وثقه أحمد مضى برقم: 6240 ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/227 ، وابن أبي حاتم 3/2/164.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، 286 ، والحاكم في المستدرك 4 : 141 ، ولم يذكر فيه شيئًا ، ولكن قال الذهبي في تعليقه على المستدرك: "قلت: صحيح على شرط مسلم". وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، وقال: "رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح". ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 مختصرًا ، بغير إسناد.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية البيهقي في السنن ، وقال: "ورواه النسائي في التفسير ، عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال".
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315. وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(23) الأثر: 12523 -"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني" ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 126 ، 6534.
"سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي". كوفي ثقة. روى عنه البخاري ومسلم. قال أبو زرعة: "ذاكرت عنه أحمد بأحاديث ، فعرفه" وقال: صدوق ، وكان يطلب معنا الحديث". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/471 ، وابن أبي حاتم 2/1/59.
و"أبو تميلة" ، هو: "يحيى بن واضح الأنصاري" مضى مرارًا ، آخرها رقم: 9009.
و"سلام ، مولى حفص ، أبو القاسم الليثي" ، مروزي ، مترجم في الكبير 2/2/134 ، وابن أبي حاتم 2/1/262. وقال البخاري في الكبير: "سمع عبد الله بن بريدة ، عن أبيه: نزلت في تحريم الخمر" ، قاله سعيد الجرمي: سمع يحيى بن واضح ، سمع سلاما" ، إشارة إلى هذا الخبر. ولم يذكر البخاري فيه جرحًا. وقال المعلق على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: "وفي الثقات: سلام الليثي ، والد أبي عبيد القاسم بن سلام". وكان في المطبوعة هنا: "مولى حفص بن أبي قيس" لا أدري كيف استحل لنفسه تغيير ما كان في المخطوطة صوابًا ، إلى خطأ لا ندري ما هو.
و"ابن بريدة" ، هو"عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي" قاضي مرو ، أخوه: "سليمان بريدة" ، كانا توأمين. روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمرو ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة. تكلم فيه أحمد بن حنبل. قال الجوزجاني: "قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه شيئًا؟ قال: ما أدري ، عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعف حديثه". ووثقه ابن معين وأبو حاتم. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 13. وكان في المطبوعة"أبي بريدة" ، وهو خطأ محض ، صوابه في المخطوطة.
وأبوه"بريدة بن الحصيب الأسلمي" ، صحابي قديم الإسلام ، قبل بدر. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية أبي جعفر ، وفيه"عن أبي بريدة" كخطأ المطبوعة. والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315.
والزيادة التي بين القوسين من تفسير ابن كثير ، وهو لم ينقل هذا عن غير الطبري ، فلذلك زدتها ، والظاهر أنها سقطت من ناسخ نسختنا. وإن كان السيوطي قد ذكر الأثر بغير هذه الزيادة.
وقوله: "ونحن على رملة" ، يعني ، في رملة منبتة مريعة. و"الباطية": ناجود الخمر ، وهي إناء عظيم من زجاج ، تملأ من الشراب ، وتوضع بين الشرب يغرفون منها ويشربون. وقوله: "قال بالإناء" ، يعني: أماله ثم نزعه ، كفعل الحجام وهو ينزع كأس الحجامة.
(24) في المطبوعة: "حزينًا سليبًا" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت."حرب الرجل ماله ، فهو محروب وحريب": إذا أخذ حريبته ، وهو ماله الذي يعيش به ، وتركه بلا شيء.
(25) الأثر: 12524-"جامع بن حماد" ، انظر ما علقته على الأثر رقم: 12344.
واذكر أن هذا الأثر قد مضى قبل ، ولكن خفي علي مكانه.
(26) "يسره" ، يعني: غلبه في الميسر ، وأخذ ماله. قال الزمخشري: "من المجاز: أسروه ، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه ، قال ذو الرمة:
بِتَفْــرِيقِ أَظْعَــانٍ تيايَسَـرْنَ قَلْبَـهُ
وَخَـانَ العَصَـا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُ
وهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر ، لم تقيده كتب اللغة ، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه ، كما قالوا من"القمار": "قمره".
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 91 | ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ |
---|
النور: 37 | ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ |
---|
المنافقون: 9 | ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
طاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله. وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك. وهذا الأمر أعم الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر وباطن، وقوله:{ وَاحْذَرُوا} أي:من معصية الله ومعصية رسوله، فإن في ذلك الشر والخسران المبين.{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عما أمرتم به ونهيتم عنه.{ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم، والرسول قد أدى ما عليه وما حمل به.
ثم أكد- سبحانه- وجوب هذا الانتهاء بأن أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا.
أى: اجتنبوا- أيها المؤمنون- هذه الرذائل وانتهوا عنها فقد بينت لكم مضارها، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ في جميع ما أمرا به ونهيا عنه وَاحْذَرُوا مخالفتهما، لأن مخالفة أوامرهما تؤدى إلى الحسرة والخسران.
وأمر- سبحانه- بطاعته وبطاعته رسوله مع أن طاعة رسوله طاعة له- سبحانه- لتأكيد الدعوة إلى هذه الطاعة، ولتكريم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث جعلت طاعته مجاورة لطاعة الله- تعالى-.
وقوله: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تأكيد للتحذير السابق وتنبيه إلى سوء عاقبة العاصين لأمر الله ورسوله.
وجواب الشرط محذوف والتقدير: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول- أيها المؤمنون- واحذروا مخالفة أمرهما، فإن توليتم وأعرضتم عن طاعتهما، فقد وقعتم في الخطيئة وستعاقبون عليها عقابا شديدا، واعلموا أنه ليس على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم سوى التبليغ الواضح البين عن الله- تعالى- أما الحساب والجزاء، والثواب والعقاب فمن الله وحده.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا من التأكيدات، وألوانا من التهديدات التي تدعو إلى اجتناب الخمر والميسر اجتنابا تاما وتركهما تركا لا عودة بعده إليهما.
وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى بقوله: أكد- سبحانه- تحريم الخمر والميسر بوجوه من التأكيد:
منها: تصدير الجملة بإنما.
ومنها: قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله- صلى الله عليه وسلم «شارب الخمر كعابد الوثن» .
ومنها: أنه جعلهما رجسا كما قال- تعالى- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ومنها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان، لا يأتى منه إلا الشر البحت.
ومنها: أنه أمر بالاجتناب وظاهر الأمر للوجوب.
ومنها: أنه جعل الاجتناب من الفلاح. وإذا كان الاجتناب فلاحا، كان الارتكاب خيبة وخسرانا.
ومنها: أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال- وهو وقوع التعادي والتباغض- وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة.
ومنها: قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فهو من أبلغ ما ينهى به، كأنه قيل: قد تلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم أنتم باقون على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟؟؟» .
هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:
1- أن هذه الآيات الكريمة هي آخر ما نزل في القرآن لتحريم الخمر تحريما قاطعا لأن التعبير بالانتهاء والأمر به فيه إشارة إلى تمهيدات سابقة للتحريم.
قال القرطبي: تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة. فإنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في شأن الخمر قوله- تعالى- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ أى: في تجارتهم. فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس. وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فتركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة فيما يشغلنا عن الصلاة وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة، حتى نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآية. فصارت حراما عليهم حتى صار بعضهم يقول: ما حرم الله شيئا أشد من الخمر» .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع أنه قال: لما نزلت آية البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر» ، ثم نزلت آية النساء: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فقال صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر» ، ثم نزلت آية المائدة:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فحرمت عند ذلك.
ولما سمع عمر قوله- تعالى- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال: انتهينا يا رب ولا شك في أن تدرج القرآن في تحريم الخمر يدل دلالة واضحة على رحمة الله- تعالى- بعباده المؤمنين وتربية حكيمة حتى يقلعوا عما تعودوه بسهولة ويسر وذلك لأن شرب الخمر كان من العادات المتأصلة في النفوس ويكفى للدلالة على حب العرب لها قول أنس بن مالك: حرمت الخمر ولم يكن للعرب عيش أعجب منها. وما حرم عليهم شيء أشد عليهم من الخمر» .
ولقد كان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يحبونه ويشتهونه، يمثل اسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأمر الله- تعالى- فعند ما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات، بل وحطموا الأوانى التي كانت توضع فيها الخمر.
أخرج البخاري عن أنس قال: كنت ساقى القوم في منزل أبى طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ- أى: نقيع البسر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى «ألا إن الخمر قد حرمت» .
قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها. قال: فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة وأخرج ابن جرير عن قتادة عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبى طلحة، وأبى عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبى دجانة حتى مالت رءوسهم من
خليط بسر وتمر، فسمعنا مناديا ينادى: إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا ثم خرجنا إلى المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ.. إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
فقال رجل لقتادة: سمعته من أنس بن مالك؟ قال: نعم وقال رجل لأنس أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وحدثني من لم يكذب: والله ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب .
وأخرج ابن جرير- أيضا- عن أبى بريدة عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شراب لنا، ونحن نشرب الخمر حلا، إذ قمت حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ.. الآيات. فجئت إلى أصحابى فقرأتها عليهم، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال: وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضا وبقي بعض الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا، كما يفعل الحجام. ثم صبوا ما في باطيتهم، فقالوا:
انتهينا ربنا، انتهينا ربنا» .
وهكذا ترى أن قوة الإيمان التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه عن طريق تعاليمه الحكيمة وتربيته السامية. قد تغلبت على ما أحبته النفوس وأزالت من القلوب ما ألفته الطبائع إلفا شديدا.
2- أن كلمة خمر اسم لما خامر العقل وغطاه من الأشربة المسكرة، سواء كانت من عصير العنب، أم من الشعير، أم من التمر، أم من غير ذلك وكلها سواء في التحريم قل المشروب منها أو كثر، سكر شاربها أو لم يسكر، وأن على الشارب حد الشرب في الجميع.
وبهذا القول قال جمهور العلماء: ومن أدلتهم النقلية ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال:
خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي خمسة أشياء: «العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل» .
وأخرج أيضا عن عائشة قالت: «سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن التبع- وهو نبيذ العسل- وكانأهل اليمن يشربونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل ما أسكر فهو حرام» .
وأخرج كذلك عن أنس قال: «حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد- يعنى بالمدينة- خمر الأعناب إلا قليلا، وعامة خمرنا البسر والتمر» .
فهذه الأحاديث الصحيحة صريحة في أن ما أسكر من هذه الأشربة المأخوذة من التمر أو الحنطة أو الشعير أو العنب يسمى خمرا.
ومن أدلتهم العقلية أصل الاشتقاق اللغوي لكلمة خمر، فقد عرفنا أنها سميت بهذا الاسم لمخامرتها العقل وستره، فكل ما خامر العقل من الأشربة وجب أن يطلق عليه لفظ خمر سواء أكان من العنب أم من غيره.
ويرى الأحناف ووافقهم بعض العلماء كإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وابن أبى ليلى:
أن كلمة خمر لا تطلق إلا على الشراب المسكر من عصير العنب فقط. أما المسكر من غيره كالشراب الذي من التمر والشعير فلا يسمى خمرا بل يسمى نبيذا.
ومن حججهم أن الخمر حرمت ولم يكن العرب يعرفون الخمر في غير المأخوذ من ماء العنب، فالخمر عندهم اسم لهذا النوع فقط. وما وجد فيه مخامرة للعقل من غير هذا النوع لا يسمى خمرا: لأن اللغة لا تثبت من طريق القياس.
وقد ورد عن ابن عمر أنه قال: «حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء» .
ولقد كان بالمدينة من المسكرات نقيع التمر والبسر، فدل على أن ابن عمر- وهو عربي- ما كان يرى أن اسم الخمر يتناول هذين.
ويقول الأحناف ومن وافقهم: إن الأحاديث التي استشهد بها الجمهور على أن الخمر اسم لكل مسكر من عصير العنب أو غيره هذه الأحاديث لبيان الحكم الشرعي، والحرمة بالقياس لتحقيق علة الحرمة وهي الإسكار في القدر المسكر من هذه الأشياء.
وقد ابتنى على هذا الخلاف بين الجمهور والأحناف أحكام أخرى تتعلق بنجاسة هذه الأشياء، وبوجوب إقامة الحد على شاربها.. إلخ وتفصيل هذه الأحكام يرجع فيه إلى كتب الفقه وأصوله.
هذا، وقد رجح المحققون من العلماء ما ذهب إليه الجمهور وضعفوا ما ذهب إليه الأحناف ومن وافقهم.
قال ابن العربي: وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة فلا يلتفت إليها والصحيح ما رواه الأئمة أن أنسا قال: «حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا القليل، وعامة خمرها البسر والتمر» .
واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم- أى: أوانى الخمر- وبادروا إلى الامتثال لاعتقادهم أن ذلك كله خمر - أى: وأقرهم رسول الله على ذلك.
وقال الآلوسى: وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأى اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده فهو حرام، وقليله ككثيره، ويحد شاربه ويقع طلاقه، ونجاسته غليظة. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن النقيع- وهو نبيذ العسل- فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام» .
وروى أبو داود: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر» .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» . والأحاديث متضافرة على ذلك.
ولعمري إن اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا الخمر، ورغبتهم فيها، فوق اجتماعهم على شرب الخمر ورغبتهم فيه بكثير. وقد وضعوا لها أسماء- كالعنبرية والإكسير- ونحوهما، ظنا منهم أن هذه الأسماء تخرجها من الحرمة، وتبيح شربها للأمة- وهيهات هيهات- فالأمر وراء ما يظنون وإنا لله وإنا إليه راجعون .
3- قال القرطبي ما ملخصه: «فهم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها.
وخالفهم في ذلك- ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعى. وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين فرأوا أنها طاهرة وأن المحرم إنما هو شربها.
والصحيح ما عليه الجمهور لأن وصفها بأنها رِجْسٌ يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان النجاسة.
وقوله: فَاجْتَنِبُوهُ يقتضى الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في هذا الباب.
روى مسلم عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، - أى قربة خمر-
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل علمت أن الله حرمها» قال: لا. قال: فسار رجلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بم ساررته» ؟ قال: أمرته أن يبيعها، فقال: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» .
ثم قال القرطبي: وهذه الآيات تدل على أن كل لهو دعا قليله إلى كثيره، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، ووجب أن يكون حراما مثله .
4- هذه الآيات الكريمة تدل على تأكيد تحريم الخمر وما ذكر معها من رذائل، كما تدل على تحريم ما تؤدى إليه من مفاسد ومضار، وما يحيق بمرتكبها من سوء عاقبة.
وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات جملة من الأحاديث في هذا المعنى، ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنت الخمر على عشرة أوجه: «لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها» .
وقال ابن وهب- قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى» .
وروى أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «صديد أهل النار» .
هذا جانب من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات الكريمة، ومن الأحاديث التي وردت في حرمة الخمر وفي سوء مصير شاربها.
وقد أتبع- سبحانه- ذلك ببيان حكم من شربها ومات قبل أن ينزل تحريمها فقال- تعالى-:
يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال الشطرنج من الميسر رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عيسى بن مرحوم عن حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي به وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن عطاء ومجاهد وطاوس قال سفيان أو اثنين منهم قالوا: كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز وروى عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله وقالا حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان وقال موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر هو القمار وقال الضحاك عن ابن عباس قال الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيءالإ سلام فنهـاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة وقال مالك عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان ميسر أهل الجاهلية يبيع اللحم بالشاة والشاتين وقال الزهري عن الأعرج قال الميسر الضرب بالقداح على الأموال والثمار وقال القاسم بن محمد ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر رواهن ابن أبي حاتم وقال ابن أبي حاتم حدثا أحمد بن منصور الزيادي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجرا فإنها من الميسر حديث غريب وكأن المراد بهذا هو النرد الذي ورد الحديث به صحيح مسلم عن بريدة عن الحصيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه وفي موطأ مالك ومسند أحمد وسنني أبي داود وابن ماجه عن أبي موسى الأثمري قال: قال رسول الله من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وروى موقوفا على أبي موسى من قوله فالله أعلم وقاله الإمام أحمد حدثنا علي بن إبراهيم حدثنا الجعفر عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول أخبرني ماسمعت أباك يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الرحمن سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي وأما الشطرنج لقد قال عبد الله بن عمر أنه شر من النرد وتقدم عن علي أنه قال هو من الميسر ونعى على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد وكرهه الشافعي رحمهم الله تعالى وأما الأنصاب فقال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغير واحد هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها وأما الأزلام فقالوا أيضا هي قداح كانوا يستقسمون بها رواه ابن أبي حاتم وقوله تعالى رجس من عمل الشيطان قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي سخط من عمل الشيطان وقال سعيد بن جبير إثم وقال زيد بن أسلم أي سر من عمل الشيطان فاجتنبوه الضمير عائد على الرجس أي اتركوه لعلكم تفلحون وهذا أثر غريب ثم قال تعالى إنما يريد الشيطان أن يرفع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ومصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وهذا تهديد وترهيب "ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر" قال الإمام أحمد حدثنا شريح حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس إلى آخر الآية فقال الناس ما حرما علينا إنما قال فيهما إثم كبير ومنافع للناس وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين أمام الصحابة في المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله آية أغلظ منها يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغبق ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون قالوا انتهينا ربنا وقال الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرسهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله تعالى ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى آخر الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم انفرد به أحمد وقال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب أنه قال لما نزل تحريم الخمر قال اللهم بين لنا في الأمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في سورة البقرة يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير فدعي عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في سورة النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال حي على الصلاة نادى: لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ قول الله تعالى فهل أنتم منتهون قال عمر انتهينا وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني عن عمر به وليس له عنه سواه قال أبو زرعة ولم يسمع منه وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة العنب والتمر والعسل الحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل وقال البخاري حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حدثني نافع عن ابن عمر قال نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب " حديث آخر "قال أبو داود الطيالسي حدثنا محمد بن أبي حميد عن المصري يعني أبا طعمة قارىء مصر قال سمعت ابن عمر يقول نزلت في الخمر ثلاث آيات فأول شئ نزل يسألونك عن الخمر والميسر الآية فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله تعالى قال فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه الآيتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت الخمر " حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا يعلى حدثنا محمد بن إسحاق عن القعقاع بن حكيم أن عبد الرحمن بن وعلة قال سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال رسول الله يا فلان أما علمت أن الله حرمها فأقبل الرجل على غلامه فقال اذهب فبعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان بماذا أمرته فقال أمرته أن يبيعها قال إن الذي حرم شربها حرم بيعها فأمر بها فأفرغت في البطحاء رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم ومن طريق ابن وهب أيضا عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد كلاهما عن عبد الرحمن بن وعله عن ابن عباس به ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك به "حديث آخر" قال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن شهر بن حوشب عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام رواية من خمر فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال إنها قد حرمت بعدك قال يا رسول الله فأبيعها وأنتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم شحوم البقر والغنم فأذابوه وباعوه والله حرم الخمر وثمنها وقد رواه أيضا الإمام أحمد فقال حدثنا روح حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال سمعت شهر بن حوشب قال حدثني عبد الرحمن بن غنم أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية فلما نظر إليه ضحك فقال أشعرت أنها حرمت بعدك فقال يا رسول الله ألا أبيعها وأنتفع بثمنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله اليهود انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه فباعوه إنه ما يأكلون وإن الخمر حرام وثمنها حرام وإن الخمر حرام وثمنها حرام وإن الخمر حرام وثمنها حرام "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كان يتجر فى الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جئتك بشراب طيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا كيسان إنها قد حرمت بعدك قال فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قد حرمت وحرم ثمنها فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم هراقها "حديث آخر" قال الامام أحمد حدثنا محيى بن سعيد عن حميد عن أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ونقرأ من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ منهم فأتى آت من المسلمين فقال أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا حتى فنظر ونسأل فقالوا يا أنس اسكب ما بقى في إنائك فوالله ما عادوا فيها وما هي إلا التمر والبسر وهي خمرهم يومئذ أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن أنس وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر فإذا مناد ينادي قال اخرج فانظر فإذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فجرت في سكك المدينة قال: فقال لي أبو طلحة اخرح فأهرقها فهرقتها فقالوا أو قال بعضهم قل فلان وفلان وهي في بطونهم قال فأنزل الله ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد حدثنا عباد بن راشد عن قتادة عن أنس بن مالك قال بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراج وأبي دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رءوسهم من خليط بسر وتمر فسمعت مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب وكسرنا القلال وتوضأ به بعضنا واغتسل بعضنا وأصبنا من طيب أم سليم ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه إلى قوله فهل أنتم منتهون فقال رجل يا رسول الله فما ترى فيمن مات وهو يشربها فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فقال رجل لقتادة أنت سمعته من أنس بن مالك ؟ قال نعم وقال رجل لأنس بن مالك أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم أو حدثني من لم يكذب ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب.
"حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحق أخبرني يحى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن ربي تبارك وتعالى حرم الخمر والكوبة والقنين وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم " حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا فرج بن فضالة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين وزادني صلاة الوتر قال يزيد القنين البرابط تفرد به أحمد وقال أحمد أيضا حدثنا أبو عاصم وهو النبيل أخبرنا عبد الحميد بن جعفر حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام تفرد به أحمد أيضا " حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طعمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنت الخمر على عشرة وجوه لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث وكيع به وقال أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو طعمة سمعت ابن عمر يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد فخرج معه فكنت عن يمينه وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه فكان عن يمينه وكنت عن يساره ثم أقبل عمر فتنحيت له فكان عن يساره فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد فإذا بزقاق على المربد فيها خمر قال ابن عمر فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية قال ابن عمر وما عرفت المدية إلا يومئذ فأمر بالزقاق فشقت ثم قال لعنت الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها واكل ثمنها وقال أحمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته "حديث آخر" قال عبد الله بن وهب أخبرني عبد الرحمن بن شريح وابن لهيعة والليث بن سعد عن خالد بن زيد عن ثابت أن يزيد الخولاني أخبره أنه كان له عم يبيع الخمر وكان يتصدق قال فنهيته عنها فلم ينته فقدمت المدينة فلقيت ابن عباس فسألته عن الخمر وثمنها فقال هي حرام وثمنها حرام ثم قال ابن عباس رضي الله عنه يا معشر أمة محمد إنه لو كان كتاب بعد كتابكم ونبي بعد نبيكم لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة ولعمري لهو أشد عليكم قال ثابت فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر فقال سأخبرك عن الخمر إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فبينما هو محتب على حبوته ثم قال من كان عنده من هذه الخمر فليأتنا بها فجعلوا يأتونه فيقول أحدهم عندي راوية ويقول الآخر عندي زق أو ما شاء الله أن يكون عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثم آذنوني ففعلوا ثم آذنوه فقام وقمت معه ومشيت عن يمينه وهو متكىء علي فلحقنا أبو بكر رضي الله عنه فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلني عن شماله وجعل أبا بكر في مكاني ثم لحقنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرني وجعله عن يساره فمشى بينهما حتى إذا وقف على الخمر قال للناس أتعرفون هذه؟ قالوا نعم يا رسول الله هذه الخمر قال صدقتم ثم قال فإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها ثم دعا بسكين فقال اشحذوها ففعلوا ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق قال: فقال الناس في هذه الزقاق منفعة فقال أجل ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله عز وجل لما فيها من سخطه فقال عمر أنا أكفيك يا رسول الله قال لا قال ابن وهب وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث رواه البيهقي "حديث آخر" قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو الحصين بن بشر أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سماك عن مصعب بن سعد عن سعد قال أنزلت في الخمر أربع آيات فذكر الحديث قال وضع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا فتفاخرنا فقالت الأنصار نحن أفضل وقالت فريش نحن أفضل فأخذ رجل من الأنصار لحى جزور فضرب به أنف سعد ففزره وكانت أنف سعد مفزورة فنزلت إنما الخمر والميسر إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون أخرجه مسلم من حديث شعبة "حديث آخر" قال البيهقي وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو علي الرفا حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا ربيعة بن كلثوم حدثني أبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن حل عبد بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن فيقول والله لو كان بوجهه رءوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله تعالى هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون فقال أناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى آخر الآية ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة عن حجاج بن منهال "حديث آخر" قال ابن جرير حدثني محمد بن خلف حدثنا سعيد بن محمد الحرمي عن أبي نميلة عن سلام مولى حفص أبي القاسم عن أبي بريدة عن أبيه قال بينا نحن قعود على شراب لنا ونحن على رملة ونحن ثلاثه أو أربعة وعندنا باطية لنا ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه إذ نزل تحريم الخمر يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى آخر الآيتين فهل أنتم منتهون فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله فهل أنتم منتهون قال وبعض القوم شربته في يده قد ضرب بعضها وبقي بعض في الإناء فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما في باطيتهم فقالوا انتهينا ربنا "حديث آخر" قال البخاري حدثا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن جابر قال صبح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعا شهداء وذلك قبل تحريمها هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتلوا شهداء يوم أحد فقالت اليهود فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم فأنزل الله ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ثم قال هذا إسناد صحيح وهو كما قال ولكن في سياقه غرابة "حديث آخر" قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي إسحق عن البراء بن عازب قال لما نزل تحريم الخمر قالوا كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية ورواه الترمذي عن بندار عن غندر عن شعبة به نحوه وقال حسن صحيح "حديث آخر قال الحافظ أبو يعلي الموصلي حدثنا جعفر بن حميد الكوفي حدثنا يعقوب القمي عن عيسى بن جارية عن جابر بن عبد الله قال كان رجل يحمل الخمر خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين فحمل منها بمال فقدم بها المدينة فلقيه رجل من المسلمين فقال يا فلان إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل وسجى عليها بأكسية ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بلغني أن الخمر قد حرمت قال أجل قال لي أن أردها على من ابتعتها منه قال لا يصح ردها فقال لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال لا قال فإن فيها مالا ليتامى في حجري قال إذ أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم ثم نادى بالمدينة فقال رجل يا رسول الله الأوعية تنتفع بها قال فحلوا أوكيتها فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي هذا حديث غريب " حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن السدي عن أبي هبيرة وهو يحيى بن عباد الأنصاري عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمرا فقال أهرقها قال أفلا نجعلها خلا ؟ قال لا ورواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث الثوري به نحوه " حديث آخر "قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا عبد العزيز بن سلمة حدثنا هلال بن أبي هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال إن هذه الآية التي في القرآن" يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" قال هي في التوراة: إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ويبطل به اللعب والمزامير والزفن والكبارات يعني البرابط والزمارات يعني به الدف والطنابير والشعر والخمر مرة لمن طعمها أقسم الله بيمينه وعزمه من شربها بعدما حرمتها لأعطشه يوم القيامة ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس وهذا إسناد صحيح.
" حديث آخر "قال عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحرث أن عمرو بن شعيب حدثهم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل وما طينة الخبال؟ قال عصارة جهنم ورواه أحمد من طريق عمرو بن شعيب.
" حديث آخر "قال أبو داود حدثنا محمد بن رافع حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني قال سمعت النعمان هو ابن أبي شيبة الجندي يقول عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مخمر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال:" صديد أهل النار ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" تفرد أبو داود " حديث آخر "قال الشافعي- رحمه الله- أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من شرب الخمر فى الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" أخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك به وروى مسلم عن أبي الربيع عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة.
" حديث آخر "قال ابن وهب اخبرني عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار أنه سمع سالم بن عبد الله يقول قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى" ورواه النسائي عن عمر بن علي عن يزيد بن زريع عن عمر بن محمد العمري به وروى أحمد عن غندر عن شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر" ورواه أحمد أيضا عن عبد الصمد عن عبد العزيز بن أسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد به وعن مروان بن شجاع عن خصيف عن مجاهد به ورواه النسائي عن القاسم بن زكريا عن حصين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد كلاهما عن أبي سعيد به " حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابان عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا منان ولا ولد زانية" وكذا رواه عن يزيد عن همام عن منصور عن سالم عن جابان عن عبد الله بن عمرو به وقد رواه أيضا عن غندر وغيره عن شعبة عن منصور عن سالم عن نبيط بن شريط عن جابان عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل الجنة منان ولا عاق والدية ولا مدمن خمر" ورواه النسائي من حديث شعبة كذلك ثم قال: ولا نعلم أحدا تابع شعبة عن نبيط بن شريط وقال البخاري لا يعرف لجابان سماع من عبد الله ولا لسالم من جابان ولا نبيط وقد روى هذا الحديث من طريق مجاهد عن ابن عباس وعن طريقه أيضا عن أبي هريرة فالله أعلم.
وقال الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال سمعت عثمان بن عفان يقول اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر فسقته كأسا فقال زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه" رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه ذم المسكر عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضيل ابن سليمان النميري عن عمر بن سعيد عن الزهري به مرفوعا والموقوف أصح والله أعلم.
وله شاهد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
القول في تأويل قوله : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ =" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول "، في اجتنابكم &; 10-575 &; ذلك، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانـزجار عما زجَركم عنه من هذه المعانِي التي بيَّنها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالِفوا الشيطان في أمره إيّاكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره، فإنه إنما يبغي لكم العداوةَ والبغضاءَ بينكم بالخمر والميسر=
" واحذروا "، يقول: واتقوا الله وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور التي حرّمها عليكم في هذه الآية وغيرها، أو يفقِدَكم عند ما أمركم به، فتُوبقوا أنفسكم وتهلكوها=" فإن توليتم "، يقول: فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به، وتنتهوا عما نهيناكم عنه، ورجعتم مدبرين عما أنتم عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله، واتباع ما جاءكم به نبيكم (27) =" فاعلموا أنما على رسولنا البلاغُ المبين "، يقول: فاعلموا أنه ليس على من أرسلناه إليكم بالنِّذَارة غير إبلاغكم الرسالة التي أرسل بها إليكم، (28) مبينةً لكم بيانًا يُوضِّح لكم سبيل الحقّ، والطريقَ الذي أمرتم أن تسلكوه. (29) وأما العقاب على التولية والانتقام بالمعصية، فعلى المُرْسَل إليه دون الرسل.
وهذا من الله تعالى وعيد لمن تولَّى عن أمره ونهيه. يقول لهم تعالى ذكره: فإن توليتم عن أمري ونهيي، فتوقّعوا عقابي، واحذَرُوا سَخَطي.
-------------------
الهوامش :
(27) انظر تفسير"التولي" فيما سلف: 393 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(28) "النذارة" (بكسر النون) قال صاحب القاموس: "النذير: الإنذار كالنذارة ، بالكسر. وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه". انظر رسالة الشافعي ص: 14 ، الفقرة: 35 ، وتعليق أخي السيد أحمد عليها.
(29) انظر تفسير"مبين" فيما سلف 9: 428 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 92 | ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ |
---|
التغابن: 12 | ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما نزل تحريم الخمر والنهي الأكيد والتشديد فيه، تمنى أناس من المؤمنين أن يعلموا حال إخوانهم الذين ماتوا على الإسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها. فأنزل الله هذه الآية، وأخبر تعالى أنه{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} أي:حرج وإثم{ فِيمَا طَعِمُوا} من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها، قيد ذلك بقوله:{ إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي:بشرط أنهم تاركون للمعاصي، مؤمنون بالله إيمانا صحيحا، موجبا لهم عمل الصالحات، ثم استمروا على ذلك. وإلا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون آخر. فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه أجله، ويدوم على إحسانه، فإن الله يحب المحسنين في عبادة الخالق، المحسنين في نفع العبيد، ويدخل في هذه الآية الكريمة، من طعم المحرم، أو فعل غيره بعد التحريم، ثم اعترف بذنبه وتاب إلى الله، واتقى وآمن وعمل صالحا، فإن الله يغفر له، ويرتفع عنه الإثم في ذلك.
روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات متقاربة في معناها، ومن ذلك ما رواه الترمذي عن البراء بن عازب قال: مات ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر. فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها قال: فنزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية وعن ابن عباس قال: قالوا يا رسول الله، أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر «لما نزل تحريم الخمر» فنزلت لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا الآية.
وروى الإمام أحمد من حديث أبى هريرة أنه بعد أن نزل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآيات، قال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر وقد جعله الله رجسا ومن عمل الشيطان؟
فأنزل الله- تعالى-: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.
قال القرطبي: وهذه الآية وتلك الأحاديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى فنزلت وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ولا عليه شيء، لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح، لأن المباح مستوى الطرفين بالنسبة إلى الشرع، وعلى هذا فما كان ينبغي أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله- تعالى- وشفقته على إخوانه المؤمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم، فرفع الله التوهم بقوله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.
وقال الآلوسى: وقيل إن هذه الآية نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره والأول هو المختار».
وقوله- تعالى- فِيما طَعِمُوا أى: ذاقوا، مأخوذ من الطعم- بالفتح- وهو تذوق الشيء والتلذذ به، سواء أكان مأكولا أم مشروبا وهو المراد هنا.
قال القرطبي: وأصل هذه الكلمة في الأكل. يقال: طعم الطعام وشرب الشراب لكن قد تجوز في ذلك فيقال: لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما» .
والمعنى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ أى: حرج أو إثم فِيما طَعِمُوا أى فيما تناولوه من خمر أو ما يشبهها من محرمات قبل أن يحرمها الله- تعالى- وكذلك لا إثم ولا حرج على من مات قبل التحريم.
وقوله: إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ تحريض للمؤمنين على الازدياد من الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
أى: إذا ما اتقوا الله وخافوه وتلقوا أوامره بالقبول، وثبتوا على الإيمان، وأكثروا من الأعمال الصالحات.
وقوله: ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا معطوف على ما قبله.
أى: ثم استمروا على تقواهم وامتلاء قلوبهم بخشية الله، والإيمان الحق به- سبحانه- فتكرير التقوى والإيمان هنا لبيان أنه يجب استمرارهم ومواظبتهم على ذلك، مع تمسكهم بما يقتضيه الإيمان والتقوى من فعل الخير وابتعاد عن الشر.
وقوله: ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا معطوف على ما قبله- أيضا- لتأكيد معنى الاستمرار على هذه التقوى طول مدة حياتهم مع إحسانهم إلى أنفسهم بالإكثار من العمل الصالح، وإلى غيرهم بما يستطيعونه من إسداء الخير إليه.
وقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الحض على الإيمان والتقوى والإحسان، ومدح المتمسكين بتلك الصفات الحميدة.
أى: والله- تعالى- يحب المحسنين إلى أنفسهم بإلزامها بالوقوف عند حدود الله، والاستجابة له فيما أمر أو نهى أو أحل أو حرم برغبة ومسارعة، وإلى غيرهم بمديد العون إليهم.
فالآية الكريمة من مقاصدها بيان جانب من مظاهر رحمة الله بعباده، ورأفته بهم حيث بين لهم: أن من شرب الخمر أو لعب الميسر أو فعل ما يشبههما من محرمات، ثم مات قبل أن ينزل الأمر بتحريم هذه الأشياء فإن الله- تعالى- لا يؤاخذه على ذلك. لأن المؤاخذة على الفعل تبدأ من وقت تحريمه لا من قبل تحريمه.
وكذلك الحال بالنسبة لمن وقع في هذه الأشياء قبل أن تحرم فإن الله لا يؤاخذه عليها، وإنما يؤاخذه عليها بعد نزول تحريمها وهذا من فضل الله على عباده، ورحمته بهم.
هذا، وقد تعددت أقوال المفسرين حول مسألتين تتعلقان بهذه الآية الكريمة.
أما المسألة الأولى فهي: كيف شرط الله في رفع الجناح أى الإثم عن المطعومات والمشروبات الإيمان والتقوى، مع أن الجناح مرفوع عن المباح من هذه الأشياء حتى عن الكافرين؟
وقد قالوا في الإجابة عن ذلك: إن تعليق نفى الجناح أى الإثم بهذه الأحوال ليس على سبيل اشتراطها فإن نفى الإثم عن الذي يتناول المباح قبل أن يحرم لا يشترط بشرط، وإنما تعليق نفى الجناح بهذه الأحوال- وهي التقوى والإيمان- وارد على سبيل المدح لهم، والثناء عليهم والدلالة على أنهم جديرون بهذه الصفات، ولإدخال الطمأنينة على قلوبهم حتى يوقنوا بأن من تعاطى شيئا من المحرمات قبل تحريمها فلا يؤاخذه الله على ذلك، وإنما يؤاخذه إذا تعاطاها بعد تحريمها.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «قيل لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة:
يا رسول الله!! كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر؟ فنزلت الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ.. إلخ يعنى أن المؤمنين لا جناح عليهم في أى شيء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم، ثم اتقوا وآمنوا وأحسنوا، على معنى: أن أولئك كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم وحمدا لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان. ومثاله أن يقال لك: هل على زيد جناح فيما فعل؟ فتقول: وقد علمت أن ذلك أمر مباح: ليس على أحد جناح في المباح إذا اتقى المحارم، وكان مؤمنا محسنا. تريد: أن زيدا تقى مؤمن محسن، وأنه غير مؤاخذ بما فعل».
وقال أبو السعود ما ملخصه: ما عدا التقاء المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة، لا دخل لها في انتفاء الجناح. وإنما ذكرت في حيز إِذا شهادة باتصاف الذين سألوا عن حالهم بها، ومدحا لهم بذلك، وحمدا لأحوالهم. فكأنه قيل: ليس عليهم جناح فيما طعموه إذا كانوا في طاعته تعالى: مع مالهم من الصفات الحميدة بحيث كلما أمروا بشيء تلقوه بالامتثال، وإنما كانوا يتعاطون الخمر والميسر في حياتهم لعدم تحريمها إذ ذاك، ولو حرما في عصرهم لا لاتقوهما بالمرة».
وأما المسألة الثانية التي كثرت أقوال المفسرين فيها فهي: تكرار التقوى مرة مع الإيمان والعمل الصالح. ومرة مع الإيمان ومرة مع الإحسان؟
وقد ذكر القرطبي في ذلك أربعة أقوال فقال:
الأول: أنه ليس في ذكر التقوى تكرار، والمعنى: اتقوا شربها وآمنوا بتحريمها، أو دام اتقاؤهم وإيمانهم، أو على معنى إضافة الإحسان إلى الاتقاء.
والثاني: اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات، ثم اتقوا بعد تحريمها شربها، ثم اتقوا فيما بقي من أعمالهم وأحسنوا العمل.
الثالث: اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله، والمعنى الثاني ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، والمعنى الثالث، ثم اتقوا الصغائر وأحسنوا أى تنفلوا.
الرابع: قال ابن جرير: الاتقاء الأول: هو الاتقاء بتلقى أمر الله بالقبول والتصديق، والدينونة به العمل. والاتقاء الثاني: الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث: الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل».
والذي يبدو لنا أن ما قاله ابن جرير أقرب إلى الصواب، وأن تكرير التقوى إنما هو لتأكيد وجوب امتلاء قلب المؤمن بها، واستمراره على ذلك حتى يلقى الله. فإن المؤمن بمداومته على خشيته- سبحانه- يتدرج من الكمال إلى الأكمل حتى يصل في إيمانه وتقواه إلى مرتبة الإحسان التي ترفعه إلى أعلى عليين، والتي عرفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» .
ولقد بين لنا القرآن في مواطن كثيرة أن المؤمن يقوى إيمانه ويزداد، بكثرة تدبره ما أنزله الله من شرائع وهدايات. ومن ذلك قوله- تعالى- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ.
وقال تعالى- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً .
وبذلك نرى الآية الكريمة قد طمأنت المؤمنين إلى أن الله- تعالى- لن يؤاخذهم بما تعاطوه من محرمات قبل تحريمها. وأن الواجب عليهم أن يستمروا على مراقبتهم له، وخشيتهم منه حتى يلقوه- عز وجل-.
وبعد أن حذر الله- تعالى- المؤمنين من تعاطى المنكرات كالخمر والميسر وبين لهم حكم من مات قبل تحريم هذه الأشياء بعد كل ذلك بين- سبحانه- بشيء من التفصيل بعض الأحكام التي تتعلق بالصيد فقال تعالى-:
قال أحمد بن حنبل حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عياش قال لما حرمت الخمر قال ناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" إلى آخر الآية ولما حولت القبلة قال ناس: يا رسول الله إخواننا الذين ما توا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله" وما كان الله ليضيع إيمانكم" وقال الإمام أحمد حدثنا داود بن مهران الدباغ حدثنا داود يعني العطار عن أبي خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة إن مات مات كافرا وإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قالت: قلت يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال:" صديد أهل النار " وقال الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم قيل لي أنت منهم وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريقه وقال عبد الله ابن الإمام أحمد قرأت على أبي حدثنا علي بن عاصم حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنهما ميسر العجم.
القول في تأويل قوله : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا= إذْ أنـزل الله تحريم الخمر بقوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ : كيفَ بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها؟ وبنا وقد كنّا نشربها؟ = ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرَّمه عليهم (30) = إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، يقول: إذا ما اتقى الله الأحياءُ منهم فخافوه، وراقبوه في اجتنابهم ما حرَّم عليهم منه، (31) وصدَّقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم، فأطاعوهما في ذلك كله=" وعملوا الصالحات "، يقول: واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربُّهم (32) =" ثم اتقوا وآمنوا "، يقول: ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارِمه بعد ذلك التكليف أيضًا، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به، ولم يغيِّروا ولم يبدِّلوا=" ثم اتقوا وأحسنوا "، يقول: ثم خافوا الله، فدعاهم خوفُهم الله إلى الإحسان، وذلك " الإحسان "، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال، ولكنه نوافلُ تقرَّبوا بها إلى رّبهم طلبَ رِضاه، وهربًا من عقابه (33) =" وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، يقول: والله يحب المتقرِّبين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها.
فالاتقاء الأوّل: هو الاتقاء بتلقِّي أمر الله بالقَبُول والتصديق، والدينونة به والعمَل= والاتقاء الثاني: الاتقاء بالثبات على التصديق، وترك التبديل والتغيير= والاتقاء الثالث: هو الاتقاء بالإحسان، والتقرُّب بنوافل الأعمال.
* * *
فإن قال قائل: ما الدليل على أنّ" الاتقاء " الثالث، هو الاتقاء بالنوافل، دون أن يكون ذلك بالفرائضِ؟
قيل: إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إيّاها، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمِها، وصدّقوا الله ورسوله في تحريمها، وعملوا الصالحات من الفرائض. ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكرُه في آيةٍ واحدة.
* * *
وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نـزلت فيما ذكرنا أنها نـزلت فيه، جاءت الأخبار عن الصَّحابة والتابعين.
* ذكر من قال ذلك:
12525 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نـزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنـزلت: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح "، الآية. (34)
12526 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل بإسناده، نحوه.
12527- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد قال، أخبرنا عباد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: بينَا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، حتى مالت رءوسهم من خَليط بُسْرٍ وتمر. (35) فسمعنا مناديًا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت! قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القِلال، (36) وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، فأصبْنَا من طِيب أمِّ سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . فقال رجل: يا رسول الله، فما منـزلةُ من مات منا وهو يشربها؟ فأنـزل الله تعالى ذكره: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية، فقال رجل لقتادة: سمعتَه من أنس بن مالك؟ قال: نعم! قال رجل لأنس بن مالك: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم! وحدّثني من لم يكذب، والله ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب! (37)
12528 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما حرمت الخمر قالوا: كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنـزلت: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، الآية. (38)
12529- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، قال البراء: مات ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر، فلما نـزل تحريمها، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنـزلت هذه الآية: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات "، الآية. (39)
12530- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: نـزلت: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات &; 10-580 &; جناح فيما طعموا "، فيمن قُتِل ببدر وأحُدٍ مع محمد صلى الله عليه وسلم.
12531- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا علي ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نـزلت: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل لي: أنت منهم. (40)
12532 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، إلى قوله: " وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، لما أنـزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في" سورة المائدة "، بعد " سورة الأحزاب "، (41) قال في ذلك &; 10-581 &; رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصيب فلانٌ يوم بدر، وفلانٌ يوم أحد، وهم يشربونها! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة! فأنـزل الله تعالى ذكره: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين "، يقول: شربها القومُ على تقوى من الله وإحسانٍ، وهي لهم يومئذ حلال، ثم حرِّمت بعدهم، فلا جناح عليهم في ذلك.
12533- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، قالوا: يا رسول الله، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر! فأنـزل الله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، يعني قبل التحريم، إذا كانوا محسنين متقين= وقال مرة أخرى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " من الحرام قبل أن يحرَّم عليهم=" إذا ما اتقوا وأحسنوا "، بعد ما حُرِّم، وهو قوله: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ، [سورة البقرة: 275].
12534- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرَّم الخمر، فلم يكن عليهم فيها جناح قبلَ أن تحرَّم. فلما حرِّمت قالوا: كيف تكون علينا حرامًا، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنـزل الله تعالى ذكره: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا &; 10-582 &; ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات "، يقول: ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرِّمها، إذا كانوا محسنين متقين=" والله يحب المحسنين ".
12535 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "، لمن كان يشرب الخمرَ ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدرٍ وأحُدٍ.
12536 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح "، الآية، هذا في شأن الخمر حين حرِّمت، سألوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنـزل الله تعالى ذكره هذه الآية.
الهوامش :
(30) انظر تفسير"الجناح" 9 : 268 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك= وتفسير"طعم" فيما سلف 5 : 342.
(31) انظر تفسير"اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
(32) انظر تفسير"الصالحات" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(33) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف: 512 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(34) الأثران: 12525 ، 12526- إسنادهما صحيح.
رواه أحمد في مسنده: 2088 ، 2452 ، 2691 مطولا ، 2775.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي ، وقال: "صحيح".
وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 233 ، من حديث أحمد في المسند.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان.
(35) "البسر" (بضم الباء وسكون السين): التمر قبل أن يرطب ، وهو ما لون منه ولم ينضج ، فإذا نضج فقد أرطب.
(36) "القلال" جمع"قلة" (بضم القاف): وهي الجرة الكبيرة.
(37) الأثر: 12527-"عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي البصري" ، ثقة. مضى برقم: 6822 ، 10317.
و"عباد بن راشد التميمي" ، قال أحمد: "ثقة صدوق" ، وضعفه يحيى بن معين ، وتركه يحيى القطان. روى له البخاري مقرونًا بغيره. ومضى برقم 11060.
و"أم سليم" المذكورة في الخبر ، هي: "أم سليم بنت ملحان الأنصارية" ، لها صحبة ، وهي والدة أنس بن مالك ، وزوج أبي طلحة الأنصاري ، خطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فأبت عليه إلا أن يسلم ، فأسلم.
وذكر هذا الخبر ابن كثير في تفسيره 3 : 228 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير ، وكذلك السيوطي في الدر المنثور 2 : 320.
وخبر أنس هذا ، رواه البخاري من طريق أخرى بغير هذا اللفظ (الفتح 8 : 209). ومسلم في صحيحه بغير هذا اللفظ من طرق 13 : 148-151. والنسائي في السنن 8 : 287 ، 288.
(38) الأثران: 12528 ، 12529- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 97 ، رقم: 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم: 12528) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ثم رواه من طريق: "محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة" (طريق أبي جعفر رقم: 12529) ، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح".
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(39) الأثران: 12528 ، 12529- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 97 ، رقم: 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم: 12528) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ثم رواه من طريق: "محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة" (طريق أبي جعفر رقم: 12529) ، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح".
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(40) الأثر: 12531-"خالد بن مخلد القطواني" ثقة ، مضى برقم 2206 ، 4577 ، 8166 ، 8397.
و"علي بن مسهر القرشي" ، ثقة ، مضى برقم: 4453 ، 5777.
وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه (16 : 14) من طرق ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش ، بمثله.
ورواه الترمذي من طريق سفيان بن وكيع ، عن خالد بن مخلد ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، 144 ، من طريق سليمان بن قرم ، عن الأعمش ، بزيادة في لفظه ، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وإنما اتفقا على حديث شعبة ، عن أبي إسحق ، عن البراء ، مختصر هذا المعنى" ، ولم أجده حديث البراء في الصحيحين ، كما قال الحاكم. وأما الذهبي فلم يزد في تعليقه على المستدرك إلا أن قال: "صحيح". ولم أجد من نسب حديث البراء إلى الشيخين ، وهو الذي مضى برقم: 12528 ، 12529. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، بمثل لفظ الحاكم في المستدرك ، ثم قال: "في الصحيح بعضه ، رواه الطبراني ، ورجاله ثقات". وهذا هو الصحيح لا ما قال الحاكم.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 233 وقال: "رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي من طريقه".
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 321 ، في موضعين ، قال في مثل لفظ الحاكم: "أخرجه الطبراني ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه". ثم رواه مختصرًا كرواية أبي جعفر ، ونسبه إلى مسلم ، والترمذي والنسائي ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(41) قوله: "بعد سورة الأحزاب" ، كأنه يعني بعد نزول سورة الأحزاب ، وليس في سورة الأحزاب ذكر تحريم الخمر ، وكأنه عنى بذلك"بعد غزوة الأحزاب" ، وأخشى أن يكون قوله: "سورة الأحزاب" ، سهوا من الناسخ ، والصواب"غزوة الأحزاب" ، ولكن هكذا جاء في الدر المنثور أيضًا 2 : 321 ، ونسب الخبر ، لعبد بن حميد ، وابن جرير.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 134 | ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
آل عمران: 148 | ﴿فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
المائدة: 93 | ﴿ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذا من منن الله على عباده، أن أخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا، ليطيعوه ويقدموا على بصيرة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لابد أن يختبر الله إيمانكم.{ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} أي:بشيء غير كثير، فتكون محنة يسيرة، تخفيفا منه تعالى ولطفا، وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به{ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} أي:تتمكنون من صيده، ليتم بذلك الابتلاء، لا غير مقدور عليه بيد ولا رمح، فلا يبقى للابتلاء فائدة. ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء، فقال:{ لِيَعْلَمَ اللَّهُ} علما ظاهرا للخلق يترتب عليه الثواب والعقاب{ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فيكف عما نهى الله عنه مع قدرته عليه وتمكنه، فيثيبه الثواب الجزيل، ممن لا يخافه بالغيب، فلا يرتدع عن معصية تعرض له فيصطاد ما تمكن منه{ فَمَنِ اعْتَدَى} منكم{ بَعْدِ ذَلِكَ} البيان، الذي قطع الحجج، وأوضح السبيل.{ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي:مؤلم موجع، لا يقدر على وصفه إلا الله، لأنه لا عذر لذلك المعتدي، والاعتبار بمن يخافه بالغيب، وعدم حضور الناس عنده. وأما إظهار مخافة الله عند الناس، فقد يكون ذلك لأجل مخافة الناس، فلا يثاب على ذلك.
قال الآلوسى: هذه الآية- كما خرج ابن أبى حاتم عن مقاتل بن حيان- نزلت في عمرة الحديبية، حيث ابتلاهم الله- تعالى- بالصيد وهم محرمون، فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم، وكانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم فهموا بأخذها فنزلت .
وقوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ أى: ليختبرنكم وليمتحننكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان.
ولفظ الصيد في قوله: مِنَ الصَّيْدِ مصدر بمعنى المصيد أى: ما يصطادونه.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا ليختبرن الله- سبحانه- إيمانكم ومبلغ قوته بأن يرسل إليكم وأنتم محرمون شيئا من الصيد الذي تحبونه، بحيث يكون في متناول أيديكم ورماحكم.
وقوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ جواب قسم محذوف والتقدير: والله ليعاملنكم سبحانه معاملة المختبر ليتبين المطيع من العاصي.
وأكد- سبحانه- هذا الخبر بلام القسم ونون التوكيد للإشارة إلى أهمية هذا الاختبار حتى يسارعوا إلى طاعته- سبحانه وامتثال أمره.
والتنوين في قوله بِشَيْءٍ للتقليل والتحقير. وإنما امتحنوا بهذا الشيء الصغير، تنبيها إلى أن من لم يثبت ويعصم نفسه عن ارتكاب هذه الأشياء الصغيرة فإنه لن يثبت أمام التكاليف الكبيرة.
ويمكن أن يقال، إن التنوين هنا للتعظيم باعتبار الجزاء الأليم المترتب على الاعتداء على الصيد في حال الإحرام.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما معنى التقليل والتصغير في قوله: بشيء من الصيد؟
قلت: قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين- كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال- وأنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده فكيف شأنهم عند ما هو أشد منه» .
وقوله: بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ هو موضع الاختبار ومِنَ في قوله مِنَ الصَّيْدِ لبيان الجنس. أو التبعيض، لأن المراد صيد البر دون البحر، وصيد الإحرام دون صيد الإحلال.
ومعنى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ تستطيع أيديكم أن تأخذ هذا الصيد بسهولة ويسر إذا كان صغيرا وقريبا منكم، وتستطيع رماحكم أن تناله إذا كان كبيرا أو بعيدا بعدا نسبيا منكم.
وخص الأيدى والرماح بالذكر، لأن معظم التصرفات التي تتعلق بالصيد تكون بالأيدى، ولأن معظم الآلات التي تستعمل في الصيد تكون الرماح.
وقوله: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ تعليل قصد به بيان الحكمة من وراء الابتلاء والاختبار.
والمراد بالعلم في قوله: لِيَعْلَمَ اللَّهُ.. إظهار ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته، حتى يتميز الخبيث من الطيب.
والمعنى: اختبرناكم أيها المؤمنون بنوع من البلايا- وهو تحريم صيد البر صغارا وكبارا- وأنتم محرمون أو في الحرم، ليظهر ما علمه أزلا-- سبحانه- من أهل طاعته ومعصيته، وبذلك يتميز للناس الخبيث من الطيب، ويعرف الشخص الذي يخاف الله ويراقبه- مع أنه لم ير الله- سبحانه- من الشخص الذي لا يخافه بالغيب.
قال الجمل: وقوله بِالْغَيْبِ حال من فاعل يخافه، أى: يخاف الله حالة كونه غائبا عن الله ومعنى كون العبد غائبا عن الله، أنه لم ير الله تعالى.
أو حال من المفعول. أى: يخاف الله حال كونه- تعالى- ملتبسا بالغيب عن العبد، أى غير مرئى له .
وقوله: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ بيان لسوء عاقبة المخالف لأوامر الله، والمتجاوز لحدوده.
واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى ما بينه- سبحانه- لعباده من أحكام.
والمعنى: لقد اختبرناكم- أيها المؤمنون- بما اختبرناكم به، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه، فمن تعدى منكم حدود الله بعد هذا البيان والإعلام، فله عذاب شديد الآلام عظيم الإهانة، لأن التعدي بعد الإنذار، دليل على عدم المبالاة بأوامر الله ومن لم يبال بأوامر الله ساءت عاقبته وقبح مصيره. هذا، ولقد نجحت الأمة الإسلامية وخصوصا سلفها الصالح في هذا الاختبار فقد تجنب أبناؤها وهم محرمون أو في الحرم مصيد البر مهما أغراهم قربه منهم، وحبهم له على صيده والانتفاع به.
بينما أخفق بنو إسرائيل فيما يشبه هذا الاختبار فقد نهاهم الله- تعالى- عن الصيد في يوم السبت، فكانت الأسماك تظهر لهم في هذا اليوم امتحانا من الله لهم، فما كان منهم إلا أن تحايلوا على صيدها، بأن حبسوها في يوم السبت ليصيدوها في غيره.. فاستحقوا من الله اللعنة والمسخ واستحقت الأمة الإسلامية أن تكون خير أمة أخرجت للناس.
ثم نهى- سبحانه- المؤمنين نهيا صريحا عن قتل الصيد وهم حرم وبين ما يجب على القاتل.
وكرر تحذيره وتهديده لمن يتعدى حدوده فقال- تعالى-:
قال الوالبي ، عن ابن عباس قوله : ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) قال : هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاءوا يتناولونه بأيديهم . فنهاهم الله أن يقربوه .
وقال مجاهد : ( تناله أيديكم ) يعني : صغار الصيد وفراخه ) ورماحكم ) يعني : كباره .
وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية ، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم ، لم يروا مثله قط فيما خلا فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون .
( ليعلم الله من يخافه بالغيب ) يعني : أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم ، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرا وجهرا ليظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره ، كما قال تعالى : ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ) [ الملك : 12 ] .
وقوله هاهنا : ( فمن اعتدى بعد ذلك ) قال السدي وغيره : يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم ( فله عذاب أليم ) أي : لمخالفته أمر الله وشرعه .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله=" ليبلونّكم الله بشيء من الصيد "، يقول: ليختبرنكم الله (42) =" بشيء من الصيد "، يعني: ببعض الصيد.
وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء، لأنه لم يبلُهم بصيد البحر، وإنما ابتلاهم بصيد البرّ، فالابتلاء ببعض لا بجميع. (43)
* * *
وقوله: " تناله أيديكم "، فإنه يعني: إما باليد، كالبيض والفراخ= وإما بإصابة النَّبْل والرماح، وذلك كالحمر والبقر والظباء، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجّكم.
* * *
وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
12537 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم "، قال: " أيديكم "، صغارُ الصَّيد، أخذ الفراخ والبيض= و " الرماح " قال: كبارُ الصيد.
12538 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن داود، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
12539- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " تناله أيديكم ورماحكم "، قال: النَّبْل=" رماحكم "، تنال كبير الصيد، (44) =" وأيديكم "، تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض.
12540 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد في قوله: " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم "، قال: ما لا يستطيع أن يفرَّ من الصيد.
12541 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد. وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، مثله.
12542 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " أيديكم ورماحكم "، قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاءوا نالوه بأيديهم. فنهاهم الله أن يقرَبوه.
12543 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن حميد الأعرج، وليث، عن مجاهد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم "، قال: الفراخ والبيض، وما لا يستطيع أن يفّر.
* * *
القول في تأويل قوله : لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ليختبرنكم الله، أيها المؤمنون، ببعض الصيد في حال إحرامكم، كي يعلم أهلَ طاعة الله والإيمان به، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه، (45) ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه، (46) ويجتنبه خوف عقابه=" بالغيب "، بمعنى: في الدنيا، بحيث لا يراه. (47) .
* * *
وقد بينا أن " الغيب "، إنما هو مصدر قول القائل: " غاب عنّى هذا الأمر &; 10-585 &; فهو يغيب غَيْبًا وغَيْبَةً"، وأنّ ما لم يُعَاين، فإن العرب تسميه " غَيْبًا ". (48)
* * *
فتأويل الكلام إذًا: ليعلم أولياء الله من يخافُ الله فيتقي محارمَه التي حرمها عليه من الصيد وغيره، بحيث لا يراه ولا يُعاينه.
* * *
وأما قوله: " فمن اعتدى بعد ذلك "، فإنه يعني: فمن تجاوز حدَّ الله الذي حدّه له، (49) بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام، فاستحلَّ ما حرَّم الله عليه منه بأخذِه وقتله=" فله عذابٌ، من الله " =" أليم "، يعني: مؤلم موجع. (50)
----------------------
الهوامش :
(42) انظر تفسير"بلا" فيما سلف: 389 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(43) في المطبوعة: "فالابتلاء ببعض لم يمتنع" ، وهو كلام فارغ من كل معنى. وفي المخطوطة: "فالابتلاء ببعض لا يخشع" ، أساء الناسخ ، الكتابة ، فأساء الناشر التصرف. وصواب العبارة ما أثبت ، لأن أبا جعفر أراد أن يقول إن قوله تعالى: "بشيء من الصيد" ، هو صيد البر خاصة ، دون صيد البحر ، ولم يعم الصيد جميعه بالتحريم. وهذا بين جدًا فيما سيأتي بعد في تفسير هذه الآيات. فصح ما أثبته من قراءة المخطوطة السيئة الكتابة.
(44) في المطبوعة: "قال: النبل ، ورماحكم تنال..." بزيادة "واو" للعطف ، والصواب ما في المخطوطة ، بحذف"الواو".
(45) في المطبوعة: "والمنتهون إلى حدوده" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.
(46) انظر تفسير"الخوف" فيما سلف من فهارس اللغة.
(47) يعني أبو جعفر ، بحيث لا يرى العقاب عيانًا في الدنيا ، كما يراه عيانًا في الآخرة.
(48) انظر تفسير"الغيب" فيما سلف 1 : 236 ، 237 / 6 : 405.
(49) انظر تفسير"اعتدى" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
(50) انظر تفسير"أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 178 | ﴿ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ |
---|
المائدة: 94 | ﴿لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
تناله:
وقرئ:
يناله، بالياء، وهى قراءة النخعي، وابن وثاب.
التفسير :
ثم صرح بالنهي عن قتل الصيد في حال الإحرام، فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي:محرمون في الحج والعمرة، والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قُتل أو صيد لأجله، وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالا له قبل الإحرام. وقوله:{ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} أي:قتل صيدا عمدا{ فـ} عليه{ جزاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي:الإبل، أو البقر، أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئا من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به. والاعتبار بالمماثلة أن{ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي:عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش -على اختلاف أنواعه- بقرة، وهكذا كل ما يشبه شيئا من النعم، ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئا ففيه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات، وذلك الهدي لا بد أن يكون{ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي:يذبح في الحرم.{ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} أي:كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين، أي:يجعل مقابلة المثل من النعم، طعام يطعم المساكين. قال كثير من العلماء:يقوم الجزاء، فيشترى بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاع من غيره.{ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ} الطعام{ صِيَامًا} أي:يصوم عن إطعام كل مسكين يوما.{ لِيَذُوقَ} بإيجاب الجزاء المذكور عليه{ وَبَالَ أَمْرِهِ}{ وَمَنْ عَادَ} بعد ذلك{ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} وإنما نص الله على المتعمد لقتل الصيد، مع أن الجزاء يلزم المتعمد والمخطيء، كما هو القاعدة الشرعية -أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة، فإنه يضمنها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق، لأن الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمد. وأما المخطئ فليس عليه عقوبة، إنما عليه الجزاء، [هذا جواب الجمهور من هذا القيد الذي ذكره الله. وطائفة من أهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد وهو ظاهر الآية. والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والأموال في هذا الموضع الحق فيه لله، فكما لا إثم لا جزاء لإتلافه نفوس الآدميين وأموالهم]
قال القرطبي: قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب عام لكل مسلم، وهذا النهى هو الابتلاء المذكور في قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ..
الآية وروى أن أبا اليسر- واسمه عمرو بن مالك الأنصارى- كان محرما عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش فنزلت هذه الآية .
والمراد بالصيد هنا المصيد، لأنه هو الذي يقع عليه القتل.
وقوله حُرُمٌ جمع حرام. وهذا اللفظ يتناول المحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما وإن كان في الحل، كما يتناول من كان في الحرم وإن كان حلالا.
قال ابن جرير: والحرم جمع حرام، يقال: هذا رجل حرام، وهذه امرأة حرام، فإذا قيل محرم، قيل للمرأة محرمة والإحرام: هو الدخول فيه. يقال: أحرم القوم: إذا دخلوا في الشهر الحرام أو في الحرم، فتأويل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون»
والصيد المنهي عن قتله هنا: صيد البر، لأن صيد البحر قد أحله الله بعد ذلك بقوله:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ الآية.
والنهى كما يتناول قتل صيد البر بإزهاق روحه بأى طريق من طرق الإزهاق، يتناول- أيضا- قتله بطريق التسبب كالإشارة إليه مثلا. ويتناول كذلك حظر الصيد نفسه، لقوله- تعالى- في مطلع هذه السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.
ولقوله- تعالى- بعد هذه الآية التي معنا: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً.
فالنهي في قوله- تعالى- لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يتناول القتل عن طريق المباشرة أو التسبب كما يتناول أى عمل يؤدى إلى صيد الحيوان.
وإنما كان النهى في الآية منصبا على القتل، لأنه هو المقصود الأعظم من وراء مباشرة عملية الصيد إذ الصائد يريد قتل المصيد لكي يأكله في الغالب.
هذا، وقد اختلف الفقهاء في المصيد الذي يحرم صيده على المحرم.
فذهب بعضهم إلى أن المراد به ما يصاد مطلقا سواء أكان مأكولا أم غير مأكول ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء النص باستثنائه، وذلك لأن الصيد اسم عام يتناول كل ما يصاد من المأكول ومن غير المأكول.
وبهذا الرأى قال الأحناف ومن وافقهم من الفقهاء.
ويرى الشافعية أن المراد به المأكول فقط، لأن الصيد إنما يطلق على ما يحل أكله فحسب.
وقد انبنى على هذا الخلاف أن من قتل وهو محرم سبعا، فالأحناف يرون أنه يجب عليه الجزاء الذي فصلته الآية. والشافعية يرون أنه لا يجب عليه ذلك.
قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.
هذا تحريم منه- تعالى- لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهى عن تعاطيه فيه. وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ولو ما تولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعى يجوز قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضا ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور» - وفي رواية الحية بدل العقرب- ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور: الذئب والسبع والنمر والفهد، لأنها أشد ضررا منه» .
وقوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ بيان لما يجب على المحرم في حال قتله للصيد.
قال الآلوسى ما ملخصه: والمعنى: وَمَنْ قَتَلَهُ كائنا مِنْكُمْ حال كونه مُتَعَمِّداً أى: ذاكرا لإحرامه عالما بحرمة قتل ما يقتله، ومثله من قتله خطأ.
والفاء في قوله فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ جزائية إذا اعتبرنا مَنْ شرطية وهو الظاهر، وإذا اعتبرناها موصولة تكون زائدة لشبه المبتدأ بالشرط.
وقوله: فَجَزاءٌ بالرفع والتنوين- مبتدأ، ومِثْلُ مرفوع على أنه صفته، والخبر محذوف. أى: فعليه جزاء مماثل لما قتله، وبهذا قرأ الكوفيون ويعقوب. وقرأ باقى السبعة برفع جزاء بدون تنوين- ويجر «مثل» بالإضافة.
وقد خرجت هذه القراءة بتخريجات منها: أن تعتبر الإضافة بيانية أى: جزاء هو مثل ما قتل .
وظاهر الآية يفيد ترتيب الجزاء على القتل العمد، إلا أنهم اختلفوا هنا على أقوال ذكرها القرطبي فقال ما ملخصه:
قوله- تعالى-: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ذكر- سبحانه- المتعمد ولم يذكر المخطئ ولا الناسي، والمتعمد هنا هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام.
والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا. والناسي هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. واختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال:
الأول: ما أسنده الدارقطني عن ابن عباس قال: إنما التكفير في العمد، وإنما غلظوا في الخطأ لئلا يعودوا.
الثاني: أن قوله مُتَعَمِّداً خرج على الغالب، فألحق به النادر كأصول الشريعة.
الثالث: أنه لا شيء على المخطئ والناسي وبه قال الطبري وأحمد- في إحدى روايته- وطاوس وداود وأبو ثور..
الرابع: أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان، وبه قال مالك والشافعى وأبو حنيفة وأصحابهم.
قال الزهري: وجب الجزاء في العمد بالقرآن، وفي الخطأ والنسيان بالسنة. فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: «هي صيد» وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا، ولم يقل عمدا ولا خطأ.
الخامس: أن يقتله متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه- وهو قول مجاهد-، لقوله- تعالى- بعد ذلك وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ قال: ولو كان ذاكرا لإحرامه لوجبت عليه العقوبة لأول مرة.
قال: فدل على أنه أراد متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه» .
ويبدو لنا أن القول الرابع الذي قال به الأئمة أبو حنيفة والشافعى، ومالك أقرب إلى الصواب، لأن تخصيص العمد بالذكر في الآية، لأجل أن يرتب عليه الانتقام عند العود، لأن العمد هو الذي يترتب عليه ذلك دون الخطأ، ولأن جزاء الخطأ معروف من الأدلة التي قررت التسوية في ضمان المتلفات، إذ من المعروف أن من قتل صيد إنسان عمدا أو خطأ في غير الحرم فعليه جزاؤه، فهذا حكم عام في جميع المتلفات ومادام الأمر كذلك كان الجزاء ثابتا على المحرم متى قتل الصيد سواء أكان قتله له عمدا أم خطأ.
وقد اختلف العلماء- أيضا في المراد بالمثل في قوله- تعالى- وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
فجمهور الفقهاء يرون أن المراد بالمثل النظير. أى أن الجزاء يكون بالمماثلة بين الصيد المقتول وبين حيوان يقاربه في الحجم والمنظر من النعم وهي الإبل والبقر والغنم.
ومن حججهم أن الله أوجب مثل المصيد المقتول مقيدا بكونه من النعم، فلا بد أن يكون الجزاء مثلا من النعم، وعليه فلا تصح القيمة لأنها ليست من النعم.
قال ابن كثير: وفي قوله- تعالى-: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ دليل لما ذهب إليه مالك والشافعى وأحمد من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الإنسى، خلافا لأبى حنيفة حيث أوجب القيمة سواء أكان الصيد المقتول مثليا أم غير مثلي.
قال: وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه. وإن شاء اشترى به هديا.
والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع، فإنهم حكموا في النعامة ببدنه، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز. وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمن يحمل إلى مكة» .
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك طريق معرفة الجزاء، ومآله، وأنواعه، فقال- تعالى- يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً.
والضمير في قوله بِهِ يعود على الجزاء المماثل للمصيد المقتول.
وقوله: هَدْياً حال من جزاء، أو منصوب على المصدرية. أى يهديه هديا.
والهدى: اسم لما يذبح في الحج لإهدائه إلى فقراء مكة.
وقوله بالِغَ الْكَعْبَةِ صفة لقوله هَدْياً لأنه إضافته لفظية.
وقوله: أَوْ كَفَّارَةٌ معطوف على جزاء. وأو للتخيير، وكذلك في قوله أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً.
والعدل- بالفتح- ما عادل الشيء من غير جنسه. وأما بالكسر فما عادله من جنسه. وقيل هما سيان ومعناهما المثل مطلقا.
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة: يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا، لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون، ومن قتل منكم الصيد وهو بهذه الصفة فعليه جزاء من النعم مماثل الصيد المقتول ومقارب له في الخلقة والمنظر، أو في القيمة، وهذا الجزاء المماثل للصيد المقتول يحكم به رجلان منكم تتوافر فيهما العدالة والخبرة حتى يكون حكمهما أقرب إلى الحق والصواب، ويكون هذا الجزاء الواجب على قاتل الصيد هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أى: يصل إلى الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه، أو يكون على قاتل الصيد كَفَّارَةٌ هي طَعامُ مَساكِينَ بأن يطعمهم من غالب قوت البلد ما يساوى قيمة هذا الجزاء المماثل للصيد المقتول بحيث يعطى لكل مسكين نصف صاغ من بر أو صاعا من غيره، أو يكون عليه ما يعادل هذا الطعام صياما، بأن يصوم عن طعام كل مسكين يوما، وما قل عن طعام المسكين يصوم عنه يوما كاملا.
وإذا لم يجد للصيد المقتول مماثلا كالعصفور وما يشبهه فعليه قيمته، يشترى بها طعاما لكل مسكين مد، أو يصوم عن كل مد يوما.
وبهذا نرى أن المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاء من النعم مماثل للصيد المقتول في الخلقة والمنظر أو عليه ما يساوى قيمة هذا الجزاء طعاما، أو عليه ما يعادل هذا الطعام صياما. وهذا ما يقول به جمهور الفقهاء.
أما أبو حنيفة فيرى- كما سبق أن أشرنا- أن المماثلة إنما تعتبر ابتداء بحسب القيمة، فيقوم الصيد المقتول من حيث هو، فإن بلغت قيمته قيمة هدى يخير الجاني بين أن يشترى بها هديا يهدى إلى الكعبة ويذبح في الحرم ويتصدق بلحمه على الفقراء، وبين أن يشترى بها طعاما للمساكين، وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوما.
والمراد من الكعبة هنا الحرم وإنما خصت بالذكر تعظيما لها.
قال بعض العلماء: ولا شك أن التخيير هنا ليس على حقيقته، إنما هو ترتيب مراتب على حسب القدرة على كل رتبة، فالأصل بلا ريب شراء هدى وذبحه في الحرم، فإن تعذر ذلك كان الطعام، فإن تعذر كان الصيام.
هذا هو الظاهر عند الحنفية. وروى عنهم أنهم قالوا بالتخيير إذا عرفت القيمة بين الذبح عند الكعبة وبين إطعام المساكين، وبين الصوم.
وعندي أن الترتيب حسب القدرة أوضح وذلك هو رأى أحمد وزفر.
والمذاهب الأخرى تلتقي في الجملة مع المذهب الحنفي بيد أنها تعتبر المماثلة في الأوصاف.
وعندي أن المذهب الحنفي أوضح وأسهل تطبيقا، وأدق في تعرف المثل وقد اضطروا إليه عند استبدال الطعام بالذبح، إذ لا يعرف مقدار الطعام إلا بمعرفة القيمة» .
هذا، وقوله- تعالى- لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ تعليل لإيجاب الجزاء السابق على المحرم القاتل للصيد عن تعمد.
وقوله لِيَذُوقَ من الذوق وهو إدراك المطعومات باللسان لمعرفة ما فيها من حلاوة أو مرارة أو غير ذلك. والمراد به هنا: إدراك ألم العذاب على سبيل الاستعارة.
والوبال في الأصل: الثقل والشدة والوخامة. ومنه طعام وبيل إذا كان ثقيلا على المعدة.
ومرعى وبيل وهو الذي يتأذى به بعد أكله.
والمراد به هنا: سوء عاقبة فعله.
والمعنى: شرعنا ما شرعنا من جزاء على المحرم في حالة قتله للصيد، ليدرك سوء عاقبة قتله وفعله السيئ، وليعلم أن مخالفته لأمر الله تؤدى إلى الخسارة في الدنيا والآخرة.
قال الإمام الرازي: وإنما سمى الله- تعالى- ذلك وبالا، لأنه خيره بين ثلاثة أشياء: اثنان منها توجب تنقيص المال- وهو ثقيل على الطبع- وهما: الجزاء بالمثل والإطعام. والثالث:يوجب إيلام البدن وهو الصوم، وذلك أيضا ثقيل على الطبع.
والمعنى أنه- تعالى- أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الأشياء التي كل واحد منها ثقيل على الطبع حتى يحترز عن قتل الصيد في الحرم وفي حال الإحرام» .
وقوله: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله بعباده ولطفه بهم، لأنه- سبحانه- لم يؤاخذهم على قتلهم للصيد وهم محرمون قبل تحريمها والنهى عنها.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بتهديد شديد لمن تتكرر منه المخالفة لأوامر الله ونواهيه فقال: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.
أى: ومن عاد وهو محرم إلى قتل الصيد بعد ورود النهى عن ذلك فإن الله- تعالى- ينتقم منه ويعاقبه عقابا شديدا فهو- سبحانه- العزيز الذي لا يغالب ولا يقاوم، المنتقم الذي لا يدفع انتقامه بأى وسيلة من الوسائل.
هذا وجمهور العلماء على أن المحرم يتكرر الجزاء عليه في قتل الصيد بتكرر القتل وأن عقوبة الآخرة- وهي انتقام الله من الجاني- لا تمنع وجوب الجزاء عليه في الدنيا.
قال ابن كثير. ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد.
وقال على بن طلحة عن ابن عباس قال: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم يحكم عليه فيه كلما قتله. فإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة. فإن عاد يقال له ينتقم الله منك» .
وبذلك نرى الآية الكريمة قد حذرت المؤمنين من التعرض للصيد في حالة إحرامهم، وبينت الجزاء المترتب على من يفعل ذلك، وهددت من يستهين بحدود الله بالعذاب الشديد.
ثم بين- سبحانه- ما أحله للمحرم وما حرمه عليه مما يتعلق بالصيد فقال- تعالى-:
ثم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه . وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره ، فأما غير المأكول من حيوانات البر ، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها . والجمهور على تحريم قتلها أيضا ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أم المؤمنين ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور " .
وقال مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور " . أخرجاه .
ورواه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثله . قال أيوب ، قلت لنافع : فالحية؟ قال : الحية لا شك فيها ، ولا يختلف في قتلها .
ومن العلماء - كمالك وأحمد - من ألحق بالكلب العقور الذئب ، والسبع ، والنمر ، والفهد ; لأنها أشد ضررا منه ، فالله أعلم . وقال سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم : الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها . واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على عتبة بن أبي لهب قال : " اللهم سلط عليه كلبك بالشام " فأكله السبع بالزرقاء ، قالوا : فإن قتل ما عداهن فداها كالضبع والثعلب وهر البر ونحو ذلك .
قال مالك : وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها ، وصغار الملحق بها من السباع العوادي .
وقال الشافعي [ رحمه الله ] يجوز للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه ، ولا فرق بين صغاره وكباره . وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل .
وقال أبو حنيفة : يقتل المحرم الكلب العقور والذئب ; لأنه كلب بري ، فإن قتل غيرهما فداه ، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه . وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيي .
وقال زفر بن الهذيل : يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه .
وقال بعض الناس : المراد بالغراب هاهنا الأبقع وهو الذي في بطنه وظهره بياض ، دون الأدرع وهو الأسود ، والأعصم وهو الأبيض ; لما رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خمس يقتلهن المحرم : الحية ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب الأبقع ، والكلب العقور " .
والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك ; لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه .
وقال مالك ، رحمه الله : لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه .
وقال مجاهد بن جبر وطائفة : لا يقتله بل يرميه . ويروى مثله عن علي .
وقد روى هشيم : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه سئل عما يقتل المحرم ، فقال : " الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي " .
رواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل والترمذي ، عن أحمد بن منيع ، كلاهما عن هشيم . وابن ماجه ، عن أبي كريب ، عن محمد بن فضيل ، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
وقوله تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب قال : نبئت عن طاوس قال : لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ ، إنما يحكم على من أصابه متعمدا .
وهذا مذهب غريب عن طاوس ، وهو متمسك بظاهر الآية .
وقال مجاهد بن جبير : المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد ، الناسي لإحرامه . فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه ، فذاك أمره أعظم من أن يكفر ، وقد بطل إحرامه .
رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم وغيرهما ، عنه . وهو قول غريب أيضا . والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه . قال الزهري : دل الكتاب على العامد ، وجرت السنة على الناسي ، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله : ( ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ) وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ ، كما دل الكتاب عليه في العمد ، وأيضا فإن قتل الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان ، لكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم .
وقوله : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأها : " فجزاؤه مثل ما قتل من النعم " .
وفي قوله : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد ، والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم ، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي ، خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله - حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلي ، قال : وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه ، وإن شاء اشترى به هديا . والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع ، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة ، وفي بقرة الوحش ببقرة ، وفي الغزال بعنز ، وذكر قضايا الصحابة ، وأسانيدها مقرر في كتاب " الأحكام " ، وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه ، يحمل إلى مكة . رواه البيهقي . وقوله : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل ، أو بالقيمة في غير المثل ، عدلان من المسلمين ، واختلف العلماء في القاتل : هل يجوز أن يكون أحد الحكمين ؟ على قولين : أحدهما : " لا ; لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه ، وهذا مذهب مالك .
والثاني : نعم ; لعموم الآية . وهو مذهب الشافعي وأحمد .
واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا جعفر - هو ابن برقان - عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر قال : قتلت صيدا وأنا محرم ، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر ، رضي الله عنه ، لأبي بن كعب وهو جالس عنده : ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي : أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك ، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر : وما تنكر؟ يقول الله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ) فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به .
وهذا إسناد جيد ، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق ، ومثله يحتمل هاهنا . فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة ، لما رآه أعرابيا جاهلا وإنما دواء الجهل التعليم ، فأما إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم ، فقد قال ابن جرير :
حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا وكيع بن الجراح ، عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجا ، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث ، قال : فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي - أو : برح - فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خشاءه فركب ردعه ميتا ، قال : فعظمنا عليه ، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله عنه ، قال : فقص عليه القصة قال : وإلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة - يعني عبد الرحمن بن عوف - فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه قال : ثم أقبل على الرجل فقال : أعمدا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل : لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله . فقال عمر : ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها . قال : فقمنا من عنده ، فقلت لصاحبي : أيها الرجل ، عظم شعائر الله ، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه : اعمد إلى ناقتك فانحرها ، ففعل ذاك . قال قبيصة : ولا أذكر الآية من سورة المائدة : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) قال : فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة . قال : فعلا صاحبي ضربا بالدرة ، وجعل يقول : أقتلت في الحرم وسفهت الحكم؟ قال : ثم أقبل علي فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا أحل لك اليوم شيئا يحرم عليك مني ، قال : يا قبيصة بن جابر ، إني أراك شاب السن ، فسيح الصدر ، بين اللسان ، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة ، فإياك وعثرات الشباب .
وقد روى هشيم هذه القصة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة ، بنحوه . ورواها أيضا عن حصين ، عن الشعبي ، عن قبيصة ، بنحوه . وذكرها مرسلة عن عمر : بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، أخبرني أبو جرير البجلي قال : أصبت ظبيا وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال : ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك . فأتيت عبد الرحمن وسعدا ، فحكما علي بتيس أعفر .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن مخارق عن طارق قال : أوطأ أربد ظبيا فقتلته وهو محرم فأتى عمر ; ليحكم عليه ، فقال له عمر : احكم معي ، فحكما فيه جديا ، قد جمع الماء والشجر . ثم قال عمر : ( يحكم به ذوا عدل منكم )
وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين ، كما قاله الشافعي وأحمد ، رحمهما الله .
واختلفوا : هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم ، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل ، وإن كان قد حكم من قبله الصحابة ، أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين ، فقال الشافعي وأحمد : يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة وجعلاه شرعا مقررا لا يعدل عنه ، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين . وقال مالك وأبو حنيفة : بل يجب الحكم في كل فرد فرد ، سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا ; لقوله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم )
وقوله تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) أي : واصلا إلى الكعبة ، والمراد وصوله إلى الحرم ، بأن يذبح هناك ، ويفرق لحمه على مساكين الحرم . وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة .
وقوله : ( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) أي : إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال ، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام ، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وأحد قولي الشافعي ، والمشهور عن أحمد رحمهم الله ، لظاهر الآية " أو " فإنها للتخيير . والقول الآخر : أنها على الترتيب .
فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة ، فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم . وقال الشافعي : يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ، ثم يشترى به طعام ويتصدق به ، فيصرف لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز ، واختاره ابن جرير .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : يطعم كل مسكين مدين ، وهو قول مجاهد .
وقال أحمد : مد من حنطة ، أو مدان من غيره . فإن لم يجد ، أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما .
وقال ابن جرير : وقال آخرون : يصوم مكان كل صاع يوما . كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه ، فإن الشارع أمر كعب بن عجرة أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يصوم ثلاثة أيام ، والفرق ثلاثة آصع .
واختلفوا في مكان هذا الإطعام ، فقال الشافعي : محله الحرم ، وهو قول عطاء . وقال مالك : يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد ، أو أقرب الأماكن إليه . وقال أبو حنيفة : إن شاء أطعم في الحرم ، وإن شاء أطعم في غيره .
ذكر أقوال السلف في هذا المقام :
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) قال : إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم ، فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به . وإن لم يجد نظر كم ثمنه ، ثم قوم ثمنه طعاما ، فصام مكان كل نصف صاع يوما ، قال : ( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) قال : إنما أريد بالطعام الصيام ، أنه إذ وجد الطعام وجد جزاؤه .
ورواه ابن جرير ، من طريق جرير .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) إذا قتل المحرم شيئا من الصيد ، حكم عليه فيه . فإن قتل ظبيا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة . فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام . فإن قتل إبلا أو نحوه ، فعليه بقرة . فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا . فإن لم يجد صام عشرين يوما . وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل . فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا . فإن لم يجد صام ثلاثين يوما .
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وزاد : والطعام مد ؛ مد تشبعهم .
وقال جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي وعطاء ومجاهد : ( أو عدل ذلك صياما ) قالوا : إنما الطعام لمن لا يبلغ الهدي . رواه ابن جرير .
وكذا روى ابن جريج ، عن مجاهد وأسباط ، عن السدي أنها على الترتيب .
وقال عطاء وعكرمة ومجاهد - في رواية الضحاك - وإبراهيم النخعي : هي على الخيار . وهو رواية الليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس . واختار ذلك ابن جرير ، رحمه الله تعالى .
وقوله : ( ليذوق وبال أمره ) أي : أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة ( عفا الله عما سلف ) أي : في زمان الجاهلية ، لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله ، ولم يرتكب المعصية .
ثم قال : ( ومن عاد فينتقم الله منه ) أي : ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
قال ابن جريج ، قلت لعطاء : ما ( عفا الله عما سلف ) قال : عما كان في الجاهلية . قال : قلت : وما ( ومن عاد فينتقم الله منه ) ؟ قال : ومن عاد في الإسلام ، فينتقم الله منه ، وعليه مع ذلك الكفارة قال : قلت : فهل في العود حد تعلمه؟ قال : لا . قال : قلت : فترى حقا على الإمام أن يعاقبه؟ قال : لا هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله ، عز وجل ، ولكن يفتدي . رواه ابن جرير .
وقيل معناه : فينتقم الله منه بالكفارة . قاله سعيد بن جبير وعطاء .
ثم الجمهور من السلف والخلف ، على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء ، ولا فرق بين الأولى والثانية وإن تكرر ما تكرر ، سواء الخطأ في ذلك والعمد .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : من قتل شيئا من الصيد خطأ ، وهو محرم ، يحكم عليه فيه كلما قتله ، وإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة ، فإن عاد يقال له : ينتقم الله منك كما قال الله عز وجل .
وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي جميعا ، عن هشام - هو ابن حسان - عن عكرمة عن ابن عباس فيمن أصاب صيدا فحكم عليه ثم عاد ، قال : لا يحكم عليه ، ينتقم الله منه .
وهكذا قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي . رواهن ابن جرير ، ثم اختار القول الأول .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن يزيد العبدي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن زيد أبي المعلى ، عن الحسن البصري ; أن رجلا أصاب صيدا ، فتجوز عنه ، ثم عاد فأصاب صيدا آخر ، فنزلت نار من السماء فأحرقته فهو قوله : ( ومن عاد فينتقم الله منه )
وقال ابن جرير في قوله : ( والله عزيز ذو انتقام ) يقول عز ذكره : والله منيع في سلطانه لا يقهره قاهر ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع ; لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره ، له العزة والمنعة .
وقوله : ( ذو انتقام ) يعني : أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه .
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم
القول في تأويل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله { لا تقتلوا الصيد } الذي بينت لكم , وهو صيد البر دون صيد البحر ; { وأنتم حرم } يقول : وأنتم محرمون بحج أو عمرة والحرم : جمع حرام , والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد , تقول : هذا رجل حرام وهذه امرأة حرام , فإذا قيل محرم , قيل للمرأة محرمة . والإحرام : هو الدخول فيه , يقال : أحرم القوم : إذا دخلوا في الشهر الحرام , أو في الحرم . فتأويل الكلام : لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة . وقوله : { ومن قتله منكم متعمدا } فإن هذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا . ثم اختلف أهل التأويل في صفة العمد الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد . فقال بعضهم : هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله , وقال : إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله فلا حكم عليه وأمره إلى الله . قالوا : وهذا أجل أمرا من أن يحكم عليه أو يكون له كفارة . ذكر من قال ذلك : 9782 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد . { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } من قتله منكم ناسيا لإحرامه متعمدا لقتله , فذلك الذي يحكم عليه . فإن قتله ذاكرا لحرمه متعمدا لقتله , لم يحكم عليه . * - حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا : ثنا جرير , عن ليث , عن مجاهد في الذي يقتل الصيد متعمدا , وهو يعلم أنه محرم ومتعمد قتله , قال : لا يحكم عليه , ولا حج له .حرم ومن قتله منكم
وقوله : { ومن قتله منكم متعمدا } قال : هو العمد المكفر , وفيه الكفارة والخطأ أن يصيبه , وهو ناس إحرامه , متعمدا لقتله , أو يصيبه وهو يريد غيره , فذلك يحكم عليه مرة . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } غير ناس لحرمه ولا مريد غيره , فقد حل وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا أو أراد غيره فأخطأ به , فذلك العمد المكفر . * - حدثنا يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن ليث , عن مجاهد , في قوله : { ومن قتله منكم متعمدا } قال : متعمدا لقتله , ناسيا لإحرامه . * - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال : ثنا الفضيل بن عياض , عن ليث , عن مجاهد , قال : العمد هو الخطأ المكفر . * - حدثنا الحسن بن عرفة , قال : ثنا يونس بن محمد , قال : ثنا عبد الواحد بن زياد , قال : ثنا ليث قال : قال مجاهد : قول الله : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : فالعمد الذي ذكر الله تعالى أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فيصيبه , فهذا العمد المكفر ; فأما الذي يصيبه غير ناس ولا مريد لغيره , فهذا لا يحكم عليه , هذا أجل من أن يحكم عليه . * - حدثنا ابن وكيع , ومحمد بن المثنى , قالا : ثنا محمد بن جعفر , عن شعبة , عن الهيثم , عن الحكم , عن مجاهد , أنه قال في هذه الآية : { ومن قتله منكم متعمدا } قال : يقتله متعمدا لقتله , ناسيا لإحرامه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , قال : ثنا شعبة , عن الهيثم , عن الحكم , عن مجاهد , مثله . 9783 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : قال ابن جريج : { ومن قتله منكم متعمدا } غير ناس لحرمه ولا مريد غيره , فقد حل وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به , فذلك العمد المكفر . 9784 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا سهل بن يوسف , عن عمرو , عن الحسن : { ومن قتله منكم متعمدا } للصيد ناسيا لإحرامه , { فمن اعتدى بعد ذلك } متعمدا للصيد يذكر إحرامه . * - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا محمد بن أبي عدي , قال : ثنا إسماعيل بن مسلم , قال : كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدا ذاكرا لإحرامه : لم يحكم عليه . قال إسماعيل , وقال حماد عن إبراهيم , مثل ذلك . 9785 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عفان بن مسلم , قال : ثنا حماد بن سلمة , قال : أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } . الآية , فسألته , فقال : كان عطاء يقول : هو بالخيار أي ذلك شاء فعل , إن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء صام . فأخبرت به جعفرا , وقلت : ما سمعت فيه ؟ فتلكأ ساعة ثم جعل يضحك , ولا يخبرني , ثم قال : كان سعيد بن جبير يقول : يحكم عليه من النعم هديا بالغ الكعبة , فإن لم يجد يحكم عليه ثمنه , فقوم طعاما فتصدق به , فإن لم يجد عليه حكم الصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة . * - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع بن يزيد , قال أخبرني ابن جريج , قال : قال مجاهد : { ومن قتله منكم متعمدا } غير ناس لحرمه ولا مريد غيره فقد حل وليست له رخصة , ومن قتله ناسيا أو أراد غيره فأخطأ به , فذلك العمد المكفر . 9786 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه أو جاهل أن قتله غير محرم , فهؤلاء الذين يحكم عليهم . فأما من قتله متعمدا بعد نهي الله وهو يعرف أنه محرم وأنه حرام , فذلك يوكل إلى نقمة الله , وذلك الذي حمل الله عليه النقمة . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن ليث , عن مجاهد , في قوله : { ومن قتله منكم متعمدا } قال : متعمدا لقتله , ناسيا لإحرامه . وقال آخرون : بل ذلك هو العمد من المحرم لقتل الصيد ذاكرا لحرمه . ذكر من قال ذلك : 9787 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان . 9788 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : ثنا ابن جريج , وحدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا أبو عاصم , عن ابن جريج , قال : قال طاوس : والله ما قال الله إلا : { ومن قتله منكم متعمدا } . 9789 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرني بعض أصحابنا عن الزهري أنه قال : نزل القرآن بالعمد , وجرت السنة في الخطأ . يعني في المحرم يصيب الصيد . 9790 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } قال : إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه , وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة , إلا أن يعفو الله . 9791 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن الأعمش , عن عمرو بن مرة , عن سعيد بن جبير , قال : إنما جعلت الكفارة في العمد , ولكن غلظ عليهم في الخطأ كي يتقوا . * - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا أبو معاوية ووكيع , قالا : ثنا الأعمش , عن عمرو بن مرة , عن سعيد بن جبير , نحوه . * - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع بن يزيد , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : كان طاوس يقول : والله ما قال الله إلا : { ومن قتله منكم متعمدا } . والصواب من القول في ذلك عندنا , أن يقال : إن الله تعالى حرم قتل صيد البر على كل محرم في حال إحرامه ما دام حراما , بقوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد } ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا لقتله , ولم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه إحرامه , ولا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه , بل عم في التنزيل بإيجاب الجزاء كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمدا . وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نص كتاب ولا خبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع من الأمة ولا دلالة من بعض هذه الوجوه . فإذ كان ذلك كذلك , فسواء كان قاتل الصيد من المحرمين عامدا قتله ذاكرا لإحرامه , أو عامدا قتله ناسيا لإحرامه , أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لإحرامه , في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا تعالى وهو : { مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل } من المسلمين { أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما , دون القول الذي قاله مجاهد . وأما ما يلزم بالخطأ قاتله , فقد بينا القول فيه في كتابنا وكتاب لطيف القول في أحكام الشرائع " بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع . وليس هذا الموضع موضع ذكره ; لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل , وليس في التنزيل للخطإ ذكر فنذكر أحكامه .متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
وأما قوله : { فجزاء مثل ما قتل } يعني بذلك : جزاء الصيد المقتول ; يقول تعالى ذكره : فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول مثل ما قتل من النعم . وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " فجزاؤه مثل ما قتل من النعم " . وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء المدينة وبعض البصريين : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " بإضافة الجزاء إلى المثل وخفض المثل . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : { فجزاء مثل ما قتل } بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " بتأويل : فعليه جزاء مثل ما قتل . وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : { فجزاء مثل ما قتل } بتنوين الجزاء . ورفع المثل , لأن الجزاء هو المثل , فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه . وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بالإضافة , رأوا أن الواجب على قاتل الصيد أن يجزي مثله من الصيد بمثل من النعم ; وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه , بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتول نظيره من النعم . وإذ كان ذلك كذلك , فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله تعالى على قاتل الصيد , ولن يضاف الشيء إلى نفسه , ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه بالتنوين ونصب المثل . ولو كان المثل غير الجزاء لجاز في المثل النصب إذا نون الجزاء , كما نصب اليتيم إذ كان غير الإطعام في قوله : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة } وكما نصب الأموات والأحياء ونون الكفات في قوله : { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } إذ كان الكفات غير الأحياء والأموات . وكذلك الجزاء , لو كان غير المثل لاتسعت القراءة في المثل بالنصب إذا نون الجزاء , ولكن ذلك ضاق فلم يقرأه أحد بتنوين الجزاء ونصب المثل , إذ كان المثل هو الجزاء , وكان معنى الكلام : ومن قتله منكم متعمدا , فعليه جزاء هو مثل ما قتل من النعم . ثم اختلف أهل العلم في صفة الجزاء , وكيف يجزي قاتل الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم . فقال بعضهم : ينظر إلى أشبه الأشياء به شبها من النعم , فيجزيه به ويهديه إلى الكعبة . ذكر من قال ذلك : 9792 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط عن السدي , قوله : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : أما جزاء مثل ما قتل من النعم , فإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة , وإن قتل بقرة أو أيلا أو أروى فعليه بقرة , أو قتل غزالا أو أرنبا فعليه شاة . وإن قتل ضبا أو حرباء أو يربوعا , فعليه سخلة قد أكلت العشب وشربت اللبن . 9793 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون بن المغيرة , عن أبي مجاهد , قال : سئل عطاء : أيغرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره ؟ قال : أليس يقول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } . 9794 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قال مجاهد : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : عليه من النعم مثله . 9795 - حدثنا هناد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , في قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : إذا أصاب المحرم الصيد وجب عليه جزاؤه من النعم , فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به , فإن لم يجد جزاءه قوم الجزاء دراهم ثم قوم الدراهم حنطة ثم صام مكان كل نصف صاع يوما . قال : وإنما أريد بالطعام الصوم , فإذا وجد طعاما وجد جزاء . * - حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس : { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } قال : إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم , فإن لم يجد نظر كم ثمنه - قال ابن حميد : نظر كم قيمته - فقوم عليه ثمنه طعاما , فصام مكان كل نصف صاع يوما , أو كفارة طعام مساكين , أو عدل ذلك صياما . قال : إنما أريد بالطعام : الصيام , فإذا وجد الطعام وجد جزاءه . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن سفيان بن حسين , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فإن لم يجد هديا , قوم الهدي عليه طعاما وصام عن كل صاع يومين . * - حدثنا هناد . قال : ثنا عبد بن حميد , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس في هذه الآية : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } قال : إذا أصاب الرجل الصيد حكم عليه , فإن لم يكن عنده قوم عليه ثمنه طعاما ثم صام لكل نصف صاع يوما . 9796 - حدثنا أبو كريب ويعقوب , قالا : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير , عن قبيصة بن جابر , قال : ابتدرت وصاحب لي ظبيا في العقبة , فأصبته . فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له , فأقبل على رجل إلى جنبه , فنظرا في ذلك , فقال : اذبح كبشا . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن الشعبي , قال : أخبرني قبيصة بن جابر نحوا مما حدث به عبد الملك . 9797 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن المسعودي , عن عبد الملك بن عمير , عن قبيصة بن جابر , قال : قتل صاحب لي ظبيا وهو محرم , فأمره عمر أن يذبح شاة فيتصدق بلحمها ويسقي إهابها . 9798 - حدثني هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن داود بن أبي هند , عن بكر بن عبد الله المزني , قال : قتل رجل من الأعراب وهو محرم ظبيا , فسأل عمر , فقال له عمر : أهد شاة . 9799 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن حصين , وحدثنا أبو هشام الرفاعي , قال : ثنا ابن فضيل , قال : ثنا حصين , عن الشعبي , قال : قال قبيصة بن جابر : أصبت ظبيا وأنا محرم , فأتيت عمر فسألته عن ذلك , فأرسل إلى عبد الرحمن بن عوف , فقلت : يا أمير المؤمنين إن أمره أهون من ذلك ! قال : فضربني بالدرة حتى سابقته عدوا . قال : ثم قال : قتلت الصيد وأنت محرم ثم تغمص الفتيا ؟ قال : فجاء عبد الرحمن , فحكما شاة . 9800 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه , فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة , فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين , فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام , فإن قتل أيلا أو نحوه فعليه بقرة ; وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة من الإبل . 9801 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قلت لعطاء : أرأيت إن قتلت صيدا فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص أغرم مثله ؟ قال : نعم , إن شئت . قلت : أوفي أحب إليك ؟ قال : نعم . وقال عطاء : وإن قتلت ولد الظبي ففيه ولد شاة , وإن قتلت ولد بقرة وحشية ففيه ولد بقرة إنسية مثله , فكل ذلك على ذلك . 9802 - حدثني عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ما كان من صيد البر مما ليس له قرن الحمار والنعامة فعليه مثله من الإبل , وما كان ذا قرن من صيد البر من وعل أو أيل فجزاؤه من البقر , وما كان من ظبي فمن الغنم مثله , وما كان من أرنب ففيها ثنية , وما كان من يربوع وشبهه ففيه حمل صغير , وما كان من جرادة أو نحوها ففيه قبضة من طعام , وما كان من طير البر ففيه أن يقوم ويتصدق بثمنه , وإن شاء صام لكل نصف صاع يوما . وإن أصاب فرخ طير برية أو بيضها فالقيمة فيها طعام أو صوم على الذي يكون في الطير . غير أنه قد ذكر في بيض النعام إذا أصابها المحرم أن يحمل الفحل على عدة من أصاب من البيض على بكارة الإبل , فما لقح منها أهداه إلى البيت , وما فسد منها فلا شيء فيه . 9803 - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع , قال : أخبرني ابن جريج , قال : قال مجاهد : من قتله - يعني الصيد - ناسيا , أو أراد غيره فأخطأ به , فذلك العمد المكفر , فعليه مثله هديا بالغ الكعبة , فإن لم يجد ابتاع بثمنه طعاما , فإن لم يجد صام عن كل مد يوما . وقال عطاء : فإن أصاب إنسان نعامة , كان له إن كان ذا يسار ما شاء , إن شاء يهدي جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما , أيهن شاء ; من أجل قوله : { فجزاء } أو كذا قال : فكل شيء في القرآن أو أو , فليختر منه صاحبه ما شاء . 9804 - حدثنا ابن البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : أخبرنا نافع , قال : أخبرني ابن جريج , قال : أخبرني الحسن بن مسلم , قال : من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدا , فذلك الذي قال الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وأما { كفارة طعام مساكين } فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي , العصفور يقتل فلا يكون فيه . قال : أو عدل ذلك صياما , عدل النعامة , أو عدل العصفور , أو عدل ذلك كله . وقال آخرون : بل يقوم الصيد المقتول قيمته من الدراهم , ثم يشتري القاتل بقيمته ندا من النعم , ثم يهديه إلى الكعبة ذكر من قال ذلك : 9805 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبدة , عن إبراهيم , قال : ما أصاب المحرم من شيء حكم فيه قيمته . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن حماد , قال : سمعت إبراهيم يقول : في كل شيء من الصيد ثمنه . وأولى القولين في تأويل الآية , ما قال عمر وابن عباس ومن قال بقولهما : إن المقتول من الصيد يجزي بمثله من النعم , كما قال الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم وقد قال الله تعالى : { من النعم } لأن الدراهم ليست من النعم في شيء . فإن قال قائل : فإن الدراهم وإن لم تكن مثلا للمقتول من الصيد , فإنه يشتري بها المثل من النعم , فيهديه القاتل , فيكون بفعله ذلك كذلك جازيا بما قتل من الصيد مثلا من النعم ؟ قيل له : أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرا أو كبيرا أو سليما , أو كان المقتول من الصيد كبيرا أو سليما بقيمته من النعم إلا صغيرا أو معيبا , أيجوز له أن يشتري بقيمته خلافه وخلاف صفته فيهديه , أم لا يجوز ذلك له , وهو لا يجوز إلا خلافه ؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته إلا مثله , ترك قوله في ذلك ; لأن أهل هذه المقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته ذلك فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا , وإذا أجازوا شرى مثل المقتول من الصيد بقيمته وإهداءها وقد يكون المقتول صغيرا معيبا , أجازوا في الهدي ما لا يجوز في الأضاحي , وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقيمته فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا أوضح بذلك من قوله الخلاف لظاهر التنزيل ; وذلك أن الله تعالى أوجب على قاتل الصيد من المحرمين عمدا المثل من النعم إذا وجدوه , وقد زعم قائل هذه المقالة أنه لا يجب عليه المثل من النعم وهو إلى ذلك واجد سبيلا . ويقال لقائل ذلك : أرأيت إن قال قائل آخر : ما على قاتل ما لا تبلغ من الصيد قيمته ما يصاب به من النعم ما يجوز في الأضاحي من إطعام ولا صيام ; لأن الله تعالى إنما خير قاتل الصيد من المحرمين في أحد الثلاثة الأشياء التي سماها في كتابه , فإذا لم يكن له إلى واحد من ذلك سبيل سقط عنه فرض الآخرين ; لأن الخيار إنما كان له وله إلى الثلاثة سبيل ; فإذا لم يكن له إلى بعض ذلك سبيل بطل فرض الجزاء عنه ; لأنه ليس ممن عني بالآية ; نظير الذي قلت أنت إنه إذا لم يكن المقتول من الصيد يبلغ قيمته ما يصاب من النعم مما يجوز في الضحايا , فقد سقط فرض الجزاء بالمثل من النعم عنه , وإنما عليه الجزاء بالإطعام أو الصيام ; هل بينك وبينه فرق من أصل أو نظير ؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
القول في تأويل قوله تعالى : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } يقول تعالى ذكره : يحكم بذلك الجزاء الذي هو مثل المقتول من الصيد من النعم عدلان منكم , يعني : فقيهان عالمان من أهل الدين والفضل . { هديا } يقول : يقضي بالجزاء ذوا عدل أن يهدى فيبلغ الكعبة . والهاء في قوله " يحكم به " عائدة على الجزاء , ووجه حكم العدلين إذا أرادا أن يحكما بمثل المقتول من الصيد من النعم على القاتل أن ينظرا إلى المقتول ويستوصفاه , فإن ذكر أنه أصاب ظبيا صغيرا حكما عليه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله في السن والجسم , فإن كان الذي أصاب من ذلك كبيرا حكما عليه من الضأن بكبير , وإن كان الذي أصاب حمار وحش حكما عليه ببقرة إن كان الذي أصاب كبيرا من البقر , وإن كان صغيرا فصغيرا , وإن كان المقتول ذكرا فمثله من ذكور البقر , وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى , ثم كذلك ينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من الصيد شبها من النعم فيحكمان عليه به كما قال تعالى . وبمثل الذي قلنا في ذلك , قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك بينهم . ذكر من قال ذلك بنحو الذي قلنا فيه : 9806 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا داود بن أبي هند , عن بكر بن عبد الله المزني , قال : كان رجلان من الأعراب محرمين , فأحاش أحدهما ظبيا فقتله الآخر , فأتيا عمر وعنده عبد الرحمن بن عوف , فقال له عمر : وما ترى ؟ قال : شاة . قال : وأنا أرى ذلك , اذهبا فأهديا شاة فلما مضيا , قال أحدهما لصاحبه : ما درى أمير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه . فسمعها عمر , فردهما فقال : هل تقرآن سورة المائدة ؟ فقالا : لا . فقرأها عليهما : { يحكم به ذوا عدل منكم } ثم قال : استعنت بصاحبي هذا . 9807 - حدثنا أبو كريب ويعقوب , قالا : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير , عن قبيصة بن جابر , قال : ابتدرت أنا وصاحب لي ظبيا في العقبة , فأصبته . فأتيت عمر بن الخطاب , فذكرت ذلك له , فأقبل على رجل إلى جنبه , فنظرا في ذلك . قال : فقال : اذبح كبشا ! قال يعقوب في حديثه : فقال لي اذبح شاة . فانصرفت فأتيت صاحبي , قلت : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول ! فقال صاحبي : انحر ناقتك ! فسمعها عمر بن الخطاب , فأقبل علي ضربا بالدرة , وقال : تقتل الصيد وأنت محرم وتغمص الفتيا ! إن الله تعالى يقول في كتابه : { يحكم به ذوا عدل منكم } هذا ابن عوف وأنا عمر . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن الشعبي , قال : أخبرني قبيصة بن جابر , بنحو ما حدث به عبد الملك . 9808 - حدثنا هناد وأبو هشام , قالا : ثنا وكيع , عن المسعودي , عن عبد الملك بن عمير , عن قبيصة بن جابر , قال : خرجنا حجاجا فكنا إذا صلينا الغداة , اقتدرنا رواحلنا نتماشى نتحدث . قال : فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح , فرماه رجل منا بحجر , فما أخطأ خششاءه , فركب ردعه ميتا . قال : فعظمنا عليه ; فلما قدمنا مكة , خرجت معه حتى أتينا عمر , فقص عليه القصة , قال : وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة - يعني عبد الرحمن بن عوف - فالتفت إلى صاحبه فكلمه ; قال : ثم أقبل على الرجل , قال : أعمدا قتلته أم خطأ ؟ قال الرجل : لقد تعمدت رميه , وما أردت قتله . فقال عمر : ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ , اعمد إلى شاة فاذبحها , وتصدق بلحمها , وأسق إهابها ! قال : فقمنا من عنده , فقلت : أيها الرجل عظم شعائر الله فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه , اعمد إلى ناقتك فانحرها ! ففعل ذاك . قال قبيصة : ولا أذكر الآية من سورة المائدة : { يحكم به ذوا عدل منكم } قال : فبلغ عمر مقالتي , فلم يفجأنا إلا ومعه الدرة , قال : فعلا صاحبي ضربا بالدرة , وجعل يقول : أقتلت في الحرم وسفهت الحكم ! قال : ثم أقبل علي فقلت : يا أمير المؤمنين , لا أحل لك اليوم شيئا يحرم عليك مني . قال : يا قبيصة بن جابر , إني أراك شاب السن فسيح الصدر بين اللسان , وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ , فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة , فإياك وعثرات الشباب ! 9809 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن مخارق , عن طارق , قال : . أوطأ أربد ضبا فقتله وهو محرم , فأتى عمر ليحكم عليه , فقال له عمر : احكم معي ! فحكما فيه جديا قد جمع الماء والشجر , ثم قال عمر : { يحكم به ذوا عدل منكم } . 9810 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا أصاب صيدا , فأتى ابن عمر فسأله عن ذلك وعنده عبد الله بن صفوان , فقال ابن عمر لابن صفوان : إما أن أقول فتصدقني , وإما أن تقول فأصدقك ! فقال ابن صفوان : بل أنت فقل ! فقال ابن عمر , ووافقه على ذلك عبد الله بن صفوان . 9811 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا هشام , عن ابن سيرين , عن شريح , أنه قال : لو وجدت حكما عدلا لحكمت في الثعلب جديا , وجدي أحب إلي من الثعلب . 9812 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن بكير , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن أبي مجلز : أن رجلا سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيدا وهو محرم , وعنده ابن صفوان , فقال له ابن عمر : إما أن تقول فأصدقك , أو أقول فتصدقني ! قال : قل وأصدقك . 9813 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا شعبة , عن منصور , عن أبي وائل , قال : أخبرني ابن جرير البجلي , قال : أصبت ظبيا وأنا محرم , فذكرت ذلك لعمر , فقال : ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك ! فأتيت عبد الرحمن وسعدا , فحكما علي تيسا أعفر . قال أبو جعفر : الأعفر : الأبيض . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن منصور بإسناده عن عمر , مثله . 9814 - حدثنا عبد الحميد , قال : أخبرنا إسحاق , عن شريك , عن أشعث بن سوار , عن ابن سيرين , قال : كان رجل على ناقة وهو محرم , فأبصر ظبيا يأوي إلى أكمة , فقال : لأنظر أنا أسبق إلى هذه الأكمة أم هذا الظبي ؟ فوقعت عنز من الظباء تحت قوائم ناقته فقتلتها . فأتى عمر , فذكر ذلك له , فحكم عليه هو وابن عوف عنزا عفراء . قال : وهي البيضاء . 9815 - يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن محمد : أن رجلا أوطأ ظبيا وهو محرم . فأتى عمر فذكر ذلك له وإلى جنبه عبد الرحمن بن عوف , فأقبل على عبد الرحمن فكلمه , ثم أقبل على الرجل , فقال : أهد عنزا عفراء ! 9816 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مغيرة , عن إبراهيم أنه كان يقول : ما أصاب المحرم من شيء لم يمض فيه حكومة , استقبل به , فيحكم فيه ذوا عدل . 9817 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثني وهب بن جرير , قال : ثنا شعبة , عن يعلى , عن عمرو بن حبشي قال : سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل أصاب ولد أرنب فقال : فيه ولد ماعز فيما أرى أنا . ثم قال لي : أكذاك ؟ فقلت : أنت أعلم مني . فقال : قال الله تعالى : { يحكم له ذوا عدل منكم } . 9818 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , وسهل بن يوسف , عن حميد , عن بكر : أن رجلين أبصرا ظبيا وهما محرمان , فتراهنا , وجعل كل واحد منهما لمن سبق إليه . فسبق إليه أحدهما , فرماه بعصاه فقتله . فلما قدما مكة , أتيا عمر يختصمان إليه وعنده عبد الرحمن بن عوف . فذكرا ذلك له , فقال عمر : هذا قمار , ولا أجيزه ! ثم نظر إلى عبد الرحمن , فقال : ما ترى ؟ قال : شاة . فقال عمر : وأنا أرى ذلك . فلما قفى الرجلان من عند عمر , قال أحدهما لصاحبه : ما درى عمر ما يقول حتى سأل الرجل ! فردهما عمر فقال : إن الله تعالى لم يرض بعمر وحده فقال : { يحكم به ذوا عدل منكم } وأنا عمر , وهذا عبد الرحمن بن عوف . وقال آخرون : بل ينظر العدلان إلى الصيد المقتول فيقومانه قيمته دراهم , ثم يأمران القاتل أن يشتري بذلك من النعم هديا . فالحاكمان في قول هؤلاء بالقيمة , وإنما يحتاج إليهما لتقويم الصيد قيمته في الموضع الذي أصابه فيه . وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي فيما مضى قبل أنه كان يقول : ما أصاب المحرم من شيء حكم فيه قيمته , وهو قول جماعة من متفقهة الكوفيين . وأما قوله : { هديا } فإنه مصدر على الحال من الهاء التي في قوله : { يحكم به } , وقوله : { بالغ الكعبة } من نعت الهدي وصفته . وإنما جاز أن ينعت به وهو مضاف إلى معرفة ; لأنه في معنى النكرة , وذلك أن معنى قوله : { بالغ الكعبة } يبلغ الكعبة , فهو وإن كان مضافا فمعناه التنوين ; لأنه بمعنى الاستقبال , وهو نظير قوله : { هذا عارض ممطرنا } فوصف بقوله : " ممطرنا " عارضا ; لأن في " ممطرنا " معنى التنوين ; لأن تأويله الاستقبال , فمعناه : هذا عارض يمطرنا , فكذلك ذلك في قوله : { هديا بالغ الكعبة } .الكعبة أو كفارة طعام
القول في تأويل قوله تعالى : { أو كفارة طعام مساكين } يقول تعالى ذكره : أو عليه كفارة طعام مساكين . والكفارة معطوفة على " الجزاء " في قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } واختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة : { أو كفارة طعام مساكين } بالإضافة . وأما قراء أهل العراق , فإن عامتهم قرءوا ذلك بتنوين الكفارة ورفع الطعام : { أو كفارة طعام مساكين } وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب , قراءة من قرأ بتنوين الكفارة ورفع الطعام , للعلة التي ذكرناها في قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { أو كفارة طعام مساكين } فقال بعضهم : معنى ذلك أن القاتل وهو محرم صيدا عمدا , لا يخلو من وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التي ذكر الله تعالى من مثل المقتول هديا بالغ الكعبة , أو طعام مسكين كفارة لما فعل , أو عدل ذلك صياما ; لأنه مخير في أي ذلك شاء فعل , . أنه بأيها كان كفر فقد أدى الواجب عليه ; وإنما ذلك إعلام من الله تعالى عباده أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرج حكمه من إحدى الخلال الثلاثة . قالوا : فحكمه إن كان على المثل قادرا أن يحكم عليه بمثل المقتول من النعم , لا يجزيه غير ذلك ما دام للمثل واجدا . قالوا : فإن لم يكن له واجدا , أو لم يكن للمقتول مثل من النعم , فكفارته حينئذ إطعام مساكين . ذكر من قال ذلك : 9819 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره } قال : إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه , فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة . فإن لم يجدها , فإطعام ستة مساكين . فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام . وإن قتل أيلا أو نحوه , فعليه بقرة . فإن لم يجد , أطعم عشرين مسكينا , فإن لم يجد صام عشرين يوما . وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه , فعليه بدنة من الإبل . فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا , فإن لم يجد صام ثلاثين يوما . والطعام مد مد يشبعهم . 9820 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } إلى قوله : { يحكم به ذوا عدل منكم } فالكفارة من قتل ما دون الأرنب إطعام . 9821 - حدثنا هناد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال : إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم , فإن وجد جزاء ذبحه فتصدق به , وإن لم يجد جزاءه قوم الجزاء دراهم , ثم قومت الدراهم حنطة , ثم صام مكان كل صاع يوما . قال : إنما أريد بالطعام : الصوم , فإذا وجد طعاما وجد جزاء . 9822 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن , عن زهير , عن جابر , عن عطاء ومجاهد وعامر : { أو عدل ذلك صياما ليذوق } قال : إنما الطعام لمن لم يجد الهدي . 9823 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مغيرة , عن إبراهيم أنه كان يقول : إذا أصاب المحرم شيئا من الصيد عليه جزاؤه من النعم , فإن لم يجد قوم الجزاء دراهم , ثم قومت الدراهم طعاما , ثم صام لكل نصف صاع يوما . 9824 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن حماد , قال : إذا أصاب المحرم الصيد فحكم عليه , فإن فضل منه ما لا يتم نصف صاع صام له يوما , ولا يكون الصوم إلا على من لم يجد ثمن هدي فيحكم عليه الطعام . فإن لم يكن عنده طعام يتصدق به , حكم عليه الصوم , فصام مكان كل نصف صاع يوما . { كفارة طعام مساكين } قال : فيما لا يبلغ ثمن هدي . { أو عدل ذلك صياما } من الجزاء إذا لم يجد ما يشتري به هديا , أو ما يتصدق به , مما لا يبلغ ثمن هدي , حكم عليه الصيام مكان كل نصف صاع يوما . 9825 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قال مجاهد : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : عليه من النعم مثله هديا بالغ الكعبة , ومن لم يجد ابتاع بقيمته طعاما , فيطعم كل مسكين مدين , فإن لم يجد صام عن كل مدين يوما . 9826 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ومن قتله منكم متعمدا } إلى قوله : { ومن عاد فينتقم الله منه } قال : إذا قتل صيدا فعليه جزاؤه مثل ما قتل من النعم , فإن لم يجد ما حكم عليه قوم الفداء كم هو درهما , وقدر ثمن ذلك بالطعام على المسكين , فصام عن كل مسكين يوما , ولا يحل طعام المسكين ; لأن من وجد طعام المسكين فهو يجد الفداء . 9827 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا أبو عاصم , عن ابن جريج , قال : قال لي الحسن بن مسلم : من أصاب الصيد مما جزاؤه شاة , فذلك الذي قال الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } وما كان من كفارة طعام مسكين مثل العصفورة يقتل ولا يبلغ أن يكون فيه هدي { أو عدل ذلك صياما } قال عدل النعامة أو العصفور , أو عدل ذلك كله . فذكرت ذلك لعطاء , فقال : كل شيء في القرآن " أو أو " , فلصاحبه أن يختار ما شاء . 9828 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا سفيان بن حسين , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , في قوله { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فإن لم يجد جزاء , قوم عليه الجزاء طعاما ثم صاع لكل صاع يومين . وقال آخرون : معنى ذلك : أن للقاتل صيدا عمدا وهو محرم الخيار بين إحدى الكفارات الثلاث وهي الجزاء بمثله من النعم والطعام والصوم . قالوا : وإنما تأويل قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } فعليه أن يجزي بمثله من النعم , أو يكفر بإطعام مساكين أو بعدل الطعام من الصيام . ذكر من قال ذلك : 9829 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء , في قول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم له ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } قال : إن أصاب إنسان محرم نعامة , فإن له إن كان ذا يسار أن يهدي ما شاء جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما . قال : كل شيء في القرآن " أو أو " , فليختر منه صاحبه ما شاء . 9830 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حجاج , عن عطاء , في قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } قال : " ما كان في القرآن أو كذا أو كذا " , فصاحبه فيه بالخيار , أي ذلك شاء فعل . 9831 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أسباط وعبد الأعلى , عن داود , عن عكرمة , قال : ما كان في القرآن " أو أو " , فهو فيه بالخيار , وما كان " فمن لم يجد " فالأول , ثم الذي يليه . 9832 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حفص , عن عمرو , عن الحسن , مثله . 9833 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا ليث , عن عطاء ومجاهد , أنهما قالا في قوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } قالا : ما كان في القرآن " أو كذا أو كذا " , فصاحبه فيه بالخيار أي ذلك شاء فعل . 9834 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك : ما كان في القرآن " أو كذا أو كذا " , فصاحبه فيه بالخيار , أي ذلك شاء فعل . 9834 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا أبو حمزة , عن الحسن . قال : وأخبرنا عبيدة , عن إبراهيم قالا : كل شيء في القرآن " أو أو " , فهو بالخيار , أي ذلك شاء فعل . 9836 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص , عن ليث , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : كل شيء في القرآن " أو أو " فصاحبه مخير فيه , وكل شيء فمن لم يجد فالأول , ثم الذي يليه . واختلف القائلون بتخيير قاتل الصيد من المحرمين بين الأشياء الثلاثة في صفة اللازم له من التكفير بالإطعام والصوم إذا اختار الكفارة بأحدهما دون الهدي , فقال بعضهم : إذا اختار التكفير بذلك , فإن الواجب عليه أن يقوم المثل من النعم طعاما , ثم يصوم مكان كل مد يوما ذكر من قال ذلك : 9837 - حدثنا هناد , قال : أخبرنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قلت لعطاء : ما { أو عدل ذلك صياما } ؟ قال : إن أصاب ما عدله شاة أقيمت الشاة طعاما , ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه . وقال آخرون : بل الواجب عليه إذا أراد التكفير بالإطعام أو الصوم , أن يقوم الصيد المقتول طعاما , ثم يتصدق بالطعام إن اختار الصدقة , وإن اختار الصوم صام . ثم اختلفوا أيضا في الصوم , فقال بعضهم : يصوم لكل مد يوما . وقال آخرون : يصوم مكان كل نصف صاع يوما . وقال آخرون : يصوم مكان كل صاع يوما . ذكر من قال : المتقوم لإطعام هو الصيد المقتول : 9838 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا شعبة , عن قتادة : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد } الآية , قال : كان قتادة يقول : يحكمان في النعم , فإن كان ليس صيده ما يبلغ ذلك , نظروا ثمنه فقوموه طعاما , ثم صام مكان كل صاع يومين . وقال آخرون : لا معنى للتكفير بالإطعام ; لأن من وجد سبيلا إلى التكفير بالإطعام , فهو واجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا , ومن وجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا لم يجزه التكفير بغيره . قالوا : وإنما ذكر الله تعالى ذكره الكفارة بالإطعام في هذا الموضع ليدل على صفة التكفير بالصوم لا أنه جعل التكفير بالإطعام إحدى الكفارات التي يكفر بها قتل الصيد , وقد ذكرنا تأويل ذلك فيما مضى قبل . وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } أن يكون مرادا به : فعلى قاتله متعمدا مثل الذي قتل من النعم , لا القيمة إن اختار أن يجزيه بالمثل من النعم ; وذلك أن القيمة إنما هي من الدنانير أو الدراهم أو الدنانير ليست للصيد بمثل , والله تعالى إنما أوجب الجزاء مثلا من النعم . وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله . { أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } أن يكون تخييرا , وأن يكون للقاتل الخيار في تكفيره بقتله الصيد وهو محرم بأي هذه الكفارات الثلاث شاء ; لأن الله تعالى جعل ما أوجب في قتل الصيد من الجزاء والكفارة عقوبة لفعله , وتكفيرا لذنبه في إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حراما عليه إتلافه في حال إحرامه , وقد كان حلالا له قبل حال إحرامه , كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه , وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه , ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد , ثم جعل عليه إن حلقه جزاء من حلقه إياه , فأجمع الجميع على أنه في حلقه إياه إذا حلقه من إيذائه مخير في تكفيره , فعليه ذلك بأي الكفارات الثلاث شاء , فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من المحرمين , وأنه مخير في تكفيره قتله الصيد بأي الكفارات الثلاث شاء , لا فرق بين ذلك . ومن أبى ما قلنا فيه , قيل له : حكم الله تعالى على قاتل الصيد بالمثل من النعم , أو كفارة طعام مساكين ; أو عد
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 4 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ |
---|
المائدة: 95 | ﴿عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ |
---|
ابراهيم: 47 | ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ |
---|
الزمر: 37 | ﴿وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّـهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
فجزاء مثل:
قرئ:
1- بالتنوين ورفع «مثل» ، على الوصفية، وهى قراءة الكوفيين.
2- فجزاؤه، ورفع «مثل» ، على الابتداء والخبر، وهى قراءة عبد الله.
3- بالرفع والإضافة إلى «مثل» ، وهى قراءة باقى السبعة.
4- بالرفع والتنوين، ونصب «مثل» ، وهى قراءة السلمى.
5- بنصب «جزاء» و «مثل» ، وهى قراءة محمد بن مقاتل.
النعم:
وقرئ:
بسكون العين، تخفيف، وهى قراءة الحسن.
أو كفارة طعام:
قرئ:
1- بالإضافة، وهى قراءة الصاحبين.
2- بالتنوين ورفع «طعام» ، وهى قراءة باقى السبعة، والأعرج، وعيسى بن عمر.
مساكين:
وقرئ:
مسكين، بالإفراد، على أنه اسم جنس، وهى قراءة الأعرج، وعيسى بن عمر، وقد مرت قراءتهما فى «أو كفارة طعام» .