ترتيب المصحف | 24 | ترتيب النزول | 102 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 9.70 |
عدد الآيات | 64 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 16 | تبدأ في الجزء | 18 |
تنتهي في الجزء | 18 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 6/21 | _ |
= ثُمَّ بَيَّنَ أعمالَ هؤلاءِ الَّذينَ هداهم اللهُ وجَزَاءَهم، ثُمَّ بَيَّنَ حالَ أضدادِهم من الكُفَّارِ، وضَربَ لهم ولأعمالِهم مَثَلَينِ: كسرابٍ، أو كظلماتٍ في بحرٍ عميقٍ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ بيانِ حالِ المؤمنينَ وحالِ الكافرينَ أتبعَ ذلك ببيانِ أدلَّةِ التَّوحيدِ والقدرةِ، فذكرَ منها أربعةً: تسبيحُ المخلوقاتِ، وإنزالُ الأمطارِ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
أي:يسبح فيها الله، رجال، وأي:رجال، ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا، ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه،{ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ} وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض، فيكون قوله:{ وَلَا بَيْعٌ} من باب عطف الخاص على العام، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره، فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك، لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على{ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.ولما كان ترك الدنيا شديدا على أكثر النفوس، وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوبا لها، ويشق عليها تركه في الغالب، وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك، ذكر ما يدعوها إلى ذلك -ترغيبا وترهيبا- فقال:{ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} من شدة هوله وإزعاجه للقلوب والأبدان، فلذلك خافوا ذلك اليوم، فسهل عليهم العمل، وترك ما يشغل عنه
وقوله- تعالى-: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مدح وتكريم لهؤلاء الرجال.
أى: يسبح لله- تعالى- في تلك المساجد بالغدو والآصال، رجال من شأنهم ومن صفاتهم، أنهم لا يشغلهم، «تجارة» مهما عظمت، «ولا بيع» ، مهما اشتدت حاجتهم إليه «عن ذكر الله» أى: عن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتمجيده وطاعته.
ولا تشغلهم- أيضا- هذه التجارات والبيوع عن «إقام الصلاة» في مواقيتها بخشوع وإخلاص، وعن «إيتاء الزكاة» للمستحقين لها. وذلك لأنهم «يخافون يوما» هائلا شديدا هو يوم القيامة الذي «تتقلب فيه القلوب والأبصار» أى تضطرب فيه القلوب والأبصار فلا تثبت من شدة الهول والفزع.
وقوله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ، كقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [ المنافقون : 9 ] ، وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) [ الجمعة : 9 ]
يقول تعالى : لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وريحها ، عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم; لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق; ولهذا قال : ( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) أي : يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم .
قال هشيم : عن سيار : [ قال ] حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق ، حيث نودي بالصلاة ، تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال عبد الله : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) .
وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر الصنعاني ، حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الله بن بجير ، حدثنا أبو عبد رب قال : قال أبو الدرداء ، رضي الله عنه : إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه ، أربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد ، أما إني لا أقول : " إن ذلك ليس بحلال " ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) .
وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد ، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم ، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ، فتلا سالم هذه الآية : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ثم قال : هم هؤلاء .
وكذا قال سعيد بن أبي الحسن ، والضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها .
وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون ، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه ، وأقبل إلى الصلاة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) يقول : عن الصلاة المكتوبة . وكذا قال الربيع بن أنس ومقاتل بن حيان .
وقال السدي : عن الصلاة في جماعة .
وعن مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة ، وأن يقيموها كما أمرهم الله ، وأن يحافظوا على مواقيتها ، وما استحفظهم الله فيها .
وقوله : ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) أي : يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار ، أي : من شدة الفزع وعظمة الأهوال ، كما قال تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) [ غافر : 18 ] ، وقال تعالى : ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ إبراهيم : 42 ] ، وقال تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) [ الإنسان : 8 - 12 ] .
وقوله: ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: لا يشغل هؤلاء الرجال الذين يصلون في هذه المساجد، التي أذن الله أن ترفع، عن ذكر الله فيها وإقام الصلاة - تجارة ولا بيع.
كما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن رجل نسي اسمه في هذه الآية: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) ... إلى قوله: ( وَالأبْصَارُ ) قال: هم قوم في تجاراتهم وبيوعهم؛ لا تلهيهم تجاراتهم، ولا بيوعهم عن ذكر الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله أنه نظر إلى قوم من السوق، قاموا وتركوا بياعاتهم إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه ( لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) ... الآية.
قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن سيار، عمن حدثه، عن ابن مسعود، نحو ذلك.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن سيار، قال: حُدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق حيث نودي بالصلاة، تركوا بياعاتهم، ونهضوا إلى الصلاة، فقال عبد الله: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه (لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ).
وقال بعضهم: معنى ذلك: ( لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ ) عن صلاتهم المفروضة عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ثم قال: ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) يقول: عن الصلاة المكتوبة.
قوله: ( وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) يقول: ولا يشغلهم ذلك أيضا عن إقام الصلاة بحدودها في أوقاتها.
وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد، قال: ثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، عن رجل نسي عوف اسمه في ( وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) قال: يقومون للصلاة عند مواقيت الصلاة.
فإن قال قائل: أوليس قوله: ( وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) مصدرا من قوله: أقمت؟ قيل: بلى.فإن قال: أوليس المصدر منه إقامة، كالمصدر من آجرت إجارة؟ قيل: بلى. فإن قال: وكيف قال: ( وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) أو تجيز أن نقول: أقمت إقاما؟ قيل: ولكني أجيز أعجبني إقام الصلاة. فإن قيل: وما وجه جواز ذلك؟ قيل: إن الحكم في أقمت إذا جعل منه مصدر أن يقال: إقواما، كما يقال: أقعدت فلانا إقعادا، وأعطيته إعطاء. ولكن العرب لما سكنت الواو من أقمت فسقطت لاجتماعها، وهي ساكنة، والميم وهي ساكنة، بنوا المصدر على ذلك، إذ جاءت الواو ساكنة قبل ألف الإفعال وهي ساكنة، فسقطت الأولى منهما، فأبدلوا منها هاء في آخر الحرف كالتكثير للحرف، كما فعلوا ذلك في قولهم: وعدته عدة، ووزنته زنة، إذ ذهبت الواو من أوّله، كثروه من آخره بالهاء; فلما أضيفت الإقامة إلى الصلاة، حذفوا الزيادة التي كانوا زادوها للتكثير وهي الهاء في آخرها؛ لأن الخافض وما خفض عندهم كالحرف الواحد، فاستغنوا بالمضاف إليه من الحرف الزائد، وقد قال بعضهم في نظير ذلك:
إنَّ الخَـلِيطَ أجَـدُّوا البَيْـنَ فـانجَرَدُوا
وأخْـلَفُوكَ عـدَى الأمْـرِ الَّذِي وَعَدُوا (3)
يريد: عدة الأمر. فأسقط الهاء من العدة لما أضافها، فكذلك ذلك في إقام الصلاة.
وقوله ( وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ) قيل: معناه وإخلاص الطاعة لله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، وقوله: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، وقوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ، وقوله: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً ونحو هذا في القرآن، قال: يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص، وقوله: ( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ ) يقول: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب من هوله بين طمع بالنجاة، وحذر بالهلاك، والأبصار: أي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين أم ذات الشمال، ومن أين يؤتون كتبهم، أمن قبل الأيمان، أو من قبل الشمائل؟ وذلك يوم القيامة.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الله بن عياش، قال زيد بن أسلم في قول الله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) ... إلى قوله: ( تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ ) : يوم القيامة.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب وهو في ( اللسان : وعد ) قال : وقال الفراء : وعدت عدة ، ويحذفون الهاء إذا أضافوا وأنشد : " إن الخليط .. . " البيت . وقال ابن الأنباري وغيره : الفراء يقول : عدة وعدى وأنشد : " و أخلفوك عدى .. . " البيت . وقال : أراد : عدة الأمر ، فحذف الهاء عند الإضافة ، قال : ويكتب بالياء . وقال الجوهري : والعدة الوعد ، والهاء عوض من الواو . والخليط : اسم لمن يخالطك بجوار أو قرابة أو عمل أو نحوه . وأجدوا البين : أسرعوا في الفراق ، واجتهدوا فيه . وانجردوا : أسرعوا وشمروا والشاهد في البيت عند المؤلف أن الهاء في عدة ونحوها تحذف منها عند الإضافة استغناء عنها بالمضاف إليه عن الحرف الزائد .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 91 | ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ |
---|
النور: 37 | ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ |
---|
المنافقون: 9 | ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تتقلب:
وقرئ:
تقلب، بإدغام التاء، وهى قراءة ابن محيصن.
التفسير :
{ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} والمراد بأحسن ما عملوا:أعمالهم الحسنة الصالحة، لأنها أحسن ما عملوا، لأنهم يعملون المباحات وغيرها، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن، كقوله تعالى:{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ}{ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} زيادة كثيرة عن الجزاء المقابل لأعمالهم،{ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} بل يعطيه من الأجر ما لا يبلغه عمله، بل ولا تبلغه أمنيته، ويعطيه من الأجر بلا عد ولا كيل، وهذا كناية عن كثرته جدا.
ثم بين- سبحانه- الأسباب التي حملتهم على الإكثار من هذه الطاعات فقال:
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
أى: إنهم يكثرون من تسبيح الله بالغدو والآصال، دون أن يشغلهم عن ذلك أى شاغل، لأنهم يرجون منه- سبحانه- أن يجزيهم أحسن الجزاء على أعمالهم، وأن يزيدهم من فضله وإحسانه، بما يليق بكرمه وامتنانه.
«والله» - تعالى- «يرزق من يشاء» أن يرزقه «بغير حساب» أى: بدون حدود، ولا قيود، وبدون حصر لما يعطيه، لأن خزائنه لا تنقص ولا تنفد، حتى يحتاج إلى عد وحساب لما يخرج منها.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به التقرير للزيادة التي يتطلع إليها هؤلاء الرجال الصالحون، ووعد منه- عز وجل- بأنه سيرزقهم رزقا يزيد عما يتوقعونه.
وبذلك نرى الآيات قد طوفت بنا مع نور الله- عز وجل- ومثلت له بما من شأنه أن يجعل النفوس يشتد استمساكها بالحق الذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عند ربه، ومدحت مدحا عظيما أولئك الرجال الأخيار، الذين يكثرون من طاعة الله- تعالى- في بيوته
وقال هاهنا ( ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ) أي : هؤلاء من الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم .
وقوله : ( ويزيدهم من فضله ) أي : يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم ، كما قال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] ، وقال تعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) [ الأنعام : 160 ] ، وقال ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ البقرة : 245 ] ، وقال ( والله يضاعف لمن يشاء ) [ البقرة : 261 ] كما قال هاهنا : ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
وعن ابن مسعود : أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحدا واحدا ، فكلهم لم يشربه لأنه كان صائما ، فتناوله ابن مسعود وكان مفطرا فشربه ، ثم تلا قوله تعالى ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) ، رواه النسائي ، وابن أبي حاتم ، من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عنه .
وقال [ ابن أبي حاتم ] أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم ، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله . فيقومون ، وهم قليل ، ثم يحاسب سائر الخلائق " .
وروى الطبراني ، من حديث بقية ، عن إسماعيل بن عبد الله الكندي ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ) [ فاطر : 30 ] قال : ( أجورهم ) يدخلهم الجنة ( ، ويزيدهم من فضله ) ، الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة ، لمن صنع لهم المعروف في الدنيا .
وقوله: ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ) يقول: فعلوا ذلك، يعني أنهم لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا ربهم؛ مخافة عذابه يوم القيامة، كي يثيبهم الله يوم القيامة بأحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا، ويزيدهم على ثوابه إياهم على أحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا من فضله، فَيُفْضل عليهم عن عنده بما أحبّ من كرامته لهم.وقوله: ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول تعالى ذكره: يتفضل على من شاء وأراد من طوْله وكرامته، مما لم يستحقه بعمله، ولم يبلغه بطاعته ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ، يقول: بغير محاسبة على ما بذل له وأعطاه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 37 | ﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ |
---|
البقرة: 212 | ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ |
---|
النور: 38 | ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّـهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذان مثلان، ضربهما الله لأعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسر عامليها منها فقال:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا} بربهم وكذبوا رسله{ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} أي:بقاع، لا شجر فيه ولا نبت.
{ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} شديد العطش، الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره، بسبب ما معه من العطش، وهذا حسبان باطل، فيقصده ليزيل ظمأه،{ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} فندم ندما شديدا، وازداد ما به من الظمأ، بسبب انقطاع رجائه، كذلك أعمال الكفار، بمنزلة السراب، ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الأمور، أعمالا نافعة، فيغره صورتها، ويخلبه خيالها، ويحسبها هو أيضا أعمالا نافعة لهواه، وهو أيضا محتاج إليها بل مضطر إليها، كاحتياج الظمآن للماء، حتى إذ قدم على أعماله يوم الجزاء، وجدها ضائعة، ولم يجدها شيئا، والحال إنه لم يذهب، لا له ولا عليه، بل{ وجد اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} لم يخف عليه من عمله نقير ولا قطمير، ولن يعدم منه قليلا ولا كثيرا،{ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بد من إتيانه، ومثلها الله بالسراب الذي بقيعة، أي:لا شجر فيه ولا نبات، وهذا مثال لقلوبهم، لا خير فيها ولا بر، فتزكو فيها الأعمال وذلك للسبب المانع، وهو الكفر.
أى: والذين كفروا بالحق لما جاءهم: أعمالهم الصالحة في الدنيا التي يتوقعون الخير من ورائها، تكون بالنسبة لهم يوم القيامة، كسراب كائن في صحراء واسعة، «يحسبه الظمآن ماء» .
أى: يظن الشخص الذي اشتد به العطش أنه ماء.
وخص- سبحانه- هذا الحسبان بالظمآن، مع أن كل من يراه يظنه ماء لأن هذا الذي اشتد به العطش أشد حرصا على طلبه من غيره، فالتشبيه به أتم وأكمل.
و «حتى» في قوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً غاية لمحذوف، والتقدير: هذا السراب يظنه الظمآن ماء فيسرع نحوه، حتى إذا ما وصل إليه، لم يجد ما حسبه ماء وعلق عليه آماله شيئا أصلا، لا ماء ولا غيره.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد شبه ما يعمله الكافرون من أعمال البر في الدنيا، التي يظنونها نافعة لهم- شبه هذه الأعمال من حيث خيبة أملهم فيها بسراب يحسبه الظمآن ماء، فيذهب إليه ليروى عطشه، فإذا ما وصل إليه لم يجده شيئا، فيخيب أمله، وتشتد حسرته.
قال الإمام الرازي: فإن قيل: قوله: «حتى إذا جاءه» يدل على كونه شيئا، وقوله:
«لم يجده شيئا» مناقض له؟
قلنا: الجواب عنه من وجوه ثلاثة: الأول: المراد معناه أنه لم يجد شيئا نافعا، كما يقال:
فلان ما عمل شيئا وإن كان قد اجتهد الثاني: حتى إذا جاءه أى: جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا، فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه. الثالث: الكناية للسراب، لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة كأنه ضباب وهباء، وإذا قرب منه رق وانتثر وصار كالهواء، .
وقوله- سبحانه-: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ معطوف على جملة «لم يجده» فهو داخل التشبيه أى: ووجد الظمآن حكم الله- تعالى- وقضاءه فيه عند السراب، فوفاه- سبحانه- حسابه الذي يستحقه كاملا غير منقوص.
وفي هذه الجملة الكريمة من التصوير المرعب للكافر ما فيها. حيث شبهته بالظمآن الذي ذهب مسرعا ليروى ظمأه مما ظنه ماء فلما وصل إليه لم يجد ماء، وإنما وجد الله- تعالى- الذي كفر به وجحد وحدانيته- عنده، فوفاه حسابه الذي يستحقه من العذاب بدلا من وجود الماء الذي أتعب نفسه في السعى إليه.
«والله» - تعالى- «سريع الحساب» ، لأنه لا يشغله حساب عن حساب ولا عمل عن عمل، بل حساب الناس جميعا عنده- عز وجل- كحساب النفس الواحدة.
هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار ، كما ضرب للمنافقين في أول " البقرة " مثلين ناريا ومائيا ، وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة " الرعد " مثلين مائيا وناريا ، وقد تكلمنا على كل منها في موضعه بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد والمنة .
فأما الأول من هذين المثلين : فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم ، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات ، وليسوا في نفس الأمر على شيء ، فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام . والقيعة : جمع قاع ، كجار وجيرة . والقاع أيضا : واحد القيعان ، كما يقال : جار وجيران . وهي : الأرض المستوية المتسعة المنبسطة ، وفيه يكون السراب ، وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار . وأما الآل فإنما يكون أول النهار ، يرى كأنه ماء بين السماء والأرض ، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء ، حسبه ماء فقصده ليشرب منه ، فلما انتهى إليه ( لم يجده شيئا ) ، فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا ، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ، ونوقش على أفعاله ، لم يجد له شيئا بالكلية قد قبل ، إما لعدم الإخلاص ، وإما لعدم سلوك الشرع ، كما قال تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) [ الفرقان : 23 ] .
وقال هاهنا : ( ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) . وهكذا روي عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة وغير واحد .
وفي الصحيحين : أنه يقال يوم القيامة لليهود : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : كنا نعبد عزير ابن الله . فيقال : كذبتم ، ما اتخذ الله من ولد ، ماذا تبغون؟ فيقولون : أي ربنا ، عطشنا فاسقنا . فيقال : ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فينطلقون فيتهافتون فيها .
وهذا مثل ضربه الله لأعمال أهل الكفر به، فقال: والذين جحدوا توحيد ربهم وكذّبوا بهذا القرآن، وبمن جاء به مَثَلُ أعمالهم التي عملوها( كسراب ) يقول: مثل سراب، والسراب ما لصق بالأرض، وذلك يكون نصف النهار، وحين يشتدّ الحرّ والآل، ما كان كالماء بين السماء والأرض، وذلك يكون أوّل النهار، يرفع كلّ شيء ضحى. وقوله: ( بقيعة ) وهي جمع قاع، كالجيرة جمع جار، والقاع: ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب. وقوله: ( يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ) يقول: يظن العطشان من الناس السراب ماء ( حَتَّى إِذَا جَاءَهُ ) والهاء من ذكر السراب، والمعنى: حتى إذا جاء الظمآنُ السرابَ ملتمسا ماءً، يستغيث به من عطشه ( لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) يقول: لم يجد السراب شيئا، فكذلك الكافرون بالله من أعمالهم التي عملوها في غرور، يحسبون أنها منجيتهم عند الله من عذابه، كما حسب الظمآن الذي رأى السراب فظنه ماء يُرويه من ظمئه، حتى إذا هلك وصار إلى الحاجة إلى عمله الذي كان يرى أنه نافعه عند الله، لم يجده ينفعه شيئا; لأنه كان عمله على كفر بالله، ووجد الله، هذا الكافرُ عند هلاكه بالمرصاد، فوفاه يوم القيامة حساب أعماله التي عملها في الدنيا، وجازاه بها جزاءه الذي يستحقه عليه منه.
فإن قال قائل: وكيف قيل: ( حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) فإن لم يكن السراب شيئا، فعلام أدخلت الهاء في قوله: ( حَتَّى إِذَا جَاءَهُ ) ؟ قيل: إنه شيء يرى من بعيد كالضباب، الذي يرى كثيفا من بعيد، والهباء، فإذا قرب منه المرء، رقّ وصار كالهواء. وقد يحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب؛ لم يجد السراب شيئا، فاكتفى بذكر السراب من ذكر موضعه، ( وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) يقول والله سريع حسابه; لأنه تعالى ذكره لا يحتاج إلى عقد أصابع، ولا حفظ بقلب، ولكنه عالم بذلك كله قبل أن يعمله العبد، ومن بعد ما عمله.
وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، قال: ثم ضرب مثلا آخر، فقال: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) قال: وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة، وهو يحسب أن له عند الله خيرا فلا يجد، فيُدخله النار.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، بنحوه.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) يقول: الأرض المستوية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) ... إلى قوله: ( وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) قال: هو مثل ضربه الله لرجل عطش فاشتدّ عطشه، فرأى سرابا فحسبه ماء، فطلبه وظنّ أنه قد قدر عليه، حتى أتاه، فلما أتاه لم يجده شيئا، وقبض عند ذلك، يقول الكافر كذلك، يحسب أن عمله مغن عنه، أو نافعه شيئا، ولا يكون آتيًا على شيء حتى يأتيه الموت، فإذا أتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئا، ولم ينفعه إلا كما نفع العطشانَ المشتدّ إلى السرابِ.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) قال: بقاعٍ من الأرض، والسراب: عمله، زاد الحارث في حديثه عن الحسن: والسراب: عمل الكافر ( إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) إتيانه إياه: موته، وفراقه الدنيا( وَوَجَدَ اللَّهَ ) عند فراقه الدنيا، ( فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ).
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتَادة، في قوله: ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) قال: بقيعة من الأرض ( يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ) هو مثل ضربه الله لعمل الكافر، يقول: يحسب أنه في شيء، كما يحسب هذا السراب ماء ( حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) وكذلك الكافر إذا مات لم يجد عمله شيئا( وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) ... إلى قوله: ( وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ ) قال: هذا مثل ضربه الله للذين كفروا( أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) قد رأى السراب، ووثق بنفسه أنه ماء، فلما جاءه لم يجده شيئا، قال: وهؤلاء ظنوا أن أعمالهم صالحة، وأنهم سيرجعون منها إلى خير، فلم يرجعوا منها إلا كما رجع صاحب السراب، فهذا مثل ضربه الله جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
ابراهيم: 18 | ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ |
---|
النور: 39 | ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
بقيعة:
وقرئ:
بقيعات، جمع «قيعة» ، وهى قراءة مسلمة بن محارب.
الظمآن:
وقرئ:
الظمان، بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم، وهى قراءة شيبة، وأبى جعفر، ونافع، بخلاف عنهما.
التفسير :
والمثل الثاني، لبطلان أعمال الكفار{ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} بعيد قعره، طويل مداه{ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} ظلمة البحر اللجي، ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة، ثم فوق ذلك، ظلمة السحب المدلهمة، ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم، فاشتدت الظلمة جدا، بحيث أن الكائن في تلك الحال{ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مع قربها إليه، فكيف بغيرها، كذلك الكفار، تراكمت على قلوبهم الظلمات، ظلمة الطبيعة، التي لا خير فيها، وفوقها ظلمة الكفر، وفوق ذلك، ظلمة الجهل، وفوق ذلك، ظلمة الأعمال الصادرة عما ذكر، فبقوا في الظلمة متحيرين، وفي غمرتهم يعمهون، وعن الصراط المستقيم مدبرين، وفي طرق الغي والضلال يترددون، وهذا لأن الله تعالى خذلهم، فلم يعطهم من نوره،{ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} لأن نفسه ظالمة جاهلة، فليس فيها من الخير والنور، إلا ما أعطاها مولاها، ومنحها ربها. يحتمل أن هذين المثالين، لأعمال جميع الكفار، كل منهما، منطبق عليها، وعددهما لتعدد الأوصاف، ويحتمل أن كل مثال، لطائفة وفرقة. فالأول، للمتبوعين، والثاني، للتابعين، والله أعلم.
وقوله- تعالى-: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، يَغْشاهُ مَوْجٌ، مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ مثال آخر لأعمال الكافرين التي لا ينتفعون بها مع أنهم يعتقدون أنها ستنفعهم.
فحرف «أو» للتقسيم، وما بعدها معطوف على قوله- سبحانه- قبل ذلك، «كسراب بقيعة» .
والمعنى: أو أن الأعمال الحسنة في الدنيا لهؤلاء الكافرين، مثلها- من حيث خلوها عن نور الحق وعن النفع- كمثل «ظلمات» كثيفة «في بحر لجي» أى: عميق الماء كثيره، من اللج وهو معظم ماء البحر.
«يغشاه موج» أى: هذا البحر اللجى. يغطيه ويستره ويعلوه موج عظيم «من فوقه موج» آخر أشد منه «من فوقه سحاب» أى: من فوق تلك الأمواج الهائلة الشديدة، سحاب كثيف متراكم قائم.
«ظلمات بعضها فوق بعض» أى: هذه الأمواج المتلاطمة، وتحتها البحر العميق المظلم، وفوقها السحب الفاتحة الداكنة، هي ظلمات بعضها فوق بعض، «إذا أخرج يده لم يكد يراها» أى: إذا أخرج الواقع في تلك الظلمات يده التي هي جزء منه، لم يكد يراها من شدة تراكم الظلمات.
قال الآلوسى: «إذا أخرج» أى: من ابتلى بهذه الظلمات «يده» وجعلها بمرأى منه، قريبة من عينيه لينظر إليها «لم يكد يراها» أى: لم يقرب من رؤيتها، وهي أقرب شيء إليه، فضلا عن أن يراها.. .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
والمعنى: وأى إنسان لم يشأ الله- تعالى- أن يجعل له نورا يهديه إلى الصراط المستقيم فما لهذا الإنسان من نور يهديه إلى الحق والخير، من أى مخلوق كائنا من كان، إذ أن الذي يملك منح النور الهادي إنما هو الله- تعالى- وحده.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين ما ملخصه: هذان مثلان ضربهما الله- تعالى- لنوعى الكفار، فأما المثال الأول، فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات وليسوا في نفس الأمر على شيء «فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام.
وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب- أى الذين يعتقدون الباطل ويزعمون أنه الحق- والمثال الثاني لأصحاب الجهل البسيط، وهم الأغشام والمقلدون لأئمة الكفر فمثلهم كما قال- تعالى-: «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ..» .
وبعد أن أورد- سبحانه- هذين المثلين للذين كفروا وأعمالهم، أتبع ذلك ببيان أن الكون كله يسبح بحمد الله- تعالى- وأن الكون كله في ملكه وقبضته، فقال- تعالى-:
وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب . فأما أصحاب الجهل البسيط ، وهم الطماطم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر ، الصم البكم الذين لا يعقلون ، فمثلهم كما قال تعالى : ( أو كظلمات في بحر لجي ) : قال قتادة : وهو العميق . ( يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ) أي : لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام ، فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي لا يدري أين يذهب ، ولا [ هو ] يعرف حال من يقوده ، بل كما يقال في المثل للجاهل : أين تذهب؟ قال : معهم . قيل : فإلى أين يذهبون؟ قال : لا أدري .
وقال العوفي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : ( يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ) يعني بذلك : الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر ، وهي كقوله : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) [ البقرة : 7 ] ، وكقوله : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) [ الجاثية : 23 ] .
وقال أبي بن كعب في قوله : ( ظلمات بعضها فوق بعض ) فهو يتقلب في خمسة من الظلم : كلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات ، إلى النار .
وقال الربيع بن أنس ، والسدي نحو ذلك أيضا .
وقوله : ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) أي : من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر ، كما قال تعالى : ( من يضلل الله فلا هادي له ) [ الأعراف : 186 ] وهذا [ في ] مقابلة ما قال في مثل المؤمنين : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نورا ، وعن أيماننا نورا ، وعن شمائلنا نورا ، وأن يعظم لنا نورا .
وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار، يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفار، في أنها عمِلت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فيها، وعلى غير هدى، مثَلُ ظلمات في بحر لجِّيّ، ونسب البحر إلى اللجة وصفًا له بأنه عميق كثير الماء، ولجة البحر معظمه ( يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) يقول: يغشى البحر موج ( مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) يقول: من فوق الموج موج آخر يغشاه، ( مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) يقول: من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأوّل سحاب، فجعل الظلمات مثلا لأعمالهم، والبحر اللجيّ مثلا لقلب الكافر، يقول: عمل بنية قلب قد غمره الجهل، وتغشَّته الضلال والحيرة، كما يغشى هذا البحر اللجّي موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات، يغشاه الجهل بالله، بأن الله ختم عليه، فلا يعقل عن الله، وعلى سمعه، فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض (4) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) ... إلى قوله: ( مِنْ نُورٍ ) قال: يعني بالظلمات: الأعمال، وبالبحر اللجّي: قلب الإنسان، قال: يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، قال: ظلمات بعضها فوق بعض، يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر، وهو كقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ... الآية، وكقوله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ... إلى قوله: أَفَلا تَذَكَّرُونَ .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) عميق، وهو مثل ضربه الله للكافر، يعمل في ضلالة وحيرة، قال: ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ).
ورُوي عن أُبيّ بن كعب ما حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب، في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) ... الآية، قال: ضرب مثلا آخر للكافر، فقال: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) ... الآية، قال: فهو يتقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن أبي الربيع، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، بنحوه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) ... إلى قوله: ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) قال: شرّ بعضه فوق بعض.
وقوله: ( إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) يقول: إذا أخرج الناظر يده في هذه الظلمات لم يكد يراها.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: ( لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) ، مع شدّة هذه الظلمة التي وصف، وقد علمت أن قول القائل: لم أكد أرى فلانا، إنما هو إثبات منه لنفسه رؤيته بعد جهد وشدّة، ومن دون الظلمات التي وصف في هذه الآية ما لا يرى الناظر يده إذا أخرجها فيه، فكيف فيها؟ قيل في ذلك أقوال نذكرها، ثم نخبر بالصواب من ذلك، أحدها: أن يكون معنى الكلام: إذا أخرج يده رائيا لها لم يكد يراها: أي لم يعرف من أين يراها، فيكون من المقدّم الذي معناه التأخير، ويكون تأويل الكلام على ذلك: إذا أخرج يده لم يقرب أن يراها. والثاني: أن يكون معناه: إذا أخرج يده لم يرها (5) ويكون قوله: ( لَمْ يَكَدْ ) في دخوله في الكلام نظير دخول الظنّ فيما هو يقين من الكلام، كقوله: وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ونحو ذلك. والثالث: أن يكون قد رآها بعد بطء وجهد، كما يقول القائل لآخر: ما كدت أراك من الظلمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدة، وهذا القول الثالث أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب أكاد في كلامها، والقول الآخر الذي قلنا إنه يتوجه إلى أنه بمعنى لم يرها، قول أوضح من جهة التفسير، وهو أخفى معانيه. وإنما حسُن ذلك في هذا الموضع، أعني أن يقول: لم يكد يراها مع شدة الظلمة التي ذكر; لأن ذلك مثل لا خبر عن كائن كان.( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ) يقول: من لم يرزقه الله إيمانا وهدى من الضلالة ومعرفة بكتابه، ( فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ): يقول فما له من إيمان وهدى ومعرفة بكتابه.
------------------------
الهوامش:
(4) قال الشوكاني في فتح القدير ( 4: 38 ) : ومن غرائب التفاسير : أنه سبحانه وتعالى أراد بالظلمات أعمال الكافر ، وبالبحر اللجى قلبه ، وبالموج : ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة . والسحاب : الرين والختم والطبع على قلبه . وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد 1 هـ .
(5) في فتح القدير للشوكاني ( طبعة الحلبي 4 : 38 ) قال الزجاج وأبو عبيدة : لم يرها ولم يكد . وقال الفراء : إن كاد زائدة ، وقال المحقق الرضي في شرحه لكافية ابن الحاجب ( 2 : 306 ) : إن نفي القرب من الفعل أبلغ في انتفاء ذلك الفعل ، من نفي الفعل نفسه ؛ فإن ما قربت من الضرب ، آكد في نفي الضرب من ما ضربت . أ هـ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
سحاب ظلمات:
1- بتنوين «سحاب» ، ورفع «ظلمات» ، على تقدير خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذه ظلمات، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سحاب، بالتنوين، و «ظلمات» بالجر، بدلا من «كظلمات» ، و «بعضها فوق بعض» مبتدا وخبر، فى موضع الصفة ل «كظلمات» ، وهى قراءة قنبل.
التفسير :
نبه تعالى عباده على عظمته، وكمال سلطانه، وافتقار جميع المخلوقات له في ربوبيتها، وعبادتها فقال:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من حيوان وجماد{ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} أي:صافات أجنحتها، في جو السماء، تسبح ربها.{ كُلٌّ} من هذه المخلوقات{ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي:كل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح، إما بواسطة الرسل، كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى، كسائر المخلوقات غير ذلك، وهذا الاحتمال أرجح، بدليل قوله:{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي:علم جميع أفعالها، فلم يخف عليه منهاشيء، وسيجازيهم بذلك، فيكون على هذا، قد جمع بين علمهبأعمالها، وذلك بتعليمه، وبين علمه بأعمالهم المتضمن للجزاء.ويحتمل أن الضمير في قوله:{ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} يعود إلى الله، وأن الله تعالى قد علم عباداتهم، وإن لم تعلموا -أيها العباد- منها، إلا ما أطلعكم الله عليه. وهذه الآية كقوله تعالى:{ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
والاستفهام في قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ.. للتقرير. والرؤية: بمعنى العلم.
والتسبيح: مشتق من السبح، وهو المر السريع في الماء أو في الهواء. فالمسبح: مسرع في تنزيه الله- تعالى- وتقديسه وإثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال.
والمعنى: لقد علمت أيها الرسول الكريم علما يشبه المشاهدة في اليقين، أن الله- تعالى- يسبحه ويقدسه وينزهه عن كل ما لا يليق به- عز وجل- جميع من في السموات، وجميع من في الأرض.
وقوله- تعالى-: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ برفع، «والطير» على أنه معطوف على «من» وبنصب «صافات» على أنه حال.
أى: والطير- أيضا- تسبح لله- تعالى- حال كونها صافات أجنحتها في الجو، دون أن يمسكها أحد إلا هو- سبحانه-.
وخص الطيور بالذكر مع أنها مندرجة تحت من في السموات والأرض لعدم استقرارها بصفة دائمة على الأرض، فهي- في مجموعها- تارة على الأرض، وتارة في الجو.
وذكرها في حال بسطها لأجنحتها لأن هذه الحالة من أعجب أحوالها، حيث تكون في الجو باسطة لأجنحتها بدون تحريك، مما يدل على بديع صنع الله في خلقه.
وصدق الله إذ يقول: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.. .
وقوله- تعالى-: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ استئناف لبيان مظهر من مظاهر قدرة الله- تعالى- وحكمته، حيث ألهم- سبحانه- كل مخلوق من مخلوقاته كيفية التسبيح لخالقه- عز وجل.
والتنوين في «كل» عوض عن المضاف إليه، والضمير المحذوف الذي هو فاعل «علم» يعود على المصلى والمسبح.
أى: كل واحد ممن يصلى لله- تعالى- ويسبح بحمده- سبحانه-، قد علم معنى صلاته ومعنى تسبيحه، فهو لم يعبد الله اتفاقا أو بلا روية، وإنما عبده- تعالى- عن قصد ونية، ولكن بكيفية نفوض معرفتها إلى الخالق- عز وجل- وحده.
ومنهم من يرى أن الضمير في «علم» يعود إلى الله- تعالى- فيكون المعنى: كل واحد من هؤلاء المصلين والمسبحين، قد علم- سبحانه- صلاتهم وتسبيحهم له علما تاما شاملا.
قال بعض العلماء ما ملخصه: واعلم أن الأظهر أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ راجعا إلى المصلين والمسبحين أى: كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، لأنه على هذا القول يكون قوله- تعالى-: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ من باب التأسيس. أما على القول بأن الضمير يعود إلى الله- تعالى-. أى: كل واحد منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه. فيكون قوله- تعالى-:
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ من باب التأكيد اللفظي، والتأسيس للأحكام أولى من التأكيد لها.
والظاهر أن الطير تسبح وتصلى صلاة وتسبيحا يعلمها الله، ونحن لا نعلمهما كما قال-تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. .
يخبر تعالى أنه يسبحه من في السماوات والأرض ، أي : من الملائكة والأناسي ، والجان والحيوان ، حتى الجماد ، كما قال تعالى : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ] .
وقوله : ( والطير صافات ) أي : في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه ، وهو يعلم ما هي فاعلة; ولهذا قال : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) أي : كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله ، عز وجل .
ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك ، لا يخفى عليه من ذلك شيء; ولهذا قال : ( والله عليم بما يفعلون ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فتعلم أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من ملك وإنس وجنّ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ) في الهواء أيضا تسبح له ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (6) والتسبيح عندك صلاة، فيقال: قيل: إن الصلاة لبني آدم، والتسبيح لغيرهم من الخلق، ولذلك فصّل فيما بين ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) قال: والصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) قال: صلاته للناس، وتسبيحه عامة لكلّ شيء.
ويتوجه قوله: ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) لوجوه: أحدها أن تكون الهاء التي في قوله: ( صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) من ذكر كلّ، فيكون تأويل الكلام: كل مصلّ ومسبِح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه، ويكون الكلّ حينئذ مرتفعا بالعائد من ذكره في قوله: ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) وهو الهاء التي في الصلاة.
والوجه الآخر: أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح أيضا للكل، ويكون الكل مرتفعا بالعائد من ذكره عليه في ( عَلِمَ ) ويكون ( عَلِمَ ) فعلا للكلّ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قد علم كلّ مصلّ ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه، الذي كُلِّفه وأُلْزمه.
والوجه الآخر: أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح من ذكر الله، والعلم للكل، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قد علم كلّ مسبح ومصلّ صلاة الله التي كلفه إياها، وتسبيحه، وأظهر هذه المعاني الثلاثة على هذا الكلام، المعنى الأوّل، وهو أن يكون المعنى: كلّ مصلّ منهم ومسبح قد علم الله صلاته وتسبيحه.
وقوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يفعل كلّ مصلّ ومسبح منهم، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، طاعتها ومعصيتها، محيط بذلك كله، وهو مجازيهم على ذلك كله.
------------------------
الهوامش:
(6) يظهر أن في الكلام سقطًا . تقديره : فإن قيل : ما فائدة عطف " وتسبيحه " على صلاته .. . إلخ . بدليل قوله : قيل .. . إلخ وهو جواب عن سؤال.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحج: 18 | ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ﴾ |
---|
النور: 41 | ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
والطير صافات:
1- والطير، مرفوعا، عطفا على «من» ، و «صافات» نصب على الحال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بنصب «والطير» ، على أنه مفعول، و «صافات» على الحال، وهى قراءة الأعرج.
3- برفعهما، مبتدأ وخبر، وهى قراءة الحسن، وخارجة، عن نافع.
يفعلون:
وقرئ:
تفعلون، بتاء الخطاب، وهى قراءة الحسن، وعيسى، وسلام، وهارون، عن أبى عمرو.
التفسير :
فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه -من جهة العبادة والتوحيد- بين افتقارهم، من جهة الملك والتربية والتدبير فقال:{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خالقهماورازقهما، والمتصرف فيهما، في حكمه الشرعي [والقدري]في هذه الدار، وفي حكمه الجزائي، بدار القرار، بدليل قوله:{ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي:مرجع الخلق ومآلهم، ليجازيهم بأعمالهم.
وبعد أن بين- سبحانه- أن جميع مخلوقاته تسبح بحمده وأنه- تعالى- عليم بأفعالهم لا يخفى عليه شيء منها، أتبع ذلك ببيان أن هذا الكون ملك له وحده، فقال: «ولله ملك السموات والأرض» لا لأحد غيره، لا استقلالا ولا اشتراكا، بل هو وحده- سبحانه- المالك لهما ولمن فيهما «وإلى الله المصير» أى: وإليه وحده مصيرهم ورجوعهم بعد موتهم، فيجازى كل مخلوق من مخلوقاته بما يستحق من ثواب أو عقاب.
ثم لفت- سبحانه- بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته في هذا الكون، حيث يزجى السحاب، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله ركاما ... وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال- تعالى-:
ثم أخبر تعالى : أن له ملك السماوات والأرض ، فهو الحاكم المتصرف الذي لا معقب لحكمه ، وهو الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له . ( وإلى الله المصير ) أي : يوم القيامة ، فيحكم فيه بما يشاء; ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] ، فهو الخالق المالك ، ألا له الحكم في الدنيا والأخرى ، وله الحمد في الأولى والآخرة؟! .
وقوله: ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول جلّ ثناؤه: ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كلّ من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس، وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن بيده خزائن السماوات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا( وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) يقول: وأنتم إليه بعد وفاتكم، مصيركم ومعادكم، فيوفيكم &; 19-201 &; أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته، واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ألم تشاهد ببصرك، عظيم قدرة الله، وكيف{ يُزْجِي} أي:يسوق{ سَحَابًا} قطعا متفرقة{ ثُمَّ يُؤَلِّفُ} بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال.
{ فَتَرَى الْوَدْقَ} أي:الوابل والمطر، يخرج من خلال السحاب، نقطا متفرقة، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر، فتمتلئ بذلك الغدران، وتتدفق الخلجان، وتسيل الأودية، وتنبت الأرض من كل زوج كريم، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه.
{ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} بحسب ما اقتضاه حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها،{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي:يكاد ضوء برق ذلك السحاب، من شدته{ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر، كامل القدرة، نافذ المشيئة، واسع الرحمة؟.
قوله- تعالى- يُزْجِي من الإزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق. يقال: زجى الراعي إبله تزجية، إذا ساقها برفق. وأزجت الريح السحاب، أى: دفعته.
والمعنى: لقد علمت- أيها العاقل- ورأيت بعينيك، أن الله- تعالى- يسوق بقدرته السحاب الذي في الجو، سوقا رفيقا إلى حيث يريد.
ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ أى: يسوق- سبحانه- السحاب سوقا هادئا سهلا. ثم بعد ذلك يصل بعضه ببعض، ويجمع بعضه مع بعض، ثم بعد ذلك يَجْعَلُهُ رُكاماً أى: متراكما بعضه فوق بعض. يقال ركم فلان الشيء يركمه ركما، إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض، ومنه:
الرمل المتراكم، أى: المجتمع.
وهذا الذي حكاه القرآن من سوق الله- تعالى- للسحب ثم تجميعها، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال، يراه الراكب للطائرات بوضوح وتسليم بقدرة الله- تعالى-، الذي أحسن كل شيء خلقه.
وقوله- سبحانه-: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق، والتجمع الدقيق من آثار.
والودق: المطر. وهو في الأصل مصدر ودق السحاب يدق ودقا، إذا نزل منه المطر.
والخلال: جمع خلل- كجبال وجبل- والمراد بها الفتوق والشقوق.
قال القرطبي: في «الودق» قولان: أحدهما: أنه البرق.. والثاني: أنه المطر. وهو قول الجمهور يقال: ودقت السحابة فهي وادقة. وودق المطر يدق ودقا. أى: قطر .
أى: يسوق الله- تعالى- السحاب إلى حيث يشاء بقدرته، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله متراكما بعضه فوق بعض، فترى- أيها العاقل- المطر يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه، تارة بشدة وعنف، وتارة بهدوء ورفق.
وقوله- تعالى-: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ. وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ.. بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته- سبحانه-.
أى: وينزل- سبحانه- من جهة السماء قطعا من السحاب كأنها القطع من الجبال في عظمها وضخامتها، «فيها من برد» أى: في تلك القطع من السحاب الكثير من البرد، وهو شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى، ويسمى حب الغمام: وحب المزن.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما الفرق بين «من» الأولى، والثانية، والثالثة في قوله وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ؟.
قلت الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان، أو الأوليان للابتداء.
والآخرة للتبعيض.
فإن قلت: ما معنى «من جبال فيها من برد» ؟ قلت: فيه معنيان: أحدهما: أن يخلق الله في السماء جبال برد. كما في الأرض جبال حجر، والثاني: أن يريد الكثرة بذكر الجبال، كما يقال: فلان يملك جبالا من ذهب .
وقوله- تعالى-: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ أى: فيصيب بالذي ينزله من هذا البرد من يشاء إصابته من عباده، ويصرفه عمن يشاء صرفه عنهم، إذ الإصابة والصرف بمقتضى حكمته وإرادته.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ. والسنا:
شدة الضوء. يقال: سنا الشيء يسنو سنا، إذا أضاء.
أى: يكاد ضوء برق السحاب الموصوف بما مر من الإزجاء والتأليف والتراكم.. يخطف الأبصار من شدة إضاءته، وزيادة لمعانه وسرعة توهجه.
يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء ( ثم يؤلف بينه ) أي : يجمعه بعد تفرقه ، ( ثم يجعله ركاما ) أي : متراكما ، أي : يركب بعضه بعضا ، ( فترى الودق ) أي المطر ( يخرج من خلاله ) أي : من خلله . وكذا قرأها ابن عباس والضحاك .
قال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المثيرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ، ثم يبعث [ الله ] اللواقح فتلقح السحاب . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .
وقوله : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) : قال بعض النحاة : " من " الأولى : لابتداء الغاية ، والثانية : للتبعيض ، والثالثة : لبيان الجنس . وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله : ( من جبال فيها من برد ) ومعناه : أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد . وأما من جعل الجبال هاهنا عبارة عن السحاب ، فإن " من " الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بدل من الأولى ، والله أعلم .
وقوله : ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) يحتمل أن يكون المراد بقوله : ( فيصيب به ) أي : بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر فيكون قوله : ( فيصيب به من يشاء ) رحمة لهم ، ( ويصرفه عن من يشاء ) أي : يؤخر عنهم الغيث .
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ( فيصيب به ) أي : بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم . ويصرفه عمن يشاء [ أي : ] رحمة بهم .
وقوله : ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) أي : يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد ( أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي ) يعني: يسوق ( سحابا ) حيث يريد ( ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ) يقول: ثم يؤلف بين السحاب، وأضاف بين إلى السحاب، ولم يذكر مع غيره، وبين لا تكون مضافة إلا إلى جماعة أو اثنين؛ لأن السحاب في معنى جمع، واحده سحابة، كما يجمع النخلة: نخل، والتمرة تمر، فهو نظير قول قائل: جلس فلان بين النخل، وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرّقها.
وقوله: ( ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ) يقول: ثم يجعل السحاب الذي يزجيه، ويؤلف بعضه إلى بعض ركاما، يعني: متراكما بعضه على بعض.
وقد حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا خالد، قال: ثنا مطر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبيد بن عمير الليثي، قال: الرياح أربع: يبعث الله الريح الأولى فتقُمّ الأرض قما، ثم يبعث الثانية فتنشئ سحابا، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركاما، ثم يبعث الرابعة فتمطره.
وقوله: ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) يقول: فترى المطر يخرج من بين السحاب، وهو الودق، قال: الشاعر:
فَـــلا مُزْنَــةٌ ودقَــتْ ودْقَهَــا
ولا أَرْضٌ أبْقَـــــلَ إبْقَالَهــــا (1)
والهاء في قوله: ( مِنْ خِلالِهِ ) من ذكر السحاب، والخلال: جمع خلل. وذُكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك: " مِنْ خَلَلِهِ".
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بنُ عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا قَتَادة، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الحرف: ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) : " مِنْ خَلَلِهِ".
قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن رجل، عن ابن عباس أنه قرأ هذا الحرف: ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) : " من خَلَله ".
حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرني عمارة بن أبي حفصة، عن رجل، عن ابن عباس، أنه قرأها: " مِنْ خَلَلِهِ" بفتح الخاء، من غير ألف.
قال هارون: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: إنها لحسنة، ولكن خلاله أعمّ.
وأما قرّاء الأمصار، فإنهم على القراءة الأخرى من خلاله ، وهي التي نختار لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) قال: الودْقَ: القطر، والخلال: السحاب.
وقوله: ( وَيُنـزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) : قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن معناه أن الله ينـزل من السماء من جبال في السماء من برد مخلوقة هنالك خلقه، كأن الجبال على هذا القول هي من برد، كما يقال: جبال من طين. والقول الآخر: أن الله ينـزل من السماء قدر جبال، وأمثال جبال من برد إلى الأرض، كما يقال: عندي بيتان تبنا، والمعنى قدر بيتين من التبن، والبيتان ليسا من التبن.
وقوله: ( فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ) يقول: فيعذّب بذلك الذي ينـزل من السماء من جبال فيها من برد، من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله ( وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ) من خلقه، يعني: عن زروعهم وأموالهم.
وقوله: ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ ) يقول: يكاد شدّة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره، والسنا مقصور، وهو ضوء البرق.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ ) قال: ضوء برقه.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ ) يقول: لمعان البرق يذهب بالأبصار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ ) قال: سناه ضوء يذهب بالأبصار.
وقرأت قرّاء الأمصار ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ ) بفتح الياء من يذهب سوى أبي جعفر القارئ، فإنه قرأه بضم الياء " يُذْهِبُ بِالأبْصَارِ".
والقراءة التي لا أختار غيرها هي فتحها؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأن العرب إذا أدخلت الباء في مفعول ذهبت، لم يقولوا: إلا ذهبت به، دون أذهبت به، وإذا أدخلوا الألف في أذهبت لم يكادوا أن يدخلوا الباء في مفعوله، فيقولون: أذهبته وذهبت به.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لعامر بن جوين الطائي ( اللسان : ودق ) قال : الودق : المطر كله شديده و هينه وقد ودق يدق ودقًا أي قطر ، قال عامر بن جوين الطائي " فلا مزنة " البيت والمزنة سحابة واستشهد المؤلف بالبيت على أن معنى الودق المطر.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النور: 43 | ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ﴾ |
---|
الروم: 48 | ﴿اللَّـهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يؤلف:
وقرئ:
1- بالواو، وهى قراءة ورش.
2- بالهمز، وهو الأصل، وهى قراءة باقى السبعة.
سنا:
1- بالقصر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سناء، ممدودا، وهى قراءة طلحة بن مصرف.
برقه:
1- مفردا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الباء وفتح الراء، جمع «برقة» بضم الباء، وهى قراءة طلحة بن مصرف.
يذهب:
1- بفتح الياء والهاء، هى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الياء وكسر الهاء، وهى قراءة أبى جعفر.