ترتيب المصحف | 24 | ترتيب النزول | 102 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 9.70 |
عدد الآيات | 64 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 16 | تبدأ في الجزء | 18 |
تنتهي في الجزء | 18 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 6/21 | _ |
4- بعدَ أن حَرَّمَ اللهُ الزنا وما يؤدي إليه كالنَّظرِ، بَيَّنَ هنا سبيلَ العِصمةِ من الزِّنا وهو الزواجُ، فأمَرَ بإعانةِ مَن لا زوجَ له والصَّالحينَ مِن العبيدِ والجواري على الزواجِ، وليستعففْ من لم يستطعْ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ ما ذُكِرَ من الأحكامِ والآدابِ، والثَّنَاءِ على القرآنِ وما فيه من مواعظَ يتَّعظُ بها المتَّقُونَ، بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه نورُ السَّماواتِ والأرضِ، وأنَّه يوفِّقُ لهدايتِه من يشاءُ، =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يأمر تعالى الأولياء والأسياد، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم:من لا أزواج لهم، من رجال، ونساء ثيب، وأبكار، فيجب على القريب وولي اليتيم، أن يزوج من يحتاج للزواج، ممن تجب نفقته عليه، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم من باب أولى.
{ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} يحتمل أن المراد بالصالحين، صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء -وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا- مأمور سيده بإنكاحه، جزاء له على صلاحه، وترغيبا له فيه، ولأن الفاسد بالزنا، منهي عن تزوجه، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة، أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة، ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليهمن العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه، قبل حاجته إلى الزواج. ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما، والله أعلم.
وقوله:{ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} أي:الأزواج والمتزوجين{ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فلا يمنعكم ما تتوهمون، من أنه إذا تزوج، افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر.{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ} كثير الخير عظيم الفضل{ عَلِيمٌ} بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما، ممن لا يستحق، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه.
والخطاب في قوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ.. للأولياء والسادة، والأيامى: جمع أيم- بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة.. وهو كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها بكرا أو ثيبا. والمراد بالأيامى هنا الأحرار والحرائر.
وقوله- تعالى- مِنْ عِبادِكُمْ جمع عبد وهو الرقيق، و «وإمائكم» جمع أمة.
والمراد من الإنكاح هنا: المعاونة والمساعدة في الزواج، والعمل على إتمامه بدون عوائق لا تؤيدها شريعة الله- تعالى-.
أى: زوّجوا- أيها الأولياء والسادة- من لا زوج له من الرجال المسلمين أو النساء المسلمات، ويسروا لهم هذا الأمر ولا تعسروه، لأن الزواج هو الطريق المشروع لقضاء الشهوة، ولحفظ النوع الإنسانى، ولصيانة الأنساب من الاختلاط، ولإيجاد مجتمع تفشو فيه الفضيلة، وتموت فيه الرذيلة.
وزوجوا- أيضا الصالحين للزواج من عبيدكم وإمائكم فإن هذا الزواج أكرم لهم وأحفظ لعفتهم.
قال صاحب الكشاف «فإن قلت لم خص الصالحين؟ قلت: ليحصن دينهم، ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين من الأرقاء. هم الذين مواليهم يشفقون عليهم.. فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم.. وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك» .
والأمر في قوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا يرى جمهور العلماء أنه للندب، بدليل أنه قد وجد أيامى في العهد النبوي ولم يجبروا على الزواج، ولو كان الأمر للوجوب، لأجبروا عليه.. ويرى بعضهم أنه للوجوب.
قال الإمام ابن كثير: اشتملت هذه الآيات الكريمات على جمل من الأحكام المحكمة، والأوامر المبرمة، فقوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ هذا أمر بالتزويج، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه، على كل من قدر عليه، واحتجوا بظاهر قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب. من استطاع منكم الباءة» - أى القدرة على الزواج- فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» - أى: وقاية-.
ويبدو لنا أن الزواج يختلف حكمه باختلاف الأحوال، فمن كان- مثلا قادرا على الزواج، ويخشى إذا ترك الزواج أن يقع في الفاحشة: فإن الزواج بالنسبة له يكون واجبا عليه. بخلاف من أمن الوقوع في الفاحشة، فإن الزواج بالنسبة له يكون مندوبا أو مستحبا.
ولذا قال الإمام القرطبي: «اختلف العلماء في هذا الأمر- أى في قوله- تعالى- وَأَنْكِحُوا- على ثلاثة أقوال: فقال علماؤنا يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت، ومن عدم صبره.. فإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا فالنكاح حتم.
وإن لم يخش شيئا، وكانت الحال مطلقة، فالنكاح مباح.
قال الشافعى: إنه قضاء لذة فكان مباحا كالأكل والشرب.
وقال مالك وأبو حنيفة: هو مستحب .
وقوله- سبحانه-: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ حض لمن يملك عقد الزواج على أن لا يجعل الفقر حائلا دون إتمامه. لأن الأرزاق بيد الله- تعالى- وحده.
أى: زوجوا- أيها الأولياء والسادة- من كان أهلا للزواج، وصالحا له وراغبا فيه، من رجالكم ونسائكم، ولا يمنعكم فقرهم من إتمامه، فإنهم إن يكونوا فقراء اليوم، فالله- تعالى- قادر على أن يغنيهم في الحال أو في المستقبل متى شاء ذلك، فإن قدرته- عز وجل- لا يعجزها شيء، وكم من أناس كانوا فقراء قبل الزواج، ثم صاروا أغنياء بعده، لأنهم قصدوا بزواجهم حفظ فروجهم، وتنفيذ ما أمرتهم به شريعة الإسلام.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله» .
فهذا عهد أخذه الله- تعالى- على ذاته- فضلا منه وكرما- ولن يخلف الله- عز وجل- عهده.
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أى: والله- تعالى- واسع الغنى لا تنفد خزائنه، ولا ينتهى ما عنده من خير، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
اشتملت هذه الآيات الكريمات المبينة على جمل من الأحكام المحكمة ، والأوامر المبرمة ، فقوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) : هذا أمر بالتزويج . وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه ، على كل من قدر عليه . واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " . أخرجاه من حديث ابن مسعود .
وجاء في السنن - من غير وجه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا ، توالدوا ، تناسلوا ، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " وفي رواية : " حتى بالسقط " .
الأيامى : جمع أيم ، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها ، وللرجل الذي لا زوجة له . وسواء كان قد تزوج ثم فارق ، أو لم يتزوج واحد منهما ، حكاه الجوهري عن أهل اللغة ، يقال : رجل أيم وامرأة أيم أيضا .
وقوله تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : رغبهم الله في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد ، ووعدهم عليه الغنى ، فقال : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن خالد الأزرق ، حدثنا عمر بن عبد الواحد ، عن سعيد - يعني : ابن عبد العزيز - قال : بلغني أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قال : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ، ينجز [ لكم ] ما وعدكم من الغنى ، قال : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) .
وعن ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح ، يقول الله تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) رواه ابن جرير ، وذكر البغوي عن عمر بنحوه .
وعن الليث ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازي في سبيل الله " . رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه
وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إلا إزاره ، ولم يقدر على خاتم من حديد ، ومع هذا فزوجه بتلك المرأة ، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من القرآن .
والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه [ وإياها ] ما فيه كفاية له ولها . فأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث : " تزوجوا فقراء يغنكم الله " ، فلا أصل له ، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن ، وفي القرآن غنية عنه ، وكذا هذا الحديث الذي أوردناه . ولله الحمد .
يقول تعالى ذكره: وزوّجوا أيها المؤمنون من لا زوج له، من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح من عبيدكم ومماليككم. والأيامى: جمع أيمُ، وإنما جمع الأيم أيامى؛ لأنها فعيلة في المعنى، فجُمعت كذلك كما جمعت اليتيمة: يتامى; ومنه قول جميل:
أُحــبُّ الأيــامَى إذْ بُثَيْنَــةُ أيِّــمٌ
وأحْــبَبْتُ لمَّـا أنْ غَنِيـتِ الغَوَانِيـا (1)
ولو جمعت أيائم كان صوابا، والأيم يوصف به الذكر والأنثى، يقال: رجل أيم، وامرأة أيم وأيِّمة: إذا لم يكن لها زوج; ومنه قول الشاعر:
فــإنْ تَنْكِحــي أَنْكِـحْ وَإنْ تَتـأَيَّمِي
وإنْ كُــنْتُ أفْتَــى مِنْكُــمُ أتَـأيَّمُ (2)
( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ ) يقول: إن يكن هؤلاء الذين تُنْكِحونهم من أيامى رجالكم ونسائكم وعبيدكم وإمائكم أهل فاقة وفقر، فإن الله يغنيهم من فضله، فلا يمنعنكم فقرهم من إنكاحهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) قال: أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغَّبهم فيه، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى، فقال: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ).
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسن أبو الحسن، وكان إسماعيل بن صبيح مولى هذا، قال: سمعت القاسم بن الوليد، عن عبد الله بن مسعود، قال: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ).
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ ) قال: أيامى النساء: اللاتي ليس لهنّ أزواج.
وقوله: ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) يقول جلّ ثناؤه: والله واسع الفضل جواد بعطاياه، فزوّجوا إماءكم، فإن الله واسع يوسع عليهم من فضله، إن كانوا فقراء. عليم: يقول: هو ذو علم بالفقير منهم والغنيّ، لا يخفى عليه حال خلقه في شيء وتدبيرهم.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لجميل العذري صاحب بثينة ، كما قال المؤلف ، وكما في (اللسان: غنا) . قال: والغانية : التي غنيت بالزوج، وقال جميل : " أحب الأيامى ... " البيت وغنيت المرأة بزوجها غنيانًا . أي : استغنت . والأيامى : جمع أيم ، وهي في الأصل : التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا ، مطلقة كانت أو متوفى عنها (اللسان) . وفي التنزيل العزيز : {وأنكحوا الأيامى منكم) : دخل فيه الذكر والأنثى ، والبكر والثيب . واستشهد به المؤلف على أن الأيم التي ليس لها زوج
(2) البيت أنشده صاحب (اللسان) في أيم ، قال: وتأيم الرجل زمانا ، وتأيمت المرأة : إذا مكثا أيامًا وزمانًا لا يتزوجان ، وأنشد ابن بري :
فــإِنْ تَنْكِحِــي أَنْكِـحْ وَإِنْ تَتـأَيَّمِي
(يَدَ الدَّهْــرِ مَـا لَـمْ تَنْكِحِـي) أتأيم
وفي رواية الشطر خلاف بين ما أنشده المؤلف وما أنشده ، ابن بري . والشاهد فيه عند المؤلف ، كما قدمناه في الشاهد الذي قبله وهو أن الأيم من الرجال أو النساء : من لا زوج له أو لها . والفعل منه آم يئيم ، وتأيم يتأيم .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النور: 32 | ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ |
---|
النور: 33 | ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "وقوله:{ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} أي:لا يقدرون نكاحا، إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم [وليس لهم]من قدرة على إجبارهم على ذلك، وهذا التقدير، أحسن من تقدير من قدر "لا يجدون مهر نكاح "وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف، فإن في ذلك محذورين:أحدهما:الحذف في الكلام، والأصل عدم الحذف.
والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان، حالة غنى بماله، وحالة عدم، فيخرج العبيد والإماء ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا.
{ حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
وقوله{ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أي:من ابتغى وطلب منكم الكتابة، وأن يشتري نفسه، من عبيد وإماء، فأجيبوه إلى ما طلب، وكاتبوه،{ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ} أي:في الطالبين للكتابة{ خَيْرًا} أي:قدرة على التكسب، وصلاحا في دينه، لأن في الكتابة تحصيل المصلحتين، مصلحة العتق والحرية، ومصلحة العوض الذي يبذله في فداء نفسه. وربما جد واجتهد، وأدرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه، فلا يكون ضرر على السيد في كتابته، مع حصول عظيم المنفعة للعبد، فلذلك أمر الله بالكتابة على هذا الوجه أمر إيجاب، كما هو الظاهر، أو أمر استحباب على القول الآخر، وأمر بمعاونتهم على كتابتهم، لكونهم محتاجين لذلك، بسبب أنهم لا مال لهم، فقال:{ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يدخل في ذلك أمر سيده الذي كاتبه، أن يعطيه من كتابته أو يسقط عنه منها، وأمر الناس بمعونتهم.
ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة، ورغب في إعطائه بقوله:{ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أي:فكما أن المال مال الله، وإنما الذي بأيديكم عطية من الله لكم ومحض منه، فأحسنوا لعباد الله، كما أحسن الله إليكم.
ومفهوم الآية الكريمة، أن العبد إذا لم يطلب الكتابة، لا يؤمر سيده أن يبتدئ بكتابته، وأنه إذا لم يعلم منه خيرا، بأن علم منه عكسه، إما أنه يعلم أنه لا كسب له، فيكون بسبب ذلك كلا على الناس، ضائعا، وإما أن يخاف إذا أعتق، وصار في حرية نفسه، أن يتمكن من الفساد، فهذا لا يؤمر بكتابته، بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور.
ثم قال تعالى:{ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} أي:إماءكم{ عَلَى الْبِغَاءِ} أي:أن تكون زانية{ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} لأنه لا يتصور إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم ترد تحصنا فإنها تكون بغيا، يجب على سيدها منعها من ذلك، وإنما هذا نهى لما كانوا يستعملونه في الجاهلية، من كون السيد يجبر أمته على البغاء، ليأخذ منها أجرة ذلك، ولهذا قال:{ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيرا منكم، وأعف عن الزنا، وأنتم تفعلون بهن ذلك، لأجل عرض الحياة، متاع قليل يعرض ثم يزول.
فكسبكم النزاهة، والنظافة، والمروءة -بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها- أفضل من كسبكم العرض القليل، الذي يكسبكم الرذالة والخسة.
ثم دعا من جرى منه الإكراه إلى التوبة، فقال:{ وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فليتب إلى الله، وليقلع عما صدر منه مما يغضبه، فإذا فعل ذلك، غفر الله ذنوبه، ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب، وكما رحم أمته بعدم إكراهها على ما يضرها.
ثم أرشد- سبحانه- الذين لا يجدون وسائل النكاح، إلى ما يعينهم على حفظ فروجهم، فقال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
والاستعفاف: طلب العفة، واختيار طريق الفضيلة التي من وسائلها ما أشار إليه- سبحانه- في قوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ.
والمعنى: وعلى المؤمنين والمؤمنات «الذين لا يجدون نكاحا» أى: الذين لا يجدون الوسائل والأسباب التي توصلهم إلى الزواج بسبب ضيق ذات اليد، أو ما يشبه ذلك، عليهم أن يتحصنوا بالعفاف وأن يصونوا أنفسهم عن الفواحش، وأن يستمروا على ذلك حتى يرزقهم الله- تعالى- من فضله رزقا، يستعينون به على إتمام الزواج.
فهذه الجملة الحكيمة وعد كريم من الله- تعالى- للتائقين إلى الزواج، العاجزين عن تكاليفه بأنه- سبحانه- سيرزقهم من فضله ما يعينهم على التمكن منه، متى اعتصموا بطاعته، وحافظوا على أداء ما أمرهم به.
قال صاحب الكشاف: «وما أحسن ما رتب هذه الأوامر: حيث أمر- أولا- بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر. ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء، وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه» .
ثم حض- سبحانه- على إعانة الأرقاء لكي يتخلصوا من رقهم ويصيروا أحرارا.
فقال: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً، وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ.
والمراد بالكتاب هنا: المكاتبة التي تكون بين السيد وعبده، بأن يقول السيد لعبده: إن أديت إلى كذا من المال فأنت حر لوجه الله، فإذا قبل العبد ذلك وأدى ما طلبه منه سيده، صار حرا.
أى: والذين يطلبون المكاتبة من عبيدكم- أيها الأحرار.. فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، أى: أمانة وقدرة على الكسب، وأعينوهم على التحرر من رقهم بأن تعطوهم شيئا من المال الذي آتاكم الله إياه، بفضله وإحسانه.
وهكذا نرى الإسلام يأمر أتباعه الذين رزقهم الله نعمة الحرية، أن يعينوا مماليكهم على ما يمكنهم من الحصول على هذه النعمة.
ومن العلماء من يرى أن الأمر في قوله- تعالى-: فَكاتِبُوهُمْ وفي قوله وَآتُوهُمْ للوجوب، لأنه هو الذي يتناسب مع حرص شريعة الإسلام على تحرير الأرقاء.
ثم نهى- سبحانه- عن رذيلة كانت موجودة في المجتمع، لكي يطهره منها، فقال:
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ- إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً- لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا.
قال الآلوسى: أخرج مسلم وأبو داود عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى بن سلول يقال لها «مسيكة» وأخرى يقال لها «أميمة» كان يكرههما على الزنا، فشكتا ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فنزلت.
وأخرج ابن مردويه عن على- رضى الله عنه- أنهم كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهن، فنهوا عن ذلك في الإسلام، ونزلت الآية.. .
والفتيات جمع فتاة والمراد بهن هنا الإماء، وعبر عنهن بقوله «فتياتكم» على سبيل التكريم لهن، ففي الحديث الشريف: «لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى ولكن فتاي وفتأتي» .
والبغاء- بكسر الباء- زنى المرأة خاصة، مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت.
والتحصن: التصون والتعفف عن الزنا.
والمعنى: ولا تكرهوا- أيها الأحرار- فتياتكم اللائي تملكوهن على الزنا إن كرهنه وأردن العفاف والطهر، لكي تنالوا من وراء إكراههن على ذلك، بعض المال الذي يدفع لهن نظير افتراشهن.
وقوله- تعالى- إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ليس المقصود منه أنهن إن لم يردن التحصن يكرهن على ذلك، وإنما المراد منه بيان الواقع الذي نزلت من أجله الآية، وهو إكراههم لإمائهم على الزنا مع نفورهن منه. ولأن الإكراه لا يتصور عند رضاهن بالزنا واختيارهن له، وإنما يتصور عند كراهتهن له، وعدم رضاهن عنه، ولأن في هذا التعبير تعبيرا لهم، فكأنه- سبحانه- يقول لهم: كيف يقع منكم إكراههن على البغاء وهن إماء يردن العفة ويأبين الفاحشة؟ ألم يكن الأولى بكم والأليق بكرامتكم أن تعينوهن على العفاف والطهر، بدل أن تكرهوهن على ارتكاب الفاحشة من أجل عرض من أعراض الحياة الدنيا؟.
وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله- تعالى- ورحمته- بعباده.
أى: ومن يكره إماءه على البغاء فإن الله- تعالى- بفضله وكرمه من بعد إكراهكم لهن، غفور رحيم لهن، أما أنتم يا من أكرهتموهن على الزنا فالله وحده هو الذي يتولى حسابكم، وسيجازيكم بما تستحقون من عقاب.
فمغفرة الله- تعالى- ورحمته إنما هي للمكرهات على الزنا، لا للمكرهين لهن على ذلك.
قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ قيل:
غفور لهن. وقيل: غفور لهم. وقيل: غفور لهن ولهم.
والأظهر: أن المعنى لهن، لأن المكره لا يؤاخذ بما يكره عليه، بل يغفره الله له، لعذره بالإكراه. فالموعود بالمغفرة والرحمة، هو المعذور بالإكراه دون المكره- بكسر الراء- لأنه غير معذور بفعله القبيح .
وقوله تعالى : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ) . هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجا [ بالتعفف ] عن الحرام ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .
وهذه الآية مطلقة ، والتي في سورة النساء أخص منها ، وهي قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) ، إلى أن قال : ( ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم ) [ النساء : 25 ] أي صبركم عن تزويج الإماء خير; لأن الولد يجيء رقيقا ، ( والله غفور رحيم ) .
قال عكرمة في قوله : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ) قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض حاجته منها ، وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السماوات [ والأرض ] حتى يغنيه الله .
وقوله : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب منهم عبيدهم الكتابة أن يكاتبوا ، بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه . وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب ، لا أمر تحتم وإيجاب ، بل السيد مخير ، إذا طلب منه عبده الكتابة إن شاء كاتبه ، وإن شاء لم يكاتبه .
وقال الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي : إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه .
وقال ابن وهب ، عن إسماعيل بن عياش ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح : إن يشأ يكاتبه وإن لم يشأ لم يكاتبه ، وكذا قال مقاتل بن حيان ، والحسن البصري .
وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده ذلك ، أن يجيبه إلى ما طلب; أخذا بظاهر هذا الأمر :
قال البخاري : وقال روح ، عن ابن جريج قلت لعطاء : [ أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال : ما أراه إلا واجبا . وقال عمرو بن دينار : قلت لعطاء ] ، أتأثره عن أحد؟ قال : لا . ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره ، أن سيرين سأل أنسا المكاتبة - وكان كثير المال ، فأبى . فانطلق إلى عمر بن الخطاب فقال : كاتبه . فأبى ، فضربه بالدرة ، ويتلو عمر ، رضي الله عنه : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، فكاتبه
هكذا ذكره البخاري تعليقا . ورواه عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال : ما أراه إلا واجبا . وقال عمرو بن دينار ، قال : قلت لعطاء : أتأثره عن أحد؟ قال : لا
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن سيرين أراد أن يكاتبه ، فتلكأ عليه ، فقال له عمر : لتكاتبنه . إسناد صحيح .
وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم بن جويبر ، عن الضحاك قال : هي عزمة .
وهذا هو القول القديم من قولي الشافعي ، رحمه الله ، وذهب في الجديد إلى أنه لا يجب; لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه " .
وقال ابن وهب : قال مالك : الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ، ولم أسمع أحدا من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده . قال مالك : وإنما ذلك أمر من الله ، وإذن منه للناس ، وليس بواجب .
وكذا قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم . واختار ابن جرير قول الوجوب لظاهر الآية .
وقوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال بعضهم : أمانة . وقال بعضهم : صدقا . [ وقال بعضهم : مالا ] وقال بعضهم : حيلة وكسبا .
وروى أبو داود في كتاب المراسيل ، عن يحيى بن أبي كثير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : " إن علمتم فيهم حرفة ، ولا ترسلوهم كلا على الناس " .
وقوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) اختلف المفسرون فيه ، فقال قائلون : معناه اطرحوا لهم من الكتابة بعضها ، ثم قال بعضهم : مقدار الربع . وقيل : الثلث . وقيل : النصف . وقيل : جزء من الكتابة من غير واحد .
وقال آخرون : بل المراد من قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) هو النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكوات . وهذا قول الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأبيه ، ومقاتل بن حيان . واختاره ابن جرير .
وقال إبراهيم النخعي في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : حث الناس عليه مولاه وغيره . وكذلك قال بريدة بن الحصيب الأسلمي ، وقتادة .
وقال ابن عباس : أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب . وقد تقدم في الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة حق على الله عونهم " : فذكر منهم المكاتب يريد الأداء ، والقول الأول أشهر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا وكيع ، عن ابن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن عمر; أنه كاتب عبدا له ، يكنى أبا أمية ، فجاء بنجمه حين حل ، فقال : يا أبا أمية ، اذهب فاستعن به في مكاتبتك . قال : يا أمير المؤمنين ، لو تركته حتى يكون من آخر نجم؟ قال : أخاف ألا أدرك ذلك . ثم قرأ : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال عكرمة : كان أول نجم أدي في الإسلام .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ، مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته . ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته ، وضع عنه ما أحب .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : يعني : ضعوا عنهم من مكاتبتهم . وكذلك قال مجاهد ، وعطاء ، والقاسم بن أبي بزة ، وعبد الكريم بن مالك الجزري ، والسدي .
وقال محمد بن سيرين في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) : كان يعجبهم أن يدع الرجل لمكاتبه طائفة من مكاتبته .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا الفضل بن شاذان المقرئ ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، أخبرني عطاء بن السائب : أن عبد الله بن جندب أخبره ، عن علي ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ربع الكتابة " .
وهذا حديث غريب ، ورفعه منكر ، والأشبه أنه موقوف على علي ، رضي الله عنه ، كما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي ، رحمه الله .
وقوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) الآية : كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة ، أرسلها تزني ، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت . فلما جاء الإسلام ، نهى الله المسلمين عن ذلك .
وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة - فيما ذكره غير واحد من المفسرين ، من السلف والخلف - في شأن عبد الله بن أبي بن سلول [ المنافق ] فإنه كان له إماء ، فكان يكرههن على البغاء طلبا لخراجهن ، ورغبة في أولادهن ، ورئاسة منه فيما يزعم [ قبحه الله ولعنه ]
[ ذكر الآثار الواردة في ذلك ]
قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، رحمه الله ، في مسنده : حدثنا أحمد بن داود الواسطي ، حدثنا أبو عمرو اللخمي - يعني : محمد بن الحجاج - حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري قال : كانت جارية لعبد الله بن أبي بن سلول ، يقال لها : معاذة ، يكرهها على الزنى ، فلما جاء الإسلام نزلت : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) إلى قوله : ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم )
وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر في هذه الآية : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) قال : نزلت في أمة لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها : مسيكة ، كان يكرهها على الفجور - وكانت لا بأس بها - فتأبى . فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية إلى قوله ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .
وروى النسائي ، من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر نحوه
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا علي بن سعيد ، حدثنا الأعمش ، حدثني أبو سفيان ، عن جابر قال : كان لعبد الله بن أبي بن سلول جارية يقال لها : مسيكة ، وكان يكرهها على البغاء ، فأنزل الله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) ، إلى قوله : ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .
صرح الأعمش بالسماع من أبي سفيان طلحة بن نافع ، فدل على بطلان قول من قال : " لم يسمع منه ، إنما هو صحيفة " حكاه البزار .
قال أبو داود الطيالسي ، عن سليمان بن معاذ ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس; أن جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية ، فولدت أولادا من الزنى ، فقال لها : ما لك لا تزنين؟ قالت لا والله لا أزني . فضربها ، فأنزل الله عز وجل : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا )
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري : أن رجلا من قريش أسر يوم بدر ، وكان عند عبد الله بن أبي أسيرا ، وكانت لعبد الله بن أبي جارية يقال لها : معاذة ، وكان القرشي الأسير يريدها على نفسها ، وكانت مسلمة . وكانت تمتنع منه لإسلامها ، وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك ويضربها ، رجاء أن تحمل للقرشي ، فيطلب فداء ولده ، فقال تبارك وتعالى : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا )
وقال السدي : أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، وكانت له جارية تدعى معاذة ، وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها ، إرادة الثواب منه والكرامة له . فأقبلت الجارية إلى أبي بكر ، رضي الله عنه فشكت إليه ذلك ، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره بقبضها . فصاح عبد الله بن أبي : من يعذرني من محمد ، يغلبنا على مملوكتنا؟ فأنزل الله فيهم هذا .
وقال مقاتل بن حيان : بلغنا - والله أعلم - أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما ، إحداهما اسمها مسيكة ، وكانت للأنصاري ، وكانت أميمة أم مسيكة لعبد الله بن أبي ، وكانت معاذة وأروى بتلك المنزلة ، فأتت مسيكة وأمها النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرتا ذلك له ، فأنزل الله في ذلك ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) يعني : الزنى .
وقوله : ( إن أردن تحصنا ) هذا خرج مخرج الغالب ، فلا مفهوم له . وقوله : ( لتبتغوا عرض [ الحياة ] الدنيا ) أي : من خراجهن ومهورهن وأولادهن . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن كسب الحجام ، ومهر البغي وحلوان الكاهن - وفي رواية : " مهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث ، وثمن الكلب خبيث "
وقوله : ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) [ أي : لهن ، كما تقدم في الحديث عن جابر .
وقال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم ] وإثمهن على من أكرههن : وكذا قال مجاهد ، وعطاء الخراساني ، والأعمش ، وقتادة .
وقال أبو عبيد : حدثني إسحاق الأزرق ، عن عوف ، عن الحسن في هذه الآية : ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) قال : لهن والله . لهن والله .
وعن الزهري قال : غفور لهن ما أكرهن عليه .
وعن زيد بن أسلم قال : غفور رحيم للمكرهات .
حكاهن ابن المنذر في تفسيره بأسانيده .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء ، عن سعيد بن جبير قال : في قراءة عبد الله بن مسعود : " فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم " وإثمهن على من أكرههن .
وفي الحديث المرفوع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
يقول تعالى ذكره: ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ) ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرّم الله عليهم من الفواحش، حتى يغنيهم الله من سعة فضله، ويوسِّع عليهم من رزقه.
وقوله: ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: والذين يلتمسون المكاتبة منكم من مماليككم ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) ، واختلف أهل العلم في وجه مكاتبة الرجل عبده، الذي قد علم فيه خيرا، وهل قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) على وجه الفرض، أم هو على وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم فيه خيرا، إذا سأله العبد ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أواجب عليّ إذا علمت مالا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبا، وقالها عمرو بن دينار، قال: قلت لعطاء: أتأثِره عن أحد؟ قال: لا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قَتَادَة، عن أنس بن مالك أن سيرين أراد أن يكاتبه، فتلكأ عليه، فقال له عمر: لتكاتبنه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده المملوك الصالح، الذي له المال يريد إن يكاتب، ألا يكاتبه.
وقال آخرون: ذلك غير واجب على السيد، وإنما قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ ) ندب من الله سادة العبيد إلى كتابة من عُلم فيه منهم خير، لا إيجاب.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده، وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سُئل عن ذلك، فقيل له: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يتلو هاتين الآيتين وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ قال مالك: فإنما ذلك أمر أذن الله فيه للناس، وليس بواجب على الناس ولا يلزم أحدا. وقال الثوري: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه، فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه، ولا يجبر السيد على ذلك.
حدثني بذلك عليّ عن زيد، عنه، وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: ليس بواجب عليه أن يكاتبه، إنما هذا أمر أذن الله فيه، ودليل.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: واجب على سيد العبد أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا، وسأله العبد الكتابة، وذلك أن ظاهر قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ ) ظاهر أمر، وأمر الله فرض الانتهاء إليه، ما لم يكن دليل من كتاب أو سنة، على أنه ندب، لما قد بيَّنا من العلة في كتابنا المسمى " البيان عن أصول الأحكام ".
وأما الخير الذي أمر الله تعالى ذكره عباده بكتابة عبيدهم إذا علموه فيهم، فهو القدرة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كره أن يكاتب مملوكه إذا لم تكن له حرفة، قال: تطعمني أوساخ الناس.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يقول: إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك بن أنس، عن قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) فقال: إنه ليقال: الخير القوة على الأداء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه قول الله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: الخير: القوة على ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علمتم فيهم صدقا ووفاء وأداء.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: صدقا ووفاء وأداء وأمانة.
قال: ثنا ابن عُلية، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاووس، أنهما قالا في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قالا مالا وأمانة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: أداء وأمانة.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، قال: كان إبراهيم يقول في هذه الآية ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: صدقا ووفاء، أو أحدهما.
حدثنا أبو بكر، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: أداء ومالا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك المال والصلاح.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفيان: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يعني: صدقا ووفاء وأمانة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: إن علمت فيه خيرا لنفسك، يؤدّي إليك ويصدّقك ما حدثك؛ فكاتبه.
وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علمتم لهم مالا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يقول: إن علمتم لهم مالا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: لهم مالا فكاتبوهم.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: إن علمتم لهم مالا كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زاذان، عن عطاء بن أبي رباح: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، قال: إن علمتم عندهم مالا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني محمد بن عمرو اليافعي، عن ابن جُرَيج، أن عطاء بن أبي رباح، كان يقول: ما نراه إلا المال، يعني قوله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: ثم تلا كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا .
وأولى هذه الأقوال في معنى ذلك عندي قول من قال: معناه فكاتبوهم إن علمتم فيهم قوة على الاحتراف والاكتساب، ووفاء بما أوجب على نفسه وألزمها وصدق لهجة. وذلك أن هذه المعاني هي الأسباب التي بمولى العبد الحاجة إليها إذا كاتب عبده مما يكون في العبد.
فأما المال وإن كان من الخير، فإنه لا يكون في العبد وإنما يكون عنده أو له لا فيه، والله إنما أوجب علينا مكاتبة العبد إذا علمنا فيه خيرا، لا إذا علمنا عنده أو له، فلذلك لم نقل: إن الخير في هذا الموضع معنيّ به المال.
وقوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول تعالى ذكره: وأعطوهم من مال الله الذي أعطاكم.
ثم اختلف أهل التأويل في المأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه، من هو؟ وفي المال، أيّ الأموال هو؟ فقال: بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء المكاتب من مال الله: هو مولى العبد المكاتب، ومال الله الذي أمر بإعطائه منه هو مال الكتابة، والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.
وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك المولى.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عمرو بن عليّ، قال: ثنا عمران بن عيينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ في قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ربع المكاتبة.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ربع الكتابة يحطها عنه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث بن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ رضي الله عنه ، في قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الربع من أوّل نجومه.
قال: أخبرنا ابن علية، قال عطاء بن السائب: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الربع من مكاتبته.
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الملك بن أعين، قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما في أربعة آلاف درهم، ثم وضع له الربع، ثم قال: لولا أني رأيت عليا، رضوان الله عليه كاتب غلاما له، ثم وضع له الربع ، ما وضعت لك شيئا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنه كاتب غلاما له على ألف ومئتين، فترك الربع وأشهدني، فقال لي: كان صديقك يفعل هذا، يعني عليا رضوان الله عليه يتأوّل ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان ،عن عبد الملك، قال: ثني فضالة بن أبي أمية، عن أبيه، قال: كاتبني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فاستقرض لي من حفصة مئتي درهم. قلت: ألا تجعلها في مكاتبتي؟ قال: إني لا أدري أدرك ذاك أم لا.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، بلغني أنه كاتبه على مئة أوقية، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك، قال: ذكرت ذلك لعكرمة، فقال: هو قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قول الله ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي،قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول: ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: مما أخرج الله لكم منهم.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: آتِهمْ مما في يديك.
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، عن أسباط، عن السديّ، عن أبيه، قال: كاتبتني زينب بنت قيس، بن مخرمة من بني المطلب بن عبد مناف على عشرة آلاف، فتركت لي ألفا وكانت زينب قد صلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعا.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن مسعود الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مولى أبي أسيد، قال: كاتبني أبو أسيد، على ثنتي عشرة مئة، فجئته بها، فأخذ منها ألفا، وردّ عليّ مئتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أوّل نجومه؛ مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته، ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن نافع، قال: كاتب عبد الله بن عمر غلامًا له يقال له: شرف، على خمسة وثلاثين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف ولم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.
قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، وعلى ذلك أهل العلم، وعمل الناس عندنا.
حدثني عليّ، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفيان: أحبّ إليّ أن يعطيه الربع، أو أقلّ منه شيئا، وليس بواجب، وأن يفعل ذلك حسن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ رضي الله عنه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: هو ربع المكاتبة.
وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال على أن يعطوهم سهمهم، الذي جعله لهم من الصدقات المفروضة لهم في أموالهم، بقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ قال: فالرقاب التي جعل فيها أحد سُهمان الصدقة الثمانية هم المكاتبون، قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) : أي سهمهم من الصدقة.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثني يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن ابن زيد، عن أبيه، قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: يحث الله عليه يعطونه.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: حثّ الناس عليه، مولاه وغيره.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: يعطي مكاتبه وغيره حثّ الناس عليه.
حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه قال في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: أمر المسلمين أن يعطوهم مما آتاهم الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ذلك في الزكاة على الولاة، يعطونهم من الزكاة، يقول الله وَفِي الرِّقَابِ .
قال: ثني ابن زيد، عن أبيه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الفيء والصدقات. وقرأ قول الله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، وقرأ حتى بلغ: وَفِي الرِّقَابِ فأمر الله أن يوفوها منه، فليس ذلك من الكتابة، قال: وكان أبي يقول: ما له وللكتابة؟! هو من مال الله الذي فرض له فيه نصيبا.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الثاني، وهو قول من قال: عنى به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة.
وإنما قلنا ذلك أولى القولين، لأن قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) أمر من الله تعالى ذكره بإيتاء المكاتبين من ماله الذي آتى أهل الأموال، وأمر الله فرض على عباده الانتهاء إليه، ما لم يخبرهم أن مراده الندب، لما قد بيَّنا في غير موضع من كتابنا، فإذ كان ذلك كذلك ولم يكن أخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ندب، ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الحجة قد قامت أن لا حق لأحد في مال أحد غيره من المسلمين، إلا ما أوجبه الله لأهل سهمان الصدقة في أموال الأغنياء منهم، وكانت الكتابة التي يقتضيها سيد المكاتب من مكاتبه مالا من مال سيد المكاتب، فيفاد أن الحقّ الذي أوجب الله له على المؤمنين أن يؤتوه من أموالهم، هو ما فرض على الأغنياء في أموالهم له من الصدقة المفروضة، إذ كان لا حقّ في أموالهم لأحد سواها.
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ
يقول تعالى ذكره: زوّجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا( إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) يقول: إن أردن تعففا عن الزنا.
( لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهنّ على الزنا عرض الحياة الدنيا وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها، ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ ) يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهنّ على ذلك، لهن ( غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن.
وذُكر أن هذه الآية أنـزلت في عبد الله بن أُبي ابن سلول، حين أكره أمته مسيكة على الزنا.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن الصباح، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مسيكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهني على الزنا، فنـزلت في ذلك: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ).
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: كانت جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول، يقال لها مسيكة، فآجرها أو أكرهها " الطبري شكّ" فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فشكت ذلك إليه، فأنـزل الله ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يعني بهنّ.
حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن الشعبي، في قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) قال: رجل كانت له جارية تفجر، فلما أسلمت نـزلت هذه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: جاءت جارية لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي أكرهني على البغاء، فأنـزل الله في ذلك ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ )قال ابن جُرَيج: وأخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: أمة لعبد الله بن أُبَيّ، أمرها فزنت، فجاءت ببرد، فقال لها: ارجعي فازني، قالت: والله لا أفعل، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه، وإن يك شرّا فقد آن لي أن أدعه. قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد نحو ذلك، وزاد قال: البغاء الزنا، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قال: للمكرهات على الزنا، وفيها نـزلت هذه الآية.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري أن رجلا من قريش أُسر يوم بدر، وكان عبد الله بن أُبي أسره، وكان لعبد الله جارية يقال: لها معاذة، فكان القرشيّ الأسير يريدها على نفسها، وكانت مسلمة، فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أُبي يُكرهها على ذلك، ويضربها رجاء أن تحمل للقرشيّ، فيطلب فداء ولده، فقال الله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) قال الزهري: ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: غفور لهنّ ما أكرهن عليه.
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، أنه كان يقرأ: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لهن غَفُورٌ رَحِيمٌ .
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) يقول: ولا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيم، وإثمهنّ على من أكرههنّ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) ... إلى آخر الآية، قال: كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، يأخذون أجورهن، فقال الله: لا تكرهوهنّ على الزنا من أجل المنالة في الدنيا، ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لهنّ يعني إذا أكرهن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) على الزنا، قال: عبد الله بن أُبي ابن سلول أمر أمة له بالزنا، فجاءته بدينار أو ببرد " شكّ أبو عاصم " فأعطته، فقال: ارجعي فازني بآخر، فقالت: والله ما أنا براجعة، فالله غفور رحيم للمكرهات على الزنا ، ففي هذا أنـزلت هذه الآية.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. إلا أنه قال في حديثه: أمر أمة له بالزنا، فزنت فجاءته ببرد فأعطته، فلم يشك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) يقول: على الزنا( فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: غفور لهنّ، للمكرهات على الزنا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: ابن زيد، في قوله: ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قال: غفور رحيم لهنّ حين أكرهن وقسرن على ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك، فيصبن، فيأتينهم بكسبهنّ، فكانت لعبد الله بن أُبي ابن سلول جارية، فكانت تباغي. فكرهت وحلفت أن لا تفعله، فأكرهها أهلها، فانطلقت فباغت ببرد أخضر، فأتتهم به، فأنـزل الله تبارك وتعالى: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) ... الآية.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 94 | ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ |
---|
النور: 33 | ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ |
---|
الأنفال: 67 | ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذا تعظيم وتفخيم لهذه الآيات، التي تلاها على عباده، ليعرفوا قدرها، ويقوموا بحقها فقال:{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} أي:واضحات الدلالة، على كل أمر تحتاجون إليه، من الأصول والفروع، بحيث لا يبقى فيها إشكال ولا شبهة،{ و} أنزلنا إليكم أيضا{ مثلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} من أخبار الأولين، الصالح منهم والطالح، وصفة أعمالهم، وما جرى لهم وجرى عليهم تعتبرونه مثالا ومعتبرا، لمن فعل مثل أفعالهم أن يجازى مثل ما جوزوا.{ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} أي:وأنزلنا إليكم موعظة للمتقين، من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، يتعظ بها المتقون، فينكفون عما يكره الله إلى ما يحبه الله.
ثم ختم- سبحانه- هذه التشريعات الحكيمة. والتوجيهات السديدة، بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. وقوله مُبَيِّناتٍ قرأها بعض القراء السبعة بفتح الياء المشددة، وقرأها الباقون بكسرها.
فعلى قراءة الفتح يكون المعنى: وبالله لقد أنزلنا إليكم- أيها المؤمنون- في هذه السورة وغيرها آيات بيّنّا لكم معانيها، وجعلناها واضحة الدلالة على ما شرعناها لكم من أحكام وآداب وحدود.
وعلى قراءة الكسر يكون المعنى: وبالله لقد أنزلنا إليكم آيات، هي مبينات موضحات لكل ما أنتم في حاجة إلى بيانه ومعرفته من آداب وتشريعات، فإسناد التبيين هنا إلى الآيات على سبيل المجاز.
وقوله: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ معطوف على «آيات» . والمراد بالمثل:
الأخبار العجيبة التي ذكرها- سبحانه- عن السابقين.
أى، أنزلنا إليكم آيات واضحات في ذاتها وموضحة لغيرها. وأنزلنا إليكم- أيضا-قصصا عجيبة، من أخبار السابقين الذين خلوا من قبلكم، لتهتدوا بها فيما يقع بينكم من أحداث.
فمثلا: لا تتعجبوا من كون عائشة- رضى الله عنها- قد اتهمت بما هي منه بريئة. فقد اتّهمت من قبلها مريم بالفعل الفاضح الذي برأها الله تعالى منه، واتهم يوسف- عليه السلام-: بما هو منه برىء، وألقى في السجن بضع سنين مع براءته.
فيوسف ومريم وعائشة، قد برأهم الله- تعالى- مما رموا به، وكفى بشهادة الله شهادة.
وقوله وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أى: وجعلنا هذه الآيات التي أنزلنا إليكم موعظة يتعظ بها المتقون، الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله، وراقبوه- سبحانه- في السر والعلن، فانتفعوا بها دون غيرهم من المفسدين والفاسقين.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف الآيات التي أنزلها على عباده المؤمنين بثلاث صفات. وصفها- أولا- بأنها بينة في ذاتها أو مبينة لغيرها، ووصفها- ثانيا- بأنها مشتملة على الأمثال العجيبة لأحوال السابقين، ووصفها- ثالثا- بأنها موعظة للمتقين الذين تستشعر قلوبهم دائما الخوف من الله- تعالى-.
وما ذكره الله- تعالى- قبل هذه الآية من آداب وأحكام يتناسق مع التعقيب كل التناسق، ويتجاوب معه كل التجاوب.
وكيف لا يكون كذلك، والقرآن هو كلام الله الذي أعجز كل البلغاء والفصحاء، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك، إلى الحديث عن جلال الله- تعالى- ونوره وعظمته وعن بيوته التي أذن لها أن ترفع، وعن الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن طاعته وتقديسه، وعن الجزاء الحسن الذي أعده الله- سبحانه- لهؤلاء الأخيار، فقال:
ولما فصل تعالى هذه الأحكام وبينها قال : ( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) يعني : القرآن فيه آيات واضحات مفسرات ، ( ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ) أي : خبرا عن الأمم الماضية ، وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى ، كما قال تعالى : ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) [ الزخرف : 56 ]
( وموعظة ) أي : زاجرا عن ارتكاب المآثم والمحارم ) للمتقين ) أي : لمن اتقى الله وخافه .
قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في صفة القرآن : فيه حكم ما بينكم ، وخبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .
يقول تعالى ذكره: ولقد أنـزلنا إليكم أيها الناس دلالات وعلامات مبينات: يقول مفصلات الحقّ من الباطل، وموضحات ذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة، وبعض الكوفيين والبصريين " مُبَيَّنَاتٍ" بفتح الياء: بمعنى مفصلات، وأن الله فصلهن وبينهنّ لعباده، فهنّ مفصلات مبينات. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ( مُبَيِّنَاتٍ ) بكسر الياء، بمعنى أن الآيات هن تبين الحقّ والصواب للناس وتهديهم إلى الحقّ.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى، وذلك أن الله إذ فصّلها وبيَّنها صارت مبينة بنفسها الحق لمن التمسه من قِبَلها، وإذا بيَّنت ذلك لمن التمسه من قبلها، فيبين الله ذلك فيها، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب، في قراءته الصواب.
وقوله: ( وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) من الأمم، ( وَمَوْعِظَةً) لمن اتقى الله، فخاف عقابه وخشي عذابه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 138 | ﴿هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ |
---|
البقرة: 66 | ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ |
---|
المائدة: 46 | ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ |
---|
النور: 34 | ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
مبينات:
وقرئ:
1- بفتح الياء، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو، وأبى بكر.
2- بكسر الياء، وهى قراءة باقى السبعة، والحسن، وطلحة، والأعمش.
التفسير :
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا:كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر،{ مَثَلُ نُورِهِ} الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين،{ كَمِشْكَاةٍ} أي:كوة{ فِيهَا مِصْبَاحٌ} لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك{ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} من صفائها وبهائها{ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أي:مضيء إضاءة الدر.{ يُوقَدُ} ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية{ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} أي:يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون،{ لَا شَرْقِيَّةٍ} فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار،{ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} فقط، فلا تصيبها الشمس [أول]النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال:{ يَكَادُ زَيْتُهَا} من صفائه{ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة{ نُورٌ عَلَى نُورٍ} أي:نور النار، ونور الزيت.
ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره.
ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال:{ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو.{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا،{ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: «قوله- تعالى-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
النور في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر. واستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح.
فيقال: كلام له نور.. وفلان نور البلد.
فيجوز أن يقال: لله- تعالى- نور، من جهة المدح، لأنه أوجد جميع الأشياء، ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها، وعنه صدورها، وهو- سبحانه- ليس من الأضواء المدركة، جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية: فقيل: المعنى: به وبقدرته أنارت أضواؤها.
واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما يقال: الملك نور أهل البلد، أى: به قوام أمرها.. فهو- أى النور- في الملك مجاز. وهو في صفة الله- تعالى- حقيقة محضة.
قال ابن عرفة: أى منور السموات والأرض. وقال مجاهد: مدبر الأمور في السموات والأرض.
وقال ابن عباس: المعنى: الله هادي السموات والأرض. والأول أعم للمعاني وأصح مع التأويل .
ويبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب هو الذي رجحه الإمام القرطبي فيكون معنى الجملة الكريمة: الله- تعالى- هو نور العالم كله علويه وسفليه، بمعنى منوره بالمخلوقات التكوينية، وبالآيات التنزيلية، وبالرسالات السماوية، الدالة دلالة واضحة على وجوده- سبحانه- وعلى وحدانيته، وقدرته، وسائر صفاته الكريمة، والهادية إلى الحق، وإلى ما به صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم.
قال ابن كثير: «وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يقول: «اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن» .
وقال صلّى الله عليه وسلّم في دعائه يوم آذاه المشركون من أهل الطائف: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى- أى الرجوع عن الذنب- حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» .
وأضاف- سبحانه- نوره إلى السموات والأرض، للدلالة على سعة إشراق هذا النور، وعموم سنائه، وتمام بهائه في الكون كله.
ثم قرب- عز وجل- نوره إلى الأذهان فقال: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ...
أى: صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة والسطوع، كصفة مشكاة- وهي الفتحة الصغيرة في الجدار دون أن تكون نافذة فيه- هذه المشكاة فيها مصباح، أى: سراج ضخم ثاقب تشع منه الأنوار.
وقال- سبحانه-: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ لأن وجود المصباح في هذه المشكاة يكون أجمع لنوره، وأحصر لضيائه، فيبدو قويا متألقا، بخلاف ما لو كان المصباح في مكان نافذ فإنه لا يكون كذلك.
الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ أى: في قنديل من الزجاج الصافي النقي، الذي يقيه الريح، ويزيده توهجا وتألقا.
هذه الزُّجاجَةُ في ذاتها كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أى شديد الإنارة، نسبة إلى الدر في صفائه وسنائه وإشراقه وحسنه.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ أى: هذا المصباح يستمد نوره من زيت شجرة مباركة أى: كثيرة المنافع، زيتونة أى: هي شجرة الزيتون.
فحرف «من» لابتداء الغاية، والكلام، على حذف مضاف، أى: من زيت شجرة، مباركة: صفة لشجرة، وزيتونة: بدل أو عطف بيان من شجرة.
ووصف- سبحانه- شجرة الزيتون بالبركة، لطول عمرها. وتعدد فوائدها التي من مظاهرها: الانتفاع بزيتها وخصبها وورقها وثمارها.
قال- تعالى- وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ.
وقوله- سبحانه-: لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ صفة أخرى لشجرة الزيتون.
أى: أن هذه الشجرة ليست متميزة إلى مكان معين أو جهة معينة بل هي مستقبلة للشمس طول النهار، تسطع عليها عند شروقها وعند غروبها وما بين ذلك، فترتب على تعرضها للشمس طول النهار، امتداد حياتها، وعظم نمائها وحسن ثمارها.
وقوله- تعالى-: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ صفة ثالثة لتلك الشجرة.
أى، أنها يكاد زيتها من شدة صفائه ونقائه يضيء دون أن تمسه النار، فهو زيت من نوع خاص، بلغ من الشفافية أقصاها، ومن الجودة أعلاها.
قال بعض العلماء: وقد شبّه في الآية نور الله، بمعنى أدلته، وآياته- سبحانه- من حيث دلالتها على الهدى والحق، وعلى ما ينفع الخلق في الحياتين شبه ذلك بنور المشكاة التي فيها زجاجة صافية، وفي تلك الزجاجة مصباح يتقد بزيت بلغ الغاية في الصفاء والرقة والإشراق، حتى يكاد يضيء بنفسه من غير أن تمسه نار» .
وقوله- سبحانه-: نُورٌ عَلى نُورٍ أى: هو نور عظيم متضاعف، كائن على نور عظيم مثله، إذ أن نور الله- تعالى- لا حد لتضاعفه، ولا نهاية لعمقه بخلاف الأنوار الأخرى. فإن لتضاعفها حدا محدودا مهما كان إشراقها وضوؤها.
فقوله: نُورُ خبر لمبتدأ محذوف، أى: هو نور. وقوله عَلى نُورٍ متعلق بمحذوف هو صفة له، مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة. أى: كائن على نور مثله.
ثم بين- سبحانه- سنة من سننه فقال: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ أى: يهدى الله- تعالى- لنوره العظيم من يشاء هدايته من عباده، بأن يوفقهم للإيمان، والعمل بتعاليم الإسلام، وللسير على طريق الحق والرشاد.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
أى: ويضرب الله- تعالى- الأمثال للناس، لكي يقرب لهم الأمور وييسر لهم المسائل، ويبرز لهم المعقول في صورة المحسوس، والله- تعالى- بكل شيء عليم، سواء أكان هذا الشيء ظاهرا أم باطنا، معقولا أم محسوسا.
قال بعض العلماء ما ملخصه: هذه الآية الكريمة من الآيات التي صنفت فيها مصنفات، منها «مشكاة الأنوار» للإمام الغزالي ... ومنها ما قاله الإمام ابن القيم عنها في كتابه «الجيوش الإسلامية» .
فقد قال- رحمه الله-: سمى الله تعالى- نفسه نورا، وجعل كتابه نورا، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم نورا، ودينه نورا، واحتجب عن خلقه بالنور وجعل دار أوليائه نورا يتلألأ. قال- تعالى- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقد فسر بكونه منور السموات والأرض وهادي أهل السموات والأرض فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض. وهذا إنما هو فعله. وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به. ومنه اشتق اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى..» .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( الله نور السماوات والأرض ) يقول : هادي أهل السماوات والأرض .
وقال ابن جريج : قال مجاهد وابن عباس في قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) يدبر الأمر فيهما ، نجومهما وشمسهما وقمرهما .
وقال ابن جرير : حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، حدثنا وهب بن راشد ، عن فرقد ، عن أنس بن مالك قال : إن إلهي يقول : نوري هداي .
واختار هذا القول ابن جرير ، رحمه الله .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قول الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) قال : هو المؤمن الذي جعل [ الله ] الإيمان والقرآن في صدره ، فضرب الله مثله فقال : ( الله نور السماوات والأرض ) فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن فقال : مثل نور من آمن به . قال : فكان أبي بن كعب يقرؤها : " مثل نور من آمن به فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره .
وهكذا قال سعيد بن جبير ، وقيس بن سعد ، عن ابن عباس أنه قرأها كذلك : " نور من آمن بالله " .
وقرأ بعضهم : " الله نور السماوات والأرض " " .
وعن الضحاك : " الله نور السماوات والأرض " .
وقال السدي في قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) : فبنوره أضاءت السماوات والأرض .
وفي الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه يوم آذاه أهل الطائف : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
وفي الصحيحين ، عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا قام من الليل يقول : " اللهم لك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن " الحديث .
وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه .
وقوله : ( مثل نوره ) في هذا الضمير قولان :
أحدهما : أنه عائد إلى الله ، عز وجل ، أي : مثل هداه في قلب المؤمن ، قاله ابن عباس ( كمشكاة ) .
والثاني : أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام : تقديره : مثل نور المؤمن الذي في قلبه ، كمشكاة . فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى ، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه ، كما قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [ هود : 17 ] ، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري ، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل ، الذي لا كدر فيه ولا انحراف .
فقوله : ( كمشكاة ) : قال ابن عباس ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب ، وغير واحد : هو موضع الفتيلة من القنديل . هذا هو المشهور; ولهذا قال بعده : ( فيها مصباح ) ، وهو الذبالة التي تضيء .
وقال العوفي ، عن ابن عباس [ في ] قوله : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) : وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره ، فقال : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ) . والمشكاة : كوة في البيت - قال : وهو مثل ضربه الله لطاعته . فسمى الله طاعته نورا ، ثم سماها أنواعا شتى .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الكوة بلغة الحبشة . وزاد غيره فقال : المشكاة : الكوة التي لا منفذ لها . وعن مجاهد : المشكاة : الحدائد التي يعلق بها القنديل .
والقول الأول أولى ، وهو : أن المشكاة هي موضع الفتيلة من القنديل; ولهذا قال : ( فيها مصباح ) وهو النور الذي في الذبالة .
قال أبي بن كعب : المصباح : النور ، وهو القرآن والإيمان الذي في صدره .
وقال السدي : هو السراج .
( المصباح في زجاجة ) أي : هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية .
قال أبي بن كعب وغير واحد : وهي نظير قلب المؤمن . ( الزجاجة كأنها كوكب دري ) : قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة ، من الدر ، أي : كأنها كوكب من در .
وقرأ آخرون : " دريء " و " دريء " بكسر الدال وضمها مع الهمز ، من الدرء وهو الدفع; وذلك أن النجم إذا رمي به يكون أشد استنارة من سائر الأحوال ، والعرب تسمي ما لا يعرف من الكواكب دراري .
قال أبي بن كعب : كوكب مضيء . وقال قتادة : مضيء مبين ضخم . ( يوقد من شجرة مباركة ) أي : يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة ) زيتونة ) بدل أو عطف بيان ( لا شرقية ولا غربية ) أي : ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ، ولا في غربيها فيتقلص عنها الفيء قبل الغروب ، بل هي في مكان وسط ، تفرعه الشمس من أول النهار إلى آخره ، فيجيء زيتها معتدلا صافيا مشرقا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ، أخبرنا عمرو بن أبي قيس ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : شجرة بالصحراء ، لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، وهو أجود لزيتها .
وقال يحيى بن سعيد القطان ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، في قوله : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي بصحراء ، وذلك أصفى لزينتها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن فروخ ، عن حبيب بن الزبير ، عن عكرمة - وسأله رجل عن : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال تلك [ زيتونة ] بأرض فلاة ، إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها ، وإذا غربت غربت عليها فذاك أصفى ما يكون من الزيت .
وقال مجاهد في قوله : ( [ زيتونة ] لا شرقية ولا غربية ) قال : ليست بشرقية ، لا تصيبها الشمس إذا غربت ، ولا غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، [ ولكنها شرقية وغربية ، تصيبها إذا طلعت ] وإذا غربت .
وقال سعيد بن جبير في قوله ( زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ) قال : هو أجود الزيت . قال : إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق ، فإذا أخذت في الغروب أصابتها الشمس ، فالشمس تصيبها بالغداة والعشي ، فتلك لا تعد شرقية ولا غربية .
وقال السدي [ في ] قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) يقول : ليست بشرقية يحوزها المشرق ، ولا غربية يحوزها المغرب دون المشرق ، ولكنها على رأس جبل ، أو في صحراء ، تصيبها الشمس النهار كله .
وقيل : المراد بقوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) أنها في وسط الشجر ، وليست بادية للمشرق ولا للمغرب .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قول الله تعالى : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : فهي خضراء ناعمة ، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت ، لا إذا طلعت ولا إذا غربت . قال : فكذلك هذا المؤمن ، قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها فيثبته الله فيها ، فهو بين أربع خلال : إن قال صدق ، وإن حكم عدل ، وإن ابتلي صبر ، وإن أعطي شكر ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : هي وسط الشجر ، لا تصيبها الشمس شرقا ولا غربا .
وقال عطية العوفي : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي شجرة في موضع من الشجر ، يرى ظل ثمرها في ورقها ، وهذه من الشجر لا تطلع عليها الشمس ولا تغرب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : ( لا شرقية ولا غربية ) ليست شرقية ليس فيها غرب ، ولا غربية ليس فيها شرق ، ولكنها شرقية غربية .
وقال محمد بن كعب القرظي : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي القبلية .
وقال زيد بن أسلم : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : الشام .
وقال الحسن البصري : لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه مثل ضربه الله لنوره .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( توقد من شجرة مباركة ) قال : رجل صالح ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : لا يهودي ولا نصراني .
وأولى هذه الأقوال القول الأول ، وهو أنها في مستوى من الأرض ، في مكان فسيح بارز ظاهر ضاح للشمس ، تفرعه من أول النهار إلى آخره ، ليكون ذلك أصفى لزينتها وألطف ، كما قال غير واحد ممن تقدم; ولهذا قال : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني : لضوء إشراق الزيت .
وقوله : ( نور على نور ) قال العوفي ، عن ابن عباس : يعني بذلك إيمان العبد وعمله .
وقال مجاهد ، والسدي : يعني نور النار ونور الزيت .
وقال أبي بن كعب : ( نور على نور ) فهو يتقلب في خمسة من النور ، فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة .
وقال شمر بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : حدثني عن قول الله : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) قال : يكاد محمد يبين للناس ، وإن لم يتكلم ، أنه نبي ، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء .
وقال السدي في قوله : ( نور على نور ) قال : نور النار ونور الزيت ، حين اجتمعا أضاءا ، ولا يضيء واحد بغير صاحبه [ كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا ، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه ]
وقوله : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) أي : يرشد الله إلى هدايته من يختاره ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله [ بن ] الديلمي ، عن عبد الله بن عمرو ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ ، فمن أصاب يومئذ من نوره اهتدى ، ومن أخطأه ضل . فلذلك أقول : جف القلم على علم الله عز وجل "
طريق أخرى عنه : قال البزار : حدثنا أيوب بن سويد ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ، فألقى عليهم نورا من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل . [ ورواه البزار ، عن عبد الله بن عمرو من طريق آخر ، بلفظه وحروفه ] .
وقوله تعالى : ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) لما ذكر تعالى هذا مثلا لنور هداه في قلب المؤمن ، ختم الآية بقوله : ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) أي : هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الإضلال .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر : حدثنا أبو معاوية - يعني شيبان - ، عن ليث ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح : فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن ، سراجه فيه نوره . وأما القلب الأغلف فقلب الكافر . وأما القلب المنكوس فقلب [ المنافق ] عرف ثم أنكر . وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " . إسناده جيد ولم يخرجوه .
يعني تعالى ذكره بقوله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) هادي من في السماوات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول: الله سبحانه هادي أهل السماوات والأرض.
حدثني سليمان بن عمر بن خلدة الرقي، قال: ثنا وهب بن راشد، عن فرقد، عن أنس بن مالك، قال: إن إلهي يقول: نوري هُداي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الله مدبر السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد وابن عباس في قوله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) : يدبر الأمر فيهما، نجومهما وشمسهما وقمرهما.
وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: فبدأ بنور نفسه، فذكره، ثم ذكر نور المؤمن.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك; لأنه عقيب قوله: وَلَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ فكان ذلك بأن يكون خبرًا عن موقع يقع تنـزيله من خلقه. ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه، أولى وأشبه، ما لم يأت ما يدلُّ على انقضاء الخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ولقد أنـزلنا إليكم أيها الناس آيات مبينات الحقّ من الباطل وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ فهديناكم بها، وبيَّنا لكم معالم دينكم بها، لأني هادي أهل السماوات وأهل الأرض، وترك وصل الكلام باللام، وابتدأ الخبر عن هداية خلقه ابتداء، وفيه المعنى الذي ذكرت، استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره، ثم ابتدأ في الخبر عن مثل هدايته خلقه بالآيات المبينات التي أنـزلها إليهم، فقال: ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) يقول: مثل ما أنار من الحقّ بهذا التنـزيل في بيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويل في المعني بالهاء في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) علام هي عائدة، ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر المؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور المؤمن الذي في قلبه من الإيمان والقرآن مثل مشكاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره، يقول مثل نور المؤمن. قال: وكان أُبيّ يقرؤها: كذلك مثل المؤمن، قال: هو المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ) قال: بدأ بنور نفسه فذكره، ثم قال: ( مَثَلُ نُورِهِ ) يقول: مثل نور من آمن به، قال: وكذلك كان يقرأ أُبيّ، قال: هو عبد جعل الله القرآن والإيمان في صدره.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير ( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: مثل نور المؤمن.
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: نور المؤمن.
وقال آخرون: بل عُني بالنور: محمد صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: الهاء التي في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) عائدة على اسم الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص، عن شمر قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله عزّ وجلّ: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) ... الآية؟ فقال كعب: الله نور السماوات والأرض، مثل نوره مثل محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة.
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عني بذلك: هدي الله وبيانه، وهو القرآن، قالوا: والهاء من ذكر الله. قالوا: ومعنى الكلام: الله هادي أهل السماوات والأرض بآياته المبينات، وهي النور الذي استنار به السماوات والأرض مثل هداه وآياته التي هدى بها خلقه، ووعظهم بها في قلوب المؤمنين كمشكاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( مَثَلُ نُورِهِ ) مثل هداه في قلب المؤمن.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: مثل هذا القرآن في القلب كمشكاة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( مَثَلُ نُورِهِ ) : نور القرآن الذي أنـزل على رسوله وعباده، هذا مثل القرآن ( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ).
قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في قول الله تبارك وتعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ) ونوره الذي ذكر القرآن، ومثله الذي ضرب له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مثل نور الله، وقالوا: يعني بالنور: الطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) : وذلك أن اليهود قالوا لمحمد: كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره، فقال: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) قال: وهو مثل ضربه الله لطاعته، فسمى طاعته نورا، ثم سماها أنوارا شتى.
وقوله: ( كَمِشْكَاةٍ ) اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة والمصباح، وما المراد بذلك، وبالزجاجة، فقال بعضهم: المشكاة كل كوّة لا منفذ لها، وقالوا: هذا مثل ضربه الله لقلب محمد صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله: ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) ، قال: المشكاة وهي الكوّة، ضربها الله مثلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، المشكاة ( فيها مصباح ) المصباح قَلْبِهِ ( فِي زُجَاجَةٍ ) الزُّجَاجَةُ صدره ( الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) شبه صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدريّ، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال: ( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) لم تمسّها شمس المشرق ولا شمس المغرب، ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ) يكاد محمد يبين للناس، وإن لم يتكلم أنه نبيّ، كما يكاد ذلك الزيت يضيء ( وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ).
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( كَمِشْكَاةٍ ) يقول: موضع الفتيلة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( الله نور السماوات والأرض) إِلَى (كَمِشْكَاةٍ ) قال: المشكاة: كوّة البيت.
وقال: آخرون عنى بالمشكاة: صدر المؤمن، وبالمصباح: القرآن والإيمان، وبالزجاجة: قلبه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) قال: مثل المؤمن، قد جعل الإيمان والقرآن في صدره كمشكاة، قال: المشكاة: صدره ( فِيهَا مِصْبَاحٌ ) قال: والمصباح القرآن والإيمان الذي جعل في صدره ( الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) قال: والزجاجة: قلبه ( الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ ) قال: فمثله مما استنار فيه القرآن والإيمان كأنه كوكب درّيّ، يقول: مضيء ( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ) والشجرة المباركة أصله المباركة الإخلاص لله وحده وعبادته، لا شريك له ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: فمثله مثل شجرة التفّ بها الشجر، فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أيّ حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغير، وقد ابتلي بها فثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحيّ يمشي في قبور الأموات، قال: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) فهو يتقلَّب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة في الجنة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني يحيى بن اليمان، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أُبيّ العالية، عن أبي بن كعب، قال: المشكاة: صدر المؤمن ( فِيهَا مِصْبَاحٌ ) قال: القرآن.
قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، نحو حديث عبد الأعلى، عن عبيد الله.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) قال: مثل هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء، كذلك يكون قلب المؤمن، يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، ونورا على نور، كما قال إبراهيم صلوات الله عليه قبل أن تجيئه المعرفة: ( قَالَ هَذَا رَبِّي ) حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربا، فلما أخبره الله أنه ربه ازداد هدى على هدى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره، فقال: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) والمشكاة: كوّة (3) البيت فيها مصباح، ( الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) والمصباح: السراج يكون في الزجاجة، وهو مثل ضربه الله لطاعته، فسمى طاعته نورا وسماها أنواعا شتى.
قوله: ( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ) قال: هي شجرة لا يفيء عليها ظلّ شرق ولا ظلّ غرب، ضاحية، ذلك أصفى للزيت (4) ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) قال معمر، وقال الحسن: ليست من شجر الدنيا، ليست شرقية ولا غربية.
وقال آخرون: هو مثل للمؤمن، غير أن المصباح وما فيه مثل لفؤاده، والمشكاة مثل لجوفه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد وابن عباس جميعا: المصباح وما فيه مثل فؤاد المؤمن وجوفه، المصباح: مثل الفؤاد، والكوّة: مثل الجوف.
قال ابن جُرَيج ( كَمِشْكَاةٍ ) : كوة غير نافذة. قال ابن جُرَيج، وقال ابن عباس: قوله: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) يعني: إيمان المؤمن وعمله.
وقال آخرون: بل ذلك مثل للقرآن في قلب المؤمن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) قال: ككوّة ( فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ) نور القرآن الذي أنـزل على رسوله وعباده، فهذا مثل القرآن ( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) فقرأ حتى بلغ: ( مُبَارَكَةٍ ) فهذا مثل القرآن يستضاء به في نوره ويعلمونه ويأخذون به، وهو كما هو لا ينقص فهذا مثل ضربه الله لنوره. وفي قوله: ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ) قال: الضوء: إشراق ذلك الزيت، والمشكاة: التي فيها الفتيلة التي فيها المصباح، والقناديل تلك المصابيح.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض في قوله: ( كَمِشْكَاةٍ ) قال: الكوّة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن عطية، في قوله: ( كَمِشْكَاةٍ ) قال: قال ابن عمر: المشكاة: الكوّة.
وقال: آخرون: المشكاة القنديل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( كَمِشْكَاةٍ ) قال: القنديل، ثم العمود الذي فيه القنديل.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( كَمِشْكَاةٍ ) الصفر الذي في جوف القنديل.
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن رجل، عن مجاهد قال: المشكاة: القنديل.
وقال آخرون: المشكاة الحديد الذي يعلق به القنديل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن المفضل، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن مجاهد، قال: المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل.
وأوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك مثل ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به، فقال: مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد، الذي أنـزله إليهم فآمنوا به وصدقوا بما فيه في قلوب المؤمنين مثل مشكاة، وهي عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وذلك هو نظير الكوّة التي تكون في الحيطان التي لا منفذ لها، وإنما جعل ذلك العمود مشكاة؛ لأنه غير نافذ، وهو أجوف مفتوح الأعلى، فهو كالكوّة التي في الحائط التي لا تنفذ، ثم قال: ( فِيهَا مِصْبَاحٌ ) وهو السراج، وجعل السراج وهو المصباح مثلا لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات المبينات، ثم قال: ( الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) يعني: أن السراج الذي في المشكاة: في القنديل، وهو الزجاجة، وذلك مثل للقرآن، يقول: القرآن الذي في قلب المؤمن الذي أنار الله قلبه في صدره، ثم مثل الصدر في خلوصه من الكفر بالله والشكّ فيه، واستنارته بنور القرآن، واستضاءته بآيات ربه المبينات، ومواعظه فيها بالكوكب الدرّيّ، فقال: ( الزُّجَاجَةُ ) وذلك صدر المؤمن الذي فيه قلبه ( كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ).
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( دُرِّيٌّ ) ، فقرأته عامة قراء الحجاز: ( دُرِّيٌّ ) بضم الدال وترك الهمزة، وقرأ بعض قراء البصرة والكوفة: " دِرِّيء " بكسر الدال وهمزة، وقرأ بعض قرّاء الكوفة " دُرِّيء " بضم الدال وهمزة، وكأن الذين ضموا داله وتركوا الهمزة وجهوا معناه إلى ما قاله أهل التفسير الذي ذكرنا عنهم من أن الزجاجة في صفائها وحسنها كالدرّ، وأنها منسوبة إليه لذلك من نعتها وصفتها، ووجه الذين قرءوا ذلك بكسر داله وهمزه إلى أنه فعيل من درِّيء الكوكب: أي دُفع ورجم به الشيطان من قوله: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ : أي يدفع، والعرب تسمي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الدراري بغير همز. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: هي الدرارئ بالهمز، من يدرأن.وأما الذين قرءوه بضمّ داله وهمزه، فإن كانوا أرادوا به درّوء مثل سبوح وقدوس من درأت، ثم استثقلوا كثرة الضمَّات فيه، فصرفوا بعضها إلى الكسرة، فقالوا دِرِّيء، كما قيل: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا وهو فعول من عتوت عتوّا، ثم حوّلت بعض ضماتها إلى الكسر، فقيل: عتيًا، فهو مذهب، وإلا فلا أعرف لصحة قراءتهم ذلك كذلك وجها، وذلك أنه لا يُعرف في كلام العرب فعيل، وقد كان بعض أهل العربية يقول: هو لحن.
والذي هو أولى القراءات عندي في ذلك بالصواب، قراءة من قرأ ( دُرِّيٌّ ) بضمّ داله، وترك همزه، على النسبة إلى الدرّ، لأن أهل التأويل بتأويل ذلك جاءوا وقد ذكرنا أقوالهم في ذلك قبل، ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحتها بغيره، فتأويل الكلام: الزجاجة: وهي صدر المؤمن، كأنها: يعني كأن الزجاجة وذلك مثل لصدر المؤمن، كوكب: يقول في صفائها وضيائها وحسنها. وإنما يصف صدره بالنقاء من كلّ ريب وشكّ في أسباب الإيمان بالله وبعده من دنس المعاصي، كالكوكب الذي يُشبه الدرّ في الصفاء والضياء والحسن.
واختلفوا أيضا في قراءة قوله: " تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" فقرأ ذلك بعض المكيين والمدنيين وبعض البصريين: " تَوَقَّدُ مِنْ شَجَرَةٍ" بالتاء وفتحها وتشديد القاف وفتح الدال، وكأنهم وجهوا معنى ذلك إلى توقد المصباح من شجرة مباركة. وقرأه بعض عامة قرّاء المدنيين ( يُوقَدُ ) بالياء وتخفيف القاف ورفع الدال، بمعنى: يوقد المصباح، موقده من شجرة، ثم لم يسمّ فاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة " تُوقَدُ" بضم التاء وتخفيف القاف ورفع الدال، بمعنى: يوقد الزجاجة موقدها من شجرة مباركة (5) لما لم يسمّ فاعله، فقيل: توقد. وقرأه بعض أهل مكة " تَوَقَّدُ" بفتح التاء وتشديد القاف وضم الدال، بمعنى: تتوقد الزجاجة من شجرة، ثم أسقطت إحدى التاءين اكتفاء بالباقية من الذاهبة، وهذه القراءات متقاربات المعاني وإن اختلفت الألفاظ بها، وذلك أن الزجاجة إذا وصفت بالتوقد، أو بأنها تَوَقَّد، فمعلوم معنى ذلك، فإن المراد به تَوَقَّدَ فيها المصباح، أو يوقد فيها المصباح، ولكن وجَّهوا الخبر إلى أن وصفها بذلك أقرب في الكلام منها، وفهم السامعين معناه. والمراد منه، فإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءات قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجب القراءات إليّ أن أقرأ بها في ذلك " تَوَقَّدَ" بفتح التاء، وتشديد القاف وفتح الدال، بمعنى وصف المصباح بالتوقد; لأن التوقد والاتقاد لا شكّ أنهما من صفته دون الزجاجة، فمعنى الكلام إذن: كمشكاة فيها مصباح، المصباح من دهن شجرة مباركة، زيتونة، لا شرقية ولا غربية.
وقد ذكرنا بعض ما رُوي عن بعضهم من الاختلاف في ذلك فيما قد مضى، ونذكر باقي ما حضرنا مما لم نذكره قبل، فقال بعضهم: إنما قيل لهذه الشجرة: لا شرقية ولا غربية: أي ليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت، وإنما لها نصيبها من الشمس بالغداة ما دامت بالجانب الذي يلي الشرق، ثم لا يكون لها نصيب منها إذا مالت إلى جانب الغرب، ولا هي غربية وحدها، فتصيبها الشمس بالعشيّ إذا مالت إلى جانب الغرب، ولا تصيبها بالغداة، ولكنها شرقية غربية، تطلع عليه الشمس بالغداة، وتغرب عليها، فيصيبها حرّ الشمس بالغداة والعشيّ، قالوا: إذا كانت كذلك، كان أجود لزيتها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: ( زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: لا يسترها من الشمس جبل ولا واد، إذا طلعت وإذا غربت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرِمة، في قوله: ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: الشجرة تكون في مكان لا يسترها من الشمس شيء، تطلع عليها، وتغرب عليها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج؛ قال: قال مجاهد وابن عباس ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قالا هي التي بشقّ الجبل، التي يصيبها شروق الشمس وغروبها، إذا طلعت أصابتها، وإذا غربت أصابتها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك ليست شرقية ولا غربية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثني محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: هي شجرة وسط الشجر، ليست من الشرق ولا من الغرب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( زيتونة لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) متيامنة الشام، لا شرقي ولا غربي.
وقال آخرون: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قول الله: ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: والله لو كانت في الأرض لكانت شرقية أو غربية، ولكنما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان، يعني ابن الهيثم، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قول الله: ( زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: لو كانت في الأرض هذه الزيتونة كانت شرقية أو غربية، ولكن والله ما هي في الأرض، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف، عن الحسن في قوله: ( زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال: هذا مثل ضربه الله، ولو كانت هذه الشجرة في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية.
وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قول من قال: إنها شرقية غربية، وقال: ومعنى الكلام: ليست شرقية تطلع عليها الشمس بالعشيّ دون الغداة، ولكن الشمس تشرق عليها وتغرب، فهي شرقية غربية.
وإنما قلنا ذلك أولى بمعنى الكلام؛ لأن الله إنما وصف الزيت الذي يوقد على هذا المصباح بالصفاء والجودة، فإذا كان شجره شرقيا غربيا، كان زيته لا شكّ أجود وأصفى وأضوأ.
وقوله: ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ) يقول تعالى ذكره: يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفائه وحسن ضيائه ( وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) يقول: فكيف إذا مسته النار.
وإنما أريد بقوله: ( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ) أن هذا القرآن من عند الله، وأنه كلامه، فجعل مثله ومثل كونه من عنده، مثل المصباح الذي يوقد من الشجرة المباركة، التي وصفها جلّ ثناؤه في هذه الآية. وعنى بقوله: ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ) : أن حجج الله تعالى ذكره على خلقه تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر أو أعرض عنها ولها( وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) يقول: ولو لم يزدها الله بيانا ووضوحا بإنـزاله هذا القرآن إليهم؛ منبها لهم على توحيده، فكيف إذا نبههم به وذكَّرهم بآياته، فزادهم به حجة إلى حججه عليهم قبل ذلك، فذلك بيان من الله ونور على البيان، والنور الذي كان قد وضعه لهم ونصبه قبل نـزوله.
وقوله: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) يعني: النار على هذا الزيت الذي كاد يضيء ولو لم تمسسه النار.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( نور على نُورٌ ) قال: النار على الزيت.
قال أبو جعفر: وهو عندي كما ذكرت مثل القرآن. ويعني بقوله: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) هذا القرآن نور من عند الله، أنـزله إلى خلقه يستضيئون به، ( عَلَى نُورٍ ) على الحجج والبيان الذي قد نصبه لهم قبل مجيء القرآن إنـزاله إياه، مما يدلّ على حقيقة وحدانيته، فذلك بيان من الله، ونور على البيان، والنور الذي كان وضعه لهم ونصبه قبل نـزوله.
وذكر عن زيد بن أسلم في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم، في قوله: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) يضيء بعضه بعضا، يعني القرآن.
وقوله: ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول تعالى ذكره: يوفق الله لاتباع نوره، وهو هذا القرآن، من يشاء من عباده. وقوله: ( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ ) يقول: ويمثل الله الأمثال والأشباه للناس، كما مثَّل لهم مثل هذا القرآن في قلب المؤمن بالمصباح في المشكاة، وسائر ما في هذه الآية من الأمثالَ.
( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )يقول والله يضرب الأمثال، وغيرها من الأشياء كلها، ذو علم.
------------------------
الهوامش:
(3) الكوة : بفتح الكاف ، والضم لغة (اللسان) .
(4) في الأصل : الزيت ، بدون لام قبلها ، وأظنه ، محرفًا ، عما أثبتناه .
(5) لعل هنا سقطا في العبارة ، تقديره : " ثم بنى" كما يفهم من السياق.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 17 | ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ ﴾ |
---|
ابراهيم: 25 | ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ |
---|
النور: 35 | ﴿يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
نور:
وقرئ:
نور، فعلا ماضيا، و «الأرض» بالنصب، وهى قراءة على بن أبى طالب، وأبى جعفر، وعبد العزيز المكي، ويزيد بن على، وثابت بن أبى حفصة، ومسلمة بن عبد الملك، وأبى عبد الرحمن السلمى، وعبد الله بن عياش ابن أبى ربيعة.
زجاجة والزجاجة:
وقرئا:
1- بكسر الزاى، فيهما، وهى قراءة أبى رجاء، ونصر بن عاصم.
2- بفتحها، فيهما، وهى قراءة ابن أبى عبلة، ونصر بن عاصم، فى رواية مجاهد.
درى:
1- بضم الدال وتشديد الراء والياء، وهى قراءة الجمهور، ومن السبعة: نافع، وابن عامر، وحفص، وابن كثير.
2- بفتح الدال وتشديد الراء والياء، وهى قراءة قتادة، وزيد بن على، والضحاك.
3- بكسر الدال وتشديد الراء والياء، وهى قراءة الزهري.
4- بكسر الدال وتشديد الراء، والياء والهمزة من الدرء، بمعنى الدفع، وهى قراءة حمزة.
يوقد:
1- بالياء مضارع «أوقد» ، مبنيا للمفعول، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وحفص.
وقرئ:
2- توقد، بالتاء، مضارع «أوقد» ، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الأخوين، وأبى بكر، والحسن، وزيد بن على، وقتادة، وابن وثاب، وطلحة، وعيسى، والأعمش.
3- توقد، بفتح الأربعة، فعلا ماضيا، أي: المصباح، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
4- توقد، على القراءة السابقة، مع ضم الدال، مضارع «توقد» ، وأصله: تتوقد، أي: الزجاجة، وهى قراءة الحسن، والسلمى، وقتادة، وابن محيصن، وسلام، ومجاهد، وابن أبى إسحاق، والمفضل، عن عاصم.
5- وقد، بغير تاء، وشد القاف، فعلا ماضيا، أي: وقد المصباح، وهى قراءة عبد الله.
6- يقد، بالياء وشد القاف، وهى قراءة السلمى، وقتادة.
لا شرقية ولا غربية:
1- بالخفض فيهما، صفة ل «زيتونة» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، أي لا هى شرقية ولا غربية، وهى قراءة الضحاك.
تمسسه:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة ابن عباس، والحسن.
التفسير :
أي:يتعبد لله{ فِي بُيُوتٍ} عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد.{ أَذِنَ اللَّهُ} أي:أمر ووصى{ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله.{ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين:عمارة بنيان، وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد، وجوبا عند أكثر العلماء، أو استحبابا عند آخرين. ثم مدح تعالى عمارها بالعبادة فقال:{ يُسَبِّحُ لَهُ} إخلاصا{ بِالْغُدُوِّ} أول النهار{ وَالْآصَالِ} آخره خص هذين الوقتين لشرفهما ولتيسر السير فيهما إلى الله وسهولته. ويدخل في ذلك، التسبيح في الصلاة وغيرها، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أكثر الأماكن والأشخاص انتفاعا بنوره، فقال- تعالى-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وقوله فِي بُيُوتٍ متعلق بقوله: يُسَبِّحُ. والمراد بهذه البيوت: المساجد كلها، وعلى رأسها المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
و «أذن» بمعنى أمر وقضى، وفاعل «يسبح» قوله «رجال» .
والغدو والغداة: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والآصال جمع أصيل، وهو ما بين العصر وغروب الشمس.
أى: هذا هو نور الله- تعالى- الذي يهدى إليه من يشاء من عباده، وعلى رأس أولئك
العباد الذين هداهم الله- سبحانه- إلى ما يحبه ويرضاه، هؤلاء الرجال الذين يعبدونه ويقدسونه في تلك المساجد التي أمر- سبحانه- بتشييدها وتعظيم قدرها، وصيانتها من كل سوء أو نجس، إنهم يسبحونه وينزهونه عن كل نقص، ويتقربون إليه بالصلوات وبالطاعات. في تلك المساجد في أول النهار وفي آخره، وفي غير ذلك من الأوقات.
وخص- سبحانه- أوقات الغدو والآصال بالذكر، لشرفها وكونها أشهر ما تقع فيه العبادات.
لما ضرب الله تعالى [ مثل ] قلب المؤمن ، وما فيه من الهدى والعلم ، بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب ، وذلك كالقنديل ، ذكر محلها وهي المساجد ، التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض ، وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد ، فقال : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) أي : أمر الله تعالى برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنس واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) ) قال : نهى الله سبحانه عن اللغو فيها . وكذا قال عكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، ونافع بن جبير ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وسفيان بن حسين ، وغيرهم من علماء المفسرين .
وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله ، سبحانه ، ببنائها ورفعها ، وأمر بعمارتها وتطهيرها . وقد ذكر لنا أن كعبا كان يقول : إن في التوراة مكتوبا : " ألا إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ، ثم زارني في بيتي أكرمته ، وحق على المزور كرامة الزائر " . رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره .
وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها وتوقيرها ، وتطييبها وتبخيرها . وذلك له محل مفرد يذكر فيه ، وقد كتبت في ذلك جزءا على حدة ، ولله الحمد والمنة . ونحن بعون الله تعالى نذكر هاهنا طرفا من ذلك ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان :
فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله ، بنى الله له مثله في الجنة " . أخرجاه في الصحيحين .
وروى ابن ماجه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله ، بنى الله له بيتا في الجنة " .
وللنسائي عن عمرو بن عبسة مثله . والأحاديث في هذا كثيرة جدا .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ، وأن تنظف وتطيب . رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي . ولأحمد وأبي داود ، عن سمرة بن جندب نحوه .
وقال البخاري : قال عمر : ابن للناس ما يكنهم ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس .
وروى ابن ماجه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم " . وفي إسناده ضعف .
وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أمرت بتشييد المساجد " . قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى
وعن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " . رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي
وعن بريدة أن رجلا أنشد في المسجد ، فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا وجدت ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له " . رواه مسلم .
وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن البيع والابتياع ، وعن تناشد الأشعار في المساجد . رواه أحمد وأهل السنن ، وقال الترمذي : حسن .
وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه سلم : قال : " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقولوا : لا أربح الله تجارتك . وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد ، فقولوا : لا رد الله عليك " . رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب .
وقد روى ابن ماجه وغيره ، من حديث ابن عمر مرفوعا ، قال : " خصال لا تنبغي في المسجد : لا يتخذ طريقا ، ولا يشهر فيه سلاح ، ولا ينبض فيه بقوس ، ولا ينثر فيه نبل ، ولا يمر فيه بلحم نيء : ولا يضرب فيه حد ، ولا يقتص فيه من أحد ، ولا يتخذ سوقا " .
وعن واثلة بن الأسقع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، وخصوماتكم ورفع أصواتكم ، وإقامة حدودكم وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وجمروها في الجمع " .
ورواه ابن ماجه أيضا وفي إسنادهما ضعف .
أما أنه " لا يتخذ طريقا " فقد كره بعض العلماء المرور فيه إلا لحاجة إذا وجد مندوحة عنه . وفي الأثر : " إن الملائكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد لا يصلي فيه " .
وأما أنه " لا يشهر فيه بسلاح . ولا ينبض فيه بقوس ، ولا ينثر فيه نبل . فلما يخشى من إصابة بعض الناس به ، لكثرة المصلين فيه; ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر أحد بسهام أن يقبض على نصالها; لئلا يؤذي أحدا ، كما ثبت في الصحيح .
وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه ، فلما يخشى من تقاطر الدم منه ، كما نهيت الحائض عن المرور فيه إذا خافت التلويث .
وأما أنه " لا يضرب فيه حد ولا يقتص " ، فلما يخشى من إيجاد نجاسة فيه من المضروب أو المقطوع .
وأما أنه " لا يتخذ سوقا " ، فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه ، فإنه إنما بني لذكر الله والصلاة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد : " إن المساجد لم تبن لهذا ، إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها " . ثم أمر بسجل من ماء ، فأهريق على بوله .
وفي الحديث الثاني : " جنبوا مساجدكم صبيانكم " ، وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم ، وقد كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إذا رأى صبيانا يلعبون في المسجد ، ضربهم بالمخفقة - وهي الدرة - وكان يعس المسجد بعد العشاء ، فلا يترك فيه أحدا .
" ومجانينكم " يعني : لأجل ضعف عقولهم ، وسخر الناس بهم ، فيؤدي إلى اللعب فيها ، ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ، ونحو ذلك .
" وبيعكم وشراءكم " كما تقدم .
" وخصوماتكم " يعني : التحاكم والحكم فيه; ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد ، بل يكون في موضع غيره; لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والعياط الذي لا يناسبه; ولهذا قال بعده : " ورفع أصواتكم " .
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال : حدثني يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد الكندي قال : كنت قائما في المسجد ، فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين . فجئته بهما ، فقال : من أنتما؟ أو : من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف . قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما : ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال النسائي : حدثنا سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال : أتدري أين أنت؟ وهذا أيضا صحيح .
وقوله : " وإقامة حدودكم ، وسل سيوفكم " : تقدما .
وقوله : " واتخذوا على أبوابها المطاهر " يعني : المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة . وقد كانت قريبا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم آبار يستقون منها ، فيشربون ويتطهرون ، ويتوضئون وغير ذلك .
وقوله : " وجمروها في الجمع " يعني : بخروها في أيام الجمع لكثرة اجتماع الناس يومئذ .
وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ; أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة . إسناده حسن لا بأس به والله أعلم .
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه ، خمسا وعشرين ضعفا . وذلك أنه إذا توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صل عليه ، اللهم ارحمه ، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة "
وعند الدارقطني مرفوعا : " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " .
وفي السنن : " بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة " .
والمستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى ، وأن يقول كما ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم " [ قال : أقط؟ قال : نعم ] . قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم .
وروى مسلم بسنده عن أبي حميد - أو : أبي أسيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك " .
ورواه النسائي عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ مثله ] .
وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد ، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " .
ورواه ابن ماجه ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن عبد الله بن حسن . عن أمه فاطمة بنت حسين ، عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ، ثم قال : " اللهم ، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك " . وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال : " اللهم ، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك " .
ورواه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن وإسناده ليس بمتصل; لأن فاطمة بنت الحسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى .
فهذا الذي ذكرناه ، مع ما تركناه من الأحاديث الواردة في ذلك لحال الطول . كله داخل في قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) .
وقوله : ( ويذكر فيها اسمه ) أي : اسم الله ، كقوله : ( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) [ الأعراف : 31 ] ، وقوله ( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ) [ الأعراف : 29 ] ، وقوله ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) [ الجن : 18 ] .
قال ابن عباس : ( ويذكر فيها اسمه ) يعني : يتلى فيها كتابه .
وقوله : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال ) أي : في البكرات والعشيات . والآصال : جمع أصيل ، وهو آخر النهار .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كل تسبيح في القرآن هو الصلاة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني بالغدو : صلاة الغداة ، ويعني بالآصال : صلاة العصر ، وهما أول ما افترض الله من الصلاة ، فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده .
وكذا قال الحسن ، والضحاك : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال ) يعني : الصلاة .
ومن قرأ من القرأة " يسبح له فيها بالغدو والآصال " - بفتح الباء من " يسبح " على أنه مبني لما لم يسم فاعله - وقف على قوله : ( والآصال ) وقفا تاما ، وابتدأ بقوله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) وكأنه مفسر للفاعل المحذوف ، كما قال الشاعر .
ليبك يزيد ، ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
كأنه قال : من يبكيه؟ قال : هذا يبكيه . وكأنه قيل : من يسبح له فيها؟ قال : رجال .
وأما على قراءة من قرأ : ( يسبح ) - بكسر الباء - فجعله فعلا وفاعله : ( رجال ) فلا يحسن الوقف إلا على الفاعل; لأنه تمام الكلام .
فقوله : ( رجال ) فيه إشعار بهممهم السامية ، ونياتهم وعزائمهم العالية ، التي بها صاروا عمارا للمساجد ، التي هي بيوت الله في أرضه ، ومواطن عبادته وشكره ، وتوحيده وتنزيهه ، كما قال تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) [ الأحزاب : 23 ] .
فأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن; لما رواه أبو داود ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، حدثني عمرو ، عن أبي السمح ، عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة - رضي الله عنها ، - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير مساجد النساء [ قعر ] بيوتهن " .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا هارون ، أخبرني عبد الله بن وهب ، حدثنا داود بن قيس ، عن عبد الله بن سويد الأنصاري ، عن عمته أم حميد - امرأة أبي حميد الساعدي - أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني أحب الصلاة معك قال : " قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي " . قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه ، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله ، عز وجل . لم يخرجوه .
هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال ، بشرط أن لا تؤذي أحدا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب كما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " .
رواه البخاري ومسلم ، ولأحمد وأبي داود : " وبيوتهن خير لهن " وفي رواية : " وليخرجن وهن تفلات " أي : لا ريح لهن .
وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن زينب - امرأة ابن مسعود - قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " .
وفي الصحيحين عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ، ما يعرفن من الغلس .
وفي الصحيحين أيضا عنها أنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ، كما منعت نساء بني إسرائيل .
يعني تعالى ذكره بقوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، في بيوت أذن الله أن ترفع.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المشكاة التي فيها الفتيلة التي فيها المصباح، قال: المصابيح في بيوت أذن الله أن ترفع.
قال أبو جعفر: قد يحتمل أن تكون " من " في صلة " توقد "، فيكون المعنى: توقد من شجرة مباركة ذلك المصباح في بيوت أذن الله أن ترفع، وعنى بالبيوت المساجد.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، قالا ثنا حكام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قول الله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: المساجد.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) وهي المساجد تكرم، ونهى عن اللغو فيها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) يعني: كل مسجد يصلي فيه، جامع أو غيره.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: مساجد تبنى.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: في المساجد.
قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: أدركت أصحاب رسول الله وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وإنه حقّ على الله أن يكرم من زاره فيها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سالم بن عمر في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: هي المساجد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: المساجد.
وقال آخرون: عنى بذلك البيوت كلها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، قالا حدثنا حكَّام بن سلم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرِمة ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: هي البيوت كلها.
إنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك؛ لدلالة قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) على أنها بيوت بنيت للصلاة، فلذلك قلنا هي المساجد.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقال بعضهم: معناه: أذن الله أن تبنى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عصام، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: تبنى.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد مثله.
وقال آخرون: معناه: أذن الله أن تعظم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) يقول: أن تعظم لذكره.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، القول الذي قاله مجاهد، وهو أن معناه: أذن الله أن ترفع بناء، كما قال جلّ ثناؤه: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وذلك أن ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية.
وقوله: ( وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) يقول: وأذن لعباده أن يذكروا اسمه فيها. وقد قيل: عني به أنه أذن لهم بتلاوة القرآن فيها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ثم قال: ( وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) يقول: يتلى فيها كتابه. وهذا القول قريب المعنى مما قلناه في ذلك؛ لأن تلاوة كتاب الله من معاني ذكر الله، غير أن الذي قلنا به أظهر معنييه، فلذلك اخترنا القول به.
وقول: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار ( يُسَبِّحُ لَهُ ) بضم الياء وكسر الباء، بمعنى يصلي له فيها رجال، ويجعل يسبح فعلا للرجال، وخبرا عنهم، وترفع به الرجال، سوى عاصم وابن عامر، فإنهما قرأا ذلك: " يُسَبَّحُ لَهُ" بضمّ الياء وفتح الباء، على ما لم يسمّ فاعله، ثم يرفعان الرجال بخبر ثان مضمر، كأنهما أرادا: يُسَبَّحُ الله في البيوت التي أذن الله أن ترفع، فسبَّح له رجال، فرفعا الرجال بفعل مضمر، والقراءة التي هي أولاهما بالصواب، قراءة من كسر الباء، وجعله خبرا للرجال وفعلا لهم. وإنما كان الاختيار رفع الرجال بمضمر من الفعل لو كان الخبر عن البيوت، لا يتمّ إلا بقوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ) ، فأما والخبر عنها دون ذلك تامّ، فلا وجه لتوجيه قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ ) إلى غيره أي (1) غير الخبر عن الرجال. وعني بقوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يصلي له في هذه البيوت بالغُدُوات والعشيات رجال.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا المعافى بن عمران، عن سفيان، عن عمار الدهني (2) عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: كلّ تسبيح في القرآن فهو صلاة.
حدثني عليّ، قال ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ثم قال: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يقول: يصلي له فيها بالغداة والعشيّ، يعني بالغدو: صلاة الغداة، ويعني بالآصال صلاة العصر وهما أوّل ما افترض الله من الصلاة، فأحبّ أن يذكرهما، ويذكر بهما عبادته.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ) أذن الله أن تبنى، فيصلي فيها بالغدوّ والآصال.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يعني الصلاة المفروضة.
------------------------
الهوامش:
(1) في الأصل : إلى غير. ولعله تحريف.
(2) هو عمار بن معاوية الدهني بضم المهملة ، الكوفي ، وثقه أحمد مات سنة 133 ، ا ه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 205 | ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ |
---|
الرعد: 15 | ﴿وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ |
---|
النور: 36 | ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يسبح:
1- بكسر الباء، والياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء وكسر الباء، وهى قراءة ابن وثاب، وأبى حيوة.
3- بالياء وفتح الباء، وهى قراءة ابن عامر، وأبى بكر، والبحتري، عن حفص، ومحبوب، عن أبى عمرو، والمنهال، عن يعقوب، والمفضل، وأبان.