ترتيب المصحف | 16 | ترتيب النزول | 70 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 14.50 |
عدد الآيات | 128 | عدد الأجزاء | 0.75 |
عدد الأحزاب | 1.50 | عدد الأرباع | 6.00 |
ترتيب الطول | 9 | تبدأ في الجزء | 14 |
تنتهي في الجزء | 14 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 3/21 | _ |
= هنا فبَيَّنَ أنَّهم يعبدُونَ ما لا يملِكُ لهم رزقًا من السماءِ كالمطرِ، ولا من الأرضِ كالزرعِ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ إبطالِ عبادةِ الأصنامِ ضَرَبَ اللهُ هنا مَثلينِ لعدمِ التَّسْويةِ بينه وبينَ الأصنامِ، فالعبدُ المملوكُ لا يكونُ مساويًا للحُرِّ الغنِيّ كثيرِ الإنفاقِ، والأبْكمُ العاجزُ لا يكونُ مساويًا للآمرِ بالعدلِ.
قريبًا إن شاء الله
العودةُ لبيانِ أنواعِ النِّعَمِ: أخرجَكُم مِن بطونِ أمَّهَاتِكم، وجَعَلَ لكم السَّمْعَ والبَصَرَ والقلُوبَ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون.
فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها؟"
والمراد بقوله سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ..... كل معبود سوى الله- تعالى- من صنم أو وثن أو غير ذلك من المعبودات الباطلة.
والجملة الكريمة داخلة تحت مضمون الاستفهام الإنكاري، ومعطوفة عليه: وهو قوله - تعالى-: أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.
أى أن هؤلاء الجاحدين لنعم الله- تعالى-، بلغ من جهالتهم وسفاهاتهم أنهم يؤمنون بالباطل، ويكفرون بالحق، ويعبدون من دون الله- تعالى- أصناما وأوثانا لا تملك لعابدها أى شيء من الرزق فهي لا تنزل مطرا من السماء ولا تخرج نباتا من الأرض، ولا تستطيع أن تنفع أو تضر..
و «ما» في قوله- تعالى- ما لا يَمْلِكُ.. كناية عن معبوداتهم الباطلة فهي مفردة لفظا، مجموعة معنى.
والتنكير في قوله- سبحانه- رِزْقاً للاشعار بقلته وتفاهته، وأن معبوداتهم لا تملك لهم أى شيء من الرزق، حتى ولو كان تافها حقيرا.
وقوله: شَيْئاً منصوب على المصدر، أى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ملكا، أى: شيئا من الملك.
والضمير في قوله وَلا يَسْتَطِيعُونَ يعود إلى ما وجمع بصيغة العقلاء بناء على زعمهم الفاسد، من أن هذه الأصنام في إمكانها النفع والضر.
وجاءت جملة وَلا يَسْتَطِيعُونَ بعد قوله- تعالى- ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. لتأكيد عجز هذه المعبودات عن فعل أى شيء فهي لا تملك شيئا، وليس في استطاعتها أن تملك لأنها ليست أهلا لذلك.
يقول تعالى إخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره ، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له ، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان ( ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ) أي : لا يقدر على إنزال مطر ولا إنبات زرع ولا شجر ، ولا يملكون ذلك ، أي : ليس لهم ذلك ولا يقدرون عليه لو أرادوه
يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثانًا لا تملك لهم رزقا من السموات، لأنها لا تقدر على إنـزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين ، والأرض: يقول: ولا تملك لهم أيضًا رزقًا من الأرض لأنها لا تقدر على إخراج شيء من نباتها وثمارها لهم ، ولا شيئًا مما عدّد تعالى في هذه الآية أنه أنعم بها عليهم ( وَلا يَسْتَطِيعُونَ ) يقول: ولا تملك أوثانهم شيئًا من السموات والأرض، بل هي وجميع ما في السموات والأرض لله ملك، ولا يستطيعون يقول: ولا تقدر على شيء.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 18 | ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾ |
---|
النحل: 73 | ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ |
---|
الحج: 71 | ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ |
---|
الفرقان: 55 | ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ۗ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال
وقوله- سبحانه- فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ.. نهى منه- سبحانه- عن أن يشبه في ذاته أو صفاته بغيره، وقد جاء هذا النهى في صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب للاهتمام بشأن هذا النهى، والفاء لترتيب النهى على ما عدد من النعم التي وردت في هذه السورة والتي لم ينته الحديث عنها بعد.
والأمثال: جمع مثل، وهو النظير والشبيه لغيره، ثم أطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه-، لمورده- وهو الذي ورد فيه أولا.
وتضرب الأمثال: لتوضيح الشيء الغريب، وتقريب المعنى المعقول من المعنى المحسوس، وعرض ما هو غائب في صورة ما هو مشاهد، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب، وأثبت في النفوس.
وقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ تعليل لهذا النهى عن ضرب الأمثال لله- عز وجل-.
أى: فلا تتجاسروا، وتتطاولوا، وتضربوا لله- تعالى- الأمثال، كما يضرب بعضكم لبعض، فإن الله- تعالى- هو الذي يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك.
قال الزجاج: ورد أن المشركين كانوا يقولون: إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك، وأولئك الأكابر يخدمون الملك، فنهوا عن ذلك .
ثم وضح لهم- سبحانه- كيف تضرب الأمثال، فساق مثلين حكيمين يدلان على وحدانية الله- تعالى- وقدرته..
ولهذا قال تعالى ( فلا تضربوا لله الأمثال ) أي : لا تجعلوا له أندادا وأشباها وأمثالا ( إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) أي : أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا الله وأنتم بجهلكم تشركون به غيره .
وقوله ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ ) يقول: فلا تمثلوا لِلهِ الأمثال، ولا تشبِّهوا له الأشباه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الأمثال الأشباه.
وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ ) يعني اتخاذهم الأصنام، يقول: لا تجعلوا معي إلهًا غيري، فإنه لا إله غيري.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ ) قال: هذه الأوثان التي تُعْبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضرّا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا. وقوله ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ ) فإنه أحَد صَمَد لم يَلِد ولم يُولَد ولم يكن له كُفُوًا أحد ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه.
واختلف أهل العربية في الناصب قوله (شَيْئًا) فقال بعض البصريين: هو منصوب على البدل من الرزق، وهو في معنى: لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا. وقال بعض الكوفيين: نصب (شَيْئًا) بوقوع الرزق عليه، كما قال تعالى ذكره أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا أي تكفت الأحياء والأموات، ومثله قوله تعالى ذكره أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه، لا يملك لكم رزق شيء من السموات، ومثله فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 216 | ﴿وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
البقرة: 232 | ﴿ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
آل عمران: 66 | ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
النور: 19 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
النحل: 74 | ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه، أحدهما عبد مملوك أي:رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا، والثاني حرٌّ غنيٌّ قد رزقه الله منه رزقا حسنا من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان مع أنهما مخلوقان، غير محال استواؤهما.
فإذا كانا لا يستويان، فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء؟"
ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه فقال:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ} فكأنه قيل:إذا كان الأمر كذلك فلم سوَّى المشركون آلهتهم بالله؟ قال:{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرؤوا على الشرك العظيم.
أما المثل الأول فيتجلى في قوله- عز وجل-: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ... أى: ذكر الله- تعالى- وبين ووضح لكم مثلا تستدلون به على وحدانيته- سبحانه- وهو أن هناك عبدا رقيقا مملوكا لغيره، وهذا العبد لا يقدر على شيء من التصرفات حتى ولو كانت قليلة.
وقوله- سبحانه-: عَبْداً بدل من مَثَلًا و «مملوكا» صفة للعبد. ووصف- سبحانه- العبد بأنه مملوك، ليحصل الامتياز بينه وبين الحر، لأن كليهما يشترك في كونه عبدا لله- تعالى-.
ووصفه أيضا- بأنه لا يقدر على شيء للتمييز بينه وبين المكاتب والعبد المأذون له في التصرف، لأنهما يقدران على بعض التصرفات.
هذا هو الجانب الأول من المثل، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله- تعالى-: وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً....
قال الآلوسى: و «من» في قوله وَمَنْ رَزَقْناهُ نكرة موصوفه، ليطابق عبدا فإنه نكرة موصوفة- أيضا-، وقيل: إنها موصولة، والأول اختيار الأكثرين أى: حرا رزقناه بطريق الملك، والالتفات إلى التكلم- في «رزقناه» - للإشعار باختلاف حال ضرب المثل والرزق ... » .
أى: ذكر الله- تعالى- لكم لتتعظوا وتتفكروا، حال رجلين: أحدهما عبد مملوك لا يقدر على شيء. والثاني حر مالك رزقه الله- تعالى- رزقا واسعا حلالا حسنا، «فهو» أى هذا الحر ينفق على غيره من هذا الرزق الحسن «سرا وجهرا» واختار- سبحانه- ضمير العظمة في قوله رَزَقْناهُ للإشعار بكثرة هذا الرزق وعظمته، ويزيده كثرة وعظمة قوله- تعالى- بعد ذلك مِنَّا أى من عندنا وحدنا وليس من عند غيرنا.
ووصف- سبحانه- الرزق بالحسن، للإشارة إلى أنه مع كثرته فهو حلال طيب مستحسن في الشرع وفي نظر الناس.
وقال- سبحانه- فَهُوَ يُنْفِقُ بصيغة الجملة الاسمية، للدلالة على ثبوت هذا الإنفاق ودوامه.
وقوله سِرًّا وَجَهْراً منصوبان على المصدر، أى إنفاق سر وجهر، أو على الحالية، أى فهو ينفق منه في حالتي السر والجهر.
والمراد أنه إنسان كريم، لا يبخل بشيء مما رزقه الله، بل ينفق منه في عموم الأحوال، وعلى من تحسن معه النفقة سرا، وعلى من تحسن معه النفقة جهرا.
هذان هما الجانبان المتقابلان في هذا المثل، والفرق بينهما واضح وعظيم عند كل ذي قلب سليم، ولذا جاء بعدهما بالاستفهام الإنكارى التوبيخي فقال:
هَلْ يَسْتَوُونَ؟ أى: هل يستوي في عرفكم أو في عرف أى عاقل، هذا العبد المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء.. مع هذا الإنسان الحر. المالك الذي رزقه الله- سبحانه- رزقا واسعا حلالا، فشكر الله عليه، واستعمله في وجوه الخير.
إن مما لا شك فيه أنهما لا يستويان حتى في نظر من عنده أدنى شيء من عقل.
ومادام الأمر كذلك، فكيف سويتم- أيها المشركون الجهلاء- في العبادة، بين الخالق الرازق الذي يملك كل شيء، وبين غيره من المعبودات الباطلة التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل، ولا تملك شيئا.
وقال- سبحانه- هَلْ يَسْتَوُونَ مع أن المتقدم اثنان، لأن المراد جنس العبيد والأحرار، المدلول عليهما بقوله عَبْداً وبقوله وَمَنْ رَزَقْناهُ.
فالمقصود بالمثل كل من اتصف بهذه الأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معينان.
وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثناء منه- سبحانه- على ذاته، حيث ساق- سبحانه- هذه الأمثال الواضحة للتمييز بين الحق والباطل.
أى: قل- أيها الإنسان المؤمن العاقل- «الحمد» كله «لله» - تعالى- على إرشاده لعباده المؤمنين، وتعليمهم كيف يقذفون بحقهم على باطل أعدائهم فإذا هو زاهق.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: بل أكثر هؤلاء الكافرين الضالين، لا يعلمون كيف يميزون بين الحق والباطل لانطماس بصائرهم، واستيلاء الجحود والحسد والعناد على قلوبهم.
وقال- سبحانه- بَلْ أَكْثَرُهُمْ.. للإشعار بأن من هؤلاء الكافرين من يعلم الحق ويعرفه كما يعرف أبناءه، ولكن الهوى والغرور والتقليد الباطل.. حال بينه وبين اتباع الحق.
هذا هو المثال الأول الذي ذكره الله- تعالى- للاستدلال على بطلان التسوية بين عبادة الله- تعالى- الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء.. وبين عبادة غيره من الأصنام والجمادات التي لا تخلق شيئا، ولا تملك شيئا، ولا تضر ولا تنفع.
قال العوفي ، عن ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن : وكذا قال قتادة ، واختاره ابن جرير .
والعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر ، والمرزوق الرزق الحسن فهو ينفق منه سرا وجهرا هو المؤمن .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى ، فهل يستوي هذا وهذا ؟
ولما كان الفرق ما بينهما بينا واضحا ظاهرا لا يجهله إلا كل غبي ، قال [ الله ] تعالى : ( الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) [ ثم قال الله تعالى ]
يقول تعالى ذكره: وشَبَّه لكم شَبها أيها الناس للكافر من عبيده، والمؤمن به منهم. فأما مثَل الكافر: فإنه لا يعمل بطاعة الله، ولا يأتي خيرا، ولا ينفق في شيء من سبيل الله ماله لغلبة خذلان الله عليه، كالعبد المملوك ، الذي لا يقدر على شيء فينفقه. وأما المؤمن بالله فإنه يعمل بطاعة الله ، وينفق في سبيله ماله كالحر الذي آتاه الله مالا فهو ينفق منه سرّا وجهرا، يقول: بعلم من الناس وغير علم ( هَلْ يَسْتَوُونَ ) يقول هل يستوي العبد الذي لا يملك شيئا ولا يقدر عليه، وهذا الحرّ الذي قد رزقه الله رزقًا حسنًا فهو ينفق كما وَصَف ، فكذلك لا يستوي الكافر العامل بمعاصي الله المخالف أمره ، والمؤمن العامل بطاعته.
وبنحو ما قلنا في ذلك كان بعض أهل العلم يقول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالا فلم يقدم فيه خيرا ولم يعمل فيه بطاعة الله، قال الله تعالى ذكره ( وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا ) فهذا المؤمن أعطاه الله مالا فعمل فيه بطاعة الله وأخذ بالشكر ومعرفة حق الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة، قال الله تعالى ذكره هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا والله ما يستويان ( الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ).
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) قال: هو الكافر لا يعمل بطاعة الله ولا ينفق خيرا( وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا ) قال: المؤمن يطيع الله في نفسه وماله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) يعني: الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله ( وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ) يعني المؤمن، وهذا المثل في النفقة.
وقوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) يقول: الحمد الكامل لله خالصًا دون ما تَدْعُون أيها القوم من دونه من الأوثان فإياه فاحمدوا دونها.
وقوله ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول: ما الأمر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتُحْمد عليه، إنما الحمد لله ، ولكن أكثر هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها لا يعلمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلهم بما يأتون ويَذَرون يجعلونها لله شركاء في العبادة والحمد.
وكان مجاهد يقول: ضرب الله هذا المثل، والمثل الآخر بعده لنفسه، والآلهة التي تعبد من دونه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 75 | ﴿حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
لقمان: 25 | ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
الزمر: 29 | ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
والمثل الثاني مثل{ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} لا يسمع ولا ينطق و{ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} لا قليل ولا كثير{ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} أي:يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه فهو ناقص من كل وجه، فهل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فأقواله عدل وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها، ولا يكون كفوا وندا لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه.
أما المثال الثاني فهو أشد وضوحا من سابقه على وحدانية الله- تعالى- ورحمته بعباده، وعلى الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر، ويتجلى هذا المثال في قوله- عز وجل-:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ...
أى: وذكر الله- تعالى- مثلا آخر لرجلين، أَحَدُهُما أَبْكَمُ أى: لا يستطيع النطق أو الكلام، ضعيف الفهم والتفهيم لغيره.
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ أى: لا يقدر على فعل شيء من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره.
وَهُوَ أى هذا الرجل كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أى: حمل ثقيل، وهم كبير على مولاه الذي يتولى شئونه من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. وهذا بيان لعدم قدرته على القيام بمصالح نفسه، بعد بيان عدم قدرته على القيام بفعل أى شيء على الإطلاق.
قال القرطبي: قوله وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أى ثقل على وليه وقرابته، ووبال على صاحبه وابن عمه، وقد يسمى اليتيم كلا لثقله على من يكفله، ومنه قول الشاعر:
أكول لمال الكلّ قبل شبابه ... إذا كان عظم الكلّ غير شديد
فالكل هو الإنسان العاجز الضعيف الذي يكون محتاجا إلى من يرعى شئونه.
وقوله أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ أى: أن هذا الرجل حيثما يوجهه مولاه وكافله لقضاء أمر من الأمور يعود خائبا، لعجزه، وضعف حيلته، وقلة إدراكه..
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هذا الرجل بأربع صفات، تدل على سوء فهمه، وقلة حيلته، وثقله على ولى أمره، وانسداد طرق الخير في وجهه..
هذا هو الجانب الأول من المثل، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله- تعالى-: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ..
أى: «هل يستوي هو» أى هذا الرجل الأبكم العاجز.. مع رجل آخر «يأمر» غيره بالعدل «وهو» أى هذا الرجل الآخر في نفسه «على صراط مستقيم» أى: على دين قويم، وخلق كريم فقد جمع بذلك بين فضيلتين جليلتين: نفعه لغيره، وصلاحه في ذاته.
لا شك أن هذين الرجلين لا يستويان في عقل أى عاقل، إذ أن أولهما أبكم عاجز خائب..
وثانيهما منطيق، ناصح لغيره، جامع لخصال الخير في نفسه.
ومادام الأمر كذلك فكيف سويتم- أيها المشركون الضالون المكذبون- في العبادة بين الله- تعالى- وهو الخالق لكل شيء، وبين تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغنى عن عابديها شيئا.
أو كيف سويتم بين المؤمن الجامع لكل مكرمة، وبين الكافر الغبي الأبله الذي آثر الغي على الرشد، فتكون الآية الكريمة مسوقة لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر.
وقد قابل- سبحانه- الأوصاف الأربعة للرجل الأول، بهذين الوصفين للرجل الثاني، لأن حاصل أوصاف الأول أنه غير مستحق لشيء، وحاصل وصفي الثاني أنه مستحق لكل فضل وخير.
وقوله وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ... معطوف على الضمير المستتر في قوله هَلْ يَسْتَوِي....
وجملة «وهو على صراط مستقيم» في محل نصب على الحال.
وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد ساقتا مثلين واضحين، لبيان الفرق الشاسع بين ذات الله- تعالى- الخلاق العليم، الرزاق الكريم.. وبين تلك المعبودات الباطلة التي أشركها الضالون في العبادة مع الله- عز وجل-.
أو بين المؤمن الذي هو على بصيرة من أمره، وبين الكافر الذي استحب العمى على الهدى.. أو بين الحق في وضوحه وجماله وجلاله، وبين الباطل في ظلامه وقبحه وخسته.
هذا، وما ذكره بعضهم من أن المثلين في الآيتين الكريمتين، قد وردا في أشخاص معينين من المؤمنين أو الكافرين، لا يعول عليه، لضعف الروايات التي وردت في ذلك، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قال الآلوسى ما ملخصه: وما روى من أن الأبكم أبو جهل والآمر بالعدل عمار، أو بالأبكم أبى بن خلف، والآمر بالعدل عثمان بن مظعون لا يصح إسناده..».
وبهذين المثلين تكون السورة الكريمة قد أقامت أعظم الأدلة وأسطعها على صحة قوله- تعالى- قبل ذلك: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ....
ثم ساقت السورة بعد ذلك ما يدل على إحاطة علمه- سبحانه- بكل شيء، وعلى شمول قدرته، وعلى سابغ نعمته، فقال- تعالى-:
قال مجاهد : وهذا أيضا المراد به الوثن والحق تعالى ، يعني : أن الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشيء ، ولا يقدر على شيء بالكلية ، فلا مقال ، ولا فعال ، وهو مع هذا ) كل ) أي : عيال وكلفة على مولاه ، ( أينما يوجهه ) أي : يبعثه ( لا يأت بخير ) ولا ينجح مسعاه ) هل يستوي ) من هذه صفاته ، ( ومن يأمر بالعدل ) أي : بالقسط ، فقاله حق وفعاله مستقيمة ( وهو على صراط مستقيم ) وبهذا قال السدي ، وقتادة وعطاء الخراساني . واختار هذا القول ابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : هو مثل للكافر والمؤمن أيضا ، كما تقدم .
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا حماد ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم ، عن عكرمة ، عن يعلى بن أمية ، عن ابن عباس في قوله : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) نزلت في رجل من قريش وعبده . وفي قوله : ( [ وضرب الله ] مثلا رجلين أحدهما أبكم [ لا يقدر على شيء ] ) إلى قوله : ( وهو على صراط مستقيم ) قال : هو عثمان بن عفان . قال : والأبكم الذي أينما يوجهه لا يأت بخير قال هو : مولى لعثمان بن عفان ، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المئونة ، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف ، فنزلت فيهما .
وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه، فقال تعالى ذكره ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) يعني بذلك الصنم أنه لا يسمع شيئا ، ولا ينطق، لأنه إما خشب منحوت ، وإما نحاس مصنوع لا يقدر على نفع لمن خدمه ، ولا دفع ضرّ عنه وهو كَلٌّ على مولاه ، يقول: وهو عيال على ابن عمه وحلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كَلّ على من يعبده، يحتاج أن يحمله ، ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء، فهو كَلّ على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم ( أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ) يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ما يُقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم ، ولا يُفْهَم عنه ، فكذلك الصنم ،لا يعقل ما يقال له ، فيأتمر لأمر من أمره، ولا ينطق فيأمر وينهي ، يقول الله تعالى ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكلّ على مولاه الذي لا يأتي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحقّ ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار ، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته ، يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله ( وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقّ في دعائه إلى العدل ، وأمره به مستقيم، لا يَعْوَجّ عن الحقّ ولا يزول عنه.
وقد اختلف أهل التأويل في المضروب له هذا المثل، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) قال: هو الوثن ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) قال: الله يأمر بالعدل ( وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وكذلك كان مجاهد يقول إلا أنه كان يقول: المثل الأوّل أيضا ضربه الله لنفسه وللوثَن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا و ( رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ )( وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) قال: كلّ هذا مثل إله الحقّ، وما يُدعى من دونه من الباطل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ ) قال: إنما هذا مثل ضربه الله.
وقال آخرون: بل كلا المثلين للمؤمن والكافر. وذلك قول يُروَى عن ابن عباس، وقد ذكرنا الرواية عنه في المثل الأوّل في موضعه.
وأما في المثل الآخر:
فحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ ) ... إلى آخر الآية، يعني بالأبكم: الذي هو كَلٌّ على مولاه الكافر، وبقوله ( وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) المؤمن، وهذا المثل في الأعمال.
حدثنا الحسن بن الصباح البزار، قال: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، قال: ثنا حماد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن يَعْلى بن أمية، عن ابن عباس، في قوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا قال: نـزلت في رجل من قريش وعبده. وفي قوله ( مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ) ... إلى قوله ( وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) قال: هو عثمان بن عفان . قال: والأبكم الذي أينما يُوَجَّهُ لا يأت بخير، ذاك مولى عثمان بن عفَّان، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المئونة، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنـزلت فيهما.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في المثل الأوّل لأنه تعالى ذكره مثَّل مثَل الكافر بالعبد الذي وصف صفته، ومثَّل مثل المؤمن بالذي رزقه رزقًاحسنًا ، فهو ينفق مما رزقه سرّا وجهرا، فلم يجز أن يكون ذلك لله مثلا إذ كان الله إنما مثل الكافر الذي لا يقدر على شيء بأنه لم يرزقه رزقا ينفق منه سرّا ؛ ومثَّل المؤمن الذي وفَّقه الله لطاعته فهداه لرشده ، فهو يعمل بما يرضاه الله، كالحرّ الذي بسط له في الرزق فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا، والله تعالى ذكره هو الرازق غير المرزوق، فغير جائز أن يمثل إفضاله وجوده بإنفاق المرزوق الرزق الحسن ، وأما المثل الثاني، فإنه تمثيل منه تعالى ذكره مَنْ مثله الأبكم الذي لا يقدر على شيء والكفار لا شكّ أن منهم من له الأموال الكثيرة، ومن يضرّ أحيانا الضرّ العظيم بفساده، فغير كائن ما لا يقدر على شيء، كما قال تعالى ذكره مثلا لمن يقدر على أشياء كثيرة. فإذا كان ذلك كذلك كان أولى المعاني به تمثيل ما لا يقدر على شيء كما قال تعالى ذكره بمثله ما لا يقدر على شيء، وذلك الوثن الذي لا يقدر على شيء، بالأبكم الكَلّ على مولاه الذي لا يقدر على شيء كما قال ووصف.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 75 | ﴿ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا﴾ |
---|
النحل: 76 | ﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يوجهه:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يوجه، بهاء واحدة ساكنة مبنيا للفاعل، وفاعله ضمير يعود على «مولاه» ، وضمير المفعول محذوف لدلالة المعنى عليه.
3- يوجهه، بهاء واحدة ساكنة، والفعل مبنى للمفعول، ورويت عن علقمة، وابن وثاب.
4- توجهه، بهاءين وتاء الخطاب، وهى قراءة عبد الله.
التفسير :
أي:هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والأرض، فلا يعلم الخفايا والبواطن والأسرار إلا هو، ومن ذلك علم الساعة فلا يدري أحد متى تأتي إلا الله، فإذا جاءت وتجلت لم تكن{ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} من ذلك فيقوم الناس من قبورهم إلى يوم بعثهم ونشورهم وتفوت الفرص لمن يريد الإمهال،{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فلا يستغرب على قدرته الشاملة إحياؤه للموتى.
والمراد بالغيب في قوله- سبحانه- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... ما لا تدركه الحواس، ولا تحيط بكنهه العقول لأنه غائب عن مدارك الخلائق.
والكلام على حذف مضاف، والتقدير: لله- تعالى- وحده، علم جميع الأمور الغائبة عن مدارك المخلوقين، والتي لا سبيل لهم إلى معرفتها لا عن طريق الحس، ولا عن طريق العقل.
ومن كانت هذه صفته، كان مستحقا للعبادة والطاعة، لا تلك المعبودات الباطلة التي لا تعلم من أمرها أو من أمر غيرها شيئا.
وقوله- سبحانه-: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ بيان لسرعة نفاذ أمره بدون مهلة.
والساعة في الأصل: اسم لمقدار قليل من الزمان غير معين. والمراد بها هنا يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال.
وسمى يوم القيامة بالساعة: لوقوعه بغتة، أو لسرعة ما يقع فيه من حساب أو لأنه على طوله زمنه يسير عند الله- تعالى-.
واللمح: النظر الذي هو في غاية السرعة. يقال لمحه لمحا ولمحانا إذا رآه بسرعة فائقة، ولمح البصر: التحرك السريع لطرف العين من جهة الى جهة، أو من أعلى إلى أسفل.
و «أو» هنا للتخيير بالنسبة لقدرة الله- تعالى- أو للإضراب.
أى: ولله- سبحانه- وحده علم جميع ما غاب في السموات والأرض من أشياء، وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته، وما يترتب عليه من إماتة وإحياء، وحساب، وثواب وعقاب ... ما أمر ذلك كله إلا كتحرك طرف العين من جهة إلى جهة، أو هو- أى أمر قيامها- أقرب من ذلك وأسرع، بحيث يكون في نصف هذا الزمان أو أقل من ذلك، لأن قدرته لا يعجزها شيء، قال- تعالى-: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. والمقصود من هذه الجملة الكريمة: بيان سرعة تأثير قدرة الله- عز وجل- متى توجهت إلى شيء من الأشياء.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يؤكد شمول قدرته فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى: إن الله- تعالى- لا يعجز قدرته شيء سواء أكان هذا الشيء يتعلق بأمر قيام الساعة في أسرع من لمح البصر.. أم بغير ذلك من الأشياء.
يخبر تعالى عن كماله وقدرته على الأشياء في علمه غيب السماوات والأرض ، واختصاصه بذلك ، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه [ الله ] تعالى على ما يشاء - وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع ، وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون ، كما قال : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) [ القمر : 50 ] أي : فيكون ما يريد كطرف العين . وهكذا قال هاهنا : ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ) كما قال : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان : 28 ] .
يقول تعالى ذكره: ولله أيها الناس مِلك ما غاب عن أبصاركم في السموات والأرض دون آلهتكم التي تدعون من دونه، ودون كلّ ما سواه، لا يملك ذلك أحد سواه.( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) يقول: وما أمر قيام القيامة والساعة التي تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة، إلا كنظرة من البصر، لأن ذلك إنما هو أن يقال له كن فيكون.
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) والساعة: كلمح البصر، أو أقرب.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن قتادة ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) قال: هو أن يقول: كن، فهو كلمح البصر فأمر الساعة كلمح البصر أو أقرب، يعني يقول: أو هو أقرب من لمح البصر.
وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: إن الله على إقامة الساعة في أقرب من لمح البصر قادر، وعلى ما يشاء من الأشياء كلها، لا يمتنع عليه شيء أراده.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 123 | ﴿ وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ |
---|
النحل: 77 | ﴿ وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:هو المنفرد بهذه النعم حيث{ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} ولا تقدرون على شيء ثم إنه{ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها ولأنها مفتاح لكل علم، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة.
ثم ساق- تعالى- بعد ذلك أنواعا من نعمه على عباده فقال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً. أى: والله- تعالى- وحده هو الذي أخرجكم- أيها الناس- من بطون أمهاتكم إلى هذه الحياة، وأنتم لا تعلمون شيئا لا من العلم الدنيوي ولا من العلم الديني، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم، والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ...
وجملة «لا تعلمون شيئا» حال من الكاف في «أخرجكم» .
وقوله- سبحانه- وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة ثانية من نعمة الله- سبحانه- التي لا تحصى.
أى: أن من نعمة الله- تعالى- أنه أخرجكم من بطون أمهاتكم- بعد أن مكثتم فيها شهورا تحت كلاءته ورعايته- وأنتم لا تعرفون شيئا، وركب فيكم بقدرته النافذة، وحكمته البالغة، «السمع» الذي تسمعون به، والبصر الذي بواسطته تبصرون، «والأفئدة» التي عن طريقها تعقلون وتفقهون، لعلكم بسبب كل هذه النعم التي أنعمها عليكم، تشكرونه حق الشكر، بأن تخلصوا له العبادة والطاعة، وتستعملوا نعمه في مواضعها التي وجدت من أجلها.
قال الجمل: وجملة: «وجعل لكم السمع والأبصار ... » ابتدائية، أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي ترتيبا، فلا ينافي أن هذا الجعل قبل الإخراج من البطون. ونكتة تأخيره- أى الجعل- أن السمع ونحوه من آلات الإدراك، إنما يعتد به إذا أحس الإنسان وأدرك وذلك لا يكون الا بعد الإخراج. وقدم السمع على البصر، لأنه طريق تلقى الوحى، أو لأن إدراكه أقدم، من إدراك البصر. وإفراده- أى السمع- باعتبار كونه مصدرا في الأصل ... .
وقال الإمام ابن كثير: «وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا حتى يبلغ أشده. وإنما جعل- تعالى- هذه الحواس في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه كما جاء في صحيح البخاري عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول تعالى- «من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب.
وما تقرب إلى عبدى بشيء أفضل مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددى في قبض نفس عبدى المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه» .
فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة، صارت أفعاله كلها لله، فلا يسمع إلا لله، ولا يبصر إلا لله أى: لما شرعه الله له...
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ.
م ذكر تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، ثم بعد هذا يرزقهم تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات ، والأبصار اللاتي بها يحسون المرئيات ، والأفئدة - وهي العقول - التي مركزها القلب على الصحيح ، وقيل : الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها . وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده .
وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ؛ ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى ، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه ، كما جاء في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يقول تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، ولا بد له منه " .
فمعنى الحديث : أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله - عز وجل - فلا يسمع إلا الله ، ولا يبصر إلا الله ، أي : ما شرعه الله له ، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله - عز وجل - مستعينا بالله في ذلك كله ; ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح ، بعد قوله : " ورجله التي يمشي بها " : " فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي " ; ولهذا قال تعالى : ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) كما قال في الآية الأخرى : ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ) [ الملك : 23 ، 24 ] .
يقول تعالى ذكره: والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها ، وتميزون بها الخير من الشرّ وبصَّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض.( وَالأفْئِدَةَ ) يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها.( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك.
وقوله ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) كلام متناه، ثم ابتدئ الخبر، فقيل: وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة. وإنما قلنا ذلك كذلك، لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعد ما أخرجهم من بطون أمهاتهم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 78 | ﴿وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ |
---|
السجدة: 9 | ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ |
---|
الملك: 23 | ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أمهاتكم:
وقرئ:
1- بكسر الهمزة والميم، وهى قراءة حمزة.
2- بحذف الهمزة وكسر الميم، وهى قراءة الأعمش.
3- بحذفها وفتح الميم، وهى قراءة ابن أبى ليلى.
التفسير :
أي:لأنهم المنتفعون بآيات الله المتفكرون فيما جعلت آية عليه، وأما غيرهم فإن نظرهم نظر لهو وغفلة، ووجه الآية فيها أن الله تعالى خلقها بخلقة تصلح للطيران، ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف ثم أودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك، وذلك دليل على كمال حكمته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره، تبارك الله رب العالمين.
ثم حض- سبحانه- عباده على التفكر في مظاهر قدرته فقال- تعالى-: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ...
والطير: جمع طائر كركب وراكب. و «مسخرات» من التسخير بمعنى التذليل والانقياد أى: ألم ينظر هؤلاء الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى في العبادة، إلى الطيور وهن يسبحن في الهواء المتباعد بين الأرض والسماء، ما يمسكهن في حال قبضهن وبسطهن لأجنحتهن إلا الله- تعالى-، بقدرته الباهرة، وبنواميسه التي أودعها في فطرة الطير.
إنهم لو نظروا نظر تأمل وتعقل، لعلموا أن المسخر لهن هو الله الذي لا معبود بحق سواه وفي قوله- تعالى- «مسخرات» إشارة إلى أن طيرانها في الجو ليس بمقتضى طبعها، وإنما هو بتسخير الله تعالى لها وبسبب ما أوجد لها من حواس ساعدتها على ذلك، كالأجنحة وغيرها. وأضاف- سبحانه- الجو إلى السماء لارتفاعه عن الأرض، ولإظهار كمال قدرته- سبحانه-.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
أى: إن في ذلك التسخير والتذليل للطير على هذه الصفة «لآيات» بينات على قدرة الله- تعالى- ووحدانيته، «لقوم يؤمنون» بالحق، ويفتحون قلوبهم له ويسمون بأنفسهم عن التقليد الباطل.
ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض ، كيف جعله يطير بجناحيه بين السماء والأرض ، في جو السماء ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى ، الذي جعل فيها قوى تفعل ذلك ، وسخر الهواء يحملها ويسر الطير لذلك ، كما قال تعالى في سورة الملك : ( أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير ) [ الملك : 19 ] . وقال هاهنا : ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون )
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين: ألم تَرَوا أيُّها المشركون بالله إلى الطير مسخرات في جوّ السماء، يعني: في هواء السماء بينها وبين الأرض، كما قال إبراهيم بن عمران الأنصاريّ:
وَيْـلُ امِّهـا مِـنْ هَـوَاءِ الجَـوّ طَالِبَةً
وَلا كَهـذا الَّـذِي فـي الأرْضِ مَطْلُوبُ (1)
يعني: في هواء السماء.( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ ) يقول: ما طيرانها في الجوّ إلا بالله ، وبتسخيره إياها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعا. وقوله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يقول: إن في تسخير الله الطير ، وتمكينه لها الطيران في جوّ السماء، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه لاحظ للأصنام والأوثان في الألوهة ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يعني: لقوم يقرّون بوجدان ما تعاينه أبصارهم ، وتحسه حواسهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ ) : أي في كبد السماء.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت نسبه المؤلف إلى إبراهيم بن عمران الأنصاري. ونسبه البغدادي في الخزانة (2: 112) لامرئ القيس بن حجر الكندي. وعزى في الكتاب لسيبويه مرة إلى امرئ القيس (1 : 353) ومرة (2 : 272) إلى النعمان بن بشير الأنصاري. وذكر البغدادي المقطوعة التي منها البيت، وهي عشرة أبيات، ونسبها لامرئ القيس، ومطلعها:
الخـير مـا طلعـت شمس وما غربت
مطلـب بنواحـي الخـيل معصـوب
وبيت الشاهد هو الثامن في المقطوعة، وأوله: "لا كالتي في هواء" ... الخ. وقال ابن رشيق في العمدة: هذا البيت عند دعبل، أشعر بيت قالته العرب، وبه قدمه على الشعراء. وقوله: ويلمها: هذا في صورة الدعاء على الشيء والمراد به التعجب. والضمير المؤنث يراد به العقاب. والجو: ما بين السماء والأرض، وأراد بالمطلوب الذئب، لأنه وصف عقابا تبعت ذئبا لتصيده، فتعجب منها في شدة طلبها، وتعجب من الذئب أيضاً في سرعته وشدة هربه منها.
واستشهد المؤلف بالبيت عند تفسير قوله تعالى: (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) أي في هواء السماء، بينها وبين الأرض كما استشهد أبو عبيدة من قبله في مجاز القرآن (1: 365) على أن جو السماء: أي الهواء.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 79 | ﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ﴾ |
---|
الملك: 19 | ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَـٰنُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ألم يروا:
قرئ:
1- بتاء الخطاب، وهى قراءة ابن عامر، وحمزة، وطلحة، والأعمش، وابن هرمز.
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.