ترتيب المصحف | 3 | ترتيب النزول | 89 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 27.00 |
عدد الآيات | 200 | عدد الأجزاء | 1.30 |
عدد الأحزاب | 2.60 | عدد الأرباع | 10.60 |
ترتيب الطول | 3 | تبدأ في الجزء | 3 |
تنتهي في الجزء | 4 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 2/29 | آلم: 2/6 |
رجوعُ المؤمنينَ من «حَمْرَاءِ الأَسَدِ» بالثوابِ من اللهِ لم يمسسْهم سوءٌ، والنَّهيُ عن الخوفِ من أولياءِ الشَّيطانِ، وذَمُّ المسارِعينَ في الكُفرِ، والنَّهيُ عن الحُزنِ مِن أجلِهم.
لمَّا فَرَحَ الكفارُ بالنَّصْرِ يومَ أُحُدٍ حذَّرَهم اللهُ من الاغترارِ بإمهالِه لهم، ثُمَّ بَيَّنَ أن هذا الابتلاءَ لتمييزِ المؤمنينَ من المنافقينَ، ولمَّا حضَّ على بذلِ النفسِ في الجهادِ حضَّ هنا على بذلِ المالِ في الجهادِ، وذمّ البخل.
التفسير :
{ فانقلبوا} أي:رجعوا{ بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم، وندم من تخلف منهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم، واستمروا راجعين إلى مكة، ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل، حيث مَنَّ عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة والاتكال على ربهم، ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم، وتقواهم عن معصيته، لهم أجر عظيم، وهذا فضل الله عليهم.
ثم حكى- سبحانه- ما تم لهؤلاء المجاهدين الذين خرجوا للقاء أعدائهم من عاقبة حسنة وعود حميد فقال- تعالى-: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.
فالفاء في قوله فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ للتعقيب، وهي معطوفة على مقدر دل عليه السياق.
ومعنى فَانْقَلَبُوا عادوا ورجعوا.
والنعمة: هي العطاء الذي ينفع صاحبه. والفضل: الزيادة في العطاء والنعمة.
والمعنى: أن هؤلاء المجاهدين الصادقين خرجوا للقاء أعدائهم بدون وهن أو ضعف أو استكانة فلم يجدوهم، فرجعوا إلى ديارهم مصحوبين بِنِعْمَةٍ عظيمة مِنَ اللَّهِ- تعالى-، إذ خذل أعداءهم، وسلمهم من شرورهم، ومصحوبين بفضل جليل منه- سبحانه- حيث أغدق عليهم ربحا وفيرا في تجارتهم، وأجرا جزيلا بسبب قوة إيمانهم، وإخلاصهم في دينهم.
قال الآلوسى: «روى البيهقي عن ابن عباس أن عيرا مرت في أيام الموسم- أى موسم بدر- فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فربح مالا فقسمه بين أصحابه فذلك الفضل» .
وأخرج ابن جرير عن السدى قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرج في غزوة بدر الصغرى أصحابه دراهم ابتاعوا بها في الموسم، فأصابوا تجارة- فربحوا فيها» .
وقوله بِنِعْمَةٍ في موضع الحال من الضمير في فَانْقَلَبُوا فتكون الباء للملابسة أو للمصاحبة فكأنه قيل: فانقلبوا متلبسين بنعمة أو مصاحبين لها.
وقوله مِنَ اللَّهِ متعلق بمحذوف صفة لنعمة، وهو مؤكد لفخامتها وأنها نعمة جزيلة لا يقدر قدرها.
وقوله لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أى لم يصبهم أى أذى أو مكروه عند خروجهم وعودتهم.
والجملة في موضع الحال من فاعل فَانْقَلَبُوا أى رجعوا منعمين مبرئين من السوء والأذى.
وقوله وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ معطوف على قوله فَانْقَلَبُوا.
أى اتبعوا ما يرضى الله ويوصلهم إلى مثوبته ورحمته، باستجابتهم لرسولهم صلّى الله عليه وسلّم وخروجهم للقاء أعدائهم بإيمان عميق، وعزم وثيق.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أخبر عن هؤلاء المجاهدين المخلصين أنهم قد صحبهم في عودتهم أمور أربعة:
أولها: النعمة العظيمة.
وثانيها: الفضل الجزيل.
وثالثها: السلامة من السوء.
ورابعها: اتباع رضوان الله.
وهذا كله قد منحه الله لهم جزاء إخلاصهم وثباتهم على الحق الذي آمنوا به.
ثم ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.
أى والله تعالى صاحب الفضل العظيم الذي لا يحده حصر، ولا يحصيه عد، هو الذي تفضل على هؤلاء المؤمنين الصادقين بما تفضل به من عطاء كريم، وثواب جزيل.
وفي هذا التذيل زيادة تبشير للمؤمنين برعاية الله لهم، وزيادة تحسير للمتخلفين عن الجهاد في سبيله- عز وجل-، حيث حرموا أنفسهم مما فاز به المؤمنون الصادقون.
ولهذا قال تعالى : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) أي : لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم ، فرجعوا إلى بلدهم ( بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) مما أضمر لهم عدوهم ( واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )
قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن داود الزاهد ، حدثنا محمد بن نعيم ، حدثنا بشر بن الحكم ، حدثنا مبشر بن عبد الله بن رزين ، حدثنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ) قال : النعمة أنهم سلموا ، والفضل أن عيرا مرت ، وكان في أيام الموسم ، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالا فقسمه بين أصحابه .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) قال : [ هذا ] أبو سفيان ، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : موعدكم بدر ، حيث قتلتم أصحابنا . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : " عسى " . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها وابتاعوا فذلك قول الله عز وجل : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء [ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ] ) قال : وهي غزوة بدر الصغرى .
رواه ابن جرير . وروى [ أيضا ] عن القاسم ، عن الحسين ، عن حجاج ، عن ابن جريج قال : لما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش ، فيقولون قد جمعوا لكم يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرعبوهم فيقول المؤمنون : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية لم ينازعهم فيها أحد ، قال رجل من المشركين فأخبر أهل مكة بخيل محمد ، وقال في ذلك :
نفرت قلوصي من خيول محمد وعجوة منثورة كالعنجد
واتخذت ماء قديد موعدي
ثم قال ابن جرير : هكذا أنشدنا القاسم ، وهو خطأ ، وإنما هو :
قد نفرت من رفقتي محمد وعجوة من يثرب كالعنجد
تهوى على دين أبيها الأتلد قد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
القول في تأويل قوله : فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فانقلبوا بنعمة من الله "، فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، (1) من وجههم الذي توجَّهوا فيه -وهو سيرهم في أثر عدوهم- إلى حمراء الأسد=" بنعمة من الله "، يعني: بعافية من ربهم، لم يلقوا بها عدوًّا. (2) " وفضل "، يعني: أصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم التي تَجَروا بها، (3) الأجر الذي اكتسبوه (4) =: " لم يمسسهم سوء " يعني: لم ينلهم بها مكروه من عدوّهم ولا أذى (5) =" واتبعوا رضوان الله "، يعني بذلك: أنهم أرضوا الله بفعلهم ذلك، واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدوّ، وطاعتهم=" والله ذو فضل عظيم "، يعني: والله ذو إحسان وطَوْل عليهم -بصرف عدوهم الذي كانوا قد همُّوا بالكرة إليهم، وغير ذلك من أياديه عندهم وعلى غيرهم- بنعمه (6) =" عظيم " عند من أنعم به عليه من خلقه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
8251 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، &; 7-415 &; عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل "، قال: والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر.
8252 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، وافقوا السوق فابتاعوا، وذلك قوله: " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ". قال: الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر= قال ابن جريج: ما أصابوا من البيع نعمة من الله وفضل، أصابوا عَفْوه وغِرَّته (7) لا ينازعهم فيه أحد= قال: وقوله: " لم يمسسهم سوء "، قال: قتل=" واتبعوا رضوان الله "، قال: طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
8253 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله ذو فضل عظيم "، لما صرف عنهم من لقاء عدوهم. (8)
8254 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أطاعوا الله وابتغوا حاجتهم، ولم يؤذهم أحد،" فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ".
8255 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى- ببدر دراهم، (9) ابتاعوا بها من موسم بدر فأصابوا تجارة، فذلك قول الله: " فانقلبوا بنعمة من لله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ". أما " النعمة " فهي العافية، وأما " الفضل " فالتجارة، و " السوء " القتل.
---------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"انقلب" فيما سلف 3: 163.
(2) انظر تفسير"النعمة" فيما سلف 4: 272.
(3) في المطبوعة: "اتجروا بها" ، وأثبت ما في المخطوطة."تجر يتجر تجرًا وتجارة": باع واشترى ، ومثله: "اتجر" على وزن (افتعل). والثلاثي على وزن (نصر وينصر).
(4) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف ص299 تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(5) انظر تفسير"المس" فيما سلف 5: 118 / 7: 155 ، 238.
(6) السياق: "والله ذو إحسان وطول. . . بنعمه".
(7) في المطبوعة: "وعزته" ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة غير منقوطة. و"الغرة" (بكسر الغين) الغفلة ، يريد خلو السوق ممن يزاحمهم فيها ، كأنهم أتوها والناس في غفلة عنها. وهو مجاز ، ومثله عيش غرير: أي ناعم ، لا يفزع أهله.
(8) الأثر: 8253 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8244.
(9) في المطبوعة والدر المنثور"ببدر دراهم" ، وفي المخطوطة "بردراهم" غير منقوطة ، وأخشى أن تكون كلمة مصحفة لم أهتد إليها ، وإن قرأتها"نثر دراهم" ، فلعلها! وشيء نثر (بفتحتين) متناثر. ولا أدري أيصح ذلك أو لا يصح.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 174 | ﴿فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
البقرة: 105 | ﴿وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
آل عمران: 74 | ﴿يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۗ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
الأنفال: 29 | ﴿وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
الحديد: 21 | ﴿ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
الحديد: 29 | ﴿وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
الجمعة: 4 | ﴿ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي:إن ترهيب من رهب من المشركين، وقال:إنهم جمعوا لكم، داع من دعاة الشيطان، يخوف أولياءه الذين عدم إيمانهم، أو ضعف.{ فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} أي:فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود:ما حجز العبد عن محارم الله.
ثم أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا خشيتهم وخوفهم منه وحده، فقال تعالى:
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
فالخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين، والإشارة بذلكم إلى المثبط بالذات أو بالواسطة.
وقوله إِنَّما أداة حصر، وذلِكُمُ مبتدأ والشَّيْطانُ خبره، وقوله: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جملة مستأنفة مبينة لشيطنته.
وقيل إن ذلِكُمُ مبتدأ أول، والشَّيْطانُ مبتدأ ثان. وقوله يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ خبر للمبتد الثاني. وهو وخبره خبر للمبتدأ الأول.
والمراد بالشيطان إبليس لأنه علم بالغلبة عليه ولأنه هو الذي يخوف بالوسوسة. وقيل المراد به أتباعه الذين دسهم لكي يرهبوا المؤمنين من الكافرين وهم جماعة بنى عبد القيس أو نعيم بن مسعود المجاشعي.
إنما ذلكم المثبط لكم عن لقاء أعدائكم هو الشيطان، الذي يوسوس في قلوبكم بالشر بذاته، أو بواسطة أتباعه الضالين، ومن شأن المؤمنين الصادقين أنهم لا يتأثرون بهذه الوساوس الكاذبة، وإنما الذين يتأثرون بها هم ضعاف الإيمان.
وقوله يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ أى يخوف أولياءه المنافقين وضعفاء الإيمان ليقعدوا عن مقاتلة المشركين. أما أنتم أيها المؤمنون الصادقون فإنكم لن يقعدكم تخويفه، لأن هذا التخويف لا أثر له في قلب من آمن بالله حق الإيمان، واتقاه حق تقاته.
وقيل إن معنى يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ يخوفكم بأوليائه فحذف المفعول وحذف الجار. كما في قوله: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أى فإذا خفت عليه فرعون. فحذف المفعول. وكما في قوله: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ أى لينذركم يوم التلاقي.
وقيل إن المعنى: يخوفكم أولياءه فحذف المفعول الأول كما تقول: أعطيت الأموال، أى أعطيت القوم الأموال.
وقوله فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أى فلا تخافوا أولياء الشيطان، بل اجعلوا خوفكم منى وحدي، إن كنتم مؤمنين حقا.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تشجيعهم، وتقويتهم، وإلهاب شعورهم، إذ الإيمان الحق يستلزم الخوف من الله دون سواه.
والمراد بالنهى عن الخوف وهو أمر نفسي: النهى عن أسبابه التي من أهمها حب الدنيا وكراهية الموت أى خذوا بأسباب القوة التي من أهمها التمسك بتقوى الله فإن ذلك يزيل الخوف من قلوبكم.
وفي المقابلة بين النهى عن الخوف من أولياء الشيطان، وبين الأمر بأن يكون خوفهم من الله وحده، في هذه المقابلة إرشاد إلى العلاج الذي يزيل الخوف والفزع من نفوسهم. لأن الذي يجعل خشيته وخوفه من الله وحده لن يستطيع الشيطان أو أولياؤه أن يبعدوه عن الطريق القويم وصدق الله إذ يقول: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.
وبذلك ترى أن الآيات الكريمة قد رفعت منازل الشهداء إلى أعلى الدرجات، وصرحت بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. كما أثنت ثناء مستطابا على الذين لبوا دعوة رسولهم صلّى الله عليه وسلّم حين دعاهم إلى الجهاد في سبيل الله، ولم يمنعهم عن إجابة دعوته ما بهم من جراح، أو ما قاله لهم المرجفون من أقوال باطلة، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم أخذ القرآن في تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عما يراه من كفر الكافرين. وعناد المعاندين، وفي بيان أن كفر الكافر إنما يعود عليه ضرره لا على غيره، وأنه- سبحانه- يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وأن حكمته سبحانه تقتضي تمييز الخبيث من الطيب. فقال- تعالى-:
ثم قال تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ) أي : يخوفكم أولياءه ، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة ، قال الله تعالى : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [ أي : ف ] إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجئوا إلي ، فأنا كافيكم وناصركم عليهم ، كما قال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ) إلى قوله : ( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) [ الزمر : 36 - 38 ] وقال تعالى : ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) [ النساء : 76 ] وقال تعالى : ( أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) [ المجادلة : 19 ] وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] وقال [ تعالى ] ( ولينصرن الله من ينصره ) [ الحج : 40 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم [ ويثبت أقدامكم ] ) [ محمد : 7 ] وقال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 51 ، 52 ] .
القول في تأويل قوله : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: إنما الذي قال لكم، أيها المؤمنون: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ، فخوفوكم بجموع عدوّكم ومسيرهم إليكم، من فعل الشيطان ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم، يخوفكم بأوليائه من المشركين -أبي سفيان وأصحابه من قريش- لترهبوهم، وتجبنوا عنهم، كما:-
8256 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، يخوف والله المؤمنَ بالكافر، ويُرهب المؤمن بالكافر.
8257 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، قال: يخوّف المؤمنين بالكفار.
8258 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، يقول: الشيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه.
8259 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، أي: أولئك الرهط، يعني النفر من عبد القيس، الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا، وما ألقى الشيطان على أفواههم=" يخوّف أولياءه "، أي: يرهبكم بأوليائه. (10)
8260 - حدثني يونس قال، أخبرنا علي بن معبد، عن عتاب بن بشير مولى قريش، عن سالم الأفطس في قوله: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، قال: يخوفكم بأوليائه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، إنما ذلكم الشيطان يعظِّم أمر المشركين، أيها المنافقون، في أنفسكم فتخافونه.
* ذكر من قال ذلك:
8261 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر أمر المشركين وعِظمهم في أعين المنافقين فقال: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونه.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل: " يخوف أولياءه "؟ وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ [وكيف] قيل= إن كان معناه يخوّفكم بأوليائه=" يخوف أولياءه "؟ (11) قيل: ذلك نظير قوله: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [سورة الكهف: 2] بمعنى: لينذركم بأسه الشديد، وذلك أن البأس لا يُنذر، وإنما ينذر به. (12)
* * *
وقد كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: معنى ذلك: يخوف الناسَ أولياءه، كقول القائل: " هو يُعطي الدراهم، ويكسو الثياب "، بمعنى: هو يعطي الناس الدراهم ويكسوهم الثياب، فحذف ذلك للاستغناء عنه.
* * *
قال أبو جعفر: وليس الذي شبه [من] ذلك بمشتبه، (13) لأن " الدراهم " في قول القائل: " هو يعطي الدراهم "، معلوم أن المعطَى هي" الدراهم "، وليس كذلك " الأولياء " -في قوله: " يخوف أولياءه "- مخوَّفين، (14) بل التخويف من الأولياء لغيرهم، فلذلك افترقا.
* * *
القول في تأويل قوله : فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
قال أبو جعفر: يقول: فلا تخافوا، أيها المؤمنون، المشركين، ولا يعظُمَن عليكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم، مع طاعتكم إياي، ما أطعتموني واتبعتم أمري، وإني متكفِّل لكم بالنصر والظفر، (15) ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، فتهلكوا=" إن كنتم مؤمنين "، يقول: ولكن خافونِ دون المشركين ودون جميع خلقي، أنْ تخالفوا أمري، إن كنتم مصدِّقي رسولي وما جاءكم به من عندي.
----------------
الهوامش :
(10) الأثر: 8259 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8253.
(11) في المطبوعة والمخطوطة: "وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ قيل إن كان معناه يخوفكم بأوليائه" وهو كلام لا يستقيم ، ورجحت أن الناسخ أسقط ما زدته بين القوسين.
(12) انظر معاني القرآن للفراء 1: 248.
(13) في المطبوعة: "الذي شبه ذلك بمشبه" ، والذي في المخطوطة مثله إلا أنه كتب"بمشتبه" ورجحت أن الناسخ أسقط"من" فوضعها بين القوسين ، مع إثبات نص المخطوطة ، وهو الصواب.
(14) السياق: "وليس كذلك الأولياء. . . مخوفين".
(15) في المخطوطة: "وإني متكلف لكم بالنصر" ، وهو خطأ فاحش ، تعالى ربنا عن أن يتكلف شيئًا ، وهو القادر الذي لا يؤوده شيء. وقد أصاب ناشر الطبعة السالفة فيما فعل.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
يخوف أولياءه:
قرئ:
1- يخوفكم أولياءه، وهى قراءة ابن مسعود، وابن عباس.
2- يخوفكم بأوليائه، وهى قراءة أبى، والنخعي.
التفسير :
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق، مجتهدا في هدايتهم، وكان يحزن إذا لم يهتدوا، قال الله تعالى:{ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} من شدة رغبتهم فيه، وحرصهم عليه{ إنهم لن يضروا الله شيئا} فالله ناصر دينه، ومؤيد رسوله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبالهم ولا تحفل بهم، إنما يضرون ويسعون في ضرر أنفسهم، بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الأخرى، من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه، وإرادته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة من ثوابه. خذلهم فلم يوفقهم لما وفق له أولياءه ومن أراد به خيرا، عدلا منه وحكمة، لعلمه بأنهم غير زاكين على الهدى، ولا قابلين للرشاد، لفساد أخلاقهم وسوء قصدهم. ثم أخبر أن الذين اختاروا الكفر على الإيمان، ورغبوا فيه رغبة من بذل ما يحب من المال، في شراء ما يحب من السلع{ لن يضروا الله شيئا} بل ضرر فعلهم يعود على أنفسهم، ولهذا قال:{ ولهم عذاب أليم} وكيف يضرون الله شيئا، وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان، ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن؟! فالله غني عنهم، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، وأعد له -ممن ارتضاه لنصرته- أهل البصائر والعقول، وذوي الألباب من الرجال الفحول، قال الله تعالى:{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا} الآيات.
الخطاب في قوله تعالى وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمقصود منه تسليته وإدخال الطمأنينة على قلبه، حتى لا يتأثر بما يراه من كفر الكافرين، ونفاق المنافقين، وفسق الفاسقين.
أى: لا يحزنك ولا يثر في نفسك الحسرات يا محمد، حال أولئك القوم الذين يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أى يتوغلون فيه، ويتعجلون في إظهاره وتأييده والعمل به عند سنوح الفرص، ويقعون فيه سريعا دون تريث أو تدبر أو تفكير والمقصود بالنهى عن الحزن، النهى عن الاسترسال فيه وفي الأسباب التي تؤدى إليه، كأن يظن صلّى الله عليه وسلّم أن كثرة الضالين ستؤدى إلى انتصارهم على المؤمنين.
وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف فقال: يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ يقعون فيه سريعا، ويرغبون فيه أشد رغبة. وهم الذين نافقوا من المتخلفين. وقيل: هم قوم ارتدوا عن الإسلام.
فإن قلت: فما معنى قوله وَلا يَحْزُنْكَ ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتد؟ قلت: معناه: لا يحزنوك لخوف أن يضروك ويعينوا عليك» .
ولتضمن المسارعة معنى الوقوع تعدت بحرف «في» دون حرف «إلى» الشائع تعديتها بها كما في قوله- تعالى- وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.
وقوله إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً تعليل للنهى عن أن يحزنه تسارعهم في الكفر أى:
لا يحزنك يا محمد حال هؤلاء المارقين الذين يسارعون في الكفر وينتقلون فيه من دركة إلى دركة أقبح من سابقتها، فإنهم مهما تمادوا في كفرهم وضلالهم ومحاولتهم إضلال غيرهم، فإنهم لن يضروا دين الله أو أولياءه بشيء من الضرر حتى ولو كان ضررا يسيرا.
ففي الكلام حذف مضاف والتقدير إنهم لن يضروا أولياء الله شيئا.
وفي هذا الحذف تشريف للمؤمنين الصادقين، وإشعار بأن مضارتهم بمنزلة مضارته- سبحانه- وفي الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب» .
ولقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بمقتضى طبيعته البشرية، وغيرته على دين الله- تعالى- يحزن لإعراض المعرضين عن الحق الذي جاء به، ولقد حكى القرآن ذلك في كثير من آياته، ومنه وله- تعالى- فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ وقوله- تعالى- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً .
فأراد- سبحانه- في هذه الآية الكريمة وأمثالها أن يزيل من نفس رسوله صلّى الله عليه وسلّم هذا الحزن الذي نتج عن كفر الكافرين، وأن يطمئنه إلى أن العاقبة ستكون له ولأتباعه المؤمنين الصادقين.
وقوله يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ استئناف لبيان جزائهم على كفرهم في الآخرة، بعد أن بين- سبحانه- عدم إضرارهم لأوليائه في الدنيا.
أى: لا ينبغي لك يا محمد أن تحزن لمسارعة هؤلاء الضالين في الكفر، فإنهم لن يضروا أوليائى بشيء من الضرر، ولأن كفرهم ليس مراغمة لله حتى تحزن، وإنما هو بإرادته، لأنه أراد ألا يكون لهم حظ أو نصيب من الخير في الآخرة بسبب استحبابهم العمى على الهدى، ولهم مع هذا الحرمان من الخير في الآخرة عَذابٌ عَظِيمٌ لا يعلم مقدار آلامه وشدته إلا الله تعالى.
قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: هلا قيل: لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة، وأى فائدة في ذكر الإرادة؟ قلت: فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر، تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه، حتى إن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم» .
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) وذلك من شدة حرصه على الناس كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق ، فقال تعالى : ولا يحزنك ذلك ( إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ) أي : حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته ألا يجعل لهم نصيبا في الآخرة ( ولهم عذاب عظيم ) .
القول في تأويل قوله : وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يحزنك، يا محمد كفر الذين يسارعون في الكفر مرتدِّين على أعقابهم من أهل النفاق، (16) فإنهم لن يضروا الله بمسارعتهم في الكفر شيئًا، وكما أنّ مسارعتهم لو سارعوا إلى الإيمان لم تكن بنافعته، (17) كذلك مسارعتهم إلى الكفر غير ضارَّته. كما:-
8262 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر "، يعني: أنهم المنافقون. (18)
8263 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر "، أي: المنافقون. (19)
* * *
القول في تأويل قوله : يُرِيدُ اللَّهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يريد الله أن لا يجعل لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر، نصيبًا في ثواب الآخرة، فلذلك خذلهم فسارعوا فيه. ثم أخبر أنهم مع حرمانهم ما حرموا من ثواب الآخرة، لهم عذاب عظيم في الآخرة، وذلك عذابُ النار. وقال ابن إسحاق في ذلك بما:-
8264 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " يريد الله أن لا يجعل لهم حظًّا في الآخرة "، أن يُحبط أعمالهم. (20)
----------------------
الهوامش :
(16) انظر تفسير"سارع" فيما سلف 7: 130 ، 207.
(17) في المطبوعة والمخطوطة: "كما أن مسارعتهم" بغير واو ، والصواب إثبات الواو.
(18) في المطبوعة: "هم المنافقون" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولو قرئت المخطوطة: "فهم المنافقون" ، لكان أجود.
(19) الأثر: 8263 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8259.
(20) الأثر: 8264 - ليس في سيرة ابن هشام.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 176 | ﴿وَ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا﴾ |
---|
المائدة: 41 | ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
ولا يحزنك:
قرئ:
1- بفتح الياء، من «حزن» ، وهى قراءة الجماعة.
2- بضم الياء، من «أحزن» ، وهى قراءة نافع.
التفسير :
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق، مجتهدا في هدايتهم، وكان يحزن إذا لم يهتدوا، قال الله تعالى:{ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} من شدة رغبتهم فيه، وحرصهم عليه{ إنهم لن يضروا الله شيئا} فالله ناصر دينه، ومؤيد رسوله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبالهم ولا تحفل بهم، إنما يضرون ويسعون في ضرر أنفسهم، بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الأخرى، من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه، وإرادته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة من ثوابه. خذلهم فلم يوفقهم لما وفق له أولياءه ومن أراد به خيرا، عدلا منه وحكمة، لعلمه بأنهم غير زاكين على الهدى، ولا قابلين للرشاد، لفساد أخلاقهم وسوء قصدهم. ثم أخبر أن الذين اختاروا الكفر على الإيمان، ورغبوا فيه رغبة من بذل ما يحب من المال، في شراء ما يحب من السلع{ لن يضروا الله شيئا} بل ضرر فعلهم يعود على أنفسهم، ولهذا قال:{ ولهم عذاب أليم} وكيف يضرون الله شيئا، وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان، ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن؟! فالله غني عنهم، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، وأعد له -ممن ارتضاه لنصرته- أهل البصائر والعقول، وذوي الألباب من الرجال الفحول، قال الله تعالى:{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا} الآيات.
ثم أكد سبحانه هذا الحكم وقرره فقال: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
والاشتراء في الآية الكريمة بمعنى الاستبدال على سبيل الاستعارة التمثيلية فقد شبه- سبحانه- الكافر الذي يترك الحق الواضح الذي قامت الأدلة على صحته ويختار بدله الضلال الذي قامت الأدلة على بطلانه، بمن يكون في يده سلعة ثمينة جيدة فيتركها ويأخذ في مقابلها سلعة رديئة فاسدة.
والمعنى أن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان، لن يضروا دين الله ولا رسوله ولا أولياءه بشيء من الضرر، وإنما يضرون بفعلهم هذا أنفسهم ضررا بليغا ولهم في الآخرة عذاب مؤلم شديد الإيلام، بسبب إيثارهم الغي على الرشد، والكفر على الإيمان، والشر على الخير.
ثم قال تعالى مخبرا عن ذلك إخبارا مقررا : ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) أي : استبدلوا هذا بهذا ( لن يضروا الله شيئا ) أي : ولكن يضرون أنفسهم ( ولهم عذاب أليم ) .
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه المنافقين الذين تقدَّم إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم: أن لا يحزنه مسارعتهم إلى الكفر، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الذين ابتاعوا الكفر بإيمانهم فارتدوا عن إيمانهم بعد دخولهم فيه، (21) ورضوا بالكفر بالله وبرسوله، عوضًا من الإيمان، لن يضروا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئًا، بل إنما يضرون بذلك أنفسهم، بإيجابهم بذلك لها من عقاب الله ما لا قِبل لها به.
* * *
وإنما حث الله جل ثناؤه بهذه الآيات من قوله: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ إلى هذه الآية، عبادَه المؤمنين على إخلاص اليقين، ولانقطاع إليه في أمورهم، والرضى به ناصرًا وحدَه دون غيره من سائر خلقه= ورغَّب بها في جهاد أعدائه وأعداء دينه، وشجَّع بها قلوبهم، وأعلمهم أن من وليه بنصره فلن يخذل ولو اجتمع عليه جميعُ من خالفه وحادَّه، وأن من خذله فلن ينصره ناصرٌ ينفعُه نصرُه، ولو كثرت أعوانه ونصراؤه، (22) كما:-
8265 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان "، أي: المنافقين=" لن يضروا الله شيئًا ولهم عذاب أليم "، أي: موجع. (23)
8266 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هم المنافقون.
------------------------------
الهوامش:
(21) انظر تفسير"الاشتراء" فيما سلف 1: 312 - 315 / 2: 341 ، 342 / 3: 228.
(22) في المطبوعة: "أو نصراؤه" ، والصواب ما في المخطوطة.
(23) الأثر: 8265 - سيرة ابن هشام: 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8263. وليس في سيرة ابن هشام تفسير"أليم".
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 176 | ﴿وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ |
---|
آل عمران: 177 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ |
---|
محمد: 32 | ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ولا يظن الذين كفروا بربهم ونابذوا دينه، وحاربوا رسوله أن تركنا إياهم في هذه الدنيا، وعدم استئصالنا لهم، وإملاءنا لهم خير لأنفسهم، ومحبة منا لهم. كلا، ليس الأمر كما زعموا، وإنما ذلك لشر يريده الله بهم، وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم، ولهذا قال:{ إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} فالله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.
ثم بين سبحانه أن ما يتمتع به الأشرار في الدنيا من متع إنما هو استدراج لهم، فقال تعالى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ.
وقوله نُمْلِي لَهُمْ من الإملاء وهو الإمهال والتخلية بين العامل والعمل ليبلغ مداه.
يقال: أملى فلان لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء..
ويطلق الإملاء على طول المدة ورغد العيش.
والمعنى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ، بتطويل أعمارهم، وبإعطائهم الكثير من وسائل العيش الرغيد هو، خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ كلا. بل هو سبب للمزيد من عذابهم، لأننا إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً بكثرة ارتكابهم للمعاصي وَلَهُمْ في الآخرة عَذابٌ مُهِينٌ أى عذاب ينالهم بسببه الذل الذي ليس بعده ذل والهوان الذي يتصاغر معه كل هوان.
وقوله وَلا يَحْسَبَنَّ إلخ.. عطف على قوله تعالى وَلا يَحْزُنْكَ ويكون للنهى عن الظن متجها للذين كفروا ليعلموا سوء عاقبتهم.
ويكون مفعولا يحسب قد سد مسدهما أن المصدرية وما بعدها و «ما» في قوله «أنما نملي لهم» يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون موصولة حذف عائدها. وقد كتبت متصلة بأن مع أن من حقها أن تكتب منفصلة عنها اتباعا للمصحف الإمام أى لا يحسبن الكافرون أن إملاءنا لهم أو أن الذي نمليه لهم من تأخير حياتهم وانتصارهم في الحروب في بعض الأحيان، هو خير لهم.
وقرأ حمزة «ولا تحسبن الذين كفروا» . فيكون الخطاب بالنهى متجها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ويكون المفعول الأول لحسب هو الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ بدل من الذين كفروا سادا مسد المفعول الثاني، أو يكون هو المفعول الثاني.
والمعنى: لا تحسبن يا محمد ولا يحسبن أحد من أمتك أن إملاءنا للذين كفروا هو خير لأنفسهم، بل هو شر لهم، لأننا ما أعطيناهم الكثير من وسائل العيش الرغيد إلا على سبيل الاستدراج، وسنعاقبهم على ما ارتكبوه من آثام عقابا عسيرا.
وقوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً استئناف واقع موقع التعليل للنهى عن حسبان الإملاء خيرا للكافرين.
أى إنما نزيدهم من وسائل العيش الرغيد ليزدادوا آثاما بكثرة ارتكابهم للسيئات. فتكون نتيجة ذلك أن نزيدهم من العذاب المهين الذي لا يستطيعون دفعه أو التهرب منه.
و «إنما» في قوله أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ أداة حصر مركبة من «إن» التي هي حرف توكيد ومن «ما» الزائدة الكافة.
واللام في قوله لِيَزْدادُوا إِثْماً هي التي تسمى بلام العاقبة كما في قوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً .
أى «إنما نملي لهم فيزدادون إثما، فلما كان ازدياد الإثم ناشئا عن الإملاء كان كالعلة له، وكانت نتيجة هذا الإملاء أن وقعوا في العذاب المهين.
وشبيه بهذه الآية قوله تعالى وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ .
وقوله تعالى فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ .
ثم قال تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ) كقوله تعالى : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] ، وكقوله ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) [ القلم : 44 ] ، وكقوله ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) [ التوبة : 55 ] .
القول في تأويل قوله : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ولا يظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله (24) ، أن إملاءنا لهم خيرٌ لأنفسهم.
* * *
ويعني بـ" الإملاء "، الإطالة في العمر، والإنساء في الأجل، ومنه قوله جل ثناؤه: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [سورة مريم: 46] أي: حينًا طويلا ومنه قيل: " عشتَ طويلا وتملَّيت حبيبًا " (25) ." والملا " نفسه الدهر،" والملوان "، الليل والنهار، ومنه قول تميم بن مقبل: (26)
أَلا يَــا دِيَــارَ الحَــيِّ بِالسَّـبُعَانِ
أَمَــلَّ عَلَيْهَــا بِــالبِلَى المَلَــوَانِ (27)
يعني: بـ" الملوان "، الليل والنهار.
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: " ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم ".
فقرأ ذلك جماعة منهم: ( وَلا يَحْسَبَنَّ ) بالياء، وبفتح " الألف " من قوله: " أَنَّمَا "، على المعنى الذي وصفتُ من تأويله.
* * *
وقرأه آخرون: ( وَلا تَحْسَبَنَّ ) بالتاء و " أَنَّمَا " أيضا بفتح " الألف " من " أنما "، بمعنى: ولا تحسبنّ، يا محمد، الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم.
* * *
فإن قال قائل: فما الذي من أجله فتحت " الألف " من قوله: " أنما " في قراءة من قرأ بالتاء، وقد علمت أن ذلك إذا قرئ بالتاء فقد أعملت " تحسبن "، في" الذين كفروا "، وإذا أعملتها في ذلك، لم يجز لها أن تقع على " أنما " لأن " أنما " إنما يعمل فيها عاملٌ يعمل في شيئين نصبًا؟
قيل: أما الصواب في العربية ووجهُ الكلام المعروف من كلام العرب، كسر " إن " إذا قرئت " تحسبن " بالتاء، لأن " تحسبن " إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت " الذين كفروا "، فلا يجوز أن تعمل، وقد نصبت اسمًا، في" أن ". ولكني أظن أنّ من قرأ ذلك بالتاء في" تحسبن " وفتح الألف من " أنما "، إنما أراد تكرير تحسبن على " أنما "، كأنه قصد إلى أنّ معنى الكلام: ولا تحسبن، يا محمد أنت، الذين كفروا، لا تحسبن أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم، كما قال جل ثناؤه: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [سورة محمد: 18] بتأويل: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. (28) وذلك وإن كان وجهًا &; 7-423 &; جائزًا في العربية، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ: ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالياء من " يحسبن "، وبفتح الألف من " أنما "، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم، ثم يعمل في" أنما " نصبًا لأن " يحسبن " حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه، وهي تطلب منصوبين.
وإنما اخترنا ذلك لإجماع القرأة على فتح " الألف " من " أنما " الأولى، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة فى " يحسبن " بالياء لما وصفنا.
وأما ألف " إنما " الثانية، فالكسر على الابتداء، بإجماع من القرأة عليه:
* * *
وتأويل قوله: " إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا "، إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثمًا، يقول: يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر=" ولهم عذاب مهين "، يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة. (29)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر.
8267 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود قال، قال عبدالله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. وقرأ: " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا "، وقرأ: نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [سورة آل عمران: 198]. (30)
--------------------
الهوامش:
(24) انظر تفسير"حسب" فيما سلف قريبا ص: 384.
(25) في المطبوعة: "وتمليت حينًا" ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة: "وتمليت حنينًا" ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبت. وهو قول يقال في الدعاء ، ومثله في الدعاء لمن لبس ثوبًا جديدًا: "أبليت جديدًا ، وتمليت حبيبًا" ، أي: عشت معه ملاوة من دهرك وتمتعت به.
(26) وينسب البيت لابن أحمر ، وإلى أعرابي من بني عقيل.
(27) سيبويه 2: 322 ، ومجاز القرآن 1: 109 ، والأمالي 1: 233 ، والسمط: 533 ، والخزانة 3: 275 ، واللسان (ملل) ، وغيرها ، وسيأتي في التفسير 13: 106 (بولاق). وقد بين صاحب الخزانة نسبة هذه الأبيات وذكر الشعر المختلف فيه ، وقال إن أبيات ابن مقبل بعد هذا البيت:
نَهَــارٌ وَلَيْــلٌ دَائِــبٌ مَلَوَاهُمَــا
عَــلَى كُـلِّ حَـالِ النَّـاسِ يَخْتَلِفَـانِ
ألا يـا دَيـارَ الحَـيِّ لا هَجْـرَ بَيْننَـا
وَلكــنَّ رَوْعَــاتٍ مِــنَ الحَدَثَـانِ
لِدَهْمَــاءَ إِذْ لِلنَّــاس والعَيْشِ غِـرَّةٌ
وَإِذْ خُلُقَانَـــا بِالصِّبَــا عَسِــرَانِ
قال أبو عبيد البكري: "أمل عليها": دأب ولازم ، وقال أبو عبيدة: أي رجع عليها حتى أبلاها ، أي: طال عليها. وعندي أن أصله من"الملل" ، يقول: حتى بلغ أقصى الملل والسآمة.
(28) انظر معاني القرآن للفراء 1: 248 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 108 ، 109.
(29) انظر تفسير"مهين" فيما سلف 2: 347 ، 348.
(30) الحديث: 8267 - عبد الرحمن: هو ابن مهدي. وسفيان: هو الثوري.
خيثمة: هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي. وهو تابعي ثقة ، أخرج له الجماعة كلهم.
الأسود: هو ابن يزيد النخعي.
وهذا الحديث ، وإن كان موقوفًا لفظًا ، فإنه - عندنا - مرفوع حكمًا ، لأنه مما لا يدرك بالرأي.
وسيأتي مرة أخرى: 8374 ، من طريق عبد الرزاق ، عن الثوري ، بهذا الإسناد. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 298 ، من رواية جرير ، عن الأعمش ، به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير 2: 328 ، من رواية ابن أبي حاتم ، من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش ، به ، نحوه. ثم قال: "وكذا رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، به".
وذكره السيوطي 2: 104 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبي بكر المروزى في الجنائز ، وابن المنذر ، والطبراني.
وسيأتي نحو معناه ، من حديث أبي الدرداء: 8375.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 178 | ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ﴾ |
---|
آل عمران: 180 | ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم﴾ |
---|
الأنفال: 59 | ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
ولا يحسبن:
وقرئ:
1- بتاء الخطاب، وهى قراءة حمزة، ويكون على حذف مضاف من الأول أي: ولا تحسبن شأن الذين كفروا ومن الثاني أي: ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم، حتى يصح كون الثاني هو الأول.
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة والجمهور.
أنما نملى:
وقرئ:
بالكسر، وهى قراءة يحيى بن وثاب، وقد قرأ (ولا يحسبن) بالياء، فيكون المفعول الأول (الذين كفروا) ، و (أنما نملى) جملة فى موضع المفعول الثاني.
التفسير :
أي:ما كان في حكمة الله أن يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط وعدم التميز حتى يميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب. ولم يكن في حكمته أيضا أن يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده، ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب، من أنواع الابتلاء والامتحان، فأرسل [الله] رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين:مطيعين وعاصين، ومؤمنين ومنافقين، ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب، وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه.
ثم بين- سبحانه- بعض الحكم التي اشتملت عليها غزوة أحد فقال تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
وقوله لِيَذَرَ أى ليترك. والمراد بالمؤمنين: المخلصون الذين صدقوا في إيمانهم والمراد بقوله عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أى اختلاط المؤمنين بالمنافقين واستواؤهم في إجراء الأحكام.
ومعنى يميز يفصل. وقرئ يميز أن يحدد ويبين.
والمراد بالخبيث: المنافق ومن على شاكلته من ضعاف الإيمان.
والمراد بالطيب: الصادق في إيمانه.
والمعنى: ليس من شأن الله- تعالى- ولا من حكمته وسنته في خلقه أن يترككم أيها المؤمنون على ما أنتم عليه من الالتباس واختلاط المنافقين بكم، بل الذي من شأنه وسنته أن يبتليكم ويمتحنكم بألوان من المصائب والشدائد حتى يتميز المؤمنون من المنافقين، وينفصل الأخيار عن الأشرار.
قال ابن كثير: أى لا بد أن يعقد سببا من المحنة، يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر، يعنى بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنون فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله وهتك به ستار المنافقين، فظهرت مخالفتهم، ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم الله ولرسوله. قال مجاهد: ميز بينهم يوم أحد» .
وعبر- سبحانه- عن المؤمن بالطيب، وعن المنافق بالخبيث، ليسجل على كل منهما ما يليق به من الأوصاف، وللإشعار بعلة الحكم.
وقوله وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ معطوف على قوله ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ.
والغيب: ضد المشاهد. وهو كل ما غاب عن الحواس ولا تمكن معرفته إلا عن طريق الوحى من الله تعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
واجتبى: من الاجتباء بمعنى الاختيار والاصطفاء.
أى: وما كان الله تعالى ليعطى أحدا منكم- معشر المؤمنين- علم الغيوب الذي به تعرفون المؤمن من المنافق، إذ علم ذلك له وحده، ولكنه- سبحانه- يصطفى من رسله من يريد اصطفاءه فيطلعه على بعض الغيوب، وذلك كما حدث لنبيكم صلّى الله عليه وسلّم فقد أطلعه- سبحانه- على ما دبره له اليهود حين هموا باغتياله، وأطلعه على حال تلك المرأة التي أرسلها حاطب بن أبى بلتعة برسالة إلى قريش لتخبرهم باستعداد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لحربهم. وأطلعه على بعض أحوال المنافقين.
قال تعالى عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ وفي قوله تعالى وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ إيذان بأن الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبية، لا يتأتى إلا ممن رشحه الله- تعالى- لمنصب جليل، تقاصرت عنه همم الأمم، واصطفاه على الناس لإرشادهم.
ثم أمر الله تعالى عباده أن يثبتوا على الإيمان، وبشرهم بالأجر العظيم إذ هم استمروا على ذلك فقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.
أى: إذا علمتم أيها المؤمنون أن الله لا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، فإنه يجب عليكم أن تؤمنوا بالله وبرسله حق الإيمان، وإن تؤمنوا بالله تعالى وبرسله حق الإيمان، وتتقوا المخالفة في الأمر والنهى، فلكم في مقابلة ذلك من الله تعالى ما لا يقادر قدره من الثواب العظيم، والأجر الجزيل.
م قال تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) أي : لا بد أن يعقد سببا من المحنة ، يظهر فيه وليه ، ويفتضح فيه عدوه . يعرف به المؤمن الصابر ، والمنافق الفاجر . يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن به المؤمنين ، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم [ وثباتهم ] وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهتك به ستر المنافقين ، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ولهذا قال : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) .
قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد . وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة . وقال السدي : قالوا : إن كان محمد صادقا فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر . فأنزل الله : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى ) [ يميز الخبيث من الطيب ) أي : حتى ] يخرج المؤمن من الكافر . روى ذلك كله ابن جرير :
ثم قال : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) أي : أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق ، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك .
ثم قال : ( ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) كقوله ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) [ الجن : 26 ، 27 ] .
ثم قال : ( فآمنوا بالله ورسله ) أي : أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم ( وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) .
القول في تأويل قوله : مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله: " ما كان الله ليذر المؤمنين "، ما كان الله ليدع المؤمنين (31) =" على ما أنتم عليه " من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا=" حتى يميز الخبيث من الطيب "، يعنى بذلك: " حتى يميز الخبيث " وهو المنافق المستسرُّ للكفر (32) =" من الطيب "، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، (33) بالمحن والاختبار، كما ميَّز بينهم يوم أحد عند لقاء العدوّ عند خروجهم إليهم.
* * *
واختلف أهل التأويل في" الخبيث " الذي عنى الله بهذه الآية.
فقال بعضهم فيه، مثل قولنا.
* ذكر من قال ذلك:
8268 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثني أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب "، قال: ميز بينهم يوم أحد، المنافقَ من المؤمن.
8269 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب "، قال: ابن جريج، يقول: ليبين الصادق بإيمانه من الكاذب= قال ابن جريج، قال مجاهد: يوم أحد، ميز بعضهم عن بعض، المنافق عن المؤمن.
8270 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب "، أي: المنافقين. (34)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: حتى يميز المؤمن من الكافر بالهجرة والجهاد.
* ذكر من قال ذلك:
8271 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه "، يعني الكفار. يقول: لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة: " حتى يميز الخبيث من الطيب "، يميز بينهم في الجهاد والهجرة.
8272 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " حتى يميز الخبيث من الطيب "، قال: حتى يميز الفاجر من المؤمن.
8273 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي،" ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " قالوا: " إن كان محمدٌ صادقًا، فليخبرنا بمن يؤمن بالله ومن يكفر "!! فأنـزل الله: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب "، حتى يخرج المؤمن من الكافر.
* * *
قال أبو جعفر: والتأويل الأول أولى بتأويل الآية، لأن الآيات قبلها في ذكر المنافقين، وهذه في سياقتها. فكونها بأن تكون فيهم، أشبه منها بأن تكون في غيرهم.
* * *
القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم بما:-
8274 - حدثنا به محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وما كان الله ليطلعكم على الغيب "، وما كان الله ليطلع محمدًا على الغيب، ولكن الله اجتباه فجعله رسولا.
* * *
وقال آخرون بما:-
8275 - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وما كان الله ليطلعكم على الغيب "، أي: فيما يريد أن يبتليكم به، لتحذروا ما يدخل &; 7-427 &; عليكم فيه=" ولكنّ الله يجتبي من رسله من يشاء "، يعلمه. (35)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بتأويله: وما كان الله ليطلعكم على ضمائر قلوب عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق والكافر، ولكنه يميز بينهم بالمحن والابتلاء= كما ميز بينهم بالبأساء يوم أحد= وجهاد عدوه، وما أشبه ذلك من صنوف المحن، حتى تعرفوا مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم. غير أنه تعالى ذكره يجتبي من رسله من يشاء فيصطفيه، فيطلعه على بعض ما في ضمائر بعضهم، بوحيه ذلك إليه ورسالته، كما:-
8276 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء "، قال: يخلصهم لنفسه.
* * *
وإنما قلنا هذا التأويل أولى بتأويل الآية، لأنّ ابتداءها خبرٌ من الله تعالى ذكره أنه غير تارك عباده (36) -يعني بغير محن- حتى يفرق بالابتلاء بين مؤمنهم وكافرهم وأهل نفاقهم. ثم عقب ذلك بقوله: " وما كان الله ليطلعكم على الغيب "، فكان فيما افتتح به من صفة إظهار الله نفاق المنافق وكفر الكافر، دلالةٌ واضحةٌ على أن الذي ولي ذلك هو الخبر عن أنه لم يكن ليطلعهم على ما يخفى عنهم من باطن سرائرهم، إلا بالذي ذكر أنه مميِّزٌ به نعتَهم إلا من استثناه من رسله الذي خصه بعلمه.
* * *
القول في تأويل قوله : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (37) " وإن تؤمنوا "، وإن تصدِّقوا من اجتبيته من رُسلي بعلمي وأطلعته على المنافقين منكم=" وتتقوا " ربكم بطاعته فيما أمركم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه=" فلكم أجر عظيم "، يقول: فلكم بذلك من إيمانكم واتقائكم ربكم، ثوابٌ عظيم، كما:-
8277 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا "، أي: ترجعوا وتتوبوا=" فلكم أجر عظيم ". (38)
-----------------------------
الهوامش:
(31) انظر تفسير"يذر" فيما سلف 6: 22.
(32) انظر تفسير"الخبيث" فيما سلف 5: 559.
(33) انظر تفسير"الطيب" فيما سلف 3: 301 / 5: 555 ، 556 / 6: 361.
(34) الأثر: 8270 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو جزء من الأثر السالف رقم: 8265 ، وتتمة الآثار التي قبله من تفسير ابن إسحاق. وكان في المطبوعة هنا"المنافق" ، والصواب من المخطوطة ، والأثر السالف ، وسيرة ابن هشام.
(35) الأثر: 8275 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8270 ، وكان في المطبوعة: "بعلمه" بالباء في أوله ، والصواب من سيرة ابن هشام ، ونصه: "أي: يعلمه ذلك" ، أما المخطوطة ، فالكلمة فيها غير منقوطة.
(36) في المطبوعة والمخطوطة"وابتداؤها خبر من الله" ، وهو سياق لا يستقيم ، والظاهر أن ناسخ المخطوطة لما نسخ ، أشكل على بصره ، "الآية" ثم"لأن" بعقبها. فأسقط"لأن" ، وكتب"وابتداؤها" ، ورسم الكلمة في المخطوطة"وابتداها" ، فلذلك رجحت ما أثبته ، وإن كان ضبط السياق وحده كافيًا في الترجيح.
(37) في المخطوطة والمطبوعة: "يعني بذلك جل ثناؤه بقوله" ، وإقحام"بذلك" مفسدة وهجنة في الكلام ، فأسقطتها ، وهي سبق قلم من الناسخ.
(38) الأثر: 8277 - سيرة ابن هشام 3: 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8275.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 179 | ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ |
---|
النساء: 171 | ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ |
---|
الأعراف: 158 | ﴿لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ﴾ |
---|
التغابن: 8 | ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:ولا يظن الذين يبخلون، أي:يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم{ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} أي:يجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح، "إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه يقول:أنا مالك، أنا كنزك"وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك، هذه الآية. فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم، ومجد عليهم، فانقلب عليهم الأمر، وصار من أعظم مضارهم، وسبب عقابهم.{ ولله ميراث السماوات والأرض} أي:هو تعالى مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار، ولا غير ذلك من المال. قال تعالى:{ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله. أخبر أولا:أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكا للعبد، بل لولا فضل الله عليه وإحسانه، لم يصل إليه منه شيء، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى:{ وأحسن كما أحسن الله إليك} فمن تحقق أن ما بيده، فضل من الله، لم يمنع الفضل الذي لا يضره، بل ينفعه في قلبه وماله، وزيادة إيمانه، وحفظه من الآفات. ثم ذكر ثانيا:أن هذا الذي بيد العباد كلها ترجع إلى الله، ويرثها تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك. ثم ذكر ثالثا:السبب الجزائي، فقال:{ والله بما تعملون خبير} فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعها -ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات، والعقوبات على الشر- لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب، ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب.
ثم بين سبحانه بعد ذلك سوء مصير الذين يبخلون بنعم الله، فلا يؤدون حقها.
ولا يقومون بشكرها فقال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ.
وقوله يَبْخَلُونَ من البخل وهو ضد الجود والسخاء، ومعناه: أن يقبض الإنسان يده عن إعطاء الشيء لغيره، وأن يحرص حرصا شديدا على ما يملكه من مال أو علم أو غير ذلك.
ويرى جمهور المفسرين أن المراد بالبخل هنا البخل بالمال، لأنه هو الذي يتفق مع السياق.
ويرى بعضهم أن المراد بالبخل هنا البخل بالعلم وكتمانه، وذلك لأن اليهود كتموا صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم التي جاءت بها التوراة.
والذي نراه أن ما عليه الجمهور هو الأرجح، لأنه هو المتبادر من معنى الآية، وهو المتفق من سياق الكلام ولذا قال الآلوسى: قوله- تعالى- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بيان لحال البخل وسوء عاقبته، وتخطئة لأهله في دعواهم خيريته عقب بيان حال الإملاء ...
وقيل: وجه الارتباط أنه- تعالى- لما بالغ في التحريص على بذل الأرواح في الجهاد وغيره، شرع هنا في التحريض على بذل المال، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل به» .
والمعنى: ولا يظنن أولئك الذين يبخلون بما أعطاهم الله من نعم وأموال أن بخلهم فيه خير لهم، كلا، بل إن بخلهم هذا فيه شر عظيم لهم.
والنهى عن الحسبان بأن البخل فيه خير في قوله وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ يدل على النفي المؤكد.
أى لا يصح لهم أن يظنوا بأية حال من الأحوال أن ذلك البخل فيه خير لهم. بل الحقيقة أن فيه شرا كبيرا لهم.
وفي قوله بِما آتاهُمُ اللَّهُ إشعار بسوء صنيعهم، وخبث نفوسهم، حيث بخلوا بشيء ليس وليد علمهم واجتهادهم، وإنما هذا الشيء منحه الله- تعالى- لهم بفضله وجوده، فكان الأولى لهم أن يشكروه على ما أعطى، وأن يبذلوا مما أعطاهم في سبيله.
والضمير «هو» يعود على البخل المستفاد من قوله يَبْخَلُونَ.
ويرى الزمخشري أنه ضمير فصل لتأكيد نفى الظن في الخيرية.
وفي إعادة الضمير، وذكر الجملة الاسمية في قوله بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ تأكيد لمعنى الشر في البخل، وأنه لا خير من ورائه قط، ففي الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» .
ثم بين- سبحانه- المصير المؤلم لأولئك البخلاء فقال- تعالى- سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
وقوله سَيُطَوَّقُونَ مشتق من الطوق، وهو ما يلبس من أسفل الرقبة. أى تجعل أموالهم أطواقا حول رقابهم، وأغلالا حول أجسادهم، فيعذبون عذابا أليما بحملها.
وجمهور المفسرين على أن الكلام على ظاهره، وأن عذاب هؤلاء البخلاء بنعم الله، سيكون نوعا من العذاب الأخروى المحسوس. وقد أيد القرطبي هذا الاتجاه فقال:
«وهذه الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة، ذهب إلى هذا جماعة من المتأولين، منهم: ابن مسعود وابن عباس وأبو وائل.
قالوا: ومعنى سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ هو الذي ورد في الحديث عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه- أى شدقيه- ثم يقول له. أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .
ويرى بعض العلماء أن هذا الوعيد على سبيل التمثيل، وأن الظاهر غير مراد ومعنى قوله سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ عند هذا البعض: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة عقوبة لهم، فلا يأتون لأنهم ليس في قدرتهم ذلك.
أو المعنى: سيلزمون وبال ما بخلوا به لزوم الطوق، ويتحملون وزر ذلك يوم القيامة.
فالآية الكريمة تدعو المؤمنين إلى الجود والسخاء من أجل إعلاء كلمة الله، وتتوعد البخلاء بأقسى ألوان الوعيد وأفظعها. وتبين أن كل ما في هذا الكون إنما هو ملك لله- تعالى- وحده، فهو المعطى وهو المانع، ولذا قال- تعالى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
والميراث: مصدر كالميعاد. وأصله موراث فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. والمراد به ما يتوارث.
والمعنى: أن لله- تعالى- وحده لا لأحد غيره ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره، فما بال هؤلاء القوم يبخلون عليه بما يملكه، ولا ينفقونه في سبيله. وعلى هذا يكون الكلام جاريا على حقيقته ولا مجاز فيه.
ويصح أن يكون المعنى: أن الله- تعالى- يرث من هؤلاء ما في أيديهم مما بخلوا به من مال وغيره وينتقل منهم إليه حين يميتهم ويفنيهم، وتبقى الحسرة والندامة عليهم. وعلى هذا يكون الكلام على سبيل المجاز.
قال الزجاج: أى أن الله- تعالى- يفنى أهلهما. فيفنيان بما فيهما، فليس لأحد فيهما ملك.
فخوطبوا بما يعلمون، لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثا، ملكا له» .
وقوله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تذييل قصد به حضهم على الإنفاق، ونهيهم عن البخل، أى أن الله- تعالى- خبير ومطلع على ما يصدر عنكم من سخاء أو بخل أو غيرهما، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأتباعه، وبشرتهم بأن العاقبة ستكون لهم، وفضحت المنافقين وهتكت ما تستروا به من رياء وخداع، وبينت أن من سنن الله في خلقه أن يبتلى عباده بشتى ألوان البلاء ليتميز الخبيث من الطيب، وأنه- سبحانه- يملى للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن البخلاء بما آتاهم الله من فضله ستكون عاقبتهم شرا، ومصيرهم إلى العذاب الأليم.
ثم أخذت السورة الكريمة- بعد أن فضحت المنافقين- في الحديث عن بعض رذائل أهل الكتاب، وفي التحذير من شرورهم، وفي بيان طبيعة هذه الحياة وما تحمله من بلاء واختبار فقال- تعالى-:
وقوله : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ) أي : لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه ، بل هو مضرة عليه في دينه - وربما كان - في دنياه .
ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال البخاري :
حدثنا عبد الله بن منير ، سمع أبا النضر ، حدثنا عبد الرحمن - هو ابن عبد الله بن دينار - عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ) إلى آخر الآية .
تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه ، وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، ثم يلزمه يطوقه ، يقول : أنا كنزك ، أنا كنزك " .
وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، به ثم قال النسائي : ورواية عبد العزيز ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أثبت من رواية عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة .
قلت : ولا منافاة بينهما فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين ، والله أعلم . وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . ومن حديث محمد بن أبي حميد ، عن زياد الخطمي ، عن أبي هريرة ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن جامع ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه ، يفر منه وهو يتبعه فيقول : أنا كنزك " . ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله : ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) .
وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن جامع بن أبي راشد ، زاد الترمذي : وعبد الملك بن أعين ، كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود ، به . ثم قال الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث أبي بكر بن عياش وسفيان الثوري ، كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به ورواه ابن جرير من غير وجه ، عن ابن مسعود ، موقوفا .
حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من ترك بعده كنزا مثل له شجاعا أقرع يوم القيامة له زبيبتان ، يتبعه ويقول : من أنت ؟ ويلك . فيقول : أنا كنزك الذي خلفت بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ، ثم يتبعه سائر جسده " . إسناده جيد قوي ولم يخرجوه .
وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي ورواه ابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده ، فيمنعه إياه ، إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع " . لفظ ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن أبي قزعة ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه ، فيسأله من فضل جعله الله عنده ، فيبخل به عليه ، إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ ، حتى يطوقه " .
ثم رواه من طريق أخرى عن أبي قزعة - واسمه حجير بن بيان - عن أبي مالك العبدي موقوفا . ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلا .
وقال العوفي عن ابن عباس : نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها .
رواه ابن جرير . والصحيح الأول ، وإن دخل هذا في معناه . وقد يقال : [ إن ] هذا أولى بالدخول ، والله أعلم .
وقوله : ( ولله ميراث السماوات والأرض ) أي : فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل . فقدموا لكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم ( والله بما تعملون خبير ) أي : بنياتكم وضمائركم .
القول في تأويل قوله : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأه جماعة من أهل الحجاز والعراق: ( " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُون " ) بالتاء من " تحسبن ".
* * *
وقرأته جماعة أخر: ( وَلا يَحْسَبَنَّ ) بالياء. (39)
* * *
ثم اختلف أهل العربية في تأويل ذلك.
فقال بعض نحويي الكوفة: (40) معنى ذلك: لا يحسبن الباخلون البخلَ هو خيرًا لهم= فاكتفى بذكر " يبخلون " من " البخل "، كما تقول: " قدم فلان فسررت به "، وأنت تريد: فسررت بقدومه. و " هو "، عمادٌ. (41)
* * *
وقال بعض نحويي أهل البصرة: إنما أراد بقوله: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم " (42) =" لا يحسبن البخل هو خيرًا لهم "، (43) فألقى الاسم الذي أوقع عليه " الحسبان " به، هو البخل، لأنه قد ذكر " الحسبان " وذكر ما آتاهم الله من فضله "، فأضمرهما إذ ذكرهما. (44) &; 7-430 &; قال: وقد جاء من الحذف ما هو أشد من هذا، قال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ولم يقل: " ومن أنفق من بعد الفتح "، لأنه لما قال: أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ [سورة الحديد: 10]، كان فيه دليل على أنه قد عناهم.
* * *
وقال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة: إنّ" مَنْ" في قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ في معنى جمع. ومعنى الكلام: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح في منازلهم وحالاتهم، فكيف من أنفق من بعد الفتح؟ فالأول مكتفٍ. وقال: في قوله: " لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم " محذوف، غير أنه لم يُحذف إلا وفي الكلام ما قام مقام المحذوف، لأن " هو " عائد البخل، و " خيرا لهم " عائد الأسماء، فقد دل هذان العائدان على أن قبلهما اسمين، واكتفى بقوله: " يبخلون " من " البخل ".
* * *
قال: وهذا إذا قرئ بـ" التاء "، فـ" البخل " قبل " الذين "، وإذا قرئ بـ" الياء "، فـ" البخل " بعد " الذين "، وقد اكتفى بـ" الذين يبخلون "، من البخل، كما قال الشاعر: (45)
إِذَا نُهِــيَ السَّــفِيهُ جَــرَى إِلَيْـهِ
وَخَــالَفَ وَالسَّــفِيهُ إِلـى خِـلافِ (46)
كأنه قال: جرى إلى السفه، فاكتفى عن " السفه " بـ" السفيه "، كذلك اكتفى بـ" الذين يبخلون "، من " البخل ".
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءة من قرأ: ( " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ " ) بالتاء، بتأويل: ولا تحسبن، أنت يا محمد، بخل الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم= ثم ترك ذكر " البخل "، إذ كان في قوله: " هو خيرًا لهم " دلالة على أنه مراد في الكلام، إذ كان قد تقدمه قوله: " الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ".
وإنما قلنا: قراءة ذلك بالتاء أولى بالصواب من قراءته بالياء، لأن " المحسبة " من شأنها طلب اسم وخبر، فإذا قرئ قوله: " ولا يحسبن الذين يبخلون " بالياء: لم يكن للمحسبة اسم يكون قوله: " هو خيرًا لهم " خبرًا عنه. وإذا قرئ ذلك بالتاء، كان قوله: " الذين يبخلون " اسمًا له قد أدّى عن معنى " البخل " الذي هو اسم المحسبة المتروك، وكان قوله: " هو خيرًا لهم " خبرًا لها، فكان جاريًا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح. فلذلك اخترنا القراءة بـ" التاء " في ذلك على ما بيناه، وإن كانت القراءة بـ" الياء " غير خطأ، ولكنه ليس بالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب.
* * *
قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية الذي هو تأويلها على ما اخترنا من القراءة في ذلك: ولا تحسبن، يا محمد، بخل الذين يبخلون بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال، فلا يخرجون منه حق الله الذي فرضه عليهم فيه من الزكوات، هو خيرًا &; 7-432 &; لهم عند الله يوم القيامة، بل هو شر لهم عنده في الآخرة، كما:-
8278 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم "، هم الذين آتاهم الله من فضله، فبخلوا أن ينفقوها في سبيل الله، ولم يؤدُّوا زكاتها.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك اليهود الذين بخلوا أن يبينوا للناس ما أنـزل الله في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته.
ذكر من قال ذلك:
8279 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " إلى سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يعني بذلك أهل الكتاب، أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس.
8280 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله "، قال: هم يهود، إلى قوله: وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [سورة آل عمران: 184]. (47)
* * *
وأولى التأويلين بتأويل هذه الآية، التأويل الأوَل، وهو أنه معني بـ" البخل " في هذا الموضع، منع الزكاة، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تأوَّل قوله: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قال: البخيل الذي منع حق الله منه، أنه يصير ثعبانًا في عنقه= ولقول الله عقيب هذه الآية: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ، فوصف جل ثناؤه قول المشركين من &; 7-433 &; اليهود الذين زعموا عند أمر الله إياهم بالزكاة أن الله فقيرٌ.
* * *
القول في تأويل قوله : سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " سيطوَّقون "، سيجعل الله ما بخل به المانعون الزكاةَ، طوقًا في أعناقهم كهيئة الأطواق المعروفة، كالذي:-
8281 - حدثني الحسن بن قزعة قال، حدثنا مسلمة بن علقمة قال، حدثنا داود، عن أبي قزعة، عن أبي مالك العبدي قال: ما من عبد يأتيه ذُو رَحمٍ له، يسأله من فضلٍ عنده فيبخل عليه، إلا أخرِج له الذي بَخِل به عليه شجاعًا أقْرَع. (48) قال: وقرأ: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة " إلى آخر الآية. (49)
8282 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبى قزعة، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده، فيبخل به عليه، إلا أخرج له من جهنم شُجاع يتلمَّظ حتى يطوِّقه ". (50)
8283 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم قال، حدثنا داود، عن أبي قزعة حجر بن بيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمِه فيسأله من فضل أعطاه الله إياه، فيبخل به عليه، إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوِّقه ". ثم قرأ: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " حتى انتهى إلى قوله: " سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة ". (51)
8284 - حدثني زياد بن عبيد الله المرّي قال، حدثنا مروان بن معاوية= وحدثني عبدالله بن عبدالله الكلابي قال، حدثنا عبدالله بن بكر السهمي، وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد، واللفظ ليعقوب= جميعًا، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه. عن جده قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يأتي رجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده، فيمنعه إياه، إلا دُعِيَ له يوم القيامة شجاعٌ يتلمَّظ فضله الذي منع. (52)
8285 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن عبدالله بن مسعود: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: ثعبان ينقر رأس أحدهم، يقول: أنا مالك الذي بخلت به! (53) .
8286 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت أبا وائل يحدّث: أنه سمع عبدالله قال في هذه الآية: " سيطوقون ما بخلوا له يوم القيامة "، قال: شجاع يلتوي برأس أحدهم.
8287 - حدثني ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة قال، حدثنا خلاد بن أسلم قال، أخبرنا النضر بن شميل قال، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن عبدالله بمثله - إلا أنهما قالا قال: شجاع أسود.
8288 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، &; 7-437 &; عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: يجيء ماله يوم القيامة ثعبانًا، فينقر رأسه فيقول: أنا مالك الذي بخلت به! فينطوي على عنقه.
8289 - حدثت عن سفيان بن عيينة قال، حدثنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله، إلا مثَل له شجاع أقرع يطوقه. (54) ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم " الآية. (55)
8290 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا " سيطوقون ما بخلوا به "، فإنه يُجعل ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع يطوِّقه، فيأخذ بعنقه، فيتبعه حتى يقذفه في النار.
8291 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن أبي وائل قال: هو الرجل الذي يرزقه الله مالا فيمنع قرابته الحق الذي جعل الله لهم في ماله، فيُجْعل حية فيطوَّقها، فيقول: ما لي ولك! فيقول: أنا مالك!
8292 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن قوله: " سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: يطوقون شجاعًا أقرع ينهش رأسه. (56)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، فيجعل في أعناقهم طوقًا من نار.
ذكر من قال ذلك:
8293 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: طوقًا من النار.
8294 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية: " سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: طوقًا من نار.
8295 - حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: " سيطوقون "، قال: طوقًا من نار.
8296 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: طوقًا من نار. (57)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: سيحمل الذين كتموا نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم من أحبار اليهود، ما كتموا من ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
8297 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس قوله: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، ألم تسمع أنه قال: يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [سورة النساء: 37 سورة الحديد: 24]، (58) يعني أهل الكتاب: يقول: يكتمون، ويأمرون الناس بالكتمان.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: سيكلَّفون يوم القيامة أن يأتوا بما بَخِلوا به في الدنيا من أموالهم.
* ذكر من قال ذلك:
8298 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال: سيكلَّفون أن يأتوا بما بخلوا به، إلى قوله: وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ .
8299 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " سيطوقون "، سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية، التأويل الذي قلناه في ذلك في مبدإ قوله: " سيطوقون ما بخلوا به "، للأخبار التي ذكرنا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدَ أعلم بما عَنى الله تبارك وتعالى بتنـزيله، منه عليه السلام.
* * *
القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أنه الحي الذي لا يموت، والباقي بعد فَناء جميع خلقه.
* * *
فإن قال قائل: فما معنى قوله: " له ميراث السموات والأرض "، و " الميراث " المعروف، هو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته، ولله الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟
قيل: إن معنى ذلك ما وصفنا، من وصفه نفسه بالبقاء، وإعلام خلقه أنه كتِب عليهم الفناء. وذلك أنّ ملك المالك إنما يصير ميراثًا بعد وفاته، فإنما قال جل ثناؤه: " ولله ميراث السموات والأرض "، إعلامًا بذلك منه عبادَه أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فانٍ سواه، فإنه الذي إذا أهلك جميع خلقه فزالت أملاكهم عنهم، لم يبق أحدٌ يكون له ما كانوا يملكونه غيره.
وإنما معنى الآية: " لا تحسبن الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، بعد ما يهلكون وتزولُ عنهم أملاكهم، في الحين الذي لا يملكون شيئًا، وصار لله ميراثه وميراث غيره من خلقه.
ثم أخبر تعالى ذكره أنه بما يعمل هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضل وغيرهم من سائر خلقه، ذو خبرة وعلم، محيط بذلك كله، حتى يجازي كلا منهم على قدر استحقاقه، المحسنَ بالإحسان، والمسيء على ما يرى تعالى ذكره.
* * *
---------------
الهوامش:
(39) في المطبوعة والمخطوطة في ذكر هاتين القراءتين ، كتب القراءة الأولى"ولا يحسبن" بالياء ، والقراءة الثانية"ولا تحسبن" بالتاء. وهو خطأ بين جدًا ، لأنه عقب على هذه القراءة الأخيرة بقوله: "ثم اختلف أهل العربية في تأويل ذلك" ، واختلافهم كما ترى في قراءة"الياء" لا"التاء" ، فمن أجل ذلك صححت مكان القراءتين ، كما أثبتها ، وهو الصواب المحض إن شاء الله.
(40) هو الفراء.
(41) انظر معاني القرآن للفراء 1: 104 ، 248 ، 249 ، وهو نص كلامه ، و"العماد" عند الكوفيين ، هو ضمير الفصل عند البصريين ، ويسمى أيضا"دعامة" و"صفة" ، انظر ما سلف 2: 312 ، تعليق 2 / ثم ص313 / ثم ص: 374.
(42) في المطبوعة: "ولا تحسبن" بالتاء ، والصواب بالياء كما أثبتها. وانظر التعليق السالف. وهي في المخطوطة غير منقوطة.
(43) وكان في المطبوعة أيضا: "ولا تحسبن البخل" ، بالتاء ، والصواب بالياء ، وانظر التعليق السالف.
(44) هكذا جاءت هذه الجملة من أولها ، وهي مضطربة أشد الاضطراب ، وكان في المطبوعة: "به وهو البخل" بزياد واو ، ولكني أثبت ما في المخطوطة كما هو على اضطراب الكلام. وقد جهدت أن أجد إشارة في كتب التفسير وإعراب القرآن ، إلى هذا الذي قاله البصري فيما رواه أبو جعفر ، فلم أجد شيئًا ، وأرجح أن الناسخ قد أسقط من الكلام سطرًا أو بعضه ، وأرجح أن سياق الجملة من أولها ، كان هكذا:
"وقال بعض نحوِّيى أهل البصرة: إِنّما أراد بقوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الذين يبخَلُونَ بما آتاهُمُ الله من فَضْله هو خيرًا لهم بل هو شَرٌّ لهم) =: ولا يحسبَنَّ الذين يبخلونَ بما آتاهم الله من فضله ، لا يَحْسَبُنَّ البُخْلَ هو خيرًا لهم= فألقى"الحسبان" الثاني ، وألقى الاسمَ الذي أوقعَ عليه"الحسبان". وما وقع"الحسبان" به هو البخل= لأنه قد ذكر"الحسبان" ، وذكر"ما آتاهم الله من فضله" ، فأضمرهما إذ ذكرهما".
ويكون القائل هذا من أهل البصرة ، قد عنى أن هذه الآية شبيهة بأختها الآتية في سورة آل عمران: 188 (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَيُحِبُّونَ أن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمفَازَةِ مِنَ العَذَابِ)
إذ كرر"لا تحسبن" تأكيدًا لما طال الكلام ، وهو صحيح كلام العرب وصريحه. فكذلك هو في هذه الآية ، على ما أرجح أن البصري قال ، كرر"الحسبان" ، ولكنه حذف"الحسبان" الذي كرره ، وأبقى الأول الذي ألجأ إلى التكرار والتوكيد.
ويعني بقوله: "أضمرهما" ، "الحسبان" الثاني في تأويله ، و"البخل" ، ولم أجد وجهًا يستقيم به الكلام غير هذا الوجه ، فإن أصبت فبحمد الله وتوفيقه ، وإن أخطأت ، فأسأل الله المغفرة بفضله.
(45) لم يعرف قائله.
(46) معاني القرآن للفراء 1: 104 ، 249 ، أمالي الشجري 1: 68 ، 113 ، 305 / 2: 132 ، 209 ، والإنصاف: 63 ، والخزانة 2: 383 ، وسائر كتب النحاة.
(47) تركت الآية في هذه الآثار على قراءة أبي جعفر"ولا تحسبن" بالتاء ، وقراءة مصحفنا اليوم"ولا يحسبن" بالياء.
(48) "الشجاع": الحية الذكر ، وهو ضرب من الحيات خبيث مارد. و"أقرع" صفة من صفات الحيات الخبيثة ، يزعمون أنه إذا طال عمر الحية ، وكثر سمه ، جمعه في رأسه حتى تتمعط منه فروة رأسه.
(49) الحديث: 8281 - الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي ، شيخ الطبري: ثقة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 34.
و"قزعة": بفتح القاف والزاي ، وقيل: بسكون الزاي. انظر المشتبه ، ص425. واقتصر الحافظ في تحريره على الفتح.
مسلمة - بفتح الميم - بن علقمة المازني: ثقة ، وثقه ابن معين وغيره. وضعفه أحمد. وهو مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 1 / 388 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 367 - 368. ولم يذكر فيه البخاري جرحًا. فهو ثقة عنده.
داود: هو ابن أبي هند.
أبو قزعة: هو سويد بن حجير - بالتصغير فيهما - بن بيان ، الباهلي البصري. وهو تابعي ثقة ، وثقه أحمد ، وابن المديني ، وغيرهما. مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 148 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 235- 236.
وسها الحافظ في الإصابة 1: 331 ، في ترجمة أبيه ، فذكر أنه"ذهلي" ، والمصادر كلها على أنه"باهلي".
وسيأتي في: 8283"عن أبي قزعة حجر بن بيان"؛ وهو خطأ صرف ، كما سنبينه هناك ، إن شاء الله.
أبو مالك العبدي: لا ندري من هو؟ ولا ندري: أهو صحابي أم تابعي؟ فما علمت أحدًا ترجمه ، إلا الحافظ في الإصابة 7: 169 ، بنى ترجمته على هذا الحديث عند الطبري وحده:
فأشار إلى هذه الرواية ، وإلى الرواية التالية"عن أبي قزعة ، عن رجل" ، وذكر أن الثعلبى رواها: "عن رجل من قيس". وإلى الرواية الثالثة: "عن أبي قزعة ، مرسلا". ثم قال: "وأبو قزعة: تابعي بصري مشهور ، لكنه كان يرسل عن الصحابة. فهو على الاحتمال".
يعني الحافظ: أنه من المحتمل أن يكون"أبو مالك العبدي" هذا صحابيًا ، لأن أبا قزعة يروي عن الصحابة ويرسل الرواية عنهم! وما بمثل هذا تثبت الصحبة ، ولا بمثله يثبت وجود الشخص والصفة معًا!! خصوصًا وأنه في الرواية التالية"عن رجل" - لم يزعم أنه من الصحابة ، ولم يقل ما يشير لذلك.
فلا يزال - بعد هذا - الحديث ضعيفًا ، لأنه لم يعرف أن راويه عن رسول الله صحابي.
وقد أشار ابن كثير 2: 307 إلى هذه الروايات الثلاث عند الطبري ، ولم ينسبها لغيره.
ولا نعلم أحدًا رواها غير الطبري ، إلا إشارة الحافظ في الإصابة لرواية الثعلبي.
(50) الحديث: 8282 - عبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى ، القرشي السامي ، من بني"سامة ابن لؤي". وهو ثقة ، أخرج له الجماعة كلهم. والحديث مكرر ما قبله.
"تلمظت الحية" ، إذا أخرجت لسانها كتلمظ الآكل ، وهو تحريك للسان في الفم ، والتمطق بالشفتين.
(51) الحديث: 8283 - هكذا ثبت في المخطوطة والمطبوعة: "عن أبي قزعة حجر بن بيان"؛ وهو خطأ من وجهين:
* فأولا: "حجر" ، صوابه"حجير" بالتصغير ، وقد وقع هذا الخطأ في الإصابة أيضا ، في ترجمة"أبي مالك العبدي": "عن أبي قزعة سويد بن حجر". وهو خطأ ناسخ أو طابع ، لا شك في ذلك لأن الحافظ ترجم لأبي قزعة في التهذيب وغيره على الصواب"سويد بن حجير".
* وثانيا: سقط هنا بين الكنية والاسم كلمة"بن". لأن"حجير بن بيان" - هو والد أبي قزعة ، وليس اسمه.
* وأبوه"حجير بن بيان": مذكور في الصحابة. مترجم في الاستيعاب ، رقم: 543 ، وأسد الغابة 1: 387؛ والإصابة 1: 330 - 331 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 290. وهو عندهم جميعًا بالتصغير نصا.
* وسها الحافظ ابن كثير ، ولم يراجع المصادر! فاغتر بهذه الرواية المغلوطة من وجهين - فذكر في هذه الروايات: "عن أبي قزعة ، واسمه حجر بن بيان"!! فزاد على الخطأ الذي في أصول الطبري بحذف"بن" - فصرح بأن هذا اسم أبي قزعة! وما كان ذلك في رواية ولا قول قط.
* والسيوطي تبع الحافظ ابن كثير ، ثم زاد خطأ على خطأ ، فذكر الحديث 2: 105 ، ونسبه لابن أبي شيبة في مسنده ، وابن جرير"عن حجر بن بيان"!!
(52) الحديث: 8284 - هذا الحديث رواه الطبري عن ثلاثة شيوخ: زياد بن عبيد الله المرى ، وعبد الله بن عبد الله الكلابي - وهذان لم أعرفهما ، ولم أجد لواحد منهما ترجمة ولا ذكرًا في غير هذا الموضع. ثم إن في المطبوعة بدل"عبد الله بن عبد الله الكلابي": "محمد بن عبد الله"! وهو أشد جهالة من ذاك.
وفي لسان الميزان 2: 495 ، ترجمة: "زياد بن عبد الله بن خزاعى ، عن مروان بن معاوية. قال ابن حبان في الثقات: حدثنا عنه شيوخنا ، ربما أغرب".
فمن المحتمل أن يكون هذا الشيخ هو شيخ الطبري"زياد بن عبيد الله الكلابي" ، وأن يكون"عبيد الله" محرفًا في طبعة اللسان إلى"عبد الله".
والشيخ الثالث: يعقوب بن إبراهيم ، وهو الدورقي الحافظ ، مضى مرارًا ، آخرها: 3726.
وأسانيده صحاح ، على الرغم من جهالة شيخي الطبري الأولين ، اكتفاء برواية الحافظ الدورقي. ولأن الحديث ثابت عن شيوخ آخرين عن بهز بن حكيم ، كما سنذكر في التخريج ، إن شاء الله.
وقد بينا فيما مضى رقم: 873 صحة إسناد بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
والحديث رواه أحمد في المسند ، عن عبد الرزاق عن معمر ، وعن يزيد - وهو ابن هارون ، وعن يحيى بن سعيد: ثلاثتهم عن بهز بن حكيم ، بهذا الإسناد.
ورواه النسائي 1: 358 ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن معتمر ، عن بهز.
ومن عجب أنه -وهو في المسند وسنن النسائي- لا ينسبه الحافظ ابن كثير 2: 307 ، إلا لابن جرير وابن مردويه!
وذكره السيوطي 2: 105 ، وزاد نسبته لأبي داود ، والترمذي وحسنه ، والبيهقي في الشعب.
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 2: 33 ، ونسبه لأبي داود ، والترمذي ، والنسائي.
(53) الحديث: 8285 - عبد الرحمن: هو ابن مهدي. وسفيان: هو الثوري. وأبو إسحاق: هو السبيعي.
وهذا الحديث لفظه هنا موقوف على ابن مسعود. وهو في معناه مرفوع. وهو أيضًا مختصر اللفظ.
وقد رواه الطبري هكذا ، مختصرًا موقوفًا ، بأسانيد: 8285 - 8288 ، 8292. ثم رواه أثناء ذلك: 8289 ، مرفوعًا بلفظ أطول.
ورواه أيضًا الحاكم في المستدرك 2: 298- 299 ، من طريق أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، ومن طريق الثوري ، عن أبي إسحاق - موقوفًا ، بنحوه. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وقد تساهل الحافظ ابن كثير 2: 306 فأشار إلى رواية الحاكم هذه ، عقب رواية الحديث المرفوع من مسند أحمد - بصيغة توهم أن رواية الحاكم مثل رواية المسند مرفوعة.
ثم زاد القارئ لبسًا ، إذ قال عقب ذلك: "ورواه ابن جرير من غير وجه عن ابن مسعود - موقوفًا"! فهذا السياق عقب ذكر رواية الحاكم ، يوقع في وهم الناظر أنها مرفوعة!! وليست كذلك.
(54) "مثل له": انتصب له ماثلا ، قائمًا.
(55) الحديث: 8289 - هكذا أبهم الطبري شيخه في هذا الإسناد. ولكن الحديث ثابت برواية الثقات عن ابن عيينة ، كما سنذكر في التخريج ، إن شاء الله.
جامع بن أبي راشد الكاهلي الصيرفي: ثقة ، وثقه أحمد وغيره ، وأخرج له الجماعة. مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 240 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 530.
ووقع هنا في نسخ الطبري: "جامع بن شداد". وهو خطأ ، فليس لجامع بن شداد في هذا الحديث رواية ، فيما أعلم - كما يتبين من التخريج.
ثم إن جامع بن شداد قديم الوفاة ، لم يدركه ابن عيينة ولا روى عنه. لأنه ولد سنة 107 ، وابن شداد مات سنة 107 وقيل سنة 108. وأما ما وقع في ترجمته في التهذيب 2: 56 ، في الأقوال في سني وفاته ، بين: 128 ، 118 ، 127 ، فإنه غلط ، بعضه من الحافظ المزي في التهذيب الكبير ، وبعضه من نسخ تهذيب التهذيب. وقد ثبتت هذه الأرقام على الصواب بالكتابة بالحروف في الكبير للبخاري 1 / 2 / 239- 240 ، والصغير ، ص: 132؛ وابن سعد 6: 222 ، 226.
عبد الملك بن أعين الكوفي: تابعي ثقة. وقد تكلم فيه بأنه شيعي ، ولكن لم يدفعه أحد عن الصدق. وأخرج له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 343. وذكره البخاري في الضعفاء ، ص: 222 ، فقال: "عبد الملك بن أعين ، وكان شيعيًا. روى عنه ابن عيينة وإسماعيل ابن سميع. يحتمل في الحديث". فلم يجرحه في صدقه وروايته ، ولذلك أدخله في صحيحه.
والحديث رواه أحمد في المسند: 3577 ، عن سفيان ، وهو ابن عيينة ، عن جامع ، وهو ابن أبي راشد ، عن أبي وائل ، به ، نحوه ، مرفوعًا.
وكذلك رواه الترمذي 4: 85 ، وابن ماجه: 1784 ، كلاهما عن ابن أبي عمر. والنسائي1: 333 - 334 ، عن مجاهد بن موسى - كلاهما عن سفيان بن عيينة ، به. ولكن زاد الترمذي وابن ماجه في روايتهما: أنه عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين - كرواية الطبري هنا. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وذكره ابن كثير 2: 306 ، من رواية المسند ، ثم ذكر أنه رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه.
وذكره السيوطي 2: 105 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن خزيمة ، وابن المنذر.
(56) الحديث: 8292 - أبو غسان: هو مالك بن إسماعيل بن درهم النهدي الحافظ. مضت ترجمته في: 2989.
إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
حكيم بن جبير الأسدي: ضعيف ، بينا ضعفه في شرح المسند: 3675. وهو مترجم في التهذيب والكبير للبخاري 2 / 1 / 16 ، والصغير ، ص: 150 ، 152؛ والضعفاء له ص: 10 ، وللنسائي ص: 9 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 201- 202. وهذا اللفظ موقوف على ابن مسعود. وضعف إسناده لا يضر ، فقد مضى موقوفًا بأسانيد صحاح: 8285 - 8288 ، ومرفوعًا: 8289.
(57) في المطبوعة: "طوق" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(58) وإنما عنى آية سورة النساء ، لأن تمامها"ويكتمون ما آتاهم الله من فضله".
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 54 | ﴿يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا﴾ |
---|
آل عمران: 170 | ﴿فَرِحِينَ بما آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 180 | ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بما آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم﴾ |
---|
النساء: 37 | ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
ولا يحسبن:
قرئ:
1- بالتاء، وهى قراءة حمزة، وهى على تقدير حذف مضاف، أي: بخل الذين.
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.
هو خيرا:
وقرئ:
بإسقاط «هو» ، و «خيرا» هو مفعول «تحسبن» ، وهى قراءة الأعمش.
تعملون:
قرئ:
1- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بالتاء على الالتفات، وهى قراءة الباقين.