ترتيب المصحف | 34 | ترتيب النزول | 58 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 6.50 |
عدد الآيات | 54 | عدد الأجزاء | 0.35 |
عدد الأحزاب | 0.70 | عدد الأرباع | 2.80 |
ترتيب الطول | 31 | تبدأ في الجزء | 22 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الثناء على الله: 6/14 | الحمد لله: 4/5 |
ثُمَّ توبيخُ المشركينَ يومَ القيامةِ بسؤالِ الملائكةِ: أهم كانُوا يعبدُونَكم؟ وبيانُ أنَّهم كانُوا ينقادُونَ لأمرِ الجِنِّ، وأنَّ ما كانُوا يعبدُونَه لا ينفعُهم.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ بيانِ عذابِ المشركينَ في النَّارِ، ذكرَ اللهُ هنا سببَ هذا العذابِ، وهو تكذيبُ النَّبي ﷺ والقرآنِ، ثُمَّ أنذرَهم بما حدثَ للأممِ السابقةِ، =
قريبًا إن شاء الله
= ودعَاهُم إلى التَّفكُّرِ الهادئِ العميقِ في شأنِ النَّبي ﷺ وما يعلمُونه من سيرتِه.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي:العابدين لغير اللّه والمعبودين من دونه, من الملائكة.{ ثُمَّ يَقُولُ} الله{ لِلْمَلَائِكَةِ} على وجه التوبيخ لمن عبدهم{ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} فتبرأوا من عبادتهم.
أى: واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أى: يجمع الله- سبحانه- الكافرين جميعا. الذين استضعفوا في الدنيا والذين استكبروا.
ثُمَّ يَقُولُ- عز وجل- لِلْمَلائِكَةِ على سبيل التبكيت والتقريع للمشركين أَهؤُلاءِ الكافرون إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ أى: أهؤلاء كانوا يعبدونكم في الدنيا.
وأنتم رضيتم بذلك.
وهؤُلاءِ مبتدأ، وخبره «كانوا يعبدون» وإِيَّاكُمْ مفعول يعبدون.
وتخصيص الملائكة بالخطاب مع أن من الكفار من كان يعبد الأصنام، ومن كان يعبد غيرها، لأن المقصود من الخطاب حكاية ما يقوله الملائكة في الرد عليهم.
قال صاحب الكشاف: هذا الكلام خطاب للملائكة. وتقريع للكفار وارد على المثل السائر: إياك أعنى واسمعي يا جارة، ونحوه قوله- تعالى- لعيسى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وقد علم- سبحانه- كون الملائكة وعيسى، منزهين برآء مما وجه عليهم من السؤال، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون التقريع للمشركين أشد، والتعبير أبلغ، وهوانهم ألزم. ..
يخبر تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رءوس الخلائق ، فيسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورة الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى ، فيقول للملائكة : ( أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) ؟ أي : أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم ؟ كما قال في سورة الفرقان : ( أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ) [ الفرقان : 17 ] ، وكما يقول لعيسى : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) [ المائدة : 116 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء الكفار بالله جميعًا، ثم نقول للملائكة: أهؤلاء كانوا يعبدونكم من دوننا؟ فتتبرأ منهم الملائكة .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 22 | ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾ |
---|
يونس: 28 | ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾ |
---|
الأنعام: 128 | ﴿ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ﴾ |
---|
سبإ: 40 | ﴿ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَـٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ |
---|
يونس: 45 | ﴿ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ﴾ |
---|
الفرقان: 17 | ﴿ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـٰؤُلَاءِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي:تنزيها لك وتقديسا, أن يكون لك شريك, أو ند{ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} فنحن مفتقرون إلى ولايتك, مضطرون إليها, فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء وشركاء؟"
ولكن هؤلاء المشركون{ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي:الشياطين, يأمرونبعبادتنا أو عبادة غيرنا, فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم, لأن العبادة الطاعة, كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}
{ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} أي:مصدقون للجن, منقادون لهم, لأن الإيمان هو:التصديق الموجب للانقياد.
وقوله- تعالى-: قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ حكاية لأقوال الملائكة.
أى: قال الملائكة في الإجابة على سؤال خالقهم. سُبْحانَكَ أى: ننزهك ونقدسك عن أن يكون لك شريك في عبادتك وطاعتك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ أى: أنت الذي نواليك ونتقرب إليك وحدك بالعبادة، وليس بيننا وبين هؤلاء المشركين أى موالاة أو قرب، ولا دخل لنا في عبادتهم لغيرك.
ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه في الدنيا فقالوا: بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ.
أى: إن هؤلاء المشركين لا علم لنا بأنهم كانوا يعبدوننا، ونبرأ من ذلك إن كانوا قد عبدونا، وهم إنما كانوا يعبدون في الدنيا الْجِنَّ أى الشياطين، وكان أكثر هؤلاء المشركين يؤمنون بعبادة الشياطين، ويطيعونهم فيما يأمرونهم به، أو ينهونهم عنه.
فقوله- تعالى- بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ إضراب انتقالي، لبيان السبب في شرك هؤلاء المشركين، وتصريح بمن كانوا يعبدونهم في الدنيا.
قال الجمل: فإن قيل جميعهم كانوا متابعين للشياطين، فما وجه قوله- تعالى- أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ فإنه يدل على أن بعضهم لم يؤمن بالجن ولم يطعهم؟
فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإحاطة بهم، فقالوا أكثرهم، لأن الذين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعيدون الجن، ولعل في الوجود من لم يطلع الله الملائكة على حاله من الكفار.
الثاني: هو أن العبادة عمل ظاهر، والإيمان عمل باطن، فقالوا: بل كانوا يعبدون الجن لاطلاعهم على أعمالهم، وقالوا: أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب، لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما في القلوب، فإن القلب لا يطلع على ما فيه إلا الله .
وهكذا تقول الملائكة : ( سبحانك ) أي : تعاليت وتقدست عن أن يكون معك إله ( أنت ولينا من دونهم ) أي : نحن عبيدك ونبرأ إليك من هؤلاء ، ( بل كانوا يعبدون الجن ) يعنون : الشياطين; لأنهم هم الذين يزينون لهم عبادة الأوثان ويضلونهم ، ( أكثرهم بهم مؤمنون ) ، كما قال تعالى : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ) [ النساء : 117 ] .
(قَالُوا سُبْحَانَكَ) ربنا؛ تنـزيهًا لك وتبرئة مما أضاف إليك هؤلاء من الشركاء والأنداد (أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ) لا نتخذ وليًّا دونك (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ) استفهام كقوله لعيسى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وقوله (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) يقول: أكثرهم بالجن مصدقون، يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 32 | ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ |
---|
الفرقان: 18 | ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ |
---|
سبإ: 41 | ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فلما تبرأوا منهم, قال تعالى [مخاطبا] لهم:{ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} تقطعت بينكم الأسباب, وانقطع بعضكم من بعض.{ وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفر والمعاصي - بعد ما ندخلهم النار -{ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} فاليوم عاينتموها, ودخلتموها, جزاء لتكذيبكم, وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب, من عدم الهرب من أسبابها.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن الملك في يوم الحساب له وحده فقال: فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا.
أى: فاليوم لا يملك أحد من المعبودين أن ينفع أحدا من العابدين، أو أن يضره، بل الذي يملك كل ذلك هو الله- تعالى- وحده فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن مرد النفع والضر في هذا اليوم إلى الله- تعالى.
وحده، فالعابدون لا يملكون شيئا، والمعبودون كذلك لا يملكون شيئا.
وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أى: ونقول في هذا اليوم الهائل الشديد للذين ظلموا أنفسهم وظلموا الحق بعبادتهم لغيرنا، نقول لهم ذُوقُوا فظاعة وشدة عذاب النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا، وتنكرون أن يكون هناك بعث أو حساب أو ثواب أو عقاب.
ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من أقوال هؤلاء المشركين في شأن النبي صلى الله عليه وسلّم وفي شأن القرآن الكريم، وتهددهم بسوء المصير إذا استمروا في طغيانهم وجهلهم فتقول:
قال الله تعالى : ( فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ) أي : لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد والأوثان ، التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكربكم ، اليوم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ، ( ونقول للذين ظلموا ) - وهم المشركون - ( ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ) أي : يقال لهم ذلك ، تقريعا وتوبيخا .
القول في تأويل قوله تعالى : فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يملك بعضكم أيها الملائكة للذين كانوا في الدنيا يعبدونكم نفعًا ينفعونكم به، ولا ضرًّا ينالونكم به أو تنالونهم به (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول: ونقول للذين عبدوا غير الله فوضعوا العبادة في غير موضعها، وجعلوها لغير من تنبغي أن تكون له (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا) في الدنيا(تُكَذِّبُونَ) فقد وردتموها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
السجدة: 20 | ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ |
---|
سبإ: 42 | ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى عن حالة المشركين, عندما تتلى عليهم آيات اللّه البينات, وحججه الظاهرات, وبراهينه القاطعات, الدالة على كل خير, الناهية عن كل شر, التي هي أعظم نعمة جاءتهم, ومِنَّةٍ وصلت إليهم, الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق, والانقياد, والتسليم, أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي, ويكذبون من جاءهم بها ويقولون:{ مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} أي:هذا قصده, حين يأمركم بالإخلاص للّه, لتتركوا عوائد آبائكم, الذين تعظمون وتمشون خلفهم، فردوا الحق, بقول الضالين, ولم يوردوابرهانا, ولا شبهة.
فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين, باتباع الحق, فادَّعوا أن إخوانهم, الذين على طريقتهم, لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة, ورد الحق, بأقوال الضالين, إذا تأملت كل حق رد, فإذا هذا مآله لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين, والدهريين, والفلاسفة, والصابئين, والملحدين في دين اللّه, المارقين, فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة.
ولما احتجوا بفعل آبائهم, وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل, طعنوا بعد هذا بالحق،{ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى} أي:كذب افتراه هذا الرجل, الذي جاء به.{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي:سحر ظاهر بيِّن لكل أحد, تكذيبا بالحق, وترويجا على السفهاء.
وقوله: تُتْلى من التلاوة، وهي قراءة الشيء بتدبر وتفهم.
أى: وإذا ما تليت آياتنا الدالة دلالة واضحة على وحدانيتنا وقدرتنا، وعلى صدق رسولنا صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عنا.
قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ أى: قالوا على سبيل الإنكار والاستهزاء، ما هذا التالي لتلك الآيات إلا رجل يريد أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم الأقدمون.
ويعنون بقولهم «ما هذا إلا رجل» : الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويقصدون بالإشارة إليه، الاستخفاف به، والتحقير من شأنه صلّى الله عليه وسلم.
وقالوا: يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ لإثارة حمية الجاهلية فيهم فكأنهم يقولون لهم: احذروا اتباع هذا الرجل، لأنه يريد أن يجعلكم من أتباعه، وأن يقطع الروابط التي تربط بينكم وبين آبائكم الذين أنتم قطعة منهم.
ولم يكتفوا بالتشكيك في صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم بل أضافوا إلى ذلك التكذيب للقرآن الكريم، ويحكى- سبحانه- ذلك فيقول: وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً.
أى: وقالوا في شأن القرآن الكريم: ما هذا الذي يتلوه محمد صلّى الله عليه وسلّم علينا، إلا إِفْكٌ أى: كلام مصروف عن وجهه، وكذب في ذاته مُفْتَرىً أى: مختلق على الله- تعالى- من حيث نسبته إليه.
فقوله مُفْتَرىً صفة أخرى وصفوا بها القرآن الكريم، فكأنهم يقولون- قبحهم الله- ما هذا القرآن إلا كذب في نفسه، ونسبته إلى الله- تعالى- ليست صحيحة.
ثم أضافوا إلى تكذيبهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللقرآن، تكذيبا عاما لكل ما جاءهم به الرسول من حق، فقالوا- كما حكى القرآن عنهم-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ، إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ.
أى: وقال الكافرون في شأن كل حق جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر واضح.
وهكذا نراهم- لعنادهم وجهلهم- قد كذبوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكذبوا القرآن. وكذبوا كل توجيه قويم، وإرشاد حكيم، أرشدهم إليه صلّى الله عليه وسلّم إذ اسم الإشارة الأول يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم والثاني يعود إلى القرآن، والثالث يعود إلى تعاليم الإسلام كلها.
يخبر تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب; لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غضة طرية من لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ( قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ) ، يعنون أن دين آبائهم هو الحق ، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل - عليهم وعلى آبائهم لعائن الله - ( وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى ) يعنون القرآن ، ( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ) .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)
يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين آيات كتابنا بيِّنات، يقول: واضحات أنهن حق من عندنا( قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ) يقول: قالوا عند ذلك: لا تتبعوا محمدًا، فما هو إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباوكم من الأوثان، ويغير دينكم ودين آبائكم (وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى) يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون: ما هذا الذي تتلو علينا يا محمد، يعنون القرآن، إلا إفك، يقول: إلا كذب مفترى: يقول: مختلق متخرص ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يقول جل ثناؤه: وقال الكفار للحق، يعني محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، لما جاءهم، يعني: لما بعثه الله نبيًّا: هذا سحر مبين، يقول: ما هذا إلا سحر مبين، يبين لمن رآه وتأمله أنه سحر.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 31 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ﴾ |
---|
يونس: 15 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ﴾ |
---|
مريم: 73 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا﴾ |
---|
الحج: 72 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ﴾ |
---|
سبإ: 43 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ﴾ |
---|
الجاثية: 25 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بَِٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ |
---|
الأحقاف: 7 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولما بيَّن ما ردوا به الحق, وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة, فضلا أن تكون حجة, ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم, فإنهم لا مستند لهم, ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا, فقال:{ وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} حتى تكون عمدة لهم{ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله, ما يدفعون به, ما جئتهم به، فليس عندهم علم, ولا أثارة من علم.
ثم بين- سبحانه- أن أقوالهم هذه لا تستند إلى دليل أو ما يشبه الدليل، وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون، فقال- تعالى-: وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ.
أى: أن هؤلاء الذين قالوا ما قالوا من باطل وزور، لم نأتهم بكتب يدرسونها ويقرءونها ليعرفوا منها أن الشرك حق، فيكون لهم عذرهم في التمسك به، وكذلك لم نرسل إليهم قبلك- أيها الرسول الكريم- نذيرا يدعوهم إلى عبادة الأصنام، ويخوفهم من ترك عبادتها.
وما دام الأمر كذلك، فمن أين أتوا بهذا التصميم على شركهم، وبهذا الإنكار للحق الذي جاءهم؟ إن أمرهم هذا لهو في غاية الغرابة والعجب.
فالمقصود من الآية الكريمة تجهيلهم والتهكم بهم، ونفى أن يكون عندهم حتى ما يشبه الدليل على صحة ما هم فيه من شرك.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ وقوله- عز وجل-: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ.
قال الله تعالى : ( وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) أي : ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن ، وما أرسل إليهم نبيا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كانوا يودون ذلك ويقولون : لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب ، لكنا أهدى من غيرنا ، فلما من الله عليهم بذلك كذبوه وعاندوه وجحدوه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
يقول تعالى ذكره: وما أنـزلنا على المشركين القائلين لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما جاءهم بآياتنا: هذا سحر مبين، بما يقولون من ذلك كتبًا يدرسونها، يقول: يقرءونها.
&; 20-416 &; كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (ومَا آتيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا) أي: يقرءونها(وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون ويعملون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ما أنـزل الله على العرب كتابًا قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبيًّا قبل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يدرسونها:
1- مضارع «درس» مخففا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الدال وشدها، وكسر الراء، مضارع «ادّرس» ، افتعل من «الدرس» ، وهى قراءة أبى حيوة.
3- يدرسونها، من التدريس، ورويت عن أبى حيوة أيضا.
التفسير :
ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين [قبلهم] فقال:{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا} أي:ما بلغ هؤلاء المخاطبون{ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ}{ فَكَذَّبُوا} أي:الأمم الذين من قبلهم{ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي:إنكاري عليهم, وعقوبتي إياهم. قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال, وأن منهم من أغرقه, ومنهم من أهلكه بالريح العقيم, وبالصيحة, وبالرجفة, وبالخسف بالأرض, وبإرسال الحاصب من السماء، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون, أن تدوموا على التكذيب, فيأخذكم كما أخذ من قبلكم, ويصيبكم ما أصابهم.
ثم بين لهم- سبحانه- بعد ذلك هوان أمرهم. وتفاهة شأنهم بالنسبة لمن سبقوهم، فقال: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ، فَكَذَّبُوا رُسُلِي، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.
والمعشار بمعنى العشر وهو لغة فيه. تقول: عندي عشر دينار ومعشار دينار، قال أبو حيان: والمعشار مفعال من العشر، ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع. ومعناهما: العشر والربع.. .
والضمير في قوله وَما بَلَغُوا يعود لكفار مكة، وقوله: ما آتَيْناهُمْ وفي قوله:
فَكَذَّبُوا رُسُلِي يعود إلى الأمم السابقة.
والنكير: مصدر كالإنكار، وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل.
والمعنى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لتكذيب قومك لك، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم، وإن قومك لم يبلغوا من القوة والغنى والكثرة.. عشر ما كان عليه سابقوهم، ولكن لما كذب أولئك السابقون أنبياءهم، أخذتهم أخذ عزيز مقتدر، بأن دمرناهم جميعا.
والاستفهام في قوله- تعالى- فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ للتهويل. والجملة الكريمة معطوفة على مقدر والمعنى: فحين تمادوا في تكذيب رسلي، جاءهم إنكارى بالتدمير، فكيف كان إنكارى عليهم بالتدمير والإهلاك؟ لقد كان شيئا هائلا فظيعا تركهم في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها، فعلى قومك أن يحذروا من أن يصيبهم مثله.
وجعل- سبحانه- التدمير إنكارا، تنزيلا للفعل منزلة القول، كما في قول بعضهم:
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله وَما بَلَغُوا يعود على الذين من قبلهم، وفي قوله آتَيْناهُمْ يعود إلى كفار مكة.
وقد رجح الإمام الرازي هذا الرأى فقال ما ملخصه: قال المفسرون: معنى الآية: ما بلغ هؤلاء المشركون معشار ما آتينا المتقدمين.. ثم إن الله أخذ هؤلاء المتقدمين، دون أن تنفعهم قوتهم، لما كذبوا رسلهم، فكيف حال هؤلاء الضعفاء- وهم قومك.
ثم قال- رحمه الله-: وعندي وجه آخر في معنى الآية، وهو أن يقال: وكذب الذين من قبلهم، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، أى: الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا قومك من البيان والبرهان. وذلك لأن كتابك يا محمد أكمل من سائر الكتب.
فإذا كنت قد أنكرت على المتقدمين لما كذبوا رسلهم- مع أنهم لم يؤتوا معشار ما أوتى قومك من البيان-، فكيف لا أنكر على قومك بعد تكذيبهم لأوضح الكتب، وأفصح الرسل..
ويبدو لنا أن المعنى الأول الذي عبر عنه الإمام الرازي بقوله: قال المفسرون، هو الأرجح لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة، لأنه يفيد التقليل من شأن مشركي مكة، بالنسبة لمن سبقهم من الأمم، من ناحية القوة والغنى.
وفي القرآن الكريم آيات متعددة تؤيد هذا المعنى، منها قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
وبعد هذا الحديث عن أقوال المشركين في شأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفي شأن القرآن.. وبعد هذا الرد الملزم لهم، والمزهق لباطلهم. بعد كل ذلك لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم الحجج القاطعة، والأقوال الحكيمة، التي تهدى إلى الرشد بأبلغ أسلوب، وأصدق بيان، فقال- تعالى-:
ثم قال : ( وكذب الذين من قبلهم ) أي : من الأمم ، ( وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) قال ابن عباس : أي من القوة في الدنيا . وكذلك قال قتادة ، والسدي ، وابن زيد . كما قال تعالى : ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) [ الأحقاف : 26 ] ، ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة ) [ غافر : 82 ] ، أي : وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده ، بل دمر الله عليهم لما كذبوا رسله; ولهذا قال : ( فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ) أي : فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي ؟
وقوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول: وكذب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنـزيلنا(وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) يقول: ولم يبلغ قومك يا محمد عشر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوة والأيدي والبطش، وغير ذلك من النعم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) من القوة في الدنيا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) يقول: ما جاوزوا معشار ما أنعمنا عليهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم &; 20-417 &; من القوة وغير ذلك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتيْنَاهُمْ) قال: ما بلغ هؤلاء، أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، معشار ما آتينا الذين من قبلهم، وما أعطيناهم من الدنيا، وبسطنا عليهم (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِير) يقول: فكذبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم، فانظر يا محمد كيف كان نكير، يقول: كيف كان تغييري بهم وعقوبتي.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحج: 44 | ﴿وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ |
---|
سبإ: 45 | ﴿وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ |
---|
فاطر: 26 | ﴿ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ |
---|
الملك: 18 | ﴿وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي{ قُلْ} يا أيها الرسول, لهؤلاء المكذبين المعاندين, المتصدين لرد الحق وتكذيبه, والقدح بمن جاء به:{ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي:بخصلة واحدة, أشير عليكم بها, وأنصح لكم في سلوكها، وهي طريق نصف, لست أدعوكم بها إلى اتباع قولي, ولا إلى ترك قولكم, من دون موجب لذلك, وهي:{ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} أي:تنهضوا بهمة, ونشاط, وقصد لاتباع الصواب, وإخلاص للّه, مجتمعين, ومتباحثين في ذلك, ومتناظرين, وفرادى, كل واحد يخاطب نفسه بذلك.
فإذا قمتم للّه, مثنى وفرادى, استعملتم فكركم, وأجلتموه, وتدبرتم أحوال رسولكم، هل هو مجنون, فيه صفات المجانين من كلامه, وهيئته, وصفته؟ أم هو نبي صادق, منذر لكم ما يضركم, مما أمامكم من العذاب الشديد؟
فلو قبلوا هذه الموعظة, واستعملوها, لتبين لهم أكثر من غيرهم, أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم, ليس بمجنون, لأن هيئاتهليست كهيئات المجانين, في خنقهم, واختلاجهم, ونظرهم، بل هيئته أحسن الهيئات, وحركاته أجل الحركات, وهو أكمل الخلق, أدبا, وسكينة, وتواضعا, ووقارا, لا يكون [إلا] لأرزن الرجال عقلا.
ثم [إذا] تأملوا كلامه الفصيح, ولفظه المليح, وكلماته التي تملأ القلوب, أمنا, وإيمانا, وتزكى النفوس, وتطهر القلوب, وتبعث على مكارم الأخلاق, وتحث على محاسن الشيم, وترهبعن مساوئ الأخلاق ورذائلها، إذا تكلم رمقته العيون, هيبة وإجلالا وتعظيما.
فهل هذا يشبه هذيان المجانين, وعربدتهم, وكلامهم الذي يشبه أحوالهم؟"
فكل من تدبر أحواله ومقصده استعلام هل هو رسول اللّه أم لا؟ سواء تفكر وحده, أو مع غيره, جزم بأنه رسول اللّه حقا, ونبيه صدقا, خصوصا المخاطبين, الذي هو صاحبهم يعرفون أول أمره وآخره.
وقوله- تعالى- أَعِظُكُمْ من الوعظ، وهو تذكير الغير بالخير والبر بكلام مؤثر رقيق يقال: وعظه يعظه وعظا وعظة، إذا أمره بالطاعة ووصاه بها.
وقوله بِواحِدَةٍ صفة لموصوف محذوف.
والتقدير: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين الذين قالوا الكذب في شأنك وفي شأن ما جئت به، قل لهم: إنما أعظكم وآمركم وأوصيكم بكلمة واحدة، أو بخصلة واحدة.
ثم فسر- سبحانه- هذه الكلمة بقوله: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى. والمراد بالقيام هنا: التشمير عن ساعد الجد، وتلقى ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقلب مفتوح.
وعقل واع، ونفس خالية من التعصب والحقد والعكوف على التقليد.
ومَثْنى وَفُرادى أى: متفرقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا، وهما منصوبان على الحال.
ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا بعد ذلك في أمر هذا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفي أمر رسالته، وفي أمر ما جاء به من عند ربه، فعند ذلك ترون أنه على الحق، وأنه قد جاءكم بما يسعدكم.
فالآية الكريمة تأمرهم أن يفكر كل اثنين بموضوعية وإنصاف في أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم يعرض كل واحد منهما حصيلة تفكيره على صاحبه، وأن يفكر كل واحد منهم على انفراد- أيضا في شأن هذا الرسول، من غير تعصب وهوى.
وقدم الاثنين في القيام على المنفرد، لأن تفكير الاثنين في الأمور بإخلاص واجتهاد وتقدير، أجدى في الوصول إلى الحق من تفكير الشخص الواحد ولم يأمرهم بأن يتفكروا في جماعة، لأن العقلية الجماعية كثيرا ما تتبع الانفعال الطارئ، وقلما تتريث في الحكم على الأمور.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: والمعنى: إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها، أصبتم الحق، وتخلصتم من الباطل-، وهي: أن تقوموا لوجه الله خالصا، متفرقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به.
أما الاثنان: فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما اتباع هوى، ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح، والنظر الصحيح على جادة الحق.
وكذلك الفرد: يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها، ويعرض فكره على عقله وذهنه، وما استقر عنده من عادات العقلاء، ومجاري أحوالهم. والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى، أن الاجتماع مما يشوش الخواطر، ويعمى البصائر، ويمنع من الروية، ويخلط القول. ومع ذلك يقل الإنصاف ويكثر الاعتساف: ويثور عجاج التعصب.
وقوله- سبحانه-: ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ كلام مستأنف جيء به لتنزيه ساحته صلى الله عليه وسلّم عما افتراه عليه المفترون من كونه قد أصيب بالجنون.
أى: اجتمعوا اثنين اثنين، أو واحدا واحدا، ثم تفكروا بإخلاص وروية فترون بكل تأكيد أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليس به شيء من الجنون، إنما هو أرجح الناس عقلا، وأصدقهم قولا، وأفضلهم علما، وأحسنهم عملا، وأزكاهم نفسا، وأنقاهم قلبا، وأجمعهم لكل كمال يشرى.
وقوله- تعالى- إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ بيان لوظيفته صلّى الله عليه وسلم أى: ليس به صلّى الله عليه وسلّم من جنون، وإنما هو نذير لكم، يحذركم ويخوفكم من العذاب الشديد الذي سينزل بكم يوم القيامة، إذا ما بقيتم على شرككم وكفركم، وهذا العذاب ليس بعيدا عنكم.
قال الإمام ابن كثير: قال الامام أحمد: حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فنادى ثلاث مرات فقال: «أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم فقال: «إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم خافوا عدوا يأتيهم. فبعثوا رجلا يتراءى لهم، فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه وقال: أيها الناس أوتيتم.
أيها الناس أوتيتم ... »
وبهذا الاسناد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة جميعا، إن كادت لتسبقني» .
يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون : ( إنما أعظكم بواحدة ) أي : إنما آمركم بواحدة ، وهي : ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) أي : تقوموا قياما خالصا لله ، من غير هوى ولا عصبية ، فيسأل بعضكم بعضا : هل بمحمد من جنون ؟ فينصح بعضكم بعضا ، ( ثم تتفكروا ) أي : ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ، ويتفكر في ذلك; ولهذا قال : ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) .
هذا معنى ما ذكره مجاهد ، ومحمد بن كعب ، والسدي ، وقتادة ، وغيرهم ، وهذا هو المراد من الآية .
فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أعطيت ثلاثا لم يعطهن من قبلي ولا فخر : أحلت لي الغنائم ، ولم تحل لمن قبلي ، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها . وبعثت إلى كل أحمر وأسود ، وكان كل نبي يبعث إلى قومه ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، أتيمم بالصعيد ، وأصلي حيث أدركتني الصلاة ، قال الله : ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي " - فهو حديث ضعيف الإسناد ، وتفسيرها بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد ، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة ، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم .
وقوله : ( إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) : قال البخاري عندها :
حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن خازم ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم ، فقال : " يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : ما لك ؟ فقال : " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم ، أما كنتم تصدقوني ؟ " قالوا : بلى . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبا لك! ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ المسد ] .
وقد تقدم عند قوله : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن المهاجر ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرات فقال : " أيها الناس ، أتدرون ما مثلي ومثلكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم ، فبعثوا رجلا يتراءى لهم ، فبينما هو كذلك أبصر العدو ، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه ، فأهوى بثوبه : أيها الناس ، أوتيتم . أيها الناس ، أوتيتم - ثلاث مرات " .
وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة جميعا ، إن كادت لتسبقني " . تفرد به الإمام أحمد في مسنده .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك: إنما أعظكم أيها القوم بواحدة وهي طاعة الله.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) قال: بطاعة الله.
وقوله ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) يقول: وتلك الواحدة التي أعظكم بها هي أن تقوموا لله اثنين اثنين، (وفُرادَى) فرادى (1) فأن في موضع خفض ترجمة عن الواحدة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) قال: واحدًا واثنين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) رجلا ورجلين.
وقيل: إنما قيل: إنما أعظكم بواحدة، وتلك الواحدة أن تقوموا لله بالنصيحة وترك الهوى.(مَثْنَى) يقول: يقوم الرجل منكم مع آخر قيتصادقان على المناظرة: هل علمتم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جنونًا قطُّ؟ ثم ينفرد كل واحد منكم، فيتفكر ويعتبر فردًا هل كان ذلك به؟ فتعلموا حينئذٍ أنه نذير لكم.
وقوله (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) يقول: لأنه ليس بمجنون.
وقوله (إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) يقول: ما محمد إلا نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تصلوها، وقوله: هو كناية اسم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
------------------------
الهوامش:
(1) لعله: فردًا وفردًا: أي أن تقوموا اثنين اثنين، وواحدا واحدا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 184 | ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ﴾ |
---|
سبإ: 46 | ﴿أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وثَمَّ مانع للنفوس آخر عن اتباع الداعي إلى الحق, وهو أنه يأخذ أموال من يستجيب له, ويأخذ أجرة على دعوته. فبين اللّه تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال:{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أي:على اتباعكم للحق{ فَهُوَ لَكُمْ} أي:فأشهدكم أن ذلك الأجر - على التقدير - أنه لكم،{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي:محيط علمه بما أدعو إليه، فلو كنت كاذبا, لأخذني بعقوبته، وشهيد أيضا على أعمالكم, سيحفظها عليكم, ثم يجازيكم بها.
ثم أمره- سبحانه- للمرة الثانية أن يصارحهم بأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم فقال: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم. بعد أن دعوتهم إلى التفكير الهادئ، المتأنى في أمرك: إنى ما طلبت منكم أجرا على دعوتي إياكم إلى الحق والخير، وإذا فرض وطلبت فهو مردود عليكم. لأنى لا ألتمس أجرى إلا من الله- تعالى- وحده، وهو- سبحانه- على كل شيء شهيد ورقيب، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال الآلوسى قوله: قل ما سألتكم من أجر، أى: مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة فَهُوَ لَكُمْ والمراد نفى السؤال رأسا، كقولك لصاحبك إن أعطيتنى شيئا فخذه، وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا: فما شرطية. مفعول سَأَلْتُكُمْ وقوله فَهُوَ لَكُمْ الجواب- وقيل هي موصولة، والعائد محذوف، ومن للبيان ودخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط. أى: الذي سألتكموه من الأجر فهو لكم، وثمرته تعود إليكم .
يقول تعالى آمرا رسوله أن يقول للمشركين : ( ما سألتكم من أجر فهو لكم ) أي : لا أريد منكم جعلا ولا عطاء على أداء رسالة الله إليكم ، ونصحي إياكم ، وأمركم بعبادة الله ، ( إن أجري إلا على الله ) أي : إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ( وهو على كل شيء شهيد ) أي : عالم بجميع الأمور ، بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم ، وما أنتم عليه .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك المكذبيك، الرادين عليك ما أتيتهم به من عند ربك: ما أسألكم من جُعْلٍ على إنذاريكم عذاب الله، وتخويفكم به بأسه، ونصيحتي لكم في أمري إياكم بالإيمان بالله، والعمل بطاعته، فهو لكم لا حاجة لي به. وإنما معنى الكلام: قل لهم: إني لم أسألكم على ذلك جعلا فتتهموني، وتظنوا أني إنما دعوتكم إلى اتباعي لمال آخذه منكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي: جُعل (فَهُوَ لَكُمْ) يقول: لم أسألكم على الإسلام جعلا.
وقوله ( إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ ) يقول: ما ثوابي على دعائكم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته، وتبليغكم رسالته، إلا على الله (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد) يقول: والله على حقيقة ما أقول لكم شهيد يشهد لي به، وعلى غير ذلك من الأشياء كلها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 51 | ﴿يا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ |
---|
يونس: 72 | ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ |
---|
هود: 29 | ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ |
---|
سبإ: 47 | ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق, وبطلان الباطل, أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن{ يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} لأنه بين من الحق في هذا الموضع, ورد به أقوال المكذبين, ما كان عبرة للمعتبرين, وآية للمتأملين.
فإنك كما ترى, كيف اضمحلت أقوال المكذبين, وتبين كذبهم وعنادهم, وظهر الحق وسطع, وبطل الباطل وانقمع، وذلك بسبب بيان{ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب, من الوساوس والشبه, ويعلم ما يقابل ذلك, ويدفعه من الحجج.
ثم أمره- سبحانه- للمرة الثالثة، أن يبين لهم أنهم لا قدرة لهم على مجادلته أو محاربته، لأن الله- تعالى- قد سلحه بما ينصره عليهم فقال: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وأصل القذف: الرمي بقوة وشدة والمراد به هنا: ما يوحيه الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلّم من قرآن وتوجيهات وإلهامات، والباء في قوله بِالْحَقِّ للسببية.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- إن ربي يلقى الوحى إلى وإلى أنبيائه، بسبب الحق الذي كلفهم بتبليغه إلى الناس، وهو- سبحانه- وحده علام الغيوب.
قال الجمل: ما ملخصه قوله: يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يجوز أن يكون مفعوله محذوفا، لأن القذف في الأصل الرمي، وعبر به هنا عن الإلقاء. أى: يلقى الوحى إلى أنبيائه بالحق، أى: بسبب الحق، أو متلبسا الحق.
ويجوز أن يكون التقدير: يقذف الباطل بالحق، كما قال- تعالى- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ.
ويجوز أن يكون المعنى: قل إن ربي يقضى ويحكم بالحق، بتضمين «يقذف» معنى يقضى ويحكم .
وقوله : ( قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ) ، كقوله تعالى : ( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) [ غافر : 15 ] . أي : يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض ، وهو علام الغيوب ، فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ (48)
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (قُلْ) يا محمد لمشركي قومك ( إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ) وهو الوحي، يقول: ينـزله من السماء، فيقذفه إلى نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (عَلامُ الْغُيُوبِ) يقول: علام ما يغيب عن الأبصار، ولا مَظْهَر لها، وما لم يكن مما هو كائن، وذلك من صفة الرب، غير أنه رفع لمجيئه بعد الخبر، وكذلك تفعل العرب إذا وقع النعت بعد الخبر، في أن أتبعوا النعت إعراب ما في الخبر، فقالوا: إن أباك يقوم الكريم، فرفع الكريم على ما وصفت، والنصب فيه جائز؛ لأنه نعت للأب، فيتبع إعرابه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
علام:
1- بالرفع، على أنه خبر ثان، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، صفة ل «ربى» ، وهى قراءة عيسى، وابن أبى إسحاق، وزيد بن على، وابن أبى عبلة، وأبى حيوة، وحرب، عن طلحة.
الغيوب:
وقرئ:
بكسر أوله، استثقلوا ضمتين والواو، فكسروا.