ترتيب المصحف | 46 | ترتيب النزول | 66 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 4.50 |
عدد الآيات | 35 | عدد الأجزاء | 0.21 |
عدد الأحزاب | 0.42 | عدد الأرباع | 1.70 |
ترتيب الطول | 41 | تبدأ في الجزء | 26 |
تنتهي في الجزء | 26 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 27/29 | الحواميم: 7/7 |
شبهاتُ الذينَ كفرُوا حولَ القرآنِ: قالُوا عنه سحرٌ، وقالُوا اختلقَهُ مُحَمَّدٌ من عندِ نفسِه، ورَدُّه ﷺ عليهم: لو افتريتُهُ لعاقَبني اللَّهُ، ولست بأوَّلِ رسولٍ يدعو لذلك.
قريبًا إن شاء الله
شبهاتٌ أُخرى للذينَ كفرُوا تتعلَّقُ بإيمانِ بعضِ الفقراءِ كعمّارٍ وصهيبٍ فقالُوا: لو كان هذا الدينُ خيرًا ما سَبقَنا إليه هؤلاء، والردُّ عليهم بأنَّ التوراةَ دلَّتْ على صدقِ القرآنِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَإِذَا حُشرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً} يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض{ وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}
ثم بين ما يكون بين العابدين والمعبودين من عداوة يوم القيامة فقال: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ.
أى: وإذا جمع الله- تعالى- الناس للحساب والجزاء يوم القيامة، صار الكفار مع من عبدوهم من دون الله أعداء، يلعن بعضهم بعضا، وكانُوا أى: المعبودين بِعِبادَتِهِمْ أى بعبادة الكفرة إياهم كافِرِينَ أى: جاحدين مكذبين.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا .
وقوله- سبحانه-: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ .
ثم لقن الله- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أجوبه أخرى، ليرد بها على الأقوال الزائفة التي تفوه بها المشركون فقال- تعالى-:
وقوله : ( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) ، كقوله تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 81 ، 82 ] أي : سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم ، وقال الخليل : ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) [ العنكبوت : 25 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)
يقول تعالى ذكره: وإذا جُمع الناس يوم القيامة لموقف الحساب, كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداء, لأنهم يتبرءون منهم ( وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) يقول تعالى ذكره: وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا بعبادتهم جاحدين, لأنهم يقولون يوم القيامة: ما أمرناهم بعبادتنا, ولا شعرنا بعبادتهم إيانا, تبرأنا إليك منهم يا ربنا.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:وإذا تتلى على المكذبين{ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} بحيث تكون على وجه لا يمترى بها ولا يشك في وقوعها وحقها لم تفدهم خيرا بل قامت عليهم بذلك الحجة، ويقولون من إفكهم وافترائهم{ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي:ظاهر لا شك فيه وهذا من باب قلب الحقائق الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة أعظم مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق -الذي علا وارتفع ارتفاعا على الأفلاك وفاق بضوئه ونوره نور الشمس وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة- بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس خبيث العمل؟! فهو مناسب له وموافق لحاله وهل هذا إلا من البهرجة؟
وقوله تُتْلى من التلاوة بمعنى القراءة بتمهل وترتيل. أى: وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين، آياتنا الواضحة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ أى: قالوا للآيات المتلوة عليهم. والتي اشتملت على الحق الذي يهديهم إلى الصراط المستقيم.
هذا سِحْرٌ مُبِينٌ أى: قالوا: هذا الذي جئتنا به يا محمد سحر واضح، وتمويه ظاهر.
والتعبير بقوله- سبحانه-: قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ: يشعر بأن هؤلاء الجاحدين الجاهلين، قد بادروا إلى وصف ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه سحر، بدون تفكر أو تأمل أو انتظار.
وفي وصفهم لما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه سحر، دليل على عجزهم عن الإتيان بمثله، أو بسورة من مثله.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم : أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات ، أي : في حال بيانها ووضوحها وجلائها ، يقولون : ( هذا سحر مبين ) أي : سحر واضح ، وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا
وقوله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ) يقول تعالى ذكره: وإذا يقرأ على هؤلاء المشركين بالله من قومك آياتنا, يعني حججنا التي احتججناها عليهم, فيما أنـزلناه من كتابنا على محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (بَيِّنَاتٍ) يعني واضحات نيرات ( قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: قال الذين جحدوا وحدانية الله, وكذّبوا رسوله للحقّ لما جاءهم من عند الله, فأنـزل على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يعنون هذا القرآن خداع يخدعنا, ويأخذ بقلوب من سمعه فعل السحر (مبين) يقول: يُبين لمن تأمله ممن سمعه أنه سحر مبين.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 73 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا﴾ |
---|
الأحقاف: 7 | ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي:افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه فليس هو من عند الله.
{ قُلْ} لهم:{ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} فالله علي قادر وبما تفيضون فيه عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي الذي زعمتم؟
فهل{ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} إن أرادني الله بضر أو أرادني برحمة{ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فلو كنت متقولا عليه لأخذ مني باليمين ولعاقبني عقابا يراه كل أحد لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولا، ثم دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحق ومخاصمته فقال:{ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي:فتوبوا إليه وأقلعوا عما أنتم فيه يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم فيوفقكم للخير ويثيبكم جزيل الأجر.
ثم حكى- سبحانه- جانبا من أكاذيبهم فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ... و «أم» هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة، وتفيد الإضراب والانتقال من حكاية أقوالهم الباطلة السابقة. إلى أقوال أخرى أشد منها بطلانا وكذبا. والاستفهام للإنكار والتعجب من حالهم.
والافتراء: أشنع الكذب. أى: بل أيقول هؤلاء الكافرون لك- أيها الرسول الكريم- إنك افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك؟.
ثم لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم الرد الذي يخرسهم فقال قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- في الرد على زعمهم أنك افتريت هذا القرآن: إن كنت على سبيل الفرض والتقدير قد افتريته من عند نفسي، عاقبني ربي، ولا تستطيعون أنتم أو غيركم أن تمنعوا عنى شيئا من عذابه وعقابه، وما دام الأمر كذلك فكيف أفتريه، وأنا أعلم علم اليقين أن افتراء شيء منه يؤدى إلى عقابي؟
فجواب «إن» في قوله: إِنِ افْتَرَيْتُهُ محذوف، وتقديره: عاجلني بالعقوبة، وقوله: فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً قام مقامه.
قال- تعالى-: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ .
وقوله: هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ أى: الله- تعالى- الذي زعمتم أنى أفترى عليه الكذب، هو أعلم منى ومنكم ومن كل المخلوقات، بما تندفعون فيه من القدح في آياته، والإعراض عن دعوته، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من عقاب.
فقوله: تُفِيضُونَ من الإفاضة، وهي الأخذ في الشيء باندفاع وعنف، وأصله من فاض الإناء، إذا سال بشدة.
وقوله- سبحانه-: كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ترهيب لهم من الانسياق في كفرهم، وترغيب لهم في الدخول في الإيمان لينالوا مغفرة الله- تعالى- ورحمته.
أى: كفى بشهادة الله- تعالى- بيني وبينكم شهادة، فهو الذي يعلم أنى صادق فيما أبلغه عنه، ويعلم أنكم الكاذبون فيما تزعمونه، وهو- سبحانه- الواسع المغفرة والرحمة، لمن تاب إليه وأناب.
( أم يقولون افتراه ) يعنون : محمدا - صلى الله عليه وسلم - . قال الله [ تعالى ] ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ) أي : لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني - وليس كذلك - لعاقبني أشد العقوبة ، ولم يقدر أحد من أهل الأرض ، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه ، كقوله : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ) [ الجن : 22 ، 23 ] ، وقال تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ الحاقة : 44 - 47 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم ) ، هذا تهديد لهم ، ووعيد أكيد ، وترهيب شديد .
وقوله : ( وهو الغفور الرحيم ) ترغيب لهم إلى التوبة والإنابة ، أي : ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم ، تاب عليكم وعفا عنكم ، وغفر [ لكم ] ورحم . وهذه الآية كقوله في سورة الفرقان : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا . قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 5 ، 6 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)
يقول تعالى ذكره: أم يقولون هؤلاء المشركون بالله من قريش, افترى محمد هذا القرآن, فاختلقه وتخرّصه كذبا, قل لهم يا محمد إن افتريته وتخرّصته على الله كذبا( فَلا تَمْلِكُونَ لِي ) يقول: فلا تغنون عني من الله إن عاقبني على افترائي إياه, وتخرّصي عليه شيئًا, ولا تقدرون أن تدفعوا عني سوءا إن أصابني به.
وقوله ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ) يقول: ربي أعلم من كل شيء سواه بما تقولون بينكم في هذا القرآن والهاء من قوله ( تُفِيضُونَ فِيهِ ) من ذكر القرآن.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( تُفِيضُونَ فِيهِ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أَبي نجيح, عن مجاهد, في قوله إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ قال: تقولون.
وقوله ( كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) يقول: كفى بالله شاهدا علي وعليكم بما تقولون من تكذبيكم لي فيما جئتكم به من عند الله الغفور الرحيم لهم, بأن لا يعذبهم عليها بعد توبتهم منها.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 38 | ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ |
---|
هود: 13 | ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ |
---|
هود: 35 | ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ﴾ |
---|
السجدة: 3 | ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ |
---|
الأحقاف: 8 | ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي:لست بأول رسول جاءكم حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم فلأي شيء تنكرون رسالتي؟{ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} أي:لست إلا بشرا ليس بيدي من الأمر شيء والله تعالى هو المتصرف بي وبكم الحاكم علي وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي،{ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} فإن قبلتم رسالتي وأجبتم دعوتي فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك علي فحسابكم على الله وقد أنذرتكم ومن أنذر فقد أعذر.
ثم أمره الله- تعالى- أن يبين لهم أن ما جاءهم به من هداية، قد جاء بها الرسل من قبله لأقوامهم، وأنه رسول كسائر الرسل السابقين فقال- تعالى-: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ...
والبدع من كل شيء: أوله ومبدؤه. يقال: فلان بدع في هذا الأمر، أى: هو أول فيه دون أن يسبقه فيه سابق، من الابتداع بمعنى الاختراع.
أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى لست أول رسول أرسله الله- تعالى- إلى الناس، وإنما سبقني كثيرون أنتم تعرفون شيئا من أخبارهم ومن أخبار أقوامهم، ومادام الأمر كذلك فكيف تنكرون نبوتي، وتشككون في دعوتي؟.
وقوله- سبحانه-: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ بيان لوظيفته صلّى الله عليه وسلّم. أى: وإننى وأنا رسول الله لا أعلم ما سيفعله الله- تعالى- بي أو بكم في المستقبل من أمور الدنيا، هل سأبقى معكم في مكة أو سأهاجر منها. وهل سيصيبكم العذاب عاجلا أو آجلا؟ فإنى ما أفعل معكم، ولا أقول لكم إلا ما أوحاه الله- تعالى- إليّ، وما أنا إلا نذير مبين، أوضح لكم الحق من الباطل، وأخوّفكم من سوء المصير، إذا ما بقيتم على كفركم وشرككم.
فالمقصود بقوله- تعالى-: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أى: في دار الدنيا، أما بالنسبة للآخرة، فالله- تعالى- قد بشره وبشر أتباعه بالثواب العظيم في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى. وقوله- سبحانه-: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قال الحسن البصري في قوله: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أى: في الدنيا، أأخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي؟ أم أقتل كما قتلوا، ولا أدرى أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ أما في الآخرة فمعاذ الله، قد علم أنه في الجنة.
وهذا القول هو الذي عوّل عليه ابن جرير، وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به صلّى الله عليه وسلّم، فإنه بالنسبة للآخرة، جازم أنه يصير إلى الجنة ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر المشركين. أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم؟ .
والمتدبر في هذه الآية الكريمة، يراها قد اشتملت على أسمى ألوان الأدب من النبي صلّى الله عليه وسلّم مع خالقه- عز وجل- فقد فوّض صلّى الله عليه وسلّم أمره إلى خالقه، وصرح بأنه لا يتبع إلا ما يوحيه إليه سبحانه- وأنه لا علم له بالغيب، وإنما علم ذلك إلى الله- تعالى- وحده.
وقوله : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي : لست بأول رسول طرق العالم ، بل قد جاءت الرسل من قبلي ، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم ، فإنه قد أرسل الله قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ما أنا بأول رسول . ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك .
وقوله : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : نزل بعدها ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ الفتح : 2 ] . وهكذا قال عكرمة ، والحسن ، وقتادة : إنها منسوخة بقوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ، قالوا : ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين : هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله ، فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله : ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ) [ الفتح : 5 ] .
هكذا قال ، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا : هنيئا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وقال الضحاك : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) : ما أدري بماذا أومر ، وبماذا أنهى بعد هذا ؟
وقال أبو بكر الهذلي ، عن الحسن البصري في قوله : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال : أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة ، ولكن قال : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء [ من ] قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟
وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير ، وأنه لا يجوز غيره ، ولا شك أن هذا هو اللائق به ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يئول إليه أمره وأمر مشركيقريش إلى ماذا : أيؤمنون أم يكفرون ، فيعذبون فيستأصلون بكفرهم ؟ فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أم العلاء - وهي امرأة من نسائهم - أخبرته - وكانت بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قالت : طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون . فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه ، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، شهادتي عليك ، لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ! " قالت : فقلت : والله لا أزكي أحدا بعده أبدا . وأحزنني ذلك ، فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري ، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذاك عمله " .
فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، وفي لفظ له : " ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به " . وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها : " فأحزنني ذلك " . وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم ، كالعشرة ، وابن سلام ، والغميصاء ، وبلال ، وسراقة ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة ، وزيد بن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، وما أشبه هؤلاء .
وقوله : ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي : إنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي ، ( وما أنا إلا نذير مبين ) أي : بين النذارة ، وأمري ظاهر لكل ذي لب وعقل .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : قل يا محمد لمشركي قومك من قريش ( مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) يعني: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه, قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم; يقال منه: هو بدع في هذا الأمر, وبديع فيه, إذا كان فيه أوّل. ومن البدع قول عديّ بن زيد.
فَـلا أنـا بِـدْعٌ مِـنْ حَوَادِث تَعْتَرِي
رِجَـلا عَـرَتْ مِـنْ بَعْدِ بُؤْسَى وَأَسعد (1)
ومن البديع قول الأحوص:
فَخَــرَتْ فـانْتَمَتْ فقُلْـتُ انْظُـرِيني
ليسَ جَـــهْلٌ أتَيتُـــه بِبَـــدِيع (2)
يعني بأوّل, يقال: هو بدع من قوم أبداع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) يقول: لست بأوّل الرسل.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) قال: يقول: ما كنت أوّل رسول أُرسل.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أَبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) قال: ما كنت أوّلهم.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا عبد الوهاب بن معاوية, عن أَبي هبيرة, قال: سألت قتادة ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) قال: أي قد كانت قبلي رسل.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) يقول: أي إن الرسل قد كانت قبلي.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) قال: قد كانت قبله رسل.
وقوله ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: عنى به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقيل له: قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة, وإلام نصير هنالك, قالوا ثم بين الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وللمؤمنين به حالهم في الآخرة, فقيل له إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وقال: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) فأنـزل الله بعد هذا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ .
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا يحيى بن واضح, عن الحسين, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في حم الأحقاف ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) فنسختها الآية التي في سورة الفتح إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ... الآية, فخرج نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين نـزلت هذه الآية, فبشرهم بأنه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر, فقال له رجال من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله, قد علمنا ما يفعل بك, فماذا يُفعل بنا؟ فأنـزل الله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب, فقال وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا وقال لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ... الآية, فبين الله ما يفعل به وبهم.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) ثم درى أو علم من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ذلك ما يفعل به, يقول إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ .
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) قال: قد بين له أنه قد غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر.
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا, أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم, أو يؤمنوا به فيتبعوه, وأمرهم إلى الهلاك, كما أهلكت الأمم المكذّبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا أبو بكر الهذليّ, عن الحسن, في قوله ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) فقال: أما في الآخرة فمعاذ الله, قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل, ولكن قال: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا, أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي أو أُقتل كما قُتلت الأنبياء من قبلي, ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم, أمتي المكذّبة, أم أمتي المصدّقة, أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا, أم مخسوف بها خسفا, ثم أوحي إليه: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ يقول أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك, فعرف أنه لا يُقتل.
ثم أنـزل الله عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الأديان, ثم قال له في أمته: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فأخبره الله ما يصنع به, وما يصنع بأمته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما أدري ما يفترض عليّ وعليكم, أو ينـزل من حكم, وليس يعني ما أدري ما يفعل بي ولا بكم غدا في المعاد من ثواب الله من أطاعه, وعقابه من كذّبه.
وقال آخرون: إنما أمر أن يقول هذا في أمر كان ينتظره من قِبَل الله عزّ وجلّ في غير الثواب والعقاب.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دلّ عليه التنـزيل, القول الذي قاله الحسن البصري, الذي رواه عنه أَبو بكر الهُذَليّ.
وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية, والخبر خرج من الله عزّ وجلّ خطابا للمشركين وخبرا عنهم, وتوبيخا لهم, واحتجاجا من الله تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عليهم.
فإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أن هذه الآية أيضًا سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم, وتوبيخ لهم, أو خبر عنهم. وإذا كان ذلك كذلك, فمحال أن يقال للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : قل للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة, وآيات كتاب الله عزّ وجلّ في تنـزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون, والمؤمنون به في الجنان منعمون, وبذلك يرهبهم مرّة, ويرغبهم أخرى, ولو قال لهم ذلك, لقالوا له: فعلام نتبعك إذن وأنت لا تدري إلى أيّ حال تصير غدا في القيامة, إلى خفض ودعة, أم إلى شدّة وعذاب; وإنما اتباعنا إياك إن اتبعناك, وتصديقنا بما تدعونا إليه, رغبة في نعمة, وكرامة نصيبها, أو رهبة من عقوبة, وعذاب نهرب منه, ولكن ذلك كما قال الحسن, ثم بين الله لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما هو فاعل به, وبمن كذب بما جاء به من قومه وغيرهم.
وقوله ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) يقول تعالى ذكره: قل لهم ما أتبع فيما آمركم به, وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إليّ، ( وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) يقول: وما أنا لكم إلا نذير, أنذركم عقاب الله على كفركم به مبين: يقول: قد أبان لكم إنذاره, وأظهر لكم دعاءه إلى ما فيه نصيحتكم, يقول: فكذلك أنا.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لعدي بن زيد ( شعراء النصرانية 465 ) وروايته فيه :
فلسـت بمـن يخشـى حوادث تعتري
رجـالا فبـادوا بعـد بـؤس وأسـعد
وليس فيه شاهد على هذه الرواية ؛ وقد استشهد به المؤلف على أنه يقال: هو بدع في هذا الأمر ، على معنى ما كنت أول الناس فيه وقوله تعالى : " قل ما كنت بدعا من الرسل " : معناه ما كنت أول من أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير .
(2) يقول الأحوص : فخرت علي وانتسبت إلى آبائها . فقلت : كفي ، وليس جهلك علي ببديع ولا غريب ، فقد عهدت مثله من أمثالك في النساء . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 222 - 1 ) استشهد به على أن البديع بمعنى البدع ، وذلك عند تفسير قوله تعالى : " قل ما كنت بدعا من الرسل " .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 203 | ﴿وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بَِٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ |
---|
الأنعام: 50 | ﴿ قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ |
---|
يونس: 15 | ﴿قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي﴾ |
---|
الأحقاف: 9 | ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِين﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يفعل:
1- بضم الياء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة زيد بن على، وابن أبى عبلة.
يوحى:
وقرئ:
بكسر الحاء، أي: الله عز وجل، وهى قراءة ابن عمير.
التفسير :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أي:أخبروني لو كان هذا القرآن من عند الله وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب الذين عندهم من الحق ما يعرفون أنه الحق فآمنوا به واهتدوا فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء واستكبرتم أيها الجهلاء الأغبياء فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر؟{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ومن الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم مرة أخرى، أن يذكرهم بإيمان العقلاء من أهل الكتاب بهذا الدين، لعلهم عن طريق هذا التذكير يقلعون عن كفرهم وعنادهم فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين: أخبرونى إن كان هذا الذي أوحاه الله- تعالى- إليّ من قرآن، هو من عنده- تعالى- وحده، والحال أنكم كفرتم به ألستم في هذه الحالة تكونون ظالمين لأنفسكم وللحق الذي جئتكم به من عند خالقكم؟ لا شك أنكم في هذه الحالة تكونون ظالمين جاحدين.
وقوله- سبحانه-: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ...
معطوف على ما قبله على سبيل التأكيد لظلمهم.
أى: أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله، والحال أنكم قد كفرتم به، مع أن شاهدا من بنى إسرائيل الذين تثقون بشهادتهم، قد شهد على مثل القرآن بالصدق. لاتفاق التوراة والقرآن على وحدانية الله- تعالى- وعلى أن البعث حق، وعلى أن الجزاء حق.. فآمن هذا الشاهد بالقرآن وبمن جاء به وهو الرسول صلّى الله عليه وسلّم واستكبرتم أنتم عن الإيمان..
ألستم في هذه الحالة تكونون على رأس الظالمين الجاحدين لكل ما هو حق وصدق؟! فجواب الشرط في الآية محذوف. أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا ومع ذلك لم تؤمنوا فقد كفرتم وظلمتم، والله- تعالى- لا يهدى القوم الذين من شأنهم استحباب الظلم على العدل، والعمى على الهدى.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ، مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ .
قال صاحب الكشاف- رحمه الله-: جواب الشرط محذوف تقديره. إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به، ألستم ظالمين، ويدل على هذا المحذوف قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
والشاهد من بنى إسرائيل: عبد الله بن سلام.. وفيه نزل: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ....
والضمير للقرآن. أى: على مثله في المعنى، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك .
وعلى رأى صاحب الكشاف تكون الآية مدنية في سورة مكية، لأن إيمان عبد الله بن سلام- رضى الله عنه- كان بالمدينة ولم يكن بمكة.
ومن المفسرين من يرى أن الآية الكريمة نزلت في شأن كل من آمن من أهل الكتاب، وأنها لم تنزل في عبد الله بن سلام بصفة خاصة..
قال الإمام ابن كثير: وهذا الشاهد اسم جنس، يعم عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام، وهذه كقوله- تعالى-: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ.
قال مسروق والشعبي: ليس بعبد الله بن سلام. هذه الآية مكية، وإسلامه كان بالمدينة..
وقال مالك عن أبى النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأحد يمشى على الأرض: «إنه من أهل الجنة» إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ.. وكذا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة.. .
وعلى أية حال فالمقصود من الآية الكريمة إثبات أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-،وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صادق فيما يبلغه عن ربه، وأن العقلاء من أهل الكتاب قد شهدوا بذلك، وآمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فكان من الواجب على المشركين- لو كانوا يعقلون- أن يقلعوا عن عنادهم، وأن يتبعوا الحق الذي جاءهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ثم حكى- سبحانه- بعض الأعذار الفاسدة، التي اعتذر بها الكافرون عن عدم دخولهم في الإسلام، ورد عليهم بما يكبتهم، وبشر المؤمنين الصادقين بما يشرح صدورهم فقال:
يقول تعالى : ( قل ) يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن : ( أرأيتم إن كان ) هذا القرآن ( من عند الله وكفرتم به ) أي : ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله علي لأبلغكموه ، وقد كفرتم به وكذبتموه ، ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) أي : وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء قبلي ، بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به .
وقوله : ( فآمن ) أي : هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيته ) واستكبرتم ) أنتم : عن اتباعه .
وقال مسروق : فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه ، وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره ؛ فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام . وهذه كقوله : ( وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) [ القصص : 53 ] ، وقال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] .
قال مسروق ، والشعبي : ليس بعبد الله بن سلام ، هذه الآية مكية ، وإسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة . رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم ، واختاره ابن جرير .
وقال مالك ، عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على وجه الأرض : " إنه من أهل الجنة " ، إلا لعبد الله بن سلام ، قال : وفيه نزلت : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله )
رواه البخاري ومسلم والنسائي ، من حديث مالك ، به . وكذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، ويوسف بن عبد الله بن سلام ، وهلال بن يساف ، والسدي ، والثوري ، ومالك بن أنس ، وابن زيد ; أنهم كلهم قالوا : إنه عبد الله بن سلام .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين (أَرَأَيْتُمْ) أيها القوم (إِنْ كَانَ) هذا القرآن (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أنـزله عليّ(وَكَفَرْتُمْ) أنتم (بِهِ) يقول: وكذّبتم أنتم به.
وقوله ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: وشهد شاهد من بني إسرائيل, وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله, يعني على مثل القرآن, قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن عامر, عن مسروق في هذه الآية: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة, التوراة مثل القرآن, وموسى مثل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: سئل داود, عن قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ )... الآية, قال داود, قال عامر, قال مسروق: والله ما نـزلت في عبد الله بن سلام, ما أنـزلت إلا بمكة, وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة, ولكنها خصومة خاصم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بها قومه, قال: فنـزلت ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) قال: فالتوراة مثل القرآن, وموسى مثل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فآمنوا بالتوراة وبرسولهم, وكفرتم.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: سمعت داود بن أبي هند, عن الشعبيّ, قال: أناس يزعمون أن شاهدا من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام, وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة; وقد أخبرني مسروق أن آل حم, إنما نـزلت بمكة, وإنما كانت محاجة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قومه, فقال: ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) يعني القرآن ( وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ ) موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام على الفرقان.
حدثني أبو السائب, قال: ثنا ابن إدريس, عن داود, عن الشعبيّ, قال: إن ناسا يزعمون أن الشاهد على مثله: عبد الله بن سلام, وأنا أعلم بذلك, وإنما أسلم عبد الله بالمدينة, وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نـزلت بمكة, وإنما كانت محاجة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لقومه, فقال: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) يعني الفرقان ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فمثل التوراة الفرقان, التوراة شهد عليها موسى, ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: أخبرنا داود, عن الشعبيّ. عن مسروق, في قوله ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) الآية, قال: كان إسلام ابن سلام بالمدينة ونـزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه, فقال: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) قال: التوراة مثل الفرقان, وموسى مثل محمد, فآمن به واستكبرتم, ثم قال: آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه, واستكبرتم أنتم, فكذّبتم أنتم نبيكم وكتابكم,( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي )... إلى قوله هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ .
وقال آخرون: عنى بقوله ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) عبد الله بن سلام, قالوا: ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق. قالوا: ومثل القرآن التوراة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: ثنا عبد الله بن يوسف التَّنِّيسي, قال: سمعت مالك بن أنس يحدّث عن أَبي النضر, عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص, عن أبيه, قال: ما سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام; قال: وفيه نـزلت ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) .
حدثنا الحسين بن عليّ الصُّدائي, قال: ثنا أبو داود الطيالسي, قال: ثنا شعيب بن صفوان, قال: ثنا عبد الملك بن عمير, أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام, قال: قال عبد الله: أنـزل فيّ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )... إلى قوله ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .
حدثني عليّ بن سعد بن مسروق الكنديّ, قال: ثنا أبو محمد بن يحيى بن يعلى, عن عبد الملك بن عمير, عن ابن أخي عبد الله بن سلام, قال: قال عبد الله بن سلام: نـزلت فيّ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )... الآية, قال: كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقال: إنا نجده في التوراة, وكان أفضل رجل منهم, وأعلمهم بالكتاب, فخاصمت اليهود النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقال: " أترضون أن يحكم بيني وبينكم عبد الله بن سلام "؟ " أتؤمنون "؟ قالوا: نعم, فأرسل إلى عبد الله بن سلام, فقال: " أتشهد أني رسول الله مكتوبا في التوراة والإنجيل ", قال: نعم, فأعرضت اليهود, وأسلم عبد الله بن سلام, فهو الذي قال الله جلّ ثناؤه عنه ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) يقول: فآمن عبد الله بن سلام.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أَبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني
الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أَبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) قال: عبد الله بن سلام.
حدثنا بِشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )... الآية, كنا نحدّث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالإسلام, وكان من أحبار اليهود.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) ؟ قال: هو عبد الله بن سلام.
حُدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) الشاهد: عبد الله بن سلام, وكان من الأحبار من علماء بني إسرائيل, وبعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى اليهود, فأتوه, فسألهم فقال: " أتَعْلَمُون أنّي رسُولُ الله تجدُونَنِي مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ في التَوْراة " ؟ قالوا: لا نعلم ما تقول, وإنا بما جئت به كافرون, فقال: " أيَّ رجل عَبْدُ الله بْنُ سَلام عنْدَكُمْ"؟ قالوا: عالمنا وخيرنا, قال: " أتَرْضوْن بهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ"؟ قالوا: نعم, فأرسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى عبد الله بن سلام, فجاءه فقال: " ما شَهادَتُكَ يا ابْنَ سَلام "؟ قال: أشهد أنك رسول الله, وأن كتابك جاء من عند الله, فآمن وكفروا, يقول الله تبارك وتعالى ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .
حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا عوف, عن الحسن, قال: بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال: يا رسول الله, قد علمت اليهود أني من علمائهم, وأن أَبي كان من علمائهم, وإني أشهد أنك رسول الله, وأنهم يجدونك مكتوبًا عندهم في التوراة, فأرسل إلى فلان وفلان, ومن سماه من اليهود, وأخبئني في بيتك, وسلهم عني, وعن أبي, فإنهم سيحدثونك أني أعلمهم, وأن أَبي من أعلمهم, وإني سأخرج إليهم, فأشهد أنك رسول الله, وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة, وأنك بُعثت بالهدى ودين الحقّ, قال: ففعل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فخبأه في بيته وأرسل إلى اليهود, فدخلوا عليه, فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " ما عبد الله بن سلام فيكم "؟ قالوا: أعلمنا نفسا. وأعلمنا أبا. فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " أرأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ تُسْلِمُونَ"؟ قالوا: لا يسلم, ثلاث مرار, فدعاه فخرج, ثم قال: أشهد أنك رسول الله, وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة, وأنك بُعِثْتَ بالهدى ودين الحقّ, فقالت اليهود: ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام, قال: فخرجوا كفارا, فأنـزل الله عزّ وجلّ في ذلك ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) قال: هذا عبد الله بن سلام, شهد أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وكتابه حق, وهو في التوراة حقّ, فآمن واستكبرتم.
حدثني أبو شرحبيل الحمصي, قال: ثنا أبو المغيرة, قال: ثنا صفوان بن عمرو, عن عبد الرحمن بن جُبير بن نفير, عن أبيه, عن عوف بن مالك الأشجعي, قال: انطلق النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأنا معه, حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم, فكرهوا دخولنا عليهم, فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم " يا مَعْشَرَ اليَهُودِ أَرُوني اثْنَي عَشَرَ رَجُلا يَشْهَدُونَ إِنَّهُ لا إلَهَ إلا هُو, وأنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ الله, يُحْبطُ الله عَنْ كُلِّ يَهُودِيّ تَحْتَ أدِيمِ السَّماءِ الغَضَبَ الَّذِي غَضِب عَلَيْهِ", قال: فأسكتوا فما أجابه منهم أحد, ثم ثلَّث فلم يجبه أحد, فانصرف وأنا معه, حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد, قال: فأقبل, فقال ذلك الرجل: أيّ رجل تَعلموني فيكم يا معشر اليهود, قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله, ولا أفقه منك, ولا من أبيك, ولا من جدّك قبل أبيك, قال: فإني أشهد بالله أنه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي تجدونه في التوراة والإنجيل, قالوا كذبت, ثم ردّوا عليه قوله وقالوا له شرّا, فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " كَذَبْتُمْ لَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ, أما آنفا فَتَثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ ما أثْنَيْتُمْ, وأمَّا إذْ آمَن كَذَّبْتُمُوهُ وَقُلْتُمْ ما قُلْتُمْ, فَلَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ", قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وأنا, وعبد الله بن سلام, فأنـزل الله فيه: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )... الآية .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنـزيل, لأن قوله ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش, واحتجاجا عليهم لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها, ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر, فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نـزلت, ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى, غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل, وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن, والسبب الذي فيه نـزل , وما أريد به.
فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك, وشهد عبد الله بن سلام, وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله, يعني على مثل القرآن, وهو التوراة, وذلك شهادته أن محمدا مكتوب في التوراة أنه نبيّ تجده اليهود مكتوبا عندهم في التوراة, كما هو مكتوب في القرآن أنه نبيّ.
وقوله ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) يقول: فآمن عبد الله بن سلام, وصدّق بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وبما جاء به من عند الله, واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) يقول: إن الله لا يوفِّق لإصابة الحقّ, وهدى الطريق المستقيم, القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 51 | ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
الأنعام: 144 | ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
القصص: 50 | ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
الأحقاف: 10 | ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته:{ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي:ما سبقنا إليه المؤمنون أي:لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين؟ هل هم أزكى نفوسا؟ أم أكمل عقولا؟ أم الهدى بأيديهم؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال:{ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي:هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا.. روايات منها: أن مشركي مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء، كعمار، وبلال، وعبد الله بن مسعود.. قالوا ذلك.
وسبب قولهم هذا، اعتقادهم الباطل، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم، ولا سبق لهم إلى خير..
أى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا- على سبيل السخرية والاستخفاف بهم-، لو كان هذا الذي أنتم عليه من الإيمان بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم حقا وخيرا، لما سبقتمونا إليه، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء.. وأنتم الضعفاء الفقراء..
فهم- لانطماس بصائرهم وغرورهم- توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه، ولا يفهم ما يفهمونه.
ومن الآيات الكريمة التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا.. .
وقوله- سبحانه-: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ تعجيب من غرورهم وعنادهم، ورميهم الحق بما هو برىء منه.
و «إذ» ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام، أى: وإذ لم يهتدوا بما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من عند ربه، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من أخبار السابقين، نسبه محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى ربه.
وشبيه بهذا الآية. قوله- تعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.. .
وقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) أي : قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه . يعنون بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء ، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية . وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ، وأخطئوا خطأ بينا ، كما قال تعالى : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) [ الأنعام : 53 ] أي : يتعجبون : كيف اهتدى هؤلاء دوننا ; ولهذا قالوا : ( لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ; لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها .
وقوله : ( وإذ لم يهتدوا به ) أي : بالقرآن ( فسيقولون هذا إفك ) أي : كذب ) قديم ) أي : مأثور عن الأقدمين ، فينتقصون القرآن وأهله ، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بطر الحق ، وغمط الناس " .
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
يقول تعالى ذكره: وقال الذين جحدوا نبوة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به, لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا, ما سبقتمونا إلى التصديق به, وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ أنه معنيّ به عبد الله بن سلام, فأما على تأويل من تأوّل أنه عُني به مشركو قريش, فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) أنه عُني به مشركو قريش وكذلك كان يتأوّله قتادة, وفي تأويله إياه كذلك ترك منه تأويله, قوله وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ أنه معني به عبد الله بن سلام.
* ذكر الرواية عنه ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) قال: قال ذاك أناس من المشركين: نحن أعزّ, ونحن, ونحن, فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان, فإن الله يختصّ برحمته من يشاء.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) قال: قد قال ذلك قائلون من الناس, كانوا أعزّ منهم في الجاهلية, قالوا: والله لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان, يختص الله برحمته من يشاء, ويكرم الله برحمته من يشاء, تبارك وتعالى.
وقوله ( وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ) يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى, فيرشدوا به الطريق المستقيم ( فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) يقول: فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمة, كما قال جل ثناؤه مخبرًا عنهم, وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 73 | ﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا﴾ |
---|
العنكبوت: 12 | ﴿وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ |
---|
يس: 47 | ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّـهُ أَطْعَمَهُ﴾ |
---|
الأحقاف: 11 | ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
الذي قد وافق الكتب السماوية خصوصا أكملها وأفضلها بعد القرآن وهي التوراة التي أنزلها الله على موسى{ إِمَامًا وَرَحْمَةً} أي:يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة.{ وَهَذَا} القرآن{ كِتَابٌ مُصَدِّقٌ} للكتب السابقة شهد بصدقها وصدَّقها بموافقته لها وجعله الله{ لِسَانًا عَرَبِيًّا} ليسهل تناوله ويتيسر تذكره،{ لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة ويذكر الأعمال التي ينذر عنها والأعمال التي يبشر بها.
ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية التي سبقته فقال- تعالى-: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ...
أى: ومن قبل هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم كان كتاب موسى وهو التوراة إِماماً يهتدى به في الدين وَرَحْمَةً من الله- تعالى- لمن آمن به.
وقوله: وَمِنْ قَبْلِهِ خبر مقدم، وكِتابُ مُوسى مبتدأ مؤخر، وقوله: إِماماً وَرَحْمَةً حالان من كِتابُ مُوسى..
والمقصود من هذه الجملة الكريمة، الرد على قولهم في القرآن هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ فكأنه- تعالى- يقول لهم: كيف تصفون القرآن بذلك، مع أنه قد سبقه كتاب موسى الذي تعرفونه، والذي وافق القرآن في الأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، وفي غير ذلك من أصول الشرائع..
ثم مدح- سبحانه- هذا القرآن بقوله: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا، لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ.
أى: وهذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة، ومصدق لغيره من الكتب السماوية السابقة وأمين عليها، وقد أنزلناه بلسان عربي مبين، امتنانا منا على من بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيهم وهم العرب.
وقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من وظيفة هذا الكتاب: الإنذار للظالمين بسوء المصير إذا ما أصروا على ظلمهم، والبشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم.
فاسم الإشارة في قوله: وَهذا يعود للقرآن الكريم، وقوله مصدق صفة لكتاب.
وقوله لِساناً عَرَبِيًّا حال من الضمير في «مصدق» الذي هو صفة للكتاب والضمير في «لينذر» يعود إلى الكتاب، و «الذين ظلموا» مفعوله. أى: لينذر الكتاب الذين ظلموا، وقوله: وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ في محل نصب عطفا على محل «لينذر» .
وقال- سبحانه- في صفة هذا الكتاب مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا ولم يقل: مصدق لكتاب موسى، للتنبيه على أنه مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب السماوية السابقة.
والتعبير بقوله لِساناً عَرَبِيًّا فيه تكريم للعرب، وتذكير لهم بنعمة الله عليهم، حيث جعل القرآن الذي هو أجمع الكتب السماوية للهدايات والخيرات بلسانهم، وهذا يقتضى إيمانهم به، وحرصهم على اتباع إرشاداته.
وقوله- تعالى-: لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ بيان لوظيفة هذا الكتاب، وتحديد لمصير كل فريق، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من من حي عن بينة.
ثم قال : ( ومن قبله كتاب موسى ) وهو التوراة ( إماما ورحمة وهذا كتاب ) يعني القرآن ) مصدق ) أي : لما قبله من الكتب ( لسانا عربيا ) أي : فصيحا بينا واضحا ، ( لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) أي : مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)
يقول تعالى ذكره: ومن قبل هذا الكتاب, كتاب موسى, وهو التوراة, إماما لبني إسرائيل يأتمون به, ورحمة لهم أنـزلناه عليهم. وخرج الكلام مخرج الخبر عن الكتاب بغير ذكر تمام الخبر اكتفاء بدلالة الكلام على تمامه; وتمامه: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أنـزلناه عليه, وهذا كتاب أنـزلناه لسانا عربيا.
اختلف في تأويل ذلك, وفي المعنى الناصب ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) أهل العربية, فقال بعض نحويي البصرة: نصب اللسان والعربي, لأنه من صفة الكتاب, فانتصب على الحال, أو على فعل مضمر, كأنه قال: أعني لسانا عربيا. قال: وقال بعضهم على مصدق جعل الكتاب مصدق اللسان, فعلى قول من جعل اللسان نصبا على الحال, وجعله من صفة الكتاب, ينبغي أن يكون تأويل الكلام, وهذا كتاب بلسان عربيّ مصدّق التوراة كتاب موسى, بأن محمدا لله رسول, وأن ما جاء به من عند الله حقّ.
وأما القول الثاني الذي حكيناه عن بعضهم, أنه جعل الناصب للسان مصدّق, فقول لا معنى له, لأن ذلك يصير إذا يؤوّل كذلك إلى أن الذي يصدق القرآن نفسه, ولا معنى لأن يقال: وهذا كتاب يصدّق نفسه, لأن اللسان العربيّ هو هذا الكتاب, إلا أن يجعل اللسان العربيّ محمدا عليه الصلاة والسلام , ويوجه تأويله إلى: وهذا كتاب وهو القرآن يصدّق محمدا, وهو اللسان العربيّ, فيكون ذلك وجها من التأويل.
وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) من نعت الكتاب, وإنما نُصب لأنه أريد به: وهذا كتاب يصدّق التوراة والإنجيل لسانا عربيا, فخرج لسانا عربيا من يصدّق, لأنه فعل, كما تقول: مررت برجل يقوم محسنا, ومررت برجل قائم محسنا, قال: ولو رفع لسان عربيّ جاز على النعت للكتاب.
وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود " وهذا كتاب مصدّق لما بين يديه لسانا عربيا " ، فعلى هذه القراءة يتوجه النصب في قوله ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) من وجهين: أحدهما على ما بيَّنت من أن يكون اللسان خارجا من قوله (مصَدّقٌ) والآخر: أن يكون قطعا من الهاء التي في بين يديه.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يكون منصوبا على أنه حال مما في مصدّق من ذكر الكتاب, لأن قوله: (مصَدّقٌ) فعل, فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وهذا القرآن يصدق كتاب موسى بأن محمدا نبي مرسل لسانا عربيا.
وقوله ( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول: لينذر هذا الكتاب الذي أنـزلناه إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله بعبادتهم غيره.
وقوله ( وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) يقول: وهو بشرى للذين أطاعوا الله فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إياه في الدنيا, فحسن الجزاء من الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه. وفي قوله (وبُشْرى) وجهان من الإعراب: الرفع على العطف على الكتاب بمعنى: وهذا كتاب مصدّق وبشرى للمحسنين. والنصب على معنى: لينذر الذين ظلموا ويبشر, فإذا جعل مكان يبشر وبُشرى أو وبشارة, نصبت كما تقول أتيتك لأزورك وكرامة لك, وقضاء لحقك, بمعنى لأزورك وأكرمك, وأقضي حقك, فتنصب الكرامة والقضاء بمعنى مضمر.
واختلفت القرّاء في قراءة (لِيُنْذِرَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز " لِتُنْذِرَ" بالتاء بمعنى: لتنذر أنت يا محمد, وقرأته عامة قرّاء العراق بالياء بمعنى: لينذر الكتاب, وبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 92 | ﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ﴾ |
---|
الأنعام: 155 | ﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ |
---|
الأحقاف: 12 | ﴿وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ومن قبله كتاب موسى:
وقرئ:
بفتح ميم «من» ، على أنها موصولة، و «كتاب» بالنصب، والتقدير: وآتينا الذي قبله كتاب موسى، وهى قراءة الكلبي.
لينذر:
قرئ:
1- بتاء الخطاب، للرسول ﷺ، وهى قراءة أبى رجاء، وشيبة، والأعرج، وأبى جعفر، وابن عامر، ونافع، وابن كثير.
2- بياء الغيبة، وهى قراءة الأعمش، وابن كثير أيضا، وباقى السبعة.
التفسير :
أي:إن الذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته
وداموا على ذلك، و{ اسْتَقَامُوا} مدة حياتهم{ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من كل شر أمامهم،{ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا وراءهم.
ثم فصل- سبحانه- ما أعده للمحسنين من جزيل الثواب فقال: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ... أى: قالوا ذلك بألسنتهم، وصدقت هذا القول قلوبهم ثُمَّ اسْتَقامُوا بعد ذلك على صراط الله المستقيم، بأن فعلوا بإخلاص وطاعة كل ما أمرهم- سبحانه- بفعله، واجتنبوا بقوة كل ما أمرهم باجتنابه، وقوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ خبر «إن» ، وجيء بالفاء في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط.
أى: إن الذين قالوا ذلك، ثم استقاموا وثبتوا على طاعتنا فلا خوف عليهم من لحوق مكروه بهم، ولا هم يحزنون بسبب فوات محبوب لديهم، وإنما هم في سعادة مستمرة، وفي سرور دائم، لا يعكره خوف من مستقبل مجهول، ولا حزن على أمر قد مضى.
وقوله : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) تقدم تفسيرها في سورة " حم ، السجدة " .
وقوله : ( فلا خوف عليهم ) أي : فيما يستقبلون ، ( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا ،
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
يقول تعالى ذكره: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) الذي لا إله غيره ( ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك, ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من فزع يوم القيامة وأهواله ( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
فصلت: 30 | ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ |
---|
الأحقاف: 13 | ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} أي:أهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حولا ولا يريدون بها بدلا،{ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الإيمان بالله المقتضى للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها.
أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الإيمان والاستقامة، هم أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها خلودا أبديا. جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: يجزون هذا الجزاء الطيب بسبب أعمالهم الصالحة، التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وبعد هذا الحديث عن حقيقة هذا الدين، وعن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، جاء الحديث عن وجوب الإحسان إلى الوالدين وعما يترتب عليه هذا الإحسان من ثواب عظيم، قال- تعالى-:
( أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) أي : الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم .
وقوله ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين قالوا هذا القول, واستقاموا أهل الجنة وسكانها( خَالِدِينَ فِيهَا ) يقول: ماكثين فيها أبدا( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يقول: ثوابا منا لهم آتيناهم ذلك على أعمالهم الصالحة التي كانوا في الدنيا يعملونها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 82 | ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ |
---|
التوبة: 95 | ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ |
---|
فصلت: 28 | ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء