4383132333435363738

الإحصائيات

سورة فاطر
ترتيب المصحف35ترتيب النزول43
التصنيفمكيّةعدد الصفحات5.70
عدد الآيات45عدد الأجزاء0.25
عدد الأحزاب0.50عدد الأرباع2.00
ترتيب الطول37تبدأ في الجزء22
تنتهي في الجزء22عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 7/14الحمد لله: 5/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (31) الى الآية رقم (35) عدد الآيات (5)

لمَّا ذكرَ ثوابَ تلاوةِ القرآنِ، قَسَّمَ الأمةَ بالنسبةِ للعملِ بالقرآنِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الظَّالمُ لنفسِه، والمقتصدُ، والسَّابقُ بالخيراتِ، ثُمَّ ذكرَ جزاءَ المؤمنينَ به في الآخرةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (36) الى الآية رقم (38) عدد الآيات (3)

لمَّا ذكرَ جزاءَ المؤمنينَ بالقرآنِ في الآخرةِ، ذكرَ هنا جزاءَ الكافرينَ به، كيفَ يصيحُونَ ويتمنُّونَ الرجوعَ للدُّنيا ليعملُوا صالحًا، ثُمَّ بيانُ إحاطةِ علمِ اللهِ بكلِّ شيءٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة فاطر

التذكير بنعم الله وعظمته/ الاستسلام لله سبيل العزّة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سورة فاطر تشبه سورة النحل:: سورة فاطر تشبه سورة النحل في إحصاء عدد كثير من النعم، وبيان فضل الله على خلقه، وقد خاطبت السورة الناس بصفة عامة 3 مرات: 1- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ (3). 2- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ (5). 3- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (15). • ففي النداء الأول تسأل السورة عن مصدر النعم، وفي النداء الثالث تبين فقر الناس إلى ربهم وغناه عنهم.
  • • ومن نعم الله التي ذكرتها السورة:: 1- نعمة خلق السماوات والأرض: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (1). 2- نعمة إرسال الملائكة بالخير: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ...﴾ (1) 3- نعمة خلق الإنسان: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ...﴾ (3). 4- نعمة الرزق: ﴿يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (3). 5- نعمة الهداية: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ...﴾ (8) 6- نعمة الإنذار والإعذار: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (24). 7- نعمة إهلاك الظالمين: ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ (26). 8- نعمة القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ...﴾ (29). 9- نعمة الفوز بالجنان والنجاة من النار: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ...﴾ (33). 10- نعمة الاستخلاف في الأرض: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (39). 11- نعمة الآثار المبثوثة والعبر الناطقة: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ (44). 12- نعمة الإمهال والحلم: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ (45).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «فاطر».
  • • معنى الاسم :: فاطر: خالق ومبدع على غير مثال سبق، والفطرة: الابتداء والاختراع.
  • • سبب التسمية :: لافتتاحها بهذا الوصف لله تعالى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة الملائكة»؛ لأنه وقع في أولها وصف للملائكة.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الاستسلام لله هو سبيل العزّة.
  • • علمتني السورة :: التذلل لله تعالى والخضوع له؛ فهو الغني ونحن الفقراء إليه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾
  • • علمتني السورة :: لأأن المسلم له ثلاثة أحوال: ظالم لنفسه: يرتكب المعاصي، مقتصد: مقتصر على ما يجب عليه متجنب المعاصي، سابق بالخيرات: يؤدي ما فرض الله عليه متجنب للمعاصي ويكثر من النوافل: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾
  • • علمتني السورة :: رحمة الله بعباده وإمهالهم؛ فإذا ارتكبت معصية فبادر بالتوبة والعمل الصالح: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾

مدارسة الآية : [31] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ..

التفسير :

[31] والذي أنزلناه إليك -أيها الرسول- من القرآن هو الحق المصدِّق للكتب التي أنزلها الله على رسله قبلك. إن الله لخبير بشؤون عباده، بصير بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.

يذكر تعالى أن الكتاب الذي أوحاه إلى رسوله{ هُوَ الْحَقُّ} من كثرة ما اشتمل عليه من الحق، كأن الحق منحصر فيه، فلا يكن في قلوبكم حرج منه، ولا تتبرموا منه، ولا تستهينوا به، فإذا كان هو الحق، لزم أن كل ما دل عليه من المسائل الإلهية والغيبية وغيرها، مطابق لما في الواقع، فلا يجوز أن يراد به ما يخالف ظاهره وما دل عليه.

{ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب والرسل، لأنها أخبرت به، فلما وجد وظهر، ظهر به صدقها. فهي بشرت به وأخبرت، وهو صدقها، ولهذا لا يمكن أحدا أن يؤمن بالكتب السابقة، وهو كافر بالقرآن أبدا، لأن كفره به، ينقض إيمانه بها، لأن من جملة أخبارها الخبر عن القرآن، ولأن أخبارها مطابقة لأخبار القرآن.

{ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فيعطي كل أمة وكل شخص، ما هو اللائق بحاله. ومن ذلك، أن الشرائع السابقة لا تليق إلا بوقتها وزمانها، ولهذا، ما زال اللّه يرسل الرسل رسولا بعد رسول، حتى ختمهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فجاء بهذا الشرع، الذي يصلح لمصالح الخلق إلى يوم القيامة، ويتكفل بما هو الخير في كل وقت.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة، بتثبيت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلم، وتسليته عما أصابه من أعدائه فقال: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ أى القرآن الكريم هُوَ الْحَقُّ الثابت الذي لا يحوم حوله باطل.

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أى: أن من صفات هذا القرآن أنه مصدق لما تقدمه من الكتب السماوية. كالتوراة والإنجيل.

إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ أى: إن الله- تعالى- لمحيط إحاطة تامة بأحوال عباده، مطلع على ما يسرونه وما يعلنونه من أقوال أو أفعال.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى-وقدرته، وأثنت على العلماء، وعلى التالين للقرآن الكريم، والمحافظين على أداء ما كلفهم الله- تعالى- ثناء عظيما.

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان أقسام الناس في هذه الحياة. ووعدت المؤمنين الصادقين بجنات النعيم، فقال- تعالى-:

يقول تعالى : ( والذي أوحينا إليك ) يا محمد من الكتاب ، وهو القرآن ( هو الحق مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المتقدمة يصدقها ، كما شهدت له بالتنويه ، وأنه منزل من رب العالمين .

( إن الله بعباده لخبير بصير ) أي : هو خبير بهم ، بصير بمن يستحق ما يفضله به على من سواه . ولهذا فضل الأنبياء والرسل على جميع البشر ، وفضل النبيين بعضهم على بعض ، ورفع بعضهم درجات ، وجعل منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فوق جميعهم ، صلوات الله عليهم أجمعين .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)

يقول تعالى ذكره: ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) يا محمد وهو هذا القرآن الذي أنـزله الله عليه (هُوَ الْحَقُّ) يقول: هو الحق عليك وعلى أمتك أن تعمل به، وتتبع ما فيه دون غيره من الكتب التي أوحيت إلى غيرك ( مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) يقول: هو يصدق ما مضى بين يديه فصار أمامه من الكتب التي أنـزلتها إلى من قبلك من الرسل.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) للكتب التي خلت قبله.

وقوله ( إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله بعباده لذو علم وخبرة بما يعملون بصير بما يصلحهم من التدبير.

المعاني :

لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ :       مِنَ الكُتُبِ السَّابِقَةِ السراج

التدبر :

وقفة
[31] ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ﴾ القرآن هو الحق، وكل مبدأ أو رأي أو فكر يصادم حقيقة قرآنية ثابتة، فهو باطل.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ:
  • الواو استئنافية. الذي: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. اوحى: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. اليك: جار ومجرور متعلق بأوحينا. وجملة «اوحينا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: أوحيناه إليك.
  • ﴿ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ:
  • جار ومجرور متعلق بأوحينا. ومن: للتبيين فيكون الجار والمجرور متعلقا بحال محذوفة من الاسم الموصول «الذي» التقدير: أوحيناه حالة كونه من الكتاب. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الحق: خبر «هو» مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية هُوَ الْحَقُّ» في محل رفع خبر المبتدأ
  • ﴿ مُصَدِّقاً:
  • حال مؤكدة للحق. لان الحق لا ينفك عن هذا التصديق منصوبة وعلامة نصبها الفتحة
  • ﴿ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • اللام حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. يديه: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه مثنى وحذفت النون للاضافة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.وشبه الجملة بَيْنَ يَدَيْهِ» متعلق بصلة الموصول المحذوفة لا محل لها من الاعراب بمعنى: والذي اوحيناه اليك من القرآن هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة:اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. بعباده: جار ومجرور متعلق بخبرها والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والجار والمجرور لما متعلق بكلمة مصدقا.
  • ﴿ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.خبير بصير: خبرا «ان» مرفوعان بالضمة ويجوز ان يكون «بصير» صفة-نعتا-لخبير.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم؛ أكد هذا هنا، وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ..

التفسير :

[32] ثم أعطينا -بعد هلاك الأمم- القرآن مَن اخترناهم من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-:فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي، ومنهم مقتصد، وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة، فَرْضِها ونفلها،

ولهذا، لما كانت هذه الأمة أكمل الأمم عقولا، وأحسنهم أفكارا، وأرقهم قلوبا، وأزكاهم أنفسا، اصطفاهم الله تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، ولهذا قال:{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وهم هذه الأمة.{ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بالمعاصي، [التي] هي دون الكفر.{ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم.{ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} أي:سارع فيها واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه.

فكلهم اصطفاه اللّه تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان، وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان، من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه.

وقوله{ بِإِذْنِ اللَّهِ} راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق اللّه تعالى ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر اللّه تعالى على ما أنعم به عليه.

{ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي:وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النعم بالنسبة إليه، كالعدم، فأجل النعم على الإطلاق، وأكبر الفضل، وراثة هذا الكتاب.

و «ثم» في قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا للتراخي الرتبى. وأَوْرَثْنَا أى أعطينا ومنحنا، إذ الميراث عطاء يصل للإنسان عن طريق غيره.

والمراد بالكتاب: القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من عقائد وأحكام وآداب وتوجيهات سديدة.. وهو المفعول الثاني لأورثنا، وقدم على المفعول الأول، وهو الموصول للتشريف.

واصْطَفَيْنا بمعنى اخترنا واستخلصنا، واشتقاقه من الصفو، بمعنى الخلوص من الكدر والشوائب.

والمراد بقوله: مِنْ عِبادِنا الأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.

والمعنى: ثم جعلنا هذا القرآن الذي أوحيناه إليك- أيها الرسول الكريم- ميراثا منك لأمتك، التي اصطفيناها على سائر الأمم، وجعلناها أمة وسطا. وقد ورثناها هذا الكتاب لتنتفع بهداياته.. وتسترشد بتوجيهاته، وتعمل بأوامره ونواهيه.

قال الآلوسى: قوله: الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا هم- كما قال ابن عباس وغيره- أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، فإن الله- تعالى- اصطفاهم على سائر الأمم..».

وفي التعبير بالاصطفاء، تنويه بفضل هؤلاء العباد، وإشارة إلى فضلهم على غيرهم، كما أن التعبير بالماضي يدل على تحقق هذا الاصطفاء.

ثم قسم- سبحانه- هؤلاء العباد إلى ثلاثة أقسام فقال: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ...

وجمهور العلماء على أن هذه الأقسام الثلاثة، تعود إلى أفراد هذه الأمة الإسلامية.

وأن المراد بالظالم لنفسه، من زادت سيئاته على حسناته.

وأن المراد بالمقتصد: من تساوت حسناته مع سيئاته.

وأن المراد بالسابقين بالخيرات: من زادت حسناتهم على سيئاتهم.

وعلى هذا يكون الضمير في قوله- تعالى- بعد ذلك: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها..

يعود إلى تلك الأقسام الثلاثة، لأنهم جميعا من أهل الجنة بفضل الله ورحمته.

ومن العلماء من يرى أن المراد بالظالم لنفسه: الكافر، وعليه يكون الضمير في قوله:

يَدْخُلُونَها يعود إلى المقتصد والسابق بالخيرات، وأن هذه الآية نظير قوله- تعالى- في سورة الواقعة: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ...

ومن المفسرين الذين رجحوا القول الأول ابن كثير فقد قال ما ملخصه: يقول- تعالى- ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ... وهم هذه الأمة على ثلاثة أقسام: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو المفرط في بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.

وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ وهو الفاعل للواجبات والمستحبات.

قال ابن عباس: هم أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم ورثهم الله- تعالى- كل كتاب أنزله. فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.

وفي رواية عنه: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله- تعالى-، والظالم لنفسه يدخل الجنة بشفاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم.

وفي الحديث الشريف: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتى» ..

وقال آخرون: الظالم لنفسه: هو الكافر.

والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من طرق يشد بعضها بعضا.

ثم أورد الإمام ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث منها: ما أخرجه الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في هذه الآية: «هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة» .

ومعنى قوله «بمنزلة واحدة» أى: في أنهم من هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة» .

وقال الإمام ابن جرير: فإن قال لنا قائل: إن قوله يَدْخُلُونَها إنما عنى به المقتصد والسابق بالخيرات؟

قيل له: وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قال: قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد، وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد.

قيل: إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، وإنما فيها إخبار من الله- تعالى- أنهم يدخلون جنات عدن: وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا ... ثم يدخلون الجنة بعد ذلك، فيكون ممن عمه خبر الله- تعالى- بقوله:

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها .

وقال الشوكانى: والظالم لنفسه: هو الذي عمل الصغائر. وقد روى هذا القول عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، وأبى الدرداء، وعائشة. وهذا هو الراجح، لأن عمل الصغائر لا ينافي الاصطفاء، ولا يمنع من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة يحلون فيها من أساور ... ووجه كونه ظالما لنفسه، أنها نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له، فإنه لو عمل مكان تلك الصغائر طاعات، لكان لنفسه فيها من الثواب حظا عظيما.. .قالوا: وتقديم الظالم لنفسه على المقتصد وعلى السابق بالخيرات. لا يقتضى تشريفا، كما في قوله- تعالى- لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ...

ولعل السر في مجيء هذه الأقسام بهذا الترتيب، أن الظالمين لأنفسهم أكثر الأقسام عددا، ويليهم المقتصدون، ويليهم السابقون بالخيرات، كما قال- تعالى- وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ.

وقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أى: بتوفيقه وإرادته وفضله.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ يعود إلى ما تقدم من توريث الكتاب ومن الاصطفاء.

أى: ذلك الذي أعطيناه- أيها الرسول الكريم- لأمتك من الاصطفاء ومن توريثهم الكتاب، هو الفضل الواسع الكبير، الذي لا يقادر قدره، ولا يعرف كنهه إلا الله- تعالى-.

يقول تعالى : ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ، المصدق لما بين يديه من الكتب ، الذين اصطفينا من عبادنا ، وهم هذه الأمة ، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال : ( فمنهم ظالم لنفسه ) وهو : المفرط في فعل بعض الواجبات ، المرتكب لبعض المحرمات . ( ومنهم مقتصد ) وهو : المؤدي للواجبات ، التارك للمحرمات ، وقد يترك بعض المستحبات ، ويفعل بعض المكروهات . ( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) وهو : الفاعل للواجبات والمستحبات ، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ، قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزله ، فظالمهم يغفر له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، وعبد الرحمن بن معاوية العتبي قالا حدثنا أبو الطاهر بن السرح ، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ، حدثني ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . قال ابن عباس : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله ، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .

وهكذا روي عن غير واحد من السلف : أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين ، على ما فيه من عوج وتقصير .

وقال آخرون : بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ، ولا من المصطفين الوارثين الكتاب .

قال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : ( فمنهم ظالم لنفسه ) قال : هو الكافر . وكذا روى عنه عكرمة ، وبه قال عكرمة أيضا فيما رواه ابن جرير .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( فمنهم ظالم لنفسه ) قال : هم أصحاب المشأمة .

وقال مالك عن زيد بن أسلم ، والحسن ، وقتادة : هو المنافق .

ثم قد قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : وهذه الأقسام الثلاثة كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة " الواقعة " وآخرها .

والصحيح : أن الظالم لنفسه من هذه الأمة وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية ، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من طرق يشد بعضها بعضا ، ونحن نورد منها ما تيسر :

الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الوليد بن العيزار ، أنه سمع رجلا من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) ، قال : " هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة " . هذا حديث غريب من هذا الوجه وفي إسناده من لم يسم ، وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث شعبة ، به نحوه .

ومعنى قوله : " بمنزلة واحدة " أي : في أنهم من هذه الأمة ، وأنهم من أهل الجنة ، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة .

الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا أنس بن عياض الليثي أبو ضمرة ، عن موسى بن عقبة ، عن [ علي ] بن عبد الله الأزدي ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) ، فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا ، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ، ثم هم الذين تلافاهم برحمته ، فهم الذين يقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) .

طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا الحسين بن حفص ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن أبي ثابت ، عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ) قال : " فأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يصيبه الهم والحزن ، ثم يدخل الجنة " .

ورواه ابن جرير من حديث سفيان الثوري ، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت أنه دخل المسجد ، فجلس إلى جنب أبي الدرداء ، فقال : اللهم ، آنس وحشتي ، وارحم غربتي ، ويسر لي جليسا صالحا . قال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بك منك ، سأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدث به منذ سمعته منه ذكر هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) ، فأما السابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن ، وذلك قوله : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) .

الحديث الثالث : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، حدثنا ابن مسعود ، أخبرنا سهل بن عبد ربه الرازي ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن أخيه ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسامة بن زيد : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) الآية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلهم من هذه الأمة " .

الحديث الرابع : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عزيز ، حدثنا سلامة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عوف بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أمتي ثلاثة أثلات : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة ، وثلث يمحصون ويكشفون ، ثم تأتي الملائكة فيقولون : وجدناهم يقولون : " لا إله إلا الله وحده " . يقول الله عز وجل : صدقوا ، لا إله إلا أنا ، أدخلوهم الجنة بقولهم : " لا إله إلا الله وحده " واحملوا خطاياهم على أهل النار ، وهي التي قال الله تعالى : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) [ العنكبوت : 13 ] ، وتصديقها في التي فيها ذكر الملائكة ، قال الله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) فجعلهم ثلاثة أنواع ، وهم أصناف كلهم ، فمنهم ظالم لنفسه ، فهذا الذي يكشف ويمحص " . غريب جدا .

أثر عن ابن مسعود : قال ابن جرير : حدثني ابن حميد ، حدثنا الحكيم بن بشير ، عن عمرو بن قيس ، عن عبد الله بن عيسى ، عن يزيد بن الحارث ، عن شقيق أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ، وثلث يجيئون بذنوب عظام حتى يقول : ما هؤلاء ؟ - وهو أعلم تبارك وتعالى - فتقول الملائكة : هؤلاء جاءوا بذنوب عظام ، إلا أنهم لم يشركوا بك فيقول الرب عز وجل : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي : وتلا عبد الله هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ) الآية .

أثر آخر : قال أبو داود الطيالسي ، عن الصلت بن دينار أبو شعيب ، عن عقبة بن صهبان الهنائي قال : سألت عائشة ، رضي الله عنها ، عن قول الله : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ) الآية ، فقالت لي : يا بني ، هؤلاء في الجنة ، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياة والرزق ، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم . قال : فجعلت نفسها معنا .

وهذا منها رضي الله عنها ، من باب الهضم والتواضع ، وإلا فهي من أكبر السابقين بالخيرات; لأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .

وقال عبد الله بن المبارك ، رحمه الله : قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه : في قوله تعالى : ( فمنهم ظالم لنفسه ) قال : هي لأهل بدونا ، ومقتصدنا أهل حضرنا ، وسابقنا أهل الجهاد . رواه ابن أبي حاتم .

وقال عوف الأعرابي : حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : حدثنا كعب الأحبار قال : إن الظالم لنفسه من هذه الأمة ، والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة ، ألم تر أن الله تعالى قال : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها ) إلى قوله : ( والذين كفروا لهم نار جهنم ) قال : فهؤلاء أهل النار .

[ و ] رواه ابن جرير من طرق ، عن عوف ، به . ثم قال :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا حميد ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه أن ابن عباس سأل كعبا عن قوله : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) إلى قوله : ( بإذن الله ) قال : تماست مناكبهم ورب كعب ، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم .

ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا الحكم بن بشير ، حدثنا عمرو بن قيس ، عن أبي إسحاق السبيعي في هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية ، قال أبو إسحاق : أما ما سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج .

ثم قال : حدثنا ابن حميد ، حدثنا الحكم ، حدثنا عمرو ، عن محمد بن الحنفية قال : إنها أمة مرحومة ، الظالم مغفور له ، والمقتصد في الجنان عند الله ، والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله .

ورواه الثوري ، عن إسماعيل بن سميع ، عن رجل ، عن محمد بن الحنفية ، بنحوه .

وقال أبو الجارود : سألت محمد بن علي - يعني الباقر - عن قوله : ( فمنهم ظالم لنفسه ) فقال : هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا .

فهذا ما تيسر من إيراد الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا المقام . وإذا تقرر هذا فإن الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة من هذه الأمة ، فالعلماء أغبط الناس بهذه النعمة ، وأولى الناس بهذه الرحمة ، فإنهم كما قال الإمام أحمد ، رحمه الله :

حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن قيس بن كثير قال : قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء - وهو بدمشق - فقال : ما أقدمك أي أخي ؟ قال : حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أما قدمت لتجارة ؟ قال : لا . قال : أما قدمت لحاجة ؟ قال : لا ؟ قال : أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث ؟ قال : نعم . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر " .

وأخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث كثير بن قيس - ومنهم من يقول : قيس بن كثير - عن أبي الدرداء . وقد ذكرنا طرقه واختلاف الرواة فيه في شرح " كتاب العلم " من " صحيح البخاري " ، ولله الحمد والمنة .

وقد تقدم في أول " سورة طه " حديث ثعلبة بن الحكم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى يوم القيامة للعلماء : إني لم أضع علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد [ أن ] أغفر لكم ، على ما كان منكم ، ولا أبالي " .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)

اختلف أهل التأويل في معنى الكتاب الذي ذكر الله في هذه الآية أنه أورثه الذين اصطفاهم من عباده، ومن المصطفون من عباده، والظالم لنفسه؛ فقال بعضهم: الكتاب هو الكتب التي أنـزلها الله من قبل الفرقان. والمصطفون من عباده أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. والظالم لنفسه أهل الإجرام منهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ...) إلى قوله (الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) هم أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ورثهم الله كل كتاب أنـزله؛ فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا الحكم بن بشير قال: ثنا عمرو بن قيسٍ عن عبد الله بن عيسى، عن يزيد بن الحارث عن شقيق، عن أَبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قال: هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة؛ ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلث يجيئون بذنوب عظام حتى يقول: ما هؤلاء؟ وهو أعلم تبارك وتعالى، فتقول الملائكة: هؤلاء جاءوا بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا بك، فيقول الرب: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، وتلا عبد الله هذه الآية ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ).

حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا عون قال: ثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: ثنا كعب الأحبار أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة، ألم تر أن الله قال ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) إلى قوله كُلَّ كَفُورٍ .

حدثني علي بن سعيد الكندي قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن عوف، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعت كعبًا يقول: ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) قال: كلهم في الجنة، وتلا هذه الآية جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا .

حدثنا الحسن بن عرفة قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عوف بن أبي جبلة قال: ثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: ثنا كعب أن الظالم من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة، ألم تر أن الله قال ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) إلى قوله لُغُوبٌ والذين كفروا لهم نار جهنم، قال: قال كعب: فهؤلاء أهل النار.

حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن عوف قال: سمعت عبد الله بن الحارث يقول: قال كعب: إن الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات من هذه الأمة كلهم في الجنة، ألم تر أن الله يقول ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) حتى بلغ قوله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا حميد عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه أن ابن عباس سأل كعبًا عن قوله تعالى ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) إلى قوله (بِإِذْنِ اللَّهِ) فقال: تماست مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا الحكم بن بشير قال: ثنا عمرو بن قيس عن أَبي إسحاق السبيعي في هذه الآية ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) قال: قال أَبو إسحاق: أما ما سمعت منذ ستين سنة، فكلهم ناجٍ.

قال: ثنا عمرو عن محمد بن الحنفية قال: إنها أمة مرحومة، الظالم مغفور له والمقتصد في الجنات عند الله والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله.

وقال آخرون: الكتاب الذي أورث هؤلاء القوم هو شهادة أن لا إله إلا الله، والمصطفون هم أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، والظالم لنفسه منهم هو المنافق، وهو في النار، والمقتصد والسابق بالخيرات في الجنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أَبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال: ثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة عن عبد الله ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) قال: اثنان في الجنة وواحد في النار.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) إلى آخر الآية قال: جعل أهل الإيمان على ثلاثة منازل، كقوله فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فهم على هذا المثال.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح قال: ثنا الحسين عن يزيد عن عكرمة ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ...) الآية، قال: الاثنان في الجنة وواحد في النار، وهي بمنـزلة التي في الواقعة فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ .

حدثنا سهل بن موسى قال: ثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن مجاهد في قوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) قال: هم أصحاب المشأمة (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: هم أصحاب الميمنة (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرِاتِ) قال: هم السابقون من الناس كلهم.

حدثنا الحسن بن عرفة قال: ثنا مروان بن معاوية قال: قال عوف: قال الحسن: أما الظالم لنفسه فإنه هو المنافق، سقط هذا وأما المقتصد والسابق بالخيرات فهما صاحبا الجنة.

حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن عوف قال: قال الحسن: الظالم لنفسه المنافق.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) شهادة أن لا إله إلا الله (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) هذا المنافق في قول قتادة والحسن (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: هذا صاحب اليمين (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) قال: هذا المقرب، قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل في الدنيا، وثلاث منازل عند الموت، وثلاث منازل في الآخرة؛ أما الدنيا فكانوا: مؤمن (1) ومنافق ومشرك، وأما عند الموت فإن الله قال فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ وأما في الآخرة فكانوا أزواجًا ثلاثة فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) قال: هم أصحاب المشأمة (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: أصحاب الميمنة (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) قال: فهم السابقون من الناس كلهم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) قال: سقط هذا( وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) قال: سبق هذا بالخيرات وهذا مقتصد على أثره.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب تأويل من قال: عنى بقوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) الكتب التي أنـزلت من قبل الفرقان.

فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه وأمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يتلون غير كتابهم، ولا يعملون إلا بما فيه من الأحكام والشرائع؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الذي ذهبت إليه وإنما معناه: ثم أورثنا الإيمان بالكتاب الذين اصطفينا؛ فمنهم مؤمنون بكل كتاب أنـزله الله من السماء قبل كتابهم وعاملون به؛ لأن كل كتاب أنـزل من السماء قبل الفرقان، فإنه يأمر بالعمل بالفرقان عند نـزوله، وباتباع من جاء به، وذلك عمل من أقر بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبما جاء به وعمل بما دعاه إليه بما فى القرآن، وبما في غيره من الكتب التي أنـزلت قبله.

وإنما قيل: عنى بقوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ) الكتب التي ذكرنا؛ لأن الله جل ثناؤه قال لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثم أتبع ذلك قوله ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) فكان معلومًا إذ كان معنى الميراث إنما هو انتقال معنى من قوم إلى آخرين، ولم تكن أمة على عهد نبينا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم انتقل إليهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته أن ذلك معناه: وإذ كان ذلك كذلك فبين أن المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة.

فإن قال قائل: فإن قوله يَدْخُلُونَهَا إنما عنى به المقتصد والسابق! قيل له: وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قال: قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد؟ قيل: إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، وإنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا، وظلمه نفسه فيها بالنار أو بما شاء من عقابه، ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا .

وقد روي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحو الذي قلنا في ذلك أخبار وإن كان في أسانيدها نظر مع دليل الكتاب على صحته على النحو الذي بينت.

* ذكر الرواية الواردة بذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا أَبو أحمد الزبيري قال: ثنا سفيان عن الأعمش قالَ: ذكر أَبو ثابت أنه دخل المسجد، فجلس إلى جنب أَبي الدرداء، فقال: اللهم آنس وحشتي وارحم غربتي ويسر لي جليسًا صالحًا، فقال أَبو الدرداء: لئن كنت صادقًا لأنا أسعد به منك، سأحدثك حديثًا سمعته من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم أحدث به منذ سمعته ذَكَرَ هذه الآية ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) فأما السابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأما الظالم لنفسه فيُصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن فذلك قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ .

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن الوليد بن المغيرة، أنه سمع رجلا من ثقيف حدث عن رجل من كنانة عن أَبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال في هذه الآية: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) قال: " هؤلاء كلهم بمنـزلة واحدة وكلهم في الجنة ". وعنى بقوله (الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) الذين اخترناهم لطاعتنا واجتبيناهم، وقوله (فَمْنِهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) يقول: فمن هؤلاء الذين اصطفينا من عبادنا من يظلم نفسه بركوبه المآثم واجترامه المعاصي واقترافه الفواحش (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو غير المبالغ في طاعة ربه وغير المجتهد فيما ألزمه من خدمة ربه حتى يكون عمله في ذلك قصدًا(وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) وهو المبرز الذي قد تقدم المجتهدين في خدمة ربه وأداء ما لزمه من فرائضه، فسبقهم بصالح الأعمال وهي الخيرات التي قال الله جل ثناؤه (بِإِذْنِ اللِّهِ) يقول: بتوفيق الله إياه لذلك.

وقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يقول تعالى ذكره: سبق هذا السابق من سبقه بالخيرات بإذن الله، هو الفضل الكبير الذي فضل به من كان مقتصرًا عن منـزلته في طاعة الله من المقتصد والظالم لنفسه.

------------------------

الهوامش:

(1) هو تقدير مبتدأ قبله، أي هم مؤمن ... إلخ. أو بعضهم مؤمن.

المعاني :

أَوْرَثْنَا :       أَعْطَيْنَا السراج
ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ :       بِفِعْلِ بَعْضِ المَعَاصِي السراج
ظالم لنفسه :       رجحت سيّـئاته على حسناته معاني القرآن
مُّقْتَصِدٌ :       يُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ، ويَجْتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ السراج
مقتصد :       استوت حسناته و سيّـئاته معاني القرآن
سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ :       مُجْتَهِدٌ فِي عَمَلِ الصَّالِحَاتِ: فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا السراج
سابق بالخيرات :       رجحت حسناته على سيّـئاته معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ ‏أهل القرآن هم الصفوة .
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ إنها بذرةٌ من الحُب يلقيها الله في قلوب من يختار، القرآن العظيم عشق لا ينتهي.
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم.
عمل
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ اعلم أن من اصطفاه الله تعالى ورثه علم الكتاب، والعمل به؛ فكن منهم.
تفاعل
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ قل: «اللهم ارزقني حفظ كتابك، والعمل به، والدعوة إليه».
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ حفظة القرآن الذين يقيمون حروفه وحدوده، اصطفاء واختيار من الله.
عمل
[32] ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا﴾ لنحمد الله ونحن نتدارس كتاب الله على نعمة الاصطفاء الإلهي وفضله علينا.
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ يكفي أهل القرآن رفعة أنهم هم خيرة الخلق وصفوتهم.
عمل
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ الله اصطفاك، وجعلك مسلمًا، وأنزل لك القرآن لتدبر به دنياك لآخرتك، فاستشعر ذلك.
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ وهم هذه الأمة؛ فالعجب ممن يَتَنَكَّب ذلك مقتفيًا أثر قوم يَحُوْرُوْنَ بين الغضب والضلال.
وقفة
[32] ما كانت هذه الأمة أكمل الأمم عقولًا وأحسنهم أفكارًا، وأرقهم قلوبا، وأزكاهم أنفسًا، اصطفاهم الله تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾.
وقفة
[32] ما دلالة إسناد الفعل للمجهول أو للمعلوم فى قوله تعالى: ﴿أورثوا الكتاب﴾ [الشورى: 14]، و﴿أورثنا الكتاب﴾؟ عمومًا رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه، وما فيه ذم فنسبه للمجهول: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [الشورى: 14]، أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ هذا مدح.
عمل
[32] لا تعظم نفسك، ولا تستكثر عملك؛ فهذه عائشة رضي الله عنها تعد نفسها من الظالمات لأنفسهن ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾.
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ قال عمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين: هذه الأصناف الثلاثة في أمة محمد؛ فالظالم لنفسه: العاصي، والسابق: التقي، والمقتصد: بينهما.
وقفة
[32] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5/489): «بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب دليل على أن الله اصطفاها ...، وبين أنهم ثلاثة أقسام: الأول: الظالم لنفسه وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضًا، فهو الذي قال الله فيه: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 102]. والثاني: المقتصد وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات. والثالث: السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة. وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق».
لمسة
[32] قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ قيل في سبب تقديم الظالم لنفسه على السابق بالخيرات -مع أن السابق أعلى مرتبة منه- لئلا ييأس الظالم من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله.
وقفة
[32] تأمل كيف شمل ربنا جل وعلا الظالم لنفسه مع عباده المصطفين! ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.
وقفة
[32] في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ قدم الظالم لكثرته، ثم المقتصد وهو أقل ممن قبله، ثم السابقين وهم أقل، فإن قلت: لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟ قلنا: للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقون أقل من القليل.
وقفة
[32] دخل عقبة بن صهبان على عائشة لها، فقال لها: يا أم المؤمنين، أرأيت قول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾، فقالت عائشة رضي الله عنها: «أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالحياة والرزق، وأما المقتصد، فمن اتبع آثارهم، فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا، وكلٌّ في الجنة».
عمل
[32] سورة فاطر من السور المفتتحة بالحمد، وهي سورة البراهين والأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى، فتلمس هذه البراهين العظيمة، وحدد موقفك منها، هل تؤمن بها صادقًا من قلبك؟! فإذا كنت مؤمنًا فما حقيقة إيمانك؟ اقرأ السورة من جديد وانظر أي هذه الثلاثة أنت؟ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾، اللهم اجعلنا من السابقين بالخيرات يا رب.
عمل
[32] الناس في القيامة ثلاثة: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾، فاطمح أن تكون سابقًا، عساك إن قصَّرت تكون مقتصدًا فتنجو.
وقفة
[32] تفاوت إيمان المؤمنين يعني تفاوت منزلتهم في الدنيا والآخرة ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.
وقفة
[32] ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، قال: (بِإِذْنِ اللَّهِ) عند ذكر السابق إلى الخيرات؛ لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق الله تعالى ومعونته؛ فينبغي له أن يشتغل بشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه.
وقفة
[32] ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال سهل التستري: «السابق العالم، والمقتصد المتعلم، والظالم الجاهل».
وقفة
[32] ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال جعفر الصادق: «بدأ بالظالمين إخبارًا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره».
وقفة
[32] ﴿ومنهم سابق بالخيرات﴾ الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات.
عمل
[32] ﴿وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللَّهِ﴾ كل خير تفعله هو بتوفيق الله وعونه سبحانه، فاحمده واشكره وله سبحانه أخلصه.
وقفة
[32] سباقك للخيرات وفي مواسمها ما هي إلا توفيق من الله؛ فلا تُعجب بعملك ﴿وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللَّهِ﴾.
لمسة
[32] ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾) هو (تُـفيد الحصر، الفضل الكبير أن تكون سابقًا في الخيرات.
عمل
[32] سابق جماعة مسجدك على الصف الأول ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.
لمسة
[32] ﴿سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾لم يقل: (إلى) لأنه منغمس ملتصق بالخيرات، وليس خارجًا عنها.
وقفة
[32] ﴿بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾؛ لئلا يغتر السابق بالخيرات بعمله، فلولا الله ما سبق إلى الخيرات، هو ولا غيره.
وقفة
[32] ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته؟

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ:
  • ثم: حرف عطف. اورث: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي اورثنا القرآن من بعدك.
  • ﴿ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان. اصطفينا: تعرب اعراب «اورثنا».وجملة «اصطفينا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول اي الساقط‍ من اللفظ‍ الثابت في المعنى ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به.التقدير: اصطفيناهم.
  • ﴿ مِنْ عِبادِنا:
  • جار ومجرور و «من» حرف بياني متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول اي في حالة كونهم من عبادنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ:
  • الفاء استئنافية. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. ظالم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. لنفسه: جار ومجرور متعلق بظالم وهي اسم فاعل تعدى الى مفعوله باللام والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ:
  • الجملتان معطوفتان بواوي العطف على «منهم ظالم لنفسه» وتعربان اعرابها.
  • ﴿ بِإِذْنِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق باسم الفاعل «سابق».الله لفظ‍ الجلالة:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ ذلِكَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب. والاشارة الى السبق اي ذلك السبق
  • ﴿ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «ذلك». هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الفضل: خبر المبتدأ الثاني «هو» مرفوع بالضمة. الكبير: صفة-نعت-للفضل مرفوعة مثلها بالضمة.'

المتشابهات :

فاطر: 32﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
الشورى: 22﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ ثوابَ تلاوةِ القرآنِ، ثم أثنى عليه؛ قَسَّمَ الأمةَ بالنسبةِ للعملِ بالقرآنِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الظَّالمُ لنفسِه، والمقتصدُ، والسَّابقُ بالخيراتِ، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سابق:
1- اسم فاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سباق، وهى قراءة أبى عمران الحوفى، وعمر بن أبى شجاع، ويعقوب، فى رواية.

مدارسة الآية : [33] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا ..

التفسير :

[33] جنات إقامة دائمة للذين أورثهم الله كتابه، يُزَيَّنون فيها بأساور الذهب وباللؤلؤ، ولباسهم المعتاد في الجنة حرير أي:ثياب رقيقة.

ثم ذكر جزاء الذين أورثهم كتابه فقال:{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} أي:جنات مشتملات على الأشجار، والظل، والظليل، والحدائق الحسنة، والأنهار المتدفقة، والقصور العالية، والمنازل المزخرفة، في أبد لا يزول، وعيش لا ينفد.

والعدن "الإقامة"فجنات عدن أي:جنات إقامة، أضافها للإقامة، لأن الإقامة والخلود وصفها ووصف أهلها.

{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} وهو الحلي الذي يجعل في اليدين، على ما يحبون، ويرون أنه أحسن من غيره، الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء.

{ و} يحلون فيها{ لُؤْلُؤًا} ينظم في ثيابهم وأجسادهم.{ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} من سندس، ومن إستبرق أخضر.

ثم بين- سبحانه- مظاهر هذا الفضل فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها والضمير للأنواع الثلاثة.

أى: هؤلاء الظالمون لأنفسهم والمقتصدون والسابقون بالخيرات، ندخلهم بفضلنا ورحمتنا، الجنات الدائمة التي يخلدون فيها خلودا أبديا.

يقال: عدن فلان بالمكان، إذا أقام به إقامة دائمة.

يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أى أنهم يدخلون الجنات دخولا دائما، وهم في تلك الجنات يتزينون بأجمل الزينات، وبأفخر الملابس، حيث يلبسون في أيديهم أساور من ذهب ولؤلؤا، أما ثيابهم فهي من الحرير الخالص.

يخبر تعالى أن مأوى هؤلاء المصطفين من عباده ، الذين أورثوا الكتاب المنزل من رب العالمين يوم القيامة ( جنات عدن ) أي : جنات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على ربهم ، عز وجل ، ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ) ، كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

( ولباسهم فيها حرير ) ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا ، فأباحه الله لهم في الدار الآخرة ، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " . وقال : " [ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ] هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن سواد السرحي ، أخبرنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه; أن أبا أمامة حدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم ، وذكر حلي أهل الجنة فقال : " مسورون بالذهب والفضة ، مكللة بالدر ، وعليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة ، وعليهم تاج كتاج الملوك ، شباب جرد مرد مكحلون " .

القول في تأويل قوله تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)

يقول تعالى ذكره: بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، الذين اصطفينا من عبادنا يوم القيامة (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) يلبسون في جنات عدن أسورة من ذهب ( وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) يقول: ولباسهم في الجنة حرير.

وقوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) اختلف أهل التأويل في الحَزَنِ الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم؛ فقال بعضهم: ذلك الحزَن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار إذ كانوا خائفين أن يدخلوها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسي قال: ثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي قال: ثنا أَبي عن عمرو بن مالك عن أَبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) قال: حزن النار.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا ابن المبارك عن مَعْمَر عن يحيى بن المختار عن الحسن وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا قال: إن المؤمنين قوم ذُلُل ذلَّت والله الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مَرضَى، وما بالقوم مرض، وإنهم لأصحة القلوب ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) والحَزَنُ، والله ما حزنهم حزن الدنيا ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة أبكاهم الخوف من النار، وأنه من لا يتعزَّ بعزاء الله يقطِّع نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل علمه وحضر عذابه.

وقال آخرون: عني به الموت.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن إدريس عن أبيه عن عطية في قوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) قال: الموت.

وقال آخرون: عني به حزن الخبز (2) .

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب عن حفص يعني ابن حميد عن شمر قال: لما أدخل الله أهل الجنة الجنة قالوا( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) قال: حزن الخبز.

وقال آخرون. عني بذلك: الحزن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا.

* ذكر من قال ذلك:

------------------------

الهوامش:

(2) كذا في الأصل: الخبز، ولعل المراد به. هم العيش في الدنيا. والعيش فيها قوامه الطعام والخبز.

المعاني :

عَدْنٍ :       إِقَامَةٍ السراج

التدبر :

لمسة
[33] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ سرعة الدخول؟ قال الإمام الرازي: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا) إشارة إلى سرعة الدخول، فإن التحلية لو وقعت خارجًا، لكان فيه تأخير الدخول، فقال: يدخلونها، وفيها تقع تحليتهم».
تفاعل
[33] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
عمل
[33] ارسل رسالة تذكر فيها أن من أراد لباس أهل الجنة فليبتعد عن اللباس المحرم في الدنيا ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.
لمسة
[33] ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: «والواو في (يَدْخُلُونَهَا) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه، يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين».
لمسة
[33] ﴿أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ جمع الأساور؛ لأن هذا لباس الأكابر في الدنيا، من الملوك وغيرهم، وعبر هنا بجمع الجمع (سوار أسورة أساور) دليل على كثرتها.
وقفة
[33] ﴿وَلُؤْلُؤًا﴾ جاء لهم بنعيم من البحر، كما جاءهم بنعيم من البر.
لمسة
[33] ﴿وَلِبَاسُهُمْ﴾ جاءت مفردة؛ لأنه لو قال (ألبسة) لظن أنها تكون للحر والبرد، لكنه لباس واحد، لأنه لا برد، ولا حر فيها.
وقفة
[33] ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ قال : «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» [البخاري 5835].
وقفة
[33] لَبَسَ: بفتح الباء، من يلبس لباسًا، وهو ما يلبسه الإنسان من الثياب، قال تعالى: ﴿ولباسهم فيها حرير﴾، ﴿يلبسون ثيابًا﴾ [الكهف: 31]، أما لَبِسَ: بكسر الباء، من التبس يلتبس التباسًا، اختلط، وهو الاختلاط والخلط بين أمور كثيرة، قال تعالى: ﴿وليلبسوا عليهم دينهم﴾ [الأنعام: 137]، ﴿ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ [الأنعام: 82]، ما يلبسه أهل الجنة، تارة يذكر بلفظ اللباس، وتارة بلفظ الثياب.

الإعراب :

  • ﴿ جَنّاتُ عَدْنٍ:
  • جنات: بدل من الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» او مبتدأ مرفوع بالضمة.عدن: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى: جنات الاقامة الدائمة والاستقرار.
  • ﴿ يَدْخُلُونَها:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر جَنّاتُ عَدْنٍ» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيها:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة في «يدخلونها» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. او تكون الجملة «يحلون» في محل رفع خبرا ثانيا للمبتدإ. فيها: جار ومجرور متعلق بيحلون وحذف مفعولها لان «من» التبعيضية في مِنْ أَساوِرَ» تدل عليه.
  • ﴿ مِنْ أَساوِرَ:
  • من: حرف جر داخلة للتبعيض بمعنى يحلون بعض أساور.أساور: اسم مجرور بمن لفظا منصوب بيحلون محلا وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-مفاعل-وهو جمع ثالث احرفه الف بعدها حرفان.
  • ﴿ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أساور».و«لؤلؤا» معطوفة بالواو على محل مِنْ أَساوِرَ».
  • ﴿ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر آخر للمبتدإ «جنات» أي أخبار مترادفة خبر بعد خبر. الواو عاطفة. لباس: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. فيها: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم: حرير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية فِيها حَرِيرٌ» في محل رفع خبر «لباسهم» او تكون الواو حالية. والجملة الاسمية في محل نصب حالا.'

المتشابهات :

الانسان: 21﴿عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
الكهف: 31﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا
الحج: 23﴿جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
فاطر: 33﴿جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أحوالَهم؛ بَيَّنَ هنا جزاءَهم ومآلَهم، قال تعالى:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

جنات:
1- جمعا، بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- جنة، على الإفراد، وهى قراءة رزين، وحبيش، والزهري.
يدخلونها:
1- مبنيا للفاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة أبى عمرو.
يحلون:
1- بضم الياء وفتح الحاء وشد اللام، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام، من: حليت المرأة، فهى حال، إذا لبست الحلي.

مدارسة الآية : [34] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ ..

التفسير :

[34]وقالوا حين دخلوا الجنة:الحمد لله الذي أذهب عنا كل حَزَن، إن ربنا لغفور؛ حيث غفر لنا الزلات، شكور؛ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها

{ و} لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم{ قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد.

{ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} حيث غفر لنا الزلات{ شَكُورٌ} حيث قبل منا الحسنات وضاعفها، وأعطانا من فضله ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا، فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب.

ثم حكى- سبحانه- ما يقولونه بعد فوزهم بهذا النعيم فقال: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.

والحزن: غم يعترى الإنسان لخوفه من زوال نعمة هو فيها. والمراد به هنا: جنس الحزن الشامل لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة.

أى: وقالوا عند دخولهم الجنات الدائمة، وشعورهم بالأمان والسعادة والاطمئنان:

الحمد لله الذي أذهب عنا جميع ما يحزننا من أمور الدنيا أو الآخرة.

إِنَّ رَبَّنا بفضله وكرمه لَغَفُورٌ شَكُورٌ أى: لواسع المغفرة لعباده ولكثير العطاء للمطيعين، حيث أعطاهم الخيرات الوفيرة في مقابل الأعمال القليلة.

( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) وهو الخوف من المحذور ، أزاحه عنا ، وأراحنا مما كنا نتخوفه ، ونحذره من هموم الدنيا والآخرة .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على أهل " لا إله إلا الله " وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل " لا إله إلا الله " ينفضون التراب عن رءوسهم ، ويقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) رواه ابن أبي حاتم من حديثه .

وقال الطبراني : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا يحيى بن موسى المروزي ، حدثنا سليمان بن عبد الله بن وهب الكوفي ، عن عبد العزيز بن حكيم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل " لا إله إلا الله " وحشة في الموت ولا في قبورهم ولا في النشور . وكأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب ، يقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور )

قال ابن عباس ، وغيره : غفر لهم الكثير من السيئات ، وشكر لهم اليسير من الحسنات .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) قال: كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في خوف، أو يحزنون.

وقال آخرون: بل عني بذلك الحزن الذي ينال الظالم لنفسه في موقف القيامة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال: ثنا أَبو أحمد قال: ثنا سفيان عن الأعمش قال: ذكر أَبو ثابت أن أبا الدرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " أما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن فذلك قوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) " .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) وخوف دخول النار من الحزن، والجَزَع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن. ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعًا دون نوع، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الحزن بقولهم ذلك، وكذلك ذلك؛ لأن من دخل الجنة فلا حزن عليه بعد ذلك، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن.

وقوله ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم، فساترها عليهم بعفوه لهم عنها، شكور لهم على طاعتهم إياه، وصالح ما قدموا في الدنيا من الأعمال.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) لحسناتهم.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب عن حفص عن شمر ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) غفر لهم ما كان من ذنب، وشكر لهم ما كان منهم.

المعاني :

الحَزن :       كلّ ما يُحزن و يَغمّ معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[34] الحمد يكون باللسان: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾، والشكر يكون بالقلب: «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ» [البخاري 6323]، واللسان: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، والعمل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
اسقاط
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ أيها المؤمن الحزين، لست وحدك !أهل الجنة شاركوك (هنا) الحزن .
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ الدنيا دار أحزان، مهما شاركت في دورات (التطوير) و(السعادة)، فلن يصلح الحال إلا هناك، عليك بالصبر هنا!
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ أنت تحزن لا بأس، لم يأتِ وقت ذهابه بعد، رزقك الله الجنة.
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ من أعظم دواعي فرح أهل الجنة أن الله عز وجل أذهب عنهم الحزن إلى الأبد.
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ اعتبر ابن قيم الجوزية الحزن مرضًا من أمراض القلب التي تمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما.
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ ما هو الحزن المحمود؟! قال ابن القيم: «يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته، وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم، فحزن عليه.
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ مصير كل رحلة تعب وشقاء فرح وراحة وهناء، قلبًا تعلق بالله لا يخيبه الله.
تفاعل
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ قل الآن: اللهم اجعلني ممن يقول هذا الدعاء.
وقفة
[34] ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾‏ من ظن أن طريق الجنة محفوف بالورود؛ فقد وهم، فاحتسب ما يصيبك من حزن وهم، فإن هذا من زاد الطريق.
وقفة
[34] ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ في الجنة سنطمئن يا دنيا القلق.
وقفة
[34] ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ عبارة تنعش القلب بالتفاؤل بما عند الله لمن عمل وأخلص، أسأل الله أن يجعلنا ممن يقولها في الجنة.
وقفة
[34] ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ الحزن لا تخلو منه الحياة ولن يذهب إلا إذا وضعت قدمك في الجنة، اللهم الجنة.
وقفة
[34] ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ سئل الأمام أحمد: «متى الراحة يا امام؟» قال: «عند اول قدم تضعها في الجنة».
وقفة
[34] ﴿وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي أَذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ﴾ حزن النار، وقيل حزن الموت، وقيل حزن الذنوب والسيئات، وخوف رد الطاعات، وأنهم لا يدرون ما يصنع بهم، وقيل حزن زوال النعم وتقليب القلوب وخوف العاقبة، وقيل حزن أهوال يوم القيامة، وهموم الحصر والمعيشة في الدنيا، وقيل ذهب عن أهل الجنة كل حزن كان لمعاش أو معاد.
وقفة
[34] ولو وجدت لذة الفرج وحلاوته فزوال غصة الألم وذهاب كليته ليست في الدنيا، بل في الآخرة ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾.
وقفة
[34] في أول لحظات الجنة يتلذذ المؤمن بالنجاة من أحوال الشقاء والهم والحزن ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ هذا وحده نعيم.
وقفة
[34] وغمسة المهموم في الجنة مرةً واحدةً تُنسيه أوجاع الدنيا كلها، بل وكل همٍّ وغمٍّ جثم عليه! ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾.
وقفة
[34] إن المؤمنين قوم ذلت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾، والله لقد كابدوا في الدنيا حزنًا شديدًا، والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوف من النار.
وقفة
[34] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ قال ابن عباس: «حزن النار»، وقال قتادة: «حزن الموت»، وقال مقاتل: «حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم»، وقال عكرمة: «حزن الذنوب والسيئات، وخوف رد الطاعات».
وقفة
[34] ﴿وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي أَذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفورٌ شَكورٌ﴾ بمغفرته سبحانه لذنبك يذهب عنك الحَزَن، وبمداومتك على شكره يذهب عنك الحَزَن، فاللهم اذهب عنا الحَزَن.
وقفة
[34] إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾.
وقفة
[34] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ ما أجملها من كلمة حين تسمعها بأصوات المرضى الخافتة وعلى شفاه النفوس المتعبة! يقولون: «يا رب لك الحمد» في غمرات الألم.
وقفة
[34] ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ حمدوه بالاسم الذي تعلقوا به لإذهاب أحزانهم؛ إذا حزنت فقل: «ياألله».
وقفة
[34] قال أهل الجنة: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ الحزن: بفتح الحاء، وهذا من أدب أهل الجنة مع ربهم، لأن الحزن بفتح الحاء هو الضيق الخفيف، فالفتح أخف من الضم؛ فكأن أهل الجنة لما رأوا نعيم الجنة نسوا كل حزن شديد في الدنيا.
عمل
[34] ما قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ إلا لكونهم عاشوا مع القرآن، تأمل بداية الآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ [29]؛ فبادر أيها المحزون.
وقفة
[34] كم تتوق النفس لساعة يقول فيها المؤمن بكل سرور: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾! اللهم اجعلنا من أهل الجنة .
وقفة
[34] قال إبراهيم التيمي: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور: 26]».
وقفة
[34] كل ما يُصاب به المؤمن من حزن وإشفاق في دنياه؛ يزول بدخول الجنة، فهناك سيقول: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن﴾، ﴿إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين * فمنّ الله علينا﴾ [الطور: 26، 27].
وقفة
[34] ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ عللوا ذهاب حزن الآخرة العظيم بأنه غفور شكور، توسل بهذين الاسمين لزوال أحزان الدنيا الصغيرة.
وقفة
[34] ﴿إن ربنا لغفورٌ شكورٌ﴾ قال ابن عباس: «غفر لهم الكثير من السيئات، وشكر لهم اليسير من الحسنات».
وقفة
[34] ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ قال المؤمنون ذلك بعد الحساب والقيامة، أخبروا بعد أن رأوا بأعينهم مغفرة الله الواسعة، إنها شهادة شاهد حق اليقين.
وقفة
[34] جاء في القرآن شكر الرب لعبده قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾، وشكر الرب لعبده هو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • الواو استئنافية. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب مفعول-مقول القول-.
  • ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة- نعت-للفظ‍ الجلالة. والجملة الفعلية بعده صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عنا: جار ومجرور متعلق بأذهب. الحزن: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي الخوف من العاقبة.
  • ﴿ إِنَّ رَبَّنا:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. رب: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَغَفُورٌ شَكُورٌ:
  • خبران لان، خبر بعد خبر مرفوعان بالضمة واللام لام التوكيد-المزحلقة-وهما من صيغ المبالغة اي فعول بمعنى فاعل'

المتشابهات :

الأعراف: 43﴿تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ
فاطر: 34﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
الزمر: 74﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ دخولَهم الجنات؛ ذكرَ هنا ما يقولونه بعد فوزهم بهذا النعيم، قال تعالى: ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) ولَمَّا أذهبَ اللهُ عنهم كلَّ حَزَنٍ؛ ذكروا هنا السببَ في ذهاب الحَزَن عنهم، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الحزن:
1- بفتحتين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الحاء وسكون الزاى، ذكرها جناح بن حبيش.

مدارسة الآية : [35] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن ..

التفسير :

[35]وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله، لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء.

{ الَّذِي أَحَلَّنَا} أي:أنزلنا نزول حلول واستقرار، لا نزول معبر واعتبار.{ دَارَ الْمُقَامَةِ} أي:الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها، وذلك الإحلال{ مِنْ فَضْلِهِ} علينا وكرمه، لا بأعمالنا، فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

{ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي:لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن.

ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة، لأن النوم فائدته زوال التعب، وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك، ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون، جعلنا اللّه منهم، بمنه وكرمه.

الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ أى: الحمد لله الذي أذهب عنا الأحزان بفضله ورحمته، والذي أَحَلَّنا أى: أنزلنا دارَ الْمُقامَةِ أى: الدار التي لا انتقال لنا منها، وإنما نحن سنقيم فيها إقامة دائمة وهي الجنة التي منحنا إياها بفضله وكرمه.

وهذه الدار لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ أى: لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ولا عناء.

يقال: نصب فلان- كفرح- إذا نزل به التعب والإعياء.

وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ أى: ولا يصيبنا فيها كلال وإعياء بسبب التعب والهموم، يقال: لغب فلان لغبا ولغوبا. إذا اشتد به الإعياء والهزال.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما الفرق بين النصب واللّغوب؟

قلت: النصب، التعب والمشقة، التي تصيب المنتصب للأمر، المزاول له.

وأما اللغوب، فما يلحقه من الفتور بسبب النصب. فالنصب: نفس المشقة والكلفة.

واللغوب: نتيجة ما يحدث منه من الكلال والفتور».

وبعد هذا البيان البليغ الذي يشرح الصدور لحسن عاقبة المفلحين، ساقت السورة الكريمة حال الكافرين، وما هم فيه من عذاب مهين، فقال- تعالى-:

( الذي أحلنا دار المقامة من فضله ) : يقولون : الذي أعطانا هذه المنزلة ، وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته ، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك . كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .

( لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) أي : لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء .

والنصب واللغوب : كل منهما يستعمل في التعب ، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم ، والله أعلم . فمن ذلك أنهم كانوا يدئبون أنفسهم في العبادة في الدنيا ، فسقط عنهم التكليف بدخولها ، وصاروا في راحة دائمة مستمرة ، قال الله تعالى : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) [ الحاقة : 24 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)

يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الذين أدخلوا الجنة إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ أي: ربنا الذي أنـزلنا هذه الدار يعنون الجنة، فدار المقامة: دار الإقامة التي لا نقلة معها عنها ولا تحول، والميم إذا ضمت من " المقامة " فهو من الإقامة، فإذا فتحت فهي من المجلس، والمكان الذي يقام فيه، قال الشاعر:

يَومَــانِ يَــومُ مَقامَــاتٍ وأنْدِيـةٍ

وَيَـومُ سَـيرٍ إلَـى الأعْـدَاءِ تَـأويب (3)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ) أقاموا فلا يتحولون.

وقوله (لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ) يقول: لا يصيبنا فيها تعب ولا وجع (وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) يعني باللغوب: العناء والإعياء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبيد قال: ثنا موسى بن عمير عن أَبي صالح عن ابن عباس في قوله ( لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) قال: اللغوب: العناء

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ) أي: وجع.

------------------------

الهوامش:

(3) البيت قد تقدم الاستشهاد به في هذا الجزء (22 : 65).

المعاني :

أَحَلَّنَا :       أَنْزَلَنَا السراج
دَارَ الْمُقَامَةِ :       دَارَ الإِقَامَةِ الدَّائِمَةِ السراج
دار المُقامة :       دار الإقامة الدّائمة (الجنّة) معاني القرآن
نَصَبٌ :       تَعَبٌ، وَمَشَقَّةٌ السراج
لُغُوبٌ :       إِعْيَاءٌ وَتَعَبٌ السراج
لغوبٌ :       إعياء من التعب و فتور معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[35] ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ﴾ الذي أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنته ورحمته؛ لم تكن أعمالنا تساوي ذلك.
وقفة
[35] ﴿الَّذي أَحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضلِهِ﴾ ليس بعملك، إنما برحمته وفضله جل شأنه.
وقفة
[35] ﴿الذِي أَحلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ من فَضْلهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسنَا فِيهَا لُغُوب﴾ تنسي كل متاعب الدنيا.
وقفة
[35] ﴿الَّذي أَحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضلِهِ لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فيها لُغوبٌ﴾ تكرار كلمة (لَا يَمَسُّنَا) إنما للتأكيد على استحالة وقوع هذا النصب والتعب والمشقة فى الجنة.
وقفة
[35] ﴿دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ هي الجنة، والمقامة: هي الإقامة والموضع، وإنما سميت الجنة دار المقامة؛ لأنهم يقومون فيها ولا يخرجون منها.
وقفة
[35] ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة
وقفة
[35] ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ قال السعدي: «أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في کثرة التمتع، وهذا يدل على أن الله تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن، ويدل ذلك على أنهم لا ينامون في الجنة؛ لأن النوم فائدته زوال التعب، وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك، ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون، جعلنا الله منهم، بمنه وكرمه».
وقفة
[35] ﴿نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ النصب: تعب الجسد، اللغوب: تعب الصدور.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. او في محل نصب صفة-نعت-لربنا في الآية الكريمة السابقة. او في محل جر بدل من «الذي» الاولى.
  • ﴿ أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أحلّ:فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.و«نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به اول. دار: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.المقامة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي احلنا دار الاقامة.
  • ﴿ مِنْ فَضْلِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بأحلنا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المتكلمين في «أحلنا».لا: نافية لا عمل لها. يمس: فعل مضارع مرفوع بالضمة. و «نا» اعربت. فيها: جار ومجرور متعلق بلا يمسنا. نصب: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى: تعب
  • ﴿ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ:
  • معطوفة بالواو على لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ» وتعرب اعرابها. اي تعب واعياء.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ سُرورَهم بدخلوهم الجنَّاتِ؛ بَيَّنَ هنا سُرورَهم ببقائِهم فيها، قال تعالى:
﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لغوب:
1- بضم اللام، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، وهى قراءة على بن أبى طالب، والسلمى.

مدارسة الآية : [36] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ..

التفسير :

[36] والذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم الموقدة، لا يُقْضى عليهم بالموت، فيموتوا ويستريحوا، ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها، مثل ذلك الجزاء يجزي الله كلَّ مَن هو مبالغ في الكفر متمادٍ فيه مُصِرٌّ عليه.

لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي:جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات، وأنكروا لقاء ربهم.

{ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} يعذبون فيها أشد العذاب، وأبلغ العقاب.{ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ} بالموت{ فَيَمُوتُوا} فيستريحوا،{ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآنات واللحظات.{ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{

اى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا في الدنيا بكل ما يجب الإيمان به لَهُمْ في الآخرة نارُ جَهَنَّمَ يعذبون فيها تعذيبا أليما.

ثم بين- سبحانه- حالهم في جهنم فقال: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها أى: لا يحكم عليهم فيها بالموت مرة أخرى كما ماتوا بعد انقضاء آجالهم في الدنيا، وبذلك يستريحون من العذاب. ولا يخفف عنهم من عذاب جهنم، بل هي كلما خبت أو هدأ لهيبها، عادت مرة أخرى إلى شدتها، وازدادت سعيرا.

والمراد أنهم باقون في العذاب الأليم بدون موت، أو حياة يستريحون فيها.

كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ أى: مثل هذا الجزاء الرادع الفظيع، نجزى في الآخرة، كل شخص كان في الدنيا شديد الجحود والكفران لآيات ربه، الدالة على وحدانيته وقدرته..

لما ذكر تعالى حال السعداء ، شرع في بيان مآل الأشقياء ، فقال : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ) ، كما قال تعالى : ( لا يموت فيها ولا يحيا ) [ طه : 74 ] . وثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أهل النار الذين هم أهلها ، فلا يموتون فيها ولا يحيون " . قال [ الله ] تعالى : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) [ الزخرف : 77 ] . فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم ، ولكن لا سبيل إلى ذلك ، قال الله تعالى : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) ، كما قال تعالى : ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) [ الزخرف : 74 ، 75 ] ، وقال ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء : 97 ] ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) [ النبأ : 30 ] .

ثم قال : ( كذلك نجزي كل كفور ) أي : هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب بالحق .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)

يقول تعالى ذكره (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ) يقول: لهم نار جهنم مخلدين فيها لا حظ لهم في الجنة ولا نعيمها.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ ) بالموت (فَيَمُوتُوا)، لأنهم لو ماتوا لاستراحوا( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ) يقول: ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم بإماتتهم، فيخفف ذلك عنهم.

كما حدثني مطرَّف بن عبد الله الضَّبِّي قال: ثنا أَبو قتيبة قال ثنا أَبو هلال الراسبي عن قتادة عن أَبي السوداء قال: مساكين أهل النار لا يموتون، لو ماتوا لاستراحوا.

حدثني عقبة بن سنان القزاز قال: ثنا غسان بن مضر قال: ثنا سعيد بن يزيد وحدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن سعيد بن يزيد، وحدثنا سَوَّار بن عبد الله قال: ثنا بشر بن المفضل، ثنا أَبو سلمة عن أَبي نضرة عن أَبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، لكنَّ ناسًا، أو كما قال، تُصيبهمُ النارُ بذنوبِهم، أو قال: بخطاياهم، فَيُمِيتُهم إماتةً حتى إذا صاروا فَحْمًا أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضَبَائرَ ضَبَائرَ، فَبُثُّوا على أهل الجنة، فقال: يا أهلَ الجنة أفِيضُوا عليهم فَيَنْبُتُون كما تَنْبُتُ الحبة في حَمِيلِ السيل " فقال رجل من القوم حينئذٍ: كأن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد كان بالبادية .

فإن قال قائل: وكيف قيل ( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ) وقد قيل في موضع آخر كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ؟ قيل: معنى ذلك: ولا يخفف عنهم من هذا النوع من العذاب.

وقوله ( كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) يقول تعالى ذكره: هكذا يكافِئ كل جحود لنعم ربه يوم القيامة؛ بأن يدخلهم نار جهنم بسيئاتهم التي قدموها في الدنيا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[36] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ الموت راحة، ولا راحة لأهل النار.
وقفة
[36] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ الآية دليل قدرة الله البالغة، حيث أبقى النار أبد الآبدين لا تنطفئ، فلا ينقص عذابها، ولا يخبو لهيبها، ولا تهوي حرارتها؛ ولذا لا يرتاح أهلها.
تفاعل
[36] ﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[36] ﴿لَا يُقْضَىٰ﴾ معناه: لا يجهز؛ لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا:
  • الواو استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. وخبره الجملة الاسمية بعده او الجملة الفعلية لا يُقْضى عَلَيْهِمْ» في محل رفع. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ:
  • اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام.والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. نار: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. جهنم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف-التنوين-للمعرفة والتأنيث.
  • ﴿ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من الكافرين. لا:نافية لا عمل لها. يقضى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر. على: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. والجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ فَيَمُوتُوا:
  • الفاء سببية. يموتوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة بالنفي وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «يموتوا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «ان» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. التقدير: لا قضاء عليهم فلا موت بمعنى: لا يقضى عليهم بموت آخر فينتهوا ويستريحوا بعد تلاشيهم.
  • ﴿ وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ:
  • معطوفة بالواو على لا يُقْضى عَلَيْهِمْ» وتعرب اعرابها.وعلامة رفع الفعل «يخفف» الضمة الظاهرة. و «عنهم» جار ومجرور متعلق بلا يخفف لان «من» التبعيضية دلت على النائب عن الفاعل.
  • ﴿ مِنْ عَذابِها:
  • جار ومجرور متعلق بلا يخفف. و «من» للتبعيض و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة
  • ﴿ كَذلِكَ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب صفة-نعت- لمصدر-مفعول مطلق-محذوف او نائبة عنه. التقدير: مثل ذلك الجزاء نجزي. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام للبعد والكاف للخطاب. ويجوز ان تكون الكاف في محل رفع مبتدأ.والجملة الفعلية «نجزي» في محل رفع خبره.
  • ﴿ نَجْزِي:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ كُلَّ كَفُورٍ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. كفور: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. والكلمة صيغة مبالغة فعول بمعنى فاعل. اي كثير الكفران'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ جزاءَ المؤمنينَ بالقرآنِ في الآخرةِ؛ ذكرَ هنا جزاءَ الكافرينَ به؛ زيادةً في سُرورِ المُؤمِنينَ بما قاسَوْه في الدُّنيا مِن تكَبُّرِهم عليهم وفُجورِهم، قال تعالى:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ) وبعد ذكرِ دخولهم جهنم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حالَهم فيها، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فيموتوا:
1- بحذف النون، منصوبا فى جواب النفي، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فيموتون، بالنون، بالعطف على «لا يقضى» ، وهى قراءة عيسى، والحسن.
ولا يخفف:
وقرئ:
بإسكان الفاء، تشبيها للمنفصل بالمتصل، وهى قراءة عبد الوارث، عن أبى عمرو.
تجزى:
1- بالنون، مبنيا للفاعل، ونصب «كل» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، مبنيا للمفعول، ورفع «كل» ، وهى قراءة أبى عمرو، وأبى حاتم.

مدارسة الآية : [37] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ..

التفسير :

[37] وهؤلاء الكفار يَصْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين:ربنا أخرجنا من نار جهنم، وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا، فنؤمن بدل الكفر، فيقول لهم:أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْراً وافياً من العُمُر، يتعظ فيه من اتعظ،

} وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} أي:يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون:{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فاعترفوا بذنبهم، وعرفوا أن اللّه عدل فيهم، ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها، فيقال لهم:{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا} أي:دهرا وعمرا{ يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} أي:يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنالكم في العمر، وتابعنا عليكم الآيات، وأوصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا، فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه الدار دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة؟ هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا فيها خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين، ولهذا قال:{ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} ينصرهم فيخرجهم منها، أو يخفف عنهم من عذابها.

وقوله- تعالى-: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ بيان لما يجأرون به إلى ربهم وهم ملقون في نار جهنم.

ويصطرخون، بمعنى يستغيثون ويضجون بالدعاء رافعين أصواتهم، افتعال من الصراخ، وهو الصياح الشديد المصحوب بالتعب والمشقة، ويستعمل كثيرا في العويل والاستغاثة.

وأصله يصترخون، فأبدلت التاء طاء.

وجملة رَبَّنا أَخْرِجْنا ... مقول لقول محذوف.

أى: وهم بعد أن ألقى بهم في نار جهنم، أخذوا يستغيثون ويضجون بالدعاء والعويل ويقولون: يا ربنا أخرجنا من هذه النار، وأعدنا إلى الحياة الدنيا، لكي نؤمن بك وبرسولك، ونعمل أعمالا صالحة أخرى ترضيك، غير التي كنا نعملها في الدنيا.

وقولهم هذا يدل على شدة حسرتهم، وعلى اعترافهم بجرمهم، وبسوء أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.

وهنا يأتيهم من ربهم الرد الذي يخزيهم فيقول- سبحانه- أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ، وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ....

والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والكلام على إضمار القول، وقوله نُعَمِّرْكُمْ من التعمير بمعنى الإبقاء والإمهال في الحياة الدنيا إلى الوقت الذي كان يمكنهم فيه الإقلاع عن الكفر إلى الإيمان.

وما في قوله ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ نكرة موصوفة بمعنى مدة. والضمير في قوله فِيهِ يعود إلى عمرهم الذي قضوه في الدنيا.

والمعنى: أن هؤلاء الكافرين عند ما يقولون بحسرة وضراعة: يا ربنا أخرجنا من النار وأعدنا إلى الدنيا لنعمل عملا صالحا غير الذي كنا نعمله فيها، يرد عليهم ربهم بقوله لهم على سبيل الزجر والتأنيب: أو لم نمهلكم في الحياة الدنيا، ونعطيكم العمر والوقت الذي كنتم تتمكنون فيه من التذكر والاعتبار واتباع طريق الحق، وفضلا عن كل ذلك فقد جاءكم النذير الذي ينذركم بسوء عاقبة إصراركم على كفركم، ولكنكم كذبتموه وأعرضتم عن دعوته.

والمراد بالنذير: جنسه فيتناول كل رسول أرسله الله- تعالى- إلى قومه، فكذبوه ولم يستجيبوا لدعوته، وعلى رأس هؤلاء المنذرين سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

والفاء في قوله- تعالى-: فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير.

أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم، فاخسئوا في جهنم، واتركوا الصراخ والعويل، وذوقوا عذابها الذي كنتم تكذبون به في الدنيا، فليس للمصرين على كفرهم من نصير ينصرهم، أو يدفع عنهم شيئا من العذاب الذي يستحقونه.

وقوله : ( وهم يصطرخون فيها ) أي : ينادون فيها ، يجأرون إلى الله ، عز وجل بأصواتهم : ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) أي : يسألون الرجعة إلى الدنيا ، ليعملوا غير عملهم الأول ، وقد علم الرب ، جل جلاله ، أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا ، لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون . فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم ، كما قال تعالى مخبرا عنهم في قولهم : ( فهل إلى خروج من سبيل ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا ) [ غافر : 11 ، 12 ] ، أي : لا يجيبكم إلى ذلك لأنكم كنتم كذلك ، ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه; ولهذا قال هاهنا : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) أي : أوما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم ؟

وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هاهنا فروي عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال : مقدار سبع عشرة سنة .

وقال قتادة : اعلموا أن طول العمر حجة ، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر ، قد نزلت هذه الآية : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) ، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة ، وكذا قال أبو غالب الشيباني .

وقال عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن رجل ، عن وهب بن منبه في قوله : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) قال : عشرين سنة .

وقال هشيم ، عن منصور ، عن زاذان ، عن الحسن في قوله : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) قال : أربعين سنة .

وقال هشيم [ أيضا ] ، عن مجاهد ، عن الشعبي ، عن مسروق أنه كان يقول : إذا بلغ أحدكم أربعين سنة ، فليأخذ حذره من الله عز وجل .

وهذه رواية عن ابن عباس فيما قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد قال : سمعت ابن عباس يقول : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) أربعون سنة .

هكذا رواه من هذا الوجه ، عن ابن عباس . وهذا القول هو اختيار ابن جرير . ثم رواه من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس ، كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) ستون سنة .

فهذه الرواية أصح عن ابن عباس ، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضا ، لما ثبت في ذلك من الحديث - كما سنورده - لا كما زعمه ابن جرير ، من أن الحديث لم يصح; لأن في إسناده من يجب التثبت في أمره .

وقد روى أصبغ بن نباتة ، عن علي ، رضي الله عنه ، أنه قال : العمر الذي عيرهم الله به في قوله تعالى : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) ستون سنة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي : حدثنا دحيم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي ، عن ابن أبي حسين المكي ; أنه حدثه عن عطاء - هو ابن أبي رباح - عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله فيه : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ) .

وكذا رواه ابن جرير ، عن علي بن شعيب ، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، به . وكذا رواه الطبراني من طريق ابن أبي فديك ، به . وهذا الحديث فيه نظر; لحال إبراهيم بن الفضل ، والله أعلم .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن رجل من بني غفار ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة ، لقد أعذر الله إليه ، لقد أعذر الله إليه " .

وهكذا رواه الإمام البخاري في " كتاب الرقاق " من صحيحه : حدثنا عبد السلام بن مطهر ، عن عمر بن علي ، عن معن بن محمد الغفاري ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخر عمره حتى بلغه ستين سنة " . ثم قال البخاري : تابعه أبو حازم وابن عجلان ، عن سعيد المقبري .

فأما أبو حازم فقال ابن جرير : حدثنا أبو صالح الفزاري ، حدثنا محمد بن سوار ، أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري الإسكندري ، حدثنا أبو حازم ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ من عمره ] الله ستين سنة ، فقد أعذر إليه في العمر " .

وقد رواه الإمام أحمد والنسائي في الرقاق جميعا عن قتيبة ، عن يعقوب بن عبد الرحمن به .

ورواه البزار قال : حدثنا هشام بن يونس ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " . يعني : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) .

وأما متابعة " ابن عجلان " فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو السفر يحيى بن محمد بن عبد الملك بن قرعة بسامراء ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله عز وجل إليه في العمر " . وكذا رواه الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن هو المقرئ ، به . ورواه أحمد أيضا عن خلف عن أبي معشر ، عن سعيد المقبري .

طريق أخرى عن أبي هريرة : قال ابن جرير : حدثني أحمد بن الفرج أبو عتبة الحمصي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا المطرف بن مازن الكناني ، حدثني معمر بن راشد قال : سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاري يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أعذر الله عز وجل ، إلى صاحب الستين سنة والسبعين " .

فقد صح هذا الحديث من هذه الطرق ، فلو لم يكن إلا الطريق التي ارتضاها أبو عبد الله البخاري شيخ هذه الصناعة لكفت . وقول ابن جرير : ( إن في رجاله بعض من يجب التثبت في أمره ) ، لا يلتفت إليه مع تصحيح البخاري ، والله أعلم .

وذكر بعضهم أن العمر الطبيعي عند الأطباء مائة وعشرون سنة ، فالإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين ، ثم يشرع بعد هذا في النقص والهرم ، كما قال الشاعر :

إذا بلغ الفتى ستين عاما فقد ذهب المسرة والفتاء

ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله إلى عباده به ، ويزيح به عنهم العلل ، كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة ، كما ورد بذلك الحديث ، قال الحسن بن عرفة ، رحمه الله :

حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا في كتاب الزهد ، عن الحسن بن عرفة ، به . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وهذا عجب من الترمذي ، فإنه قد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا من وجه آخر وطريق أخرى ، عن أبي هريرة حيث قال :

حدثنا سليمان بن عمر ، عن محمد بن ربيعة ، عن كامل أبي العلاء ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك " .

وقد رواه الترمذي في " كتاب الزهد " أيضا ، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن محمد بن ربيعة ، به . ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ، وقد روي من غير وجه عنه . هذا نصه بحروفه في الموضعين ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو موسى الأنصاري ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني إبراهيم بن الفضل - مولى بني مخزوم - عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين " .

وبه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقل أمتي أبناء سبعين " . إسناده ضعيف .

حديث آخر في معنى ذلك : قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده :

حدثنا إبراهيم بن هانئ ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا عثمان بن مطر ، عن أبي مالك ، عن ربعي عن حذيفة أنه قال : يا رسول الله ، أنبئنا بأعمار أمتك . قال : " ما بين الخمسين إلى الستين " قالوا : يا رسول الله ، فأبناء السبعين ؟ قال : " قل من يبلغها من أمتي ، رحم الله أبناء السبعين ، ورحم الله أبناء الثمانين " .

ثم قال البزار : لا يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد ، وعثمان بن مطر من أهل البصرة ليس بقوي .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين سنة . وقيل : ستين . وقيل : خمسا وستين سنة . والمشهور الأول ، والله أعلم .

وقوله : ( وجاءكم النذير ) : روي عن ابن عباس ، وعكرمة ، وأبي جعفر الباقر ، وقتادة ، وسفيان بن عيينة أنهم قالوا : يعني الشيب .

وقال السدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني به الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأ ابن زيد : ( هذا نذير من النذر الأولى ) [ النجم : 56 ] . وهذا هو الصحيح عن قتادة ، فيما رواه شيبان ، عنه أنه قال : احتج عليهم بالعمر والرسل .

وهذا اختيار ابن جرير ، وهو الأظهر ; لقوله تعالى : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) [ الزخرف : 77 ، 78 ] ، أي : لقد بينا لكم الحق على ألسنة الرسل ، فأبيتم وخالفتم ، وقال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] ، وقال تبارك وتعالى : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ) [ الملك : 8 ، 9 ] .

وقوله : ( فذوقوا فما للظالمين من نصير ) أي : فذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعماركم ، فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال .

وقوله ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الكفار يستغيثون ويضجون في النار، يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالحًا أي: تعمل بطاعتك (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) قبلُ من معاصيك. وقولهُ(يَصْطَرِخُونَ) يفتعلون من الصراخ؛ حولتْ تاؤها طاءً لقرب مخرجها من الصاد لما ثَقُلت.

وقوله ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) اختلف أهل التأويل في مبلغ ذلك؛ فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) أربعون سنة.

حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله.

وقال آخرون: بل ذلك ستون سنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن ابن خُثَيم عن مجاهد عن ابن عباس ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) قال: ستون سنة.

حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن إدريس قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خُثَيم عن مجاهد عن ابن عباس قال: العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم ستون سنة.

حدثنا علي بن شعيب قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن إبراهيم بن الفضل عن أَبي حسين المكي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إذا كان يومُ القيامةِ نُودِي: أين أبناء الستين، وهو العمر الذي قال الله ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) ".

حدثني أحمد بن الفرج الحمصي قال: ثنا بقية بن الوليد قال: ثنا &; 20-478 &; مطرف بن مازن الكناني قال: ثني معمر بن راشد قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاري يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " لَقدْ أعْذَرَ اللهُ إلَى صاحب السِّتَّين سنة والسَّبعين " .

حدثنا أَبو صالح الفزاري قال: ثنا محمد بن سوار قال: ثنا يعقوب بن عبدٍ القاريُّ الإسكندريُّ قال: ثنا أَبو حازم عن سعيد المقبري عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " منْ عَمَّرهُ اللهُ ستين سنةً فَقَد أعذرَ إليهِ في العُمْرِ".

حدثنا محمد بن سوار قال: ثنا أسد بن حميدٍ عن سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه في قوله ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) قال: العمر الذي عمركم الله به ستون سنة.

وأشبه القولين بتأويل الآية إذ كان الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خبرًا في إسناده بعض من يجب التثبت في نقله، قول من قال ذلك أربعون سنة، لأن في الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عن كماله في حال الأربعين.

وقوله (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) اختلف أهل التأويل في معنى النذير؛ فقال بعضهم: عنى به محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) قال: النذير: النبي، وقرأ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى .

وقيل: عَنى به الشيب.

فتأويل الكلام إذن: أولم نعمركم يا معشر المشركين بالله من قريش من السنين، ما يتذكر فيه من تذكر، من ذوي الألباب والعقول، واتعظ منهم من اتعظ، وتاب من تاب، وجاءكم من الله منذر ينذركم ما أنتم فيه اليوم من عذاب الله، فلم تتذكروا مواعظ الله، ولم تقبلوا من نذير الله الذي جاءكم ما أتاكم به من عند ربكم.

المعاني :

يَصْطَرِخُونَ :       يَصِيحُونَ بِشِدَّةٍ، وَيَسْتَغِيثُونَ السراج
هم يصطرخون :       يستغيثون و يصيحون بشدّة معاني القرآن
النَّذِيرُ :       نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - السراج

التدبر :

عمل
[37] ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ اعمل الآن ما دام عرق الحياة بك ينبض.
وقفة
[37] ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ قال ابن عباس: «نقل: لا إله إلا الله»، أي: نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل.
وقفة
[37] ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ إن قلتَ: الوصفُ بغير الذي كنا نعمل، يوهم أنهم كانوا عملوا صالحًا غير الذي طلبوه، مع أنهم لم يعملوا صالحًا قطُّ بل سيئًا؟ قلتُ: قالوه بزعمهم أنهم كانوا يعملون صالحًا كما قال تعالى: ﴿وهم يحسَبُونَ أنهم يُحْسِنونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: 104]، فمعناه غير الذي كنا نحسبه صالحًا فنعمله.
تفاعل
[37] ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[37] ﴿ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل﴾ أقروا على أنفسهم بالخسران، لكن للأسف ويا للخسارة! بعد فوات الأوان.
وقفة
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم﴾ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَمَّرَهُ اللَّهُ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِى الْعُمُرِ» [أحمد 2/417، وصححه الألباني]، قال ابن حجر: «الإعذار: إزالة العذر، والمعنى: أنه لم يبق له اعتذرًا؛ کأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعل ما أمرت به».
وقفة
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم﴾ قَالَ قَتَادَة: «اعْلَمُوا أَنَّ طُولَ الْعُمُرِ حُجَّةٌ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نُعَيَّرَ بِطُولِ الْعُمُرِ».
وقفة
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم﴾ الوقت أمانة يجب حفظها، فمن ضيعها ندم حين لا ينفع الندم.
عمل
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم﴾ الحياة فرصة واحدة لا ثانية لها، ولا رجعة، فاعمل الآن قبل أن تندم، وتتمنى الرجوع فيغلق عليك الباب.
وقفة
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ قال ابن الجوزي: «إذا انتصف شهر رمضان، فقد ذهب نصف البضاعة في التفريط والإضاعة، والتسويف يمحق ساعة بعد ساعة، والشمس والقمر بحسبان، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ [البقرة:١٨٥]، يا واقفًا في مقام التحيُّر، هل أنت على عزم التغير؟ إلى متى ترضى بالنزول في منزل الهوان، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ [البقرة:١٨٥]».
وقفة
[37] ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ العمر زاد العقلاء إلى التذكر، من لم تزده الأعوام علمًا وعقلًا فقد أهدر نعمة ربه.
وقفة
[37] ليست العبرة بطول العمر وعدد سنينه، ولكن العبرة ببركته وما فيه من خير ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾.
وقفة
[37] إنما حسن طول العمر ونفع؛ ليحصل التذكر والاستدراك، واغتنام الفرص، والتوبة النصوح، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾، فمن لم يورِّثه التعمير وطول البقاء إصلاح معائبه، واغتنام بقية أنفاسه، فيعمل على حياة قلبه، وحصول النعيم المقيم، وإلا؛ فلا خير له في حياته.
وقفة
[37] إلى من عاش إلى هذه اللحظات: تأمل! ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ «من عرف شرف العمر وقيمته لم يفرط في لحظة منه، فلينظر الشاب في حراسة بضاعته، وليحتفظ الكهل بقدر استطاعته، وليتزود الشيخ للحاق جماعته، ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته».
وقفة
[37] هو حديث يتكرر عن مضي عام وقدوم آخر، لكن انظر إلى بعض طرق القرآن وهو يربي أهله -حين يتحدث عن الزمن-! ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾؟! يا له من سؤال! ويا لحسرة المفرطين!
وقفة
[37] ﴿وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ قالوا: «النذير: النبي»، وقالوا: «القرآن»، وقيل: «موت الأحباب»، وقيل: «الشيب»، ففي بعض الآثار: «قالت شعرة وقد ابيضت لجارتها: استعدي للموت، فقد جاءك النذير».

الإعراب :

  • ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال من ضمير الغائبين «هم» في لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. يصطرخون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.فيها: جار ومجرور متعلق بيصطرخون أي وهم يستغيثون او يتصارخون في جهنم مستغيثين. والجملة الفعلية يَصْطَرِخُونَ فِيها» في محل رفع خبر «هم».
  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة. التقدير: يا ربنا منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى ويدعون ربهم قائلين
  • ﴿ أَخْرِجْنا:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به بفعل مضمر اي ويقولون ربنا. اخرجنا: وهي فعل تضرع ودعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون لاتصاله بنا. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به وحذف الجار الصلة لانه معلوم من السياق او لان ما قبله دل عليه. المعنى: اخرجنا من نار جهنم.
  • ﴿ نَعْمَلْ صالِحاً:
  • فعل مضارع مجزوم لانه جواب الطلب وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. صالحا:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو في الأصل صفة-نعت- لموصوف-منعوت-محذوف. المعنى: نعمل عملا صالحا فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه
  • ﴿ غَيْرَ الَّذِي:
  • صفة لكلمة «صالحا» او بدل منها. ويجوز ان تكون صفة ثانية للموصوف المحذوف عملا منصوبا بالفتحة وهي مضافة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة
  • ﴿ كُنّا نَعْمَلُ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. كنا:فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل -ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل رفع اسم «كان» .نعمل:فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.والجملة الفعلية «نعمل» في محل نصب خبر «كان» وحذف العائد-الراجع- الى الموصول وجوبا ومحله النصب لانه مفعول به. التقدير: نعمله.
  • ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ:
  • الجملة الفعلية الاستفهامية في محل نصب مفعول به-مقول القول-بمعنى فيقول لهم او فنقول لهم: ألم نمد في عمركم. الهمزة همزة توبيخ من الله سبحانه لهم بلفظ‍ استفهام. الواو زائدة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. نعمركم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والكاف ضمير متصل- ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون بمعنى «الذي» في محل جر بحرف جر مقدر بمعنى: ألم نمد في عمركم الى الذي يتذكر فيه القابل للتذكر اي الى القدر الذي يتذكر فيه. يتذكر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. فيه: جار ومجرور متعلق بيتذكر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يَتَذَكَّرُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تذكر» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ:
  • الواو عاطفة. وما بعدها معطوف على معنى او لم نعمركم لان لفظه لفظ‍ استخبار ومعناه معنى اخبار بتقدير: قد عمرناكم وجاءكم النذير. جاءكم: فعل ماض مبني على الفتح والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. والميم علامة جمع الذكور. النذير: فاعل مرفوع بالضمة. وهو بصيغة فعيل بمعنى فاعل. بمعنى: جاءكم المنذر ينذركم من العاقبة.
  • ﴿ فَذُوقُوا:
  • الفاء سببية. ذوقوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.وحذف مفعولها لعلم السامع. اي فذوقوا العذاب الذي تستحقون.
  • ﴿ فَما لِلظّالِمِينَ:
  • الفاء استئنافية للتعليل. ما: نافية لا عمل لها. للظالمين:جار ومجرور متعلق بخبر مقدم وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ مِنْ نَصِيرٍ:
  • حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. نصير: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لانه مبتدأ مؤخر اي نصير ينقذهم.'

المتشابهات :

الأعراف: 53﴿فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ
فاطر: 37﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَ لَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ حالَهم في جهنم؛ بَيَّنَ هنا اعترافهم بذنوبهم، وحسرتهم، وندمهم، قال تعالى:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ما يتذكر فيه من تذكر:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ما يذكر فيه من اذكر، بالإدغام، واجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها فى الدرج، وهى قراءة الأعمش.
النذير:
وقرئ:
النذر، جمعا.

مدارسة الآية : [38] :فاطر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[38] إن الله مطَّلع على كل غائب في السموات والأرض، وإنه عليم بخفايا الصدور، فاتقوه أن يطَّلع عليكم، وأنتم تُضْمِرون الشك أو الشرك في وحدانيته، أو في نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو أن تَعْصوه بما دون ذلك.

لما ذكر تعالى جزاء أهل الدارين، وذكر أعمال الفريقين، أخبر تعالى عن سعة علمه تعالى، واطلاعه على غيب السماوات والأرض، التي غابت عن أبصار الخلق وعن علمهم، وأنه عالم بالسرائر، وما تنطوي عليه الصدور من الخير والشر والزكاء وغيره، فيعطي كلا ما يستحقه، وينزل كل أحد منزلته.

ثم ختم- سبحانه- الآيات الكريمة ببيان سعة علمه. فقال: إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

أى: إن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء سواء أكان هذا الشيء في السموات أم في الأرض، إنه- سبحانه- عليم بما تضمره القلوب، وما تخفيه الصدور، وما توسوس به النفوس.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من مظاهر فضله على عباده، وأقام الأدلة على وحدانيته وقدرته، فقال- تعالى-:

يخبر تعالى بعلمه غيب السماوات والأرض ، وأنه يعلم ما تكنه السرائر وتنطوي عليه الضمائر ، وسيجازي كل عامل بعمله .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)

يقول تعالى ذكره: فَذُوقُوا نار عذاب جهنم الذي قد صَلِيتموه أيها الكافرون بالله فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ يقول: فما للكافرين الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها غضب الله بكفرهم بالله في الدنيا من نصير ينصرهم من الله ليستنقذهم من عقابه. وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: إن الله عالم ما تخفون أيها الناس في أنفسكم وتضمرونه، وما لم تضمروه ولم تنووه مما ستنوونه، وما هو غائب عن أبصاركم في السماوات والأرض، فاتقوه أن يطلع عليكم، وأنتم تضمرون في أنفسكم من الشك في وحدانية الله أو في نبوة محمد، غير الذي تبدونه بألسنتكم، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[38] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ إحاطة علم الله بكل شيء.
وقفة
[38] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ علیم بإخلاص المخلصين، وصدق الصادقين، ونفاق المنافقين، وجحود الكافرين، وتوبة المنكسرين، ويجازي على أعمال القلوب کما يجازي على عمل الجوارح.
وقفة
[38] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ شبهة وردها: لما قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: 40]، قال قائل: ما كفر الكافر بالله إلا أياما معدودة، فكان ينبغي ألا يعذب إلا مثل تلك الأيام، فأخبر الله أنه لا يخفى عليه ما في الصدور، ويعلم من الكافر أن كفره قد تمكن من قلبه، بحيث لو عاش إلى الأبد لما أطاع ربه، ولا عبده.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • خبر «ان» مرفوع بالضمة. غيب:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. السموات:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» .وتعرب مثلها.
  • ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل لانه اذا علم ما في الصدور وهو اخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم. عليم:خبر «ان» مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والهار في «انه» ضمير متصل في محل نصب اسم إن.
  • ﴿ بِذاتِ الصُّدُورِ:
  • جار ومجرور متعلق بعليم. الصدور: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة اي عليم بمضمرات الصدور.'

المتشابهات :

فاطر: 38﴿ إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
الحجرات: 18﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ جزاءَ الفَريقَينِ؛ أخبَرَ هنا عن سَعةِ عِلمِه تعالى، وأنَّه عالمٌ بالسَّرائِرِ، فيُعطي كلًّا ما يَستحِقُّه، ويُنزِلُ كُلَّ أحدٍ مَنزِلتَه، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عالم غيب السموات:
1- على الإضافة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- منونا، ونصب «غيب» ، وهى قراءة جناح بن حبيش.

البحث بالسورة

البحث في المصحف