51712131415161718

الإحصائيات

سورة الحجرات
ترتيب المصحف49ترتيب النزول106
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات2.50
عدد الآيات18عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.30
ترتيب الطول54تبدأ في الجزء26
تنتهي في الجزء26عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 5/10يا أيها الذين آمنوا: 2/3

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (12) الى الآية رقم (13) عدد الآيات (2)

3- بعدَ تحريمِ السُّخرِيةِ واللمزِ والتَّنَابزِ بالألقابِ، حرَّمَ هنا سوءَ الظَّنِ والتَّجسسَ والغِيبةَ، وأعلنَ المُساواةَ بينَ الشُّعوبِ، وأنَّ التَّفاضلَ يكونُ بالتَّقوى والعملِ الصالحِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (14) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (5)

ختامُ السُّورةِ بالحديثِ عن الأعرابِ الذينَ ظنُّوا الإيمانَ كلمةً تُقالُ باللسانِ، ثُمَّ الحديثُ عن الإيمانِ وصفاتِ المؤمنينَ، وعلمُ اللَّهِ بكلِّ شيءٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحجرات

آداب التعامل

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سورة الحجرات تبين لنا:: سؤال: كم ستأخذ فى المائة فى أدبك مع الله؟ مع سنة ‏النبي ‏‏ ﷺ ؟ مع أهلك؟ مع عائلتك؟ مع أصحابك؟ مع جيرانك؟ مع إخوانك المسلمين؟ مع كل الناس؟
  • • تضمّنت السورة العديد من الآداب:: كيف تتعامل مع الشرع؟ مع ‏النبي ‏‏ ﷺ ؟ مع المؤمنين؟ مع كل الناس؟ مع الله؟ اليهود فى التوراة المحرفة: «إذا أقرضت أخاك فلا تقرضه بربا، وإذا أقرضت أحدًا من غير إخوانك فأقرضه بربا». الأخلاق عندهم مع اليهود فقط، أما مع غير اليهود فلا توجد أخلاق.وعند المؤمنين فالأخلاق مع الجميع، الكرم، الصدق، الأمانة، أداء الحقوق، الوفاء بالعهد مع الجميع.اثنان من المؤمنين في الهجرة وعدا المشركين بأن يسمحوا لهم أن يذهبوا للمدينة، بشرط ألا يقاتلوا مع ‏النبي ‏‏ ﷺ ، فأمرهم ‏النبي ‏‏ ﷺ أن يوفوا بوعدهم.سورة الحجرات هي سورة الأدب والأخلاق، أدب التعامل وأدب العلاقات.أدب التعامل مع الشرع، ومع النبي ﷺ ، ومع المؤمنين، ومع الناس عامة، ومع الله.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «الحُجُرات».
  • • معنى الاسم :: ‏الحُجُرات: جمع حُجرة، وهي الغرفة في الدار، ‏والمقصود بها هنا: بيوت أزواج النبي ﷺ.
  • • سبب التسمية :: سميت ‏بهذا؛ ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذَكَرَ ‏فيها‏ حرمة بيوت ‏النبي ‏‏ ﷺ ، و‎ذُكِرَ فِيهَا لَفْظُ الْحُجُرَاتِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ... ﴾ آية (4).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الأخلاق أساس بناء المجتمع.
  • • علمتني السورة :: تعظيم النبي ﷺ ، وتوقيره، والتزام توجيهاته وأوامره: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾
  • • علمتني السورة :: عدم نشر الإِشاعات، والتثبت من الأخبار، لاسيما إن كان القائل غير عدل، فكم من كلمةٍ نقلها فاجر فاسق سبَّبت كارثةً من الكوارث: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...﴾
  • • علمتني السورة :: أنه إذا تقاتل طائفتان من المسلمين فعلينا: الدعوة إلى الصلح وهو تحكيم كتاب الله، فإذا لم تقبل إحداهما الصلح وجب على المسلمين قتالها؛ لأنها هي الباغية، فإذا رجعت الباغية وقبلت تحكيم كتاب الله فيجب تطبيق العدل بينهما: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ...﴾

مدارسة الآية : [12] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ..

التفسير :

[12] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيراً من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه.

نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوءبالمؤمنين، فـ{ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه.

{ وَلَا تَجَسَّسُوا} أي:لا تفتشوا عن عورات المسلمين، ولا تتبعوها، واتركواالمسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن أحوالهالتي إذا فتشت، ظهر منها ما لا ينبغي.

{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:{ ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه}

ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال:{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس [غاية الكراهة]، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، [فلتكرهوا] غيبته، وأكل لحمه حيًا.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.

وقوله- تعالى- اجْتَنِبُوا من الاجتناب يقال: اجتنب فلان فلانا إذا ابتعد عنه، حتى لكأنه في جانب والآخر في جانب مقابل.

والمراد بالظن المنهي عنه هنا: الظن السيئ بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان.

قال بعض العلماء ما ملخصه: والظن أنواع: منه ما هو واجب، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح.

فالمحرم: كسوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، ففي الحديث الشريف:

«إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..» وفي حديث آخر: «إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء» .

وقلنا: كسوء الظن بالمسلم المستور الحال ... لأن من يجاهر بارتكاب الخبائث.. لا يحرم سوء الظن به، لأن من عرض نفسه للتهم كان أهلا لسوء الظن به.

والظن الواجب يكون فيما تعبدنا الله- تعالى- بعلمه، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة الصحيحة، كقبول شهادة العدل، وتحرى القبلة..

والظن المباح مثلوا له بالشك في الصلاة حين استواء الطرفين ...

وحرمة سوء الظن بالناس، إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدى إلى الغير، وأما أن تظن شرا لتتقيه، ولا يتعدى أثر ذلك إلى الغير فذلك محمود غير مذموم، وهو محمل ما ورد من أن «من الحزم سوء الظن..» .

أى: يا من آمنتم بالله- تعالى- إيمانا حقا، ابتعدوا ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين، لأن هذه الظنون السيئة التي لا تستند إلى دليل أو أمارة صحيحة إنما هي مجرد تهم، تؤدى إلى تولد الشكوك والمفاسد.. فيما بينكم..

وجاء- سبحانه- بلفظ «كثيرا» منكرا لكي يحتاط المسلم في ظنونه، فيبتعد عما هو محرم منها، ولا يقدم إلا على ما هو واجب أو مباح منها- كما سبق أن أشرنا-.

وقوله- سبحانه-: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل للأمر باجتناب الظن. والإثم:

الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه. يقال: أثم فلان- كعلم- يأثم إثما فهو آثم إذا ارتكب ذنبا. والمراد بهذا البعض المذموم من الظن ما عبر عنه- سبحانه- قبل ذلك بقوله:

اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ.

أى: إن الكثير من الظنون يؤدى بكم إلى الوقوع في الذنوب والآثام فابتعدوا عنه.

قال ابن كثير: ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيرا منه احتياطا.. عن حارثة بن النعمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ثلاث لازمات لأمتى:

«الطيرة والحسد وسوء الظن» : فقال رجل: ما الذي يذهبن يا رسول الله من هن فيه؟

قال: «إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض» .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن المسيب قال: كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه ... .

وقوله- سبحانه-: وَلا تَجَسَّسُوا أى: خذوا ما ظهر من أحوال الناس ولا تبحثوا عن بواطنهم أو أسرارهم. أو عوراتهم ومعايبهم، فإن من تتبع عورات الناس فضحه الله- تعالى-.

فالتجسس مأخوذ من الجس، وهو البحث عما خفى من أمور الناس، وقرأ الحس وأبو رجاء: ولا تحسسوا من الحس، وهما بمعنى واحد. وقيل هما متغايران التجسس- بالجيم- معرفة الظاهر، وأن التحسس- بالحاء- تتبع البواطن وقيل بالعكس..

وعلى أية حال فالمراد هنا من التجسس والتحسس: النهى عن تتبع عورات المسلمين، أخرج أبو داود وغيره عن أبى برزة الأسلمى قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه. لا تتبعوا عورات المسلمين، فإن من تتبع عورات المسلمين، فضحه الله- تعالى- في قعر بيته» .

وعن معاوية بن أبى سفيان قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» .

ثم نهى- سبحانه- بعد ذلك عن الغيبة فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً والغيبة- بكسر الغين- أن تذكر غيرك في غيابه بما يسوءه يقال: اغتاب فلان فلانا، إذا ذكره بسوء في غيبته، سواء أكان هذا الذكر بصريح اللفظ أم بالكناية، أم بالإشارة، أم بغير ذلك.

روى أبو داود وغيره عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أرأيت إن كان في أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه .

ثم ساق- سبحانه- تشبيها ينفر من الغيبة أكمل تنفير فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ. والاستفهام للتقرير لأنه من الأمور المسلمة أن كل إنسان يكره أكل لحم أخيه حيا، فضلا عن أكله ميتا.

والضمير في قوله: فَكَرِهْتُمُوهُ يعود على الأكل المفهوم من قوله يَأْكُلَ ومَيْتاً حال من اللحم أو من الأخ.

أى: اجتنبوا أن تذكروا غيركم بسوء في غيبته، فإن مثل من يغتاب أخاه المسلم كمثل من يأكل لحمه وهو ميت، ولا شك أن كل عاقل يكره ذلك وينفر منه أشد النفور.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة: قوله- تعالى-: أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ.. تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض غيره على أفظع وجه وأفحشه.

وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها: جعل ما هو الغاية في الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها: إسناد الفعل إلى أحدكم، والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها: أنه- سبحانه- لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وإنما جعله أخا، ومنها: أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ وإنما جعله ميتا..

وانتصب «ميتا» على الحال من اللحم أو من الأخ ... وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ فيه معنى الشرط. أى: إن صح هذا فقد كرهتموه- فلا تفعلوه- وهي الفاء الفصيحة .

والحق أن المتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد نفرت من الغيبة بأبلغ أسلوب وأحكمه، لأنها من الكبائر والقبائح التي تؤدى إلى تمزق شمل المسلمين، وإيقاد نار الكراهية في الصدور.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقد أخرج العلماء أشياء لا يكون لها حكم الغيبة، وتنحصر في ستة أسباب:

الأول: التظلم، إذ من حق المظلوم أن يشكو ظالمه إلى من تتوسم فيه إزالة هذا الظلم.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته.

الثالث: الاستفتاء، إذ يجوز للمستفتى أن يقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا..

الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كتجريح الشهود والرواة والمتصدين للإفتاء بغير علم.

الخامس: المجاهرون بالمعاصي وبارتكاب المنكرات، فإنه يجوز ذكرهم بما تجاهروا به..

السادس: التعريف باللقب الذي لا يقصد به الإساءة كالأعمش والأعرج .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بدعوة المؤمنين إلى التوبة والإنابة فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. أى: واتقوا الله- أيها المؤمنون- بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما أمركم- سبحانه- باجتنابه، إن الله- تعالى- كثير القبول لتوبة عباده، الذين يتوبون من قريب، ويرجعون إلى طاعته رجوعا مصحوبا بالندم على ما فرط منهم من ذنوب، ومقرونا بالعزم على عدم العودة إلى تلك الذنوب لا في الحال ولا في الاستقبال، ومستوفيا لكل ما تستلزمه التوبة الصادقة من شروط.

وهو- أيضا- واسع الرحمة لعباده المؤمنين، المستقيمين على أمره.

وبذلك نرى هذه الآية الكريمة قد نهت المسلمين عن رذائل، يؤدى تركها إلى سعادتهم ونجاحهم، وفتحت لهم باب التوبة لكي يقلع عنها من وقع فيها..

وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين، التي اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية..

وجه- سبحانه- نداء إلى الناس جميعا، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده، فقال- سبحانه-:

يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله ; لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ، فليجتنب كثير منه احتياطا ، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا ، وأنت تجد لها في الخير محملا .

وقال أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي قيس النضري ، حدثنا عبد الله بن عمر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول : " ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك . والذي نفس محمد بيده ، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ، ماله ودمه ، وأن يظن به إلا خير . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه .

وقال مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " .

رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، وأبو داود عن العتبي [ ثلاثتهم ] ، عن مالك ، به .

وقال سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " .

رواه مسلم والترمذي - وصححه - من حديث سفيان بن عيينة ، به .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي العدوي ، حدثنا بكر بن عبد الوهاب المدني ، حدثنا إسماعيل بن قيس الأنصاري ، حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال ، عن أبيه ، عن جده حارثة بن النعمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث زمات لأمتي : الطيرة ، والحسد وسوء الظن " . فقال رجل : ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟ قال : " إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فأمض " . وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد قال : أتي ابن مسعود ، رضي الله عنه برجل ، فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا . فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .

سماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا ليث ، عن إبراهيم بن نشيط الخولاني ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي الهيثم ، عن دخين كاتب عقبة قال : قلت لعقبة : إن لنا جيرانا يشربون الخمر ، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم . قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم . قال : ففعل فلم ينتهوا . قال : فجاءه دخين فقال : إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ، وإني داع لهم الشرط فيأخذونهم . قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم . قال : ففعل فلم ينتهوا . قال : فجاءه دخين فقال : إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ، وإني داع لهم الشرط فتأخذهم . فقال له عقبة : ويحك لا تفعل ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها " .

ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن سعد ، به نحوه .

وقال سفيان الثوري ، عن ثور ، عن راشد بن سعد ، عن معاوية قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم " أو : " كدت أن تفسدهم " . فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفعه الله بها . رواه أبو داود منفردا به من حديث الثوري ، به .

وقال أبو داود أيضا : حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن جبير بن نفير ، وكثير بن مرة ، وعمرو بن الأسود ، والمقدام بن معدي كرب ، وأبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس ، أفسدهم " .

[ وقوله ] : ( ولا تجسسوا ) أي : على بعضكم بعضا . والتجسس غالبا يطلق في الشر ، ومنه الجاسوس . وأما التحسس فيكون غالبا في الخير ، كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب [ عليه السلام ] أنه قال : ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) [ يوسف : 87 ] ، وقد يستعمل كل منهما في الشر ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " .

وقال الأوزاعي : التجسس : البحث عن الشيء . والتحسس : الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون ، أو يتسمع على أبوابهم . والتدابر : الصرم . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) فيه نهي عن الغيبة ، وقد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ؟ قال : " ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .

ورواه الترمذي عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . وقال : حسن صحيح . ورواه ابن جرير عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن العلاء . وهكذا قال ابن عمر ، ومسروق ، وقتادة ، وأبو إسحاق ، ومعاوية بن قرة .

وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني علي بن الأقمر ، عن أبي حذيفة ، عن عائشة قالت : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا ! - قال غير مسدد : تعني قصيرة - فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " . قالت : وحكيت له إنسانا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما أحب أني حكيت إنسانا ، وإن لي كذا وكذا " .

ورواه الترمذي من حديث يحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع ، ثلاثتهم عن سفيان الثوري ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي حذيفة سلمة بن صهيبة الأرحبي ، عن عائشة ، به . وقال : حسن صحيح .

وقال ابن جرير : حدثني ابن أبي الشوارب : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، حدثنا حسان بن المخارق ; أن امرأة دخلت على عائشة ، فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : إنها قصيرة - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغتبتيها " .

والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته ، كما في الجرح والتعديل والنصيحة ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر : " ائذنوا له ، بئس أخو العشيرة " ، وكقوله لفاطمة بنت قيس - وقد خطبها معاوية وأبو الجهم - : " أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " . وكذا ما جرى مجرى ذلك . ثم بقيتها على التحريم الشديد ، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ; ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت ، كما قال تعالى : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) ؟ أي : كما تكرهون هذا طبعا ، فاكرهوا ذاك شرعا ; فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير منها ، كما قال عليه السلام ، في العائد في هبته : " كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه " ، وقد قال : " ليس لنا مثل السوء " . وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه عليه السلام ، قال في خطبة [ حجة ] الوداع : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " .

وقال أبو داود : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل المسلم على المسلم حرام : ماله وعرضه ودمه ، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .

ورواه الترمذي عن عبيد بن أسباط بن محمد ، عن أبيه ، به . وقال : حسن غريب .

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن سعيد بن عبد الله بن جريج ، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " .

تفرد به أبو داود . وقد روي من حديث البراء بن عازب ، فقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا إبراهيم بن دينار ، حدثنا مصعب بن سلام ، عن حمزة بن حبيب الزيات ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسمع العواتق في بيوتها - أو قال : في خدورها - فقال : " يا معشر من آمن بلسانه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته " .

طريق أخرى عن ابن عمر : قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي : أخبرنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يحيى بن أكثم ، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني ، عن الحسين بن واقد ، عن أوفى بن دلهم ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ; فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " . قال : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك .

قال أبو داود : وحدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، عن ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن وقاص بن ربيعة ، عن المستورد أنه حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله في جهنم . ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة " . تفرد به أبو داود .

وحدثنا ابن مصفى ، حدثنا بقية وأبو المغيرة قالا حدثنا صفوان ، حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " .

تفرد به أبو داود ، وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامي ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] قال : قلنا : يا رسول الله ، حدثنا ما رأيت ليلة أسري بك ؟ . . . قال : " ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجال ونساء موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم فيحذون منه الحذوة من مثل النعل ثم يضعونه في في أحدهم ، فيقال له : " كل كما أكلت " ، وهو يجد من أكله الموت - يا محمد - لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت : يا جبرائيل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة . فيقال : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) وهو يكره على أكل لحمه .

هكذا أورد هذا الحديث ، وقد سقناه بطوله في أول تفسير " سورة سبحان " ولله الحمد .

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا الربيع ، عن يزيد ، عن أنس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يصوموا يوما ولا يفطرن أحد حتى آذن له . فصام الناس ، فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول : ظللت منذ اليوم صائما ، فائذن لي فأفطر فيأذن له ، ويجيء الرجل فيقول ذلك ، فيأذن له حتى جاء رجل فقال : يا رسول الله ، إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين ، فائذن لهما فليفطرا فأعرض عنه ، ثم أعاد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما صامتا ، وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس ؟ اذهب ، فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا " . ففعلتا ، فقاءت كل واحدة منهما علقة علقة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو ماتتا وهما فيهما لأكلتهما النار " .

إسناد ضعيف ، ومتن غريب . وقد رواه الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن هارون : حدثنا سليمان التيمي قال : سمعت رجلا يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي عن عبيد - مولى رسول الله - أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن رجلا أتى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إن هاهنا امرأتين صامتا ، وإنهما كادتا تموتان من العطش - أراه قال : بالهاجرة - فأعرض عنه - أو : سكت عنه - فقال : يا نبي الله ، إنهما - والله قد ماتتا أو كادتا تموتان . فقال : ادعهما . فجاءتا ، قال : فجئ بقدح - أو عس - فقال لإحداهما : " قيئي " فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح . ثم قال للأخرى : قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح . فقال : إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس .

وهكذا قد رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ، كلاهما عن سليمان بن طرخان التيمي ، به مثله أو نحوه . ثم رواه أيضا من حديث مسدد ، عن يحيى القطان ، عن عثمان بن غياث ، حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان ، عن سعد - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم أمروا بصيام ، فجاء رجل في نصف النهار فقال : يا رسول الله ، فلانة وفلانة قد بلغتا الجهد . فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : " ادعهما " . فجاء بعس - أو : قدح - فقال لإحداهما : " قيئي " ، فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا ، وقال للأخرى مثل ذلك ، فقال : " إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، أتت إحداهما للأخرى فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا " .

وقال البيهقي : كذا قال " عن سعد " ، والأول - وهو عبيد - أصح .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبي أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير عن ابن عم لأبي هريرة أن ماعزا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فأعرض عنه - قالها أربعا - فلما كان في الخامسة قال : " زنيت " ؟ قال : نعم . قال : " وتدري ما الزنا ؟ " قال : نعم ، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا . قال : " ما تريد إلى هذا القول ؟ " قال : أريد أن تطهرني . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر ؟ " . قال : نعم ، يا رسول الله . قال : فأمر برجمه فرجم ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب . ثم سار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مر بجيفة حمار فقال : أين فلان وفلان ؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار " قالا : غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟ قال : " فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه ، والذي نفسي بيده ، إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها " ] إسناده صحيح ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثني أبي ، حدثنا واصل - مولى ابن عيينة - حدثني خالد بن عرفطة ، عن طلحة بن نافع ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتفعت ريح جيفة منتنة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين " .

طريق أخرى : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن سليمان ، عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن جابر قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فهاجت ريح منتنة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن نفرا من المنافقين اغتابوا ناسا من المسلمين ، فلذلك بعثت هذه الريح " وربما قال : " فلذلك هاجت هذه الريح " .

وقال السدي في قوله : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) : زعم أن سلمان الفارسي كان مع رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر يخدمهما ويخف لهما ، وينال من طعامهما ، وأن سلمان لما سار الناس ذات يوم وبقي سلمان نائما ، لم يسر معهم ، فجعل صاحباه يكلمانه فلم يجداه ، فضربا الخباء فقالا : ما يريد سلمان - أو : هذا العبد - شيئا غير هذا : أن يجيء إلى طعام مقدور ، وخباء مضروب ! فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب لهما إداما ، فانطلق فأتى رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] ومعه قدح له ، فقال : يا رسول الله ، بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك ؟ قال : " ما يصنع أصحابك بالأدم ؟ قد ائتدموا " . فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقا حتى أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : لا والذي بعثك بالحق ، ما أصبنا طعاما منذ نزلنا . قال : " إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما " .

قال : ونزلت : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) ، إنه كان نائما .

وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه " المختارة " من طريق حبان بن هلال ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار ، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما ، فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما ، فقالا : إن هذا لنئوم ، فأيقظاه ، فقالا له : ائت رسول الله فقل له : إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام ، ويستأدمانك .

فقال : " إنهما قد ائتدما " فجاءا فقالا : يا رسول الله ، بأي شيء ائتدمنا ؟ فقال : " بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده ، إني لأرى لحمه بين ثناياكما " . فقالا : استغفر لنا يا رسول الله فقال : " مراه فليستغفر لكما " .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا محمد بن مسلم ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمه موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أكل من لحم أخيه في الدنيا ، قرب له لحمه في الآخرة ، فيقال له : كله ميتا كما أكلته حيا . قال : فيأكله ويكلح ويصيح " . غريب جدا .

وقوله : ( واتقوا الله ) أي : فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فراقبوه في ذلك واخشوا منه ، ( إن الله تواب رحيم ) أي : تواب على من تاب إليه ، رحيم بمن رجع إليه ، واعتمد عليه .

قال الجمهور من العلماء : طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ، ويعزم على ألا يعود . وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ، وأن يتحلل من الذي اغتابه . وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ، فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته ، فتكون تلك بتلك ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا أحمد بن الحجاج ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن سليمان ; أن إسماعيل بن يحيى المعافري أخبره أن سهل بن معاذ بن أنس الجهني أخبره ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من حمى مؤمنا من منافق يعيبه ، بعث الله إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم . ومن رمى مؤمنا بشيء يريد شينه ، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " . وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله - وهو ابن المبارك - به بنحوه .

وقال أبو داود أيضا : حدثنا إسحاق بن الصباح ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا الليث : حدثني يحيى بن سليم ; أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول : سمعت جابر بن عبد الله ، وأبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ، إلا خذله الله في مواطن يحب فيها نصرته . وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب فيها نصرته " . تفرد به أبو داود .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, لا تقربوا كثيرا من الظنّ بالمؤمنين, وذلك أن تظنوا بهم سوءا, فإن الظانّ غير محقّ, وقال جلّ ثناؤه : ( اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ) ولم يقل: الظنّ كله, إذ كان قد أذن للمؤمنين &; 22-304 &; أن يظن بعضهم ببعض الخير, فقال : لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ فأذن الله جلّ ثناؤه للمؤمنين أن يظنّ بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه, وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين.

وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثني أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ) يقول: نهى الله المؤمن أن يظنّ بالمؤمن شرّا.

وقوله ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) يقول: إن ظنّ المؤمن بالمؤمن الشرّ لا الخير إثم, لأن الله قد نهاه عنه, ففعل ما نهى الله عنه إثم.

وقوله ( وَلا تَجَسَّسُوا ) يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض, ولا يبحث عن سرائره, يبتغي بذلك الظهور على عيوبه ، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره ، وبه فحمدوا أو ذموا ، لا على ما لا تعلمونه من سرائره.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَلا تَجَسَّسُوا ) يقول: نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَلا تَجَسَّسُوا ) قال: خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ) هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟ هو أن تتبع, أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرّه.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان ( وَلا تَجَسَّسُوا ) قال: البحث.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ) قال: حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه, حتى أعرف حقّ هو, أم باطل؟; قال: فسماه الله تجسسا, قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب، وقرأ قول الله ( وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) وقوله ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) يقول: ولا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقول فيه ذلك أن يقال له في وجهه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك, والأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:

حدثني يزيد بن مخلد الواسطيّ, قال: ثنا خالد بن عبد الله الطحان, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: " سُئل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الغيبة, فقال: هُوَ أنْ تَقُولَ لأخِيكَ ما فِيهِ, فإنْ كُنْتَ صَادِقا فَقَدِ اغْتَبْتَهُ, وَإنْ كُنْتَ كاذِبا فَقَدْ بَهَتَّهُ".

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, بنحوه.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, قال: سمعت العلاء يحدّث, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " هَلْ تَدْرُونَ ما الغيبة؟ قال: قالوا الله ورسوله أعلم; قال: ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا لَيْسَ فِيه, قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول له; قال: إنْ كان فِيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ, وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ ".

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا سعيد بن الربيع, قال: ثنا شعبة, عن العباس, عن رجل سمع ابن عمر يقول: " إذا ذكرت الرجل بما فيه, فقد اغتبته, وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بَهَتَّهُ". وقال شعبة مرّة أخرى: " وإذا ذكرته بما ليس فيه, فهي فِرْية قال أبو موسى: هو عباس الجَريريّ.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن سليمان, عن عبد الله بن مرّة, عن مسروق قال: إذا ذكرت الرجل بأسوأِ ما فيه فقد اغتبته, وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, قال: إذا قلت في الرجل ما ليس فيه فقد بَهَته.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عمر بن عبيد, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, قال الغيبَة: أن يقول للرجل أسوأ ما يعلم فيه, والبهتان: أن يقول ما ليس فيه.

حدثنا يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني معاوية بن صالح, عن كثير بن الحارث, عن القاسم, مولى معاوية, قال: سمعت ابن أمّ عبد يقول: ما التقم أحد لقمة أشرّ من اغتياب المؤمن, إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه, وإن قال فيه ما لا يعلم فقد بَهَتَه.

حدثنا أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: إذا ذكرت الرجل بما فيه فقد اغتبته, وإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, قال: سمعت يونس, عن الحسن أنه قال في الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه من مساوئ أعماله, فإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان.

حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: ثنا عبد الواحد بن زياد, قال: ثنا سليمان الشيبانيّ, قال: ثنا حسان بن المخارق " أن امرأة دخلت على عائشة; فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, أي أنها قصيرة, فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: اغْتَبْتِها ".

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا شعبة, عن أبي إسحاق, قال: لو مرّ بك أقطع, فقلت: ذاك الأقطع, كانت منك غيبة; قال: وسمعت معاوية بن قرة يقول ذلك.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, قال: سمعت معاوية بن قُرة يقول: لو مرّ بك رجل أقطع, فقلت له: إنه أقطع كنت قد اغتبته, قال: فذكرت ذلك لأبي إسحاق الهمداني فقال: صدق.

حدثني جابر بن الكرديّ, قال: ثنا ابن أبي أويس, قال: ثني أخي أبو بكر, عن حماد بن أبي حميد, عن موسى بن وردان, عن أبي هريرة " أن رجلا قام عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فرأوا في قيامه عجزا, فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلانا, فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أكَلْتُم أخاكُمْ واغَتَبْتُمُوه ".

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا حبان بن عليّ العنـزيّ عن مثنى بن صباح, عن عمرو بن شعيب, عن معاذ بن جبل, قال: " كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فذكر القوم رجلا فقالوا: ما يأكل إلا ما أطعم, وما يرحل إلا ما رحل له, وما أضعفه; فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: اغْتَبْتُمْ أخاكُمْ, فقالوا يا رسول الله وغيبته أن نحدّث بما فيه؟ قال: بحَسْبِكُمْ أنْ تُحَدِّثُوا عن أخِيكُمْ ما فِيه ".

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا خالد بن محمد, عن محمد بن جعفر, عن العلاء, عن أبيه, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إذَا ذَكَرْتَ أخاكَ بما يَكْرَهُ فإنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ, وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ".

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: " كنا نحدّث أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه, وتعيبه بما فيه, وإن كذبت عليه فذلك البهتان ".

وقوله ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) يقول تعالى ذكره للمؤمنين أيحبّ أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته ميتا, فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه, لأن الله حرّم ذلك عليكم, فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه في حياته, فاكرهوا غيبته حيا, كما كرهتم لحمه ميتا, فإن الله حرّم غيبته حيا, كما حرم أكل لحمه ميتا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) قال: حرّم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء, كما حرّم المَيْتة.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) قالوا: نكره ذلك, قال: فكذلك فاتقوا الله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) يقول: كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها, فكذلك فاكره غيبته وهو حيّ.

وقوله ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله أيها الناس, فخافوا عقوبته بانتهائكم عما نهاكم عنه من ظنّ أحدكم بأخيه المؤمن ظنّ السوء, وتتبع عوراته, والتجسس عما ستر عنه من أمره, واغتيابه بما يكرهه, تريدون به شينه وعيبه, وغير ذلك من الأمور التي نهاكم عنها ربكم ( إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) يقول: إن الله راجع لعبده إلى ما يحبه إذا رجع العبد لربه إلى ما يحبه منه, رحيم به بأن يعاقبه على ذنب أذنبه بعد توبته منه.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) فقرأته عامة قرّاء المدينة بالتثقيل ( مَيِّتا ), وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة ( مَيْتا ) بالتخفيف, وهما قراءتان عندنا معروفتان متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

المعاني :

كثيرًا من الظنّ :       هو ظنّ السوء بأهل الخير معاني القرآن
وَلَا تَجَسَّسُوا :       لَا تُفَتِّشُوا عَنْ عَوْرَاتِ المُسْلِمِينَ السراج
لا تجسّـسوا :       لا تتبعوا عوْرات المسلمين معاني القرآن
وَلَا يَغْتَبْ :       لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ فِي أَخِيهِ الغَائِبِ مَا يَكْرَهُ السراج
فكرهتموه :       فقد كرهتموه فلا تفعلوه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ فيه تحريم ظن السوء بأهل الخير, وفيه تحريم التجسس، وهو تتبع عورات الناس، ومنه الاستماع إلي حديث القوم وهم له كارهون.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ جرَّبتُ سوءَ الظن بالناس وحسن الظن بهم؛ فوجدت الأول قطعةً من لهب النار، والثاني نسيمًا من نعيم الجنة، تمشي به بين الناس محبوبًا متفائلًا نشيطًا باذلًا.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ ضابط الظنون الواجب اجتنابها: أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حرامًا واجب الاجتناب.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ قال الآلوسي: «ويُشترط في حرمة هذا أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة، وأما من يتعاطى الرّيّب والمجاهرة بالخبائث، كالدخول والخروج إلى حانات الخمر وصحبة الغواني الفاجرات وإدمان النظر إلى المرد، فلا يحرم ظن السوء فيه».
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ قال حجة الإسلام الغزالي في (الإحياء) في بيان تحريم الغيبة بالقلب: «اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدِّث نفسك، وتسيء الظن بأخيك، وسبب تحريمه: أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشفت لك بعيان لا يقبل التأويل».
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ اضبط بوصلة قلبك علي الأعذار، وروضه علي حسن الظن.
وقفة
[12] لا شيء يُسمم الحياة كأشخاص رضعوا سوء الظن حتى أنضج خلايا عقولهم! ﴿يا أيها الذِين آمنوا اجتنِبوا كثيرًا منَ الظَّنِّ﴾.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ أمر الله المؤمنين أن يجتنبوا الظن، وكأنه شيء ماثل للعيان يمر عليه الإنسان، فعلى العاقل أن يجتنبه تمامًا؛ لأن بعض هذا الظن أي القليل منه إثم، فلأجل هذا القليل يُترك الكثير، ولو أن الناس أخذوا بهذا التوجيه واجتنبوا الظن -إلا فيما غلبت أدلته- فلم يفكروا فيه؛ لأراحوا واستراحوا.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ هذه الآية أصلٌ في سد الذرائع وتعليم الورع؛ فلأجل بعض الظن نجتنب كثيره!
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ هذا فى المخلوق؛ فكيف بالخالق؟!
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ لخطورة الظن عليك بترك كثيره خوفًا من الإثم.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ كَمْ أفسَد سُوء الظن وهدم علاقات بين الأقارب والأصدقاء! لذلك جعل اللهُ مِن بعض الظَّن إثم وأمرَنَا باجتنابه.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ ما أحوجنا إلى إحسان الظن بالآخرين، والتماس الأعذار لهم، وعدم التسرع بالحكم على تصرفاتهم ومواقفهم!
وقفة
[12] ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجتَنِبوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ﴾ لا تحكم على الآخرين من أول نظرة، فلا يوجد فرق بين لون الملح ولون السكر، لكن ستعرف الفرق بعد التجربة.
وقفة
[12] ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجتَنِبوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ﴾ لاحظوا كلمة (كَثيرًا)، وتأملوا أن النداء فى الآية للذين آمنوا؛ فالإيمان الصحيح يحتاج مجاهدة للنفس أولًا.
وقفة
[12] اجتناب الكثير مخافة الوقوع في القليل فيه تغليب جانب السلامة والتزام الورع، وكذلك اجتناب القليل مخافة الوقوع في الكثير دليل على الورع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ﴿كَثِيرًا﴾ مِنَ الظَّنِّ إِنَّ ﴿بَعْضَ﴾ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
وقفة
[12] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهى النبي ﷺ عن ذلك، وإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حرامًا واجب الاجتناب.
وقفة
[12] التحذير من الذنب وسببه واضح في كتاب الله، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾، فانظر لهذا الترتيب: إذا ظن الإنسان بأخيه شيئًا تجسس عليه؛ فإذا تجسس صار يغتابه.
عمل
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ تذكَّرْ شخصًا أسأتَ به الظَّنَّ، وابحَثْ له عن عذرٍ.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ سوء الظن بأهل الخير معصية، ويجوز الحذر من أهل الشر بسوء الظن بهم.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ لكي يمتلئ المؤمن يقينًا.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ الظنون التي روعت الناس من حولنا، وجعلتهم يدفنون كلماتهم في أعماقهم خوفًا منا.
وقفة
[12] ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن﴾ الاشتغال بسرائر الناس يفتح باب سوء الظن وظلم الخلق.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ القرآن يُربِّي النفس على تجنَّب الظن السيء، فهو سبب لأكثر الخلافات بين النّاس.
عمل
[12] لا تظن بنفسك الخير، وبإخوانك الشر، فهم جزء منك، ظن بهم ما تظن بنفسك ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾.
عمل
[12] ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم﴾ أحسن ظنَّك وعِش عفويتك، تاركًا لحسادك إثم الظنون، فلك حسناتهم، ويحملون من ذنوبك، وعليهم إثم ما يفترون.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وليس كله، الظن المذموم هو الذي ليس له أساس، أما إذا اجتهد المجتهد وغلب على ظنه أمر له أمارات وعمل به فلا يذم لاستفراغه طاقته.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ قال سفيان الثوري: «الظن ظنان: أحدهما: إثم، وهو أن تظن وتتكلم به، والآخر: ليس بإثم، وهو أن تظن وﻻ تتكلم».
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ قال أحد السلف: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك السوء وأنت تجد لها في الخير محملًا».
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ إن كان بعضه فقط إثم؛ فلم أمرنا باجتناب أكثره؟ لأن الظن بعضه إثم؛ والآخر قاتل لأنه صحيح.
عمل
[12] راقب حروفي كما تشاء ولكن لا تفسرها كما تشاء ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
عمل
[12] أشققت عن قلبه! اردع بها ظنك السيئ عن عباده ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم﴾.
وقفة
[12] أكثر ما يُفسد الناس ظنون السوء بلا بيِّنة، فنهى الله عن سوء الظنِّ كله لشدَّة الإفساد ببعضه ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
وقفة
[12] القرآن ينمي فينا النظرة الإيجابية بالعفو وجمال المنطق وحسن الظن، خذ العفو وقولوا للناس حسنًا ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
وقفة
[12] ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ قال الآلوسى: «جاء الأمر أولًا باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم وهو الظن، ثم نهى ثانيًا عن طلب تحقيق ذلك الظن ليصير علمًا بقوله: (وَلَا تَجَسَّسُوا)، ثم نهى ثالثًا عن ذِكر ذلك إذا عُلِم، فهذه أمور ثلاثة مترتبة، ظن، فعلم بالتجسس، فاغتياب».
وقفة
[12] سوء الظن يجر صاحبه للغيبة، ولو امتنع العبد عن الأولى عصمه الله من الثانية ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن ... ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا﴾.
وقفة
[12] المراتب ثلاث: ﴿اجتنبوا كثيراً من الظن﴾، ﴿ولا تجسسوا﴾، ﴿ولا يغتب بعضكم بعضًا﴾ إذا ساء الظن وكان في غير محله؛ أتى بعده التجسس، ثم قد يغتاب، فالظن السيئ مدعاة للتجسس، والتجسس مدعاة للغيبة.
وقفة
[12] ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ قال سفيان الثوري: «الظَّنُّ ظنَّان: أحدهما إثم، وهو أن تظنّ وتتكلَّم به، والآخر ليس بإثم، وهو أنْ تظنَّ ولا تتكلَّم».
وقفة
[12] ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ ما دام ثبت عندك يقينًا استقامة أي مسلم؛ فلا يجوز لك أن تنتقل من هذا اليقين إلى الظن السيئ.
وقفة
[12] ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (بعض) الظن وليس (كل) الظن، فبعضها في محلها لوجود إمارات على ذلك، قال ابن كثير معلقًا على صفات المنافقين في سورة البقرة: «من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير».
وقفة
[12] ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ سوء الظن إن أصبت فيه لا تؤجر، وإن أخطأت فيه تأثم، وفى كلا الحالتين تتكدر.
وقفة
[12] ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ سوءُ الظنِّ، والتجسُّسُ، والغيبةُ كلها اعتداءً على شخص المسلم الغائب، جمعها الله في آية لاشتراك غاياتها.
وقفة
[12] ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ وقرأ الحسن وابن سيرين (ولا تحسَّسُوا)، قيل: التجسس بالجيم: تتبع الظواهر، وبالحاء تتبع البواطن.
وقفة
[12] كم هدمت الظنون السيئة من بيتٍ؟ وكم حطَّمت من قلبٍ؟ يعمد الواحد منَّا عند وجود أدنى شكٍّ بالتجسس أو الاختبار برسالة جوال أو بتدبير اتصال، وهذا كله بنص القرآن محرَّم ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وفي الحديث: «وَلا تَحَسَّسُوا» [البخاري 5143].
وقفة
[12] التنبيش في مستنقعات الآخرين لا يهبك الطهر ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾.
وقفة
[12] ﴿وَلا تَجَسَّسوا﴾ يدخل تحت هذه الكلمة كل من يستحل حرمات الغير بالإطلاع عليها بدون علم صاحبها.
وقفة
[12] ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ: ﺿَﺒﻂ ﺻﻮﺗﻨﺎ: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ [لقمان: 19]، وضبط مجالسنا: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]، ﻭﺿﺒﻂ ﻣﺸﻴﺘﻨﺎ: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [37]، ﻭﺿﺒﻂ ﻧﻈﺮﺍﺗﻨﺎ: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا﴾ [طه: 131]، ﻭﺿﺒﻂ ﺳﻤﻌﻨﺎ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، ﻭﺿﺒﻂ ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: 31]، ﻭﺿﺒﻂ ﺃﻟﻔﺎﻇﻨﺎ: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]؛ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻔﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﻀﺒﻂ ﺣﻴﺎﺗﻚ.
وقفة
[12] اللاءات الخمس لتجنب تدمير للعلاقات: لا يسخر، لا تلمزوا، لا تنابزوا، لا تجسسوا، لا يغتب.
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِى مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» [مسلم 2589].
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» [البخاري 1361]، ولذا قال قتادة: «ذكر لنا أنَّ عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول».
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ قال الغزالي: «والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا وغربًا ويمينًا وشمالًا».
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح، قال: «كيف هو إذا ذُكر عنده إخوانُه؟»، فإن قالوا: «إنه ينتقصهم، وينال منهم»، قال عمر: «ليس هو كما تقولون»، وإن قالوا: «إنه يذكر منهم جميلًا وخيرًا ويحسن الثناء عليهم»، قال: «هو كما تقولون إن شاء الله».
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِىِّ ﷺ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا (تَعْنِى قَصِيرَةً)، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ». [أبو داود 4875، وصححه الألباني]، ومعنى مرَجَتُه: أي خالطته مخالطة يتغيّر بها طعم البحر كله أو ريحه لشدة قبحها.
اسقاط
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ هل تعلم نهيًا في القرآن انتهك مثل هذا؟! وماذا عنك؟!
وقفة
[12] ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ صورة المغتاب لأخيه كصورة من ﴿يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ هل استشعرنا هذه الصورة العفنة المثيرة للأشمئزاز عندما نتكلم في أعراض الناس؟! لابد أن تتراءى لنا هذه الصورة حتى نكفَّ عن الغيبة.
وقفة
[12] ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ من تغتابه هو بعضك، فإياك أن تأكل من جسدك ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
وقفة
[12] ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ لأن يعض الإنسان على حجر خير له من أن يغتاب أخاه.
وقفة
[12] ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ نفوس بشعة حقًّا, يا للصورة المروعة, جثمان ميت وأسنان وأيد ملطخة بالدماء.
وقفة
[12] ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ لا يغرنك كثرة الرتويت لسخرية أطلقتها بأحدهم، بين وجوههم الضاحكة؛ تذكر مشهد الجيفة الميتة.
وقفة
[12] ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ كم نحن بشعون حقًّا!
وقفة
[12] ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ سر محبة الناس لك؛ أنك لا تقول عنهم إلا الجميل في غيابهم، لله أنت كم أحبك!
وقفة
[12] ﴿يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ﴾ فجعل جهة التحريم كونه أخًا أخوة الإيمان، ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن؛ فكلما كان أعظم إيمانًا كان اغتيابه أشد.
وقفة
[12] وقال: ﴿مَيْتًا﴾؛ لأن الميت لا يُحِسُّ، ‏وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب، ثم هو في التحريم كأكل لحم المَيّتِ.
وقفة
[12] ﴿إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ تواب يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه بقبول توبته، رحيم بعباده حيث دعاهم إلى ما ينفعهم وقبل منهم التوبة.
وقفة
[12] ﴿إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ لما كانت الغيبة تكثر بين الناس ختمت آية التحذير منها باسم الله التواب، وهو صيغة مبالغة على وزن فعال يغفر كل الذنوب مهما كثرت وعظمت.
وقفة
[12] ضَرَبَ المثل لأخذه في العِرْضِ بأكل اللّحْمِ؛ لأن اللّحْمَ سِتْرٌ على العظم، والشَّاتِمُ لأخيه كأنه يُقَشّرُ ويكشف ما عليه من ستر.
وقفة
[12] قال أبو قلابة الرقاشي: سمعت أبا عاصم يقول: «ما اغتبت أحدًا مذ عرفت ما في الغيبة»، وكان ميمون لا يغتاب أحدًا، ولا يدع أحدًا يغتاب أحدًا عنده؛ ينهاه فإن انتهى وإلا قام.
وقفة
[12] مثل الله الغيبة بأكل الميتة؛ لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه، وقال ابن عباس: «إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة؛ لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس»، وقال قتادة: «كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا؛ كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيًا».
وقفة
[12] قال عمر بن الخطاب t: «إياكم وذكر الناس فإنه داء، وعليكم بذكر الله فإنه شفاء»، وسمع علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلًا يغتاب آخر، فقال: «إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس»، وقيل لعمرو بن عبيد: «لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك»، قال: «إياه فارحموا»، وقال رجل للحسن: «بلغني أنك تغتابني» فقال: «لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي».
عمل
[12] تذكر رجلًا اغتبته واستغفر الله له وادع له.
وقفة
[12] تأمل كيف نَفَّر القرآن من الغيبة على أبلغ وجه، إذ جعل المحبة متجهًا إلى ما لا يميل إليه الطبع -وهو أكل لحم الميت-، وزاد الصورة شناعة أن جعل الميت إنسانًا، وأخًا لمن يأكله! ولا يقارف ذلك إلا حيوان متوحش، لا يخضع لتشريع، ولا عهد له بتهذيب.
وقفة
[12] اكرهوا غيبته حيًّا كما كرهتم لحمه ميتًا؛ فإن الله حرم غيبته حيًا كما حرم أكل لحمه ميتًا.
وقفة
[12] الأفواه التي تقتات على جيف الموتى لا يمكن أن تقول شيئا يصنع الحياة.
وقفة
[12] أتأكل دجاجة مذبوحة قبل طبخها؟! فكيف لو كانت ميتة؟! فكيف بلحم آدمي ميت؟! فإن غيبتك أخاك كأكلك لحمه ميتًا.
وقفة
[12] لا يأكل لحوم الناس بغيبة وبهتان إلا ذو نفس دنيئة، فلتكن أنت من المأكولين وإياك أن تكون من اﻵكلين.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اعربت في الآية الكريمة الاولى.
  • ﴿ اجْتَنِبُوا:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. من الظن:جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من كثيرا و «من» حرف جر بياني بمعنى ابتعدوا وتجنبوا.
  • ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل تفيد هنا التعليل.بعض: اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الظن: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. إثم: خبر «ان» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تجسسوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة واصله تتجسسوا وحذفت احدى التاءين اختصارا بمعنى:ولا يتجسس بعضكم على بعض.
  • ﴿ وَلا يَغْتَبْ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. يغتب: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره واصله: يغتاب. حذفت الالف لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ بَعْضُكُمْ بَعْضاً:
  • فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.بعضا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ:
  • اسلوب استفهام فيه تصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على افظع وجه وافحشه ويضيف الزمخشري في تفسيره بقوله الذي اذكره استزادة في فهم المقصود بهذا القول الكريم: فيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ومنها اسناد الفعل الى احدكم والاشعار بأن احدا من الاحدين لا يحب ذلك، ومنها ان لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الانسان حتى جعل الانسان أخا، ومنها ان لم يقتصر على أكل لحم الاخ حتى جعل ميتا. يحب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. احد:فاعل مرفوع بالضمة و «كم» اعربت في «بعضكم».
  • ﴿ أَنْ يَأْكُلَ:
  • حرف مصدرية ونصب. يأكل: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اخيه:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه من الاسماء الخمسة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. ميتا: حال من اللحم ويجوز ان يكون من الاخ منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي وهو ميت.
  • ﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ:
  • المعنى: فقد كرهتموه وفيه معنى الشرط‍: اي ان صح هذا فكرهتموه وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى: فكرهتم أكله
  • ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ:
  • الواو عاطفة. اتقوا الله: تعرب اعراب اِجْتَنِبُوا كَثِيراً».
  • ﴿ إِنَّ اللهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ:
  • تعرب اعراب إِنَّ بَعْضَ». تواب: خبر «ان» مرفوع بالضمة وهو من صيغ المبالغة «فعال» اي كثير التوبة لمن يتوب عليه من عباده. رحيم: خبر ثان لان خبر بعد خبر او يكون صفة-نعتا- لتوّاب مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ٤- سُوء الظن. ٥- التجسس. ٦- الغيبة (النداءُ الخامسُ)، قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولَمَّا أمَرَ اللهُ بصَونِ عِرضِ المسلِمِ غايةَ الصِّيانةِ، ونهى عن الخَوضِ فيه بالظَّنِّ، فإنْ قال الظَّانُّ: أبحَثُ لِأتحقَّقَ؛ قيل له: وَلَا تَجَسَّسُوا ولَمَّا نهى اللهُ عن التجسس؛ فإنْ قال الظَّانُّ: تحقَّقْتُ مِن غيرِ تجسُّسٍ، قيل له: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ولَمَّا نهى اللهُ عن الغيبة؛ ضربَ لها مثلًا؛ للتنفير والتحذير منها، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولا تجسسوا:
1- بالجيم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالحاء، وهى قراءة الحسن، وأبى رجاء، وابن سيرين.
فكرهتموه:
1- بفتح الكاف وتخفيف الراء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الكاف وتشديد الراء، وهى قراءة أبى سعيد الخدري وأبى حيوة.

مدارسة الآية : [13] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم ..

التفسير :

[13] يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوباً وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضاً، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم.

يخبر تعالى أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله [تعالى] بث منهما رجالاً كثيرا ونساء، وفرقهم، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي:قبائل صغارًا وكبارًا، وذلك لأجل أن يتعارفوا، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف، ولحوق الأنساب، ولكن الكرم بالتقوى، فأكرمهم عند الله، أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله، ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلا، بما يستحق.

وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب، مطلوبة مشروعة، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل ذلك.

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى هند- وكان حجاما للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، نزوج بناتنا- موالينا- أى: عبيدنا، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية .

والمراد بالذكر والأنثى: آدم وحواء. أى: خلقناكم جميعا من أب واحد ومن أم واحدة، فأنتم جميعا تنتسبون إلى أصل واحد، ويجمعكم وعاء واحد، وما دام الأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالأحساب والأنساب.

قال الآلوسى: أى خلقناكم من آدم وحواء، فالكل سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب، كما قال الشاعر:

الناس في عالم التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء

وجوز أن يكون المراد هنا: إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه، والكلام مساق له.. .

وقوله: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا.... بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة، وللحكمة من ذلك.

والشعوب: جمع شعب، وهو العدد الكثير من الناس يجمعهم- في الغالب أصل واحد.

والقبائل: جمع قبيلة وتمثل جزءا من الشعب، إذ أن الشعب مجموعة من القبائل.

قال صاحب الكشاف: والشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب.

وهي: الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة.. وسميت الشعوب بذلك، لأن قبائل تشعبت منها.. .

والمعنى: خلقناكم- أيها الناس- من ذكر وأثنى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لِتَعارَفُوا أى: ليعرف بعضكم نسب بعض، فينتسب كل فرد إلى آبائه، ولتتواصلوا فيما بينكم وتتعاونوا على البر والتقوى، لا ليتفاخر بعضكم على بعض بحسبه أو نسبه أو جاهه.

وقوله- سبحانه-: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ تعليل لما يدل عليه الكلام من النهى عن التفاخر بالأنساب.

أى: إن أرفعكم منزلة عند الله، وأعلاكم عنده- سبحانه- درجة.. هو أكثركم تقوى وخشية منه- تعالى- فإن أردتم الفخر ففاخروا بالتقوى وبالعمل الصالح.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بكل أحوالكم خَبِيرٌ بما ترونه وتعلنونه من أقوال وأفعال.

وقد ساق الإمام ابن كثير- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية. جملة من الأحاديث التي تنهى عن التفاخر، وتحض على التقوى، فقال: فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله ورسوله..

روى البخاري- بسنده- عن أبى هريرة قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أى الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم أتقاهم قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألونى؟

قالوا: نعم. قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا» .

وروى مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: «يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبيّة الجاهلية- أى تكبرها، وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل يرتقى كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله. إن الله- تعالى- يقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى.. ثم قال: «أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم» .

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالرد على الأعراب الذين قالوا آمنا، دون أن يدركوا حقيقة الإيمان، وبين من هم المؤمنون الصادقون.

فقال- تعالى-:

يقول تعالى مخبرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ، وهما آدم وحواء ، وجعلهم شعوبا ، وهي أعم من القبائل ، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك .

وقيل : المراد بالشعوب بطون العجم ، وبالقبائل بطون العرب ، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل . وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب : " الإنباه " لأبي عمر بن عبد البر ، ومن كتاب " القصد والأمم ، في معرفة أنساب العرب والعجم " . فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ; ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا ، منبها على تساويهم في البشرية : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) أي : ليحصل التعارف بينهم ، كل يرجع إلى قبيلته .

وقال مجاهد في قوله : ( لتعارفوا ) ، كما يقال : فلان بن فلان من كذا وكذا ، أي : من قبيلة كذا وكذا .

وقال سفيان الثوري : كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها ، وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها .

وقد قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي ، عن يزيد - مولى المنبعث - عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ; فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقوله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) أي : إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب . وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

قال البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس أكرم ؟ قال : " أكرمهم عند الله أتقاهم " قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : " فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله " . قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : " فعن معادن العرب تسألوني ؟ " قالوا : نعم . قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .

وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان . ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله - وهو ابن عمر العمري - به .

حديث آخر : قال مسلم ، رحمه الله : حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .

ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ، عن كثير بن هشام ، به .

حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن بكر ، عن أبي ذر قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " انظر ، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى . تفرد به أحمد .

حديث آخر : وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة ، حدثنا عبيد بن حنين الطائي ، سمعت محمد بن حبيب بن خراش العصري ، يحدث عن أبيه : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : المسلمون إخوة ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى "

حديث آخر : قال أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا قيس - يعني ابن الربيع - عن شبيب بن غرقدة ، عن المستظل بن حصين ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلكم بنو آدم . وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " .

ثم قال : لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن زكريا القطان ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده ، فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل - صلى الله عليه وسلم - على أيدي الرجال ، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبهم على راحلته ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : " يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله . إن الله يقول : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) ثم قال : " أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .

هكذا رواه عبد بن حميد ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد ، كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملأه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا " .

وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، به ولفظه : " الناس لآدم وحواء ، طف الصاع لم يملئوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .

وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة زوج درة ابنة أبي لهب ، عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " خير الناس أقرؤهم ، وأتقاهم لله عز وجل ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو الأسود ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : ما أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من الدنيا ، ولا أعجبه أحد قط ، إلا ذو تقى . تفرد به أحمد رحمه الله .

وقوله : ( إن الله عليم خبير ) أي : عليم بكم ، خبير بأموركم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، ويفضل من يشاء على من يشاء ، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله . وقد استدل بهذه الآية الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة ، من ذهب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ، ولا يشترط سوى الدين ، لقوله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وذهب الآخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في " كتاب الأحكام " ولله الحمد والمنة . وقد روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجلا من بني هاشم يقول : أنا أولى الناس برسول الله . فقال : غيرك أولى به منك ، ولك منه نسبه .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال, وماء أنثى من النساء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام, قال: ثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا عثمان بن الأسود, عن مجاهد, قال: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة, وقد قال تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ).

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, قال: ثنا عثمان بن الأسود, عن مجاهد, قوله ( إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) قال: ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا, لأن الله يقول ( خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ).

وقوله ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) يقول: وجعلناكم متناسبين, فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا, وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبًا; فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب, وذلك إذا قيل للرجل من العرب: من أيّ شعب أنت؟ قال: أنا من مضر, أو من ربيعة. وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل, وهم كتميم من مضر, وبكر من ربيعة, وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم, ونحو ذلك, ومن الشَّعْب قول ابن أحمر الباهلي:

مِـن شَـعْبِ هَمْدانَ أوْ سَعْدِ العَشِيرَة أوْ

خَـوْلانَ أو مَذْحِـجٍ هَـاجُوا لَـهُ طَرَبا (1)

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا أبو بكر بن عياش, قال: ثنا أبو حُصين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: الجُمَّاع والقبائل: البطون.

حدثنا خلاد بن أسلم, قال: ثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: الجُمَّاع. قال خلاد, قال أبو بكر: القبائل العظام, مثل بني تميم, والقبائل: الأفخاذ.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن عطية, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَير ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: الجمهور, والقبائل: الأفخاذ.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( شُعُوبًا ) قال: النسب البعيد.( وَقَبَائِلَ ) دون ذلك.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: النسب البعيد, والقبائل كقوله: فلان من بني فلان, وفلان من بني فلان.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة.( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا ) قال: هو النسب البعيد. قال: والقبائل: كما تسمعه يقال: فلان من بني فلان.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا ) قال: أما الشعوب: فالنسب البعيد.

وقال بعضهم: الشعوب: الأفخاذ.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبير ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: الأفخاذ, والقبائل: القبائل.

وقال آخرون: الشعوب: البطون, والقبائل: الأفخاذ.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يحيى بن طلحة, قال: ثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: البطون, والقبائل: الأفخاذ الكبار.

وقال آخرون: الشعوب: الأنساب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس : ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ) قال: الشعوب: الأنساب.

وقوله ( لِتَعَارَفُوا ) يقول: ليعرف بعضكم بعضا في النسب, يقول تعالى ذكره: إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس, ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده, لا لفضيلة لكم في ذلك, وقُربة تقرّبكم إلى الله, بل أكرمكم عند الله أتقاكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) قال: جعلنا هذا لتعارفوا, فلان بن فلان من كذا وكذا.

وقوله ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم, أشدّكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد, عن عليّ بن رباح, عن عقبة بن عامر, عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " النَّاسُ لآدَمَ وَحَوَّاءَ كَطَفِّ الصَّاعِ لَمْ يَمْلأوهُ, إنَّ اللّهُ لا يسألُكُمْ عَنْ أحْسابِكُمْ وَلا عَنْ أنْسابِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ, إن أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ".

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد, عن عليّ بن رباح, عن عقبة بن عامر, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " إنَّ أنْسابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسابٍّ عَلى أحَدٍ, وإنَّمَا أنْتُمْ وَلَدُ آدَمَ طَفَّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلأوهُ, لَيْسَ لأحَدٍ على أحَدٍ فضْلٌ إلا بِدينٍ أوْ عَمَلٍ صالِحٍ حَسْبُ الرَّجُل أنْ يَكُونَ فاحِشا بَذيًّا بَخِيلا جَبانا ".

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن ابن جُرَيْج, قال: سمعت عطاء يقول: قال ابن عباس: " ثلاث آيات جحدهنّ الناس: الإذن كله, وقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وقال الناس أكرمكم: أعظمكم بيتا; وقال عطاء: نسيت الثالثة ".

وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده, ذو خبرة بكم وبمصالحكم, وغير ذلك من أموركم, لا تخفى عليه خافية.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(1) البيت لابن أحمر الباهلي ، كما نسبه المؤلف . والشاهد فيه كلمة " الشعب " ، وهو الفرع الكبير من الأصل ، يجمع عددا من القبائل ، كما أوضحه المؤلف . وقال النويري في ( نهاية الأرب 2 : 284 ) الشعب : هو الذي يجمع القبائل ، وتتشعب منه . وفي مجاز القرآن لأبي عبيد ( الورقة 225 - 1 ) : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " : يقال : من أي شعب أنت ؟ فتقول : من مضر ، من ربيعة ، والقبائل دون ذلك . قال ابن أحمر " من شعب همدان ... البيت " .

المعاني :

وَقَبَائِلَ :       القَبِيلَةُ: الجَمَاعَةُ دُونَ الشَّعْبِ السراج

التدبر :

وقفة
[13] الخطاب هنا مصدر بنداء الناس عموما، مع أن أول السورة وجه الخطاب فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك أن هذا الخطاب في هذه الآية موجه لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب من كل إنسان، فيقول عز وجل: ﴿يا أيها الناس﴾، والخطاب للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، ﴿إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾.
وقفة
[13] ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ﴾ وحدة أصل بني البشر تقتضي نبذ التفاخر بالأنساب.
وقفة
[13] ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ﴾ قال الآلوسي: «أي خلقناكم من آدم وحواء، فالكل سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب، كما قال الشاعر: النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ ... أَبُوهُمُ آدَمُ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ
وقفة
[13] ﴿وجعلناكم شعوبا﴾ والشعوب: جمع شعب، وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطًا بنسب واحد، ويتلوه القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الأسرة والفصيلة: وهما قرابة الرجل الأدنون.
وقفة
[13] ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ هيا لنقيم صرح الأخوة؛ نتعارف لا نتباغض.
وقفة
[13] ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ تضيف لهم، ويضيفون لك.
وقفة
[13] ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾ إنما جعلناكم كذلك؛ ليعرف بعضكم بعضًا، فتصلوا الأرحام، وتبينوا الأنساب، والتوارث، لا للتفاخر بالآباء والقبائل.
وقفة
[13] تنوع الشعوب والقبائل إنما هو للتعرف والمحبة، لا لبث الفرقة والاختلاف وإثارة النعرات ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.
وقفة
[13] ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾ لا لتتفاخروا ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾.
وقفة
[13] ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ بين تعالى أنه جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل أن يتعارفوا؛ أي يعرف بعضهم بعضًا ويتميز بعضهم عن بعض، لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض ويتطاول عليه. وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض وأكرم منه إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب. وقد بين الله ذلك هنا بقوله: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فاتضح من هذا أن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب إلى القبائل.
وقفة
[13] ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح الله فيها أحدًا بنسبه، ولا يذم أحدًا بنسبه؛ وإنما يمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ»، قَالُوا: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ»، قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ»، قَالُوا: «لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ»، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟»، قَالُوا: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا» [البخاري ۳۳74].
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ أكرمكم عند الله ليس أجملكم. قال ابن القيم: «يوسف عليه السلام حبس بسبب حُسن وجهه وجمال صورته، ولما ظهر حسن صورة علمه وجمال معرفته أطلق من الحبس، ومُكن في الأرض، فدل على أن صورة العلم عند بني آدم أبهى وأحسن من الصورة الحسية، ولو كانت أجمل صورة».
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ مقياس رباني: الأكرم هو الأتقى.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ كرامتك عند الله على قدر تقواك وصدقك؛ لا بأصلك ولا جنسك ولا لونك ولا منصبك.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ آية تُلغي الكبر والاعتزاز بالنسب، من أنت؟ لا تقل أَصْلي وفصلي، أبدًا إنما أصل الفتى ما قد حصل.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ يرفعهم بالتواضع، يرزقهم القبول في الأرض ويوم العرض، أحباؤه وأصفياؤه، عِليَة القوم.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ جعل الله التقوى ميزانًا يوزن به الناس، لا ميزان الحسب والنسب والمال والشهرة.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هذه حقيقة لابد أن يفهمها كل من يتعالى على الناس بماله أو نسبه أو منصبه؛ فالرفعة يوم القيامة للمتقين.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ فكلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببت أن تكون عند الله كريما؛ فعليك بتقوى الله.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هي القياس الحقيقي.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ يا لشقاء من يتنعم في الدنيا بنسبه وحسبه، وهو بلا قيمة ولا وزن عند ربه!
تفاعل
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ آية ألغت كل مفاهيم العنصرية، فمقياس التفاضل عند رب العزة ﴿أتقاكم﴾، قل: «اللهم ارزقنا الهدى والتقى».
عمل
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ دعك من مناصبهم وألوانهم ونهايات أسمائهم، وانظر للتقوى، فإن وجدت له في قلبه مكانًا فتشبث به.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هذا هو مقياس الله للتفضيل بين الناس.
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم﴾ قال ابن عباس: «كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى».
وقفة
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ولم يقل: (أغناكم) أو (أجملكم) أو (أرفعكم) (نسبًا) أو (منصبًا)؛ مقياس القرب عند الله التقوى فقط.
عمل
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ لا تفخرْ بِمَكانتك أو غِنائِك على أحد؛ فالله عزَّ وجلَّ سيجزِي كلَّ نفس بِما كَسَبَت مِن الأعمال.
تفاعل
[13] ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾ قل: «اللهم اجعلنا من عبادك المتقين».
وقفة
[13] من الجهل والغفلة أن تظن أن التفاضل بين الناس مبني على غير التقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
اسقاط
[13] ألاَ تحب أن تكون أكرم الناس ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾؟!
وقفة
[13] ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾ قال قتادة: «إن أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور».
وقفة
[13] ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾ قال ابن عاشور: «والمراد بالأكرم: الأنفس والأشرف، والأتقى: الأفضل في التقوى».

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ:
  • اعربت في الآية الكريمة الاولى. و «الناس» بدل من «أي» مرفوعة بالضمة على لفظ‍ اي.
  • ﴿ إِنّا خَلَقْناكُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها. خلق: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «خلقناكم» في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى:
  • جار ومجرور متعلق بخلقنا. وانثى: معطوفة بالواو على «ذكر» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الالف للتعذر بمعنى:من آدم وحواء.
  • ﴿ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً:
  • معطوفة بالواو على «خلقناكم» وتعرب اعرابها.شعوبا: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة على معنى:وصيرناكم شعوبا.
  • ﴿ وَقَبائِلَ:
  • معطوفة بالواو على «شعوبا» وتعرب اعرابها ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف على وزن-مفاعل-.
  • ﴿ لِتَعارَفُوا:
  • اللام حرف جر للتعليل. تعارفوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «تعارفوا» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «ان» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بجعلنا. واصلها: لتتعارفوا فحذفت احدى التاءين اختصارا.
  • ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد التعليل. أكرم: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ عِنْدَ اللهِ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق باكرمكم وهو مضاف.الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ أَتْقاكُمْ:
  • خبر «ان» مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر. و «كم» اعربت في «أكرمكم».
  • ﴿ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ:
  • اعربت في الآية الكريمة السابقة.'

المتشابهات :

النساء: 124﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
آل عمران: 195﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ
النحل: 97﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
غافر: 40﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
الحجرات: 13﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثى﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وقَوْلِهِ في الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يُفْسِحْ لَهُ: ابْنُ فُلانَةَ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”مَنِ الذّاكِرُ فُلانَةَ ؟“ . فَقامَ ثابِتٌ فَقالَ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ: ”انْظُرْ في وُجُوهِ القَوْمِ“ . فَنَظَرَ، فَقالَ: ”ما رَأيْتَ يا ثابِتُ ؟“ . فَقالَ: رَأيْتُ أبْيَضَ وأحْمَرَ وأسْوَدَ. قالَ: ”فَإنَّكَ لا تَفْضُلُهم إلّا في الدِّينِ والتَّقْوى“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ مُقاتِلٌ: لَمّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلالًا حَتّى أذَّنَ عَلى ظَهْرِ الكَعْبَةِ، فَقالَ عَتّابُ بْنُ أسِيدِ بْنِ أبِي العِيصِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَبَضَ أبِي حَتّى لَمْ يَرَ هَذا اليَوْمَ. وقالَ الحارِثُ بْنُ هِشامٍ: أما وجَدَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ هَذا الغُرابِ الأسْوَدِ مُؤَذِّنًا ؟ وقالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: إنْ يُرِدِ اللَّهُ شَيْئًا يُغَيِّرْهُ. وقالَ أبُو سُفْيانَ: إنِّي لا أقُولُ شَيْئًا، أخافُ أنْ يُخْبِرَ بِهِ رَبُّ السَّماءِ. فَأتى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ النَّبِيَّ ﷺ وأخْبَرَهُ بِما قالُوا، فَدَعاهم وسَألَهم عَمّا قالُوا، فَأقَرُّوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، وزَجَرَهم عَنِ التَّفاخُرِ بِالأنْسابِ، والتَّكاثُرِ بِالأمْوالِ، والإزْراءِ بِالفُقَراءِ.أخْبَرَنا أبُو حَسّانَ المُزَكِّي، قالَ: أخْبَرَنا هارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإسْتِراباذِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُحَمَّدٍ إسْحاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الخُزاعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الوَلِيدِ الأزْرَقِيُّ، قالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الجَبّارِ بْنُ الوَرْدِ المَكِّيُّ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ، قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ الفَتْحِ رَقِيَ بِلالٌ عَلى ظَهْرِ الكَعْبَةِ فَأذَّنَ، فَقالَ بَعْضُ النّاسِ: يا عِبادَ اللَّهِ، أهَذا العَبْدُ الأسْوَدُ يُؤَذِّنُ عَلى ظَهْرِ الكَعْبَةِ ؟ فَقالَ بَعْضُهم: إنْ يَسْخَطِ اللَّهُ هَذا يُغَيِّرْهُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثى﴾ .وقالَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ بِبَعْضِ الأسْواقِ بِالمَدِينَةِ، وإذا غُلامٌ أسْوَدُ قائِمٌ يُنادِي عَلَيْهِ بَيّاعٌ: فَمَن يَزِيدُ ؟ وكانَ الغُلامُ يَقُولُ: مَنِ اشْتَرانِي فَعَلى شَرْطٍ. قِيلَ: ما هو ؟ قالَ: لا يَمْنَعُنِي مِنَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . فاشْتَراهُ رَجُلٌ عَلى هَذا الشَّرْطِ، فَكانَ يَراهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَفَقَدَهُ ذاتَ يَوْمٍ، فَقالَ لِصاحِبِهِ: ”أيْنَ الغُلامُ ؟“ . فَقالَ: مَحْمُومٌ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأصْحابِهِ: ”قُومُوا بِنا نَعُودُهُ“ . فَقامُوا مَعَهُ فَعادُوهُ، فَلَمّا كانَ بَعْدَ أيّامٍ قالَ لِصاحِبِهِ: ”ما حالُ الغُلامِ ؟“ . فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الغُلامَ لِما بِهِ. فَقامَ ودَخَلَ عَلَيْهِ وهو في بُرَحائِهِ، فَقُبَضَ عَلى تِلْكِ الحالِ، فَتَوَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غُسْلَهُ وتَكْفِينَهُ ودَفْنَهُ، فَدَخَلَ عَلى أصْحابِهِ مِن ذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ، فَقالَ المُهاجِرُونَ: هاجَرْنا مِن دِيارِنا وأمْوالِنا وأهْلِينا فَلَمْ يَرَ أحَدٌ مِنّا في حَياتِهِ ومَرَضِهِ ومَوْتِهِ ما لَقِيَ هَذا الغُلامُ. وقالَتِ الأنْصارُ: آوَيْناهُ ونَصَرْناهُ وواسَيْناهُ بِأمْوالِنا فَآثَرَ عَلَيْنا عَبْدًا حَبَشِيًّا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثى﴾ . يَعْنِي أنَّ كُلَّكم بَنُو أبٍ واحِدٍ وامْرَأةٍ واحِدَةٍ. وأراهم فَضْلَ التَّقْوى بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِندَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     وبعد أن أمَرَ اللهُ المؤمنينَ بأنْ يكونوا إخْوةً، وأنْ يُصلِحوا بيْنَ الطَّوائفِ المُتقاتِلةِ، ونَهاهم عمَّا يَثْلِمُ الأُخوَّةَ وما يُغَطِّي على نُورِها في نُفوسِهم؛ مِن السُّخريةِ، واللَّمْزِ، والتَّنابُزِ، والظَّنِّ السُّوءِ، والتَّجسُّسِ، والغِيبةِ؛ ذكَّرَهم هنا بأصْلِ الأُخوَّةِ في الأنسابِ الَّتي أكَّدَتْها أُخوَّةُ الإسلامِ ووَحدةُ الاعتِقادِ؛ لِيَكونَ ذلك التَّذكيرُ عَونًا على تَبصُّرِهم في حالِهم، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لتعارفوا:
1- مضارع «تعارف» محذوف التاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاءين، وهى قراءة الأعمش.
3- بإدغام التاء فى التاء، وهى قراءة مجاهد، وابن كثير.
4- لتعرفوا، مضارع «عرف» ، وهى قراءة ابن عباس، وأبان، عن عاصم.

مدارسة الآية : [14] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ ..

التفسير :

[14] قالت الأعراب -وهم البدو-:آمنا بالله ورسوله إيماناً كاملاً، قل لهم -أيها النبي-:لا تدَّعوا لأنفسكم الإيمان الكامل، ولكن قولوا:أسلمنا، ولم يدخل بعدُ الإيمان في قلوبكم، وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً. إن الله غفور لمن تاب مِن

يخبر تعالى عن مقالة الأعراب، الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخولاً من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، أنهم ادعوا مع هذا وقالوا:آمنا أي:إيمانًا كاملاً، مستوفيًا لجميع أموره هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله رسوله، أن يرد عليهم، فقال:{ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} أي:لا تدعوا لأنفسكم مقام الإيمان، ظاهرًا، وباطنًا، كاملاً.

{ وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي:دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك.

{ و} السبب في ذلك، أنه{ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وإنما آمنتم خوفًا، أو رجاء، أو نحو ذلك، مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله:{ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي:وقت هذا الكلام، الذي صدر منكم فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيرًا منهم، من الله عليهم بالإيمان الحقيقي، والجهاد في سبيل الله،{ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بفعل خير، أو ترك شر{ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} أي:لا ينقصكم منها، مثقال ذرة، بل يوفيكم إياها، أكمل ما تكون لا تفقدون منها، صغيرًا، ولا كبيرًا،{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي:غفور لمن تاب إليه وأناب، رحيم به، حيث قبل توبته.

والأعراب: اسم جنس لبدو العرب، واحده أعرابى، وهم الذين يسكنون البادية.

والمراد بهم هنا جماعة منهم لا كلهم، لأن منهم، مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ قال الآلوسى: قال مجاهد: نزلت هذه الآيات في بنى أسد، وهم قبيلة كانت تسكن بجوار المدينة، أظهروا الإسلام، وقلوبهم دغلة، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا.. ويروى أنهم قدموا المدينة في سنة مجدبة، فأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان.. يمنون بذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم .

وقوله- سبحانه-: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا من الإيمان، وهو التصديق القلبي، والإذعان النفسي والعمل بما يقتضيه هذا الإيمان من طاعة لله- تعالى- ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.

وقوله: أَسْلَمْنا من الإسلام بمعنى الاستسلام والانقياد الظاهري بالجوارح، دون أن يخالط الإيمان شغاف قلوبهم. أى: قالت الأعراب لك- أيها الرسول الكريم- آمنا وصدقنا بقلوبنا لكل ما جئت به، وامتثلنا لما تأمرنا به وتنهانا عنه.

قل لهم لَمْ تُؤْمِنُوا أى: لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية..

وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أى: ولكن قولوا نطقنا بكلمة الإسلام، واستسلمنا لما تدعونا إليه استسلاما ظاهريا طمعا في الغنائم، أو خوفا من القتل.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما وجه قوله- تعالى-: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والذي يقتضيه نظم الكلام أن يقال: قل لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا ...

قلت: أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا، ودفع ما انتحلوه، فقيل: قل لم تؤمنوا، وروعي في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرح بلفظه، حيث لم يقل: كذبتم، ووضع، «لم تؤمنوا» الذي هو نفى ما ادعوا إثباته موضعه..

واستغنى بالجملة التي هي «لم تؤمنوا» عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهى عن القول بالإيمان.. .

وقوله: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ جملة حالية من ضمير، «قولوا» و «لما» لفظ يفيد توقع حصول الشيء الذي لم يتم حصوله.

أى: قولوا أسلمنا والحال أنه لم يستقر الإيمان في قلوبكم بعد، فإنه لو استقر في قلوبكم لما سلكتم هذا المسلك، ولما مننتم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإسلامكم.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقد استفيد من هذه الآية الكريمة: أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل، حين سأل عن الإسلام. ثم عن الإيمان.. فترقى من الأعم إلى الأخص.

كما يدل على ذلك حديث الصحيحين عن سعد بن أبى وقاص، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أعطى رجلا ولم يعط آخر. فقال سعد: يا رسول الله، مالك عن فلان إنى لأراه مؤمنا، فقال: «أو مسلما» ..

فقد فرق صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمن والمسلم. فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام.

كما دل هنا عن أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية، إنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم. فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا بذلك.. .

ثم أرشدهم- سبحانه- إلى ما يكمل إيمانهم فقال: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

ومعنى: «لا يلتكم» لا ينقصكم. يقال: لات فلان فلانا حقه- كباع- إذا نقصه.

أى: وإن تطيعوا الله- تعالى- ورسوله، بأن تخلصوا العبادة، وتتركوا المن والطمع، لا ينقصكم- سبحانه- من أجور أعمالكم شيئا، إن الله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة لعباده التائبين توبة صادقة نصوحا.

يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) . وقد استفيد من هذه الآية الكريمة : أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ويدل عليه حديث جبريل ، عليه السلام ، حين سأل عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، فترقى من الأعم إلى الأخص ، ثم للأخص منه .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا ، فقال سعد : يا رسول الله ، أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا ، وهو مؤمن ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أو مسلم " حتى أعادها سعد ثلاثا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أو مسلم " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم فلم أعطه شيئا ; مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم " .

أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري ، به .

فقد فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلم والمؤمن ، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام . وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من " صحيح البخاري " ولله الحمد والمنة . ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقا ; لأنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام ، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم ، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه ، فأدبوا في ذلك . وهذا معنى قول ابن عباس وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، واختاره ابن جرير . وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك . وقد روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وابن زيد أنهم قالوا في قوله : ( ولكن قولوا أسلمنا ) أي : استسلمنا خوف القتل والسباء . قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة . وقال قتادة : نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يحصل لهم بعد ، فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا ، كما ذكر المنافقون في سورة براءة . وإنما قيل لهؤلاء تأديبا : ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) أي : لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد .

ثم قال : ( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم [ شيئا ] ) أي : لا ينقصكم من أجوركم شيئا ، كقوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) [ الطور : 21 ] .

وقوله : ( إن الله غفور رحيم ) أي : لمن تاب إليه وأناب .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)

يقول تعالى ذكره: قالت الأعراب: صدّقنا بالله ورسوله, فنحن مؤمنون, قال الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهم ( لَمْ تُؤْمِنُوا ) ولستم مؤمنين ( وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ).

وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أعراب من بني أسد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا ) قال: أعراب بنى أسد بن خُزَيمة.

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء الأعراب: قولوا أسلمنا, ولا تقولوا آمنا, فقال بعضهم: إنما أمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بذلك, لأن القوم كانوا صدّقوا بألسنتهم, ولم يصدّقوا قولهم بفعلهم, فقيل لهم: قولوا أسلمنا, لأن الإسلام قول, والإيمان قول وعمل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهري ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) قال: إن الإسلام: الكلمة, والإيمان: العمل.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, وأخبرني الزهريّ, عن عامر بن سعد, عن أبيه, قال: أعطى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا, فقال سعد: يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا, ولم تعط فلانا شيئا, وهو مؤمن, فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أو مُسْلِمٌ؟ حتى أعادها سعد ثلاثا, والنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: أوْ مُسْلِمٌ, ثم قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إني أُعْطِي رِجالا وأَدَعُ مَنْ هُوَ أحَبُّ إليَّ مِنْهُمْ, لا أُعْطِيه شَيْئا مَخافَةَ أنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ".

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ) قال: لم يصدّقوا إيمانهم بأعمالهم, فردّ الله ذلك عليهم ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) , وأخبرهم أن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا, وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, أولئك هم الصادقون, صدّقوا إيمانهم بأعمالهم; فمن قال منهم: أنا مؤمن فقد صدق; قال: وأما من انتحل الإيمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب, وليس بصادق.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن مُغيرة, عن إبراهيم ( وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) قال: هو الإسلام.

وقال آخرون: إنما أمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقيل ذلك لهم, لأنهم أرادوا أن يتسموا بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا, فأعلمهم الله أن لهم أسماء الأعراب, لا أسماء المهاجرين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا )... الآية, وذلك أنهم أرادوا أن يتسَمَّوا باسم الهجرة, ولا يتسَمَّوا بأسمائهم التي سماهم الله, وكان ذلك في أول الهجرة قبل أن تنـزل المواريث لهم.

وقال آخرون: قيل لهم ذلك لأنهم منوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بإسلامهم, فقال الله لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم لم تؤمنوا, ولكن استسلمتم خوف السباء والقتل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ) ولعمري ما عمت هذه الآية الأعراب, إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر, ولكن إنما أنـزلت في حيّ من أحياء الأعراب امتنوا بإسلامهم على نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقالوا: أسلمنا, ولم نقاتلك, كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان, فقال الله: ( لا تقولوا آمنا. . . ) ,( وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) حتى بلغ ( فِي قُلُوبِكُمْ ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ( لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) قال: لم تعمّ هذه الآية الأعراب, إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر, ويتخذ ما ينفق قربات عند الله, ولكنها في طوائف من الأعراب.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن رَباح, عن أبي معروف, عن سعيد بن جُبَير ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) قال: استسلمنا لخوف السباء والقتل.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد ( قُولُوا أَسْلَمْنَا ) قال: استسلمنا.

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, وقرأ قول الله ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) استسلمنا: دخلنا في السلم, وتركنا المحاربة والقتال بقولهم: لا إله إلا الله, وقال قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " أُمِرْتُ أنْ أُقاتِل النَّاس حتى يَقُولُوا لا إلَهَ إلا اللّهُ, فإذَا قالُوا لا إلَهَ إلا اللّهُ, عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وأمْوَالهُمْ إلا بِحَقِّها وَحِسابُهُمْ على اللّهِ".

وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن الزهريّ, وهو أن الله تقدّم إلى هؤلاء الأعراب الذين دخلوا في الملة إقرارا منهم بالقول, ولم يحققوا قولهم بعملهم أن يقولوا بالإطلاق آمنا دون تقييد قولهم بذلك بأن يقولوا آمنا بالله ورسوله, ولكن أمرهم أن يقولوا القول الذي لا يشكل على سامعيه والذي قائله فيه محقّ, وهو أن يقولوا أسلمنا, بمعنى: دخلنا في الملة والأموال, والشهادة الحق (2) .

قوله ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ولما يدخل العلم بشرائع الإيمان, وحقائق معانيه في قلوبكم.

وقوله ( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم, إن تطيعوا الله ورسوله أيها القوم, فتأتمروا لأمره وأمر رسوله, وتعملوا بما فرض عليكم, وتنتهوا عما نهاكم عنه,( لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) يقول: لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا ولا ينقصكم من ثوابها شيئا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( لا يَلِتْكُمْ ) لا ينقصكم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئا.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في ( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) قال: إن تصدقوا إيمانكم بأعمالكم يقبل ذلك منكم.

وقرأت قرّاء الأمصار ( لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ) بغير همز ولا ألف, سوى أبي عمرو, فإنه قرأ ذلك ( لا يَأْلَتْكُمْ ) بألف اعتبارا منه في ذلك بقوله وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ فمن قال: ألت, قال: يألت.

وأما الآخرون فإنهم جعلوا ذلك من لات يليت, كما قال رُؤبةُ بن العجاج:

وَلَيْلَـــةٍ ذَاتِ نَـــدًى سَـــرَيت

ولَــمْ يَلِتْنِــي عَـنْ سُـرَاها لَيْـتُ (3)

والصواب من القراءة عندنا في ذلك, ما عليه قرّاء المدينة والكوفة ( لا يَلِتْكُمْ ) بغير ألف ولا همز, على لغة من قال: لات يليت, لعلتين: إحداهما: إجماع الحجة من القرّاء عليها. والثانية أنها في المصحف بغير ألف, ولا تسقط الهمزة في مثل هذا الموضع, لأنها ساكنة, والهمزة إذا سكنت ثبتت, كما يقال: تأمرون وتأكلون, وإنما تسقط إذا سكن ما قبلها, ولا يحمل حرف في القرآن إذا أتى بلغة على آخر جاء بلغة خلافها إذا كانت اللغتان معروفتين في كلام العرب. وقد ذكرنا أن ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم.

وقوله ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه, وتاب إليه من سالف ذنوبه, فأطيعوه, وانتهوا إلى أمره ونهيه, يغفر لكم ذنوبكم, رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه, فتوبوا إليه يرحمكم.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة, شكّ يزيد, رحيم بعباده.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(2) لعله دخلنا في الملة لحفظ الأنفس والأموال بالشهادة ... إلخ .

(3) البيتان نسبهما المؤلف إلى رؤبة بن العجاج ، ولم أجدهما في ديوانه ولا في ديوان أبيه العجاج . وأوردهما صاحب اللسان في ( حنن ) محمد ونسبهما على أبي الفقعسي . وقد استشهد بهما المؤلف مرة قبل هذه في ( 15 : 2 ) من هذه المطبوعة ، عند أول سورة الإسراء . وشرحناهما شرحًا مفصلا يناسب هذه المقام ، فراجعهما ثمة .

المعاني :

الْأَعْرَابُ :       البَدْوُ السراج
آمنّـا :       صدقنا بقلوبنا و ألسنتنا معاني القرآن
لمْ تؤمنوا :       لمْ تصدقوا بقلوبكم معاني القرآن
أسْلمْـنـَـا :       استسلمنا خَوفا و طمعًا معاني القرآن
لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ :       لَا يَنْقُصْكُمْ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ السراج
لا يَلتكمْ :       لا ينْقصكمْ معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[14] ﴿قَالَتِ الَأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ المنفيُّ هنا: الِإيمانُ بالقلبِ، والمُثْبتُ: الانقيادُ ظاهرًا، فهما في اللغةِ متغايران بهذا الاعتبار، كما أنهما في الشرع مختلفان مفهومًا، متَّحدانِ صدقًا، إذِ الِإيمانُ هو التصديقُ بالقلب، بشرط التلفظِ بالشهادتين، والِإسلامُ بالعكس.
وقفة
[14] ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ العبرة في الأشياء بالمسمى الذي هو حقيقة الشي لا بالاسم الظاهر، فالإيمان اعتقاد وقول وعمل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، فليس بالادعاء أو باللسان فقط أو بالقلب فقط أو الإقرار فقط.
وقفة
[14] قال القرطبي: «نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة، قدموا على رسول الله ﷺ في سنة جدبة، وأظهروا الشهادتين، ولم يكونوا مؤمنين في السر، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».
وقفة
[14] قال ابن كثير: «وقد استفيد من هذه الآية الكريمة: أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام، حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقي من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص منه».
وقفة
[14] ﴿قالَتِ الأَعرابُ آمَنّا قُل لَم تُؤمِنوا وَلكِن قولوا أَسلَمنا﴾ فالإيمان ما وقر فى القلب ونطق به اللسان وعملت به الجوارح.
وقفة
[14] ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ وقال في نهاية السورة: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [17] فكيف يصفهم بالإيمان وقد نفاه عنهم في هذه الآية؟ الجواب: المنفي ادعاؤهم حصول الإيمان بذواتهم، والمثبت منة الله عليهم بالإيمان.
وقفة
[14] ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ الإيمان الحق هو ممارسة أخلاقية على أعلى المستويات، وانضباط في الحقوق والعلاقات.
وقفة
[14] ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ الإيمان ليس مجرد نطق لا يوافقه اعتقاد، بل هو اعتقاد بالجَنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
وقفة
[14] قال: ﴿وَلَمّا يَدخُلِ﴾، ولم يقل: (ولم يدخل)؟! قال العلماء: إذا أتت (لما) بدل (لم) كان ذلك دليلًا على قرب وقوع ما دخلت عليه، فمثلًا إذا قلت: (فلان لما يدخلها) أي أنه قريب منها، ومنه قوله تعالى: ﴿بل هم في شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب﴾ [ص: 8] أي لم يذوقوه، ولكن قريب منه، وهنا قال: (لما يدخل) أي: لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولكنه قريب من الدخول.
وقفة
[14] ﴿وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم﴾ لأنه لو حل الإيمان في القلوب لتأثر منه البدن، وظهر عليه مصداقه من الأعمال الصالحة، والبعد من ركوب المناهي، فإن لكل حق حقيقة، ولكل دعوى شاهد.
وقفة
[14] ﴿وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: لا ينقصكم من أجور أعمالكم شيئًا، والرسالة: إن أتيتم بما يليق بضعفكم وتقصيركم من الطاعات، فالله سيؤتيكم ما يليق بجوده وكرمه من الحسنات.

الإعراب :

  • ﴿ قالَتِ الْأَعْرابُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الاعراب: فاعل مرفوع بالضمة وقد انث الفعل على معنى جماعة الاعراب.
  • ﴿ آمَنّا:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل امر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. اي قل لهم.
  • ﴿ لَمْ تُؤْمِنُوا:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-لم:حرف نفي وجزم وقلب. تؤمنوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا:
  • الواو زائدة. لكن: حرف ابتداء او عطف للاستدراك لا عمل لها فهي مهملة لانها مخففة. قولوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. أسلمنا: تعرب اعراب «آمنا» بمعنى: لا تقولوا آمنا ولكن قولوا اسلمنا.
  • ﴿ وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ:
  • الواو حالية والجملة بعدها في محل نصب حال من الضمير في «قولوا».لما: حرف نفي وجزم وقلب ونفيها مستمر حتى زمن التكلم اي ان نفيها يستمر ويسري على الحال وما في «لما» من معنى التوقع دال على ان هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. يدخل: فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه سكون آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الايمان:فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فِي قُلُوبِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيدخل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع
  • ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوا:
  • الواو استئنافية. ان: حرف شرط‍ جازم. تطيعوا: فعل مضارع مجزوم بان لانه فعل الشرط‍ وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ اللهَ وَرَسُولَهُ:
  • مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة والواو عاطفة.رسوله: مفعول به منصوب بالفعل تطيعوا وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا يَلِتْكُمْ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الاعراب. لا: نافية لا عمل لها. يلتكم: فعل مضارع مجزوم بإن لانه جواب الشرط‍ وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الياء لالتقاء الساكنين لانه من لات يليت بمعنى: ينقص. والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً:
  • جار ومجرور متعلق بيلت. و «كم» اعربت في «قلوبكم».شيئا: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى: لا ينقصكم من أجور اعمالكم شيئا او تكون مفعولا مطلقا في موضع المصدر بتقدير: لا يلتكم من اعمالكم ليتا شيئا.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • اعربت في الآية الكريمة الثانية عشرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا﴾ نَزَلَتْ في أعْرابٍ مِن بَنِي أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ في سَنَةٍ جَدْبَةٍ، وأظْهَرُوا الشَّهادَتَيْنِ، ولَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ في السِّرِّ، وأفْسَدُوا طُرُقَ المَدِينَةِ بِالعَذِراتِ، وأغْلَوْا أسْعارَها، وكانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أتَيْناكَ بِالأثْقالِ والعِيالِ، ولَمْ نُقاتِلْكَ كَما قاتَلَكَ بَنُو فُلانٍ، فَأعْطِنا مِنَ الصَّدَقَةِ. وجَعَلُوا يَمُنُّونَ عَلَيْهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولَمَّا كانت طليعةُ السورةِ في الحديثِ عن جُفاةِ الأعرابِ؛ جاء هنا الرَدُّ على الأعراب الذين قالوا آمنا، دون أن يدركوا حقيقة الإِيمان، قال تعالى:
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا يلتكم:
1- من: لات يليت، وهى لغة الحجاز، وبها قرأ الجمهور.
وقرئ:
2- لا يألتكم، من: ألت، وهى لغة غطفان وأسد، وبها قرأ الحسن، والأعرج وأبو عمرو.

مدارسة الآية : [15] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ..

التفسير :

[15] إنما المؤمنون الذين صدَّقوا بالله وبرسوله وعملوا بشرعه، ثم لم يرتابوا في إيمانهم، وبذلوا نفائس أموالهم وأرواحهم في الجهاد في سبيل الله وطاعته ورضوانه، أولئك هم الصادقون في إيمانهم.

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي:على الحقيقة{ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهُم في سبيل الله} أي:من جمعوا بين الإيمان والجهاد في سبيله، فإن من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه، وشرط تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه.

وقوله:{ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أي:الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق، دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك، دعوى الإيمان، الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه، وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًا، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.

فإثباته ونفيه، من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله.

ثم بين- سبحانه- صفات عباده المؤمنين الصادقين فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.

أى: إنما المؤمنون حق الإيمان وأكمله، هم الذين آمنوا بالله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أى: لم يدخل قلوبهم شيء من الريبة أو الشك فيما أخبرهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.

وأتى- سبحانه- بثم التي للتراخي، للتنبيه على أن نفى الريب عنهم ليس مقصورا على وقت إيمانهم فقط، بل هو مستمر بعد ذلك إلى نهاية آجالهم، فكأنه- سبحانه- يقول: إنهم آمنوا عن يقين، واستمر معهم هذا اليقين إلى النهاية.

ثم أتبع ذلك ببيان الثمار الطيبة التي ترتبت على هذا الإيمان الصادق فقال: وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

أى: وبذلوا من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى-، ومن أجل دينه أموالهم وأنفسهم.

قال الآلوسى: وتقديم الأموال على الأنفس من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى. ويجوز بأن يقال: قدم الأموال لحرص الكثيرين عليها، حتى إنهم يهلكون أنفسهم بسببها..

أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أى: أولئك الذين فعلوا ذلك هم الصادقون في إيمانهم.

وقوله : ( إنما المؤمنون ) أي : إنما المؤمنون الكمل ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) أي : لم يشكوا ولا تزلزلوا ، بل ثبتوا على حال واحدة ، وهي التصديق المحض ، ( وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) أي : وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ، ( أولئك هم الصادقون ) أي : في قولهم إذا قالوا : " إنهم مؤمنون " ، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء : [ الذين ] آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله . والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم . ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل " .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)

يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدّقوا الله ورسوله, ثم لم يرتابوا, يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله, ولا في نبوّة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله, والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شكّ منه في وجوب ذلك عليه ( وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم, وبذل مُهجِهم في جهادهم, على ما أمرهم الله به من جهادهم, وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا, وكلمة الذين كفروا السفلى.

وقوله ( أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون, لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) قال: صدّقوا إيمانهم بأعمالهم.

المعاني :

لَمْ يَرْتَابُوا :       لَمْ يَشُكُّوا السراج

التدبر :

وقفة
[15] قدم الله صفات المؤمنين: ﴿إنما المؤمنون الذين﴾ أمام آيات الجهاد؛ لأنه بكمالها تستقيم الحال، وتصلح الأعمال، ويتحقق النصر من عند الله.
وقفة
[15] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ إنما المؤمنون على الحقيقة: الذين جمعوا بين الإيمان والجهاد في سبيله؛ فإن من جاهد الكفار دل ذلك على الإيمان التام في القلب؛ لأن من جاهد غيره على الإسلام والقيام بشرائعه فجهاده لنفسه على ذلك من باب أولى وأحرى.
وقفة
[15] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ للإيمان شروط وعلامات، ويترتب عليه تبعات وتكليفات، فليس الإيمان بالتمنيات، ولا بالادعاءات.
وقفة
[15] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ علامة صدق الإيمان وعدم الارتياب: الإقدام على الجهاد والأعمال الصالحة، فما علامة إيمانك؟
وقفة
[15] ﴿ثم لم يرتابوا﴾ كلمة (ثم) هنا في موقع من أحسن المواقع؛ لأن (ثم) تدل على الترتيب والمهلة، ثم استقروا وثبتوا على الإيمان مع طول المدة، (لم يرتابوا): أي لم يلحقهم شك في الإيمان بالله ورسوله.
وقفة
[15] ﴿وَجاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبيلِ اللَّهِ﴾ قال الشهاب: «وقدم الأموال، لحرص الْإِنْسَاْن عليها، فإن ماله شقيق روحه».
عمل
[15] جاهد بمالك في سبيل الله؛ وذلك بإنفاق جزءٍ منه على وجه من وجوه الخير ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ:
  • كافة ومكفوفة. المؤمنون: مبتدأ مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع صفة-نعت- للمؤمنين. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة والجملة صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ بِاللهِ وَرَسُولِهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمنوا والواو عاطفة. رسوله:اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بآمنوا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا:
  • حرف عطف للتراخي. لم: حرف نفي وجزم وقلب.يرتابوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وقد عطفت الجملة لَمْ يَرْتابُوا» على جملة «آمنوا» بحرف التراخي على الرغم من ان عدم الارتياب يجب ان يكون مقارنا للايمان لانه وصف فيه لافادة الايمان معنى الثقة والطمأنينة اشعارا باستقرار الايمان في الازمنة المتراخية ولذلك تم العطف بكلمة التراخي. و لَمْ يَرْتابُوا» بمعنى لم يشكوا
  • ﴿ وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على آمَنُوا بِاللهِ» وتعرب اعرابها.و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَأَنْفُسِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على «اموالهم» وتعرب اعرابها. والجار والمجرور «بأموالهم» متعلق بجاهدوا
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بجاهدوا. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة
  • ﴿ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «المؤمنون».اولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ ثان ويجوز ان يكون فصلا او عمادا لا محل له من الاعراب. والوجه الاول اصح.الصادقون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والجملة الاسمية هُمُ الصّادِقُونَ» في محل رفع خبر «أولئك».'

المتشابهات :

الأنفال: 2﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
النور: 62﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ
الحجرات: 10﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
الحجرات: 15﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     وبعد الرد على الأعراب الذين قالوا آمنا، دون أن يدركوا حقيقة الإِيمان؛ بَيَّنَ اللهُ هنا من هم المؤمنون الصادقون، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ ..

التفسير :

[16] قل -أيها النبي- لهؤلاء الأعراب:أتُخَبِّرون الله بدينكم وبما في ضمائركم، والله يعلم ما في السموات وما في الأرض؟ والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه ما في قلوبكم من الإيمان أو الكفر، والبر أو الفجور.

{ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وهذا شامل للأشياء كلها، التي من جملتها، ما في القلوب من الإيمان والكفران، والبر والفجور، فإنه تعالى، يعلم ذلك كله، ويجازي عليه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يخبرهم بأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أحوالهم فقال: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ.

وقوله: أَتُعَلِّمُونَ من الإعلام بمعنى الإخبار، فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجر. أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الأعراب على سبيل التوبيخ: أتخبرون الله- تعالى- بما أنتم عليه من دين وتصديق حيث قلتم آمنا، على سبيل التفاخر والتباهي.. والحال أن الله- تعالى- يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ دون أن يخفى عليه شيء من أحوال المخلوقات الكائنة فيهما.

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مقرر لما قبله ومؤكد له.

وقوله : ( قل أتعلمون الله بدينكم ) أي : أتخبرونه بما في ضمائركم ، ( والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ) أي : لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، ( والله بكل شيء عليم ) .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم : ( أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ ) أيها القوم بدينكم, يعني بطاعتكم ربكم ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) يقول: والله الذي تعلِّمونه أنكم مؤمنون, علام جميع ما في السموات السبع والأرضين السبع, لا يخفى عليه منه شيء, فكيف تعلمونه بدينكم, والذي أنتم عليه من الإيمان, وهو لا يخفى عليه خافية, في سماء ولا أرض, فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدين ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يقول: والله بكلّ ما كان, وما هو كائن, وبما يكون ذو علم. وإنما هذا تقدّم من الله إلى هؤلاء الأعراب بالنهي, عن أن يكذّبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم. يقول: الله محيط بكلّ شيء عالم به, فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم, فينالكم عقوبته, فإنه لا يخفى عليه شيء.

المعاني :

أتعلـّـمون الله بدينكم :       أتخبرونه بقوْلكم آمنّا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[16] ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ﴾ في هذه الآية إشارة إلى أن النطق بالنية في العبادات منكر.
وقفة
[16] ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ﴾ التعليم مبالغة في إيصال العلم إلى المعلم؛ يقال: أعُلَمَه وعلَّمه كما يقال: أنبأه ونبَأه، وهذا يفيد أنهم تكلفوا في الاستدلال على صدق إيمانهم ليقنعوا به رسول الله ﷺ الذي أبلغهم أن الله نفي عنهم رسوخ الإيمان.
وقفة
[16] ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تأتي صفات الله جل ثناؤه في خواتيم الآيات؛ لتخبرك أن كل شئ مرتبط به سبحانه، الوجود، المسير، المصير، التدبير، كله بيده.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ:
  • سبق اعرابها. الهمزة همزة انكار وتجهيل لهم بلفظ‍ استفهام. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة بمعنى: أتعلمون علي بدينكم بقولكم آمنا؟
  • ﴿ بِدِينِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتعلمون والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَاللهُ يَعْلَمُ:
  • الواو استئنافية او حالية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يعلم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «يعلم» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ ما فِي السَّماواتِ:
  • معطوفة بالواو على ما فِي السَّماواتِ» وتعرب اعرابها والواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ:
  • معطوفة بالواو على ما فِي السَّماواتِ» وتعرب اعرابها والواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
  • جار ومجرور متعلق بالخبر. شيء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. عليم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

البقرة: 282﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
النساء: 176﴿ۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
النور: 35﴿وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
النور: 64﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الحجرات: 16﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
التغابن: 11﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا قالَ هؤلاءِ الأعرابُ: آمَنَّا، وأمَرَ اللهُ نَبيَّه أنْ يُكذِّبَهم؛ أمَرَه هنا أنْ يقولَ لهم بصِيغةِ الإنكارِ: أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ؟! وذلك بادِّعائِكم أنَّكم مُؤمِنونَ، واللهُ لا يَخْفَى عليه شَيءٌ مِن حالِكم، وهو عالِمٌ بأنَّكم لم تُؤمِنوا، وعالِمٌ بكلِّ ما في السَّمواتِ والأرضِ، وعالِمٌ بكلِّ شَيءٍ، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل ..

التفسير :

[17] يَمُنُّ هؤلاء الأعراب عليك -أيها النبي- بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم لك، قل لهم:لا تَمُنُّوا عليَّ دخولكم في الإسلام؛ فإنَّ نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه أنْ وفقكم للإيمان به وبرسوله، إن كنتم صادقين في إيمانكم.

هذه حالة من أحوال من ادعى لنفسه الإيمان، وليس به، فإنه إما أن يكون ذلك تعليمًا لله، وقد علم أنه عالم بكل شيء، وإما أن يكون قصدهم بهذا الكلام، المنة على رسوله، وأنهم قد بذلوا له [وتبرعوا] بما ليس من مصالحهم، بل هو من حظوظه الدنيوية، وهذا تجمل بما لا يجمل، وفخر بما لا ينبغي لهم أن يفتخروا على رسوله بهفإن المنة لله تعالى عليهم، فكما أنه تعالى يمنعليهم، بالخلق والرزق، والنعم الظاهرة والباطنة، فمنته عليهم بهدايتهم إلى الإسلام، ومنته عليهم بالإيمان، أعظممن كل شيء، ولهذا قال تعالى:{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

ثم أشار- تعالى- إلى نوع آخر من جفائهم وقلة إدراكهم فقال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا....

والمن: تعداد النعم على الغير، وهو مذموم من الخلق، محمود من الله- تعالى- أى: هؤلاء الأعراب يعدون إيمانهم بك منة عليك، ونعمة أسدوها إليك حيث قالوا لك:

جئناك بالأموال والعيال. وقاتلك الناس ولم نقاتلك..

وقوله: أَنْ أَسْلَمُوا في موضع المفعول لقوله: يَمُنُّونَ لتضمينه معنى الاعتداد، أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبا بنزع الخافض أو مجرورا بالحرف المقدر. أى:

يمنون عليك بإسلامهم..

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم بما يدل على غفلتهم فقال: قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ....

أى: قل لهم لا تتفاخروا عليّ بسبب إسلامكم، لأن ثمرة هذا الإسلام يعود نفعها عليكم لا عليّ.

ثم بيّن- سبحانه- أن المنة له وحده فقال: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ....

أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- ليس الأمر كما زعمتم من أن إسلامكم يعتبر منه عليّ، بل الحق أن الله- تعالى- هو الذي يمن عليكم أن أرشدكم إلى الإيمان، وهداكم إليه، وبين لكم طريقه، فادعيتم أنكم آمنتم مع أنكم لم تؤمنوا ولكنكم أسلمتم فقط.

قال صاحب الكشاف: وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة، وذلك أن الكائن من الأعاريب قد سماه الله إسلاما، ونفى أن يكون- كما زعموا- إيمانا فلما منّوا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما كان منهم، قال الله- تعالى- لرسوله: إن هؤلاء يعتدون عليك بما ليس جديرا بالاعتداد به..

ثم قال: بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه، حيث هداكم للإيمان- على ما زعمتم- وادعيتم أنكم أرشدتم إليه، ووفقتم له إن صح زعمكم، وصدقت دعواكم.. وفي إضافة الإسلام عليهم، وإيراد الإيمان غير مضاف، ما لا يخفى على المتأمل ... .

وجواب الشرط في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف، يدل عليه ما قبله. أى: إن كنتم صادقين في إيمانكم فاعتقدوا، أن المنة إنما هي لله- تعالى- عليكم، حيث أرشدكم إلى الطريق الموصل إلى الإيمان الحق.

وشبيه في المعنى بهذه الآية قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم للأنصار في إحدى خطبه: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟» وكان صلّى الله عليه وسلّم كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمنّ.

والحق أن هداية الله- تعالى- لعبده إلى الإيمان تعتبر منة منه- سبحانه- لا تدانيها منة، ونعمة لا تقاربها نعمة، وعطاء ساميا جليلا منه- تعالى- لا يساميه عطاء فله- عز وجل- الشكر الذي لا تحصيه عبارة على هذه النعمة، ونسأله- تعالى- أن يديمها علينا حتى نلقاه.

ثم قال [ تعالى ] : ( يمنون عليك أن أسلموا ) ، يعني : الأعراب [ الذين ] يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ، يقول الله ردا عليهم : ( قل لا تمنوا علي إسلامكم ) ، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ، ولله المنة عليكم فيه ، ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) أي : في دعواكم ذلك ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار يوم حنين : " يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عون ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : جاءت بنو أسد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، أسلمنا وقاتلتك العرب ، ولم نقاتلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن فقههم قليل ، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم " . ونزلت هذه الآية : ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )

ثم قال : لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه ، ولا نعلم روى أبو عون محمد بن عبيد الله ، عن سعيد بن جبير ، غير هذا الحديث .

القول في تأويل قوله تعالى : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يمنّ عليك هؤلاء الأعراب يا محمد أن أسلموا( قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ ) يقول: بل الله يمن عليكم أيها القوم أن وفقكم للإيمان به وبرسوله ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يقول: إن كنتم صادقين في قولكم آمنا, فإن الله هو الذي منّ عليكم بأن هداكم له, فلا تمنوا عليّ بإسلامكم.

وذُكر أن هؤلاء الأعراب من بني أسد, امتنوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقالوا: آمنا من غير قتال, ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا, فأنـزل الله فيهم هذه الآيات.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير في هذه الآية ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) أهم بنو أسد؟ قال: قد قيل ذلك.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا سهل بن يوسف, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, قال: قلت لسعيد بن جُبَير ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) أهم بنو أسد؟ قال: يزعمون ذاك.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي عمرة, قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد, أو بشر بن عطارد, ولبيد بن غالب عند الحجاج جالسين, فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نـزلت في قومك بني تميم إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فذكرت ذلك لسعيد بن جُبَير, فقال: إنه لو علم بآخر الآية أجابه ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) قالوا أسلمنا ولم تقاتلك بنو أسد.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( لا تَمُنُّوا ) أنا أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان, فقال الله لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : ( قُلْ ) لهم ( لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ ).

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ) قال: فهذه الآيات نـزلت في الأعراب.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ سمع محمد بن سيرين رجلًا يقول لرجل: «وفعَلتُ إليك وفعَلتُ»، فقال له: «اسكت؛ فلا خير في المعروف إذا أحصي».
وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ ممن يقع المنُّ بالعمل؟! قال القرطبي: «المنْ يقع غالبًا من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية، وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العُجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه مُنعِم بماله على المعطى، وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه».
وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ مَنُّ العبد بعمله عقبة في طريق الجنة. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلاَ عَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَلاَ مُدْمِنُ خَمْرٍ» [النسائي 8/318، وصححه الألباني].
وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ قال ابن القيم: «فإن المعطي قد تولى الله ثوابه، وردَّ عليه أضعاف ما أعطى، فبقي عوض ما أعطى عند الله، فأيُّ حق بقي له عند الآخذ؟ فإذا امتنَّ عليه، فقد ظلمه ظلمًا بينًا».
وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ الهداية للإيمان أعظم منن الرحمن.
وقفة
[17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إذا أعجبتك نفسك عند الطاعة فذكرها هذه الآية.
وقفة
[17] إلى من عاش مواسم الطاعة: تفقَّد قلبك عند كل عبادة تتقرب بها إلى الله؛ خوفًا من أن يخالطها إعجاب أو منة بأن هذا منك فتهلك، فنعمة الله عليك ومنته بأن وفقك لهذه القربة؛ أعظم من أدئك لها! ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
عمل
[17] إذا وفَّقكَ اللهُ لعملِ خيرٍ فاحمَد اللهَ على التَّوفيق ولا تمُنُّ به؛ فهو قادرٌ أن يحرمَكَ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وقفة
[17] ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ من أعظم نعم الله على عبده توفيقه للطاعة، ومن أعظم الخذلان بعد الطاعة أن يمن العبد بطاعته، رب أوزعني أن أشكر نعمتك.
وقفة
[17] مهما كان حماسك وحبك للمدعوين فليس من حقك أن تجعل الدعوة خطابًا متسولًا ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾.
وقفة
[17] ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ كل صواب في أفعالك فالمنة فيها لله؛ فقبل العمل أسأل الله وبعده احمد الله.
وقفة
[17] ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ من هدي إلى الإيمان وعمل بأركان الإسلام؛ فهو الموفق، وليسأل ربه الثبات وحسن الختام.
وقفة
[17] ﴿بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ هداية التوفيق بيد الله وحده، وهي فضل منه سبحانه، ليست حقًّا لأحد.
عمل
[17] ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ إذا تسلل العُجب والمَن لقلبك فأسكته بهذه الآية.
وقفة
[17] سباقك للطاعات والأعمال الصالحة ما هو إلا توفيق من الله تعالى فاشكره ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكم أَن هَداكُم لِلإيمانِ﴾.
وقفة
[17] الهداية بيد الله، وله المنَّة سبحانه على هدايتنا وتوفيقنا ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
وقفة
[17] لو فتح الله عليك في عمل صالح، فنفخ الشيطان في نار العجب، فأملأ قلبك بقول ربك جل جلاله: ﴿بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان﴾.
وقفة
[17] ﴿بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ اختص الله لنفسه بالمنِّ، وجعله صفة لنفسه (المنان)، فامتنان العباد تكدير وتعيير، وامتنان الله إنعام وتذكير.
وقفة
[17] تكبير الله على هدايته جاء في ثنايا آيات الصيام: ﴿ولتكبروا الله على ما هداكم﴾ [البقرة: 185]، وفي ثنايا آيات الحج: ﴿لتكبروا الله على ما هداكم﴾ [الحج: 37]، فإذا أردت أن تعرف موقع هاتين الآيتين الكريمتين، فيكفي أن تتذكر أن هناك 5 مليارات من البشر محرومون من هذه الهداية! فلمن المنة؟ ﴿بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين﴾.
تفاعل
[17] ﴿أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عليك: جار ومجرور متعلق بيمنون.
  • ﴿ أَنْ أَسْلَمُوا:
  • حرف مصدري. اسلموا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «اسلموا» صلة الحرف المصدري لا محل لها من الاعراب. و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب للفعل «يمن» مفعول به. التقدير: يمنون عليك اسلامهم. او بأن اسلموا. فحذف الجار واوصل الفعل متعديا الى المفعول.
  • ﴿ قُلْ لا تَمُنُّوا:
  • سبق اعرابها. لا: ناهية جازمة. تمنوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتمنوا. اسلام: مفعول به منصوب بالفتحة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور اي لا تعدوا اسلامكم علي منة
  • ﴿ بَلِ اللهُ:
  • حرف اضراب لا عمل له للاستئناف وكسر آخره لالتقاء الساكنين.الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. يمن: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.عليكم: جار ومجرور متعلق بيمن والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ هَداكُمْ:
  • حرف مصدري. هدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «هداكم» صلة الحرف المصدري لا محل لها من الاعراب. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «يمن» او بتقدير: بأن هداكم فحذف الجار واوصل الفعل متعديا الى المصدر.
  • ﴿ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ:
  • ومجرور متعلق بهدى. ان: حرف شرط‍ جازم.كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه اي لدلالة ما قبله عليه. التقدير: ان كنتم صادقين في ادعائكم الايمان فلله المنة عليكم.
  • ﴿ صادِقِينَ:
  • خبر «كان» منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     ولَمَّا كان قولهم هذا صورتُه صورةُ المِنَّةِ؛ أخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ هنا بِما يَقُولُهُ لَهم عِنْدَ المَنِّ عَلَيْهِ مِنهم بِما يَدَّعُونَهُ مِنَ الإسْلامِ، قال تعالى:
﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أن هداكم:
وقرئ:
إذ هداكم، وهى قراءة عبد الله، وزيد بن على.

مدارسة الآية : [18] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ ..

التفسير :

[18] إن الله يعلم غيب السموات والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك، والله بصير بأعمالكم وسيجازيكم عليها، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر.

{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:الأمور الخفية فيهما، التي تخفى على الخلق، كالذي في لجج البحار، ومهامه القفار، وما جنه الليل أو واراه النهار، يعلم قطرات الأمطار، وحبات الرمال، ومكنونات الصدور، وخبايا الأمور.

{ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}

{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يحصي عليكم أعمالكم، ويوفيكم إياها، ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة، وحكمته البالغة.

تم تفسير سورة الحجرات

بعون الله ومنه وجوده وكرمه،

فلك اللهم من الحمد أكمله وأتمه،

ومن الجود أفضله وأعمه

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... أى: إنه- تعالى- يعلم ما خفى وغاب عن عقول الناس من أحوال السموات والأرض وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- أيها الناس- لا يعزب عنه شيء من أقوالكم أو أفعالكم.

وبعد: فهذا تفسير وسيط لسورة «الحجرات» تلك السورة التي رسمت للناس معالم عالم كريم، تشع فيه الآداب السامية، والأخلاق العالية، والقيم الجليلة، وتختفى فيه ما يتعارض مع هذه المعاني كالحقد والغيبة والتقاتل والتفاخر بالأحساب والأنساب.

نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع نفوسنا، وأنس قلوبنا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات ، وبصره بأعمال المخلوقات فقال : ( إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون )

آخر تفسير الحجرات ، ولله الحمد والمنة

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)

يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب, ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه, ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وجنده, فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم, فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم, وتحدّثون به أنفسكم, ويعلم ما غاب عنكم, فاستسرّ في خبايا السموات والأرض, لا يخفى عليه شيء من ذلك ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) يقول: والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها, أجهرا تعملون أم سرّا, طاعة تعملون أو معصية؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك, إن خيرا فخير, وان شرّا فشرّ وكُفُؤه.

و ( أنْ ) في قوله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا في موضع نصب بوقوع يمنون عليها, وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ إِسْلامَهُمْ ), وذلك دليل على صحة ما قلنا, ولو قيل: هي نصب بمعنى: يمنون عليك لأن أسلموا, لكان وجها يتجه. وقال بعض أهل العربية: هي في موضع خفض. بمعنى: لأن أسلموا.

وأما( أن ) التي في قوله بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لأن معنى الكلام: بل الله يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان.

آخر تفسير سورة الحجرات

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[18] ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ الله لا يخفى عليه أسراركم، ولا أعمال قلوبكم، ومستقبلكم لديه مثل ماضيكم، ونياتكم كتاب مفتوح أمام علمه.
وقفة
[18] رسمت السورة الكريمة للمؤمنين طريق الحياة السعيدة، حيث عرفتهم بما يجب عليهم نحو خالقهم سبحانه، وبما يجب عليهم نحو نبيهم ﷺ، وبما يجب عليهم نحو أنفسهم، وربما يجب عليهم نحو إخوانهم في العقيدة، وبما يجب عليهم نحو أفراد المجتمع الإسلامى بصفة عامة.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. يعلم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يعلم» في محل رفع خبر ان.
  • ﴿ غَيْبَ السَّماواتِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. السموات:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَالْأَرْضِ وَاللهُ:
  • معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب اعرابها والواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة وقد عطف سبحانه على موضع إِنَّ اللهَ» بتقدير: الله يعلم والله بصير
  • ﴿ بَصِيرٌ بِما:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالضمة والباء حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق ببصير. ويجوز ان تكون «ما» مصدرية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ تَعْمَلُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تعملون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد- الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به.التقدير: بالذي تعملونه هذا على الوجه الاول من اعراب «ما» اسما موصولا. اما على الوجه الثاني وهو اعرابها مصدرية فتكون جملة «تعملون» صلتها لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقا ببصير. التقدير: بصير بعملكم او بأعمالكم.'

المتشابهات :

فاطر: 38﴿ إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
الحجرات: 18﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد أن أخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِما يَقُولُهُ لَهم؛ أخْبَرَ هنا بعلمِه بجميعِ الكائنات، وبصرِه بأعمالِ المخلوقات، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعملون:
1- بتاء الخطاب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بياء الغيبة، وهى قراءة ابن كثير، وأبان.

البحث بالسورة

البحث في المصحف