278949596979899100101102

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (94) الى الآية رقم (97) عدد الآيات (4)

بعدَ التَّحْذيرِ منْ نقْضِ الأَيمَانِ حَذَّرَ هنا من اتِّخَاذِها خديعَةً، وبيانُ أنَّ كلَّ ما في الدُّنيا ينفدُ ويزولُ، وما عندَ اللهِ لا يزولُ، ثُمَّ التَّرغيبُ في العملِ الصالحِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (98) الى الآية رقم (102) عدد الآيات (5)

بعد ذكرِ جملةٍ من توجيهاتِ القرآنِ في المَقاطعِ الثَّلاثةِ السَّابقةِ، وجَّهت الآياتُ المسلمَ إذا أرادَ قراءةَ القرآنِ إلى الاستعاذةِ من الشيطانِ الرَّجيمِ، ثُمَّ ذِكْرُ بعضِ شُبُهاتِ المُشركينَ للطَّعنِ في القرآنِ، الأولى: النَّسْخُ، والردُّ عليهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة:: فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل:: انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «النحل».
  • • معنى الاسم :: النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية :: قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة :: أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة :: أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة :: أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

مدارسة الآية : [94] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ..

التفسير :

[94] ولا تجعلوا من الأيمان التي تحلفونها خديعة لمن حلفتم لهم، فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين، كمن زلقت قدمه بعد ثبوتها، وتذوقوا ما يسوءكم من العذاب في الدنيا؛ بما تسببتم فيه مِن مَنْع غيركم عن هذا الدين لما رأوه منكم من الغدر، ولكم في الآخرة عذاب عظيم.

أي:{ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ} وعهودكم ومواثيقكم تبعا لأهوائكم متى شئتم وفيتم بها، ومتى شئتم نقضتموها، فإنكم إذا فعلتم ذلك تزل أقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم،{ وَتَذُوقُوا السُّوءَ} أي:العذاب الذي يسوءكم ويحزنكم{ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} حيث ضللتم وأضللتم غيركم{ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} مضاعف.

فقوله- سبحانه- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ تصريح بالنهى عن اتخاذ الإيمان من أجل الغش والخديعة، بعد النهى عن نقض العهود بصفة عامة. أى: ولا تتخذوا- أيها المؤمنون- الحلف بالله- تعالى- ذريعة إلى غش الناس وخداعهم واستلاب حقوقهم، فقد جرت عادة الناس أن يطمئنوا إلى صدق من يقسم بالله- تعالى-، فلا تجعلوا هذا الاطمئنان وسيلة للكذب عليهم، ولإفساد ما بينكم وبينهم من مودة.

ثم رتب- سبحانه- على هذا النهى ما من شأنه أن يردع النفوس عن اتخاذ الأيمان دخلا فقال: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وأصل الزلل الخروج عن الطريق السليم. يقال: زل فلان يزل زللا وزلولا، إذا دحضت قدمه ولم تصب موضعها الصحيح أى: لا تتخذوا أيمانكم وسيلة للخديعة والإفساد بين الناس، فتزل أقدامكم عن طريق الإسلام بعد ثبوتها عليها، ورسوخها فيها، قالوا: والجملة الكريمة مثل يضرب لكل من وقع في بلية ومحنة، بعد أن كان في عافية ونعمة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وحدت القدم ونكرت؟ قلت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق. بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة ؟.

وقوله وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بيان لما يصيبهم من عذاب دنيوى بسبب اتخاذ أيمانهم دخلا بينهم. أى: وتذوقوا السوء وهو العذاب الدنيوي من المصائب والخوف والجوع، بسبب صدودكم وإعراضكم عن أوامر الله ونواهيه، أو بسبب صدكم لغيركم عن الدخول في دين الله، حيث رأى منكم ما يجعله ينفر منكم ومن دينكم.

والتعبير بتذوقوا فيه إشارة إلى أن العذاب الدنيوي الذي سينزل بهم بسبب اتخاذهم أيمانهم دخلا بينهم، سيكون عذابا شديدا يحسون آلامه إحساسا واضحا، كما يحس الشارب للشيء المر مرارته، ويتذوق آلامه.

قال ابن كثير: حذر الله- تعالى- عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا، أى: خديعة ومكرا، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها مثل لمن كان على الاستقامة وحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام .

وقوله: وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يعلم مقدار شدته وهو له إلا الله- عز وجل- فأنت ترى أن الآية الكريمة قد رتبت على اتخاذ الأيمان دخلا، انقلاب حالة الإنسان من الخير إلى الشر، ونزول العذاب الدنيوي والأخروى به.

ثم حذر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرا ؛ لئلا تزل قدم بعد ثبوتها : مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام ; ولهذا قال : ( وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم )

يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دَخَلا وخديعة بينكم، تغزون بها الناس ( فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين. وإنما هذا مثل لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقطٍ في ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: (زلَّت قدمه)، كما قال الشاعر:

سـيَمْنَعُ مِنْـكَ السَّـبْقُ إنْ كُـنْتَ سابِقا

وتُلْطَــعُ إنْ زَلَّــتْ بـكَ النَّعْـلانِ (1)

وقوله ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ ) يقول: وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء: هو عذاب الله الذي يعذّب به أهل معاصيه في الدنيا، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر ( بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: بما فَتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان ( وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) في الآخرة، وذلك نار جهنم ، وهذه الآية تدلّ على أن تأويل بُرَيْدة الذي ذكرنا عنه ، في قوله وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ والآيات التي بعدها، أنه عُنِيَ بذلك : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، عن (2) مفارقة الإسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به، لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم ، صدّ عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعِلِي ذلك ، أنهم باتخاذهم الأيمان دَخَلا بينهم ، ونقضهم الأيمان بعد توكيدها، صادّون عن سبيل الله، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر بالله لا صفة أهل النُّقْلة بالحلف عن قوم إلى قوم.

المعاني :

فتزلّ قدم :       فتزلّ أقدامُكم عن محجّة الإسلام معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[94] أعظم مآلات الذنوب: نقص الإيمان كلية أو ذهاب بعضه، تأمل هذا في موضعين في النحل: ﴿ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها﴾، ﴿إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله﴾ [104]، فهذا المآل قدم في كلا الموضعين على غيره من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ مهما كان ثبات الأقدام على طريق الحق؛ يبقى الخوف عليها من الزلة.
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ تَكثُر الفِتن ويَتزَايد نَزغُ الشيطان، ويَبقى الثباتُ عزيزًا، واليقين بالله كَبير.
عمل
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ ﻻ تستصغر الزلات، رب زلة سقط صاحبها فانكسر.
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ لم يقل بعد (تذبذبها)؛ بل بعد (ثبوتها)، الحياة فتن، والثبات مطلب عزيز !
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ هذه قدم كانت ثابتة ومع ذلك زلت! فكيف بالقدم المهتزة؟! يا رب ثبتنا على الحق وتوفنا عليه.
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ الحياة فتن والثبات عزيز والحل، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: 66].
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ لا عصمة لك من الزلل، لا تملك لنفسك الثبات، إنما اجتباك ربك فلا تتكبر على غيرك لذنبه؛ فتزل أنت ويتوب هو.
وقفة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ قال سبحانه وتعالى: (بعد ثبوتها) فلا يغرنك ثباتك اليوم؛ فما تدري ما يفعل بك غدًا، فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
لمسة
[94] ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ الزلل لا يكون إلا بعد ثبوت، فلم ذكر الثبوت؟! والجواب: في ذكر الثبوت زيادة تقبيح اختيار الزلل على الثبات، والعصيان بعد الإيمان.
وقفة
[94] عبارة في القرآن تحتاج منا لتركيز وإنتباه: قال الله تعالى: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾، لم يقل: (بعد تذبذبها)؛ بل بعد ثبوتها، الحياة فتن والثبات صعب، (الثبات) لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ، إنما يكون بفعل هذه المواعظ، قال الله تعالى: ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظونَ به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا﴾ [النساء: 66].
عمل
[94] ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ لا تكونوا قدوة سيئة، من نقض عهد الله فقد صد عن سبيل الله؛ لأنه يقدم لغير المسلم قدوة سيئة، فينفر الناس عن دين الله؛ فيقول غير المسلم أو ضعيف الإيمان: لو كان هذا فعل المسلمين، فدينهم لا خير فيه.
تفاعل
[94] ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَتَّخِذُوا:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تتخذوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثانية والتسعين.
  • ﴿ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها:
  • الفاء سببية. تزلّ: أي تسقط‍ وتزلق: فعل مضارع منصوب بأنّ مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه: الفتحة. قدم:فاعل مرفوع بالضمة. بعد: ظرف زمان متعلق بتزلّ منصوب بالفتحة وهو مضاف. ثبوت: مضاف إليه مجرور بالكسرة. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى: بعد استقرارها. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. التقدير:ليكن منكم عدم اتخاذ ايمانكم مفسدة بينكم فعدم زلّ قدم بعد استقرارها وجملة «تزل قدم» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ وَتَذُوقُوا السُّوءَ:
  • معطوفة بالواو على «تزل قدم» وعلامة نصب الفعل حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.السوء: أي العذاب: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية.صددتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير المخاطبين في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور أي بما منعتم.عن سبيل: جار ومجرور متعلق بصددتم ولفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بتذوقوا. التقدير: بصدكم الناس. وحذف المفعول اختصارا وجملة «صددتم» صلة «ما» لا محل لها.
  • ﴿ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ:
  • الواو: عاطفة. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.عظيم: صفة-نعت-لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

النحل: 92﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ
النحل: 94﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [94] لما قبلها :     وبعد التَّحْذيرِ منْ نقْضِ الأَيمَانِ؛ حَذَّرَ اللهُ عز وجل هنا من اتِّخَاذِها خديعَةً، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [95] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا ..

التفسير :

[95] ولا تنقضوا عهد الله؛ لتستبدلوا مكانه عرضاً قليلاً من متاع الدنيا، إن ما عند الله من الثواب على الوفاء أفضل لكم من هذا الثمن القليل، إن كنتم من أهل العلم، فتدبَّروا الفرق بين خيْرَي الدنيا والآخرة.

يحذر تعالى عباده من نقض العهود والأيمان لأجل متاع الدنيا وحطامها فقال:{ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} تنالونه بالنقض وعدم الوفاء{ إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ} من الثواب العاجل والآجل لمن آثر رضاه، وأوفى بما عاهد عليه الله{ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} من حطام الدنيا الزائلة{ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

ثم نهاهم- سبحانه- عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم فقال- تعالى-: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.

والاشتراء هنا: استعارة للاستبدال، والذي استبدل به الثمن القليل هو الوفاء بعهد الله.

والمراد بعهد الله- تعالى-: أوامره ونواهيه التي كلفنا بالتزامها والعمل بمقتضاها.

والمراد بالثمن القليل: حظوظ الدنيا وشهواتها وزينتها من الأموال وغيرها.

والمعنى: ولا تستبدلوا بأوامر الله- تعالى- ونواهيه، عرضا قليلا من أعراض الدنيا الزائلة، بأن تنقضوا عهودكم في مقابل منفعة دنيوية زائلة.

وليس وصف الثمن بالقلة في قوله: ثَمَناً قَلِيلًا من الأوصاف المخصصة للنكرات، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل في مقابل عدم الوفاء بالعهد، إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله- تعالى-.

ورحم الله الإمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أى: لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها، فإنها قليلة، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له .

ثم رغبهم- سبحانه- فيما عنده فقال: إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

أى: إن ما ادخره الله- تعالى- لكم من ثواب عظيم، وأجر جزيل، وحياة طيبة، هو خير لكم من ذلك الثمن القليل الذي تتطلعون إليه، وتنقضون العهود من أجله، إن كنتم من أهل العلم والفطنة، الذين يؤثرون الباقي على الفاني.

قال الآلوسى: قوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى: إن كنتم من أهل العلم والتمييز. فالفعل منزل منزلة اللازم. وقيل: متعد، والمفعول محذوف، وهو فضل ما بين العوضين، والأول أبلغ ومستغن عن التقدير .

ثم قال تعالى : ( ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ) أي : لا تعتاضوا عن الإيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها ، فإنها قليلة ، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له ، أي : جزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به وطلبه ، وحفظ عهده رجاء موعوده ; ولهذا قال : ( إن كنتم تعلمون)

يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس ، وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكِّديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضًا من الدنيا قليلا ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به ، يثبكم الله على الوفاء به، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك ، هو خير لكم إن كنتم تعلمون ، فضل ما بين العِوَضين اللذين أحدهما الثمن القليل ، الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا ، والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به ، ثم بين تعالى ذكره فرْق ما بين العِوَضين وفضل ما بين الثوابين، فقال: ما عندكم أيها الناس مما تتملكونه في الدنيا ، وإن كَثُر فنافدٌ فان، وما عند الله لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باق غير فانٍ، فلما عنده فاعملوا وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[95] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الباء تأتي مع المتروك، أنت بعت العهد وأخذت ثمنًا قليلًا لا يناسب العهد.
لمسة
[95] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ وصف الثمن بالقليل جاء في الكلام عن العدوان على حق الله سبحانه، فمهما بلغ فهو ثمن قليل تحقيرًا لشأنه وتهوينًا من قدره.
وقفة
[95] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ غاية الخذلان: أن يحبك الناس لدينك؛ فتستثمر حبهم لدنياك.
وقفة
[95] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ إِنَّمَا عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه الآية أصل عظيم في النهي عن أخذ الرشوة، وتحمل بين طياتها تحذيرًا شديدًا في النهي عن كل ذنب يفعله العبد للحصول على مكسب دنيوي زائل.
لمسة
[95] ﴿إِنَّمَا عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أسلوب توکيد بالقصر بإعادة الضمير (هو)، فلم يقل الحق سبحانه: (إنما عند الله خير لكم)؛ لأنه يحتمل أن ما عند غيره أيضًا خير لكم، أما تعبير القرآن: (هو خير لكم) أي: الخير في ما عند الله على سبيل القصر، وليس عند غيره أي خير.
وقفة
[95، 96] كان لحفصة بنت سيرين ابن عظيم البر بها، فمات، فقالت حفصة: لقد رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق، غير أني كنت أجد غصة لا تذهب، قالت فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل، إذ أتيت على هذه الآية: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾، قالت: فأعدتها، فأذهب الله ما كنت أجد.
وقفة
[95، 96] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ يبيع دينه بعرض دنيوي، فيؤثر زائلًا على باقي.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَشْتَرُوا:
  • تعرب اعراب وَلا تَتَّخِذُوا» الواردة في الآية الكريمة السابقة. أي ولا تبيعوا لأن اشترى وباع يستعمل أحدهما مكان الآخر بمعنى واحد.
  • ﴿ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً:
  • بمعنى: ولا تبيعوا عهد الله بثمن قليل وهنا حلت الكلمتان: عهد وثمنا كل منهما محل الأخرى من حيث الاعراب. بعهد: جار ومجرور متعلق بتشتروا. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.ثمنا: مفعول به منصوب بالفتحة. قليلا: صفة-نعت-لثمنا منصوبة بالفتحة ويجوز أن تكون كلمة «ثمنا» مفعولا مطلقا منصوبا بفعل مضمر تقديره ولا تثمنوا بعهد الله ثمنا قليلا لأن عبارة: أثمنت الشيء: بمعنى بعته بثمن .. وبما أنّ لا تَشْتَرُوا» معناها: لا تبيعوا فيكون التقدير المذكور:ولا تثمنوا بعهد الله ثمنا قليلا.
  • ﴿ إِنَّما عِنْدَ اللهِ:
  • بمعنى: إنّ الذي عند الله: إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «إنّ» عند «ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف وهو هنا قد يستعمل بمعنى الملك والسلطان على الشيء. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:
  • هو: ضمير فصل أو حرف عماد لا محل لها. خير: خبر «إنّ» مرفوع بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بخير. والميم علامة جمع الذكور والأفصح هنا أن يكون «هو» ضمير رفع منفصلا مبنيا على الفتح في محل رفع مبتدأ لأن ما سبقه معرفة وليس نكرة. و «خير» خبر «هو» والجملة الاسمية هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» في محل رفع خبر «انّ» وشبه الجملة عِنْدَ اللهِ» متعلق بمحذوف تقديره كان. أو وجد وجملة «كان عند الله أو وجد عند الله سبحانه» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
  • ان: حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم والتاء ضمير المخاطبين في محل رفع اسم «كان».تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل ومعمولها محذوف التقدير: تعلمون ذلك. والجملة الفعلية «تعلمون» في محل نصب خبر «كان» وجواب الشرط‍ محذوف لتقدم معناه. والميم في كنتم علامة جمع الذكور. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [95] لما قبلها :     وبعد النَّهى عن نقضِ العهودِ؛ نهى اللهُ عز وجل عباده هنا أن يبيعوا دينهم بدنياهم، فينقضوا عهودهم مقابل عرض من الدنيا زائل، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [96] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ..

التفسير :

[96] ما عندكم من حطام الدنيا يذهب، وما عند الله لكم من الرزق والثواب لا يزول. ولَنُثِيبنَّ الذين تحمَّلوا مشاق التكاليف -ومنها الوفاء بالعهد- ثوابهم بأحسن أعمالهم، فنعطيهم على أدناها، كما نعطيهم على أعلاها تفضُّلاً.

فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الذي عندكم ولو كثر جدا لا بد أن{ يَنْفَدُ} ويفنى،{ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ببقائه لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس وهذا كقوله تعالى:{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}{ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا. خصوصا الزهد المتعين وهو الزهد فيما يكون ضررا على العبد ويوجب له الاشتغال عما أوجب الله عليه وتقديمه على حق الله فإن هذا الزهد واجب.

ومن الدواعي للزهد أن يقابل العبد لذات الدنيا وشهواتها بخيرات الآخرة، فإنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى الأمرين [وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة كالصلاة والصيام والذكر ونحوها، بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا حتى يقوم بما يقدر عليه من الأوامر الشرعية الظاهرة والباطنة، ومن الدعوة إلى الله وإلى دينه بالقول والفعل، فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا، والرغبة والسعي في كل ما ينفع]{ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} على طاعة الله، وعن معصيته، وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة بدينهم{ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا

ثم أضاف- سبحانه- إلى ترغيبهم في العمل بما يرضيه ترغيبا آخر فقال: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ.

أى: ما عندكم من متاع الدنيا وزهرتها يفنى وينقضي ويزول، وما عند الله- تعالى- في الآخرة من عطاء باق لا يفنى ولا يزول، فآثروا ما يبقى على ما ينفد. يقال: نفد الشيء بكسر الفاء- ينفد- بفتحها- نفادا ونفودا، إذا ذهب وفنى.

ثم بشر- سبحانه- الصابرين على طاعته بأعظم البشارات فقال: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

أى: ولنجزين الذين صبروا على طاعتنا، واجتنبوا معصيتنا، ووفوا بعهودنا، بجزاء أفضل وأكرم مما كانوا يعملونه في الدنيا من خيرات وطاعات.

وأكد- سبحانه- هذه البشارة بلام القسم، ونون التوكيد، لترغيبهم في الثبات على فضيلة الصبر، وعلى الوفاء بالعهد.

قال الجمل ما ملخصه: وقوله أَجْرَهُمْ مفعول ثان لنجزى. وقوله بِأَحْسَنِ نعت لمحذوف، أى: بجزاء أحسن من عملهم الذي كانوا يعملونه في الدنيا، والباء بمعنى على .

( ما عندكم ينفد ) أي : يفرغ وينقضي ، فإنه - إلى أجل - معدود محصور مقدر متناه . ( وما عند الله باق ) أي : وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له فإنه دائم لا يحول ولا يزول ، ( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) قسم من الرب - عز وجل متلقى باللام - أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم ، أي : ويتجاوز عن سيئها .

وقوله ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: وليثيبنّ الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السّراء والضرّاء، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها ، ومسارعتهم في رضاه، بأحسن ما كانوا يعملُون من الأعمال دون أسوئها، وليغفرنّ الله لهم سيئها بفضله.

المعاني :

يَنفَدُ :       يَذْهَبُ وَيَفْنَى السراج
ينفد :       ينقضي و يفنى و يزول معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾ فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الذي عندكم -ولو كثر جدًا- لا بد أن ينفد ويفنى، وما عند الله باق ببقائه، لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس، وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصًا الزهد المتعين، وهو الزهد فيما يكون ضررًا على العبد.
عمل
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾ تصدق بصدقة ترجو نفعها وبركتها في الدنيا ويوم القيامة.
وقفة
[96] ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من فضل الله على الصابر أنه يوم القيامة ينظر إلى أفضل عمل عمله ويجعل من أهله، ولو لم يفعله إلا مرة واحدة في عمره.
تفاعل
[96] ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ﴾، ﴿فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: 33]، ﴿لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف: 109]، ما الفرق بين (ينفذ) و(ينفد)؟ ينفذ: يخترق، ينفد: ينتهي.
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ﴾ ‏أَشيَاؤُنَا أَحِبَّتُنَا أَوْقَاتُنَا السَّعِيدَةُ فَقَطْ مَا عِنْدَ البَاقِي ﷻ هَوَ البَاقِي ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾.
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾ قال الفضيل: «لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى؛ لَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْتَارَ خَزَفًا يَبْقَى على ذهب يفنى، فكيف وقد اخترنا خزفًا يفني على ذهب يبقى؟!».
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾ استحضرها إذا تصدقت، واعلم أن الصدقة قرض حسن لله ﷻ، والله يضاعفه لك أضعافًا كثيرة، ويا للتجارة الرابحة!
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾ كثير من الناس لا ينصرف ذهنه عند قراءة هذه الآية إلا للمال أو الطعام ونحوه، والحق أنها تشمل السمع والبصر وسائر ما عند العباد من أمور حسية ومعنوية.
وقفة
[96] ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾ كل شيء تملكه نهـايته الزوال، ولن يبقى لك إلا صالح الأعمال.
وقفة
[96] ما كان منك لله في علم وعمل ودين ودعوة فهو باق لك في اﻵخرة، وقد يجمع الله لك معه الدنيا، فتعاهد قصدك مع الله ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾.
وقفة
[96] كل شيء تملكه لابدَّ أن تفقده ساعة الموت ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ﴾.
وقفة
[96] نظرت إلى هذا الخَلْق، فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾ فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله؛ ليبقى عنده محفوظًا.
وقفة
[96] إن من استعد للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها وخمدت من نفسه نيران الشهوات وأخبت قلبه إلى الله وعكفت همته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته وأصبح قلبه يقول تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾.
وقفة
[96] لا تتعجل ثمرة عملك الطيب، واصبر وإن سخر من ثباتك، فما أعده الله لك من خير أكثر وأكبر وأدوم ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾.
وقفة
[96] عوتب أحد السلف في كثرة الصدقة، فقال: «لو أراد رجل أن ينتقل من دار إلى دار، أكان يترك في الأولى شيئًا؟!» فهل نعي حقيقة الدنيا؟! قال تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاق﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ما عِنْدَكُمْ:
  • ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. عند: ظرف مكان منصوب بالفتحة على الظرفية متعلق بجملة الصلة المحذوفة. التقدير: ما هو كائن عندكم أو ما هو مستقر عندكم أو ما استقر عندكم. وهو مضاف والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ يَنْفَدُ:
  • أي يفنى: وهو فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «ينفد» في محل رفع خبر «ما».
  • ﴿ وَما عِنْدَ اللهِ:
  • وما: معطوفة بواو العطف على «ما» الأولى وتعرب إعرابها. عند: أعربت. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ باقٍ:
  • خبر «ما» مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص نكرة. تحذف ياؤه في حالتي الرفع والخبر وتثبت عند النصب والتعريف والاضافة
  • ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا:
  • الواو: استئنافية. اللام للتوكيد. نجزين:أي نثيبن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والنون: لا محل لها. الذين:اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. صبروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «صبروا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب
  • ﴿ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
  • مفعول به ثان منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بأحسن: جار ومجرور متعلق بنجزي. أحسن: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة لأنه مضاف. ما:اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة وجملة كانُوا يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يعملون» في محل نصب خبر «كان» وجملة كانُوا يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها. والعائد ضمير في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: ما كانوا يعملونه. '

المتشابهات :

التوبة: 121﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّـهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
النحل: 96﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بـ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
النحل: 97﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِـ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
العنكبوت: 7﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
الزمر: 35﴿لِيُكَفِّرَ اللَّـهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِـ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [96] لما قبلها :     ولمَّا ذَكَرَ اللهُ عز وجل أن ما عنده خير من أي عرض في هذه الدنيا؛ بَيَّنَ هنا السبب، وهو: أن ما عند الله من الأجر والثواب يبقى، وما عند الناس من الدنيا يفنى، ومن العقل أن يؤثر الباقي على الفاني، قال تعالى:
﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولنجزين:
1- هذه قراءة عاصم، وابن كثير.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [97] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ ..

التفسير :

[97] مَن عمل عملاً صالحاً، ذكراً كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالا صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتض لها، فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح{ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب.{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} في الآخرة{ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من أصناف اللذات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين الذين يحرصون على العمل الصالح فقال- تعالى-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

أى: من عمل عملا صالحا، بأن يكون خالصا لوجه الله- تعالى- وموافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان هذا العامل المؤمن ذكرا أم أنثى، فلنحيينه حياة طيبة، يظفر معها بصلاح البال، وسعادة الحال.

وقال- سبحانه-: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى مع أن لفظ «من» في قوله: مَنْ عَمِلَ يتناول الذكور والإناث للتنصيص على النوعين، حتى يكون أغبط لهما، ولدفع ما قد يتوهم من أن الخطاب للذكور وحدهم.

ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت «من» متناول في نفسه للذكر والأنثى فما معنى تبيينه بهما؟ قل: هو مبهم صالح على الإطلاق للنوعين، إلا أنه إذا ذكر كان الظاهر تناوله للذكور، فقيل «من ذكر أو أنثى» على التبيين ليعم الوعد النوعين جميعا .

وقيد- سبحانه- العامل بكونه مؤمنا فقال: وَهُوَ مُؤْمِنٌ لبيان أن العمل لا يكون مقبولا عند الله- تعالى- إلا إذا كان مبنيا على العقيدة الصحيحة، وكان صاحبه يدين بدين الإسلام، وقد أوضح القرآن هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .

والمراد بالحياة الطيبة في قوله- تعالى-: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً الحياة الدنيوية التي يحياها المؤمن إلى أن ينقضي أجله.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: هذا وعد من الله- تعالى- لمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا.. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أى جهة كانت. وقد روى عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال، وعن على بن أبى طالب أنه فسرها بالقناعة.

والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه » .

وقيل المراد بالحياة الطيبة هنا: الحياة الأخروية، وقد صدر الشيخ الآلوسى تفسيره بهذا الرأى فقال ما ملخصه: قوله- تعالى-: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً والمراد بالحياة الطيبة التي تكون في الجنة، إذ هناك حياة بلا موت، وغنى بلا فقر، وصحة بلا سقم، وسعادة بلا شقاوة.. فعن الحسن: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.

وقال شريك: هي حياة تكون في البرزخ.. وقال غير واحد هي في الدنيا .

ويبدو لنا أن تفسير الحياة الطيبة هنا بأنها الحياة الدنيوية أرجح، لأن الحياة الأخروية جاء التصريح بها بعد ذلك في قوله- تعالى-: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

فلو فسرنا الحياة الطيبة بالحياة الأخروية لكان في الآية الكريمة ما يشبه التكرار، ولكننا لو فسرناها بالحياة الدنيوية لكانت الآية الكريمة مبينة لجزاء المؤمنين في الدارين.

وأيضا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم السابق: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا» يشير إلى أن المراد بالحياة الطيبة، الحياة الدنيوية، لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة.

وعلى ذلك يكون المعنى الإجمالى للآية الكريمة: من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة في الدنيا، يظفر معها بالسعادة وصلاح البال، والأمان والاطمئنان، أما في الآخرة فسنجزيه جزاء أكرم وأفضل مما كان يعمله في الدنيا من أعمال صالحة.

قال صاحب الكشاف قوله: حَياةً طَيِّبَةً يعنى في الدنيا، وهو الظاهر لقوله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ وعدهم الله ثواب الدنيا والآخرة، كقوله: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ ... .

وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا، يعيش عيشا طيبا، إن كان موسرا فلا مقال فيه، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله.

وأما الفاجر فأمره على العكس. إن كان معسرا فلا إشكال في أمره، وإن كان موسرا، فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه .

ثم أشار- سبحانه- إلى أن من الأعمال الصالحة، أن يستعيذ المسلم عند قراءته للقرآن الكريم، من الشيطان الرجيم، فقال- تعالى:

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت . وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب .

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه فسرها بالقناعة . وكذا قال ابن عباس ، وعكرمة ، ووهب بن منبه .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنها السعادة .

وقال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة : لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة .

وقال الضحاك : هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا ، وقال الضحاك أيضا : هي العمل بالطاعة والانشراح بها .

والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه " .

ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ به

وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هانئ ، عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قد أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع به " . وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .

وقال الإمام أحمد ، حدثنا يزيد ، حدثنا همام ، عن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا [ ويثاب عليها في الآخرة ، وأما الكافر فيعطيه حسناته في الدنيا ] حتى إذا أفضى إلى الآخرة ، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا " . انفرد بإخراجه مسلم .

يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن: يقول : وهو مصدّق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة، وبوعيد أهل معصيته على المعصية ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) .

واختلف أهل التأويل في الذي عَنى الله بالحياة الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن يُحْيِيَهموها، فقال بعضهم: عنى أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سَمِيع (3) عن أبي مالك وأبي الربيع، عن ابن عباس، بنحوه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع، عن أبي الربيع، عن ابن عباس، في قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الرزق الحسن في الدنيا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع، عن ابن عباس ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الرزق الطيب في الدنيا.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) يعني في الدنيا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن مطرف، عن الضحاك ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الرزق الطيب الحلال.

حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عون بن سلام القرشيّ، قال: أخبرنا بشر بن عُمارة، عن أبي رَوُق، عن الضحاك، في قوله ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: يأكل حلالا ويلبس حلالا.

وقال آخرون ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) بأن نرزقه القناعة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن أبي خزيمة سليمان التمَّار، عمن ذكره عن عليّ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: القنوع.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عصام، عن أبي سعيد، عن الحسن البصريّ، قال: الحياة الطيبة: القناعة.

وقال آخرون: بل يعني بالحياة الطيبة الحياة مؤمنًا بالله عاملا بطاعته.

* ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) يقول: من عمل عملا صالحًا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة، فحياته طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحًا، عيشته ضنكة لا خير فيها.

وقال آخرون: الحياة الطيبة السعادة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: السعادة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الحياة في الجنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هَوْذة، عن عوف، عن الحسن ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: لا تطيب لأحد حياة دون الجنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) فإن الله لا يشاء عملا إلا في إخلاص، ويوجب عمل ذلك في إيمان، قال الله تعالى ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) وهي الجنة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الآخرة يحييهم حياة طيبة في الآخرة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الحياة الطيبة في الآخرة: هي الجنة، تلك الحياة الطيبة، قال ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وقال: ألا تراه يقول يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي قال: هذه آخرته. وقرأ أيضًا وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ قال: الآخرة دار حياة لأهل النار وأهل الجنة، ليس فيها موت لأحد من الفريقين.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) قال: الإيمان: الإخلاص لله وحده، فبين أنه لا يقبل عملا إلا بالإخلاص له.

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة ، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه ، ولم يعظم فيها نَصَبه ولم يتكدّر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها.

وإنما قلت ذلك أولى التأويلات في ذلك بالآية ، لأن الله تعالى ذكره أوعد قوما قبلها على معصيتهم إياه إن عصوه أذاقهم السوء في الدنيا ، والعذاب في الآخرة، فقال تعالى وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فهذا لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، فهذا لهم في الآخرة. ثم أتبع ذلك لمَن أوفى بعهد الله وأطاعه فقال تعالى: ما عندكم في الدنيا ينفد، وما عند الله باق، فالذي (4) هذه السيئة بحكمته أن (5) يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدنيا، والغفران في الآخرة، وكذلك فَعَلَ تعالى ذكره.

وأما القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال، فهو مُحْتَمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال ، وإن قلّ فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله. لا أنه يرزقه الكثير من الحلال، وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة.

وقوله ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) فذلك لا شك أنه في الآخرة . وكذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي مالك، عن ابن عباس ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) قال: إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سَمِيع، عن أبي مالك، وأبي الربيع، عن ابن عباس، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع، عن ابن عباس ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ ) قال: في الآخرة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع، عن ابن عباس، مثله.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يقول: يجزيهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون.

وقيل: إن هذه الآية نـزلت بسبب قوم من أهل مِلَل شتى تفاخروا، فقال أهل كلّ ملة منها: نحن أفضل، فبين الله لهم أفضل أهل الملل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قال: جلس ناس من أهل الأوثان وأهل التوراة وأهل الإنجيل، فقال هؤلاء: نحن أفضل ، وقال هؤلاء: نحن أفضل ، فأنـزل الله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[97]﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال بعض السلف: «الحياة الطيبة: هي الرضا والقناعة»، علَّق ابن رجب: «أهل الرِّضا تارةً يلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء، وأنه غير متهم في قضائه، وتارةً يلاحظون ثواب الرضا بالقضاء؛ فينسيهم ألم المقضي به، وتارةً يلاحظون عظمة المبتلي وجلاله وكماله؛ حتى ربما تلذذوا بما أصابهم لصدوره عن حبيبهم».
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالًا صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ لا يسعد الإنسان في الحياة سعادة تدوم إلا بالطاعات.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ فسرها ابن القيم أنها: «حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله والتوكل عليه».
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ لو قال الملك لأحدهم: «افعل كذا وسأسعدك»؛ لنفذ فورًا! لكن انظر كيف نتلقى وعدًا ربانيًا كهذا؟!
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ جاء في تفسير الحياة الطيبة: القناعة، الرزق، العبادة، السعادة، وبينها وبين التقوى علاقة طردية.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ لا يشترط للسعادة أعمالًا ضخمة، أي عمل صالح يورث السعادة.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ يكفي للمؤمن شرفًا أن ينال الحياة الطيبة في الدنيا قبل أن ينتقل إليها في الآخرة.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقًا حلالًا طيبًا من حيث لا يحتسب.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ لا يشعر الإنسان بالسعادة الحقيقية إلا في ظل الإيمان والعمل الصالح.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال أبو بكر الورّاق: «هي حلاوة الطاعة»، وقال الحسن البصري: «القناعة».
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ الحياة الطيبة هي انشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى ولو كان الإنسان في أشد بؤس، فإنه مطمئن القلب منشرح الصدر.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ إن الحياة بلا سعادة الإيمان قدر مشترك بين البشر وبين النمل على ضعفه، والحمار على ذله وخسفه، والجمل على إذلاله وتسخيره؛ فإذا كانوا اليوم يسمون أحياء فمن هذا النوع.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ العمل الصالح المقرون بالإيمان يجعل الحياة طيبة.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال المهايمي: «أي فيتلذذ بعمله في الدنيا فوق تلذذ صاحب المال والجاه، ولا يبطل تلذذه إعساره، إذ يرضيه الله بقسمته فيقنعه، ويقل اهتمامه بحفظ المال وتنميته، والكافر لا يهنأ عيشه بالمال والجاه، إذ يزداد حرصًا وخوف فوات».
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ يكفي المؤمن شرفًا أن ينال الحياة الطيبة في الدنيا قبل أن ينتقل إليها في الآخرة.
تفاعل
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[97] الحياة الطيبة الحقيقية لا تكون إلا لأهل الإيمان، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] هل تريد أن تعيش حياة طيبة كريمة؟ تأمل هذا الوعد: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] يا من تبحث عن السعادة إليك الحل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ﴾، النتيجة: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] لا يسعد الإنسان في الحياة سعادة تدوم إلا بالطاعات ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ربط السعادة مع إصلاح العمل.
وقفة
[97] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إذا أردت الراحة في مستقبلك؛ عليك أن تحسن في عملك.
وقفة
[97] الحياة الطيبة والجزاء الحسن يتحققان بأمرين: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[97] السعادة التي يجدها المسلم في لذة العبادة هي الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين في قوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[97] الحياة الطيبة مقصد لكل إنسان، ومطلب لكل عاقل، والوصول إليها سهل وميسور ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[97] ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ كلما ازداد العبد قُربًا من الله؛ أذاقه الله من اللذَّة والحلاوة ما يجد طعمها في يقظتهِ ومنامه وطعامه وشرابه.
وقفة
[97] ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ بإمكانك أن تساهم في (حسن مستقبلك) من خلال (حسن عملك).
وقفة
[97] ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال الحسن: «أي لنرزقنه طاعة يجد لذتها في قلبه».
وقفة
[97] نجرب أنفسنا هل نحن بإيماننا وبأعمالنا الصالحة نجد الراحة والطمأنينة والسعادة العاجلة؟ فإن هذه بشرى المؤمن ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] علمتني الحياة: نشاط الروح يلزم منه نشاط البدن ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾، قال الضحاك: «هو عمل الطاعة والانشراح بها».
وقفة
[97] إلى من يتقطع قلبه على فوات شيء من نعيم الدنيا: سل ربك من واسع فضله، فإن ضاق عليك رزقك؛ فسل ربك القناعة، فذلك -والله- نعيم معجل، يقول الحسن البصري في قوله تعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال: نرزقه قناعة.
وقفة
[97] كلما طيب العبد خلوته بينه وبين الله؛ طيب الله خلوته في قبره ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وقفة
[97] ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في القرآن الكريم لا تجد: (لنجزينهم بما كانوا يعملون) في خطاب المؤمنين مطلقًا، إما لخطاب الكافرين: ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس: 54]، أو لعموم الخلق، ويستثني المؤمنين منهم؛ لأن المؤمن لا يُجزى بمقدار ما يعمل؛ لأن الحسنة تجزى بخير منها، أما هنا فهي: (بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
وقفة
[97، 98] قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ بعد قوله: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ إشارةٌ إلى أن القرآن مفتاحُ الحياة الطيبة تلاوةً وتدبرًا وعملًا.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ عَمِلَ صالِحاً:
  • من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع. عمل: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. صالحا: مفعول به منصوب بالفتحة أي من عمل عملا صالحا فحذف المفعول وحلت الصفة بدلا منه.
  • ﴿ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «من» أو أنثى: معطوفة بأو على «ذكر» مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ:
  • الواو حالية والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال.هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مؤمن: خبر «هو» مرفوع بالضمة. بمعنى: وهو مؤمن بما أنزله الله على رسله.
  • ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍ واللام للتوكيد. نحيينه: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. حياة: منصوب على المصدر-مفعول مطلق-منصوب بالفتحة بمعنى: نجعلنه يحيا حياة طيبة. طيبة: صفة-نعت-لحياة منصوبة مثلها بالفتحة.
  • ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ:
  • معطوفة بالواو على «لنحيينه «وتعرب إعرابها».والميم علامة جمع الذكور. الغائبين. أي ولنوفينهم.
  • ﴿ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة.أي ثوابهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا. '

المتشابهات :

النحل: 97﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
غافر: 40﴿مَنۡ عَمِلَ سَيِّئَةٗ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [97] لما قبلها :     ولمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن ما عنده من الأجر والثواب يبقى؛ رَغَّبَ هنا في العمل الصالح، وبَيَّنَ الجزاء المترتب على العمل الصالح في الدنيا والآخرة، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [98] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ..

التفسير :

[98] فإذا أردت -أيها المؤمن- أن تقرأ شيئاً من القرآن فاستعذ بالله مِن شرِّ الشيطان المطرود من رحمة الله قائلاً:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

أي:فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها.

فالطريق إلى السلامة من شره الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من شره، فيقول القارئ:{ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} متدبرا لمعناها، معتمدا بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهدا في دفع وساوسه وأفكاره الرديئة مجتهدا، على السبب الأقوى في دفعه، وهو التحلي بحلية الإيمان والتوكل.

والمراد بقوله- تعالى-: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ.. أى فإذا أردت قراءته. فالكلام على حذف الإرادة، وذلك لأن المعنى الذي طلبت من أجله الاستعاذة وهو دفع وسوسة الشيطان يقتضى أن يبدأ القارئ بها- أى بالاستعاذة- قبل القراءة لا بعدها وشبيه بهذه الآية في حذف الإرادة لدلالة المقام عليها قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ.. أى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا.

وقوله- تعالى-: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ أى:

أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.

والمعنى: فإذا أردت- أيها المسلم- قراءة القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أى: فاستجر بالله، والتجئ إلى حماه مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.

قال ابن كثير: والشيطان في لغة العرب، كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، وهو مشتق من شطن بمعنى بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير ... » .

والرجيم بزنة فعيل بمعنى مفعول. أى: أنه مرجوم ومطرود من رحمة الله- تعالى-.

قال بعض العلماء: وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة، مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر هداية، والشيطان مصدر ضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته. فعلمنا الله- تعالى- أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صادق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله. وقوة عزيمته في طرد الشيطان ووساوسه، واستقبال هدايته بقلب طاهر، وعقل واع وإيمان ثابت .

وكيفية الاستعاذة أن يقول القارئ عند إرادة قراءته للقرآن، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد تضافرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة.

قال الآلوسى. وروى الثعلبي والواحدي أن ابن مسعود قرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ابن أم عبد، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا أقرأنى جبريل..» .

وقال صاحب تفسير آيات الأحكام: والأمر بها- أى بالاستعاذة- للندب عند الجمهور.

وعن الثوري أنها واجبة. وظاهر الآية يؤيده، إذ الأمر للوجوب. والجمهور يقولون: إنه صرفها عن الوجوب ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للأعرابى- أى الذي سأله عن كيفية الصلاة- وأيضا فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتركها.. .

هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - : إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم . وهو أمر ندب ليس بواجب ، حكى الإجماع على ذلك الإمام أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة . وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الاستعاذة مبسوطة في أول التفسير ، ولله الحمد والمنة .

والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارئ قراءته ويخلط عليه ، ويمنعه من التدبر والتفكر ، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة وحكي عن حمزة وأبي حاتم السجستاني : أنها تكون بعد التلاوة ، واحتجا بهذه الآية . ونقل النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن أبي هريرة أيضا ، ومحمد بن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، والصحيح الأول ؛ لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدمها على التلاوة ، والله أعلم .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا كنت يا محمد قارئًا القرآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وكان بعض أهل العربية يزعم أنه من المؤخر الذي معناه التقديم. وكان معنى الكلام عنده: وإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم، فاقرأ القرآن ، ولا وجه لما قال من ذلك، لأن ذلك لو كان كذلك لكان متى استعاذ مستعيذ من الشيطان الرجيم لزمه أن يقرأ القرآن، ولكن معناه ما وصفناه ، وليس قوله (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) بالأمر اللازم، وإنما هو إعلام وندب . وذلك أنه لا خلاف بين الجميع ، أن من قرأ القرآن ولم يستعذ بالله من الشيطان الرجيم . قبل قرأته أو بعدها أنه لم يضيع فرضا واجبا. وكان ابن زيد يقول في ذلك نحو الذي قلنا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) قال: فهذا دليل من الله تعالى دلّ عباده عليه.

المعاني :

فاستعذ بالله :       فاعتصم به تعالى و الجأ إليه معاني القرآن
الرَّجِيمِ :       المَطْرُودِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ السراج

التدبر :

وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ فيه الأمر بالاستعاذة عند القراءة, وذلك شامل للصلاة وغيرها.
لمسة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ لماذا قال (إذا) كأداة شرط وليس (إن)؟ الجواب: في لغة العرب (إن) فيما يقل أو يندر احتمال وقوعه، أما (إذا) فيما يكثر حدوثه، ومعنى هذا أن الأصل أن تقرأ القرآن.
لمسة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ دخلت (إذا) على الفعل الماضي (قَرَأْتَ) فقرَّبته من المستقبل إلى واقع الحال، يعني قراءتك للقرآن مسألة قريبة قائمة.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ المعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة: لئلا يلبس على القارئ قراءته، ويخلط عليه، ويمنعه من التدبر والتفكر.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ وفائدة الاستعاذة: ليكون الشيطان بعيدًا عن قلب المرء وهو يتلو كتاب الله، حتى يحصل له بذلك تدبر القرآن وتفهم معانيه، والانتفاع به؛ لأنك إذا قرأته وقلبك حاضر حصل لك من معرفة المعاني والانتفاع بالقرآن ما لم يحصل لك إذا قرأته وأنت غافل، وجرِّب تجد.
عمل
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ استعذ بالله من الشيطان الرجيم عند قراءتك للقرآن, خاصة عند قراءة الفاتحة في الصلاة.
عمل
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ نعم، استعذ بالله من الشيطان الرجيم لتقرأ القرآن بقلب حاضر وبتدبر وتفكر ولا تنشغل عنه!
عمل
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ استعذ: خشوعك وتدبرك على قدر بعد الشيطان عنك حين القراءة.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ الطريق إلى السلامة من شر الشيطان هو الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من شره.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ على المؤمنين أن يجعلوا القرآن إمامهم، فيتربوا بعلومه، ويتخلقُوا بأخلاقه، ويستضيئوا بنوره، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيوية.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ لا هدنة، لا صلح، لا مسايرة، لا طاعة، لا مجاملة، فلقد أخبرك الله أنه مرجوم مطرود من رحمته فكيف تطيعه؟! ذلكم هو الشيطان الرجيم؛ فاحذر.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ لا يغيظ الشياطين شيء كالقرآن؛ ولهذا أمرنا بالاستعاذة لصد ردة أفعالهم.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ قرارك بفتح المصحف ربما تغتاله الشياطين؛ فاستعذ بالله، فإنه قرار يستحق الكثير من المجاهدة؛ لأنه سيمنحك الكثير من السعادة الحقيقية.
وقفة
[98] ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له، وتهيؤ لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني، الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه.
وقفة
[98] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ إذا توجهت لقراءة القرآن، فاعلم أنه سيهاجمك شيطان؛ لأن الشيطان أحرص ما يكون على استهدافك عند الأعمال الصالحة؛ لذا استعن بسلاح الاستعاذة، فإذا ولى عدوك الأدبار منهزمًا؛ فانتهز الفرصة السانحة؛ واستنزل فيوضات الله ورحماته بتلاوة آياته.
وقفة
[98] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ جاء بلفظ الجلالة؛ فهو يحتمل كل الصفات، لكن لما تقول القادر يخطر في بالك صفة القدرة، الرحمن صفة الرحمة، الكريم صفة الكرم.
وقفة
[98] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ استعذ: أمر من الفعل استعاذ، وهذه صيغة استفعل فيها معنى الطلب والسعي في الشيء، فهِم غير استفهم أي سعى طالبًا الفهم فيها جهد، ما قال القرآن: (فقل أعوذ بالله)؛ لأن ذاك تلقين ليس فيه جهد، والآية تريدنا أن نبذل جهدًا في الإستحضار والتفكر بالإستعاذة بالله سبحانه وتعالى، والفاء (فاستعذ) فيها معنى اللجوء والاندفاع إلى حصن حصين، إلى الله تعالى.
وقفة
[98] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: 34]، ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾، في الأولى التعامل مع البشر لطيب المنبع، وفي الثانية التعامل مع الشيطان لخبث المنبع وسوء المقصد.
وقفة
[98] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ لماذا استعمل القرآن الكريم كلمة الشيطان ما قال إبليس؟ لأمرين: أولًا: إبليس هو اسم أبو الشياطين الذي أبى أن يسجد لآدم، وأول من عصى ربه تعالى، فليس شرطًا أن يكون هو الذي يأتي ليوسوس لك، لأن له ذرية وكل إنسان وُكّل به شيطانه. ثانيًا: كلمة إبليس من البَلَس وهو نوع من الاختباء، ففيها معنى الانكسار والخذلان والحزن، بينما الآية تريد أن تحذِّر.
لمسة
[98] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ كلمة (الشَّيْطَانِ) من الشطن الذي هو الحبل الممتد، يعني أن هذا الشيطان يمتد إليك فكن حذرًا منه، لكن حتى لا يغالي الإنسان في كثرة الخوف منه؛ جاءت كلمة الرجيم وأكدت على ضعفه في الآية التالية.
تفاعل
[98] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
لمسة
[98] ﴿الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ ما قال الشيطان اللعين أو غيره، وهذا الوصف هنا هو أنسب الأوصاف للشيطان حتى تتخيل صورته، وهو يُرجم بالحجارة، فكأنه منشغل بنفسه، فكلمة شيطان فيه حبل ممتد إليك حتى لا تتهاون في شأنه، وكلمة رجيم حتى لا يبلغ بك الخوف منه مبلغًا عظيمًا فهو رجيم مرجوم.
لمسة
[98] ﴿الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ هل من فرق بين الرجيم والمرجوم؟ عندنا لغتان: فعيل ومفعول، فعيل نسميها صفة مشبهة كأن الرجم لازم له صفته اللاصقة به، أما المرجوم فقد يكون مرجومًا الآن لكن قد لا يكون مرجومًا بعد ساعة.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ:
  • الفاء: استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازمة والجملة بعده: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف-اذا-قرأت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء تاء المخاطب في محل رفع فاعل. القرآن: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَاسْتَعِذْ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. الفاء واقعة في جواب الشرط‍.استعذ: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت: بمعنى: فقل التجئ الى الله من وسوسة الشيطان الرجيم.
  • ﴿ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ:
  • جاران ومجروران متعلقان باستعذ. الرجيم: صفة-نعت-للشيطان مجرورة مثله والصفة تفيد الذم بمعنى المرجوم صيغة فعيل بمعنى-مفعول-بمعنى المطرود. '

المتشابهات :

النحل: 98﴿فَـ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
الإسراء: 45﴿وَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [98] لما قبلها :     ولمَّا رَغَّبَ اللهُ عز وجل في العملِ الصالحِ؛ أرشدَ هنا إلى العملِ الذي به تَخلُصُ بها الأعمالُ الصَّالحةُ عن وَساوِسِ الشَّيطان، وهي الاستعاذة، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [99] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ..

التفسير :

[99] إن الشيطان ليس له تسلُّطٌ على المؤمنين بالله ورسوله، وعلى ربهم وحده يعتمدون

فإن الشيطان{ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} أي:تسلط{ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ} وحده لا شريك له{ يَتَوَكَّلُونَ} فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان ولا يبق له عليهم سبيل.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن وسوسة الشيطان لا أثر لها على المؤمنين الصادقين فقال- تعالى-: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أى: إن الشيطان مهما تمرد وعتا فإنه «ليس له سلطان» أى: ليس له تسلط واستيلاء واستحواذ بالقهر والغلبة، على نفوس الذين آمنوا بالله- تعالى- حق الإيمان والذين هم عليه- تعالى- وحده يتوكلون ويعتمدون لا على غيره.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وقوله- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا .

وقوله : ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) قال الثوري : ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه .

وقال آخرون : معناه لا حجة له عليهم . وقال آخرون : كقوله : ( إلا عبادك منهم المخلصين ) .

وأما قوله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فإنه يعني بذلك: أن الشيطان ليست له حجة على الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمر الله به وانتهوا عما نهاهم الله عنه ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يقول: وعلى ربهم يتوكلون فيما نابهم من مهمات أمورهم.

المعاني :

سُلْطَانٌ :       تَسَلُّطٌ السراج
سلطان :       تَسلّطٌ و ولاية معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: ليس له عليهم سبيل، ولا يقدر على إضلالهم.
وقفة
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ قال الثوري: «ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه».
وقفة
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فنَفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين: الإيمان، والتوكُّل.
وقفة
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى سببان للحماية من شرور إبليس ووساوسه.
وقفة
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لا يقوى تسلط الشيطان على الإنسان إلا مع ضعف الإيمان، وإذا قوي الإيمان ضعف تسلّطه.
عمل
[99] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ سل الله تعالى أن يجعلك من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.
عمل
[99] إذا كثر نفوذ الشيطان على ثغرات قلبك، فتفقد إيمانك وصدق توكلك، فإن الله يقول: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
وقفة
[99] مراغمة الشيطان مع ابن آدم سجال، غير أن من حقق اﻹيمان بالله وتوكل عليه؛ فسيتحرر من سلطانه ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
وقفة
[99] من أواخـر مَعاقِل صراع التّائب مع الشيطان: عقبة الوهم الخادع بصعوبة هجر المألوفات المحرمة، وقطع السبل الموصلة إليها، مع أنَّها من أهون الأشياء على الصادق في توبته، الواثق بمعونة الله له ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
وقفة
[99] الحصن الذي يقينا كيد الشيطان هو الإيمان بالله والتوكل عليه ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
وقفة
[99] الإيمان والتوكل حاجز منيع من وساوس الشيطان ونزغاته ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ» والجملة الفعلية بعده في محل رفع خبر «إنّ».ليس: فعل ماض ناقص. له: جار ومجرور متعلق بخبر «ليس» مقدم. و «سلطان» اسم «ليس» مؤخر مرفوع بالضمة.بمعنى: تسلط‍.
  • ﴿ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا:
  • حرف جر. الذين: اسم موصول في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بسلطان. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.وجملة «آمنوا» صلة الموصول لا محل لها. أي آمنوا بالله.
  • ﴿ وَعَلى رَبِّهِمْ:
  • الواو عاطفة. على رب: جار ومجرور متعلق بيتوكلون و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يَتَوَكَّلُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي فانهم لا يقبلون وساوس الشيطان. '

المتشابهات :

الأنفال: 2﴿َإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
النحل: 42﴿ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
النحل: 99﴿إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
العنكبوت: 59﴿ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
الشورى: 36﴿وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [99] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ عز وجل رَسولَه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذةِ مِن الشَّيطانِ، وكان ذلك يُوهِمُ أنَّ للشَّيطانِ قُدرةً على التصَرُّفِ في أبدانِ النَّاسِ؛ فأزال اللهُ هذا الوَهمَ، وبيَّنَ أنَّه لا قُدرةَ له البتَّةَ إلَّا على الوَسْوسةِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [100] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ..

التفسير :

[100]إنما تسلُّطه على الذين جعلوه مُعيناً لهم وأطاعوه، والذين هم -بسبب طاعته- مشركون بالله تعالى.

{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} أي:تسلطه{ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} أي:يجعلونه لهم وليا، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا وقادهم إلى النار قَوْدًا.

وبعد أن نفى- سبحانه- أن يكون للشيطان سلطان على نفوس المؤمنين الصادقين، أثبت- سبحانه- أن تسلط الشيطان إنما هو على نفوس الضالين، فقال- تعالى-: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.

أى: إنما تسلط الشيطان وتأثيره على الضالين الفاسقين الذين يَتَوَلَّوْنَهُ أى:

يتقربون منه، ويجعلونه واليا عليهم، فيحبونه ويطيعونه ويتبعون خطواته.

فقوله يَتَوَلَّوْنَهُ من الولي- بفتح الواو وسكون اللام- بمعنى القرب والنصرة وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ أى: والذين هم بسبب الشيطان وإغوائه لهم، مشركون مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة.

فالضمير في «به» يعود إلى الشيطان، والباء للسببية.

ويرى بعضهم أن الضمير في «به» يعود على الله- تعالى، وأن الباء للتعدية، فيكون المعنى: إنما سلطان الشيطان على الذين يطيعونه، والذين هم بالله- تعالى- مشركون.

قالوا، والأول أرجح لاتحاد الضمائر فيه، ولأنه هو المتبادر إلى الذهن.

وبذلك نرى الآيات الكريمة، تأمر المؤمنين بأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، عند قراءتهم للقرآن الكريم، كما نراها تبشرهم بأنه لا سلطان للشيطان عليهم ما داموا معتصمين بحبل الله- تعالى- ومنفذين لأوامره، ومعتمدين عليه.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك بعض الأقاويل التي قالها المشركون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال تعالى:

( إنما سلطانه على الذين يتولونه ) قال مجاهد : يطيعونه .

وقال آخرون : اتخذوه وليا من دون الله .

( والذين هم به مشركون ) أي : أشركوا في عبادة الله تعالى . ويحتمل أن تكون الباء سببية ، أي : صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى .

وقال آخرون : معناه : أنه شركهم في الأموال والأولاد .

( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) يقول: إنما حجته على الذين يعبدونه، ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) يقول: والذين هم بالله مشركون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ ) قال: حجته.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) قال: يطيعونه.

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله لم يسلط فيه الشيطان على المؤمن.

فقال بعضهم بما حُدّثت عن واقد بن سليمان، عن سفيان، في قوله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر.

وقال آخرون: هو الاستعاذة، فإنه إذا استعاذ بالله منع منه ، ولم يسلط عليه ، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الله تعالى: وَإِمَّا يَنْـزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَـزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة الحِجْر.

وقال آخرون في ذلك، بما حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) إلى قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) يقال: إن عدوّ الله إبليس قال لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل، وإنما سلطانه على قوم اتخذوه وليا ، وأشركوه في أعمالهم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يقول: السلطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) يقول: الذين يطيعونه ويعبدونه.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا فاستعاذوا بالله منه، بما ندب الله تعالى ذكره من الاستعاذة ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) على ما عرض لهم من خطراته ووساوسه.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن الله تعالى ذكره أتبع هذا القول ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) وقال في موضع آخر: وَإِمَّا يَنْـزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَـزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فكان بينا بذلك أنه إنما ندب عباده إلى الاستعاذة منه في هذه الأحوال ليُعيذهم من سلطانه.

وأما قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم فيه بما قلنا إن معناه: والذين هم بالله مشركون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) قال: يعدلون بربّ العالمين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) قال: يعدلون بالله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) عدلوا إبليس بربهم، فإنهم بالله مشركون.

وقال آخرون: معنى ذلك: والذين هم به مشركون، أشركوا الشيطان في أعمالهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) أشركوه في أعمالهم.

والقول الأوّل، أعني قول مجاهد، أولى القولين في ذلك بالصواب ، وذلك أن الذين يتولون الشيطان إنما يشركونه بالله في عبادتهم وذبائحهم ومطاعمهم ومشاربهم، لا أنهم يشركون بالشيطان. ولو كان معنى الكلام ما قاله الربيع، لكان التنـزيل: الذين هم مشركوه، ولم يكن في الكلام به ، فكان يكون لو كان التنـزيل كذلك ، والذين هم مشركوه في أعمالهم، إلا أن يوجه موجه معنى الكلام ، إلى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان ، ويشركون الله به في عبادتهم إياه، فيصحّ حينئذ معنى الكلام، ويخرج عما جاء التنـزيل به في سائر القرآن ، وذلك أن الله تعالى وصف المشركين في سائر سور القرآن أنهم أشركوا بالله ، ما لم ينـزل به عليهم سلطانا، وقال في كلّ موضع تقدّم إليهم بالزجر عن ذلك ، لا تشركوا بالله شيئا، ولم نجد في شيء من التنـزيل: لا تشركوا الله بشيء، ولا في شيء من القرآن. خبرا من الله عنهم أنهم أشركوا الله بشيء فيجوز لنا توجيه معنى قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) إلى والذين هم بالشيطان مشركو الله. فبين إذًا إذ كان ذلك كذلك ، أن الهاء في قوله ( وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ ) عائدة على الربّ في قوله ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .

المعاني :

يَتَوَلَّوْنَهُ :       يَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا مُطَاعًا السراج

التدبر :

لمسة
[100] ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِين َيَتَوَلَّوْنَهُ﴾ عبر بالمضارع للدلالة على تجدد عملية التولي، للتنبيه على أنهم كلما تولوه بطاعته تمكن منهم سلطانه، وإذا انقطع التولي بالإقلاع أو التوبة انسلخ سلطانه عليهم.
وقفة
[100] الشيطان ضعيف، لكنه يستمد قوته من إقبال الضالين عليه وخضوعهم له: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِين يَتَوَلَّوْنَهُ﴾، وما كان الشيطان يومًا صاحب سلطان على من يتولى الله ويلجأ إليه ويستعيذ به.
وقفة
[100] ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ الضمير في (به) إما أن يعود على الله تعالى فتكون الجملة: (الذين هم بالله مشركون)، أو يعود على الشيطان فتكون الجملة: (الذين هم بسببه مشركون).

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّما سُلْطانُهُ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. سلطانه أي تسلطه: مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء ضمير الغائب في محل جر بالإضافة
  • ﴿ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ:
  • أي على الذين يتخذونه وليا لأمورهم. على:حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بعلى.والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ. يتولونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة يَتَوَلَّوْنَهُ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ:
  • والذين: معطوفة بالواو على «الذين» الأولى وتعرب إعرابها والجملة الاسمية بعدها: صلة الموصول لا محل لها. هم:ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. به: جار ومجرور متعلق بمشركون أي بسببه بمعنى من أجل الشيطان. مشركون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. بمعنى: والذين هم بسبب الشيطان مشركون بالله سبحانه. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [100] لما قبلها :     وبعد أن نفى اللهُ عز وجل أن يكون للشيطان سلطان على المؤمنين الصادقين؛ بَيَّنَ هنا أن له سلطان على من يتخذونه وليًّا ويطيعونه، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [101] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ..

التفسير :

[101] وإذا بدَّلنا آية بآية أخرى، والله الخالق أعلم بمصلحة خَلْقه بما ينزله من الأحكام في الأوقات المختلفة، قال الكفار:إنما أنت -يا محمد- كاذب مختَلِق على الله ما لم يَقُلْه. ومحمد -صلى الله عليه وسلم- ليس كما يزعمون. بل أكثرهم لا عِلْم لهم بربهم ولا بشر

يذكر تعالى أن المكذبين بهذا القرآن يتتبعون ما يرونه حجة لهم، وهو أن الله تعالى هو الحاكم الحكيم، الذي يشرع الأحكام، ويبدل حكما مكان آخر لحكمته ورحمته، فإذا رأوه كذلك قدحوا في الرسول وبما جاء به و{ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} قال الله تعالى:{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فهم جهال لا علم لهم بربهم ولا بشرعه، ومن المعلوم أن قدح الجاهل بلا علم لا عبرة به، فإن القدح في الشيء فرع عن العلم به، وما يشتمل عليه مما يوجب المدح أو القدح.

وقوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه. فتبديل الآية رفعها بآية أخرى.

وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا: الآية القرآنية. وعلى أن المراد بتبديلها نسخها.

قال صاحب الكشاف: تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله- تعالى- ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله- تعالى- عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته.. .

وقال الجمل: قوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا، ما هذا إلا مفترى يتقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... والمعنى: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر .

وقال الآلوسى: قوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ أى: وإذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه. وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها.. .

ومنهم من يرى أن المراد بالآية هنا «الآية الكونية» أى المعجزة التي أتى بها كل نبي لقومه وأن المراد بتبديلها: الإتيان بمعجزة أخرى سواها.

قال الشيخ القاسمى عند تفسيره لهذه الآية: وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين. كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية، بآية أخرى نفسية علمية، وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل.

فبدلت تلك- وهي الآيات الكونية- بآية هو كتاب العلم والهدى من نبي أمى صلى الله عليه وسلم .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن قوله- تعالى- بعد ذلك: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ... يدل دلالة واضحة على أن المراد بالآية، الآية القرآنية.

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ جملة معترضة بين الشرط وجوابه للمسارعة إلى توبيخ المشركين وتجهيلهم.

أى: والله- تعالى- أعلم من كل مخلوق بما هو أصلح لعباده، وبما ينزله من آيات، وبما يغير ويبدل من أحكام، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.

وقوله- تعالى-: قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ جواب الشرط، وهو حكاية لما تفوهوا به من باطل وبهتان: وقوله مُفْتَرٍ من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب.

أى: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم عند تبديل آية مكان آية: إنما أنت يا محمد تختلق هذا القرآن من عند نفسك، وتفتريه من إنشائك واختراعك..

وقوله- تعالى-: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم.

أى: لا تهتم- أيها الرسول الكريم- بما قاله هؤلاء المشركون في شأنك وفي شأن القرآن الكريم، فإن أكثرهم جهلاء أغبياء، لا يعلمون ما في تبديلنا للآيات من حكمة، ولا يفقهون من أمر الدين الحق شيئا.

وقال- سبحانه- بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ للإشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق وتدركه، ولكنها تنكره عنادا وجحودا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.

يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم ، وأنه لا يتصور منهم الإيمان وقد كتب عليهم الشقاوة ، وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول : ( إنما أنت مفتر ) أي : كذاب ، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .

وقال مجاهد : ( بدلنا آية مكان آية ) أي : رفعناها وأثبتنا غيرها .

وقال قتادة : هو كقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) [ البقرة : 106 ] .

يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية ، فأبدلنا مكانه حكم أخرى، والله أعلم بما ينـزل : يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، قالوا: إنما أنت مفتر يقول: قال المشركون بالله ، المكذبو رسوله لرسوله: إنما أنت يا محمد مفتر: أي مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله ، يقول الله تعالى بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر جهال ، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه ، لا يعلمون حقيقة صحته.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) رفعناها فأنـزلنا غيرها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) قال: نسخناها، بدّلناها، رفعناها، وأثبتنا غيرها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) هو كقوله مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) قالوا: إنما أنت مفتر، تأتي بشيء وتنقضه، فتأتي بغيره. قال: وهذا التبديل ناسخ، ولا نبدل آية مكان آية إلا بنسخ.

المعاني :

مُفْتَرٍ :       كَاذِبٌ، مُخْتَلِقٌ عَلَى اللهِ السراج

التدبر :

وقفة
[101] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ نسخ الأحكام واقع في القرآن زمن الوحي لحكمة، وهي مراعاة المصالح والحوادث، وتبدل الأحوال البشرية.
وقفة
[101] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ تأمل حسن الاعتراض وجزالته فقوله: (والله أعلم بما ينزل) أفاد أمورًا: الجواب عن سؤال سائل ما حكمة هذا التبديل؟ أن الذي بُدل وأتي بغيره منزل محكم نزوله قبل الإخبار بقولهم، ومنها: أن مصدر الأمرين عن علمه تبارك وتعالى، وأن كلا منهما منزل فيجب التسليم والإيمان.
وقفة
[101] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ جمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا: الآية القرآنية، وعلى أن المراد بتبديلها هو نسخها.
وقفة
[101] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ قال صاحب الكشاف: تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة، والله تعالى عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته.
وقفة
[101] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ أنواع النسخ ثلاثة: الأول: نسخ الحكم وبقاء التلاوة، ومثاله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ﴾ [المجادلة: ۱2] منسوخ بقوله تعالى: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة:۱۳]. الثاني: نسخ التلاوة وبقاء الحكم ومثاله: ما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مُوسَى الأَشْعَرِىّ أنه بَعَثَ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلاَثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ فَاتْلُوهُ وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّى قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: «لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ». [مسلم 1050]. الثالث: نسخ الحكم والتلاوة، ومثاله: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ». [مسلم 1452]. ومعنى (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ) أي عند من لم يبلغه النسخ لغاية ذلك الوقت.
وقفة
[101] قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان إذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية ألين منها؛ تقول كفار قريش: «والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه اليوم، يأمر بأمر وغدًا ينهى عنه، وإنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه»، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً:
  • الواو: استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو اداة شرط‍ غير جازمة والجملة الفعلية بعده: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف «اذا».بدل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. آية:مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مَكانَ آيَةٍ:
  • مكان: مفعول به ثان لبدلنا منصوب بالفتحة لأن الفعل «بدّل» يتعدى الى مفعولين بنفسه لأنه بمعنى: جعل وصير. آية: مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى: واذا أزلنا آية أي اذا نسخنا التي نزلت أول الأمر لتبدل الأحوال التي دعت اليها.
  • ﴿ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ:
  • أي بمعنى: والله أعلم بما ينزل وأخبر بما يصلح الناس وما يفسدهم. الواو: اعتراضية والجملة الاسمية بعده: اعتراضية لا محل لها ويجوز أن تكون الواو حالية والجملة بعدها: في محل نصب حالا.الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. أعلم: خبر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على صيغة-أفعل-الباء حرف جر. ما:اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم. ينزل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «ينزل» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير: بما ينزله.
  • ﴿ قالُوا:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-
  • ﴿ إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مفتر: خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص نكرة. أي أنت مختلف.
  • ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف. أكثر: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة لا يَعْلَمُونَ» في محل رفع خبر «أكثرهم» وحذف مفعول «يعلمون» اختصارا أي لا يعلمون أنّ الأحكام تتبدل بتبدل الأزمان. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإذا بَدَّلْنا آيَةً مَّكانَ آيَةٍ﴾ نَزَلَتْ حِينَ قالَ المُشْرِكُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا ﷺ يَسْخَرُ بِأصْحابِهِ، يَأْمُرُهُمُ اليَوْمَ بِأمْرٍ ويَنْهاهم عَنْهُ غَدًا، أوْ يَأْتِيهِمْ بِما هو أهْوَنُ عَلَيْهِمْ، وما هو إلّا مُفْتَرٍ يَقُولُهُ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [101] لما قبلها :     وبعد بيان أن للشيطان سلطان على من يتخذونه وليًّا ويطيعونه؛ ذكَرَ اللهُ عز وجل هنا نَتيجةَ ولايةِ الشَّيطانِ لأوليائِه المُشرِكينَ، وما يُلقيه إليهم مِن أباطيلِ وشبهات: الشُبْهَةُ الأولى: النسخ: فإذا بدَّلَ اللهُ آية بآية أخرى، واللهُ أعلمُ بمصلحة خَلْقه؛ اتهموا النَّبي صلى الله عليه وسلم بالكذب، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [102] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن ..

التفسير :

[102] قل لهم -أيها الرسول-:ليس القرآن مختلَقاً مِن عندي، بل نَزَّله جبريل مِن ربك بالصدق والعدل؛ تثبيتاً للمؤمنين، وهداية من الضلال، وبشارة طيبة لمن أسلموا وخضعوا لله رب العالمين.

{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وآفة.

{ بِالْحَقِّ} أي:نزوله بالحق وهو مشتمل على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه، فلا سبيل لأحد أن يقدح فيه قدحا صحيحا، لأنه إذا علم أنه الحق علم أن ما عارضه وناقضه باطل.

{ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} عند نزول آياته وتواردها عليهم وقتا بعد وقت، فلا يزال الحق يصل إلى قلوبهم شيئا فشيئا حتى يكون إيمانهم أثبت من الجبال الرواسي، وأيضا فإنهم يعلمون أنه الحق، وإذا شرع حكما [من الأحكام] ثم نسخه علموا أنه أبدله بما هو مثله أو خير منه لهم وأن نسخه هو المناسب للحكمة الربانية والمناسبة العقلية.

{ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} أي:يهديهم إلى حقائق الأشياء ويبين لهم الحق من الباطل والهدى من الضلال، ويبشرهم أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا. وأيضا فإنه كلما نزل شيئا فشيئا، كان أعظم هداية وبشارة لهم مما لو أتاهم جملة واحدة وتفرق الفكر فيه بل ينزل الله حكما وبشارة [أكثر] فإذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه وترووا منه أنزل نظيره وهكذا. ولذلك بلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغا عظيما، وتغيرت أخلاقهم وطبائعهم، وانتقلوا إلى أخلاق وعوائد وأعمال فاقوا بها الأولين والآخرين.

وكان أعلى وأولى لمن بعدهم أن يتربوا بعلومه ويتخلقوا بأخلاقه، ويستضيئوا بنوره في ظلمات الغي والجهالات ويجعلوه إمامهم في جميع الحالات، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيوية.

ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذي يقذفه على باطلهم فيزهقه فقال:.

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وروح القدس: هو جبريل- عليه السلام-، والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى الصفة. أى: الروح المقدس. ووصف بالقدس لطهارته وبركته. وسمى روحا لمشابهته الروح الحقيقي في أن كلا منهما مادة الحياة للبشر، فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب، والروح تحيا به الأجسام.

والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين، إن هذا القرآن الذي تزعمون أننى افتريته، قد نزل به الروح الأمين على قلبي من عند ربي، نزولا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، ليزيد المؤمنين ثباتا في إيمانهم، وليكون هداية وبشارة لكل من أسلم وجهه لله رب العالمين.

وفي قوله مِنْ رَبِّكَ تكريم وتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث اختص- سبحانه- هذا النبي الكريم بإنزال القرآن عليه، بعد أن رباه برعايته، وتولاه بعنايته.

وقوله بِالْحَقِّ في موضع الحال، أى: نزله إنزالا ملتبسا بالحكمة المقتضية له، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه.

وقوله: لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ بيان للوظيفة التي من أجلها نزل القرآن الكريم، وهي وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم، أما الكافرون فهم بعيدون عنها.

فقال تعالى مجيبا لهم : ( قل نزله روح القدس ) أي : جبريل ، ( من ربك بالحق ) أي : بالصدق والعدل ، ( ليثبت الذين آمنوا ) فيصدقوا بما أنزل أولا وثانيا وتخبت له قلوبهم ، ( وهدى وبشرى للمسلمين ) أي : وجعله هاديا [ مهديا ] وبشارة للمسلمين الذين آمنوا بالله ورسله .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للقائلين لك إنما أنت مفتر فيما تتلو عليهم من آي كتابنا ، أنـزله روح القُدُس : يقول: قل جاء به جَبرئيل من عند ربي بالحقّ. وقد بيَّنت في غير هذا الموضع معنى: روح القُدس، بما أغنى عن إعادته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا جعفر بن عون العمَريّ، عن موسى بن عبيدة الرَّبَذيّ، عن محمد بن كعب، قال: روح القُدُس: جبرئيل.

وقوله ( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ) يقول تعالى ذكره: قل نـزل هذا القرآن ناسخه ومنسوخه ، روح القدس عليّ من ربي، تثبيتا للمؤمنين ، وتقوية لإيمانهم، ليزدادوا بتصديقهم لناسخه ومنسوخه إيمانا لإيمانهم ، وهدى لهم من الضلالة، وبُشرى للمسلمين الذين استسلموا لأمر الله ، وانقادوا لأمره ونهيه ، وما أنـزله في آي كتابه، فأقرّوا بكل ذلك ،وصدقوا به قولا وعملا.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(1) في (اللسان: لطع): اللطع أن تضرب مؤخر الإنسان برجلك. تقول: لطعته (بالكسر) ألطعه لطعا. وقوله تعالى: (فتزل قدم بعد ثبوتها) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1 : 367): مثل يقال لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة ونحو ذلك: زلت قدمه.

(2) "عن" هنا: للتعليل، أي بسبب مفارقة الإسلام، مثلها في قوله تعالى: (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك): أي لأجلك.

(3) إسماعيل بن سميع، بالسين مفتوحة، الحنفي، أبو محمد، وثقه جماعة، وكان خارجيا.

(4) هذه العبارة قد سقطت منها كلمات، ولعل الأصل: فالذي أوعد أهل المعاصي بإذاقتهم هذه السيئة بحكمته، أراد أن يعقب .. الخ.

(5) هذه العبارة قد سقطت منها كلمات، ولعل الأصل: فالذي أوعد أهل المعاصي بإذاقتهم هذه السيئة بحكمته، أراد أن يعقب .. الخ.

المعاني :

رُوحُ الْقُدُسِ :       الرُّوحُ المُطَهَّرُ: جِبْرِيلُ - عليه السلام - السراج
روح القدس :       الرّوح المطهّر جبريل عليه السلام معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ قراءة القرآن من أعظم أسباب الثبات على الدين .
وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ كتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم لمن تمسك به وعمل.
وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰلِلْمُسْلِمِينَ﴾ من يبغي ثباتًا وتوفيقًا، وفتحًا، وبركةً، ورفعةً، ونُورًا، وأنسًا، وانشراحًا، فليلزمه.
وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ المداومة على قراءة القرآن من أسباب الثبات على دين الله.
وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ روح القدس هو جبريل عليه السلام، ووصفه بالقدس لطهارته وبركته، فهو المطهر من أي خطأ خاصة أثناء تبليغ الوحي من رب العالمين، وسمي روحًا لما يحمل من الرسالة الإلهية التي تحيا بها القلوب.
وقفة
[102] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ الإقبال على القرآن تدبرًا وعلمًا وعملًا وتلاوةً من أسباب الثبات على الدين.
وقفة
[102] ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [89]، ﴿وهدى وبشرى للمسلمين﴾: كلتا الآيتين في النحل، جاءت (رحمة) زيادة في الأولى عن الثانية، وذلك أن الأولى تفضلت بقوله تعالى: ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾، والتبيان رحمة، فجاءت (رحمة) متلائمة في السياق.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول- نزله: فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. أي نزل هذا القرآن. روح: فاعل مرفوع بالضمة. القدس:مضاف إليه مجرور بالكسرة أي نزله جبريل عليه السّلام أضيف الى القدس وهو الطهر والمراد الروح المقدس.
  • ﴿ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من ضمير «نزله» والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بالحق: جار ومجرور متعلق بحال ثان بتقدير: نزله متلبسا بالحق أو ومعه الحق أو صفة مصدر محذوف أي: نزله تنزيلا متلبسا بالحق.
  • ﴿ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اللام: حرف جر للتعليل. يثبت: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. آمنوا:صلة الموصول لا محل لها أي آمنوا في ايمانهم وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.و«أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بنزله: تثبيتا لهم وجملة «يثبت» صلة «ان» لا محل لها.
  • ﴿ وَهُدىً وَبُشْرى:
  • مفعول لأجلهما معطوفان بواوي العطف على محل «ليثبت» والتقدير: تثبيتا لهم وارشادا وبشارة وعلامة النصب الفتحة المقدرة على ألف «هدى» للتعذر وقد نون آخرها لأنها اسم مقصور نكرة ثلاثي والفتحة قدرت على ألف «بشرى» المقصورة للتعذر ولم تنون لأنها اسم مؤنث رباعي مقصور على وزن «فعلى».
  • ﴿ لِلْمُسْلِمِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «بشرى» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 87﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِـ رُوحُ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ
البقرة: 253﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِـ رُوحُ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم
المائدة: 110﴿إِذْ أَيَّدتُّكَ بـ رُوحُ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا
النحل: 102﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [102] لما قبلها :     ولَمَّا طعنَ المشركون في القرآن بأنه مُفتَرًى من عند محمد صلى الله عليه وسلم؛ هنا لَقَّنَ اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم الردَّ الذي يرد به عليهم، قال تعالى:
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف