ترتيب المصحف | 33 | ترتيب النزول | 90 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 73 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 15 | تبدأ في الجزء | 21 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 4/10 | يا أيها النبي: 1/3 |
بعدَ اختيارِهنَّ الآخرةَ وبيانِ مضاعفةِ العذابِ عليهِنَّ عندَ ارتكابِ الفاحشةِ، ذَكَرَ اللهُ هنا مضاعفةَ الثوابِ لهُنَّ على العملِ الصَّالحِ، ثُمَّ أمَرَهُنَّ بـ: عدمِ الخُضوعِ بالقَولِ، والقَرارِ في البُيوتِ وعدمِ التَّبرُّجِ ومداومةِ الطَّاعةِ، وتعليمِ
قريبًا إن شاء الله
بعدَ الحديثِ عن نساءِ النَّبي ﷺ ، بَيَّنَ اللهُ هنا المساواةَ بينَ الرجالِ والنساءِ في ثوابِ الآخرةِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} أي:تطيع{ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} قليلا أو كثيرًا،{ نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي:مثل ما نعطي غيرها مرتين،{ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} وهي الجنة، فقنتن للّه ورسوله، وعملن صالحًا، فعلم بذلك أجرهن.
هذا هو الجزاء في حالة ارتكابهن- على سبيل الفرض- لما نهى الله- تعالى- عنه، أما في حالة طاعتهن، فقد بين- سبحانه- جزاءهن بقوله: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ، وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً.
والقنوت: ملازمة الطاعة لله- تعالى-، والخضوع والخشوع لذاته.
أى: ومن يقنت منكن- يا نساء النبي- لله- تعالى-، ويلازم طاعته، ويحرص على مرضاة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وتعمل عملا صالحا.
من يفعل ذلك منكن، نؤتها أجرها الذي تستحقه مضاعفا، فضلا منا وكرما، وَأَعْتَدْنا لَها أى: وهيأنا لها زيادة على ذلك رِزْقاً كَرِيماً لا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-.
وهكذا نرى أن الله- تعالى- قد ميز أمهات المؤمنين، فجعل حسنتهن كحسنتين لغيرهن، كما جعل سيئتهن بمقدار سيئتين لغيرهن- أيضا- وذلك لعظم مكانتهن، ومشاهدتهن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا يشاهده غيرهن، من سلوك كريم، وتوجيه حكيم.
ثم ذكر عدله وفضله في قوله : ( ومن يقنت منكن لله ورسوله ) أي : يطع الله ورسوله ويستجب ( نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ) أي : في الجنة ، فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في أعلى عليين ، فوق منازل جميع الخلائق ، في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله منكن، وتعمل بما أمر الله &; 20-256 &; به؛(نُؤْتِهَا أجْرَهَا مَرَّتَينِ) يقول: يعطها الله ثواب عملها، مثلي ثواب عمل غيرهن من سائر نساء الناس (وَأعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) يقول: وأعتدنا لها في الآخرة عيشا هنيئا في الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ...) الآية، يعني (1) من تطع الله ورسوله (وَتَعْمَلْ صَالِحًا)؛ تصوم وتصلي .
حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن عون، قال: سألت عامرا عن القنوت، قال: وما هو؟ قال: قلت وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قال: مطيعين، قال: قلت (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله وَرَسُولِهِ) قال: يطعن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي من يطع منكن لله ورسوله (وَأعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) وهي الجنة.
واختلفت القراء في قراءة قوله (وَتَعْمَلْ صَالِحًا) فقرأ عامة قراء الحجاز والبصرة: (وَتَعْمَلْ) بالتاء ردا على تأويل من إذ جاء بعد قوله (مِنْكُنَّ) . وحكي بعضهم عن العرب أنها تقول: كم بيع لك جارية؟ وأنهم إن قدموا الجارية قالوا: كم جارية بيعت لك؟ فأنَّثوا الفعل بعد الجارية، والفعل في الوجهين لكم لا للجارية. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:
أيَـا أُمَّ عَمْـرٍو مَـن يَكُـن عُقْرُ دَارِهِ
جِــوَاءَ عَــدِيٍّ يِـأْكُلُ الْحَشَـراتِ
وَيَسْـوَدُّ مـن لَفْـحِ السَّـمُومِ جَبِينُـهُ
وَيَعْــرُو إنْ كَــانَ ذَوِي بَكَــرَاتِ (2)
فقال: وإن كانوا ولم يقل: وإن كان، وهو لمن فرده على المعنى. وأما أهل الكوفة، فقرأت ذلك عامة قرائها: (وَيَعْمَلْ) بالياء عطفا على يقنت، إذ كان الجميع على قراءة الياء. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلام العرب، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن العرب ترد خبر " من " أحيانا على لفظها، فتوحد وتذكر، وأحيانا على معناها كما قال جل ثناؤه وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فجمع مرة للمعنى ووحد أخرى للفظ.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) من هنا إلى آخر الحديث ساقط من الأصل، وهو في الدر المنثور للسيوطي (5 : 196).
(2) البيتان: من الشواهد الفراء في (معاني القرآن مصورة الجامعة 256) قال: أنشدني بعض العرب. وعقر الدار: أصلها، وقيل وسطها، وهو محلة القوم. والجواء: الفرجة التي بين محلة القوم ووسط البيوت؛ ويقال: نزلنا في جواء بني فلان، وقد بين أبو جعفر الطبري موضع الشاهد في البيت، ناقلا له عن الفراء، ولم يذكر قائل البيتين.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 31 | ﴿وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ |
---|
هود: 88 | ﴿وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُ﴾ |
---|
النحل: 67 | ﴿تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا رِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ |
---|
النحل: 75 | ﴿وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ﴾ |
---|
الحج: 58 | ﴿لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يقنت:
1- بالياء، على التذكر، حملا على لفظ «من» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاء التأنيث، حملا على معنى «من» ، وهى قراءة الجحدري، والأسوارى، ويعقوب، فى رواية.
وقال ابن خالويه: ما سمعت أن أحدا قرأ: «ومن يقنت» إلا بالتاء.
التفسير :
يقول تعالى:{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} خطاب لهن كلهن{ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} اللّه، فإنكن بذلك، تفقن النساء، ولا يلحقكن أحد من النساء، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها.
فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم، فقال:{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي:في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع{ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي:مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح [فإن القلب الصحيح]ليس فيه شهوة لما حرم اللّه، فإن ذلك لا تكاد تُمِيلُه ولا تحركه الأسباب، لصحة قلبه، وسلامته من المرض.
بخلاف مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه، فأدنى سبب يوجد، يدعوه إلى الحرام، يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه، فهذا دليل على أن الوسائل، لها أحكام المقاصد. فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلِينَ لهم القول.
ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله:{ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} أي:غير غليظ، ولا جاف كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع.
وتأمل كيف قال:{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} ولم يقل:{ فلا تَلِنَّ بالقول} وذلك لأن المنهي عنه، القول اللين، الذي فيه خضوع المرأة للرجل، وانكسارها عنده، والخاضع، هو الذي يطمع فيه، بخلاف من تكلم كلامًا لينًا، ليس فيه خضوع، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم، فإن هذا، لا يطمع فيه خصمه، ولهذا مدح اللّه رسوله باللين، فقال:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقال لموسى وهارون:{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
ودل قوله:{ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم، والحافظات، ونهيه عن قربان الزنا، أنه ينبغي للعبد، إذا رأى من نفسه هذه الحالة، وأنه يهشلفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كلام من يهواه، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام، فَلْيَعْرِفْ أن ذلك مرض.
فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به.
ثم وجه- سبحانه- إليهن نداء ثانيا فقال: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ.
أى: يا نساء النبي، لقد أعطاكن الله- تعالى- من الفضل ومن سمو المنزلة ما لم يعط غيركن، فأنتن في مكان القدوة لسائر النساء، وهذا الفضل كائن لكن إن اتقيتن الله- تعالى- وصنتن أنفسكن عن كل ما نهاكن- سبحانه- عنه.
قال صاحب الكشاف: أحد في الأصل بمعنى وحد، وهو الواحد، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه. ومعنى قوله لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ:
لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء. أى: إذا استقصيت أمة النساء جماعة جماعة، لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة .
وجواب الشرط في قوله إِنِ اتَّقَيْتُنَّ محذوف لدلالة ما قبله عليه. أى: إن اتقيتن فلستن كأحد من النساء.
قال الآلوسى: قوله إِنِ اتَّقَيْتُنَّ شرط لنفى المثلية وفضلهن على النساء، وجوابه محذوف دل عليه المذكور.. والمفعول محذوف. أى: إن اتقيتن مخالفة حكم الله- تعالى- ورضا رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمراد إن دمتن على اتقاء ذلك. والمراد به التهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن، بمنزلة الخروج من التقوى .
فالمقصود بالجملة الكريمة بيان أن ما وصلن إليه من منزلة كريمة، هو بفضل تقواهن وخشيتهن لله- تعالى- وليس بفضل شيء آخر.
ثم نهاهن- سبحانه- عن النطق بالكلام الذي يطمع فيهن من في قلبه نفاق وفجور فقال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
أى: فلا ترققن الكلام، ولا تنطقن به بطريقة لينة متكسرة تثير شهوة الرجال، وتجعل مريض القلب يطمع في النطق بالسوء معكن فإن من محاسن خصال المرأة أن تنزه خطابها عن ذلك، لغير زوجها من الرجال.
وهكذا يحذر الله- تعالى- أمهات المؤمنين- وهن الطاهرات المطهرات- عن الخضوع بالقول، حتى يكون في ذلك عبرة وعظة لغيرهن في كل زمان ومكان فإن مخاطبة المرأة- لغير زوجها من الرجال- بطريقة لينة مثيرة للشهوات والغرائز، تؤدى إلى فساد كبير، وتطمع من لا خلاق لهم فيها.
ثم أرشدهن- سبحانه- إلى القول الذي يرضيه فقال: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً.
أى: اتركن الكلام بطريقة تطمع الذي في قلبه مرض فيكن، وقلن قولا حسنا محمودا، وانطقن به بطريقة طبيعية، بعيدة عن كل ريبة أو انحراف عن الحق والخلق الكريم.
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك ، فقال مخاطبا لنساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بأنهن إذا اتقين الله كما أمرهن ، فإنه لا يشبههن أحد من النساء ، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة ، ثم قال : ( فلا تخضعن بالقول )
قال السدي وغيره : يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال; ولهذا قال : ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) أي : دغل ، ( وقلن قولا معروفا ) : قال ابن زيد : قولا حسنا جميلا معروفا في الخير
ومعنى هذا : أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ، أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها
القول في تأويل قوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32)
يقول تعالى ذكره لأزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) من نساء هذه الأمة (إنِ اتَّقَيْتُنَّ) الله فأطعتنه في ما أمركن ونهاكن.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) يعني من نساء هذه الأمة.
وقوله: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) يقول: فلا تلن بالقول للرجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) يقول: لا ترخصن بالقول، ولا تخضعن بالكلام.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) قال: خضع القول ما يكره من قول النساء للرجال مما يدخل في قلوب الرجال.
وقوله (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) يقول: فيطمع الذي في قلبه ضعف، فهو لضعف إيمانه في قلبه؛ إما شاك في الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستخف بحدود الله، وإما متهاون بإتيان الفواحش.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: إنما وصفه بأن في قلبه مرضا، لأنه منافق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: نفاق.
وقال آخرون: بل وصفه بذلك لأنهم يشتهون إتيان الفواحش.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: قال عكرمة: شهوة الزنا.
وقوله: (وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) يقول: وقلن قولا قد أذن الله لكم به وأباحه.
كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) قال: قولا جميلا حسنا معروفا في الخير.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فيطمع:
1- بفتح الميم ونصب العين، جوابا للنهى، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالجزم، وكسر العين، لالتقاء الساكنين، وهى قراءة أبان بن عثمان، وابن هرمز.
التفسير :
{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي:اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ،{ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} أي:لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه.
ولما أمرهن بالتقوى عمومًا، وبجزئيات من التقوى، نص عليها [لحاجة]النساء إليها، كذلك أمرهن بالطاعة، خصوصًا الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما، ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات، وفي الصلاة، الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة، الإحسان إلى العبيد.
ثم أمرهن بالطاعة عمومًا، فقال:{ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يدخل في طاعة اللّه ورسوله، كل أمر، أُمِرَا به أمر إيجاب أو استحباب.
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به، ونهيكن بمانهاكُنَّ عنه،{ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} أي:الأذى، والشر، والخبث، يا{ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} حتى تكونوا طاهرين مطهرين.
أي:فاحمدوا ربكم، واشكروه على هذه الأوامر والنواهي، التي أخبركم بمصلحتها، وأنها محض مصلحتكم، لم يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجًا ولا مشقة، بل لتتزكى نفوسكم، ولتتطهر أخلاقكم، وتحسن أعمالكم، ويعظم بذلك أجركم.
ثم أمرهن- سبحانه- بعد ذلك بالاستقرار في بيوتهن، وعدم الخروج منها إلا لحاجة شرعية فقال وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.
قال القرطبي ما ملخصه: قوله وَقَرْنَ قرأه الجمهور- بكسر القاف- من القرار تقول: قررت بالمكان- بفتح الراء- أقر- بكسر القاف- إذا نزلت فيه- والأصل:
اقررن- بكسر الراء- فحذفت الراء الأولى تخفيفا.. ونقلوا حركاتها إلى القاف، واستغنى عن ألف الوصل لتحرك القاف.. فصارت الكلمة قَرْنَ- بكسر القاف-.
وقرأ عاصم ونافع وقرن- بفتح القاف- من قررت في المكان- بكسر الراء- إذا أقمت فيه.. والأصل اقررن- بفتح الراء- فحذفت الراء الأولى لثقل التضعيف،وألقيت حركتها على القاف.. فتقول: قَرْنَ- بالفتح للقاف-.
والمعنى: الزمن يا نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم بيوتكن، ولا تخرجن منها إلا لحاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك جميع النساء المسلمات، لأن الخطاب لهن في مثل هذه الأمور، هو خطاب لغيرهن من النساء المؤمنات من باب اولى، وإنما خاطب- سبحانه- أمهات المؤمنين على سبيل التشريف، واقتداء غيرهن بهن.
قال بعض العلماء: والحكمة في هذا الأمر: أن ينصرفن إلى رعاية شئون بيوتهن، وتوفير وسائل الحياة المنزلية التي هي من خصائصهن، ولا يحسنها الرجال، وإلى تربية الأولاد في عهد الطفولة وهي من شأنهن. وقد جرت السنة الإلهية بأن أمر الزوجين قسمة بينهما، فللرجال أعمال من خصائصهم لا يحسنها النساء، وللنساء أعمال من خصائصهن لا يحسنها الرجال، فإذا تعدى أحد الفريقين عمله، اختل النظام في البيت والمعيشة .
وقال صاحب الظلال ما ملخصه: والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله- تعالى- ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه السليم، ويهيئ للفراخ الناشئة فيه رعايتها، أوجب على الرجل النفقة، وجعلها فريضة، كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال، ما تشرف به على هذه الفراخ الزغب، وما تهيء به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها.
فالأم المكدودة بالعمل وبمقتضياته وبمواعيده.. لا يمكن أن تهيء للبيت جوه وعطره، ولا يمكن أن تهيء للطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها.
إن خروج المرأة للعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرور والضلال .
وهذه الجملة الكريمة ليس المقصود بها ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقا وإنما المقصود بها أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، ولا يخرجن إلا لحاجة مشروعة، كأداء الصلاة في المسجد، وكأداء فريضة الحج وكزيارة الوالدين والأقارب، وكقضاء مصالحهن التي لا تقضى إلا بهن.. بشرط أن يكون خروجهن مصحوبا بالتستر والاحتشام وعدم التبذل.
ولذا قال- سبحانه- بعد هذا الأمر، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى.
وقوله: تَبَرَّجْنَ مأخوذ من البرج- بفتح الباء والراء- وهو سعة العين وحسنها، ومنه قولهم: سفينة برجاء، أى: متسعة ولا غطاء عليها.
والمراد به هنا: إظهار ما ينبغي ستره من جسد المرأة، مع التكلف والتصنع في ذلك.
والجاهلية الأولى، بمعنى المتقدمة، إذ يقال لكل متقدم ومتقدمة: أول وأولى.
أو المراد بها: الجاهلية الجهلاء التي كانت ترتكب فيها الفواحش بدون تحرج.
وقد فسروها بتفسيرات متعددة، منها: قول مجاهد: كانت المرأة تخرج فتمشى بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
ومنها قول قتادة: كانت المرأة في الجاهلية تمشى مشية فيها تكسر.
ومنها قول مقاتل: والتبرج: أنها تلقى الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها.
ويبدو لنا أن التبرج المنهي عنه في الآية الكريمة، يشمل كل ذلك، كما يشمل كل فعل تفعله المرأة، ويكون هذا الفعل متنافيا مع آداب الإسلام وتشريعاته.
والمعنى: الزمن يا نساء النبي بيوتكن، فلا تخرجن إلا لحاجة مشروعة، وإذا خرجتن فاخرجن في لباس الحشمة والوقار، ولا تبدى إحداكن شيئا أمرها الله- تعالى- بستره وإخفائه، واحذرن التشبيه بنساء أهل الجاهلية الأولى، حيث كن يفعلن ما يثير شهوة الرجال، ويلفت أنظارهم إليهن.
ثم أتبع- سبحانه- هذا النهى بما يجعلهن على صلة طيبة بخالقهن- عز وجل- فقال:
وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ أى: داومن على إقامتها في أوقاتها بخشوع وإخلاص. وَآتِينَ الزَّكاةَ التي فرضها الله- تعالى- عليكن. وخص- سبحانه- هاتين الفريضتين بالذكر من بين سائر الفرائض، لأنهما أساس العبادات البدنية والمالية.
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى في كل ما تأتين وتتركن، لا سيما فيما أمرتن به، ونهيتن عنه.
وقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً تعليل لما أمرن به من طاعات، ولما نهين عنه من سيئات.
والرجس في الأصل: يطلق على كل شيء مستقذر. وأريد به هنا: الذنوب والآثام وما يشبه ذلك من النقائص والأدناس.
وقوله أَهْلَ الْبَيْتِ منصوب على النداء، أو على المدح. ويدخل في أهل البيت هنا دخولا أوليا: نساؤه صلّى الله عليه وسلّم بقرينة سياق الآيات.
أى: إنما يريد الله- تعالى- بتلك الأوامر التي أمركن بها، وبتلك النواهي التي نهاكن عنها، أن يذهب عنكن الآثام والذنوب والنقائص، وأن يطهركن من كل ذلك تطهيرا تاما كاملا.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... هذا نص في دخول أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في أهل البيت ها هنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية..
وقد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك، فقد روى الإمام أحمد بسنده- عن أنس بن مالك قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل البيت: ثم يتلو هذه الآية..» .
وقال بعض العلماء: والتحقيق- إن شاء الله- أنهن داخلات في الآية، بدليل السياق، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت..
ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت، قوله- تعالى- في زوجة إبراهيم:
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.
وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية، فهو أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال في على وفاطمة والحسن والحسين- رضى الله عنهم-: «إنهم أهل البيت» ودعا الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا.
وبما ذكرنا تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ولعلى وفاطمة والحسن والحسين.
فإن قيل: الضمير في قوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وفي قوله: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ضمير الذكور، فلو كان المراد أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم لقيل ليذهب عنكن ويطهركن؟.
فالجواب: ما ذكرناه من أن الآية تشملهن وتشمل فاطمة وعلى والحسن والحسين، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها..
ومن أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، أن زوجة الرجل يطلق عليها أهل،وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر، ومنه قوله- تعالى- في موسى فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا وقوله سَآتِيكُمْ والمخاطب امرأته كما قاله غير واحد..
وقال بعض أهل العلم: إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة .
وقوله : ( وقرن في بيوتكن ) أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن وهن تفلات " وفي رواية : " وبيوتهن خير لهن "
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا أبو رجاء الكلبي ، روح بن المسيب ثقة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى ، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قعد - أو كلمة نحوها - منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله "
ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا روح بن المسيب ، وهو رجل من أهل البصرة مشهور
وقال البزار أيضا : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن مورق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها "
ورواه الترمذي ، عن بندار ، عن عمرو بن عاصم ، به نحوه
وروى البزار بإسناده المتقدم ، وأبو داود أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها " وهذا إسناد جيد وقوله تعالى : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال ، فذلك تبرج الجاهلية
وقال قتادة : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) يقول : إذا خرجتن من بيوتكن - وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج - فنهى الله عن ذلك
وقال مقاتل بن حيان : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) والتبرج : أنها تلقي الخمار على رأسها ، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها ، وذلك التبرج ، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج وقال ابن جرير : حدثني ابن زهير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا داود - يعني ابن أبي الفرات - حدثنا علي بن أحمر ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : تلا هذه الآية : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قال : كانت فيما بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام ، فآجر نفسه منه ، فكان يخدمه واتخذ إبليس شيئا مثل الذي يزمر فيه الرعاء ، فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حوله ، فانتابوهم يسمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة ، فيتبرج النساء للرجال قال : ويتزين الرجال لهن ، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء وصباحتهن ، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ، فتحولوا إليهن ، فنزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن ، فهو قوله تعالى : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )
وقوله : ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ) ، نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير ، من إقامة الصلاة - وهي : عبادة الله ، وحده لا شريك له - وإيتاء الزكاة ، وهي : الإحسان إلى المخلوقين ، ( وأطعن الله ورسوله ) ، وهذا من باب عطف العام على الخاص وقوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) : وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا; لأنهن سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا ، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح
وروى ابن جرير : عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهكذا روى ابن أبي حاتم قال :
حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح ، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ، ففي هذا نظر; فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك :
الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : " الصلاة يا أهل البيت ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن عفان به وقال : حسن غريب
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إذا طلع الفجر ، جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : " الصلاة الصلاة ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
أبو داود الأعمى هو : نفيع بن الحارث ، كذاب
حديث آخر : وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا شداد أبو عمار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا عليا ، رضي الله عنه ، فلما قاموا قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت : توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه علي وحسن وحسين ، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ، ثم لف عليهم ثوبه - أو قال : كساءه - ثم تلا هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحق " ، وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير ، عن الوليد بن مسلم ، عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه - زاد في آخره : قال واثلة : فقلت : وأنا يا رسول الله - صلى الله عليك - من أهلك ؟ قال : " وأنت من أهلي " قال واثلة : إنها من أرجى ما أرتجي
ثم رواه أيضا عن عبد الأعلى بن واصل ، عن الفضل بن دكين ، عن عبد السلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن شداد أبي عمار قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا فشتموه ، فلما قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن الذي شتموه ، إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى صلى الله عليه وسلم عليهم كساء له ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قال : " وأنت " قال : فوالله إنها لأوثق عملي عندي
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها ، فأتته فاطمة ، رضي الله عنها ، ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه فقال لها : " ادعي زوجك وابنيك " قالت : فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه ، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ، وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي ، فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : فأخذ فضل الكساء فغطاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " ، قالت : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقال : " إنك إلى خير ، إنك إلى خير "
في إسناده من لم يسم ، وهو شيخ عطاء ، وبقية رجاله ثقات
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن أبي المعدل ، عن عطية الطفاوي ، عن أبيه; أن أم سلمة حدثته قالت : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما إذ قال الخادم : إن فاطمة وعليا بالسدة قالت : فقال لي : " قومي فتنحي عن أهل بيتي " قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل علي وفاطمة ، ومعهما الحسن والحسين ، وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما ، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى ، وقبل فاطمة وقبل عليا ، وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال : " اللهم ، إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي " قالت : فقلت : وأنا يا رسول الله ؟ صلى الله عليك قال : " وأنت "
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا [ الحسن بن عطية ، حدثنا ] فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة ; أن هذه الآية نزلت في بيتها : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : وأنا جالسة على باب البيت فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل البيت ؟ فقال : " إنك إلى خير ، أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم
طريق أخرى : رواه ابن جرير أيضا ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة بنحوه
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني موسى بن يعقوب ، حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال : أخبرتني أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ، ثم جأر إلى الله ، عز وجل ، ثم قال : " هؤلاء أهل بيتي " قالت أم سلمة : فقلت : يا رسول الله ، أدخلني معهم فقال : " أنت من أهلي "
طريق أخرى : رواه ابن جرير أيضا ، عن أحمد بن محمد الطوسي ، عن عبد الرحمن بن صالح ، عن محمد بن سليمان الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أمه بنحو ذلك
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق ، فوضعتها بين يديه فقال : " أين ابن عمك وابناك ؟ " فقالت : في البيت فقال : " ادعيهم " فجاءت إلى علي فقالت : أجب رسول الله أنت وابناك قالت أم سلمة : فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة ، فمده وبسطه ، وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله ، فضمه فوق رؤوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، عز وجل ، فقال : " اللهم ، هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة ، فقالت : في بيتي نزلت : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت أم سلمة : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال : " لا تأذني لأحد " فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أحجبه عن أمه وجده ، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه ، ثم جاء علي فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ، ثم قال : " هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فوالله ما أنعم ، وقال : " إنك إلى خير "
حديث آخر : قال ابن جرير ، حدثنا ابن وكيع ، حدثنا محمد بن بشر عن زكريا ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة ، رضي الله عنها : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة ، وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ، ثم جاء الحسين فأدخله معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر ، به
طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث ، حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام - يعني : ابن حوشب - عن عم له قال : دخلت مع أبي على عائشة ، فسألتها عن علي ، رضي الله عنه ، فقالت ، رضي الله عنها : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فألقى عليهم ثوبا فقال : " اللهم ، هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت : فدنوت منه فقلت : يا رسول الله ، وأنا من أهل بيتك ؟ فقال : " تنحي ، فإنك على خير "
حديث آخر : قال ابن جرير حدثنا المثنى ، حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي ، حدثنا مندل ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزلت هذه الآية في خمسة : في ، وفي علي ، وحسن ، وحسين ، وفاطمة : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة ، كما تقدم
وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العجلي ، عن عطية ، عن أبي سعيد موقوفا ، فالله أعلم
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا بكير بن مسمار قال : سمعت عامر بن سعد قال : قال سعد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال : " رب ، هؤلاء أهلي وأهل بيتي "
حديث آخر : وقال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، وشجاع بن مخلد جميعا ، عن ابن علية - قال زهير : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني أبو حيان ، حدثني يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا [ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ] ; حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي ، والله لقد كبرت سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه ثم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خما - بين مكة والمدينة - فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : " أما بعد ، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، وأولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ثلاثا فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم ؟ قال هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم
ثم رواه عن محمد بن بكار بن الريان ، عن حسان بن إبراهيم ، عن سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم ، فذكر الحديث بنحو ما تقدم ، وفيه : فقلنا له : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا وايم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده
هكذا وقع في هذه الرواية ، والأولى أولى ، والأخذ بها أحرى وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه ، إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة ، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط ، بل هم مع آله ، وهذا الاحتمال أرجح; جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها ، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت ، فإن في بعض أسانيدها نظرا ، والله أعلم ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، فإن سياق الكلام معهن; ولهذا قال تعالى بعد هذا كله :
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ) فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين: (وَقَرْنَ) بفتح القاف، بمعنى: واقررن في بيوتكن، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلى القاف، كما قيل فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ وهو يريد: فظللتم، فأسقطت اللام الأولى وهي مكسورة، ثم نقلت كسرتها إلى الظاء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة (وَقِرْنَ) بكسر القاف، بمعنى: كن أهل وقار وسكينة (في بيوتكن) .
وهذه القراءة وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا، فلا شك أن القراءة بكسر القاف، لأنه يقال: وقر فلان في منـزله؛ فهو يقر وقورا، فتكسر القاف في تفعل، فإذا أمر منه قيل: قر كما يقال من وزن يزِن زِن، ومن وعد: يعِد عِد، وإن كان من القرار، فإن الوجه أن يقال: اقررن؛ لأن من قال من العرب: ظلت أفعل كذا، وأحست بكذا، فأسقط عين الفعل، وحول حركتها إلى فائه في فعل وفعلنا وفعلتم، لم يفعل ذلك في الأمر والنهي، فلا يقول: ظل قائما ولا تظل قائما، فليس الذي اعتل به من اعتل لصحة القراءة بفتح القاف في ذلك يقول العرب في ظللت وأحسست: ظلت وأحست، بعلة توجب صحته لما وصفت من العلة، وقد حكى بعضهم عن بعض الأعراب سماعا منه: ينحطن من الجبل، وهو يريد: ينحططن، فإن يكن ذلك صحيحا، فهو أقرب إلى أن يكون حجة لأهل هذه القراءة من الحجة الأخرى.
وقوله: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلَيَّةِ الأولَى) قيل: إن التبرج في هذا الموضع: التبختر والتكسر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) : أي إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج، يعني بذلك: الجاهلية الأولى، فنهاهن الله عن ذلك.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أَبي نجيح، يقول في قوله (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) قال: التبختر. وقيل إن التبرج هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها للرجال.
وأما قوله (تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) فإن أهل التأويل اختلفوا في الجاهلية الأولى؛ فقال بعضهم: ذلك ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن زكريا، عن عامر (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولَى) قال: الجاهلية الأولى: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
وقال آخرون: ذلك ما بين آدم ونوح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن أبيه، عن الحكم (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) قال: وكان بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حسان، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسه؛ فأنـزلت هذه الآية (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) .
وقال آخرون: بل ذلك بين نوح وإدريس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن زهير، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا داود، يعني ابن أَبي الفرات، قال: ثنا علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: تلا هذه الآية (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) قال: كان فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحا، وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحا، وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام، فأجر نفسه منه، وكان يخدمه، واتخذ إبليس شيئا مثل ذلك الذي يزمر فيه الرعاء، فجاء فيه بصوت لم يسمع مثله، فبلغ ذلك من حولهم، فانتابوهم يسمعون إليه، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج الرجال للنساء، قال: ويتزين النساء للرجال، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك، فرأى النساء، فأتي أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهن، فنـزلوا معهن، فظهرت الفاحشة فيهن، فهو قول الله (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نساء النبي أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم وعيسى، فيكون معنى ذلك: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام.
فإن قال قائل: أوفي الإسلام جاهلية حتى يقال عنى بقوله (الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى): التي قبل الإسلام؟ قيل: فيه أخلاق من أخلاق الجاهلية.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) قال: يقول: التي كانت قبل الإسلام، قال: وفي الإسلام جاهلية؟ قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لأبي الدرداء، وقال لرجل وهو ينازعه: يا ابن فلانة: لأمٍّ كان يعيره بها في الجاهلية، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " يَا أبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، قال: أجاهلية كفر أو إسلام؟ قال: بل جاهلية كفر، قال: فتمنيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ. قال: وقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الطَّعْنُ بِالأنْسَابِ، وَالاسْتِمْطَارُ بِالْكَوَاكِبِ، وَالنِّيَاحَةُ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرني سليمان بن بلال، عن ثور، عن عبد الله بن عباس؛ أن عمر بن الخطاب قال له: أرأيت قول الله لأزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) هل كانت إلا واحدة؟ فقال ابن عباس: وهل كانت من أولى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر: لله درك يا ابن عباس، كيف قلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هل كانت من أولى إلا ولها آخرة؟ قال: فأت بتصديق ما تقول من كتاب الله، قالَ: نعم (وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ كَمَا جَاهَدْتُمْ أولَ مَرَّةٍ (3) ) قال عمر: فمن أمر بالجهاد؟ قال: قبيلتان من قريش؛ مخزوم وبنو عبد شمس، فقال عمر: صدقت.
وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم ونوح. وجائز أن يكون ما بين إدريس ونوح، فتكون الجاهلية الآخرة، ما بين عيسى ومحمد، وإذا كان ذلك مما يحتمله ظاهر التنـزيل، فالصواب أن يقال في ذلك كما قال الله: إنه نهى عن تبرج الجاهلية الأولى.
وقوله (وَأَقْمِنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ) يقول: وأقمن الصلاة المفروضة، وآتين الزكاة الواجبة عليكن في أموالكن (وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمراكن ونهياكن (إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ) يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء، وخصهم برحمة منه؟
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قال: الرجس هاهنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك.
اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله (أَهْلَ الْبَيْتِ) فقال بعضهم: عُني به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا بكر بن يحيى بن زبان العنـزي، قال: ثنا مندل، عن الأعمش، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " نـزلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ وَفِي عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحَسَنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحُسَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ الله عَنِهَا : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)" .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات غداة، وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن، فأدخله معه ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر، كلما خرج إلى الصلاة فيقول: " الصَّلاةَ أَهْلَ الْبَيْتِ(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطِهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ".
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم بن سويد النخعي، عن هلال، يعني ابن مقلاص، عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة قالت: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عندي، وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا، وغطى عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: " اللَّهُمَّ هَؤلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: أخبرني أبو داود، عن أَبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالَ: رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا طلع الفجر، جاء إلى باب علي وفاطمة، فقال: " الصَّلاةَ الصَّلاةَ "(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)" .
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، بإسناده عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثله.
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن كلثوم المحاربي، عن أَبي عمار، قال: إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليًّا رضي الله عنه، فشتموه، فلما قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا؛ إني عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين، فألقى عليهم كساء له، ثم قال: " اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ". قلت: يا رسول الله، وأنا؟ قال: " وَأَنْتَ". قال: فوالله إنها لأوثق عملي عندي .
حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثني شداد أبو عمار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدث، قال: سألت عن علي بن أبي طالب في منـزله، فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاء، فدخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ودخلت، فجلس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي ، اللَّهُمَّ أَهْلِي أَحَقُّ". قال واثلة: فقلت من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال: " وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي". قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرتجي.
حدثني أَبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري، عن أم سلمة قالت: لما نـزلت هذه الآية: (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) دعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عليا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فجلل عليهم كساء خيبريا، فقال: " اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ". قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: " أَنْتِ إلَى خَيْرٍ".
حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا سعيد بن زربي، عن محمد بن سيرين، عن أَبي هريرة، عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق، فوضعته بين يديه، فقال: " أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ وَابْنَاك؟" فقالت: في البيت، فقال: " ادْعِيهِمْ ". فجاءت إلى علي فقالت: أجب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنت وابناك، قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رءوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: " هَؤُلاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ".
حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا حسن بن عطية، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة؛ زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن هذه الآية نـزلت في بيتها(إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: " إِنَّكِ إلَى خَيْرٍ، أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النِّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ". قالت: وفي البيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .
حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا موسى بن يعقوب، قال: ثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: أخبرني أم سلمة أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جمع عليا والحسنين، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله، ثم قال: " هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي". فقالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم. قال: " إِنَّكِ مِنْ أَهْلِي".
حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: ثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد المكي، عن عطاء، عن عمر بن أبي سلمة، قال: نـزلت هذه الآية على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في بيت أم سلمة (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فدعا حسنا وحسينا وفاطمة فأجلسهم بين يديه، ودعا عليا فأجلسه خلفه، فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال: " هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ". قالت أم سلمة: أنا معهم مكانك، وأنت على خير (4) .
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المري، عن السدي، عن أَبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الأحزاب (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قال: ولأنتم هم؟ قال: نعم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد، قال: قال سعد: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين نـزل عليه الوحي، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة، وأدخلهم تحت ثوبه، ثم قالَ: " رَبِّ هَؤُلاءِ أَهْلِي وَأَهْلُ بَيْتِي".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن حكيم بن سعد، قال: ذكرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أم سلمة قالت: فيه نـزلت: (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). قالت أم سلمة: جاء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى بيتي فقال: " لا تَأْذَنِي لأحَدٍ". فجاءت فاطمة، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه، وجاء الحسين، فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على بساط، فجللهم نبي الله بكساء كان عليه، ثم قال: " هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا "؛ فنـزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط، قالت: فقلت: يا رسول الله وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم وقال: " إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ".
وقال آخرون: بل عنى بذلك أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الأصبغ، عن علقمة، قال: كان عكرمة ينادي في السوق (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قال: نـزلت في نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(3) كذا في الأصل المخطوط رقم 100 تفسير المحفوظ بدار الكتب، الورقة 57 ب. ولعلها قراءة لابن عباس .
(4) العبارة: "أنا معهم مكانك وأنت على خير": كلها من كلام أم سلمة، وهي نظير قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لها في الروايات التي قبل هذه: "إنك إلى خير، أنت من أزواج النبي ..." إلخ (انظر الجزء التاسع عشر من المخطوطة رقم: 100 تفسير بدار الكتب، الورقة 60).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
هود: 73 | ﴿رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ |
---|
الأحزاب: 33 | ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وقرن:
1- بفتح القاف، وهى لغة العرب، وبها قرأ عاصم.
وقرئ:
2- بكسر القاف، وهى قراءة الجمهور.
3- واقررن، بألف الوصل، وكسر الراء الأولى، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
التفسير :
ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل وترك، أمرهن بالعلم، وبين لهن طريقه، فقال:{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} والمراد بآيات اللّه، القرآن. والحكمة، أسراره. وسنة رسوله. وأمرهن بذكره، يشمل ذكر لفظه، بتلاوته، وذكر معناه، بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله.{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} يدرك أسرارالأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر.
فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة اللّه على تلك الأعمال.
ومن معاني{ اللطيف} الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر، بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق، ما لا يدريه، ويريه من الأسباب، التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقا [له]إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل.
ثم ختم- سبحانه- هذه التوجيهات الحكيمة بقوله- عز وجل-: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ...
أى: واذكرن في أنفسكن ذكرا متصلا، وذكّرن غيركن على سبيل الإرشاد، بما يتلى في بيوتكن من آيات الله البينات الجامعة بين كونها معجزات دالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلم، وبين كونها مشتملة على فنون الحكم والآداب والمواعظ..
ويصح أن يكون المراد بالآيات: القرآن الكريم، وبالحكمة: أقوال النبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته..
وفي الآية الكريمة إشارة إلى أنهن- وقد خصهن الله- تعالى- بجعل بيوتهن موطنا لنزول القرآن، ولنزول الحكمة- أحق بهذا التذكير، وبالعمل الصالح من غيرهن.
إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً أى: لا يخفى عليه شيء من أحوالكم، وقد أنزل عليكم ما فيه صلاح أموركم في الدنيا والآخرة.
وبعد هذه التوجيهات الحكيمة لأمهات المؤمنين، ساق- سبحانه- توجيها جامعا لأمهات الفضائل، وبشر المتصفين بهذه الفضائل بالمغفرة والأجر العظيم فقال- تعالى-:
( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) أي : اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة قاله قتادة وغير واحد ، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس ، وعائشة [ الصديقة ] بنت الصديق أولاهن بهذه النعمة ، وأحظاهن بهذه الغنيمة ، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ، فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه قال بعض العلماء ، رحمه الله : لأنه لم يتزوج بكرا سواها ، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ، فناسب أن تخصص بهذه المزية ، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته ، فقرابته أحق بهذه التسمية ، كما تقدم في الحديث : " وأهل بيتي أحق " وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال : " هو مسجدي هذا " فهذا من هذا القبيل; فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتسميته بذلك ، والله أعلم
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي جميلة قال : إن الحسن بن علي استخلف حين قتل علي ، رضي الله عنهما قال : فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد ، وحسن ساجد قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه ، فمرض منها أشهرا ، ثم برأ فقعد على المنبر ، فقال : يا أهلالعراق ، اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال الله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يحن بكاء
وقال السدي ، عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ؟ قال : نعم ، ولأنتم هم ؟ قال : نعم
وقوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي : بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة ، وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك ، أعطاكن ذلك وخصكن بذلك
قال ابن جرير ، رحمه الله : واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة ، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه
( إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي : ذا لطف بكن ، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة وهي السنة ، خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا
وقال قتادة : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) قال : يمتن عليهن بذلك رواه ابن جرير
وقال عطية العوفي في قوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) يعني : لطيف باستخراجها ، خبير بموضعها رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : وكذا روى الربيع بن أنس ، عن قتادة
القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
يقول تعالى ذكره لأزواج نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واذكرن نعمة الله عليكن؛ بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك، واحمدنه عليه، وعني بقوله (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ): واذكرن ما يقرأ في بيوتكن من آيات كتاب الله والحكمة، ويعني بالحكمة: ما أوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أحكام دين الله، ولم ينـزل به قرآن، وذلك السنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) : أي: السنة، قال: يمتن عليهم بذلك.
وقوله (إن اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) يقول تعالى ذكره: إن الله كان ذا لطف بكن؛ إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يتلى:
1- بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتاء التأنيث، وهى قراءة زيد بن على.
التفسير :
لما ذكر تعالى ثواب زوجات الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وعقابهن [لو قدر عدم الامتثال]وأنه ليس مثلهن أحد من النساء، ذكر بقية النساء غيرهن.
ولما كان حكمهن والرجال واحدًا، جعل الحكم مشتركًا، فقال:{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وهذا في الشرائع الظاهرة، إذا كانوا قائمين بها.{ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وهذا في الأمور الباطنة، من عقائد القلب وأعماله.
{ وَالْقَانِتِينَ} أي:المطيعين للّه ولرسوله{ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ} في مقالهم وفعالهم{ وَالصَّادِقَاتِ}{ وَالصَّابِرِينَ} على الشدائد والمصائب{ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ} في جميع أحوالهم،خصوصًا في عباداتهم، خصوصًا في صلواتهم،{ وَالْخَاشِعَاتِ}{ وَالْمُتَصَدِّقِينَ} فرضًا ونفلاً{ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} شمل ذلك، الفرض والنفل.{ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ} عن الزنا ومقدماته،{ وَالْحَافِظَاتِ}{ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ [كَثِيرًا} أي:]في أكثر الأوقات، خصوصًا أوقات الأوراد المقيدة، كالصباح والمساء، وأدبار الصلوات المكتوبات{ وَالذَّاكِرَاتِ}
{ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} أي:لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي، ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان.
فجازاهم على عملهم{ بِالْمَغْفِرَةً} لذنوبهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات.{ وَأَجْرًا عَظِيمًا} لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل اللّه أن يجعلنا منهم.
ورد في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، عن أم سلمة- رضى الله عنها- قالت: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلم: مالنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني منه صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم إلا نداؤه على المنبر، وهو يتلو هذه الآية: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ....
وأخرج الترمذي وغيره عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزلت هذه الآية.
وأخرجه ابن جرير عن قتادة قال: دخل نساء على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلن: قد ذكركن الله- تعالى- في القرآن، وما يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية.
والمعنى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ والإسلام: الانقياد لأمر الله- تعالى- وإسلام الوجه له- سبحانه- وتفويض الأمر إليه وحده.
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ والإيمان: هو التصديق القلبي، والإذعان الباطني، لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلم.
وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ والقنوت: هو المواظبة على فعل الطاعات عن رضا واختيار.
وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ والصدق: هو النطق بما يطابق الواقع، والبعد عن الكذب والقول الباطل..
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ والصبر: هو توطين النفس على احتمال المكاره والمشاق في سبيل الحق، وحبس النفس عن الشهوات.
وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ والخشوع: صفة تجعل القلب والجوارح في حالة انقياد تام لله- تعالى- ومراقبة له، واستشعار لجلاله وهيبته.
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ والتصدق: تقديم الخير إلى الغير بإخلاص، دفعا لحاجته، وعملا على عونه ومساعدته.
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ والصوم: هو تقرب إلى الله- تعالى-، واستعلاء على مطالب الحياة ولذائذها، من أجل التقرب إليه- سبحانه- بما يرضيه.
وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وحفظ الفرج: كناية عن التعفف والتطهر والتصون عن أن يضع الإنسان شهوته في غير الموضع الذي أحله الله- تعالى-.
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وذكر الله- تعالى- يتمثل في النطق بما يرضيه كقراءة القرآن الكريم، والإكثار من تسبيحه- عز وجل- وتحميده وتكبيره..
وفي شعور النفس في كل لحظة بمراقبته- سبحانه-.
هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات من الرجال والنساء أَعَدَّ اللَّهُ- تعالى- لَهُمْ مَغْفِرَةً واسعة لذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً لا يعلم مقداره إلا هو- عز وجل-.
وهكذا نجد القرآن الكريم يسوق الصفات الكريمة، التي من شأن الرجل والمرأة إذا ما اتصفا بها، أن يسعدا في دنياهما وفي أخراهما، وأن يسعد بهما المجتمع الذي يعيشان فيه ...
إنها صفات نظمت علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبغيره، تنظيما حكيما، يهدى الى الرشد، ويوصل إلى الظفر والنجاح.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الحقوق الواجبة على المسلم نحو خالقه- عز وجل- ونحو رسوله صلّى الله عليه وسلم، وعن تأكيد إبطال عادة التبني التي كانت منتشرة قبل نزول هذه السورة، وعن بيان الحكمة لهذا الإبطال، وعن علاقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بغيره من أتباعه.. فقال- تعالى-:
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عثمان بن حكيم ، حدثنا عبد الرحمن بن شيبة ، سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت : فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر ، قالت ، وأنا أسرح شعري ، فلففت شعري ، ثم خرجت إلى حجرة من حجر بيتي ، فجعلت سمعي عند الجريد ، فإذا هو يقول عند المنبر : " يا أيها الناس ، إن الله يقول : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات " إلى آخر الآية
وهكذا رواه النسائي وابن جرير ، من حديث عبد الواحد بن زياد ، به مثله
طريق أخرى عنها : قال النسائي أيضا : حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا سويد ، أخبرنا عبد الله بن شريك ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ، ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن ، والنساء لا يذكرن ؟ فأنزل الله ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات )
وقد رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة : أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، حدثه عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر ؟ فأنزل الله : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
طريق أخرى : قال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يذكر الرجال ولا نذكر ؟ فأنزل الله : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا سيار بن مظاهر العنزي حدثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات ؟ فأنزل الله : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية وحدثنا بشر حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ; عن قتادة قال : دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن : قد ذكركن الله في القرآن ، ولم نذكر بشيء ، أما فينا ما يذكر ؟ فأنزل الله عز وجل : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
فقوله : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) دليل على أن الإيمان غير الإسلام ، وهو أخص منه ، لقوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [ الحجرات : 14 ] وفي الصحيحين : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فيسلبه الإيمان ، ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين ، فدل على أنه أخص منه كما قررناه في أول شرح البخاري
[ وقوله ] : ( والقانتين والقانتات ) القنوت : هو الطاعة في سكون ، ( أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) [ الزمر : 9 ] ، وقال تعالى : ( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) [ الروم : 26 ] ، ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) [ آل عمران : 43 ] ، ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها ، ثم القنوت ناشئ عنهما
( والصادقين والصادقات ) : هذا في الأقوال ، فإن الصدق خصلة محمودة; ولهذا كان بعض الصحابة لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، وهو علامة على الإيمان ، كما أن الكذب أمارة على النفاق ، ومن صدق نجا ، " عليكم بالصدق; فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة وإياكم والكذب; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " والأحاديث فيه كثيرة جدا
( والصابرين والصابرات ) : هذه سجية الأثبات ، وهي الصبر على المصائب ، والعلم بأن المقدور كائن لا محالة ، وتلقي ذلك بالصبر والثبات ، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى ، أي : أصعبه في أول وهلة ، ثم ما بعده أسهل منه ، وهو صدق السجية وثباتها
( والخاشعين والخاشعات ) الخشوع : السكون والطمأنينة ، والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته ، [ كما في الحديث ] : " اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
( والمتصدقين والمتصدقات ) : الصدقة : هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء ، الذين لا كسب لهم ولا كاسب ، يعطون من فضول الأموال طاعة لله ، وإحسانا إلى خلقه ، وقد ثبت في الصحيحين : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " فذكر منهم : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " وفي الحديث الآخر : " والصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار "
[ وفي الترمذي عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء "
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
وفي حديث أبي ذر أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال : " الإيمان بالله " قلت : يا نبي الله ، مع الإيمان عمل ؟ قال : " ترضخ مما خولك الله " ، أو " ترضخ مما رزقك الله " ; ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد قال في خطبته : " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار ، وقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : ذكر لي أن الأعمال تتباهى ، فتقول الصدقة : أنا أفضلكم
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل البخيل والمتصدق ، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد ، أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما ، فجعل المتصدق ، كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه ، حتى تغشى أنامله ، وتعفو أثره ، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت ، وأخذت كل حلقة مكانها قال أبو هريرة : فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا يتسع وقد قال تعالى : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) [ التغابن : 16 ] فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده كما قيل :
ويظهر عيب المرء في الناس بخله وتستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه ]
والأحاديث في الحث عليها كثيرة جدا ، له موضع بذاته
( والصائمين والصائمات ) : في الحديث الذي رواه ابن ماجه : " والصوم زكاة البدن " أي : تزكيه وتطهره وتنقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا
قال سعيد بن جبير : من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر ، دخل في قوله : ( والصائمين والصائمات )
ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباء فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " - ناسب أن يذكر بعده : ( والحافظين فروجهم والحافظات ) أي : عن المحارم والمآثم إلا عن المباح ، كما قال تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ المؤمنون : 5 - 7 ]
وقوله : ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله ، حدثنا محمد بن جابر ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل ، فصليا ركعتين ، كتبا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات "
وقد رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث الأعمش ، [ عن علي بن الأقمر ] ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات "
قال : قلت : يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : " لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه "
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة ، فأتى على جمدان فقال : " هذا جمدان ، سيروا فقد سبق المفردون " قالوا : وما المفردون ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا " ثم قال : " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : والمقصرين ؟ قال : " اللهم ، اغفر للمحلقين " قالوا : والمقصرين ؟ قال : " والمقصرين "
تفرد به من هذا الوجه ، ورواه مسلم دون آخره
وقال الإمام أحمد : حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن زياد بن أبي زياد - مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة - أنه بلغه عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " وقال معاذ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ، ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله عز وجل "
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا سأله فقال : أي المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله ؟ فقال : " أكثرهم لله ذكرا " قال : فأي الصائمين أكثر أجرا ؟ قال : " أكثرهم لله ذكرا " ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة ، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثرهم لله ذكرا " فقال أبو بكر لعمر ، رضي الله عنهما : ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجل "
وسنذكر بقية الأحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) الآية [ الأحزاب : 41 ، 42 ] ، إن شاء الله تعالى
وقوله : ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) أي : هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرا عظيما وهو الجنة
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
يقول تعالى ذكره: إن المتذللين لله بالطاعة والمتذللات، والمصدقين والمصدقات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما أتاهم به من عند الله، والقانتين والقانتات لله، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم، والصادقين لله فيما عاهدوه عليه والصادقات فيه، والصابرين لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه وحين البأس والصابرات، والخاشعة قلوبهم لله وجلا منه ومن عقابه &; 20-269 &; والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات وهم المؤدون حقوق الله من أموالهم والمؤديات، والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم والصائمات ذلك، والحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم والحافظات ذلك إلا على أزواجهن إن كن حرائر أو من ملكهن إن كن إماء، والذاكرين الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات، كذلك أعد الله لهم مغفرة لذنوبهم، وأجرًا عظيمًا: يعني ثوابًا في الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيمًا، وذلك الجنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقلن: قد ذكركن الله في القرآن، ولم نذكر بشيء، أما فينا ما يذكر؟ فأنـزل الله تبارك وتعالى (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ) : أي: المطيعين والمطيعات، (وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ) أي: الخائفين والخائفات (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْرًا عَظِيمًا) في الجنة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَأَجْرًا عَظِيمًا) قال: الجنة، وفي قوله (وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ) قال: المطيعين والمطيعات.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر قال: القانتات: المطيعات.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مؤمل، قال: سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله يذكر الرجال ولا نُذكر؛ فنـزلت (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ).
حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أَبي سلمة، أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب حدثه أن أم سلمة قالت: قلت: &; 20-270 &; يا رسول الله أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر؟ فأنـزل الله (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ .....) الآية.
حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا سيار بن مظاهر العنـزي، قال: ثنا أَبو كدينة يحيى بن مهلب، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ماله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فأنـزل الله (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ ....) الآية.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ) قال: قالت أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما للنساء لا يذكرن مع الرجال في الصلاح؟ فأنـزل الله هذه الآية.
حدثني محمد بن المعمر، قال: ثنا أَبو هشام، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن شيبة، قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول: قلت للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني ذات يوم ظهرًا إلا نداؤه على المنبر وأنا أسرح رأسي، فلففت شعري ثم خرجت إلى حجرة من حجرهن، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول على المنبر: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه: (إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ....) إلى قوله (أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 35 | ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ |
---|
الفتح: 29 | ﴿وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء