23931323334353637

الإحصائيات

سورة يوسف
ترتيب المصحف12ترتيب النزول53
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول11تبدأ في الجزء12
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 6/29آلر: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (31) الى الآية رقم (34) عدد الآيات (4)

مكيدةُ امرأةِ العزيزِ بنساءِ المدينةِ، واعترافُها بما حدثَ، وإصرارُها على الفاحشةِ، وتهديدُ يوسفَ عليه السلام بالسِّجنِ، ويوسفُ عليه السلام يفضِّلُ السِّجنَ على ارتكابِ الفاحشةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (35) الى الآية رقم (37) عدد الآيات (3)

دخولُ يوسفَ عليه السلام السِّجنَ، ودخَلَ معَه غلامانِ، فرأى أحدُهما في المنامِ أنه يعصِرُ عنبًا ليصيرَ خمرًا، ورأى الآخرُ أنَّه يحملُ فوقَ رأسِه خبزًا تأكلُ الطيرُ منه، ثُمَّ طلبَا تفسيرَ ما رأياه في المنامِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يوسف

الثقة في تدبير الله (اصبر ولا تيأس)/ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ/ الصبر الجميل/ يوسف الإنسان قصة نجاح

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إلى هؤلاء وإلى كل مسلم نزلت سورة يوسف.: نزلت تهمس في أذن كل مسلم في فترات الضيق أو البلاء؛ لتقول له: تعلَّم من يوسف عليه السلام الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف. وبالمقابل: تعلَّم منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان، وذلك بالتواضع والإخلاص لله عز وجل. فالسورة ترشدنا أن حياة الإنسان هي عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة، فلا يوجد إنسان قط كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلها فترات شدة، وهو في الحالتين: الرخاء والشدة، يُختبر.
  • • سورة يوسف أحسن القصص:: لأنها اشتملت على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وإجداب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحل وترحال، وذل وعز. وعالجت مشاكل تربوية واجتماعية ونفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية.
  • • سورة يوسف أحسن القصص:: لأن في نهايتها حسن المآل وطيب العافية، فيعقوب عليه السلام رد إليه بصره وظفر بفلذة كبده، ويوسف عليه السلام آتاه الله الملك والحكمة، والأخوة تاب الله عليهم، ومنهم أو من ذريتهم اصطفى الله أسباط بني إسرائيل، وامرأة العزيز أقرت بذنبها وحسنت توبتها، وأهل مصر اجتازوا السبع الشداد حتى صار الناس يأتونهم من جميع الأقطار للمؤنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «‏يوسف».
  • • معنى الاسم :: هو نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم عليهم السلام.
  • • سبب التسمية :: لأنها ذكرت قصة ‏يوسف عليه السلام كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، بل لم يذكر اسمه إلا في سورة الأنعام آية (84) ، وغافر آية (34).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: الثقة بتدبير الله، والأمل، والصبر، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
  • • علمتني السورة :: رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات المحن.
  • • علمتني السورة :: أن القصص فيها الحسن والسيِّئ، وأن قصص القرآن أحسن القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾
  • • علمتني السورة :: العفو والصفح ثم الإحسان بالدعاء من أخلاق الأنبياء: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

مدارسة الآية : [31] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ..

التفسير :

[31] فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّها، أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها، وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد، وما يأكلنه من الطعام، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً ليُقَطِّعن الطعام، ثم قالت ليوسف:اخرج عليهن، فلما رأينه أعظمنه وأجللنه، و

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} تدعوهن إلى منزلها للضيافة.

{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي:محلا مهيأ بأنواع الفرش والوسائد، وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة، وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة، طعام يحتاج إلى سكين، إما أترج، أو غيره،{ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} ليقطعن فيها ذلك الطعام{ وَقَالَتِ} ليوسف:{ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} في حالة جماله وبهائه.

{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي:أعظمنه في صدورهن، ورأين منظرا فائقا لم يشاهدن مثله،{ وَقَطَّعْنَ} من الدهش{ أَيْدِيَهُنَّ} بتلك السكاكين اللاتي معهن،{ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} أي:تنزيها لله{ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء، ما كان به آية للناظرين، وعبرة للمتأملين.

وقوله: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ.. إلخ بيان لما فعلته معهن.

أى: أرسلت إلى النسوة اللائي وصفنها بأنها في ضلال مبين، ودعتهن إلى الحضور إليها في دارها لتناول الطعام.

وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أى: وهيأت لهن في مجلس طعامها، ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق وما يشبه ذلك.

فالمتكأ: اسم مفعول من الاتكاء، وهو الميل إلى أحد الجانبين في الجلوس كما جرت بذلك عادة المترفين عند تناول الطعام، وعند ما يريدون إطالة المكث مع انتصاب قليل في النصف الأعلى من الجسم والاستراحة بعد الأكل.

أخرج ابن شيبة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، وأن يأكل متكئا .

وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً أى: وأعطت كل واحدة من هؤلاء النسوة سكينا ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحضارة المادية في مصر في ذلك الوقت كانت قد بلغت شأوا بعيدا، وأن الترف في القصور كان عظيما، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية» .

وهنا نجد المرأة الجريئة الماكرة، تقول ليوسف- عليه السلام- كما حكى القرآن عنها:

«اخرج عليهن» أى ابرز لهن، وادخل عليهن، وهن على تلك الحالة من الأكل والاتكاء وتقطيع ما يحتاج إلى تقطيع الطعام..

وهي ترمى من وراء خروجه عليهن إلى اطلاعهن عليه حتى يعذرنها في حبها له وقد كان لهذه المفاجأة من يوسف لهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه، أثرها الشديد في نفوسهن، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في قوله: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ.

والجملة الكريمة معطوفة على كلام محذوف دل عليه السياق، والتقدير: قالت امرأة العزيز ليوسف اخرج عليهن، فخرج عليهن وهن على تلك الحالة فلما رأينه أكبرنه، أى: أعظمنه، ودهشن لهيئته، وجمال طلعته وحسن شمائله.

وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أى: جرحن أيديهن وخدشنها بالسكاكين التي في أيديهن دون أن يشعرن بذلك، لشدة دهشتهن المفاجئة بهيئة يوسف..

وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً وحاش فعل ماض، واللام في «لله» للتعليل، والمراد بهذه الجملة الكريمة التعبير عن عجيب صنع الله في خلقه أى: وقلن عند ما فوجئن بخروج يوسف عليهن: ننزه الله- تعالى- تنزيها كبيرا عن صفات العجز، ونتعجب تعجبا شديدا من قدرته- سبحانه- على خلق هذا الجمال البديع، وما هذا الذي نراه أمامنا بشرا كسائر البشر، لتفوقه في الحسن عنهم، وإنما هو ملك كريم من الملائكة المقربين تمثل في هذه الصورة البديعة التي تخلب الألباب.

ووصفوه بذلك بناء على ما ركز في الطباع من تشبيه ما هو مفرط في الجمال والعفة بالملك وتشبيه ما هو شديد القبح والسوء بالشيطان.

فلما سمعت بمكرهن ) قال بعضهم : بقولهن . وقال محمد بن إسحاق : بل بلغهن حسن يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك ( أرسلت إليهن ) أي : دعتهن إلى منزلها لتضيفهن ( وأعتدت لهن متكأ )

قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم : هو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه . ولهذا قال تعالى : ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) وكان هذا مكيدة منها ، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، ( وقالت اخرج عليهن ) وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، ( فلما ) خرج و ( رأينه أكبرنه ) أي : أعظمن شأنه ، وأجللن قدره; وجعلن يقطعن أيديهن دهشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين ، والمراد : أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد .

وعن مجاهد ، وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله أعلم .

وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم . فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا ، فكيف ألام أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلم كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بيوسف ، عليه السلام ، في السماء الثالثة ، قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن "

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .

وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به .

ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين ، أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث "

وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجرشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن . والنصف الآخر بين سائر الخلق .

وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : معناه : أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ، عليه السلام ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه .

فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته : ( حاش لله ) قال مجاهد وغير واحد : معاذ الله ، ( ما هذا بشرا ) وقرأ بعضهم : " ما هذا بشرى " أي : بمشترى .

( إن هذا إلا ملك كريم )

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن ،

* * *

وكان مكرهنَّ ما: -

19164 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (فلما سمعت بمكرهن) ، يقول: بقولهن.

19165 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما أظهر النساء ذلك، من قولهن ": تراود عبدها!" مكرًا بها لتريهن يوسف , وكان يوصف لهن بحُسنه وجماله ;(فلما سمعت بمكرهن (1) أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ).

19166 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (فلما سمعت بمكرهن) : ، أي بحديثهن ,( أرسلت إليهن) ، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف.

* * *

(وأعتدت ) ،" أفعلت " من العتاد , ، وهو العدَّة، (2) ومعناه: أعدّت لهن ، " متكأ "، يعني: مجلسًا للطعام , وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد:

* * *

، وهو " مفتعل " من قول القائل: " اتَّكأت " , يقال: " ألق له مُتَّكأ " , يعني: ما يتكئ عليه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19167 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن اليمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد: (وأعتدت لهن متكأ) قال: طعامًا وشرابًا ومتكأ.

19168 - .... قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: يتكئن عليه.

19169 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: مجلسًا.

19170 - .... قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن أبي الأشهب , عن الحسن أنه كان يقرأ: (مُتَّكَآءً)، ويقول: هو المجلس والطعام. (3)

19171 - .... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: " مُتْكَأً" ، خفيفة , يعني طعامًا. ومن قرأ (مُتَّكَأً) ، يعني المتكأ.

* * *

فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة , هو معنى الكلمة، وتأويل " المتكأ " , وأنها أعدّت للنسوة مجلسًا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج . ثم فسر بعضهم " المتكأ " بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذي أعدّ من أجله المتكأ ، وبعضهم عن الخبر عن الأترج. إذ كان في الكلام: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا )، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به ، وبعضهم على البزماورد.

19172 - حدثني هارون بن حاتم المقرئ , قال: حدثنا هشيم بن الزبرقان , عن أبي روق , عن الضحاك , في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: البزماورد.

* * *

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: " المتكأ ": هو النُّمْرُق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الأترج. قال: وهذا أبطل باطل في الأرض , ولكن عسى أن يكون مع " المتكأ " أترج يأكلونه. (4)

* * *

وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة , ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه . ثم قال: ولعله بعضُ ما ذهب من كلام العرب , فإنّ الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.

* * *

قال أبو جعفر: والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، كما قال أبو عبيد لا شك فيه , غير أن أبا عبيدة لم يُبْعد من الصواب في هذا القول , بل القول كما قال: مِن أن مَن قال للمتكأ: هو الأترج، إنما بيَّن المعدَّ في المجلس الذي فيه المتكأ، والذي من أجله أعطين السكاكين , لأن السكاكين معلومٌ أنها لا تعدُّ للمتكأ إلا لتخريقه! (5) ولم يعطين السكاكين لذلك.

* * *

ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس , من أن " المتكأ " هو المجلس .

ثم رُوي عن مجاهد عنه، ما: -

19173 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار , قال، حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، قال: أعطتهن أترجًّا , وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا.

* * *

فبيّن ابن عباس في رواية مجاهد هذه، ما أعطت النسوة , وأعرض عن ذكر بيان معنى " المتكأ " , إذ كان معلومًا معناه.

* * *

* ذكر من قال في تأويل " المتكأ " ما ذكرنا:

19174 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال: حدثنا فضيل بن عياض , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: التُّرُنْج.

19175 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: حدثنا هشيم , عن عوف , قال: حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: " مُتْكًا " مخففة , ويقول: هو الأترُجّ.

19176 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن عطية: " وأعتدت لهن متكأ " ، قال الطعام.

19177 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد , قالا حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: طعامًا.

19178 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , مثله .

19179 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع , قالا حدثنا غندر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , في قوله: (وأعتدت لهن مُتَّكأ) ، قال: طعامًا.

19180 - حدثنا ابن المثنى , قال: حدثنا وهب بن جرير , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير، نحوه .

19181 - حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , قال: من قرأ (مُتَّكَأ) فهو الطعام , ومن قرأها " مُتْكًأ " فخففها , فهو الأترجّ.

19182- حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: (متكأ) ، قال: طعامًا

19183- حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19184 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ،

19185 - وحدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19186 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو خالد القرشي , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , قال: من قرأ: " مُتْكًا " ، خفيفة , فهو الأترجّ.

19187 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , بنحوه .

19188 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن ليث , قال سمعت بعضهم يقول: الأترج .

19189 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (وأعتدت لهن متكأ) : ، أي طعامًا.

19190 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , مثله .

19191 - .... قال: حدثنا يزيد , عن أبي رجاء , عن عكرمة , في قوله: (متكأ) ، قال: طعامًا.

19192 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكًا) ، يعني الأترج.

19193 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وأعتدت لهن متكأ) ، والمتكأ، الطعام.

19194 - .... قال: حدثنا جرير عن ليث , عن مجاهد: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: الطعام.

19195 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: طعامًا.

19196 - حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ , قال: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مُتَّكَأً) ، فهو كل شيء يجزّ بالسكين.

* * *

قال أبو جعفر: قال الله تعالى ذكره، مخبرًا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدَّثن بشأنها في المدينة: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها، سكينًا لتقطع به من الطعام ما تقطع به. وذلك ما ذكرت أنَّها آتتهن إما من الأترج , وإما من البزماورد , أو غير ذلك مما يقطع بالسكين، كما:-

19197 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، وأترجًّا يأكلنه.

19198 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال: حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، قال: أعطتهن أترجًّا , وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.

19199 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، ليحتززن به من طعامهنّ.

19200 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (وآتت كل واحدة منهن سكينا) ، وأعطتهن تُرنجًا وعسلا فكن يحززن الترنج بالسكين , ويأكلن بالعسل.

* * *

قال أبو جعفر: وفي هذه الكلمة بيانُ صحة ما قلنا واخترنا في قوله (6) (وأعتدت لهن متكأ) . وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوةَ السكاكينَ , وترك ما لَهُ آتتهن السكاكين , إذ كان معلومًا أن السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها. فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين، عن ذكر ما له آتتهن ذلك. فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ، عن ذكر ما يعتدُّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء ; لفهم السامعين بالمراد من ذلك , ودلالة قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، عليه . فأما نفس " المتكأ " فهو ما وصفنا خاصةً دون غيره.

* * *

وقوله: (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) ، يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة العزيز ليوسف: (اخرج عليهن) ، فخرج عليهن يوسف ، (فلما رأينه أكبرنه) ، يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19201 - حدثنا الحسن بن محمد , قال، حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: (أكبرنه) ، أعظمنه.

19202 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .

19203 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح . قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19204 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (فلما رأينه أكبرنه) : ، أي: أعظمنه.

19205 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (وقالت اخرج عليهن) ، ليوسف ، (فلما رأينه أكبرنه) : ، عظَّمنه.

19206 - حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي , قال: حدثنا علي بن عابس , قال: سمعت السدي يقول في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، قال: أعظمنه. (7)

19207 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (اخرج عليهن) ، فخرج، فلما رأينه أعظمنه وبُهِتن.

19208 - حدثنا إسماعيل بن سيف . قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي , عن أبيه , عن جده , في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، قال: حِضْن. (8)

19209 - حدثنا علي بن داود , قال: حدثنا عبد الله , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، يقول: أعظمنه.

19210 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة , عن ابن جريج , عن مجاهد، مثله.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول ، أعني القول الذي روي عن عبد الصمد , عن أبيه , عن جده , في معنى (أكبرنه) ، أنه حِضْن ، إن لم يكن عَنَى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال , ولما يجد من مثل ذلك النساءُ عند معاينتهن إياه ، فقولٌ لا معنى له. لأن تأويل ذلك: فلما رأين يوسف أكبرنه , فالهاء التي في" أكبرنه "، من ذكر يوسف , ولا شك أن من المحال أن يحضنَ يوسف. ولكن الخبر، إن كان صحيحًا عن ابن عباس على ما روي , فخليقٌ أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لِمَا أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك.

* * *

وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في" أكبرن " بمعنى حضن , بيتًا لا أحسب أنَّ له أصلا لأنه ليس بالمعروف عند الرواة , وذلك:

نَـأْتِي النِّسَـاءَ عَـلَى أَطْهَـارِهِنَّ وَلا

نَــأْتِي النِّسَــاءَ إِذَا أَكْـبَرْنَ إِكْبَـارَا (9)

وزعم أن معناه: إذا حضن (10) .

* * *

وقوله: (وقطعن أيديهن) ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: معناه: أنهن حَززن بالسكين في أيديهن، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترُجّ .

* ذكر من قال ذلك:

19211 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: (وقطعن أيديهن) ، حزًّا حزًّا بالسكين.

19212 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (وقطعن أيديهن) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.

19213 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ،

19214 - .... قال: وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (وقطعن أيديهن) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكين.

19215 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (وقطعن أيديهن) قال: جعل النسوة يحززن أيديهن , يحسبن أنهن يقطعن الأترج.

19216 - حدثنا إسماعيل بن سيف , قال: حدثنا علي بن عابس , قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج , فقطعن أيديهنّ , وسالت الدماء , فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل , ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء !

19217 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين , ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج , قد ذهبت عقولهن مما رأين‍!

19218 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (وقطعن أيديهن) ، وحززن أيديهن.

19219 - حدثني سليمان بن عبد الجبار , قال: حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج.

19220 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (وقطعن أيديهن) ، قال: جعلن يحززن أيديهن , ولا يشعرن بذلك.

19221 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قالت ليوسف: ( اخرج عليهن )، فخرج عليهن ، ( فلما رأينه أكبرنه ) , وغلبت عقولهن عجبًا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن، ما يعقلن شيئًا مما يصنعن ، (وقلن حاش لله ما هذا بشرًا).

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنَّها، وهن لا يشعرن.

* ذكر من قال ذلك:

19222 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: قطعن أيديهن حتى ألقينَها.

19223 - حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة , في قوله: (وقطعن أيديهن) ، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعًا بإبانة ، وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش ، ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنـزيل.

* * *

19224 - حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. (11)

19225 - حدثنا محمد بن المثنى , قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , مثله .

19226 - .... وبه عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن.

19227 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق.

19228 - حدثني أحمد بن ثابت , وعبد الله بن محمد الرازيّان , قالا حدثنا عفان , قال: أخبرنا حماد بن سلمة , قال: أخبرنا ثابت , عن أنس , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: أعطي يوسف وأمه شَطْرَ الحسن (12) .

19229 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن أبي معاذ , عن يونس , عن الحسن , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي يوسف وأمه ثلث &; 16-81 &; حُسن أهل الدنيا , وأعطي الناس الثلثين ، أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين , وأعطي الناس الثلث.

19230 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين , فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن , والنصف الآخر بين سائر الخلق.

19231 - حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف , والنصف لسائر الناس.

19232 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين , فجعل ليوسف وسارَة النصف , وجعل لسائر الخلق نصف. (13)

19233 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن عيسى بن يزيد , عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا , وأعطي الناس الثلثين.

* * *

وقوله: (وقلن حاش لله) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الكوفيين: (حَاشَ لِلّهِ) بفتح الشين وحذف الياء.

* * *

وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء " حَاشَى لله ".

* * *

وفيه لغات لم يقرأ بها: " حَاشَى اللهِ" ، كما قال الشاعر: (14)

حَاشَــى أَبِــي ثَوْبَــانَ إِنَّ بِــهِ

ضَنًّــا عَــنِ المَلْحَــاةِ وَالشَّــتْمِ (15)

* * *

وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة: " حَشَى اللهَ"، و " حاشْ اللهَ"، (16) بتسكين الشين والألف، يجمع بين الساكنين.

* * *

وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين , فمن قرأ: (حَاشَ لله) بفتح الشين وإسقاط الياء، فإنه أراد لغة من قال: " حاشى لله " , بإثبات الياء , ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب , كما حذفت العرب الألف من قولهم: " لا أب لغيرك " , و " لا أب لشانيك " , وهم يعنون: " لا أبا لغيرك ". و " لا أبا لشانيك ".

* * *

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم: " حاشى لله " , موضعين في الكلام:

أحدهما: التنـزيه.

والآخر: الاستثناء. وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنـزيه لله , كأنه قيل: معاذ الله.

* * *

قال أبو جعفر: وأما القول في قراءة ذلك. فإنه يقال: للقارئ الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء , إن شاء بقراءة الكوفيين، وإن شاء بقراءة البصريين , وهو: (حَاشَ لله) و " حَاشَى لله "، لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد , وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها , لأنا لا نعلم قارئًا قرأ بها.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19234 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (وقلن حاش لله) ، قال: معاذ الله.

19235 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: (حاش لله)، معاذ الله.

19236 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (وقلن حاش لله) : معاذ الله.

19237 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: (حاش لله) : معاذ الله.

19238 - .... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن عمرو , عن الحسن: (حاش لله) : معاذ الله.

19239 - حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا يحيى , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله.

* * *

وقوله: (ما هذا بشرًا) ، يقول: قلن ما هذا بشرًا , لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا , فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر , ولكنه من الملائكة لا من البشر، كما:-

19240 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (وقلن حاش لله ما هذا بشرا) : ما هكذا تكون البشر!

* * *

وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار . وقد: -

19241 - حدثت عن يحيى بن زياد الفراء , قال: حدثني دعامة بن رجاء التيمي ، وكان غَزَّاءً (17) ، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ: " ما هذا بِشِرًى "، أي ما هذا بمشتري. (18)

* * *

، يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثلُه مستعبدًا يشترى ويُبَاع.

* * *

قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه، فغير جائز خلافُها فيه.

* * *

وأما " نصب " البشر , فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا " الباء " من الخبر نصبوه , فقالوا: " ما عمرو قائمًا " . وأما أهل نجد , فإن من لغتهم رفعه , يقولون: " ما عمرو قائم " ; ومنه قول بعضهم حيث يقول: (19)

لَشَـتَّانَ مَـا أَنْـوِي وَيَنْـوِي بَنُـو أَبِي

جَمِيعًــا , فَمَــا هَـذَانِ مُسْـتَوِيَانِ

تَمَنَّـوْا لِـيَ المَـوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى

وَكُــلُّ فَتًــى وَالمَــوْتُ يَلْتَقِيَـانِ (20)

وأما القرآن , فجاء بالنصب في كل ذلك , لأنه نـزل بلغة أهل الحجاز.

* * *

وقوله: (إن هذا إلا مَلَك كريمٌ) ، يقول: قلن ما هذا إلا ملك من الملائكة، كما: -

19242 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (إن هذا إلا ملك كريم) ، قال: قلن: ملك من الملائكة.

* * *

----------------------

الهوامش:

(1) انظر تفسير" المكر" فيما سلف 15 : 49 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير" أعتد" فيما سلف 8 : 103 ، 355 / 9 : 353 ، 392 .

(3) قراءة الحسن بالمد ، آخره همز ، ذكر هذه القراءة ابن خالويه في شواذ القراءات ص : 63 عن الحسن ، وذكرها أبو حيان في تفسيره 5 : 302 ، ونسبها إلى الحسن وابن هرمز ، وقال :" بالمد والهمز . وهي مفتعل ، من الاتكاء ، إلا أنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف كما قالوا" :

وَأَنْـتَ مِـنَ الغَـوَائِل حَـيْثُ تُـرْمَى

ومِـــنْ ذَمِّ الرِّجـــالِ بِمُنْــتَزَاحِ

أي : بمنتزح ، فأشبع .

(4) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 309 .

(5) يقول : إلا إذا أعطين السكاكين لكي يمزقن النمارق والوسائد ، وهي المتكأ .

(6) في المطبوعة :" وأخبرنا في قوله" ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

(7) الأثر : 19206 -" إسماعيل بن سيف العجلي" ، شيخ برقم الطبري مضى : 3843 ، وذكر أخي هناك أنه لم يجد له ترجمة ، وظنه" إسماعيل بن سيف ، أبو إسحاق" ، بل قطع بذلك . والله أعلم .

و" علي بن عابس الأسدي" ، ضعيف ، مضى برقم : 11233 .

(8) الأثر : 19208 -" إسماعيل بن سيف العجلي" ، انظر رقم : 19206

و" عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي" ، كان أميرًا بمكة ، وذكره العقيلي في الضعفاء . مترجم في ميزان الاعتدال 2 : 132 ، ولسان الميزان 4 : 21 .

(9) لسان العرب ( كبر ) .

(10) ذكر أبو منصور الأزهري ، عن أبي الهيثم أنه قال :" سألت رجلا من طيئ فقلت : يا أخا طيئ ، ألك زوجة ؟ قال : لا والله ما تزوجت ، وقد وعدت في ابنة عم لي . قلت : ما سنها ؟ قال : قد أكبرت ، أو : كبرت ، قلت : ما أكبرت ؟ قال : حاضت" . قال : الأزهري :" وإن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض ، فلها مخرج حسن . وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر ، فقيل لها : أكبرت ، أي : حاضت فدخلت في حد الكبر الموجب عليها الأمر والنهي .

(11) الآثار 19224 - 19227 - حديث موقوف صحيح الإسناد ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 17 من طرق وبألفاظ مختلفة ، وخرجه الهيثمي بهذا اللفظ ، في مجمع الزوائد 8 : 203 . وبغير هذا اللفظ مطولا . وقال :" رواه الطبراني موقوفًا ، ورجاله رجال الصحيح" ثم ذكر هذا المختصر ، فقال : رواه الطبراني ، والظاهر أنه وهم" . وذلك أن نص الأول المطول :" أعطى يوسف وأمه ثلثي حسن الناس" .

(12) الأثر : 19228 -" أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي" ،" فرخويه" ، شيخ الطبري كذاب ، مضى برقم : 2055 .

و" عبد الله بن محمد الرازي" ، شيخ الطبري ، لم أعرفه ، وفي التاريخ :" حدثني عبد الله بن محمد ، وأحمد بن ثابت الشيان .." ، ولا أدري ما هذا ؟

و" عفان" ، هو" عفان بن مسلم الصفار" ، ثقة من شيوخ أحمد والبخاري ، مضى برقم : 5392 ، أخرج له الجماعة .

و" حماد بن سلمة" ، ثقة ، مضى مرارًا .

و" ثابت" هو" ثابت بن أسلم الناني" تابعي ثقة ، مضى مرارًا .

وهذا خبر صحيح الإسناد ، ولا يضره كذب" أحمد بن ثابت" ، فالثقات قد رووه ، رواه أحمد في مسنده 3 : 286 ، عن عفان نفسه ، بهذا اللفظ .

ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 570 ، من طريق محمد بن إسحاق الصغاني ، ومحمد بن غالب بن حرب ، وإسحاق بن الحسن بن ميمون ، جميعًا عن عفان بن مسلم . بمثله ، وقال :" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي .

ورواه الطبري في تاريخه من هذا الطريق نفسه 1 : 173 .

(13) الآثار : 19230 - 19232 -" ربيعة الجرشي" ، مختلف في اسم أبيه ، وفي صحبته . فقيل في اسم أبيه" ربيعة بن عمرو" ، و" ربيعة بن الغاز" ، انظر ترجمته في الإصابة ، والكبير للبخاري 2 / 1 / 256 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 472 ، وابن سعد في الطبقات 7 / 2 / 150 ، وقال :" وفي بعض الحديث أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه ، قال : وكان ثقة ، وقتل يوم مرج راهط في ذي الحجة سنة 64".

(14) هو الجميح ، منقد بن الطماح الأسدي ، ونسب لسبرة بن عمرو الأسدي .

(15) المفضليات 718 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 310 ، والخزانة 2 : 150 ، والعيني ( بهامش الخزانة ) 4 : 129 ، واللسان ( حشى ) في موضعين ، بروايتين ، وهو من شعر له هجا فيه بني رواحه بن قطيعة بن عبس ، ويستثنى منهم عمرو بن عبد الله أبا ثوبان ، يقول :

وَبَنُـــو رَوَاحَـــةَ يَنْظُــرُونَ إذَا

نَظَـــرَ النَّــدِيُّ بِــآنُفٍ خُــثْمِ

حَاشَـــا أبِــي ثَوْبَــانَ إنّ أبَــا

ثَوْبَـــان لَيْسَ بِبُكْمَـــةٍ فَـــدْمِ

عَمْــرُو بــنَ عَبْــدِ اللـهِ إنَّ بِـهِ

ضَنًّــا عَــنِ المَلْحَــاةِ والشَّــتْمِ

وخلط في الشعر أبو عبيدة وغيره ، وفي المخطوطة" أبي ثروان" ، وفي اللسان في أحد الموضعين" أبي مروان" ، كأنه نقل محرف عن رواية" ثروان" ، إن صحت ، رواه المفضل" حاشى أبا ثوبان" بالنصب .

و" الندى" المجلس ، واراد أهله . و" الآنف" جمع" أنف" ،" الخثم" جمع" أخثم" ، وهو الأنف العظيم الكثير اللحم ، ليس برقيق ولا أشم ، وهو ذم .

و" البكمة" ، الأبكم ، و" الفدم" العيي الثقيل الفهم . و" الملحاة" مصدر ميمي من" لحوت الرجل ولحيته" ، إذا ألححت عليه باللائمة ، وكأنه يعني المشاغبة .

(16) في المطبوعة ، أسقط" حشى الله" ، وأثبتها منها .

(17) كان في المطبوعة :" غرا" ، والصواب ما أثبت ، وهو كذلك في معاني القرآن .

(18) الأثر : 19241 - هو في معاني القرآن للفراء في تفسير الآية .

(19) لم أعرف قائله .

(20) رواهما الفراء في معاني القرآن , في تفسير الآية .

المعاني :

وَأَعْتَدَتْ :       هَيَّأَتْ السراج
مُتَّكَأً :       مَا يَتَّكِئْنَ عَلَيْهِ مِنَ الوَسَائِدِ السراج
أعتدت لهن مُـتـّكأ :       هيّأت لهنّ ما يتّكئن عليه معاني القرآن
أكبرنه :       دهشن برؤية جماله الرائع معاني القرآن
وَقَطَّعْنَ :       جَرَحْنَ السراج
قطّعن أيديهنّ :       خدشنها بالسّكاكين لفرط ذهولهنّ و دهشتهنّ معاني القرآن
حَاشَ لِلّهِ :       تَنْزِيهًا لِله السراج
حاش لله :       تنزيها لله عن العجز عن خلق مثله معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[31] ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ سمعت! هناك نفوس صغيرة مهمّتها في الحياة أن تسمعك ما تكره! وتنقل لك التفاصيل المزعجة.
لمسة
[31] ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ المكر في اللغة معناه التدبير، أن يدبر الشيء ويرتبه، فهذا الكلام الذي قالته النسوة كان تدبيرًا منهن للإساءة إليها فهو مكر إذن، ولو قال (لما سمعت بكلامهن) لا يعطي هذه الصورة من صور الحقد واللؤم والتخطيط للإساءة إليها والنيل منها، لكن لما قال: (بِمَكْرِهِنَّ) هي أيضًا دبرت تدبيرًا آخر، مكر يقابل مكرًا.
وقفة
[31] المرأة تمكر بالمرأة: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾، وتكيد بالرجل: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ [33]، إلا من رحم الله.
عمل
[31] ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ إياك أن تغضب امرأة، ولا يكون بيدها سلاح إلا الحيلة والدهاء.
وقفة
[31] ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ عندما تتصف المرأة بخصال تشينها خلقًا ودينًا؛ فإنها تجتهد في توريط بنات جنسها بذلك؛ مستغلة مكانتها وطيبة كثير من النساء، فتوردهن -مكرها- المهالك، قف وتأمل قصة امرأة العزيز مع نسوة المدينة، فبعد استنكار الباطل، أصبحت للشر أعوانًا!
لمسة
[31] ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ أرادت الكيد لهن فهيأت المكان لذلك، ولفظ (أعتد) في القرآن بخلاف أعد، فالأول للشر، والثاني للخير.
لمسة
[31] ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ وليس (مجلسًا)، كلمة (مجلس) مجرد مكان للجلوس، بينما (المتكأ) فيه نوع من الاستراحة والتراخي، فهو ليس مجرد مجلس، وإنما مجلس فيه استرخاء وراحة؛ حتى تكون كل واحدة مرتاحة في جلستها.
وقفة
[31] ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ قد تتضمّن الأشياء التي تسيطر عليها تمامًا إدانات تفضحك!
عمل
[31] ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ إن أخطأت، فلا تحاول أن تبرر خطأك؛ فهذا دليل على ضعفك، واتباع هوى نفسك.
وقفة
[31] ﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ تعلم المرأة جيدًا مدى فتنة المرأة بالجمال، كل شيء يدل على أنها كانت متأكدة أنها ستربح الرهان.
وقفة
[31] ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾، ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [54] النساء يعجبهن حسن المظهر، والرجال يعجبهم حسن المنطق.
عمل
[31] ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ لا تجرب نفسك في المآزق الصعبة، فقد تنقطع حبال صبرك!
وقفة
[31] ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ هذا حال من رأى من أُوتي نصف الجمال فكيف حال من رأى وجه خالق الجمال سبحانه! اللهم لا تحرمنا لذة النظر الى وجهك الكريم من دون حساب ولا سابقة عذاب.
وقفة
[31] ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ كل هذا فقط بمجرد رؤيا! كيف لو اختلط بهنّ؟!
وقفة
[31] انظر إلى قوله تعالى عن النسوة: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، وقول الملك ليوسف: ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [54]، فيه أن النساء يروقهن حسن المظهر، وأما الرجال فيروقهم جمال المنطق والمخبر، وتلك من الطبيعة التي خلقها الله تعالى في النفوس.
وقفة
[31] انظر إلى قوله تعالى عن النسوة: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، وقول الملك ليوسف: ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [54]، كلا الجنسين ينظر من زاوية مختلفة، ومعرفة طريقة تفكير الذي أمامك بالذات في المجتمع الأسري يفيدك في تلافي كثير من الإشكالات الأُسرية.
تفاعل
[31] لما كان ليوسف عليه السلام نصف الجمال، ما حال تلك النسوة لما رأينه؟! ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، هذا حال من رأى من أُوتي نصف الجمال؟! فكيف حال من رأى وجه خالق الجمال سبحانه ﷻ! قل الآن: «اللهم لا تحرمنا لذة النظر الى وجهك الكريم».
عمل
[31] ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا﴾ بصرك إن أطلقته أتعبك وأنهك جسمك وروحك، فاحفظه لتحفظ راحة بالك.
وقفة
[31] الإيمان والطهر يظهر أثره بهاء وهيبة في وجه صاحبه؛ فيُكبره الناس ويعظمونه ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا﴾.
وقفة
[31] ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ إذا جاشت المشاعر تخدَّر الشعور.
وقفة
[31] ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ﴾ في الموضعين أحدهما في حضرة يوسف عليه السلام حين نفين عنه البشرية بزعمهن، والثاني بظهر الغيب حين نفين عنه السوء، فليس بتكرار.
وقفة
[31] ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ استدلت النسوة بجمال المظهر على جمال الروح فشبهنه بالملك, فالمفسد يقرأ الفساد في قسمات وجهه وخيانات عينية وفلتات لسانه, والعفيف يعرف من خلال حاله.
لمسة
[31] (ما) أقوى من (لم) في النفي، و(إن) أقوى من (ما): ﴿مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ تريد أن تثبت أنه ملك.
وقفة
[31] ﴿إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ بعض الصفات تجبرك على هذا.

الإعراب :

  • ﴿ فلما سمعت بمكرهنَّ:
  • الفاء: استئنافية. لا: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب. سمعت: فعل مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. بمكر: جار ومجرور متعلق بسمعت و \"هنَّ\" ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وجملة \"سمعت بمكرهن\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف \"لمّا\".
  • ﴿ أرسلت إليهنَّ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. أرسلت: تعرب إعراب \"سمعت\". اليهن: جار ومجرور متعلق بأرسلت و \"هن\" ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل جر بإلى. بمعنى: أرسلت إليهنّ تدعوهن إلى مجلس أو وليمة طعام.
  • ﴿ وأعتَدتْ لهنَّ:
  • معطوفة بالواو على \"أرسلت إليهن\" وتعرب إعرابها. وأعتدت: أي أعدت وهو من العتاد.
  • ﴿ متّكَئًا:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: ما يتكئن عليه من الوسائد. وقيل بمعنى أعدت لهن مجلسًا أو طعامًا.
  • ﴿ وآتت كل واحدة:
  • معطوفة بالواو على \"أعتدت\" بمعنى: وأعطت: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. كل: مفعول به منصوب بالفتحة. واحدة: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ منهنَّ سكينًا:
  • تعرب إعراب \"إليهن\". والجار والمجرور \"منهن\" متعلق بصفة محذوفة من \"كل واحدة\" \"سكينًا: مفعول به ثانٍ لآتت منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وقالت اخرج عليهنَّ:
  • الواو عاطفة. قالت: تعرب إعراب \"سمعت\" أخرج: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت: وكسرت تاء \"قالت\" لالتقاء الساكنين. عليهن: جار ومجرور متعلق باخرج وجملة \"أخرج\" في محل نصب مفعول به -مقول القول-.
  • ﴿ فلمّا رأينه:
  • فلما: أعربت. رأينه: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة -الإناث- والنون ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وجملة \"رأينه\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد لما.
  • ﴿ أكبرنه:
  • جواب شرط غير جازم لا محل لها. وتعرب إعراب \"رأينه\" بمعنى عظمنه وأكبرن حسنه
  • ﴿ وقطَّعن أيديهنَّ وقلن:
  • الجملتان: معطوفتان علي \"أكبرن\" وتعربان إعراب \"رأين\". أيدي: مفعول به منصوب بالفتحة و \"هنّ\" ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ حاش لله:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- حاش: أي تنزيهًا لله من صفات الهجر وأصلها: حاشا فحذفت الألف الأخيرة تخفيفًا وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع موضع التنزيه. وقيل معناها: معاذ الله. وفي حذف ألف \"حاشا\" جعل اللام بعدها عوضًا منها حاش: اسم مبني على الفتح في محل نصب مفعول مطلق. التقدير: براءة لله أو تنزيهًا لله. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بحاش. وقيل في \"حاش\" إنها فعل. وفيها لغات وقراءات عديدة.
  • ﴿ ما هذا بشرًا:
  • ما: نافية تعمل عمل \"ليس\" بلغه الحجاز ومن قرأ بلغه بني تميم قرأ \"بشر\" بالرفع وهي قراءة ابن مسعود. ها: للتنبيه. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم \"ما\" بشرًا خبر \"ما\" منصوب بالفتحة. ولو كان اللفظ \"ببشر\" لأعربت \"ما\" بلغه بني تميم: نافية لا عمل لها. و \"هذا\" مبتدأ. الباء حرف زائدًا و \"بشر\" اسمًا مجرورًا لفظًا مرفوعًا محلًا لأنه خبر هذا وقيل: وبحذف الباء نصبت الكلمة \"بشرًا\" أي بنزع الخافض.
  • ﴿ إنْ هذا:
  • انْ: حرف نفي لا عمل له. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ إلّا ملك كريم:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. ملك: خبر \"هذا\" مرفوع بالضمة. كريم: صفة -نعت- لملك مرفوع مثله بالضمة. '

المتشابهات :

يوسف: 31﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ
يوسف: 50﴿قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمٞ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا سمعت امرأةُ العزيز أن النسوة يلمنها على تلك المحبة؛ أرادت إبداء عذرها، فاتخذت مائدة ودعت جماعة من أكابرهن، وأعتدت لهن متكأ، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

متكأ:
قرئ:
1- متكى، من غير همز، بوزن متقى، وهى قراءة الزهري، وأبى جعفر.
2- متكئا، مفعلا، من: تكأ يتكأ، إذا اتكأ، وهى قراءة الأعرج.
3- متكاء، بالمد والهمزة، وهو «مفتعال» من «الاتكاء» ، فأشبعت الفتحة، فتولدت منها الألف، وهى قراءة الأعرج أيضا.
4- متكا، بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وهى قراءة ابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، والضحاك، والجحدري، والكلبي، وأبان بن تغلب، وابن هرمز.
5- متكا، بفتح الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وهى قراءة عبد الله، ومعاذ.
حاش لله:
قرئ:
1- حاش لله، بغير ألف بعد الشين، و «لله» بلام الجر، وهى قراءة الجمهور.
2- حاشا لله، بألف ولام الجر، وهى قراءة أبى عمرو.
3- حشى لله، على وزن «رحى» ، وبلام الجر، وهى قراءة فرقة، منهم الأعمش.
4- حاش لله، بسكون الشين وصلا ووقفا، وبلام الجر، وهى قراءة الحسن.
5- حاشى الله، بالإضافة، وهى قراءة أبى، وعبد الله.
6- حاش الإله، وهى قراءة الحسن.
7- حاشا لله، بالتنوين، وهى قراءة أبى السمال.
بشرا:
قرئ:
1- بشر، بالرفع، وهى لغة تميم، والنصب لغة الحجاز، وهى قراءة ابن مسعود.
2- بشرى أي: بمشرى، أي: ما يباع ويشترى، وهى قراءة الحسن، وأبى الحويرث.

مدارسة الآية : [32] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ..

التفسير :

[32] قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن:فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به، ولقد طلبته وحاولت إغراءه؛ ليستجيب لي فامتنع وأبى، ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلاً لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن، ولَيكونن من

فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر، وأعجبهن غاية، وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز، شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية، ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة:{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي:امتنع وهي مقيمة على مراودته، لم تزدها مرور الأوقات إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقا.ولهذا قالت له بحضرتهن:{ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه، فعند ذلك اعتصم يوسف بربه، واستعان به على كيدهن

وهنا شعرت امرأة العزيز بانتصارها على بنات جنسها، اللائي عذلنها في حبها ليوسف، فقالت لهن على سبيل التفاخر والتشفي، وبدون استحياء أو تلميح: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.

والفاء هنا فصيحة، والخطاب للنسوة اللائي قطعن أيديهن دهشا من جمال يوسف، والإشارة إليه- عليه السلام-.

أى: قالت لهن على سبيل التشفي والتباهي والاعتذار عما صدر منها معه: إن كان الأمر كما قلتن، فذلك هو الملك الكريم الذي لمتنني في حبى له، وقلتن ما قلتن في شأنى لافتتاني به، فالآن بعد رؤيتكن له، وتقطيع أيديكم ذهولا لطلعته، قد علمتن أنى معذورة فيما حدث منى معه ...

ثم جاهرت أمامهن بأنها أغرته بمواقعتها فلم يستجب فقالت:

وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ... أى: والله لقد حاولت معه بشتى المغريات أن يطوع نفسه لي، فأبى وامتنع امتناعا بليغا، وتحفظ تحفظا شديدا.

والتعبير بقوله «فاستعصم» للمبالغة في عصمته لنفسه من الزلل، فالسين والتاء للمبالغة، وهو من العصمة بمعنى المنع. يقال: عصمه الطعام أى: منعه من الجوع. وعصم القربة أى:

شدها بالعصام ليمنع نزول الماء منها.

وفي الآية- كما يقول الآلوسى- دليل على أنه- عليه السلام- لم يصدر منه ما سوّد به القصّاص وجوه الطروس - أى الأوراق.

ثم قالت أمامهن بعد ذلك في تبجح واستهتار وتهديد: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.

أى: والله لقد راودته عن نفسه فاستعصم، والله لئن لم يفعل ما آمره به، - وأنا سيدته الآمرة الناهية لا غيرى- ليسجنن عقوبة له، وليكونا من الصاغرين، أى: من الأذلاء المهانين المقهورين، من الصغار. يقال: صغر فلان- كفرح- يصغر صغارا، إذا ذل وهان.

قالوا: وأكدت السجن بالنون الثقيلة وبالقسم لتحققه في نظرها، وأكدت الصغار بالنون الخفيفة لأنه غير متحقق فيه، ولأنه من توابع السجن ولوازمه.

وفي هذا التهديد ما فيه من الدلالة على ثقتها من سلطانها على زوجها، وأنه لا يستطيع أن يعصى لها أمرا، مع أنه عزيز مصر..

تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحب لجماله وكماله .

( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن , فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، (21) هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه , وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق (22) فقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ، مما راودته عليه من ذلك (23) كما: -

19243 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قالت: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) : ، تقول: بعد ما حلّ السراويل استعصى , لا أدري ما بَدَا له.

19244 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (فاستعصم) ، أي: فاستعصى.

19245 - حدثني علي بن داود , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: (فاستعصم) ، يقول: فامتنع.

* * *

وقوله: (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونَن من الصاغرين) ، تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ، ( ليسجنن )، تقول: ليحبسن (24) ، وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن , ولأهينَنَّه (25)

* * *

والوقف على قوله: " ليسجنن " ، بالنون، لأنها مشددة , كما قيل: لَيُبَطِّئَنَّ ، [سورة النساء: 72]

* * *

وأما قوله: ( وليكونَن ) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة , وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل: " رأيت رجلا عندك " , فإذا وقف على " الرجل " قيل: " رأيتُ رجلا " , فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في: " وليكونًا " , ومثله قوله: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ ، [سورة العلق: 15، 16] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي:

وَصَـلِّ عَـلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَى

وَلا تَعْبُــدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا (26)

وإنما هو: " فاعبدن " , ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالألف.

* * *

----------------------

الهوامش:

(21) في المطبوعة :" وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن .." ، وأثبت الصواب من المخطوطة . و" عزوب الفهم" ، ذهابه . يقال :" عزب عنه حلمه يعزب عزوبًا" ، ذهب . وقوله :" ألهتن" من" أله يأله ألهًا" ، إذا تحير ، وأصله" وله ، يوله ، ولهًا" ، بمعنى واحد ، وإنما قلبت الواو همزة .

(22) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص : 62 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(23) انظر تفسير" العصمة" فيما سلف 15 : 331 ، تعليق 2 : ، ولمراجع هناك .

(24) انظر تفسير" السجن" فما سلف ص : 52 ."

(25) انظر تفسير" الصغار" فيما سلف 14 : 200 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(26) ديوانه : 103 ، وغيره كثير ، قاله عند إقباله على الإسلام ، ثم مات ميتة جاهلية والخبر مشهور ، ورواية ديوانه :

وَذَا النُّصُــبَ المَنْصُـوبَ لا تَنْسُـكَنَّهُ

وَلا تَعْبُــدِ الأَوْثَــانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا

وَصَـلِّ عَـلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى

وَلا تَحْــمَدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فـاحْمَدا

وهي أجود الروايتين .

المعاني :

فاستعصم :       فامتنع امتناعا شديدا و أبى معاني القرآن
الصَّاغِرِينَ :       الأَذِلَّاءِ السراج

التدبر :

وقفة
[32] ﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ مهما كانت قوة الجذب للمعصية كبيرة ولا تقاوم؛ فهذا غير مبرر لوقوعك بها.
وقفة
[32] ﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ تقول امرأة العزيز: انظرن ما فعلتن بأنفسكن من جراء نظرة واحدة، فكيف أُلام وأنا أعيش مع هذا الجمال صباحًا مساء؟!
لمسة
[32] ما دلالة استخدام اسم الإشارة (فَذَلِكُنَّ)؟ (ذلك) إشارة ليوسف و(كُنّ) حرف خطاب للنسوة، اسم الإشارة نفسه أحيانًا يستعمل في التعظيم:﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾تعظيم، وأحيانًا يستعمل في الذم، تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره، حسب الاستعمال والسياق.
لمسة
[32] كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الجمال الظاهر والجمال الباطن، ومنه: قول امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها في حبه: ﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ فأرتْهُنَّ جمالَه الظاهر، ثم قالت: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾، فأخبرت عن جماله الباطن بعفَّته.
وقفة
[32] ﴿فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ (ﻻمت) النسوة امرأة العزيز فوقعن فيما (لمنها فيه)، لوم الناس وقت (فراغك) من أسباب (ابتلائك).
وقفة
[32] ﴿فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ لا يلوم العصاة بعضهم بعضًا على معصية الله، وإنما على عدم التفنن والإتقان في أداء المعصية.
وقفة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِه﴾ كثيرًا ما يفضح الإنسان نفسه ويكشف أسراره في مجالس الانبساط.
وقفة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِه﴾ الهوى لا ينكتم، والعاشق لا بد أن يفتضح، ولا يصبر قلب عاشق على كتمان المشاعر حتى يبوح بما في الضمائر.
عمل
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ كن ثابتًا، لا تتراجع، لا تضعف، أطلقها قوية مجلجلة في وجه الفتن (معاذ الله) عندها ستكون بحماية الله.
عمل
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ لم يرفض فقط؛ بل استعصم! أظْهِر شجاعتك عند مواجهة الفتن.
لمسة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أخبرت بجمال ظاهره حين أشارت إليه بالخروج عليهن، ثم ضمت إلى ذلك إخبارهن بأن باطنه أجمل من ظاهره، لأنها راودته فأبى إلا العفة والحياء بقولها (فَاسْتَعْصَمَ)، ما أجمل العفة والحياء من الجنسين.
لمسة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ (فَاسَتَعْصَمَ) يعني اعتصم؛ لكن للمبالغة في الامتناع والتحفظ والاعتصام وحفظ نفسه.
وقفة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ كل مستعصم عن شهوة، فيه شبهٌ من يوسف بقدر استعصامه.
وقفة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ اعتصام في وجه المغريات والمثيرات، (فَاسْتَعْصَمَ) الاستعصام شدة التمنع بدلالة سين الطلب ما أعظمه من عفاف وما أكمله من طهر!
لمسة
[32] ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ﴾ جلد الفجار في نيل الأوزار وشراء النار! قسمان اثنان في آية واحدة ﴿وَلَقَدْ﴾، ﴿وَلَئِن﴾ مما يدل على تصميم المرأة على المضي قدما في فسادها وإفسادها.
وقفة
[32] ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ﴾ المترفون من أهل الفسق، حتى شهواتهم ينجزونها بالأوامر.
وقفة
[32] ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾ مسكينة، ظنّت أن الثوابت تزعزعها كلمات.
وقفة
[32] امرأة العزيز لم تقل: ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾ حتى رأت أيديهن قطّعت بمكيدتها، وقلن: «ما هذا بشرًا»، وهذا كله بعد قولها: ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾، هذا ما يُسمى التحكم بالرأي العام ولو من بُعد، فهي جعلتهن في نفس خندقها، ووجهت فكرهن إلى نفس فكرها.
اسقاط
[32] ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ ما أسوأ الانسان عندما يعرف أنه على باطل ومع ذلك يتمادى! كأنه يستعجل مقت الله.
وقفة
[32] ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أمثل هذا الطاهر يُسجن؟! وبدون محاكمة؟! أزل الغشاوة عن عينيك، ثم تأمل يمينةً وشمالًا فيمن تملك سلطة، لا يخاف الله فيمن تحته، يلوح لك معنى الحياة البهيمية في أبشع صورها، وهل السجن بلا محاكمة إلا صورة من صور عالم الغابة، هذا هو الإبتزاز النتن وتعبيد الخلق لإرادات فاسدة، وما أشبه الظلمة في كل زمان ومكان! أتواصوا به بل هم قوم طاغون.
لمسة
[32] ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ في الآية تصوير لحالة الزوج المزرية، وتحكم الزوجة فيه رغم علمه بجريمتها، مع عجزه عن مقاومة سلطانها وجمالها، حتى في أعظم المواقف التي تؤجج قلوب الرجال غيرة وحمية.
لمسة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ جاءت نون التوكيد في (لَيُسْجَنَنَّ)، لكن في الحكم عليه بالصغار جاء التنوين بدل التوكيد (لَيَكُونًا)، ولم تقل:(ليكوننَّ)؛ والسر -والله أعلم -هي تستطيع أن تدخله السجن (لَيُسْجَنَنَّ) فلذلك أتت نون التوكيد، لكن أبدًا لا تملك أن تجعله ذليلًا أو صاغرًا، فلذلك -والله أعلم- جاءت مخففة بالتنوين بدل التوكيد في (وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)، فعلاً: «إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ».
لمسة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ ما الفرق بين تشديد النون في (لَيُسْجَنَنَّ) وتخفيفها في (وَلَيَكُونًا)؟ الجواب: (لَيُسْجَنَنَّ) هذه نون التوكيد الثقيلة، و(وَلَيَكُونًا) هذه نون التوكيد الخفيفة، والمعروف في اللغة أن نون التوكيد الثقيلة آكد من الخفيفة؛ لأن تكرار النون بمثابة تكرار التوكيد، وسبب الاختيار أنها هي أكدت على السجن فجاءت بالنون الثقيلة فسُجِن، هي لم ترده من الصاغرين، وهي لا تريد إهانته، وإنما تريد سجنه.
وقفة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ يعتقد الأغبياء في كل العصور أن السجن يقلل من قدر المظلوم، والله يثبت لهم عكس ذلك، ولكن دون جدوى.
وقفة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ سُجن ولكن لم يكن من الصاغرين؛ بل أعزه الله ورفع شأنه في العالمين وذكره في سورة باسمه خاصة.
وقفة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ هنا يظهر اختلال الموازين، فإن الصغار بدخول السجن في هذه الحالة هو قمة العزة والفخار، وأما الاستجابة لطلب المرأة الفاجر، فهو الصغار الحقيقي.
لمسة
[32] ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أكدت السجن بنون التوكيد، ولم تؤكد الصغار لأنه ليس بيدها ، فإذا أراد الله رفعك فلن يستطيع أحد وضعك.
وقفة
[32] كل أنبياء الله تعالى هددوا بالقتل أو الإخراج أو السجن: ﴿لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾ [القصص: 20]، ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ [88]، ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء: 167]، ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: 29]، ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾، ﴿لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا﴾ [إبراهيم: 13]، ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ [الأعراف: 82]، ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: 49] الحق والباطل لا يجتمعان!

الإعراب :

  • ﴿ قالت فذلكنَّ الذي:
  • قالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا عمل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي والجملة بعده في محل نصب مفعول به لقالت -أي مقول القول- الفاء في \"ذلكنَّ\" قد تكون واقعة في جواب شرط محذوف تقديره إنْ كنت عتبتني فيه فهذا الذي لمتنني فيه. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد.والكاف حرف خطاب. النون للمبالغة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية \"هو الذي\" في محل رفع خبر \"ذلكنّ\" ولم تقل \"فهذا\" وهو حاضر أمامها رفعًا لمنزلته في الحسن واستحقاقه بالمحبة والافتتان به.
  • ﴿ لمتنني فيه:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. لمتنني: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. النون الأولى علامة جمع الإناث والنون الثانية نون الوقاية والياء ضمير متصل -ضمير المتكلم- مبني على السكون في محل نصب مفعول به. فيه: أي بسببه: جار ومجرور متعلق بلمتن و\"في\" للتعليل.
  • ﴿ ولقد راودته:
  • الواو: استئنافية: اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. راودته: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عن نفسه فاستعصم:
  • جار ومجرور متعلق براودته والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. الفاء: استئنافية. استعصم: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. بمعنى: امتنع طلبًا للعصمة.
  • ﴿ ولئن لم يفعل:
  • لواو: استئنافية. اللام: موطئة للقسم -اللام المؤذنة- إنْ: حرف شرط جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يفعل: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو وجملة \"لم يفعل\" في محل جزم بإنْ وجملة \"لم يفعل\" اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها.
  • ﴿ ما آمره:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. آمره: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. وجملة \"آمره\" صلة الموصول لا محل لها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به يعود إلى \"ما\" وليس إلى \"يوسف\" بمعنى: ما آمره به فحذف الجار ويجوز أن تكون \"ما\" مصدرية فيرجع ضمير \"آمره\" إلى يوسف بمعنى وإنْ لم يفعل أمري إياه. أي موجب أمري
  • ﴿ ليسجننَّ:
  • الجملة: جواب القسم لا محل لها. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم. اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. يسجننّ: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو.
  • ﴿ وليكونن:
  • معطوفة بالواو على \"يسجننّ\" وتعرب إعرابها. وهي فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة واسمها: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو وكتبت النون في المصحف ألفًا على حكم الوقف.
  • ﴿ من الصاغرين:
  • جار ومجرور في محل نصب خبر \"يكون\" وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

يوسف: 32﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ
يوسف: 51﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا جرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعامَ من فرط الدهشة والذهول؛ هنا شعرت امرأةُ العزيز بانتصارها على بنات جنسها، وصرحت ببراءة يوسف عليه السلام ، ثم هَدَّدَته بالسجن إن لم يفعل، قال تعالى:
﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وليكونا:
وقرئ:
وليكونن، بالنون المشددة، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [33] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ..

التفسير :

[33] قال يوسف مستعيذاً مِن شرهن ومكرهن:يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه مِن عمل الفاحشة، وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن، وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم بعواقبه.

{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} وهذا يدل على أن النسوة، جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته، وجعلن يكدنه في ذلك.

فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد،{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أي:أمل إليهن، فإني ضعيف عاجز، إن لم تدفع عني السوء،{ وَأَكُنْ} إن صبوت إليهن{ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فإن هذا جهل، لأنه آثر لذة قليلة منغصة، على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم، ومن آثر هذا على هذا، فمن أجهل منه؟"فإن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين وأعظم اللذتين، ويؤثر ما كان محمود العاقبة.

ويترامى على مسامع يوسف- عليه السلام- هذا التهديد السافر ... فيلجأ إلى ربه مستجيرا به. ومحتميا بحماه ويقول: «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه..» .

أى: قال يوسف- عليه السلام- متضرعا إلى ربه- تعالى- يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها، أحب إلى، وآثر عندي مما يدعونني إليه من ارتكاب الفواحش.

وقال أحب إلى مما يدعونني إليه، ولم يقل مما تدعوني إليه امرأة العزيز، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار..

قال الآلوسى: «وإسناد الدعوة إليهن، لأنهن خوفنه من مخالفتها، وزين له مطاوعتها.

فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك، واقض حاجتها، لتأمن عقوبتها.. وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته، فلما خلت به دعته إلى نفسها ...

وقوله: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ واعتراف منه- عليه السلام- بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإغراء، إذا لم يكن معه عون الله- تعالى- وعنايته ورعايته.

وأَصْبُ من الصبوة وهي الميل إلى الهوى، يقال: صبا فلان يصبو صبوا وصبوة، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر، ومنه ريح الصبا، وهي التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها.

والمعنى: وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن، أمل إليهن. وأطاوعهن على ما يردنه منى، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم، فيقعون في القبائح والمنكرات.

فعند ذلك استعاذ يوسف ، عليه السلام ، من شرهن وكيدهن ، وقال : ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) أي : من الفاحشة ، ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ) أي : إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي قدرة ، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي .

( أصب إليهن وأكن من الجاهلين)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)

قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله يدلُّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه , وتوعَّدته بالسّجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه , فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعَّدته بذلك , كان محالا أن يقول: (ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه) ، وهو لا يدعَى إلى شيء، ولا يخوَّف بحبس.

* * *

و " السجن " هو الحبس نفسه , وهو بيت الحَبْس.

* * *

وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها. والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال (27) . فتقول: " طلعت الشمس مطلعًا , وغربت مغربًا " , فيجعلونها، وهي أسماء، خلفًا من المصادر , فكذلك " السجن " , فإذا فتحت السين من " السَّجن " كان مصدرًا صحيحًا.

* * *

وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه: " السَّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ" ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب، الحبس في السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه من معصيتك، ويراودنني عليه من الفاحشة، كما: -

19246 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه) : من الزنا.

19247 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه، واستغاثه على ما نـزل به (28) ( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه) ، أي: السجن أحبّ إليّ من أن آتي ما تكره.

* * *

وقوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن) ، يقول: وإن لم تدفع عني، يا رب، فعلهن الذي يفعلن بي، في مراودتهن إياي على أنفسهن (29) ، " أصب إليهن " , يقول: أمِلْ إليهن , وأتابعهن على ما يُرِدن مني ويهوَيْن.

* * *

، من قول القائل: " صَبا فلان إلى كذا " , ومنه قول الشاعر: (30)

إِلَـــى هِنْـــدٍ صَبَـــا قَلْبِــي

وَهِنْــــدٌ مِثْلُهَــــا يُصْبِـــي (31)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19248 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (أصب إليهن) ، يقول: أتابعهن.

19249 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وإلا تصرف عني كيدهن) ، أي: ما أتخوَّف منهن ، ( أصب إليهن).

19250 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ، قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة , لا يكن منّي ولا عندي.

* * *

وقوله: (وأكن من الجاهلين) ، يقول: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك، (32) كما: -

19251 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (وأكن من الجاهلين) ، أي: جاهلا إذا ركبت معصيتك.

----------------------

الهوامش:

(27) " الأفعال" يعني" المصادر" ، وانظر ما سلف من فهارس المصطلحات .

(28) في المخطوطة :" وأحاف إلى ربه واستغاثه" ، والصواب في الأولى ما في المطبوعة ، وفي المطبوعة" استعانه" ، فأثبت ما في المخطوطة ." أضاف إلى ربه" ، خاف وأشفق ، فلجأ إليه مستجيرًا به .

(29) انظر تفسير" الصرف" فيما سلف ص : 49 ، تعليق 1 : ، والمراجع هناك .

، وتفسير" الكيد" فيما سلف ص : 60 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(30) هو يزيد بن ضبة الثقفي" .

(31) الأغاني 7 : 102 ( دار الكتب ) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 311 ، من أبيات له هو مطلعها ، وبعده :

وهِنْــــدٌ غَـــــادَةٌ غَيْــــدَا

ءُ مِــــنْ جُرْثُومَـــةٍ غُلْـــبِ

وَمَــــا إنْ وَجَــــدَ النَّـــاسُ

مِــــــنَ الأدْوَاءِ كـــــالحُبِّ

.

(32) انظر تفسير" الجهل" فيما سلف 13 : 332 ، تعليق : 1 ، 2 ، والمراجع هناك .

المعاني :

أَصْبُ إِلَيْهِنَّ :       أَمِلْ إِلَيْهِنَّ السراج
أصبوا إليهنّ :       أمِلْ إلى إجابتهنّ معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ يبذل الصالحون حريتهم حتى لا يمس دينهم.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ قالها أكرم سجين، ورددها بعده من سار على نهجه.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيّ﴾ هكذا تنقلب الموازين، إذا وقع الإيمان في القلب.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ يبذل الصالحون حريتهم ويختارون المكوث خلف القضبان لله حتى يسلم لهم ولغيرهم دينهم، ولذلك كثير ممن أُوذوا في ذات الله وصبروا بحبس أو نحوه أوجد الله في صدورهم من السعة والأُنس به ما لا يقادر قدره، والآية تؤيد قاعدة دفع أضر الضررين وهو ما يدعونه إليه بجلب أخفِّه.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ قد يكون السجن أفضل خيار متاح عندما يكون الثمن هو الدين.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ يوسف عندما اختار السجن كان متيقنًا أنها (لن تضيق إن كان الله معه)؛ ما أحوجنا لهذا اليقين اليوسفي؟!
وقفة
[33] الغني ليس أن تستطيع شراء الدنيا مجتمعة بل أن تجتمع الدنيا ولا تستطيع شراءك ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ المؤمن صخرة تتفتت حولها الرغبات.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ عندما تضيق الخيارات المتاحة لك قد تختار السيئ حتى لا تقع بما هو أسوأ.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ قال أحدهم: «حاولت أن أبحث في قصة يوسف عليه السلام عن شعوره أثناء السجن، ومع طول القصة لا تجد أنه حزِن أو تكدَّر، بل يبدو من حواره أنه كان في غاية الارتياح».
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ إذا كانت المساومة إما السجن وإما المبدأ؛ فليكن السجن فثم جزمًا تكون سفينة النجاة.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ عند الأولياء يكون الابتلاء مع نعيم القرب من الله, أحب من الشهوة العجلى مع جحيم البعد!
لمسة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ ولم يقل: (الزنى)، فالمؤمن كامل العفاف حتى في لسانه.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ بعدما عف بدنه بالتمنع، تأمل لم يقل: (رب السجن أحب إلي من الزنا)، قال: (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)؛ عفَّ لسانه أيضًا! لا غرابة في عفة هذا الطاهر، فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ من احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله -كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين- كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيمًا وسرورًا، كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنًا وثبورًا.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية ؛ فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان: أن يكره العبد أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ النفس المؤمنة تفر من المعصية بأي وسلية، وتؤثر عقوبة الدُنيا من أجل النجاة في الآخرة.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ في السجن اليوم من يدفع ثمن إجرامه، لكن هناك قلة من يدفع ثمن وعيه.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ عبر بـ(الحب) للقضبان حين تنجي من الفاحشة.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ من أجل رضا الله يصبح ضيق السجن سعة، وظلامه نورًا، وشدته رخاء وفرجًا.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ كفى بالمعصية قبحًا أن يكون السجن البارد المظلم أحب للمؤمن من فراش القصر الوثير.
وقفة
[33] عندما دعا يوسف ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ لم يكن يعلم أن الله سيلجىء الملك إليه وهو في سجنه، وسيكون السجن سبيله ليكون عزيز مصر.
وقفة
[33] أن يُسجن بدنك ويبقى قلبك حُرًا خير من ذنب يأسر قلبك ويطلق بدنك ﴿قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه﴾.
وقفة
[33] قد يكون السجن دلالة علي الشرف والعفة والنزاهة، ومن دعاء يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾.
وقفة
[33] يؤجر الإنسان في طاعة الله بمقدار مجاهدته لنفسه، فتركه للمحرم ونفسه تميل إليه أعظم من تركه له ونفسه تعافه ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيّ﴾ هذا مقام الصبر، ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ وهذا مقام الاستعانة، وهذا كقول موسى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا﴾ [الأعراف: 128]، الأعمال القلبية هي وقود الأعمال البدنية، فينبغي الاهتمام بها.
وقفة
[33] ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ في قول يوسف عبرتان: إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي، والثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين، ففي هذا توكل على الله واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة.
وقفة
[33] من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ» [البخاري 1423], وهذا ما فعله نبي الله يوسف: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
عمل
[33] إذا وضعت في موقف فتنة وكان الخيار صعبًا؛ فتذكر قول يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
عمل
[33] استعذ بالله من كيد أهل السوء ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
عمل
[33] توجه إلى الله تعالى بالدعاء فيما أهمَّك وشغلك؛ فإنه سميع مجيب ﴿قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ﴾.
وقفة
[33] في الشدة: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾، وفي الرخاء: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ [101]؛ لاحظ الإلتجاء إلى الله والإفتقار إليه في السراء والضراء، كذلك ينبغي أن تكون.
وقفة
[33] ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ عندما تساوم بدينك ومبادئك تصغر بنظرك وتهون كل العقبات والعقوبات، فيغدو السجن حرية، والقتل حياة.
وقفة
[33] خُيِّر يوسف بين بلاء الدين (الفاحشة) وبين بلاء الدنيا (السجن)، فقال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾؛ لأن سلامة الدين أولى من سلامة الدنيا.
وقفة
[33] فزع يوسف إلى ربه: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾، فقدم العقوبة الدنيوية لعلمه أنها أخف ضررًا من معصية الله، وأظهر اضطراره إلى عصمة ربه: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾، وهكذا يظهر حسن توكله في صبره وفعله للأسباب واستعداده للبذل مع براءته من قوته.
وقفة
[33] ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ﴾ ما أجمل لغة الأنبياء! الحب حتى مع القضبان.
وقفة
[33] ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ﴾ مع الله السجن نزهة.
وقفة
[33] لولا إيثار: ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ ما خرج إلى: ﴿وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا﴾ [56].
لمسة
[33] ﴿يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ أسند الفعل إلى جميع النساء مع أن الداعية واحدة، إما لأنهن خوفنه من مخالفة أمر امرأة العزيز وأمرنه بمطاوعتها، أو لأن كلًّا منهن دعته إلى نفسها تصريحًا أو تلميحًا.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾ قد يخونك قلبك أمام المغريات، فسَلْ مَن يملك قلبك أن يلهمك الثبات.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾ بدون الله لستَ بشيءٍ.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾ قال ابن تيمية: «تأمَّلت أنفع الدعاء؛ فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته».
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾ نَسَبَ الصرف عن المعصية لله، والإقدام عليها لنفسه؛ تأدبًا مع الله.
وقفة
[33] نبي الله يوسف عليه السلام يخشى على نفسه من النساء، ويقول: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ﴾، وبعضهم يدعي السلامة ونظافة قلبه وعصمة نفسه؟!
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ وذلك لأنَّ الميل إليهنَّ جهْلٌ؛ لأنه يكون قد آثر لذةً قليلةً منغَّصةً على لذاتٍ متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم، ومن آثر هذا على هذا، فمَن أجهلُ منه؟!
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أنت بدون حفظ الله لا شيء، وبدون معية الله ضائع بدون حماية الله ضعيف، فلا تعتمد على نفسك أبدًا.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ هكذا الافتقار, لم يقل أنا ابن الأنبياء, بل تبرأ من حوله ولجأ إلى حول الله, فعصمه.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ دخل يوسف السجن؛ هروبًا من المعصية، وخرج منه عزيزًا لمصر؛ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
وقفة
[33] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ جاهلٌ ذاك الذي غرته فتنة النساء فانساق لهن، الدعاء خير صارفٍ لذاك البلاء.
اسقاط
[33] كيف تبرئ نفسك وهناك من هو خير منك -يوسف عليه السلام- يقول عن النساء: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾؟!
وقفة
[33] الجهل ليس بقلة المعلومات، وإنما بكثرة الوقوع في المعاصي ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
لمسة
[33] ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ إشارة إلى أن الجهل الحقيقي هو في تقديم الهَوى على الهُدى, وأن المعاصي نوع من الجهل ولو كان صاحبها يملك علمًا.
وقفة
[33، 34] ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾، ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾، الاستعانة بالله والدعاء من أسباب الفرج بعد الشدة.

الإعراب :

  • ﴿ قال ربّ:
  • قال: فعل ماضٍ مبني عل \"الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو أي يوسف. رب: منادى بأداة نداء محذوفة تقديرها: يا رب وهو مضاف منصوب بالفتحة المقدرة على آخره. منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على ياء المتكلم المحذوفة. والياء المحذوفة اختصارًا في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ السجن أحبّ إلي مما:
  • مبتدأ وخبر مرفوعان بالضمة. إلي: جار ومجرور متعلق بأحب. ولم ينون \"أحب\" لأنه على وزن \"أفعل\" التفضيل بمعنى أحب عندي. أي دخول السجن أحب إلي فحذف المضاف وحل المضاف إليه محله. مما: أصلها: من حرف جر و \"ما\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأحب والجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول-.
  • ﴿ يدعونني إليه:
  • صلة الموصول لا محل لها: يدعونني: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون -الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. النون للوقاية والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بمعنى ممّا يطلبنه مني. وقد أسندت الدعوة إليهن جميعًا لأنهن تنصحن له وزين له مطاوعتها. إليه: جار ومجرور متعلق بيدعوني.
  • ﴿ وإلّا تصرف عني كيدهنَّ:
  • الواو: استئنافية. إلّا: كلمة مركبة من \"إنْ\" حرف شرط جازم. و \"لا\" نافية لا عمل لها. تصرف: فعل مضارع مجزوم بإنْ وعلامة جزمه: السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. عني: جار ومجرور متعلق بتصرف. كيد: مفعول به منصوب بالفتحة. و \"هن\" ضمير الغائبات في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ أصبُ إليهنّ:
  • أي أمِلْ إليهن: الجملة: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. أصب: فعل مضارع جواب الشرط وجزاءوه مجزوم بإنْ وعلامة جزمه حذف آخره -حرف العلة-. الواو والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. إليهن: جار ومجرور متعلق بأصبو.
  • ﴿ وأكن من الجاهلين:
  • وأكن: معطوفة بالواو على \"أصب\" مجزومة مثلها وعلامة جزمها: السكون لأنها فعل مضارع ناقص واسمها: ضمير مستتر فيها وجوبًا تقديره أنا. وحذفت الواو تخلصًا من التقاء الساكنين. من الجاهلين: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"أكُن\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     وبعد التهديد بالسجن؛ لجأ يوسف عليه السلام إلى ربه أن يحميه ويعصمه من الوقوع في الفاحشة، قال تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

السجن:
وقرئ:
السجن، بفتح السين، وهو مصدر سجن، وهى قراءة عثمان، ومولاه طارق، وزيد بن على، والزهري، وابن أبى إسحاق، وابن هرمز، ويعقوب.
أصب:
قرئ:
1- أصب، من: صببت صبابة، وهى قراءة فرقة.
2- أصب، من: صبا يضبو صبوا، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [34] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ ..

التفسير :

[34] فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله. إن الله هو السميع لدعاء يوسف، ودعاء كل داع مِن خلقه، العليم بمطلبه وحاجته وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم.

{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} حين دعاه{ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} فلم تزل تراوده وتستعين عليه بما تقدر عليه من الوسائل، حتى أيسها، وصرف الله عنه كيدها،{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لدعاء الداعي{ الْعَلِيمُ} بنيته الصالحة، وبنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته ولطفه.

فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة،.وأما أسياده فإنه لما اشتهر الخبر وبان، وصار الناس فيها بين عاذر ولائم وقادح.

وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بيان لتقبل الله- تعالى- لدعائه بفضله ورحمته.

أى: فاستجاب الله- تعالى- ليوسف دعاءه وضراعته، فدفع عنه بلطفه وقدرته كيد هؤلاء النسوة ومكرهن، بأن أدخل اليأس في نفوسهن من الطمع في استجابته لهن، وبأن زاده ثباتا على ثباته، وقوة على قوته، فلم ينخدع بمكرهن، ولم تلن له قناة أمام ترغيبهن أو ترهيبهن.

«إنه» سبحانه «هو السميع» لدعاء الداعين، والمجيب لضراعة المخلصين «العليم» بأحوال القلوب، وبما تنطوى عليه من خير أو شر.

وقال- سبحانه- فَاسْتَجابَ بفاء التعقيب للإشارة إلى أنه- سبحانه- بفضله وكرمه، قد أجاب دعاء عبده يوسف- عليه السلام- بدون تأخير أو إبطاء.

قال الإمام ابن كثير: وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ...

وذلك لأن يوسف- عليه السلام- عصمه الله عصمة عظيمة، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال، أنه مع شبابه وجماله وكماله، تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، فيمتنع من ذلك ويختار السجن خوفا من الله، ورجاء في ثوابه.

ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله» .

ثم ساقت لنا السورة الكريمة بعد ذلك قصة دخول يوسف- عليه السلام- السجن، مع ثبوت براءته، مما نسب إليه، وكيف أنه وهو في السجن لم ينس الدعوة إلى عبادة الله- تعالى- وحده، وترك عبادة ما سواه، وكيف أنه أقام الأدلة على صحة ما يدعو إليه، وفسر لصاحبيه في السجن رؤياهما تفسيرا صادقا صحيحا..

استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:

وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، عصمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال : أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ، وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال ، والرياسة ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك ، خوفا من الله ورجاء ثوابه .

ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله "

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)

قال أبو جعفر: إن قال قائل: وما وجه قوله: (فاستجاب له ربه) ، ولا مسألةَ تقدَّمت من يوسف لربّه، ولا دعا بصَرْف كيدهنَّ عنه , وإنما أخبر ربه أن السجن أحب إليه من معصيته؟

قيل: إن في إخباره بذلك شكايةً منه إلى ربه مما لقي منهنَّ، وفي قوله: وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ، معنى دعاءٍ ومسألةٍ منه ربَّه صرفَ كيدهِنَّ , ولذلك قال الله تعالى ذكره: (فاستجاب له ربه) ، وذلك كقول القائل لآخر: " إن لا تزرني أهنك " , فيجيبه الآخر: " إذن أزورَك "، لأن في قوله: " إن لا تزرني أهنك " , معنى الأمر بالزيارة.

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه , فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله، كما: -

19252 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) ، أي: نجاه من أن يركب المعصية فيهن , وقد نـزل به بعض ما حَذر منهنَّ.

* * *

وقوله: (إنه هو السميع) ، دعاءَ يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاءَ كل داع من خلقه ، (العليم) ، بمطلبه وحاجته , وما يصلحه , وبحاجة جميع خلقه وما يُصْلحهم. (33)

----------------------

الهوامش:

(33) انظر تفسير" السميع" و" العليم" فيما سلف من فهارس اللغة ( سمع ) ، ( علم ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ ما من عبد يستجير بالله صادقًا مضطرًّا ويتمسك بركنه إلا ويغيثه ربه، ولا يدعه لنفسه أبدًا.
وقفة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ ما دمت تدعو فأنت بخير، قال زیاد بن أبي زياد: «أنا من أن أُمنع الدعاء أخوف من أن أُمنع الإجابة».
وقفة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ من لجأ إلى الله صادقًا لدفع الفتنة عن نفسه؛ لم يخيبه ربه تبارك وتعالى، فسبحانه مجيب من دعاه!
وقفة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ التضرع إلى الله ولزوم دعاء الله وطلب عونه أعظم سبيل للنجاة من إغراء الشهوات، والعصمة من الزلل وقت الفتن.
لمسة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الكيد ذكر على ثلاثة أوجه: كيد إخوة يوسف وكان محركهم الحسد، وكيد امرأة العزيز وكان دافعها الشهوة، وكيد يوسف وكان مطلبه لم الشمل.
لمسة
[34] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لم يقل: فأدخله السجن! لا تنظر إلى ظلمة المصيبة؛ بل انظر إلى النور الذي وراءها.
وقفة
[34] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ السميع الذي لا يخفى عليه دعاء داعیه وضراعة مستغيثيه، ولو كان همسًا أو مناجاة قلب، بل إن الدعاء الخفي أحب إليه وآثر من الدعاء في العلن.
وقفة
[34] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وهو العليم بخفايا القلوب ومكنونات الضمائر، لما علم ما في قلب يوسف من تعفف عن الفاحشة، صرفها عنه، فإن صلاح الظاهر كثيرًا ما يكون ثمرة طهارة الباطن!

الإعراب :

  • ﴿ فاستجاب له ربّه:
  • أي فاستجاب له ربه دعاءه فلطف به. الفاء: استئنافية. استجاب: فعل ماضٍ مبني على الفتح. له: جار ومجرور متعلق باستجاب. ربه: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فصرف عنه كيدهنَّ:
  • تعرب إعراب \"فاستجاب له\" والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو أي الرب سبحانه. كيد: مفعول به منصوب بالفتحة. و \"هنَّ\" ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنّه هو السميع العليم:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". هو: ضمير الفصل أو حرف لا عمل له. السميع: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة أي السميع لدعاء المستغيثين. العليم: صفة -نعت- للسميع أو خبر ثانٍ مرفوع بالضمة أيضًا. أي العليم بما يصلهم ويجوز أن تكون \"هو\" مبتدأ والسميع خبرها والجملة الاسمية \"هو السميع العليم\" في محل رفع خبر إن '

المتشابهات :

الأعراف: 200﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
الأنفال: 61﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
يوسف: 34﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
الشعراء: 220﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
فصلت: 36﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
الدخان: 6﴿رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     ولَمَّا لجأ يوسفُ عليه السلام إلى ربه؛ استجاب اللهُ عز وجل ليوسف دعاءه، قال تعالى:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [35] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ ..

التفسير :

[35] ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر؛ منعاً للفضيحة.

{ بَدَا لَهُمْ} أي:ظهر لهم{ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} الدالة على براءته،{ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} أي:لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس، فإن الشيء إذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نسي، فرأوا أن هذا مصلحة لهم، فأدخلوه في السجن.

وقوله- سبحانه- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ بيان لما فعله العزيز وحاشيته مع يوسف- عليه السلام- بعد أن ثبتت براءته.

وبدا هنا من البداء- بالفتح- وهو- كما يقول الإمام الرازي- عبارة عن تغير الرأى عما كان عليه في السابق.

والضمير في «لهم» يعود إلى العزيز وأهل مشورته.

والمراد بالآيات: الحجج والبراهين الدالة على براءة يوسف ونزاهته، كانشقاق قميصه من دبر، وقول امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، وشهادة الشاهد بأن يوسف هو الصادق وهي الكاذبة ... والحين: الزمن غير المحدد بمدة معينة.

والمعنى: ثم ظهر للعزيز وحاشيته، من بعد ما رأوا وعاينوا البراهين المتعددة الدالة على صدق يوسف- عليه السلام- وطهارة عرضه ... بدا لهم بعد كل ذلك أن يغيروا رأيهم في شأنه، وأن يسجنوه في المكان المعد لذلك، إلى مدة غير معلومة من الزمان.

واللام في قوله «ليسجننه» جواب لقسم محذوف على تقدير القول أى: ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين، والله ليسجننه حتى حين.

ولا شك أن الأمر بسجن يوسف- عليه السلام- كان بتأثير من امرأة العزيز، تنفيذا لتهديدها بعد أن صمم يوسف- عليه السلام- على عصيانها فيما تدعوه إليه، فقد سبق أن حكى القرآن عنها قولها وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ .

ولا شك- أيضا- أن هذا القرار بسجن يوسف يدل على أن امرأة العزيز كانت مالكة لقياد زوجها صاحب المنصب الكبير، فهي تقوده حيث تريد كما يقود الرجل دابته.

ولقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف فقال ما ملخصه: قوله ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ ...

وهي الشواهد على براءته، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفتلها منه في الذروة والغارب، وكان مطواعا لها، وجملا ذلولا زمامه في يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات، وعمل برأيها في سجنه، لإلحاق الصغار به كما أوعدته، وذلك لما أيست من طاعته لها، وطمعت في أن يذلله السجن ويسخره لها .

يقول تعالى : ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي : إلى مدة ، وذلك بعد ما عرفوا براءته ، وظهرت الآيات - وهي الأدلة - على صدقه في عفته ونزاهته . فكأنهم - والله أعلم - إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أن هذا راودها عن نفسها ، وأنهم سجنوه على ذلك . ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض ، صلوات الله عليه وسلامه .

وذكر السدي : أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحها .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه.

* * *

وقيل: " بدا لهم " , ، وهو واحد , لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه , وذلك نظير قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ، [سورة آل عمران: 173]، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.

* * *

وقيل: معنى قوله: (ثم بدا لهم) في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقًا , ورأوا أن يسجنوه (من بعد ما رأوا الآيات) ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز.

* * *

وتلك " الآيات "، كانت قدَّ القميص من دُبُر , وخمشًا في الوجه , وقَطْعَ أيديهن , كما:-

19253 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن نصر بن عوف , عن عكرمة , عن ابن عباس: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: كان من الآيات: قدٌّ في القميص، وخمشٌ في الوجه. (34)

19254 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي وابن نمير , عن [نصر] , عن عكرمة , مثله. (35)

&; 16-92 &; 19255 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: قدُّ القميص من دبر.

19256 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: قدُّ القميص من دبر.

19257 - حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ،

19258 - .... قال: وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

19259 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: " الآيات ": حزُّهن أيديهن , وقدُّ القميص.

19260 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال: قدُّ القميص من دبر.

19261 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) ، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر ، (ليسجننه حتى حين).

19262 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: (من بعد ما رأوا الآيات) ، القميصُ , وقطع الأيدي.

* * *

وقوله: (ليسجننه حتى حين) ، يقول: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم. (36)

* * *

وجعل الله ذلك الحبس ليوسف، فيما ذكر، عقوبةً له من همِّه بالمرأة، وكفارة لخطيئته .

19263 - حدثت عن يحيى بن أبي زائدة , عن إسرائيل , عن خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس: (ليسجننه حتى حين) ، عثر يوسف عليه السلام ثلاثَ عثرات: حين همَّ بها فسجن. وحين قال: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ، فلبث في السجن بضع سنين، وأنساه الشيطان ذكر ربه. وقال لهم: إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، فقالوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ .

* * *

وذكر أن سبب حبسه في السجن، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمرَه وأمرَها، كما: -

19264 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري , فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر , وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).

* * *

وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه " اللام " في: (ليسجننه) .

فقال بعض البصريين: دخلت ههنا، لأنه موضع يقع فيه " أيّ" , فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون , لأن النون تكون في الاستفهام , تقول: " بدا لهم أيّهم يأخذنّ"، أي: استبان لهم.

* * *

وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال: هذا يمين، وليس قوله: " هل تقومن " بيمين , و " لتقومن "، لا يكون إلا يمينًا.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: " بدا لهم " , بمعنى ": القول " , و " القول " يأتي بكل الكلام، بالقسم وبالاستفهام , فلذلك جاز: " بدا لهم قام زيد " , و " بدا لهم ليقومن ".

* * *

وقيل: إن " الحين " في هذا الموضع معنِيٌّ به سبع سنين.

* ذكر من قال ذلك:

19265 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن داود , عن عكرمة: (ليسجننه حتى حين) ، قال: سبع سنين.

* * *

----------------------

الهوامش:

(34) الأثر : 19253 -" نصر بن عوف" ، لم أجد في الرواة من يسمى بذلك ، والذي عندي أنه" نضر بن عربي الباهلي" ، فهو الذي يروي عن عكرمة ، ويروي عنه وكيع ، وقد سلف مرارًا وانظر رقم : 1307 ، 5864 ، وسلف التحريف في اسمه كثيرًا .

(35) الأثر : 19254 -" نصر بن عوف" ، انظر التعليق السالف ، هو" نضر بن عربي" .

(36) انظر تفسير" الحين" فيما سلف 1 : 540 / 12 : 359 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[35] ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف, ونعمة في طي بلية ونقمة, ويسر في عسر, ورجاء في يأس, وخلاص بعد لات مناص, وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف, وربما يسوقه بلطف, والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة.
وقفة
[35] ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ فساد ضارب بجذوره في أرض هذا البلد، ومجتمع يموج بالفحشاء ، فكان سجن يوسف بإلزام المرأة لزوجها بذلك، وكان لا يرد لها طلبًا، مع أن جريمتها تمس شرفه وعرضه، ورغم ظهور آیات براءة يوسف وكذِبها.
وقفة
[35] ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ ليس كل من هو قابع في غياهب السجون مجرمًا؛ فكثير من الأصداف تكون في قاع البحر.
وقفة
[35] ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ كان قرار سجن يوسف سياسيًّا لا قضائيًّا، فقد كان القوم موقنين ببراءته؛ لذا لم يحكموا عليه بالسجن لمدة محددة، لكن ﴿حَتَّىٰ حِين﴾.
عمل
[35] ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ (حتى حين) حدد وقتًا لمكثه في السجن، لكن الله أخرجه في الوقت الذي قدره هو لا هم، لا تحزن من تقديرات أعدائك؛ فالله فوقهم مقدر ومحيط، وثق أن الذي ابتلاك هو من سينهي ابتلاءك.
وقفة
[35] في القرآن أن عزيز مصر إنما لجأ إلى سجن يوسف ليخفي براءته عن الملأ ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾، أي بعد ما رأوا براءة يوسف!
وقفة
[35] ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ وذلك كي تنقطع أخباره، ويتناسى الناس أمر هذه الفضيحة، فإن الخبر شاع مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نُسي، وهو ما يسمى اليوم: (التعتيم الإعلامي) أو (حظر النشر) في القضايا.
وقفة
[35] ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ القضاء الفاسد! أمر القاضي بسجن يوسف بغیر دلیل، ليتحول إلى ألعوبة بيد امرأة العزيز، معلنًا أن الفساد عم البلاد، وأن انهيارها مسألة وقت.
وقفة
[35] ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ تنبيه رباني لطيف إلى أن السجن لا يدوم، وقيد الأبرار سينكسر، ودوام الحال محال، والحبل إذا اشتد انقطع، وأن الأمر صبر ساعة، والفرج على بعد رمية حجر.
وقفة
[35] ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين﴾ أيسجن الكريم ابن الكريم، ويسكن القصر الظلوم اللئيم؟! قال القشيري: «ليس كل أحد أهلًا للبلاء؛ لأن البلاء من صفة أرباب الولاء، فأما الأجانب فيتجاوز عنهم ويخلي سبيلهم -لا لكرامة محلهم- ولكن لحقارة قدرهم، فهذا يوسف عليه السلام كان بريء الساحة، وظهرت للكل سلامة جانبه، وابتلي بالسجن، وامرأة العزيز في سوء فعلها حيث قال: ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾، وقال لها: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ﴾، ثم لم تنزل بها شظية من البلاء».
وقفة
[35] عجيب لطف الله! أُلقي يوسف عليه السلام في البئر؛ وهو مظنة الهلاك، وبِيع عبدًا؛ وهو مظنة البقاء في العبودية والرق، وسُجن؛ وهو مظنة البقاء في السجن إلى الموت لمكانة امرأة العزيز عند زوجها، كل ما سبق كان سُلَّمًا للمجد والتمكين، ولو نجا من بعضها لم ينجُ من جميعها، ولكنه لطف اللطيف.

الإعراب :

  • ﴿ ثم بدا لهم:
  • ثم: عاطفة. بدا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. لهم: جار ومجرور متعلق ببدأ و\"هم\" ضمير الغائبين في محل جر باللام.
  • ﴿ من بعدما رأوا الآيات:
  • جار ومجرور متعلق ببدا. ما: مصدرية. رأوا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوف لالتقاء الساكنين. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الآيات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلًا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم و \"ما\" وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة. وجملة \"رأوا الآيات\" صلة \"ما\" المصدرية لا محل لها. التقدير: من بعد رؤيتهم الآيات أي العلامات الدالة على براءة يوسف. وفاعل \"بدا\" مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ليسجننه. والمعنى: بدا لهم. بداء: أي ظهر لهم رأي ليسجننه. والضمير في \"لهم\" يعود إلى العزيز وأهله. فحذف الفاعل لدلالة الفعل \"بدا\" عليه.
  • ﴿ ليسجننه حتى حين:
  • اللام: لام التوكيد. يسجننه: فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل والنون لا محل لها من الإعراب. الهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. حتى حين: جار ومجرور متعلق بيسجنن. أي إلى زمان بمعنى أن يسجنوه مدة ليحسب أنه مذنب. '

المتشابهات :

الأنعام: 28﴿بَل بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ
يوسف: 35﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ
الزمر: 47﴿لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَ بَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ
الزمر: 48﴿وَ بَدَا لَهُم سَيِّ‍َٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ
الجاثية: 33﴿ بَدَا لَهُم سَيِّ‍َٔاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     وبرغم ثبوت البراءة؛ يدخل يوسف عليه السلام السجن، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ليسجننه:
وقرئ:
لتجسننه، بالتاء، على خطاب العزيز، وهى قراءة الحسن.
حتى:
قرئ:
عتى، بإبدال الحاء عينا، وهى لغة هذيل، وبها قرأ ابن مسعود.

مدارسة الآية : [36] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ ..

التفسير :

[36] ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما:إني رأيت في المنام أني أعصر عنباً ليصير خمراً، وقال الآخر:إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه، أخبرنا -يا يوسف- بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.

أي:{ و} لما دخل يوسف السجن، كان في جملة من{ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} أي:شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فقصها على يوسف ليعبرها، .فـ{ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} وذلك الخبز{ تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أي:بتفسيره، وما يؤول إليه أمرهما، وقولهما:{ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي:من أهل الإحسان إلى الخلق، فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا، كما أحسنت إلى غيرنا، فتوسلا ليوسف بإحسانه.

ثم بين- سبحانه- جانبا من أحواله بعد أن دخل السجن فقال: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ....

والفتيان: تثنية فتى، وهو من جاوز الحلم ودخل في سن الشباب.

قالوا: وهذان الفتيان كان أحدهما: خبازا للملك وصاحب طعامه وكان الثاني: ساقيا للملك، وصاحب شرابه.

وقد أدخلهما الملك السجن غضبا عليهما، لأنهما اتهما بخيانته.

والجملة الكريمة عطف على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير بعد أن بدا للعزيز وحاشيته سجن يوسف. نفذا ما بدا لهم فسجنوه، ودخل معه في السجن فتيان من خدم الملك «قال أحدهما» وهو ساقى الملك ليوسف- عليه السلام-:

«إنى أرانى أعصر خمرا» أى: إنى رأيت فيما يرى النائم. أنى أعصر عنبا ليصير خمرا.

سماه بما يؤول إليه.

«وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه» أى: وقال الثاني وهو خباز الملك، إنى رأيت في المنام أنى أحمل فوق رأسى سلالا بها خبز، وهذا الخبز تأكل الطير منه وهو فوق رأسى.

والضمير المجرور في قوله: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يعود إلى المرئي في المنام أى: أخبرنا بتفسير ما رأيناه في منامنا، إذ نراك ونعتقدك من القوم الذين يحسنون تأويل الرؤى، كما أننا نتوسم فيك الخير والصلاح، لإحسانك إلى غيرك، من السجناء الذين أنت واحد منهم.

وقبل أن يبدأ يوسف- عليه السلام- في تأويل رؤياهما، أخذ يمهد لذلك بأن يعرفهما بنفسه، وبعقيدته، ويدعوهما إلى عبادة الله وحده ويقيم لهما الأدلة على ذلك ...

وهذا شأن المصلحين العقلاء المخلصين لعقيدتهم الغيورين على نشرها بين الناس، إنهم يسوقون لغيرهم من الكلام الحكيم ما يجعل هذا الغير يثق بهم، ويقبل عليهم، ويستجيب لهم..

قال قتادة : كان أحدهما ساقي الملك ، والآخر خبازه .

قال محمد بن إسحاق : كان اسم الذي على الشراب " نبوا " ، والآخر " مجلث " .

قال السدي : وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه .

وكان يوسف ، عليه السلام ، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث ، وحسن السمت وكثرة العبادة - صلوات الله عليه وسلامه - ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم . ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن ، تآلفا به وأحباه حبا شديدا ، وقالا له : والله لقد أحببناك حبا زائدا . قال : بارك الله فيكما ، إنه ما أحبني أحد إلا دخل علي من محبته ضرر ، أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها ، وأحبني أبي فأوذيت بسببه ، وأحبتني امرأة العزيز فكذلك ، فقالا : والله ما نستطيع إلا ذلك ، ثم إنهما رأيا مناما ، فرأى الساقي أنه يعصر خمرا - يعني عنبا - وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا " . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سنان ، عن يزيد بن هارون ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود : أنه قرأها : " أعصر عنبا " .

وقال الضحاك في قوله : ( إني أراني أعصر خمرا ) يعني : عنبا . قال : وأهل عمان يسمون العنب خمرا .

وقال عكرمة : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب ، فنبتت . فخرج فيه عناقيد ، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك . قال تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمرا .

وقال الآخر ، وهو الخباز : ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين )

والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه ، وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا ، إنما كانا تحالما ليجربا عليه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودخل مع يوسف السجن فتيان ، فدل بذلك على متروكٍ قد ترك من الكلام، وهو: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ، فسجنوه وأدخلوه السجن ، ودخل معه فتيان , فاستغنَى بدليل قوله: (ودخل معه السجن فتيان) ، على إدخالهم يوسف السجن، من ذكره.

* * *

وكان الفتيان، فيما ذكر، (37) غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر، أحدهما صاحبُ شرابه , والآخر صاحبُ طعامه، كما: -

&; 16-95 &; 19266 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: فطرح في السجن ، يعني يوسف ، ( ودخل معه السجن فتيان ) , غلامان كانا للملك الأكبر الرّيان بن الوليد , كان أحدهما على شرابه , والآخر على بعض أمره , في سَخْطَةٍ سخطها عليهما , اسم أحدهما " مجلث " والآخر " نبو " , و " نبو " الذي كان على الشراب.

19267 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: (ودخل معه السجن فتيان) ، قال: كان أحدهما خبازًا للملك على طعامه , وكان الآخر ساقيه على شرابِه.

* * *

وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر، ما: -

19268 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: إن الملك غضب على خبَّازه , بلغه أنه يريد أن يسمّه , فحبسه وحبس صاحب شرابه , ظنَّ أنه مالأه على ذلك. فحبسهما جميعًا ; فذلك قول الله: ( ودخل معه السجن فتيان ).

* * *

وقوله: (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرًا) ، ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن , قال لمن فيه من المحبَّسين , وسألوه عن عمله: إني أعبُرُ الرؤيا: فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنجربه، كما: -

19269 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبُرُ الأحلام . فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلمَّ نجرّب هذا العبد العبرانيّ فتراءَيَا له ! فسألاه، (38) من غير أن يكونا رأيا شيئًا . فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ وقال الآخر: إني أراني أعصر خمرًا؟ (39)

19270 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا حدثنا جرير , عن عمارة بن القعقاع , عن إبراهيم , عن عبد الله , قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا , وإنما كانا تحالما ليجرِّبا علمه.

* * *

وقال قوم: إنما سأله الفَتَيان عن رؤيا كانا رأياها على صحةٍ وحقيقةٍ , وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها .

* ذكر من قال ذلك:

19271 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما رأى الفتيان يوسف , قالا والله، يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك.

19272 - .... قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن عبد الله , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما الله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحدٌ قط إلا دخل عليَّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء , ثم لقد أحبني أبي فدخل عليّ بحبه بلاء , ثم لقد أحبتني زوجةُ صاحبي هذا فدخل عليَّ بحبها إياي بلاء , فلا تحباني بارك الله فيكما ! قال: فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان , وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا , فرأى " مجلث " أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه , ورأى " نبو " أنه يعصر خمرًا , فاستفتياه فيها، وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، إن فعلت.

* * *

وعني بقوله: (أعصر خمرًا) ، أي: إني أرى في نومي أني أعصر عنبًا . وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه .

19273 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن أبي سلمة الصائغ , عن إبراهيم بن بشير الأنصاري , عن محمد بن الحنفية قال في قراءة ابن مسعود: " إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا. (40)

* * *

وذكر أن ذلك من لغة أهل عمان , وأنهم يسمون العنب خمرًا .

* ذكر من قال ذلك:

19274 - حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ , يقول: حدثنا عبيد , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إني أراني أعصر خمرًا) ، يقول: أعصر عنبًا , وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرًا.

19275 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك: (إني أراني أعصر خمرًا) ، قال: عنبًا , أرضُ كذا وكذا يدعُون العنب " خمرًا ".

19276 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: ثني حجاج , عن ابن جريج , قال: قال ابن عباس: (إني أراني أعصر خمرًا) ، قال: عنبًا.

19277 - حدثت عن المسيب بن شريك , عن أبي حمزة , عن عكرمة , قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، (41) فنبتت , فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ , ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام , ثم تخرج فتسقيه خمرًا.

* * *

وقوله: (وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله) ، يقول تعالى ذكره: وقال الآخر من الفَتيين: إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزًا ; يقول: أحمل على رأسي ، فوضعت " فوق " مكان " على " (42) ، (تأكل الطير منه) ، يعني: من الخبز.

* * *

وقوله: (نبئنا بتأويله) ، يقول: أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنَّا رأيناه في منامنا، ويرجع إليه، (43) كما: -

19278 - حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا يزيد , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (نبئنا بتأويله) ، قال: به ، قال الحارث , قال أبو عبيد: يعني مجاهد أن " تأويل الشيء "، هو الشيء . قال: ومنه: " تأويل الرؤيا "، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه.

* * *

وقوله: (إنا نراك من المحسنين) اختلف أهل التأويل في معنى " الإحسان " الذي وصف به الفتيان يوسف. (44)

فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم , ويعزي حزينهم , وإذا احتاج منهم إنسان جَمَع له .

* ذكر من قال ذلك:

19279 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا سعيد بن منصور , قال: حدثنا خلف بن خليفة , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك بن مزاحم , قال: كنت جالسًا معه ببلخ , فسئل عن قوله: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، قال: قيل له: ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه , وإذا احتاج جمع له , وإذا ضاق أوْسَع له.

19280 - حدثنا إسحاق , عن أبي إسرائيل , قال: حدثنا خلف بن خليفة , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك , قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: (إنا نراك من المحسنين) ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قامَ عليه , وإذا احتاج جمع له , وإذا ضاق عليه المكان وسَّع له.

19281 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن أبي بكر بن عبد الله , عن قتادة , قوله: (إنا نراك من المحسنين) ، قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم , ويعزِّي حزينهم , ويجتهد لربه . وقال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم , فطال حزنهم , فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجَروا , إن لهذا أجرًا , إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك , لقد بورك لنا في جوارك , ما نحبُّ أنَّا كنا في غير هذا منذ حبسنا، لما تخبرنا من الأجر والكفَّارة والطَّهارة , فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبَّة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخلَّيت سبيلك , ولكن سأحسن جِوارك، وأحسن إسارك , فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.

19282 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن خلف الأشجعي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك في: (إنا نراك من المحسنين) ، قال: كان يوسع للرجل في مجلسه , ويتعاهد المرضى.

* * *

وقال آخرون: معناه: (إنا نراك من المحسنين) ، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه.

* ذكر من قال ذلك:

19283 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: استفتياه في رؤياهما , وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، إن فعلت.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة.

* * *

فإن قال قائل: وما وجهُ الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت , وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، ليست من الخبَر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه، ويحسن إلى من احتاج في شيء , وإنما يقال للرجل: " نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم " , وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم، لا بغيره؟

قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنًا إلينا في إخبارك إيانا بذلك , كما نراك تحسن في سائر أفعالك: ( إنا نراك من المحسنين).

* * *

----------------------

الهوامش:

(37) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف 8 : 188 / 16 : 62 .

(38) في المطبوعة :" نتراءى له" ، والصواب من المخطوطة ، والتاريخ .

(39) الأثر : 19269 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 176 .

(40) الأثر : 19273 -" أبو سلمة الصائغ" هو" راشد ، أبو سلمة الصائغ الفزاري" ، روى عن الشعبي ، وزيد الأحمسي ، وغيرهما . مترجم في الكبير 2 / 1 / 272 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 485 ، ولم يذكرا فيه جرحًا .

و" إبراهيم بن بشير الأنصاري" ، روى عن ابن الحنفية ، مترجم في الكبير 1 / 1 / 274 زابن أبي حاتم 1 / 1 / 89 .

وهذا الخبر ، ذكره البخاري في ترجمة" إبراهيم بن بشير" .

(41) " الحبلة" ( بفتح الحاء والباء ) ، القضيب من شجر الأعناب ، يغرس فينبت .

(42) انظر تفسير" فوق" فيما سلف 13 : 430 .

(43) انظر تفسير" النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة ( نبأ ) .

، وتفسير" التأويل" فيما سلف ص : 20 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(44) انظر تفسير" الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة ( حسن ) .

المعاني :

أَعْصِرُ خَمْرًا :       أَعْصِرُ عِنَبًا؛ لِيَصِيرَ خَمْرًا السراج
أعصر خمرا :       عنبا يؤول لخمر أسقيه الملك معاني القرآن
بِتَاوِيلِهِ :       بِتَفْسِيرِهِ السراج

التدبر :

وقفة
[36] ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ لم يدر السجّان وهو ينطق بتهمتهما أن الله سيتكلم بقصتهما.
عمل
[36] ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ في كل بلاء ومصيبة هناك من يشاركك الألم؛ لا تحزن؛ فلست وحدك.
عمل
[36] ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ أي مصيبة إن أردت بلسمًا ودواءً لأثرها في قلبك؛ تذكر أن غيرك أُصيب بها مثلك، لستَ وحدك.
وقفة
[36] عندما تقرأ: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ يهون عليك ما أصابك من هَم وبلاء، فلستَ وحدك من يشكو ويتألم، وكذلك الأنبياء، فتهون على الإنسان همومه وأحزانه إذا تذكر الابتلاءات التي مر بها سيدنا محمد ﷺ، تصور أنه دفن ستة من أبنائه في حياته! وفي عام واحد توفيت زوجته وعمه، وهما من هما في نصرته وحمايته، وفي أقل من أربعة أشهر فقد ١٤٠ من أصحابه، سبعين في أُحد، وسبعين في بئر معونة، منهم عمه حمزة.
وقفة
[36] ﴿أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا﴾ الخبز قوت المساكين، يعرفونه منذ القدم، تغزو رائحته موائدهم، وتخترق أحلامهم.
وقفة
[36] ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ الرؤى والأحلام أنس المسجونين، ورغيف الكادحين، ومتنفس المظلومين.
وقفة
[36] ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ لجأ أهل السجن إلى يوسف لتعبير رؤاهم، وهم لا يعرفون أنه من أهل العلم، ولا يعلمون أنه معبر للرؤى من قبل، فهم من الكفار والملك كافر والبلدة كافرة؛ لأن أهل الصلاح يظهر صلاحهم على وجوههم، والناس يحبونهم وينجذبون إليهم، فإن أهل السجن قالوا بعدها: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، حالتك وسيرتك وهيئتك وأفعالك تدل على أنك من المحسنين والصالحين.
عمل
[36] ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الرؤيا شأنها عظيم؛ فلا تقص على أي أحد، بل تخير الصالحين، ومن لهم دراية بتأويل الرؤی.
وقفة
[36] إحسان يوسف اعترف به محبوه ومبغضوه، أصحاب الرؤيا: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وأخوة يوسف: ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [78].
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (نراك): المحسنون ﻻ يخفون.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له، وإذا احتاج جمع له شيئًا، وكان يجتهد في العبادة، ويقوم الليل كله للصلاة.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فإحسانه أنه كان يعود المرضى ويداويهم، ويعزي الحزانى، فأرادوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إحسان يوسف عليه السلام شهد له به: الله, وصاحبا السجن, والعزيز, وإخوته، فكان الجزاء: النبوة, والتأويل, والملك.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ رياح المحسنين تفضحهم مهما استتروا، وصدق القائل: «ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على قسمات وجهه وفلتات لسانه».
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ كان إحسان يوسف مقدمة قبول الرجلين لدعوته، وهذا قانون جار مع كل داعية: لابد من التمهيد أولا بالإحسان لكسب القلوب قبل الأبدان.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إحسانك يقرأه الناس في وجهك، في ملامحك، في شيء يجدونه في قلوبهم تجاهك.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ [46]، انطباعات قالها من عاشره وعرفه فانتشرت وراجت؛ بل سجلها التأريخ برغم كيد امرأة العزيز له بالسجن عسى أن يتهمه الناس ويسيؤا به الظن، فسبحان من قلوب العباد بيده.
وقفة
[36] ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لا فائدة من إخفاء جوانب التميز في داخلك؛ لابد أن يراها الآخرون.
وقفة
[36] قوله ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ في موضعين [36، 78]، ليس بتكرار؛ لأن الأول من كلام صاحبي السجن ليوسف عليه السلام، والثاني من كلام إخوة يوسف ليوسف.
وقفة
[36] قيل ليوسف في السجن: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقيل له وهو على خزائن مصر: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [78]؛ المعدن الطيب لا تغيره المناصب ولا المصائب.
وقفة
[36] لا عذر لأحد في ترك المعاملة الحسنة بحُجة سوء المكان أو الوقت، لا أسوأ من السجن؛ ومع ذلك قال صاحبا يوسف في السجن: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
عمل
[36] أخي المقيم في أوروبا وأمريكا أو غيرهما: حاول أن تنقل لمن حولك انطباعًا جيدًا عن دينك، فلعلك المسلم الوحيد الذي يرونه في حياتهم ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
عمل
[36] أحسن إلى لناس هذا اليوم قدر استطاعتك؛ فإن ذلك مدعاة لقبول ما عندك من الحق والخير ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[36] قال عثمان رضي الله عنه: «ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله عز وجل على صفحات وجهه وفلتات لسانه»، عرف صاحبا يوسف في السجن أنه ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وذلك لقوة إخلاصه حتى ظهر ذلك على وجهه وجوارحه، فما اجتهد مجتهد في إخفاء عمله إلا أظهر الله حُسْنَ سريرته ولو بانكباب الناس عليه، ويشهد لهذا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96] أي: محبةً وودادًا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل.
وقفة
[36، 37] ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾؛ لم يغره الثناء، لم يزهو للحظة، الشكر راسخ في نفسه على فضل ربه.

الإعراب :

  • ﴿ ودخل معه السجن فتيان:
  • الواو استئنافية. دخل: فعل ماضٍ مبني على الفتح. معه: ظرف مكان متعلق بدخل وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة وشبه الجملة \"معه\" يدل على معنى الاجتماع والصحبة. السجن: مفعول به منصوب بالفتحة. فتيان: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى والنون عوض عن حركة المفرد.
  • ﴿ قال أحدهما:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. أحد: فاعل مرفوع بالضمة. هم: ضمير متصل في محل جر بالإضافة والألف حرف دال على تثنية الغائب.
  • ﴿ إني أراني:
  • الجملة في محل نصب مفعول به -مقول القول- وهي حكاية حال ماضية بمعنى: إني رأيت في المنام من الرؤيا. إني: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسم \"إنّ\". أرى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. النون للوقاية. والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة \"أراني\" في محل رفع خبر \"انّ\".
  • ﴿ أعصر خمرًا:
  • لجملة في محل نصب مفعول به ثانٍ لرأى \"الحلمية\" بمعنى الحلم ومصدرها الرؤيا تحمل على معنى \"علم\" وفي محل نصب حال إذا كانت بصرية والجملة على هيئة. أعصر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. خمرًا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا:
  • معطوفة على ما قبلها وتعرب إعرابها. فوق: ظرف مكان منصوب على الظرفية المكانية متعلق بأحمل. رأسي: مضاف إليه مجرور بالإضافة والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ تأكل الطير منه:
  • الجملة في محل نصب صفة -نعت- لخبزًا. تأكل: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الطير: فاعل مرفوع بالضمة. منه: جار ومجرور متعلق بتأكل.
  • ﴿ نبئنا بتأويله:
  • نبئ: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بتأويله جار ومجرور متعلق بنئبنا والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنا نراك:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"نا\" المدغمة بإنّ ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها. نرى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ من المحسنين:
  • جار ومجرور في محل نصب مفعول به ثانٍ لأن \"نرى\" هنا بمعنى الظن والعلم أي محسنًا من المحسنين ولو كانت بصرية لأعربت حالًا وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

يوسف: 36﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
يوسف: 78﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     ولَمَّا سجنوه؛ دخل معه فتيان مملوكان من غلمان ملك مصر، أحدهما خبازه، والآخر ساقيه، لخيانة نسبت إليهما كانت ستؤدي بحياته، قال تعالى:
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [37] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ..

التفسير :

[37] قال لهما يوسف:لا يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الأحوال إلا أخبرتكما بتفسير هذا الطعام قبل أن يأتيكما، ذلكما التعبير الذي سأعبِّره لكما مما علَّمني ربي؛ إني آمنت به، وأخلصت له العبادة، وابتعدت عن دين قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالبعث والحساب جاحدون.

فـ{ قَالَ} لهما مجيبا لطلبتهما:{ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} أي:فلتطمئن قلوبكما، فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما، فلا يأتيكما غداؤكما، أو عشاؤكما، أول ما يجيء إليكما، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما.

ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما إليه، ليكون أنجع لدعوته، وأقبل لهما.

ثم قال:{ ذَلِكُمَا} التعبير الذي سأعبره لكما{ مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} أي:هذا من علم الله علمنيه وأحسن إليَّ به، وذلك{ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلًا.

فلا يقال:إن يوسف كان من قبل، على غير ملة إبراهيم.

وهذا ما كان من يوسف- عليه السلام- فقد بدأ في رده عليهما بقوله: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ...

أى: قال يوسف لرفيقيه في السجن اللذين سألاه أن يفسر لهما رؤياهما: «لا يأتيكما» أيها الرفيقان «طعام ترزقانه» في سجنكما، في حال من الأحوال، إلا وأخبرتكما بماهيته وكيفيته وسائر أحواله قبل أن يصل إليكما.

وإنما قال لهما ذلك ليبرهن على صدقه فيما يقول، فيستجيبا لدعوته لهما إلى وحدانية الله بعد ذلك.

وقوله «ذلكما مما علمني ربي» نفى لما قد يتبادر إلى ذهنهما من أن علمه مأخوذ عن الكهانة أو التنجيم أو غير ذلك مما لا يقره الدين.

أى: ذلك التفسير الصحيح للرؤيا، والأخبار عن المغيبات، كإخباركما عن أحوال طعامكما قبل أن يصل إليكما..

ذلك كله إنما هو العلم الذي علمني إياه ربي وخالقي ومالك أمرى، وليس عن طريق الكهانة أو التنجيم كما يفعل غيرى.

وقوله: «مما علمني ربي» فيه إشعار بأن ما أخبرهما به من مغيبات هو جزء من علوم كثيرة علمها إياه ربه- عز وجل- فضلا منه- سبحانه- وكرما.

ثم أضاف إلى ذلك قوله: «إنى تركت ملة قوم» أى دين قوم «لا يؤمنون بالله» أى لا يدينون بالعبودية لله- تعالى- وحده الذي خلقهم ورزقهم، وإنما يدينون بالعبودية لآلهة أخرى لا تنفع ولا تضر.

«وهم بالآخرة» وما فيها من ثواب وعقاب «هم كافرون» جاحدون لما يجب الإيمان به.

وفي هذه الجملة الكريمة تعريض بما كان عليه العزيز وقومه، من إشراك وكفر، ولم يواجه الفتيان بأنهما على دين قومهما، وإنما ساق كلامه على سبيل العموم، لكي يزيد في استمالتهما إليه، وإقبالهما عليه..

وهذا شأن الدعاة العقلاء، يلتزمون في دعوتهم إلى الله الحكمة والموعظة الحسنة، بدون إحراج أو تنفير.

يخبرهما يوسف - عليه السلام - أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم ، فإنه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه; ولهذا قال : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما )

قال مجاهد : يقول : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) [ في نومكما ] ( إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ) وكذا قال السدي .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا محمد بن يزيد - شيخ له - حدثنا رشدين ، عن الحسن بن ثوبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما أدري لعل يوسف ، عليه السلام ، كان يعتاف وهو كذلك ، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ) قال : إذا جاء الطعام حلوا أو مرا اعتاف عند ذلك . ثم قال ابن عباس : إنما علم فعلم . وهذا أثر غريب .

ثم قال : وهذا إنما هو من تعليم الله إياي; لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر ، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد.

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: (لا يأتيكما) ، أيها الفتيان في منامكما ، (طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) ، في يقظتكما ، (قبل أن يأتيكما).

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

19284 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في النوم ، (إلا نبأتكما بتأويله) ، في اليقظة.

19285 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، يقول: في نومكما ، (إلا نبأتكما بتأويله).

* * *

ويعنى بقوله (بتأويله) : ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.

* * *

وقوله: (ذلكما مما علمني ربي) ، يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته ، (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، وجاء الخبر مبتدأ، أي: تركت ملة قوم , والمعنى: ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.

* * *

وقوله: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله , ويقرّ بوحدانيته (45) ، (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله ، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.

* * *

، وكُررت " هم " مرتين , فقيل: (وهم بالآخرة هم كافرون) ، لما دخل بينهما قوله: (بالآخرة) ، فصارت " هم " الأولى كالملغاة , وصار الاعتماد على الثانية , كما قيل: وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [سورة النمل: 3/ سورة لقمان: 4 ]، وكما قيل: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [سورة المؤمنون: 35]

* * *

فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما، من هذا الكلام؟

قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما , فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.

* * *

وبنحو ذلك قال أهل العلم.

* ذكر من قال ذلك:

19286 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , في قوله: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ، قال: فكره العبارة لهما , وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا . وكان الملك إذا أراد قتل إنسان , صنع له طعامًا معلومًا , فأرسل به إليه , فقال يوسف: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، إلى قوله: يَشْكُرُونَ ، فلم يدَعَاه , فعدل بهما , وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما , فعدل بهما وقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، إلى قوله: يَعْلَمُونَ ، فلم يدعاه حتى عبر لهما , فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ . قالا ما رأينا شيئًا , إنما كنا نلعب ! قال: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ .

* * *

قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في اليقظة لا في النوم، . وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره , لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما , والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك , فأخبرهما أنه عنده علم ذلك .

----------------------

الهوامش:

(45) انظر تفسير" الملة" فيما سلف 12 : 561 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

المعاني :

ذ لكما :       التأويل و الإخبار بما يأتي معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[37] ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أشار بلطف إلى كون الطعام رزقًا، الموفق يجد في الكلام العادي ثغرات يستطيع أن يملأها بالتذكير بالله.
وقفة
[37] ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا﴾ قال جمال الدين القاسمي: «العالم إذا جُهلت منزلته في العلم، فوصف نفسه بما هو بصدده -وغرضه أن يُقتبس منه، ويُنتفع به في الدين- لم يكن ذلك من باب التركية».
وقفة
[37] ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا﴾ أحيانًا يحتاج المرء أن يعرف الناس بنفسه حتى لا يتسلط عليه الجهلاء والسفهاء.
وقفة
[37] ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ من فطنة يوسف عليه السلام أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته -حيث ظنا فيه الظن الحسن، وقالا له: «إنا نراك من المحسنين»، وأتياه ليعبر لهما رؤياهما، فرآهما متشوفَين لتعبيرها عنده- رأى ذلك فرصة؛ فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما.
عمل
[37] ﴿ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ لا تدع مناسبة إلا وتصنع فيها فعلًا يشير إلى فضل الله، أو تقول كلمة تثني على الله، أو توحي إيحاء يذكر بالله.
عمل
[37] ﴿ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ إذا أردت العلم النافع؛ فحقق التوحيد واذكر الآخرة.
وقفة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـه﴾ يوسف لم يحدث أصحابه بالسجن عن ظلم إخوته وافتراء زوجة العزيز، بل تسامى عن كل ذلك، وذَكَرَ همَّه الدعوي.
وقفة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـه﴾ الآية ليس فيها إخبار عن ترك قوم بعينهم، لكن إنشاء بمعنى أن يترك وينابذ أهل الشرك في أي زمن ومكان.
وقفة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ كما على العبد عبودية لله في الرخاء فعليه عبودية في الشدة؛ فيوسف عليه السلام لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك.
وقفة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ الدعوة إلى التوحيد أساس الإحسان إلى العبيد.
عمل
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ للدعاة :لا حاجة لشتم دينهم فالمقام ليس مقام رد ولا استهزاء ولا غيره، بل مقام بلاغ، بيِّن الحق وليس بالضرورة أن تتعدى ذلك.
لمسة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ التخلية قبل التحلية؛ لذا ذكر يوسف التخلي عن الشرك، ثم ذكر التحلي بالتوحيد الذي هو ملة إبراهيم.
لمسة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ لم يقل لهم: اتركوا ملة القوم، بل عبر بقوله: (تركت)، وفيه لطف في النصح وتورية، وكأنه كان على دينهما، فلما ترکه آتاه الله هذا العلم، ترغیبًا لهما في ترك ملة الكفر.
لمسة
[37] ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ لم يقل لهم: (أنتم کافرون)، فيزيدهم ذلك إعراضا وعنادًا، بل جعل الحديث عن قوم آخرين، وهو من لطفه وحسن عرضه لدعوته على طريقة: إياكِ أعني فاسمعي يا جارة.
وقفة
[37] عندما قال يوسف للسجينين: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، لم يشتم دينهما أمامهما، فالمقام ليس مقام رد ولا استفزاز ولا حساب، بل مقام بلاغ، والحق إذا تبين فليس بالضرورة أن يجهر بشتم الباطل الذي يدين به الشخص المقابل.
وقفة
[37، 38] من دلائل صدق طالب العلم في تعليم الناس وإخلاصه لله؛ نسبة الفضل لله في علمه ﴿ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾، ﴿ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ عَلَيْنَا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قال لا يأتيكما:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. لا: نافية لا عمل لها. يأتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم: الميم حرف عماد والألف حرف دال على تثنية المخاطب والجملة وما بعدها في محل نصب مفعول به. لقال.
  • ﴿ طعام ترزقانه:
  • طعام: فاعل مرفوع بالضمة. ترزقانه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون مبني للمجهول. الألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والجملة في محل نصب صفة لطعام.
  • ﴿ إلّا نبأتكما بتأويله:
  • إلّا أداة تحقيق بعد النفي. نبأت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. كما: أعربت بتأويله جار ومجرور متعلق بنبأت والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قبل أنْ يأتيكما:
  • ظرف زمان متعلق بنبأت منصوب على الظرفية الزمانية بالفتحة وهو مضاف. أنْ: حرف مصدرية ناصب. يأتي: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. و\"كما\" أعربت. و \"أن\" وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة وجملة \"يأتيكما\" صلة \"أن\".
  • ﴿ ذلكما:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد. الكاف للخطاب. الميم علامة جمع الذكور والألف للتثنية.
  • ﴿ مما علمني ربي:
  • مما: مكونة من \"من\" حرف جر و \"ما\" مصدرية. علمني: فعل ماضٍ مبني على الفتح. النون للوقاية والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. ربي: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. و\"ما\" وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بمن وجملة \"علمني ربي\" صلة \"ما\" لا محل لها والجار والمجرور متعلق بخبر \"ذلكما\" والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به ثانٍ لعلم. التقدير: مما علمنيه ربي.
  • ﴿ إني تركت ملة قوم:
  • الجملة ابتدائية ويجوز أن تكون تعليلًا لما قبلها. إني: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسم \"إنّ\" تركت: تعرب إعراب \"نبأت\". ملة: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة \"تىركت ملة قوم\" في محل رفع خبر \"إن\" قوم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ لا يؤمنون بالله:
  • الجملة: في محل نصب صفة -نعت- لملة أو في محل جر صفة -نعت- لقوم. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالله: جار ومجرور متعلق بيؤمنون.
  • ﴿ وهم بالآخرة:
  • الواو استئنافية هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بالخبر.
  • ﴿ هم كافرون:
  • مكررة من \"هم\" الأولى للتوكيد وهو توكيد لفظي. كافرون: خبر \"هم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين. '

المتشابهات :

الأعراف: 45﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ
هود: 19﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
يوسف: 37﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
فصلت: 7﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     ولمَّا وصَفاه بالإحسانِ، ورأَى منهما ميلًا إليه؛ أخَذ يبرهن على صدقه فيما يقول، فيستجيبا لدعوته لهما إلى وحدانية الله بعد ذلك، قال تعالى:
﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف