ترتيب المصحف | 5 | ترتيب النزول | 112 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.50 |
عدد الآيات | 120 | عدد الأجزاء | 1.07 |
عدد الأحزاب | 2.15 | عدد الأرباع | 8.60 |
ترتيب الطول | 6 | تبدأ في الجزء | 6 |
تنتهي في الجزء | 7 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 2/10 | يا أيها الذين آمنوا: 1/3 |
لمَّا سألُوا عيسى عليه السلام أجابَهم هنا ودعا اللهَ أن يُنزلَ عليهم مائدةً من السماءِ، فاستجابَ اللهُ له.
بعدَ أن عَدَّدَ اللهُ النّعمَ على عيسى عليه السلام ، ذكرَ هنا أنه سيوجِّه له سؤالًا خطيرًا يومَ القيامةِ توبيخًا للنصارى، ثُمَّ ردُّ عيسى عليه السلام عليه سبحانه وتعالى.
تفويضُ عيسى عليه السلام الأمرَ كلَّه إلى اللهِ، وثناءُ اللهِ على الصَّادقينَ.
التفسير :
فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وعلم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك، فقال:{ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ} أي:يكون وقت نزولها عيدا وموسما، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين. كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم.{ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} أي:اجعلها لنا رزقا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقا.
ثم حكى- سبحانه- ما تضرع به عيسى بعد أن سمع من الحواريين ما قالوه في سبب طلبهم لنزول المائدة من السماء فقال- تعالى- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
وقوله: اللَّهُمَّ أى: يا الله. فالميم المشددة عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان. وهذا التعويض خاص بنداء الله ذي الجلال والإكرام.
وقوله: عِيداً أى سرورا وفرحا لنا، لأن كلمة العيد تستعمل بمعنى الفرح والسرور.
قال القرطبي: والعيد واحد الأعياد. وأصله من عاد يعود أى: رجع وقيل ليوم الفطر والأضحى عيد، لأنهما يعودان كل سنة. وقال الخليل: العيد كل يوم يجمع الناس فيه كأنهم عادوا إليه، وقال ابن الأنباري: سمى عيدا للعود إلى المرح والفرح فهو يوم سرور» .
والمعنى: قال عيسى بضراعة وخشوع- بعد أن سمع من الحواريين حجتهم- اللَّهُمَّ رَبَّنا أى: يا الله يا ربنا ومالك أمرنا، ومجيب سؤالنا. أتوسل إليك أن تنزل علينا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ. أى: أطعمة كائنة من السماء، هذه الأطعمة تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أى:
يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ونكثر من التقرب إليك فيه نحن الذين شاهدناها، ويكون- أيضا- يوم نزولها عيدا وسرورا وبهجة لمن سيأتى بعدنا ممن لم يشاهدنا.
قال ابن كثير. قال السدى: أى نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا. وقال سفيان الثوري: يعنى يوما نصلى فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم. وقال سلمان الفارسي: يعنى يوما نصلى فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم. وقال سلمان الفارسي: تكون عظة لنا ولمن بعدنا .
وقوله: وَآيَةً مِنْكَ معطوف على قوله عِيداً.
أى: تكون هذه المائدة النازلة من السماء عيدا لأولنا وآخرنا، وتكون أيضا- دليلا- وعلامة منك- سبحانك- على صحة نبوتي ورسالتي، فيصدقونى فيما أبلغه عنك، ويزداد يقينهم بكمال قدرتك.
وقوله: وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تذييل بمثابة التعليل لما قبله. أى: أنزلها علينا يا ربنا وأرزقنا من عندك رزقا هنيئا رغدا، فإنك أنت خير الرازقين، وخير المعطين، وكل عطاء من سواك لا يغنى ولا يشبع.
وقد جمع عيسى في دعائه بين لفظي «اللهم وربنا» إظهارا لنهاية التضرع وشدة الخضوع، حتى يكون تضرعه أهلا للقبول والإجابة.
وعبر عن مجيء المائدة بالإنزال من السماء للإشارة إلى أنها هبة رفيعة، ونعمة شريفة، آتية من مكان عال مرتفع في الحس والمعنى، فيجب أن تقابل بالشكر لواهبها- عز وجل- وبتمام الخضوع والإخلاص له.
وقوله تَكُونُ لَنا عِيداً صفة ثانية لمائدة، وقوله لَنا خبر كان وقوله عِيداً حال من الضمير في الظرف.
قال الفخر الرازي: تأمل في هذا الترتيب، فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضا، فقدموا ذكر الأكل فقالوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وأخروا الأغراض الدينية الروحانية.
فأما عيسى فإنه لما ذكر المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال: وَارْزُقْنا وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحية، وبعضها جسمانية.
ثم إن عيسى لشدة صفاء دينه لما ذكر الرزق انتقل إلى الرازق بقوله وَارْزُقْنا لم يقف عليه: بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال: وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. فقوله: رَبَّنا ابتداء منه بذكر الحق. وقوله أَنْزِلْ عَلَيْنا انتقال من الذات إلى الصفات.
وقوله تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها صادرة من المنعم.
وقوله: وَآيَةً مِنْكَ إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال.
وقوله: وَارْزُقْنا إشارة إلى حصة النفس.
ثم قال الإمام الرازي: فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدون فالأدون ثم قال: وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق، ومن غير الله إلى الله، وعند ذلك تلوح لك سمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية إلى الكمالات الإلهية ونزولها .
( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) قال السدي : أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال سفيان الثوري : يعني يوما نصلي فيه ، وقال قتادة : أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ، وعن سلمان الفارسي : عظة لنا ولمن بعدنا . وقيل : كافية لأولنا وآخرنا .
( وآية منك ) أي : دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء ، وعلى إجابتك دعوتي ، فيصدقوني فيما أبلغه عنك ) وارزقنا ) أي : من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب ( وأنت خير الرازقين )
القول في تأويل قوله : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114)
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، أنه أجاب القوم إلى ما سألوا من مسألة ربه مائدةً تنـزل عليهم من السماء.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا ". فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليومَ الذي نـزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا.
* ذكر من قال ذلك:
12997 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا " ، يقول: نتخذ اليوم الذي نـزلت فيه عيدًا نعظِّمه نحن ومن بعدنا.
12998 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا " ، قال: أرادوا أن تكون لعَقِبهم من بعدهم.
12999 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " أنـزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا "، قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ =" وآخرنا " ، من بعدهم منهم.
13000- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، قال سفيان: " تكون لنا عيدًا " ، قالوا: نصلي فيه. نـزلت مرتين.
* * *
وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
13001 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ليث, عن عقيل, عن ابن عباس أنه قال: أكل منها = يعني: من المائدة = حين وضعت بين أيديهم، آخر الناس، كما أكل منها أولهم.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله " عيدًا " ، عائدة من الله تعالى ذكره علينا، وحجة وبرهانًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: " معناه: تكون لنا عيدًا, نعبد ربنا في اليوم الذي تنـزل فيه، ونصلي له فيه, كما يعبد الناس في أعيادهم "، لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في" العيد "، ما ذكرنا، دون القول الذي قاله من قال: " معناه: عائدة من الله علينا ". وتوجيه معاني كلام الله إلى المعروف من كلام من خوطب به، أولى من توجيهه إلى المجهول منه، ما وجد إليه السبيل.
* * *
وأما قوله: " لأولنا وآخرنا "، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قولُ من قال: " تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا "، للعلة التي ذكرناها في قوله: " تكون لنا عيدًا " ، لأن ذلك هو الأغلب من معناه.
* * *
وأما قوله: " وآية منك " ، فإن معناه: وعلامةً وحجة منك يا رب، على عبادك في وحدانيتك, وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به (1) =" وارزقنا وأنت خير الرازقين " ، وأعطنا من عطائك, فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضَّل, لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكَد. (2)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في" المائدة ", هل أنـزلت عليهم، أم لا؟ وما كانت؟
فقال بعضهم: نـزلت، وكانت حوتًا وطعامًا, فأكل القوم منها, ولكنها رفعت بعد ما نـزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين الله تعالى ذكره.
ذكر من قال ذلك:
13002 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا &; 11-227 &; شعبة, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نـزلت المائدة، خبزًا وسمكًا.
13003 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا أبي, عن الفضيل, عن عطية قال : " المائدة "، سمكة فيها طعم كلِّ طعام.
13004- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله, عن فضيل, عن مسروق, عن عطية قال : " المائدة "، سمك فيه من طعم كل طعام.
13005- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن قال : نـزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
13006 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال : نـزلت على عيسى ابن مريم والحواريين، خِوانٌ عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نـزلوا إذا شاؤوا.
13007 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا المنذر بن النعمان, أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: " أنـزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا " ، قال: نـزل عليهم قرصة من شعير وأحوات = قال الحسن، قال أبو بكر: (3) فحدَّثت به عبد الصمد بن معقل فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يُغْني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكن الله حَثَا بين أضعافهن البركة, فكان قوم يأكلون ثم يخرجون, ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون, حتى أكلوا جميعهم وأفضَلُوا.
13008 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد قال : هو الطعام ينـزل عليهم حيث نـزلوا.
13009 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا &; 11-228 &; عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " مائدة من السماء " ، قال: مائدة عليها طعام، أُتوا بها؛ حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينـزل عليهم. (4)
13010 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن أبي معشر, عن إسحاق بن عبد الله: أن المائدة نـزلت على عيسى ابن مريم, عليها سبعة أرغفة وسبعة أحْوات, يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: " لعلها لا تنـزل غدًا!"، فرفعت.
13011 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود, عن سماك بن حرب, عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عَمار بن ياسر, فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال فقلت: لا! قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد. قال : فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا، أو تخونوا، أو ترفعوا, فإن فعلتم فإنّي أعذبكم عذابًا لا أعذّبه أحدا من العالمين! قال: فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورَفعوا وخانوا, فعذبوا عذابًا لم يعذبه أحد من العالمين. وإنكم معشر العرب، كنتم تتْبعون أذنابَ الإبل والشاء, فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه, وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهارون على العرَب, ونهاكم أن تكنـزوا الذهبَ والفضة. وايمْ الله. لا يذهبُ الليلُ والنهارُ حتى تكنـزوهما، ويعذِّبكم عذابًا أليمًا.
13012 - حدثنا الحسن بن قزعة البصري قال ، حدثنا سفيان بن حبيب قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن عمار بن ياسر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نـزلت المائدة خبزًا ولحمًا, وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدَّخروا ولا يرفعوا لغدٍ, فخانوا وادّخروا ورفعوا, فمسخوا قردة وخنازير. (5)
13013- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا يوسف بن خالد قال ، حدثنا نافع بن مالك, عن عكرمة, عن ابن عباس في المائدة قال : كانت طعامًا ينـزل عليهم من السماء حيثما نـزلوا.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
13014- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن عمار قال : نـزلت المائدة وعليها ثمرٌ من ثمر الجنة, فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا، قال: فخان القوم وخبئوا وادَّخروا, فحوّلهم الله قردة وخنازير. (6)
13015 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذُكر لنا أنها كانت مائدة ينـزل عليها الثمرُ من ثمار الجنة, وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد, بلاء ابتلاهم الله به, (7) وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك، أنبأهم به عيسى, فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا لغدٍ.
* * *
وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعام إلا اللحم.
* ذكر من قال ذلك:
13016 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة قال : كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل, اختلفت عليها الأيدي بكل طعام.
13017 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن عطاء, عن ميسرة وزاذان قالا كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام.
13018- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري, عن عطاء بن السائب, عن زاذان وميسرة، في: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَـزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ، قالا رأوا الأيدي تختلف عليها بكل شيء إلا اللحم. (8)
* * *
وقال آخرون: لم ينـزل الله على بني إسرائيل مائدة.
* * *
ثم اختلف قائلو هذه المقالة.
فقال بعضهم: إنما هذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبيّ الله الآيات.
* ذكر من قال ذلك:
13019 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, &; 11-231 &; عن ليث, عن مجاهد في قوله: " أنـزل علينا مائدة من السماء " ، قال: مثل ضُرب, لم ينـزل عليهم شيء.
* * *
وقال آخرون: إنّ القوم لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، استعفَوْا منها فلم تنـزل.
* ذكر من قال ذلك:
13020 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قال : كان الحسن يقول: لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ ، إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنـزل.
13021- حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن: أنه قال في المائدة: لم تنـزل. (9)
13022 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا, فأبوا أن تَنـزل عليهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنـزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه.
وإنما قلنا ذلك، للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعدُ, فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف, وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: إِنِّي مُنَـزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: إِنِّي مُنَـزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , ثم لا ينـزلها، لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر, ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: إِنِّي مُنَـزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , ثم لا ينـزلها عليهم, جاز أن يقول: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذّبه, فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك.
* * *
وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة, فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا, وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنـزيل.
------------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(2) وانظر تفسير"الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق).
(3) "أبو بكر" هو"عبد الرزاق" ، وهو: "عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري".
(4) في المطبوعة ، غير هذه العبارة تغيرًا شاملا مزيلا لمعناها ، فكتب: مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
أما المعنى الذي صحح الناشر الأول عليه هذا الأثر ، فهو مخالف لهذا كل المخالفة ، لأنه من قول من قال: "لم تنزل على بني إسرائيل مائدة" ، وهو قول مروي عن مجاهد فيما سيأتي رقم: 13021.
(5) الأثر: 13012 -"الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي البصري" ، ثقة. مضى برقم: 8281.
و"سفيان بن حبيب البصري" ، ثقة ، مضى برقم: 11302 ، 11321.
و"خلاس بن عمرو الهجري" ، مضى مرارًا ، منها: 4557 ، 5134 ، وغيرهما.
وكان في المطبوعة: "جلاس بن عمرو" ، وهو خطأ.
وهذا الخبر ، رواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه ، بإسناده عن الحسن بن قزعة ، ثم قال: "هذا حديث رواه أبو عاصم وغير واحد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار ، موقوفًا. ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة = حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا سفيان بن حبيب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، نحوه ، ولم يرفعه. وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ، ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا".
وانظر الأثر التالي رقم: 13014 ، وهو الخبر الموقوف.
(6) الأثر: 13014 - انظر التعليق على رقم: 13012 ، وكان في المطبوعة هنا أيضًا"جلاس بن عمرو" وهو خطأ.
(7) في المطبوعة والمخطوطة: "أبلاهم الله به" ، وهو لا يصح ، صواب قراءته ما أثبت.
(8) الأثران: 13017 ، 13018 -"زاذان الكندي الضرير" ، مضى برقم: 9508.
(9) الأثر: 13021 -"منصور بن زاذان الثقفي الواسطي" ، أبو المغيرة. ثقة ، روى عن أبي العالية ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن ، وابن سيرين. مترجم في التهذيب.
المعاني :
التدبر :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
تكون:
قرئ:
1- تكون، على أن الجملة صفة ل «مائدة» ، وهى قراءة الجمهور.
2- يكن، بالجزم، على جواب الأمر، والمعنى: يكن نزولها عيدا، وهى قراءة عبد الله، والأعمش.
لأولنا وآخرنا:
وقرئا:
لأولانا وآخرنا، أنثا على معنى الأمة والجماعة، وهى قراءة زيد بن ثابت، وابن محيصن، والجحدري.
وآية:
وقرئ:
وأنه، والضمير إما للعيد، أو للإنزال، وهى قراءة اليماني.
التفسير :
{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد. واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد، ولم يذكر أنه أنزلها، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك، ويدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، ولا له وجود. ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه. أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل، ويدل على هذا المعنى قوله:{ وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} والله أعلم بحقيقة الحال.
ثم ختم- سبحانه- حديثه عن هذه المائدة وما جرى بشأنها بين عيسى والحواريين من أقوال فقال- تعالى-: قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.
وقوله: مُنَزِّلُها ورد فيه قراءتان متواتران.
إحداهما: منزلها- بتشديد الزاى- من التنزيل وهي تفيد التكثير أو التدريج كما تنبئ عن ذلك صيغة التفعيل. وبهذه القراءة قرأ ابن عامر وعاصم ونافع.
وقرأ الباقون مُنَزِّلُها بكسر الزاى- من الإنزال المفيد لنزولها دفعة واحدة.
والمعنى: قال الله- تعالى- إنى منزل عليكم المائدة من السماء إجابة لدعاء رسولي عيسى- عليه السلام- فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ أى فمن يكفر بعد نزولها منكم أيها الطالبون لها فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ أى: فإن الله- تعالى- يعذب هذا الكافر بآياته عذابا لا يعذب مثله أحدا من عالمي زمانه أو من العالمين جميعا.
وقد أكد- سبحانه- عذابه للكافر بآيات الله بعد ظهورها وقيام الأدلة على صحتها بمؤكدات منها: حرف إن في قوله فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ ومنها: المصدر في قوله فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً إذ المفعول المطلق هنا لتأكيد وقوع الفعل وهو العذاب. ومنها: وصف هذا العذاب بأنه لا يعذب مثله لأحد من العالمين.
وهذه المؤكدات لوقوع العذاب على الكافر بآيات الله بعد وضوحها من أسبابه: أن الكفر بعد إجابة ما طلبوه، وبعد رؤيته ومشاهدته وبعد قيام الأدلة على وحدانية الله وكمال قدرته، وبعد ظهور البراهين الدالة على صدق رسوله.
أقول: الكفر بعد كل ذلك يكون سببه الجحود والعناد والحسد، والجاحد والمعاند والحاسد يستحقون أشد العذاب، وأعظم العقاب.
هذا، وهنا مسألتان تتعلقان بهذه الآيات الكريمة، نرى من الخير أن نتحدث عنهما بشيء من التفصيل.
المسألة الأولى: آراء العلماء في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم.
المسألة الثانية: آراء العلماء في نزول المائدة وعدم نزولها.
وللاجابة عن المسألة الأولى نقول: لعل منشأ الخلاف في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم مرجعه إلى قولهم لعيسى- كما حكى القرآن عنهم- هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ؟ فإن هذا القول يشعر بشكهم في قدرة الله على إنزال هذه المائدة.
وقد ذهب فريق من العلماء- وعلى رأسهم الزمخشري- إلى عدم إيمانهم، وجعلوا الظرف في قوله: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ متعلقا بقوله قبل ذلك قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ.
أى: أنهم قالوا لعيسى آمنا واشهد بأننا مسلمون، في الوقت الذي قالوا له فيه هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ فكأنهم ادعوا الإيمان والإسلام ادعاء بدون إيقان وإذعان، وإلا فلو كانوا صادقين في دعواهم لما قالوا لعيسى بأسلوب الاستفهام: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قالوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم اتبعه بقوله: إِذْ قالَ فإذن دعواهم كانت باطلة، وانهم كانوا شاكين، وقوله: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم. وكذلك قول عيسى لهم معناه: اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه ولا تحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أى: إن كانت دعواكم للايمان صحيحة» .
وذهب جمهور العلماء إلى أن الحواريين عند ما قالوا لعيسى هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ كانوا مؤمنين واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1- أن الظرف في قوله: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ ليس متعلقا بقوله: قالُوا آمَنَّا وإنما هو منصوب بفعل مضمر تقديره اذكر، وهذا ما رجحه العلامة أبو السعود في تفسيره فقد قال:
قوله: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ كلام مستأنف مسوق لبيان بعض ما جرى بينه عليه السلام- وبين قومه منقطع عما قبله، كما ينبئ عنه الإظهار في موضع الإضمار وإذ منصوب بمضمر.
وقيل: هو ظرف لقالوا أريد به التنبيه على أن ادعاءهم الايمان والإخلاص لم يكن عن تحقيق وإيقان ولا يساعده النظم الكريم» .
2- أن قول الحواريين لعيسى هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ لا يسحب عنهم الإيمان، وقد خرج العلماء قولهم هذا بتخريجات منها (أ) أن قولهم لم يكن من باب الشك في قدرة الله، وإنما هو من باب زيادة الاطمئنان عن طريق ضم علم المشاهدة إلى العلم النظري بدليل أنهم قالوا بعد ذلك نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا.
وشبيه بهذا قول إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
قال القرطبي ما ملخصه: «الحواريون خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم، وقد كانوا عالمين باستطاعة الله لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك، كما قال إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى وقد كان إبراهيم علم ذلك علم خبر ونظر، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك، ولذلك قال الحواريون: وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا كما قال إبراهيم وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .
(ب) أن السؤال إنما هو عن الفعل لا عن القدرة عليه، وقد بسط الآلوسى هذا المعنى فقال: إن معنى هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ هل يفعل ربك كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم معى مبالغة في التقاضي.
والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من باب التعبير عن المسبب بالسبب، إذ هي- أى الاستطاعة- من أسباب الإيجاد .
(ج) أن الاستطاعة هنا بمعنى الإطاعة- كما سبق أن أشرنا- ويشهد لذلك قول الفخر الرازي: قال السدى قوله هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ. أى: هل يطيعك ربك إن سألته. وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع والسين زائدة .
والذي نراه أن رأى الجمهور أرجح للأدلة التي ذكرناها، ولأن الله- تعالى- قد ذكر قبل هذه الآية أنه قد امتن عليهم بإلهامهم الإيمان فقال:
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين لكشف الله عن حقيقتهم، فقد جرت سنته- سبحانه- مع أنبيائه أن يظهر لهم نفاق المنافقين حتى يحذروهم.
ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين، لما أمر الله أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالتأسى بهم في إخلاصهم ورسوخ يقيتهم قال- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ .
وقال- تعالى- فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
فهاتان الآيتان صريحتان في مدح الحواريين وفي أنهم قوم التفوا حول عيسى- عليه السلام- وناصروه مناصرة صادقة، وآمنوا به إيمانا سليما من الشك والتردد.
وأما المسألة الثانية: وهي آراء العلماء في نزول المائدة: فالجمهور على أنها نزلت.
وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال:
إن الله أنزل المائدة.. لأن الله لا يخلف وعده، ولا يقع في خبره الخلف وقد قال- تعالى- مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى حين سأله ما سأله من ذلك إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وغير جائز أن يقول الله إنى منزلها عليكم ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه- تعالى- خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر .
وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير فقال: وهذا القول هو- والله أعلم- الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم.
ومن الآثار ما خرجه الترمذي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد: فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخهم قردة وخنازير.
قال الترمذي: وقد روى عن عمار من طريق موقوفا وهو أصح.
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن شهاب عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم قالوا له ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. قال: فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها. عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة. فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
والذي يراجع بعض كتب التفسير يرى كلاما كثيرا عما كان على المائدة من أصناف الطعام، وعن كيفية نزولها ومكانه، وعن كيفية استقبالها وكشف غطائها، والأكل منها والباقي عليها بعد الأكل. وهذا الكلام الكثير رأينا من الخير أن نضرب عنه صفحا، لضعف أسانيده، ولأنه لا يخلو عن غرابة ونكارة- كما قال ابن كثير- فقد ذكر- رحمه الله أثرا طويلا في هذا المعنى ثم قال في نهايته: هذا أثر غريب جدا قطعه ابن حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا ليكون سياقه أتم» .
ويعجبني في هذا المقام قول ابن جرير: وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون هذا المأكول سمكا وخبزا، وجائز أن يكون من ثمر الجنة، وغير نافع العلم به، ولا ضار الجهل به، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل «2» .
ويرى الحسن ومجاهد أن المائدة لم تنزل، فقد روى ابن جرير- بسنده- عن قتادة قال:
كان الحسن يقول: لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
وروى منصور بن زادان عن الحسن أيضا أنه قال في المائدة: إنها لم تنزل.
وروى ابن أبى حاتم وابن جرير عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد قال: هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء.
أى: مثل ضربه الله للناس نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه.
قال الحافظ ابن كثير: وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى. وليس في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله. وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ولا أقل من الآحاد» .
وقد علق بعض العلماء على كلام ابن كثير هذا فقال: ولنا أن نقول: إن هذا الاستدلال إن كان يعنى عدم نزولها فقط، فقد يكون له شيء من الوجاهة وإن كان يعنى أنها لم تنزل ولم يسأل، فهو محل نظر كبير، لأن السؤال ما لم ينته بإجابة كونية فعلية تبرز بها المائدة للناس ويرونها بأعينهم ويلمسونها بأيديهم فلا يعد بذلك مما تتوافر الدواعي على نقله، لا سيما وعيسى في بيته محصورة:
جماعة سألوا وأجيبوا، وانتهى الأمر برجوعهم عما سألوا فعدم تواتر سؤالها في كتب النصارى أو عدم وجوده فيها لا يستغرب كما يستغرب الأمر فيما لو نزلت المائدة فعلا ورآها الناس فعلا وأكلوا منها. وتذوقوا طعامها، ولم يذكر عن ذلك شيء
أي : فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها ( فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي : من عالمي زمانكم ، كقوله : ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر : 46 ] ، وكقوله : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء : 145 ] .
وقد روى ابن جرير ، من طريق عوف الأعرابي ، عن أبي المغيرة القواس ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .
ذكر أخبار رويت عن السلف في نزول المائدة على الحواريين :
قال أبو جعفر بن جرير ، حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ليث ، عن عقيل عن ابن عباس : أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له . ففعلوا ، ثم قالوا : يا معلم الخير ، قلت لنا : إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ، ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما ، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين . قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين . قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء ، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : كان ابن عباس يحدث ، فذكر نحوه .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، حدثنا عقيل بن خالد ، أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس ; أن عيسى ابن مريم قالوا له : ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء ، قال : فنزلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أحوات ، وسبعة أرغفة ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نزلت المائدة من السماء ، عليها خبز ولحم ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير "
وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن قزعة ثم رواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار ، قال : نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة ، فأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا . قال : فخان القوم وخبئوا وادخروا ، فمسخهم الله قردة وخنازير .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن سماك بن حرب ، عن رجل من بني عجل ، قال : صليت إلى جنب عمار بن ياسر ، فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال : قلت : لا قال : إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد ، قال : فقيل لهم : فإنها مقيمة لكم ما لم تخبؤوا ، أو تخونوا ، أو ترفعوا ، فإن فعلتم فإني معذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، قال : فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا ، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين . وإنكم - معشر العرب - كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء ، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم ، تعرفون حسبه ونسبه ، وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم ، ونهاكم أن تكتنزوا الذهب والفضة . وأيم الله ، لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذابا أليما .
وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا حسين ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن إسحاق بن عبد الله ، أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها ما شاؤوا . قال : فسرق بعضهم منها وقال : " لعلها لا تنزل غدا " . فرفعت .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين ، خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا . وقال خصيف ، عن عكرمة ومقسم ، عن ابن عباس : كانت المائدة سمكة وأرغفة . وقال مجاهد : هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا . وقال أبو عبد الرحمن السلمي : نزلت المائدة خبزا وسمكا . وقال عطية العوفي : المائدة سمك فيه طعم كل شيء .
وقال وهب بن منبه : أنزلها من السماء على بني إسرائيل ، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة ، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى ، فكان يقعد عليها أربعة آلاف ، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك لمثلهم . فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل .
وقال وهب بن منبه : نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات ، وحشا الله بين أضعافهن البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون ، حتى أكل جميعهم وأفضلوا .
وقال الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير : أنزل عليها كل شيء إلا اللحم .
وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان وميسرة وجرير ، عن عطاء ، عن ميسرة قال : كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم .
وعن عكرمة : كان خبز المائدة من الأرز . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا جعفر بن علي فيما كتب إلي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مرداس العبدري - مولى بني عبد الدار - عن إبراهيم بن عمر ، عن وهب بن منبه ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الخير ; أنه قال : لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة ، كره ذلك جدا وقال : اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ، ولا تسألوا المائدة من السماء ، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم ، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية ، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها . فأبوا إلا أن يأتيهم بها ، فلذلك قالوا : ( نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ) الآية .
فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها ، قام فألقى عنه الصوف ، ولبس الشعر الأسود ، وجبة من شعر ، وعباءة من شعر ، ثم توضأ واغتسل ، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله ، فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا ، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وغض بصره ، وطأطأ رأسه خشوعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه ، فلما رأى ذلك دعا الله فقال : ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين : غمامة فوقها وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذها الله عليهم - فيها : أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين - وهو يدعو الله من مكانه ويقول : اللهم اجعلها رحمة ، إلهي لا تجعلها عذابا ، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني ، إلهي اجعلنا لك شكارين ، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا وجزاء ، إلهي اجعلها سلامة وعافية ، ولا تجعلها فتنة ومثلة .
فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريين وأصحابه حوله ، يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط ، وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى . والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة ، فإذا عليها منديل مغطي . قال عيسى : من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة ، وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ، ونحمد ربنا ، ونذكر باسمه ، ونأكل من رزقه الذي رزقنا . فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ، أنت أولانا بذلك ، وأحقنا بالكشف عنها . فقام عيسى ، - عليه السلام - ، واستأنف وضوءا جديدا ، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات ، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا . ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل ، وقال : " باسم الله خير الرازقين " ، وكشف عن السفرة ، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ، ليس عليها بواسير ، وليس في جوفها شوك ، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث ، وعند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر ثمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات .
فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال شمعون : وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة . فقال عيسى ، - عليه السلام - : ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة ، فقال له : كن . فكان أسرع من طرفة عين ، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم ، فإنه بديع قادر شاكر .
فقالوا : يا روح الله وكلمته ، إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية . فقال عيسى : سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى ، - عليه السلام - ، على السمكة ، فقال : يا سمكة ، عودي بإذن الله حية كما كنت . فأحياها الله بقدرته ، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية ، تلمظ كما يتلمظ الأسد ، تدور عيناها لها بصيص ، وعادت عليها بواسيرها . ففزع القوم منها وانحازوا . فلما رأى عيسى ذلك منهم قال : ما لكم تسألون الآية ، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة ، عودي بإذن الله كما كنت . فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول .
فقالوا لعيسى : كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ، ثم نحن بعد فقال عيسى : معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها . فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها ، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة ، فتحاموها . فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى ، وقال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم ، فيكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم باسم الله ، واختموه بحمد الله ، ففعلوا ، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء ، لم ينتقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرئ كل زمن أكل منها ، فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا .
وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة ، سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال : فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا : الأغنياء والفقراء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا . فلما رأى ذلك جعلها نوائب ، تنزل يوما ولا تنزل يوما . فلبثوا في ذلك أربعين يوما ، تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها ، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم . بإذن الله إلى جو السماء ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم .
قال : فأوحى الله إلى نبيه عيسى ، - عليه السلام - ، أن اجعل رزقي المائدة ، لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس ، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس ، وغمطوا ذلك ، حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر ، وأدرك الشيطان منهم حاجته ، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة ، ونزولها من السماء أحق ، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال عيسى ، - عليه السلام - : هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم ، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا ، وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها ، وشككتم فيها ، فأبشروا بالعذاب ، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله .
وأوحى الله إلى عيسى : إني آخذ المكذبين بشرطي ، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين ، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير ، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات .
هذا أثر غريب جدا . قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة ، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل ، أيام عيسى ابن مريم ، إجابة من الله لدعوته ، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم : ( قال الله إني منزلها عليكم ) الآية .
وقد قال قائلون : إنها لم تنزل . فروى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد في قوله : ( أنزل علينا مائدة من السماء ) قال : هو مثل ضرب ، ولم ينزل شيء .
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . ثم قال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا القاسم - هو ابن سلام - حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم .
وقال أيضا : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ; أنه قال في المائدة : لم تنزل .
وحدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لما قيل لهم : ( فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قالوا : لا حاجة لنا فيها ، فلم تنزل .
وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن ، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ، وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ، ولا أقل من الآحاد ، والله أعلم . ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، وهو الذي اختاره ابن جرير ، قال : لأنه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى : ( إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : ووعد الله ووعيده حق وصدق .
وهذا القول هو - والله أعلم - الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم . وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب ، وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر ، فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، باني جامع دمشق ، فمات وهي في الطريق ، فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده ، فرآها الناس وتعجبوا منها كثيرا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة . ويقال إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود ، عليهما السلام ، فالله أعلم .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمران بن الحكم ، عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال : " وتفعلون؟ " قالوا : نعم . قال : فدعا ، فأتاه جبريل فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة . قال : " بل باب التوبة والرحمة " .
ثم رواه أحمد وابن مردويه والحاكم في مستدركه ، من حديث سفيان الثوري ، به .
القول في تأويل قوله : قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
قال أبو جعفر: وهذا جواب من الله تعالى ذكره القومَ فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألةَ ربهم، من إنـزاله مائدة عليهم. فقال تعالى ذكره: إني منـزلها عليكم، أيها الحواريون، فمطعمكموها =" فمن يكفر بعد منكم "، يقول: فمن يجحد بعد إنـزالها عليكم، وإطعاميكموها - منكم رسالتي إليه، وينكر نبوة نبيِّي عيسى صلى الله عليه وسلم، ويخالفْ طاعتي فيما أمرته ونهيته =" فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدا من العالمين "، من عالمي زمانه. ففعل القوم, فجحدوا وكفروا بعد ما أنـزلت عليهم، فيما ذكر لنا, فعذبوا، فيما بلغنا، بأن مُسِخوا قردة وخنازير، كالذي:-
13023 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " إني منـزلها عليكم " الآية, ذكر لنا أنهم حوِّلوا خنازير.
13024- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عدي, ومحمد بن جعفر, عن عوف, عن أبي المغيرة القوّاس, عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشدّ الناس عذابًا ثلاثة: المنافقون, ومن كفر من أصحاب المائدة, وآل فرعون. (10)
13025- حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن عوف قال : سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول: قال عبد الله بن عمرو: إنّ أشد الناس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة, والمنافقون, وآل فرعون. (11)
13026 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " فمن يكفر بعد منكم " ، بعد ما جاءته المائدة =" فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين " ، يقول: أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدًا من العالمين غير أهل المائدة.
---------------------------
الهوامش :
(10) الأثران: 13025 ، 13026 -"أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه". ضعفه سليمان التيمي ، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70 ، وابن أبي حاتم 4/2/439.
(11) الأثران: 13025 ، 13026 -"أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه". ضعفه سليمان التيمي ، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70 ، وابن أبي حاتم 4/2/439.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
منزلها:
قرئ:
1- بالتشديد، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وعاصم.
2- مخففا، وهى قراءة باقى السبعة.
3- سأنزلها، وهى قراءة الأعمش، وطلحة بن مصرف.
التفسير :
{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا:إن الله ثالث ثلاثة، فيقول الله هذا الكلام لعيسى. فيتبرأ عيسى ويقول:{ سُبْحَانَكَ} عن هذا الكلام القبيح، وعمّا لا يليق بك.{ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} أي:ما ينبغي لي، ولا يليق أن أقول شيئا ليس من أوصافي ولا من حقوقي، فإنه ليس أحد من المخلوقين، لا الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية وإنما الجميع عباد، مدبرون، وخلق مسخرون، وفقراء عاجزون{ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} فأنت أعلم بما صدر مني و{ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه، فلم يقل عليه السلام:"لم أقل شيئا من ذلك"وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذا من الأمور المحالة، ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة.
ثم حكت السورة الكريمة ما سيقوله الله لعيسى يوم القيامة، وما سيرد به عيسى على خالقه- عز وجل- حتى تزداد حسرة الذين وصفوا المسيح وأمه. بما هما بريئان منه فقال- تعالى-:
وقوله: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول إنما يكون في الآخرة- على الصحيح- والمعنى: واذكر أيها الرسول الكريم وليذكر معك كل مكلف وقت أن يسأل الله- تعالى- عبده ورسوله عيسى فيقول له يا عيسى: أأنت قلت للناس اتَّخِذُونِي أى: اجعلوني وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى من غير الله.
قال القرطبي: اختلف في وقت هذه المقالة، فقال قتادة وابن جريج وأكثر المفسرين: إنما يقول له هذا يوم القيامة. وقال السدى وقطرب: قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت فإن إِذْ في كلام العرب لما مضى والأول أصح، يدل عليه ما قبله من قوله يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ الآية. كما يدل عليه ما بعده وهو قوله: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
وعلى هذا تكون إذ بمعنى إذا كما في قوله: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ أى: إذا فزعوا فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي. لأنه لتحقيق أمره وظهور برهانه. كأنه قد وقع .
وكان النداء بقوله- سبحانه- يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أى: بغير ذكر النبوة، للإشارة إلى الولادة الطبيعية التي تنفى أن يكون إلها أو ابن إله أو فيه عنصر الألوهية بأى وضع من الأوضاع لأن الألوهية والبشرية نقيضان لا يجتمعان فلا يمكن أن يكون البشر فيه ألوهية، ولا إله فيه بشرية.
والتعبير بقوله اتَّخِذُونِي يدل على أنه ليس له حقيقة، بل هو في ذاته اتخاذ بما لا أصل له.
والمقصود بالاستفهام في قوله: أَأَنْتَ قُلْتَ توبيخ للكفرة من قومه وتبكيت كل من نسب إلى عيسى وأمه ما ليس من حقهما، وفضيحتهم على رءوس الأشهاد في ذلك اليوم العصيب، لأن عيسى سينفى عن نفسه أمامهم أنه قال ذلك وإنما هو أمرهم بعبادة الله وحده. ولا شك أن النفي بعد السؤال أبلغ في التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع وادعى لقيام الحجة على من وصفوه بما هو برىء منه.
قال الآلوسى: واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم إلها.
وأجيب عنه بأجوبة الأول: أنهم لما جعلوا عيسى إلها لزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس من يلده، فذكر إِلهَيْنِ على طريق الإلزام لهم.
والثاني: أنهم لما عظموها تعظيم الإله أطلق عليها اسم الإله كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان في قوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.
والثالث: أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك. ويعضد هذا القول ما حكاه أبو جعفر الإمامى عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم: المريمية، يعتقدون في مريم الألوهية وهو أولى الأوجه عندي .
وقوله- تعالى- قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ بيان لما أجاب به عيسى على خالقه- عز وجل-.
أى: قال عيسى مجيبا ربه بكل أدب وإذعان: تنزيها لك- يا إلهى- عن أن أقول هذا القول، فإنه ليس من حقي ولا من حق أحد أن ينطق به.
فأنت ترى أن سيدنا عيسى- عليه السلام- قد صدر كلامه بالتنزيه المطلق لله- عز وجل- ثم عقب ذلك بتأكيد هذا التنزيه، بأن أعلن بأنه ليس من حقه أن يقول هذا القول، لأنه عبد له- تعالى- ومخلوق بقدرته. ومرسل منه لهداية الناس فكيف يليق بمن كان شأنه كذلك أن يقول لمن أرسل إليهم اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
ثم أضاف إلى كل ذلك الاستشهاد بالله- تعالى- على براءته، وإظهار ضعفه المطلق أمام علم خالقه وقدرته فقال- كما حكى القرآن عنه- إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
أى: إن كنت قلت هذا القول وهو اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فأنت تعلمه ولا يخفى عليك منه شيء- لأنك أنت- يا إلهى- تعلم ما في نَفْسِي أى ما في ذاتى، ولا أعلم ما في ذاتك.
والمراد: تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم، وتعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وتعلم ما أقول وأفعل ولا أعلم ما تقول وتفعل إنك أنت- يا إلهى- علام الغيوب.
فهذه الجملة الكريمة بجانب تأكيدها لنفى ما سئل عنه عيسى- عليه السلام- تدل بأبلغ تعبير على إثبات شمول علم الله- تعالى- بكل شيء، وقد أكد عيسى ذلك، بإن المؤكدة وبالضمير أنت، وبصيغة المبالغة «علّام» وبصيغة الجمع للفظ «الغيوب» فهو لم يقل: إنك أنت عالم الغيب وإنما قال- كما حكى القرآن عنه- إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ بكل أنواعها، وبكل ما يتعلق بالكائنات كلها.
هذا أيضا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم ، - عليه السلام - ، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد . هكذا قاله قتادة وغيره ، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى : ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم )
وقال السدي : هذا الخطاب والجواب في الدنيا .
قال ابن جرير : هذا هو الصواب ، وكان ذلك حين رفعه الله إلى سماء الدنيا . واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين :
أحدهما : أن الكلام لفظ المضي .
والثاني : قوله : ( إن تعذبهم ) و ( إن تغفر لهم )
وهذان الدليلان فيهما نظر ; لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ، ليدل على الوقوع والثبوت . ومعنى قوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الآية : التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله ، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه ، كما في نظائر ذلك من الآيات .
والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر ، والله أعلم : أن ذلك كائن يوم القيامة ، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة . وقد روي بذلك حديث مرفوع ، رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله ، مولى عمر بن عبد العزيز ، وكان ثقة ، قال : سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ، ثم يدعى بعيسى ؛ فيذكره الله نعمته عليه ، فيقر بها ، فيقول : ( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) الآية [ المائدة : 110 ] ثم يقول : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون ، فيقولون : نعم ، هو أمرنا بذلك ، قال : فيطول شعر عيسى ، - عليه السلام - ، فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده . فيجاثيهم بين يدي الله ، عز وجل ، مقدار ألف عام ، حتى ترفع عليهم الحجة ، ويرفع لهم الصليب ، وينطلق بهم إلى النار " ، وهذا حديث غريب عزيز .
وقوله : ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن أبي هريرة قال : يلقى عيسى حجته ، ولقاه الله في قوله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقاه الله : ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) إلى آخر الآية .
وقد رواه الثوري ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن طاوس ، بنحوه .
وقوله : ( إن كنت قلته فقد علمته ) أي : إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب ، فإنه لا يخفى عليك شيء مما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ; ولهذا قال : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)
القول في تأويل قوله : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ," إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّيَ إلهين من دون الله ".
* * *
وقيل: إن الله قال هذا القولَ لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
13028 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي: " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ، قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت, وزعموا أنّ عيسى أمرَهم بذلك, فسأله عن قوله فقال: " سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب " إلى قوله: وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .
* * *
وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
13029 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ، قال: والناس يسمعون, فراجعه بما قد رأيت, وأقرَّ له بالعبودية على نفسه, فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلا.
13030 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة قال : قال الله: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله؟ فأُرْعِدت مفاصله, وخشي أن يكون قد قال, فقال: سبحانك، إن كنت قلته فقد علمته = الآية.
13031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, &; 11-235 &; عن قتادة في قوله: " يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ، متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة, ألا ترى أنه يقول: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ؟
= فعلى هذا التأويل الذي تأوَّله ابن جريج، يجب أن يكون " وإذ " بمعنى: و " إذا ", كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا ، [سورة سبأ: 51]، بمعنى: يفزعون، وكما قال أبو النجم:
ثُــمَّ جَــزَاهُ اللـهُ عَنَّـا إذْ جَـزَى
جَنَّــاتِ عَـدْنٍ فِـي العَلالِـيِّ العُـلا (12)
والمعنى: إذا جزى، وكما قال الأسود: (13)
فَـــالآنَ , إذْ هَــازَلْتُهُنَّ , فإنَّمَــا
يَقُلْـنَ: ألا لَـمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا !!ٌٌ (14)
بمعنى: إذا هازلتهن.
وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا, وجَّه تأويل الآية إلى: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة: " إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك, قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه, وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين:
إحداهما: أن " إذْ" إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل, وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم, (15) وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، (16) أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.
والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه, فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك, وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
* * *
فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟
قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل:
أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه, كما يقول القائل لآخر: " أفعلت كذا وكذا "؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: " أفعلته "، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه.
والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. (17)
* * *
قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين "، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنـزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به (18) = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق "، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك, وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = (19) " إن كنت قلته فقد علمته ", يقول: إنك لا يخفى عليك شيء, وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.
القول في تأويل قوله : تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به, فقال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ . ثم قال: " تعلم ما في نفسي"، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي, فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: " اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، كنت قد علمته, لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ =" ولا أعلم ما في نفسك "، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه, لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه =" إنك أنت عَلام الغيوب "، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. (20)
------------------------
الهوامش :
(12) الأضداد لابن الأنباري: 102 ، والصاحبي: 112 ، واللسان (طها) وسيأتي بعد قليل في هذا الجزء ص: 317 ، بزيادة بيت. وقوله: "العلالي" ، جمع"علية" (بكسر العين ، وتشديد اللام المكسورة ، والياء المشدودة): وهي الغرفة العالية من البيت. وأرد بذلك: "في عليين" ، المذكورة في القرآن. وقد قال هدبة من خشرم أيضًا ، فتصرف:
كــأنَّ حَوْطًـا، جـزاهُ اللـهُ مَغْفِـرَةً
وَجَنَّـــةً ذاتَ عِـــلِّيٍّ وأشْــرَاعِ
و"الأشراع" ، السقائف.
(13) هو الأسود بن يعفر النهشلي ، أعشى بني نهشل.
(14) ديوان الأعشين: 293 ، والأضداد لابن الأنباري: 101 ، من قصيدة له ، ذهب أكثرها فلم يوجد منها في الكتب المطبوعة ، غير هذا البيت ، وخمسة أبيات أخرى ، في ديوانه ، وفي العيني (هامش خزانة الأدب 4: 103) ، وهي أبيات جياد:
صَحَــا سَـكَرٌ مِنْـه طَـوِيلٌ بِزَيْنَيَـا
تَعَاقَبَــهُ لَمَّــا اسْــتَبَانَ وجَرَّبَــا
وَأَحْكَمَـهُ شَـيْبُ القَـذَالِ عَـنِ الصِّبَا
فَكَـيْفَ تَصَابِيـه وَقَـدْ صَـار أَشْيَبَـا?
وَكَــان لَــهُ، فِيمَـا أَفَـادَ، خَـلاَئِلٌ
عَجِـلْنَ، إذَا لاقَيْنَـهُ، قُلْـنَ: مَرْحَبَـاٌ!!
فـأَصْبَحْنَ لا يَسْـأَلْنَهُ عَـنْ بِمَـا بـهِ
أصَعَّـدَ فَـي عُلْـوِ الهَوَى أم تَصَوَّبَـا?
طَــوَامِحُ بالأَبْصَــارِ عَنْـه، كَأَنَّمَـا
يَــرَيْنَ عَلَيْــهِ جُـلَّ أَدْهَـمَ أجْرَبَـا
(15) انظر ما سلف من القول في"إذ" و"إذا" 1: 349 - 444 ، 493/3: 92 ، 98/6: 407 ، 550/7 : 333/9 : 627. وانظر ما سيأتي ص: 317.
(16) في المطبوعة والمخطوطة: "فتوجيه" بالفاء ، والجيد ما أثبت.
(17) في المطبوعة: "وتحذيره" ، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل.
(18) انظر تفسير"سبحان" فيما سلف 1: 474 - 476 ، 495/2 : 537/6 : 423.
(19) في المطبوعة: "فهل يكون للعبد" ، وفي المخطوطة: "فيكون يكون للعبد" ، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها.
(20) انظر تفسير"علام الغيوب" فيما سلف قريبًا: 211 = وتفسير"الغيب" 1: 236 ، 237/6 : 405/10 : 585.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 116 | ﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ |
---|
الأعراف: 143 | ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم صرح بذكر ما أمر به بني إسرائيل، فقال:{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} فأنا عبد متبع لأمرك، لا متجرئ على عظمتك،{ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} أي:ما أمرتهم إلا بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له، المتضمن للنهي عن اتخاذي وأمي إلهين من دون الله، وبيان أني عبد مربوب، فكما أنه ربكم فهو ربي.{ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} أشهد على من قام بهذا الأمر، ممن لم يقم به.{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} أي:المطلع على سرائرهم وضمائرهم.{ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} علما وسمعا وبصرا، فعلمك قد أحاط بالمعلومات، وسمعك بالمسموعات، وبصرك بالمبصرات، فأنت الذي تجازي عبادك بما تعلمه فيهم من خير وشر.
وبعد هذا التنزيه من عيسى- عليه السلام- لله عز وجل-، وبعد هذا النفي المؤكد لما سئل عنه بعد كل ذلك يحكى القرآن ما قاله عيسى لقومه فيقول: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ أى: ما قلت لهم- يا إلهى- اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وإنما القول الذي قلته لهم هو الذي أمرتنى أن أبلغهم إياه وهو عبادتك وحدك لا شريك لك، فأنت ربي وربهم، وأنت الذي خلقتني وخلقتهم، فيجب أن ندين لك جميعا بالعبادة والخضوع والطاعة، وأنت تعلم يا الهى- أننى لم أقصر في ذلك، وأننى كنت رقيبا وشهيدا على قومي، وداعيا لهم إلى اخلاص العبادات لك والعمل بموجب أمرك مدة بقائى فيهم.
قال الفخر الرازي: وأن في قوله أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مفسرة والمفسر هو الهاء في (به) من قوله إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ وهو يعود إلى القول المأمور به.
والمعنى: ما قلت لهم إلا قولا أمرتنى به، وذلك القول هو أن: اعبدوا الله ربي وربكم.
واعلم أنه كان الأصل أن يقال: ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به إلا أنه وضع القول موضع الأمر، نزولا على موجب الأدب الحسن لئلا يجعل نفسه وربه آمرين معا، ودل على الأصل بذكر أن المفسرة .
وقوله: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بيان لانتهاء مهمته بعد فراقه لقومه.
أى: أنت تعلم يا إلهى بأنى ما أمرتهم إلا بعبادتك وبأنى ما قصرت في حملهم على طاعتك مدة وجودى معهم، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي يا إلهى أى: قبضتني بالرفع إلى السماء حيا، كنت أنت الرقيب عليهم، أى: كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم المراقب لأحوالهم، العليم بتصرفاتهم.
الخبير بمن أحسن منهم وبمن أساء وأنت- يا إلهى- على كل شيء شهيد، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك.
هذا. وما ذهبنا إليه من أن معنى فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أى: قبضتني بالرفع إلى السماء حيا قول جمهور العلماء.
ومنهم من يرى أن معنى فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أى: أمتنى وزعموا أن رفعه إلى السماء كان بعد موته.
قال بعض العلماء مؤيدا ما ذهب أليه الجمهور قوله: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أى فلما أخذتنى وافيا بالرفع إلى السماء حيا، إنجاء لي مما دبروه من قتلى، من التوفي وهو أخذ الشيء وافيا أى كاملا.
وقد جاء التوفي بهذا المعنى في قوله- تعالى- يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا....
ولا يصح أن يحمل التوفي على الإماتة، لأن إماتة عيسى في وقت حصار أعدائه له ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها، ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول، وقد نزه الله السماء أن تكون قبرا لجثث الموتى، وإن كان الرفع بالروح فقط، فأى مزية لعيسى في ذلك على سائر الأنبياء، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة فالحق أنه- عليه السلام- رفع إلى السماء حيا بجسده وروحه وقد جعله الله آية، والله على كل شيء قدير» .
وقال الشيخ القاسمى: وقد دلت الآية الكريمة على أن الأنبياء بعد استيفاء أجلهم الدنيوي، ونقلهم إلى البرزخ لا يعلمون أعمال أمتهم وقد روى البخاري هنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا» أى غير مختونين- ثم قال: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابى فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح، وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، فيقال لي: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» .
( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به )بإبلاغه ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ) أي : ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه : ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ) أي : هذا هو الذي قلت لهم ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) أي : كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة قال : انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملاه على سفيان وأنا معه ، فلما قام انتسخت من سفيان ، فحدثنا قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموعظة ، فقال : " يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله ، عز وجل ، حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده ، وإن أول الخلائق يكسى إبراهيم ، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فيقال : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " .
ورواه البخاري عند هذه الآية عن الوليد ، عن أبي شعبة - وعن محمد بن كثير ، عن سفيان الثوري ، كلاهما عن المغيرة بن النعمان ، به .
القول في تأويل قوله : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى, يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم, وهو أن قلت لهم: " اعبدوا الله ربي وربكم " =" وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم "، يقول: وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم (21) =" فلما توفيتني" ، يقول: فلما قبضتني إليك (22) =" كنت أنت الرقيب عليهم " ، يقول: كنت أنت الحفيظ عليهم دوني, (23) لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم.
وفي هذا تبيانُ أن الله تعالى ذكره إنما عرّفه أفعالَ القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
=" وأنت على كل شيء شهيد " يقول: وأنت تشهد على كل شيء, لأنه لا يخفى عليك شيء, وأما أنا، فإنما شهدت بعض الأشياء, وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظهر القوم, فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيتُ وشهدت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: " كنت أنت الرقيب عليهم " ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13032 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدى: " كنت أنت الرقيب عليهم " ، أما " الرقيب "، فهو الحفيظ.
13033 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " كنت أنت الرقيب عليهم " ، قال: الحفيظ.
* * *
وكانت جماعة من أهل العلم تقول: كان جواب عيسى الذي أجاب به ربَّه من الله تعالى، توقيفًا منه له فيه. (24)
* ذكر من قال ذلك:
13034 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، قال: الله وقَّفَه. (25)
13035- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري قال ، قرئ على سفيان, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه طاوس قال : احتج عيسى، والله وقّفه: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، الآية.
13036 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة قال : قال الله تعالى ذكره: " يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ؟ قال: فأُرعدت مفاصله, وخشى أن يكون قد قالها, فقال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ .
----------------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير: "شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير"ما دام" فيما سلف 10: 185/ 11 : 74.
(22) انظر تفسير"توفاه" فيما سلف 6: 455 - 461/8 : 73/9 : 100.
(23) انظر تفسير"الرقيب" فيما سلف 7 : 523.
(24) في المطبوعة والمخطوطة: "توفيقًا" (بالفاء قبل القاف) ، في هذا الموضع وما يليه.
وهو خطأ من الناسخ والناشر لا شك فيه ، صوابه ما أثبت. يقال: "وقفت الرجل على الكلمة توقيفًا" ، إذا علمته الكلمة لم يكن يعلمها ، أو غابت عنه. أي أنها كانت من تعليم الله إياه ، لم يقلها من عند نفسه.
(25) في المطبوعة والمخطوطة: "الله وفقه" ، وانظر التعليق السالف ، وكذلك ما سيأتي في الأثر التالي.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 117 | ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
الحج: 17 | ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
سبإ: 47 | ﴿قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
فصلت: 53 | ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
المجادلة: 6 | ﴿يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
البروج: 9 | ﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} وأنت أرحم بهم من أنفسهم وأعلم بأحوالهم، فلولا أنهم عباد متمردون لم تعذبهم.{ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي:فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة، لا كمن يغفر ويعفو عن عجز وعدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة.
وبعد أن أجاب عيسى على سؤال ربه تلك الإجابة الموفقة. فوض الأمر إليه- سبحانه- في شأن قومه. فقال- كما حكى القرآن عنه إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
أى: إن تعذب- يا إلهى- قومي، فإنك تعذب عبادك الذين خلقتهم بقدرتك، والذين تملكهم ملكا تاما، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بمملوكه. وإن تغفر لهم، وتستر سيئاتهم وتصفح عنهم فذلك إليك وحدك، لأن صفحك عمن تشاء من عبادك هو صفح القوى القاهر الغالب الذي لا يعجزه شيء. والذي يضع الأمور في مواضعها بمقتضى حكمته السامية وقد قال بعض المفسرين هنا: كيف جاز لعيسى أن يقول: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ والله- تعالى- لا يغفر أن يشرك به؟
وقد أجاب عن ذلك الإمام القرطبي بقوله: قول عيسى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ قاله على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستعطف السيد لعبده، ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك. وقيل قاله على وجه التسليم لأمره، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر وقيل. الهاء والميم في إِنْ تُعَذِّبْهُمْ لمن مات منهم على الكفر. والهاء والميم في قوله: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ لمن تاب منهم قبل الموت. وهذا وجه حسن» .
أقول: هذا الوجه الثالث الذي ذكره القرطبي قد اكتفى به بعض المفسرين فقال: قوله:
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ أى: من أقام على الكفر منهم فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ أى: لمن آمن منهم فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب على أمره الْحَكِيمُ في صنعه .
ومع وجاهة هذا الوجه فإننا نرى أن الآية الكريمة حكاية للتفويض المطلق الذي فوضه عيسى إلى ربه- سبحانه- في شأن قومه ولهذا قال ابن كثير:
هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله- تعالى- فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وكذبوا على رسوله، وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا.
وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.
فقد روى الإمام أحمد عن أبى ذر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة: فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الآية فلما أصبح قلت: يا رسول الله ألم تزل تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: إنى سألت ربي- عز وجل الشفاعة لأمتى فأعطانيها- وهي نائلة- إن شاء الله- لمن لا يشرك بالله شيئا» .
وبعد أن حكى القرآن الكريم ما رد به عيسى عليه السلام- على قول ربه وخالقه- سبحانه- أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وقد تضمن هذا الرد- كما سبق أن بينا- التنزيه المطلق لله- تعالى-، والنفي التام لأن يكون عيسى قد قال هذا القول.
بعد كل ذلك ختم- سبحانه تلك المجاوبة ببيان حسن عاقبة الصادقين يوم القيامة فقال- تعالى-:
وقوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله ، عز وجل ، فإنه الفعال لما يشاء ، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله ، وعلى رسوله ، وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب ، وقد ورد في الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بها ليلة حتى الصباح يرددها .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثني فليت العامري ، عن جسرة العامرية ، عن أبي ذر ، - رضي الله عنه - ، قال : صلى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - ليلة فقرأ بآية حتى أصبح ، يركع بها ويسجد بها : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فلما أصبح قلت : يا رسول الله ، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال : " إني سألت ربي ، عز وجل ، الشفاعة لأمتي ، فأعطانيها ، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا " .
طريق أخرى وسياق آخر : قال أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا قدامة بن عبد الله ، حدثتني جسرة بنت دجاجة : أنها انطلقت معتمرة ، فانتهت إلى الربذة ، فسمعت أبا ذر يقول : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي في صلاة العشاء ، فصلى بالقوم ، ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله ، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت فقمت خلفه ، فأومأ إلي بيمينه ، فقمت عن يمينه . ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه ، فأومأ إليه بشماله ، فقام عن شماله ، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا بنفسه ، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو . وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة . فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود : أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده : لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، قمت بآية من القرآن ومعك القرآن ، لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه ، قال : " دعوت لأمتي " . قلت : فماذا أجبت؟ - أو ماذا رد عليك؟ - قال : " أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة " . قلت : أفلا أبشر الناس؟ قال : " بلى " . فانطلقت معنقا قريبا من قذفة بحجر . فقال عمر : يا رسول الله ، إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة . فناداه أن ارجع فرجع ، وتلك الآية : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن بكر بن سوادة حدثه ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول عيسى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فرفع يديه فقال : " اللهم أمتي " . وبكى ، فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله : ما يبكيه؟ فأتاه جبريل ، فسأله ، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال ، فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا ابن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : حدثني سعيد بن المسيب ، سمعت حذيفة بن اليمان يقول : غاب عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم يخرج ، حتى ظننا أن لن يخرج ، فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها ، فلما رفع رأسه قال : " إن ربي ، عز وجل ، استشارني في أمتي : ماذا أفعل بهم؟ فقلت : ما شئت أي رب هم خلقك وعبادك . فاستشارني الثانية ، فقلت له كذلك ، فقال : لا أخزيك في أمتك يا محمد ، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ليس عليهم حساب ، ثم أرسل إلي فقال : ادع تجب ، وسل تعط " . فقلت لرسوله : أومعطي ربي سؤلي؟ قال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ، ولقد أعطاني ربي ولا فخر ، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حيا صحيحا ، وأعطاني ألا تجوع أمتي ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر ، وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي ، وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا ، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا في الدين من حرج " .
القول في تأويل قوله : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها =" فإنهم عبادك "، مستسلمون لك, لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به =" وإن تغفر لهم "، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم =" فإنك أنت العزيز "، (26) في انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه =" الحكيم "، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:-
13037 - حثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم " ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام =" فإنك أنت العزيز الحكيم " . وهذا قول عيسى في الدنيا.
13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين.
--------------------------
الهوامش :
(26) انظر تفسير"العباد" ، و"المغفرة" ، و"العزيز" ، و"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم).
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 118 | ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ |
---|
البقرة: 129 | ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ |
---|
غافر: 8 | ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ |
---|
الممتحنة: 5 | ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
العزيز الحكيم:
وقرئ:
الغفور الرحيم، وهى قراءة جماعة.
التفسير :
{ قَالَ اللَّهُ} مبينا لحال عباده يوم القيامة، ومَن الفائز منهم ومَن الهالك، ومَن الشقي ومَن السعيد،{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدْي القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولهذا قال:{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} والكاذبون بضدهم، سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم، وثمرة أعمالهم الفاسدة.
قال الآلوسى: قالَ اللَّهُ كلام مستأنف ختم به- سبحانه- حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل. وأشير إلى نتيجته ومآله. والمراد بقول الله- تعالى- عقيب جواب عيسى الإشارة إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم .
والمراد باليوم في قوله هذا يَوْمُ يوم القيامة الذي تجازى فيه كل نفس بما كسبت وقد قرأ الجمهور برفع يَوْمُ من غير تنوين على أنه خبر لاسم الإشارة أى: قال الله- تعالى-: إن هذا اليوم هو اليوم الذي ينتفع الصادقون فيه بصدقهم في إيمانهم وأعمالهم، لأنه يوم الجزاء والعطاء على ما قدموا من خيرات في دنياهم.
أى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة، بخلاف صدق الكفار يوم القيامة فإنه لا ينفعهم، لأنهم لم يكونوا مؤمنين في دنياهم.
وقرأ نافع (يوم) بالنصب من غير تنوين على أنه ظرف لقال. أى: قال الله- تعالى- هذا القول لعيسى يوم ينفع الصادقين صدقهم.
وقوله: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً جملة مستأنفه لبيان مظاهر النفع الذي ظفر به الصادقون في هذا اليوم.
أى: أن هؤلاء الصادقين في دنياهم قد نالوا في آخرتهم جنات تجرى من تحت أشجارها وسررها الأنهار خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى: مقيمين فيها إقامة دائمة لا يعتريها انقطاع وقوله:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أى: رضى الله عنهم فأعطاهم بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح عطاء هو نهاية الآمال والأمانى. ورضوا عنه بسبب هذا العطاء الجزيل الذي لا تحيط العبارة بوصفه.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يعود إلى ما انتفع به الصادقون من جنات تجرى من تحتها الأنهار. ومن رضا الله عنهم. أى: إلى النعيم الجثمانى المتمثل في الجنات وما يتبعها من عيشة هنيئة، وإلى النعيم الروحاني المتمثل في رضا الله عنهم.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما أخبر أن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب. وحقيقة الثواب: أنها منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فقوله: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إشارة إلى المنفعة الخالصة عن الغموم والهموم، وقوله خالِدِينَ فِيها أَبَداً إشارة إلى الدوام. واعتبر هذه الدقيقة: فإنه أينما ذكر الثواب قال خالِدِينَ فِيها أَبَداً وأينما ذكر العقاب للفساق من أهل الإيمان، ذكر لفظ الخلود ولم يذكر معه التأييد، وأما قوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ فتحته أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها جعلنا الله من أهلها» .
يقول تعالى مجيبا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين ، الكاذبين على الله وعلى رسوله ، ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه ، عز وجل ، فعند ذلك يقول تعالى : ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم )
قال الضحاك ، عن ابن عباس يقول : يوم ينفع الموحدين توحيدهم .
( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) أي : ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، كما قال تعالى : ( ورضوان من الله أكبر ) [ التوبة : 72 ] .
وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث .
وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن عثمان - يعني ابن عمير أبو اليقظان - عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثم يتجلى لهم الرب تعالى فيقول : سلوني سلوني أعطكم " . قال : " فيسألونه الرضا ، فيقول : رضاي أحلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، فسلوني أعطكم . فيسألونه الرضا " ، قال : " فيشهدهم أنه قد رضي عنهم " .
وقوله : ( ذلك الفوز العظيم ) أي : هذا هو الفوز الكبير الذي لا أعظم منه ، كما قال تعالى : ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) [ الصافات : 61 ] ، وكما قال : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) [ المطففين : 26 ] .
القول في تأويل قوله : قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: " هذا يوم ينفع الصادقين ". فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ)، بنصب " يوم ".
* * *
وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ ، برفع " يوم ". فمن رفعه رفعه ب " هذا ", وجعل " يوم " اسمًا, وإن كانت إضافته غير محضة, لأنه قد صار كالمنعوت. (27) وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل " اليوم " و " الليلة "، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعًا رفعوها, كقولهم: " هذا يومُ يركب الأمير ", و " ليلةُ يصدر الحاج ", و " يومُ أخوك منطلق ". وإن كان ما بعدها نصبًا نصبوها, وذلك كقولهم: " هذا يومَ خرج الجيش، وسار الناس ", و " ليلةَ قتل زيد "، ونحو ذلك, وإن كان معناها في الحالين " إذ " و " إذا ".
* * *
وكأن من قرأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة.
* * *
وكذلك كان السدي يقول في ذلك.
13039 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي قال الله: " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " ، هذا فصل من كلام عيسى, وهذا يوم القيامة.
* * *
يعني السدي بقوله: " هذا فصل من كلام عيسى " : أن قوله: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إلى قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه, وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة.
* * *
وأما النصب في ذلك, فإنه يتوجه من وجهين:
أحدهما: أن إضافة " يوم " ما لم تكن إلى اسم، تجعله نصبًا, لأن الإضافة غير محضة, وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير " اليوم " في ذلك: " الحين " و " الزمان "، وما أشبههما من الأزمنة, كما قال النابغة:
عَـلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا
وَقُلْـتُ ألَمَّـا تَصْـحُ وَالشَّـيْبُ وَازِعُ (28)
والوجه الآخر: أن يكون مرادًا بالكلام: هذا الأمر وهذا الشأن, يومَ ينفع الصادقين = فيكون " اليوم " حينئذ منصوبًا على الوقت والصفة, بمعنى: هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ( هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب " اليوم "، على أنه منصوب على الوقت والصفة. لأن معنى الكلام: إنّ الله جل وتعالى ذكره أجاب عيسى حين قال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ، إلى قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، فقال له عز وجل: هذا القولُ النافعُ = أو هذا الصدق النافع = يوم ينفع الصادقين صدقهم. ف " اليوم " وقت القول والصدق النافع.
* * *
فإن قال قائل: فما موضع " هذا "؟
قيل: رفع.
فإن قال: فأين رَافعه؟
قيل: مضمر. وكأنه قال: قال الله عز وجل: هذا, هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم, كما قال الشاعر: (29)
أَمَـا تَـرَى السَّـحَابَ كَـيْفَ يَجْرِي ?
هــذا, وَلا خَــيْلُكَ يَـا ابْـن بِشْـرِ
يريد: هذا هذا, ولا خيلك.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك، في الآخرة عند الله = لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، يقول: للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثوابًا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه, فوفوا به لله, فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه = خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ، يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها =" أبدًا "، دائمًا، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. (30)
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى " الخلود "، الدوام والبقاء. (31)
* * *
القول في تأويل قوله : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رَضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه =" ورضوا عنه " ، يقول: ورضوا هم عن الله تعالى ذكره في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه فيما أمرهم ونهاهم، من جزيل ثوابه (32) =" ذلك الفوز العظيم "، يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار, خالدين فيها, مرضيًّا عنهم وراضين عن ربهم, هو الظفر العظيم بالطَّلِبة، (33) وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا, ولها كانوا يعملون فيها, فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أمَّلوا.
---------------------
الهوامش :
(27) في المطبوعة: "لأنه صار" ، أسقط"قد".
(28) ديوانه: 38 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 327 ، وسيبويه 1: 369 ، والخزانة 3: 151 والعيني (هامش الخزانة) 3 : 406/ 4 : 357 ، وسيأتي في هذا التفسير 19: 88/ ثم 30 : 57 ، (بولاق) ، ورواية أبي جعفر هنا"ألما تصح" كرواية الفراء ، وفي سائر المراجع"ألما أصح". وهما روايتان صحيحتا المعنى.
وهذا البيت من قصيدته التي قالها معتذرا إلى النعمان بن المنذر ، متنصلا مما قذفه به مرة بن ربيعة عند النعمان ، يقول قبله:
فَكَفْكَــفْتُ مِنِّــي عَـبْرَةً فَرَدَدْتُهَـا
عـلى النَّحْـرِ، مِنْهـا مُسْـتَهِلٌّ ودامِعٌ
يقول: عاقبت نفسي على تشوقها إلى ما فات من صباي ، فقد شبت وشابت لداتي ، وقلت لنفسي: ألم تفق بعد من سكرة الصبا ، وعهد الناس بالمشيب أنه يكف من غلواء الشباب!
(29) لم أعرف هذا الراجز
(30) انظر تفسير"أبدًا" فيما سلف 9: 227/10: 185.
(31) انظر فهارس اللغة فيما سلف (خلد).
(32) انظر تفسير"الرضا" فيما سلف 6 : 262/9 : 480/10 : 144.
(33) انظر تفسير"الفوز". فيما سلف 7: 452 ، 472/8 : 71 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 119 | ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيم﴾ |
---|
البينة: 8 | ﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ﴾ |
---|
المجادلة: 22 | ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
يوم:
قرئ:
1- بالرفع، خبر لمبتدأ مقدر، تقديره: هذا، وهى قراءة الجمهور.
2- بالفتح، وخرجه الكوفيون على أنه مبنى خبر ل «هذا» ، وبنى لإضافته إلى الجملة الفعلية، وهى قراءة نافع.
3- يوما، بالتنوين، وهى قراءة الأعمش.
4- يوم، بالرفع والتنوين، وهى قراءة الحسن بن عياش الشامي.
صدقهم:
قرئ:
1- بالرفع، فاعل، «ينفع» ، وهى قراءة الجمهور.
2- بالنصب، على أنه مفعول له أي: لصدقهم، أو على إسقاط حرف الجر.
التفسير :
{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري، وحكمه الشرعي، وحكمه الجزائي، ولهذا قال:{ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فلا يعجزه شيء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته، ومسخرة بأمره. تم تفسير سورة المائدة بفضل من الله وإحسان، والحمد لله رب العالمين
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذه الآية الدالة على شمول ملكه لكل شيء في هذا الكون فقال: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى: لله- تعالى- وحده دون أحد سواه الملك الكامل للسموات وللأرض ولما فيهن من كل كائن وهو- سبحانه- على كل شيء قدير لا يعجزه أمر أراده، ومن زعم أن له شريكا- سواء أكان هذا الشريك عيسى أم أمه أم غيرهما- فقد أعظم الفرية وتسر بل بالجهل، وكان مستحقا لخزي الدنيا، وعذاب الآخرة.
وقال- سبحانه- وَما فِيهِنَّ فغلب غير العقلاء، للإشارة إلى أن كل المخلوقات مسخرة في قبضة قهره وقدرته وقضائه وقدره وهم في ذلك التسخير كالجمادات التي لا قدرة لها. إذ أن قدرة سائر المخلوقات بالنسبة لقدرة الله كلا قدرة.
وإن هذه الآية الكريمة، لمتسقة كل الاتساق مع الآية التي قبلها، لأنه- سبحانه- بعد أن بين جزاء الصادقين في دنياهم عقبه ببيان سعة ملكه، وشمول قدرته الدالين على أن هذا الجزاء لا يقدر عليه أحد سواه- سبحانه-.
وإن هذه الآية الكريمة- أيضا- لمتسقة كل الاتساق لأن تكون خاتمة لهذه السورة التي ساقت ما ساقت من تشريعات وأحكام وآداب وهدايات ومن حجج حكيمة، وأدلة ساطعة دحضت بها الأقوال الباطلة التي افتراها أهل الكتاب-. خصوصا النصارى- على عيسى وأمه مريم، وبرهنت على أن عيسى وأمه ما هما إلا عبدان من عباد الله، يدينان له بالعبادة والطاعة والخضوع، ويأمران غيرهما بأن ينهج نهجهما في ذلك.
ثم أما بعد: فهذا ما وفقني الله- تعالى- لكتابته في تفسير سورة المائدة، تلك السورة التي اشتملت- من بين ما اشتملت- على كثير من التشريعات التي تتعلق بالحلال والحرام وبالعبادات والحدود والقصاص والأيمان. كما اشتملت على كثير من الآيات التي تتعلق بأهل الكتاب فذكرت حكم أطعمتهم وحكم الزواج بالمحصنات من نسائهم، كما ذكرت أقوالهم الباطلة في شأن عيسى وأمه وردت على مزاعمهم بما يدحض مفترياتهم في هذا الشأن وفي غيره.
والله أسأل أن يجعل ما كتبناه خالصا لوجهه، ونافعا وشفيعا لنا يوم نلقاه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه إلى يوم الدين.
وقوله : ( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ) أي : هو الخالق للأشياء ، المالك لها ، المتصرف فيها القادر عليها ، فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته وفي مشيئته ، فلا نظير له ولا وزير ، ولا عديل ، ولا والد ولا ولد ولا صاحبة ، فلا إله غيره ولا رب سواه .
قال ابن وهب : سمعت حيي بن عبد الله يحدث ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : آخر سورة أنزلت سورة المائدة .
"تم تفسير سورة المائدة ولله الحمد والمنة".
القول في تأويل قوله : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيها النصارى،" لله ملك السموات والأرض " ، يقول: له سلطان السموات والأرض (34) =" وما فيهن " ، دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم، ودون أمه, ودون جميع من في السموات ومن في الأرض، فإن السموات والأرض خلق من خلقه وما فيهن، وعيسى وأمُّه من بعض ذلك بالحلول والانتقال, يدلان بكونهما في المكان الذي هما فيه بالحلول فيه والانتقال، أنهما عبدان مملوكان لمن له ملك السموات والأرض وما فيهن. ينبِّههم وجميعَ خلقه على موضع حجته عليهم، ليدَّبروه ويعتبروه فيعقلوا عنه =" وهو على كل شيء &; 11-246 &; قدير "، (35) يقول تعالى ذكره: والله الذي له ملك السموات والأرض وما فيهن, قادرٌ على إفنائهن وعلى إهلاكهن، وإهلاك عيسى وأمه ومن في الأرض جميعًا كما ابتدأ خلقهم, لا يعجزه ذلك ولا شيء أراده، لأن قدرته القدرةُ التي لا تشبهها قدرة، وسلطانه السلطان الذي لا يشبهه سلطان ولا مملكة.
* * *
(آخر تفسير سورة المائدة) (36)
---------------
(34) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 8: 480 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك.
(35) انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر).
(36) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا ، وفيها ما نصه:
"آخر تفسير سورة المائدة صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم يَتْلُوهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْعَامِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ"
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 120 | ﴿ لِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُ﴾ |
---|
الشورى: 49 | ﴿ لِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ﴾ |
---|
آل عمران: 189 | ﴿ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ |
---|
المائدة: 17 | ﴿أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ |
---|
المائدة: 18 | ﴿بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ﴾ |
---|
النور: 42 | ﴿ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ﴾ |
---|
الجاثية: 27 | ﴿ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ |
---|
الفتح: 14 | ﴿ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾ |
---|
المائدة: 120 | ﴿ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء