75187188189190191192193194

الإحصائيات

سورة آل عمران
ترتيب المصحف3ترتيب النزول89
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات27.00
عدد الآيات200عدد الأجزاء1.30
عدد الأحزاب2.60عدد الأرباع10.60
ترتيب الطول3تبدأ في الجزء3
تنتهي في الجزء4عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 2/29آلم: 2/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (187) الى الآية رقم (189) عدد الآيات (3)

بعدَ ذكرِ إيذاءِ أهلِ الكتابِ للمؤمنينَ ذكرَ هنا أنهم كانُوا يكتمونَ ما في التوراةِ والإنجيلِ من الدلائلِ الدالةِ على نبوُّتِه ﷺ ، ثُمَّ ذمَّ الذينَ يفرحونَ بمدحِ النَّاسِ بما لم يفعلُوا من الخيرِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (190) الى الآية رقم (194) عدد الآيات (5)

بعدَ أن ذكرَ اللهُ أن له ملكَ السماواتِ والأرضِ دعا هنا أصحابَ العقولِ إلى التفكرِ في هذا الخَلْقِ العظيمِ، ثُمَّ شرَعَ في وصْفِهم وثنائِهم على اللهِ ودعائِهم وما توسلُوا بِه.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة آل عمران

إثبات الوحدانية لله تعالى/ الثبات أمام أهل الباطل في ميدان الحجة والبرهان وفي ميدان المعركة والقتال

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هم آل عمران؟: آل عمران أسرة كريمة اصطفاها الله لما أخلصت له العبادة وتوجهت إليه بالطاعة. هذه الأسرة تتكون من: عمران، وزوجته (امرأة عمران: حَنَّةُ بنت فاقوذا التي نذرت ما في بطنها لله)، وابنتهما: مريم، وابنها: عيسى عليهم السلام. وهذا الاسم (آل عمران) فيه إشارة عظيمة في الرد على النصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السلام ، فهو يشير إلى أصل عيسى البشري، فهو من (آل عمران). هذا الاسم (آل عمران) نداء للنصارى للاقتداء بهم في الطاعة، والتشبه بهم في اتباع الدين الحق.
  • • علاقة سورة آل عمران بسورة البقرة، ثم علاقتهما بالفاتحة:: تحدَّثت سورة البقرة عن النصف الأول من حياة أُمَّة بني إسرائيل، وهم اليهود قوم موسى عليه السلام ومَن جاء بعده من الأنبياء، ثم تتحدَّث سورة آل عمران عن النصف الثاني من هذه الأُمَّة، ألا وهم النصارى قوم عيسى عليه السلام ، فتحدَّثت البقرة عن اليهود (المغضوب عليهم)، وتحدَّثت آل عمران عن النصارى (الضالين)، وهما ما حذرت الفاتحة من طريقهما.
  • • جو السورة:: أجمع علماء التفسير والسيرة على أن صدر هذه السورة نزل بسبب قدوم وفد نصارى نجران على النبي ﷺ في المدينة، 60 راكبًا، فيهم 14 رجلًا من أشرافهم، وكانوا قد وفدوا إثر صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات ، وجُبب وأردية، فقال بعض الصحابة: ما رأينا وفدًا مثلهم جمالًا وجلالة. وأقاموا أيامًا يناظرون رسول اللّه ﷺ في شأن عيسى، ورسول اللّه ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة، ودعاهم رسول اللّه ﷺ إلى المباهلة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «آل عمران»، وتسمى مع سورة البقرة بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم :: آل عمران: أي أهل عمران، وعمران: هو والد مريم (أم عيسى عليه السلام)، وليس المراد هنا عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية :: تسمى آل عمران لورود قصة هذه الأسرة المباركة فيها، وتسمى مع سورة البقرة بـ (الزَّهراوَين) لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «طيبة»، و«الكنز»، و«الاستغفار»، و«المجادلة».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الطريق إلى الله مأهولة بالسالكين من النبيين والصالحين الذين آثروا الله على كل شيء، وضحوا في سبيله بكل غال ونفيس، وثبتوا على طريق الله، وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان.
  • • علمتني السورة :: كيف أرد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى بن مريم عليه السلام : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
  • • علمتني السورة :: أن نهاية القصة هي في يوم: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، وليس في أيام عابرة مهما كانت مؤلمة.
  • • علمتني السورة :: أن الله لن يسألنا لماذا لم ننتصر؟ لكنه سيسألنا لماذا لم نجاهد؟ لأن النصر من عنده يؤيد به من يشاء: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾

مدارسة الآية : [187] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ ..

التفسير :

[187] واذكر -أيها الرسول- إذ أخذ الله العهد الموثق على الذين آتاهم الله الكتاب من اليهود والنصارى، فلليهود التوراة وللنصارى الإنجيل؛ ليعملوا بهما، ويبينوا للناس ما فيهما، ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه، فتركوا العهد ولم يلتزموا به، وأخذوا ثمناً بخساً مقابل كتما

الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المقدمين شهواتهم على الحق،{ فبئس ما يشترون} لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس، إلا لسوء حظهم وهوانهم، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له.

ثم حكى - سبحانه - رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب فقال : { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } .

الميثاق : هو العهد الموثق المؤكد . وقد أخذ - سبحانه - العهد على الذين أوتو الكتاب بأمرين :

أولهما : بيان ما فى الكتاب من أحكام وأخبار .

وثانيهما : عدم كتمان كل شىء مما فى هذا الكتاب .

والمعنى : واذكر أيها المخاطب وقت أن أخذ الله العهد المؤكد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأن يبينوا جميع ما فى الكتاب من أحكام وأخبار وبشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم وألا يكتموا شيئا من ذلك ، لأن كتمانهم للحق سيؤدى إلى سوء عاقبتهم فى الدنيا والآخرة .

والضمير فى قوله " لتبيننه " يعود إلى الكتاب المشتمل على الأخبار والشرائع والأحكام والبشارات الخاصة بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم .

أى لتبينن ما فى هذا الكتاب الذى بين أيديكم من أحكام وشرائع وأخبار وبشارات . وقيل الضمير يعود إلى الميثاق ، ويكون المراد من العهد الذى وثقه الله عليهم هخو تعاليمه وشرعه ونوره .

وقوله { وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } عطف على " لتبيننه " وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا . وجمع - سبحانه - بين أمرهم المؤكد بالبيان وبين نهيهم عن الكتمان مبالغة فى إيجاب ما أمروا به حتى لا يقصروا فى إظهار ما فى الكتاب من حقائق وحتى لا يلجأوا إلى كتمان هذه الحقائق أو تحريفها .

ولكن أهل الكتاب - ولا سيما العلماء منهم - نقضوا عهودهم مع الله - تعالى - ، وقد حكى - سبحانه - ذلك فى قوله { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } .

النبذ : الطرح والترك والإهمال .

أى أن أهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهود الموثقة بأن يبينوا ما فى الكتاب ولا يكتموا شيئا منه ، لم يكونوا أوفياء بعهودهم ، بل إنهم نبذوا ما عاهدهم الله عليه ، وطرحوه وراء ظهورهم باستهانة وعدم اعتداد .

وأخذوا فى مقابل هذا النبذ والطرح والإهمال شيئا حقيرا من متاع الدنيا وحطامها ، فبئس الفعل فعلهم .

والتعبير عنهم بقوله { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } كناية عن استهانتهم بالمنبوذ ، وإعراضهم عنه بالكلية ، وإهمالهم له إهمالا تامت ، لأن من شأن الشىء المنبوذ أن يهمل ويترك ، كما أن من شأن الشىء الذى هو محل اهتمام أن يحرس ويجعل نصب العين .

والضميى فى قوله { فَنَبَذُوهُ } يعود على الميثاق باعتبار أنه موضع الحديث ابتداء .

ويصح أن يعود إلى الكتاب ، لأن الميثاق هو الشرائع والأحكام ، والكتاب وعاؤها ، فنبذ الكتاب نبذ للعهد .

والمراد " بالثمن القليل " ما أخذوه من أموال ومتاع دنيوى من غيرهم فى مقابل عدم بيانهم لما فى الكتاب من حقائق ، وكتمانهم لذلك إرضاء للشهوات وللأهواء الباطلة .

وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل فى مقابل نبذهم لكتاب الله وعهوده ، إذ لا يكون هذا الثمن المحصل إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله - تعالى - .

قوله { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } أى بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن .

فما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ، وجملة يشترونه صفته ، والمخصوص بالذم محذوف .

وقيل " ما مصدرية فاعل بئس ، والمخصوص بالذم محذوف ، أى بئس شراؤهم هذا الشراء لاستحقاقهم به العذاب الأليم .

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، وجوب إظهار الحق ، وتحريم كتمانه .

ورحم الله صاحب الكشاب فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : وكفى به دليلا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس ، وألا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة ، وتطييب لنفوسهم ، واستجلاب لمسارهم ، أو لجر منفعة وحطام دنيا ، أو لتقية ، أو لبخل بالعلم وغيرة من أن ينسب إلى غيرهم ، وعن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال : " من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار " وعن على رضي الله عنه ، قال : " ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا " .

وقال ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة : هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن ينوهوا بذكره فى الناس فيكونوا على أهبة من أمره ، فإذا أرسله الله تابعوه ، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير فى الدنيا والآخرة بالدون الطفيف ، والحظ الدنيوى السخيف ، فبئس الصفقة صفقتهم ، وبئست البيعة بيعتهم ، وفى هذا تحذير للعلماء من أن يسلكوا مسلكه فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم ، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع ، ولا يكتموا منه شيئا " .

هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب ، الذين أخذ عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن ينوهوا بذكره في الناس ليكونوا على أهبة من أمره ، فإذا أرسله الله تابعوه ، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف ، والحظ الدنيوي السخيف ، فبئست الصفقة صفقتهم ، وبئست البيعة بيعتهم .

وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ، ويسلك بهم مسلكهم ، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع ، الدال على العمل الصالح ، ولا يكتموا منه شيئا ، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " .

القول في تأويل قوله : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: واذكر أيضا من [أمر] هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم، يا محمد، (1) إذ أخذ الله ميثاقهم، ليبيننّ للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم، وهو التوراة والإنجيل، وأنك لله رسول مرسل بالحق، ولا يكتمونه=" فنبذوه وراء ظهورهم "، يقول: &; 7-459 &; فتركوا أمر الله وضيعوه. (2) ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك، فكتموا أمرك، وكذبوا بك=" واشتروا به ثمنًا قليلا "، يقول: وابتاعوا بكتمانهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك، عوضًا منه خسيسًا قليلا من عرض الدنيا (3) = ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال: " فبئس ما يشترون ". (4)

* * *

واختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية.

فقال بعضهم: عني بها اليهود خاصّة.

* ذكر من قال ذلك:

8318 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة: أنه حدثه، عن ابن عباس: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " إلى قوله: عَذَابٌ أَلِيمٌ ، يعني: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار.

8319 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس مثله. (5)

8320 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم "، كان أمرهم أن يتبعوا النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته، وقال: ( اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [سورة الأعراف: 158] فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [ سورة البقرة: 40] عاهدهم على ذلك، فقال حين بعث محمدًا: صدِّقوه، وتلقون الذي أحببتم عندي.

8321 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " الآية، قال: إن الله أخذ ميثاق اليهود ليبيننه للناس، محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولا يكتمونه، =" فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا ".

8322 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي الجحّاف، عن مسلم البطين قال: سأل الحجاج بن يوسف جُلساءه عن هذه الآية: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب "، فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال: " وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب " يهود،" ليبيننه للناس "، محمدًا صلى الله عليه وسلم،" ولا يكتمونه فنبذوه ".

8323 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه "، قال: وكان فيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده، وأن محمدًا يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

* * *

وقال آخرون: عني بذلك كل من أوتي علمًا بأمر الدين.

ذكر من قال ذلك:

8324 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئًا فليعلِّمه، وإياكم وكتمانَ العلم، فإن كتمان العلم هَلَكة، ولا يتكلَّفن رجلٌ ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلِّفين، كان يقال: " مثلُ علم لا يقال به، كمثل كنـز لا ينفق منه! ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب ". وكان يقال: " طوبي لعالم ناطق، وطوبي لمستمع واعٍ". هذا رجلٌ علم علمًا فعلّمه وبذله ودعا إليه، ورجلٌ سمع خيرًا فحفظه ووعاه وانتفع به.

8325 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال: جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبدالله بن مسعود فقال: إنّ أخاكم كعبًا يقرئكم السلام، ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ". فقال له عبدالله: وأنت فأقره السلام وأخبرهُ أنها نـزلت وهو يهوديّ.

8326 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة بنحوه، عن عبدالله وكعب.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.

ذكر من قال ذلك:

8327 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال، حدثني يحيى بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبدالله يقرأون: ( " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِيثَاقَهَمْ " )، قال: من النبيين على قومهم.

8328 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد قال، قلت لابن عباس: إن أصحاب عبدالله يقرأون: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب "، ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ )، قال فقال: أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.

* * *

وأما قوله: " لتبيننه للناس "، فإنه كما:-

8329 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثني أبي قال، حدثنا محمد بن ذكوان قال، حدثنا أبو نعامة السعدي قال: كان الحسن يفسر قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه "، لتتكلمن بالحق، ولتصدِّقنه بالعمل. (6)

* * *

قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة ذلك:

فقرأه بعضهم: ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) بالتاء. وهي قراءة عُظْم قرأة أهل المدينة والكوفة، (7) على وجه المخاطب، بمعنى: قال الله لهم: لتُبيننّه للناس ولا تكتمونه.

* * *

وقرأ ذلك آخرون: ( " لَيُبَيِّنَنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ " ) بالياء جميعًا، على وجه الخبر عن الغائب، لأنهم في وقت إخبار الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم، كانوا غير موجودين، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب.

* * *

قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان، صحيحةٌ وجوههما، مستفيضتان في قرأة الإسلام، غير مختلفتي المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فقد أصاب الحق والصواب في ذلك. غير أن الأمر في ذلك وإن كان كذلك، فإن أحب القراءتين إليّ أن أقرأ بها: (" لَيُبَيِّنَنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ " )، بالياء جميعًا، استدلالا بقوله: " فنبذوه "، (8) إذ كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله: " فنبذوه "= حتى يكون متَّسقًا كله على معنى واحد ومثال واحد. ولو كان الأول بمعنى الخطاب، لكان أن يقال: " فنبذتموه وراء ظهوركم " أولى، من أن يقال: " فنبذوه وراء ظهورهم ".

* * *

وأما قوله: " فنبذوه وراء ظهورهم "، فإنه مثل لتضييعهم القيام بالميثاق وتركهم العمل به.

وقد بينا المعنى الذي من أجله قيل ذلك كذلك، فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته. (9)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

8330 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا يحيى بن أيوب البَجَلي، عن الشعبي في قوله: " فنبذوه وراء ظهورهم "، قال: إنهم قد كانوا يقرأونه، إنما نبذوا العمل به.

8331 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فنبذوه وراء ظهورهم "، قال: نبذوا الميثاق.

8332 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا مالك بن مغول: قال، نبئت عن الشعبي في هذه الآية: " فنبذوه وراء ظهورهم "، قال: قذفوه بين أيديهم، وتركوا العمل به.

* * *

وأما قوله: " واشتروا به ثمنًا قليلا "، فإن معناه ما قلنا، من أخذهم ما أخذوا على كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب، (10) كما:-

8333 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " واشتروا به ثمنًا قليلا "، أخذوا طمعًا، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقوله: " فبئس ما يشترون "، يقول: فبئس الشراء يشترون في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب، كما:-

8334 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فبئس ما يشترون "، قال: تبديل اليهود التوراة.

------------------

الهوامش :

(1) الزيادة بين القوسين مما لا يستقيم الكلام إلا بها أو بشبهها.

(2) انظر تفسير"نبد" فيما سلف 2: 401 = وتفسير"وراء ظهورهم" فيما سلف 2: 404.

(3) انظر تفسير"اشترى" فيما سلف 1: 312 - 315 / 2: 340 - 342 ، 455 / 3: 330 / 4: 246 : 6: 527 / 7: 420.

وانظر تفسير"الثمن" فيما سلف 1: 565 / 3: 328 / 6: 527 بولاق.

(4) انظر بيان معنى"بئس" فيما سلف 2: 338 - 340 / 3: 56.

(5) الأثران: 8318 ، 8319 - سيرة ابن هشام 2: 208 ، وهو تابع الأثر السالف رقم: 8300 ، 8301.

(6) كانت الآية في المطبوعة: "ليبيننه للناس ولا يكتمونه" بالياء ، في جميع الآثار السالفة ، فجعلتها على قراءة مصحفنا بالتاء في الكلمتين.

(7) في المطبوعة: "وهي قراءة أعظم قراء أهل المدينة. . ." وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة كما سلف عشرات من المرات. وعظم القوم: أكثرهم ومعظمهم.

(8) في المطبوعة والمخطوطة: "استدلالا بقوله فنبذوه ، أنه إذ كان قد خرج مخرج الخبر. . ." وهو كلام لا يستقيم ، فحذفت: "أنه" ، ويكون السياق: "فإن أحب القراءتين إلى أن أقرأ بها. . . حتى يكون متسقا كله على معنى واحد". وما بينهما فصل ، علل به اختيار قراءته.

(9) انظر ما سلف 2: 404 ، وما سلف ص: 459 ، تعليق: 1.

(10) انظر ما سلف ص: 459 ، تعليق: 2.

المعاني :

فنبذوه :       طرحوه و لم يُراعوه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[187] قال محمد بن كعب: «لا يحل لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله».
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ قال قتادة: هذا مثياق أخذه الله على أهل العلم؛ فمن علم علمًا فليعلمه للناس.
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ كفى بهذه الآية دليلًا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه، وأن لا يكتموا منه شيئًا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة، وتطييب لنفوسهم، واستجلاب لمسارهم، أو لجر منفعة وحطام الدنيا، أو لتقية مما لا دليل عليه ولا أمارة، أو لبخل بالعلم.
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ من طلب العلم فقد بايع الله عز وجل.
وقفة
[187] حق المجتمع على العالِم أن ينشر العلم الذي أخذه ولا يكتمه ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾.
وقفة
[187] قال أبو هريرة: «لولا ما أخذ الله عز وجل على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء»، ثم تلا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾.
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ فبئست الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم.
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ يهلك المجتمع إذا كتم العلماء الحق إرضاء للناس، أو ليحوزوا على مكاسب دنيوية: مالًا، أو جاهًا، أو سلطانًا.
وقفة
[187] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ بهذه الألفاظ البسيطة استطاع القرآن أن يوضح سوء عمل اليهود مع ميثاق الله، فكيف ذلك؟ انظر تفصيل الآية: أولًا عطف بالفاء فقال: ﴿فَنَبَذُوهُ﴾ إشارة إلى سرعة نبذهم وعدم احترامهم لميثاق الله، فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب. ثانيًا: استعار الفعل (نبذ) لعدم العمل بالعهد؛ تشبيهًا للعهد بالشيء المنبوذ في عدم الانتفاع به، إذ أصل النبذ الطرح والإلقاء. ثالثًا: مثَّل بقوله: ﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ عن الإضاعة والإهمال؛ لأن شأن المهتم به المتنافَس عليه أن يُجعل نصب العين ويُحرَس ويُشاهَد.
وقفة
[187] ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ إنْ قلتَ: ما فائدةُ ﴿وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ بعد ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ مع أنه معلومٌ منه؟ قلتُ: فائدته التأكيدُ، أو المعنى لتبينُنَّه في الحال، ولا تكتمونه في المستقبل.
عمل
[187] ابحث اليوم عن جاهل بأحكام الوضوء والصلاة، أو قصار السور، وعلمه إياها ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾.
وقفة
[187] يكفى لإزاحة الباطل -أحيانًا- إقامة الحق فقط ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾.
وقفة
[187] كلمة (وراء) وردت في القرآن الكريم بأربعة معانٍ: بمعنى (خلف) قال تعالى: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾، وبمعنى (أمام) قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ ...﴾ [الكهف: 79]، وبمعنى (غير) قال تعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 7]، وبمعنى (بعد) قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71].
وقفة
[187] قال ابن عقيل: «فالله الله! لا تنس الأدب فيما وجب عليك فيه حسن الأدب، ما أخوفني أن يكون المصحف في بيتك وأنت مرتكب لنواهي الحق سبحانه فيه فتدخل تحت قوله: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾»!
وقفة
[187، 188] ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾، ﴿الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ من صفات علماء السوء من أهل الكتاب: كَتْم العلم، واتباع الهوى، والفرح بمدح الناس مع سوء سرائرهم وأفعالهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. اذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل مضمر تقديره اذكر. أخذ: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وجملة «أَخَذَ اللَّهُ» في محل جر بالاضافة او تكون «إِذْ» اسما في محل نصب مفعولا به لفعل مضمر تقديره اذكر.
  • ﴿ مِيثاقَ الَّذِينَ:
  • ميثاق: مفعول به منصوب بالفتحة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أُوتُوا الْكِتابَ:
  • الجملة صلة الموصول. أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ:
  • اللام: واقعة في جواب قسم مقدر. تبيننه: فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. وسبب بنائه على حذف النون: لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به ونون التوكيد لا محل لها.
  • ﴿ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ:
  • جار ومجرور متعلق بتبيننه. الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. تكتمونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَنَبَذُوهُ:
  • الفاء: استئنافية. نبذوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَراءَ ظُهُورِهِمْ:
  • ظرف مكان متعلق بنبذوه منصوب بالفتحة. ظهورهم: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَاشْتَرَوْا بِهِ:
  • الواو: عاطفة. اشتروا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. به: جار ومجرور متعلق باشتروا وبقيت الفتحة الدالة على الألف المحذوفة. ثمنا قليلا. ثمنا: مفعول به منصوب بالفتحة. قليلا: صفة- نعت- للموصوف «ثَمَناً» منصوبة مثلها.
  • ﴿ فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ:
  • الفاء: استئنافية. بئس: فعل ماض جامد لانشاء الذم مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما: نكرة تامة بمعنى «شيء» مبنية على السكون في محل نصب تمييز. يشترون: تعرب إعراب «تكتمون» وجملة «يَشْتَرُونَ» في محل نصب صفة لما. وحذف المخصوص بالذم لأن ما قبله يدل عليه. ويجوز أن تكون «ما» اسما موصولا بمعنى «الذي» في محل رفع فاعل «بئس» وجملة «يَشْتَرُونَ» صلة والعائد محذوف أي يشترونه. '

المتشابهات :

آل عمران: 81﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
آل عمران: 187﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [187] لما قبلها :     الجريمة الخامسة: نقض العهود، فقد أوجب اللهُ عز وجل عليهم في التوراة والإنجيل أن يبينوا للناس ما في هذين الكتابين من الدلائلِ الدالةِ على صدق نبوُّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فنقضوا عهدهم مع الله، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

القراءات :

لتبيننه للناس ولا تكتمونه:
وقرئ:
1- بالياء فيهما، على الغيبة، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، وأبى بكر.
2- بالتاء فيهما، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [188] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا ..

التفسير :

[188] ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يُثْنِيَ عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظننهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما

ثم قال تعالى:{ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} أي:من القبائح والباطل القولي والفعلي.{ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} أي:بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه.{ فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي:بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال:{ ولهم عذاب أليم} ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل، كما هو الواقع من أهل البدع. ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام:{ واجعل لي لسان صدق في الآخرين} وقال:{ سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين} وقد قال عباد الرحمن:{ واجعلنا للمتقين إماما} وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.

ثم حكى - سبحانه - رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب المتعددة ، وهى أنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، ويفرحون بما أتوا ، وبين سوء عاقبتهم بسبب تلك الأخلاق القبيحة فقال : { لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

والخطاب فى قوله { لاَ تَحْسَبَنَّ } موجه إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له الخطاب .

والنهى موجه إلى حسبان أن يكون فى هؤلاء الأشرار خير .

أى أن الله تعالى ، ينهى نبيه صلى الله عليه وسلم ، نهيا مؤكدا عن أن يظن خيرا فى هؤلاء الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا .

و " المفازة " مصدر ميمى بمعنى الفوز . وقيل هى اسم مكان أى محل فوز ونجاة .

والمعنى : لا تظن يا محمد أن هؤلاء الأشرار { الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } أى يفرحون بما فعلوا من بيعهم الدين بالدنيا واستبدالهم الذى هو أدنى بالذى هو خير ، والذين { يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } أي يحبون أن يمدحهم الناس على ما لم يفعلوه من الوفاء بالعهود ، ومن إظهار الحق وعدم كتمانه ، فإنهم فعلوا الشرور والآثام . ثم لم يحاولوا أن يستروا ما اقترفوه من آثام ، بل يطلبون من الناس أن يمدحوهم على ما ارتكبوه من منكرات ، فهم ممن قال الله فيهم { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } لا تحسبن هؤلاء الأشرار { بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب } أى بمنجاة منه ، بل لهم عذاب مؤلم أشد الإيلام بسبب ما اجترحوه من سيئات .

وقوله { الذين يَفْرَحُونَ } هو المفعول الأول لتحسب ، والمفعول الثانى محذوف والتقدير : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا موفقين . أو مهتدين ، أو صالحين .

وحذف هذا المفعول الثانى لدلالة ما بعده عليه وهو قوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } ولتذهب النفس كل مذهب فيما يتناسب مع الوصف الذى وصفهم به - سبحانه - ، وهو أنهم يفعلون القبيح ويحبون أن يحمدهم الناس عليه .

وقوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب } بيان لسوء عاقبتهم بسبب أفعالهم السيئة وهو تأكيد لقوله { لاَ تَحْسَبَنَّ } .

قال الزجاج : جرت عادة العرب أنهم إذا طالت القصة أو الكلام أعادوا لفظ حسب وما أشبهه ، للإعلام بأن الذى جرى متصل بالكلام الأول والأول متصل به . فتقول . لا تظن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا . فيفيد " لا تظنن " توكيدا وتوضيحا .

والتعبير عن النجاة من العذاب الأليم ، ولكنهم لن ينجوا منه أبدا ، ولذا أكد - سبحانه - عدم نجاتهم بقوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

فذكر - سبحانه - عذابهم الأليم بالسلب والإيجاب ، فنفى أولا أنهم بمنجاة منه ، وأخبر ثانيا أنهم واقعون فيه .

هذا ، وقد ذكر كثير من العلماء أن هذه الآية الكريمة نزلت فى شان أحبار اليهود فقد روى الشيخان والترمذى والنسائي ، وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن مروان قال لبوابه رافع : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له لئن كان كل امرىء منا فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذ بن جميعا .

فقال ابن عباس : مالكم وهذه ، وإنما نزلت هذه فى أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس : { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب } إلى قوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال ابن عباس : " سألهم النبى صلى الله عليه وسلم عن شىء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، ثم خرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه " .

وذكر بعض العلماء أن هذه الآية نزلت فى شأن المنافقين ، فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو ، اعتذروا إليه وحلفوا وأحبو أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزت ، { لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ } .

قال العلماء : ولا منافاة بين الروايتين ، لأن الآية عامة فى جميع ما ذكر . وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد حدثتنا عن جملة من رذائل أهل الكتاب ، فقد حكت قولهم { إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } وحكت قولهم { أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النار } ووصفتهم بكتمان الحق ونبذه وراء ظهورهم ، كما وصفتهم بأنهم يفرحون بما أتوا وييحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، وردت على أكاذيبهم بما يدحضها وأنذرتهم بسوء مصيرهم ، وساقت للمؤمنين من ألوان التسلية ما يخفف عنهم مصابهم ، ويجعلهم يسيرون فى هذه الحياة بعزم ثابت ، وهمة عالية ، ونفس مطمئنة .

ثم ختم - سبحانه - سورة آل عمران بالحديث عن مظاهر قدرته ، وأدلة وحدانيته ، وبشر أصحاب العقول السليمة - الذين يعتبرون ويتعظون ويتفكرون ويكثرون من ذكره - برضوانه وجنته ، وأمر عباده بألا يغتروا بما عليه الكافرون من سلطان وجاه فإنه - سبحانه - قد جعل العاقبة للمتقين ، كما أمرهم بالصبر والمصابرة والمرابطة ومداومة خشيته فقال - تعالى - : { وَللَّهِ مُلْكُ السماوات . . . } .

وقوله تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا [ فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ] ) الآية ، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة " وفي الصحيح : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره : أن مروان قال : اذهب يا رافع - لبوابه - إلى ابن عباس ، رضي الله عنه ، فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل - معذبا ، لنعذبن أجمعون ؟ فقال ابن عباس : وما لكم وهذه ؟ إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) وتلا ابن عباس : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) الآية . وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكتموه وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه .

وهكذا رواه البخاري في التفسير ، ومسلم ، والترمذي والنسائي في تفسيريهما ، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الملك بن جريج ، بنحوه ورواه البخاري أيضا من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص : أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس ، فذكره .

وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا محمد بن جعفر ، حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) الآية .

وكذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم ، بنحوه وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم قال : كان أبو سعيد ورافع بن خديج وزيد بن ثابت عند مروان فقال : يا أبا سعيد ، رأيت قول الله تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل ؟ فقال أبو سعيد : إن هذا ليس من ذاك ، إنما ذاك أن ناسا من المنافقين كانوا يتخلفون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا ، فإن كان فيه نكبة فرحوا بتخلفهم ، وإن كان لهم نصر من الله وفتح حلفوا لهم ليرضوهم ويحمدوهم على سرورهم بالنصر والفتح . فقال مروان : أين هذا من هذا ؟ فقال أبو سعيد : وهذا يعلم هذا ، فقال مروان : أكذلك يا زيد ؟ قال : نعم ، صدق أبو سعيد . ثم قال أبو سعيد : وهذا يعلم ذاك - يعني رافع بن خديج - ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة . فلما خرجوا قال زيد لأبي سعيد الخدري : ألا تحمدني على شهادة لك ؟ فقال أبو سعيد : شهدت الحق . فقال زيد : أو لا تحمدني على ما شهدت الحق ؟

ثم رواه من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن رافع بن خديج : أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة ، فقال مروان : يا رافع ، في أي شيء نزلت هذه ؟ فذكره كما تقدم عن أبي سعيد ، رضي الله عنهم ، وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عباس كما تقدم ، فقال له ما ذكرناه ، ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء ، لأن الآية عامة في جميع ما ذكر ، والله أعلم .

وقد روى ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن محمد بن ثابت الأنصاري ، أن ثابت بن قيس الأنصاري قال : يا رسول الله ، والله لقد خشيت أن أكون هلكت . قال : " لم ؟ " قال : نهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل ، وأجدني أحب الحمد . ونهى الله عن الخيلاء ، وأجدني أحب الجمال ، ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا امرؤ جهوري الصوت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ " قال : بلى يا رسول الله . فعاش حميدا ، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب .

وقوله : ( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد ، وبالياء على الإخبار عنهم ، أي : لا تحسبون أنهم ناجون من العذاب ، بل لا بد لهم منه ، ولهذا قال : ( ولهم عذاب أليم )

القول في تأويل قوله : لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: عني بذلك قومٌ من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو، فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

* ذكر من قال ذلك:

8335 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيم البرقي قالا حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال، حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو، تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله. وإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إليه، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فأنـزل الله تعالى فيهم: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية. (11)

8336 - حدثني يونس قال، أخبرنا بن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، قال: هؤلاء المنافقون، يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: لو قد خرجت لخرجنا معك! فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم تخلَّفوا وكذبوا، ويفرحون بذلك، ويرون أنها حيلة احتالوا بها.

* * *

وقال آخرون: عني بذلك قوم من أحبار اليهود، كانوا يفرحون بإضلالهم الناس، ونسبة الناس إياهم إلى العلم.

* ذكر من قال ذلك:

8337 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس أو سعيد بن جبير: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلى قوله: " ولهم عذاب أليم "، يعني فنحاصا وأشيع وأشباههما من الأحبار، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زيَّنوا للناس من الضلالة=" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، أن يقول لهم الناس علماء، وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى ولا خير، (12) ويحبون أن يقول لهم الناس: قد فعلوا. (13)

8338 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة: أنه حدثه عن ابن عباس بنحو ذلك= إلا أنه قال: وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى. (14)

* * *

وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من اليهود، فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم: أهل صلاة وصيام.

* ذكر من قال ذلك:

8339 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، فإنهم فرحوا باجتماعهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: " قد جمع الله كلمتنا، ولم يخالف أحد منا أحدًا [أن محمدًا ليس بنبي]. (15) " وقالوا: " نحن أبناء الله وأحباؤه، ونحن أهل الصلاة والصيام "، وكذبوا، بل هم أهل كفر وشرك وافتراء على الله، قال الله: " يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ".

8340 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، قال: كانت اليهود أمر بعضهم بعضًا، (16) فكتب بعضهم إلى بعض: " أنّ محمدًا ليس بنبي، فأجمعوا كلمتكم، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم "، ففعلوا وفرحوا بذلك، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

8341 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي &; 7-468 &; قال: كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، ففرحوا بذلك، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

8342 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون: " نحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة، ونحن على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم "، فأنـزل الله فيهم: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، من كتمان محمد صلى الله عليه وسلم=" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، أحبوا أن تحمدهم العرب، بما يزكون به أنفسهم، وليسوا كذلك.

8343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي الجحاف، عن مسلم البطين قال: سأل الحجاج جلساءه عن هذه الآية: " لا تحسبن الذي يفرحون بما أتوا "، قال سعيد بن جبير: بكتمانهم محمدًا=" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، قال: هو قولهم: " نحن على دين إبراهيم عليه السلام ". (17)

8344 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، هم أهل الكتاب، أنـزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وفرحوا بذلك، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فرحوا بأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنـزل الله، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله، ويصومون ويصلون، ويطيعون الله. فقال الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، كفرًا بالله وكفرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم (18) =" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، من الصلاة والصوم، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم: " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ".

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، من تبديلهم كتاب الله، ويحبون أن يحمَدهم الناس على ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

8345 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، قال: يهودُ، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه، ولا تملك يهود ذلك. (19)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: أنهم فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم عليه السلام.

* ذكر من قال ذلك:

8346 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية: " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، قال: اليهود، يفرحون بما آتى الله إبراهيم عليه السلام.

* * *

8347 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة عن أبي المعلى العطّار، عن سعيد بن جبير قال: هم اليهود، فرحوا بما أعطى الله تعالى إبراهيم عليه السلام.

وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من اليهود، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه، ففرحوا بكتمانهم ذلك إياه.

ذكر من قال ذلك:

8348 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني ابن أبي مليكة: أن علقمة بن أبي وقاص أخبره: أن مروان قال لرافع: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له: " لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا، ليعذبنا الله أجمعين "! فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه! إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استجابوا لله بما أخبروه عنه مما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه. ثم قال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ، الآية.

8349 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: أخبرني عبدالله بن أبي مليكة: أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره: أن مروان بن الحكم قال لبوابه: يا رافع، اذهب إلى ابن عباس فقل له: " لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا، لنعذبن جميعًا "! فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنـزلت في أهل الكتاب! ثم تلا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ إلى قوله: " أن يحمدوا بما لم يفعلوا ". قال ابن عباس: سألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه، فاستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه. (20)

* * *

وقال آخرون: بل عني بذلك قومٌ من يهود، أظهروا النفاق للنبي صلى الله عليه وسلم محبة منهم للحمد، والله عالم منهم خلاف ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

8350 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنّ أعداء الله اليهود، يهود خيبر، أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به، وأنهم متابعوه، وهم متمسكون بضلالتهم، وأرادوا أن يحمَدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا، فأنـزل الله تعالى: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، الآية.

8351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: إن أهل خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا: " إنا على رأيكم وسنتكم، (21) وإنا لكم رِدْء ". (22) فأكذبهم الله فقال: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآيتين.

8352 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال: جاء رجل إلى عبدالله فقال: إن كعبًا يقرأ عليك السلام ويقول: إن هذه الآية لم تنـزل فيكم: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، قال: أخبروه أنها نـزلت وهو يهودي. (23)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية، قول من قال: " عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر &; 7-472 &; الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم، ليبين للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكتمونه "، لأن قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية، في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك.

فإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: لا تحسبن، يا محمد، الذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم الناسَ أمرك، وأنك لي رسول مرسل بالحق، وهم يجدونك مكتوبًا عندهم في كتبهم، وقد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك، وبيان أمرك للناس، وأن لا يكتموهم ذلك، وهم مع نقضهم ميثاقي الذي أخذت عليهم بذلك، يفرحون بمعصيتهم إياي في ذلك، ومخالفتهم أمري، ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبادة وصلاة وصوم، واتباع لوحيه وتنـزيله الذي أنـزله على أنبيائه، وهم من ذلك أبرياء أخلياء، لتكذيبهم رسوله، ونقضهم ميثاقه الذي أخذ عليهم، لم يفعلوا شيئًا مما يحبون أن يحمدهم الناس عليه=" فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ".

* * *

وقوله: " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب "، فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا، (24) من الخسف والمسخ والرجف والقتل، وما أشبه ذلك من عقاب الله، ولا هم ببعيد منه، (25) كما:-

8353 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب "، قال: بمنجاة من العذاب.

* * *

قال أبو جعفر: " ولهم عذاب أليم "، يقول: ولهم عذابٌ في الآخرة أيضًا مؤلم، مع الذي لهم في الدنيا معجل. (26)

----------------------

الهوامش :

(11) الحديث: 8335 - رواه البخاري من طريق شيخه سعيد بن أبي مريم ، كرواية الطبري (الفتح: 8: 175). وقال ابن كثير 2: 317: "رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم بنحوه".

(12) سيرة ابن هشام"هدى ولا حق". وفي المطبوعة: "لم يحملوهم على هدى" غير ما في المخطوطة ، ولكنها الصواب ، ويدل على ذلك الأثر التالي ، فإنه ذكر وجه الخلاف بين الروايتين.

(13) الأثر: 8337 ، 8338 - سيرة ابن هشام 2: 208 ، وهو تتمة الأثر السالف رقم: 8318 ، والإسناد متصل إلى ابن عباس ، كما مضى مرارًا.

(14) في المطبوعة: "ابن كريب" ، وهو خطأ ، قد مضى على صحته في مئات من المواضع.

(15) هذه الجملة بين القوسين ، كان مكانها في المطبوعة: "أنه نبي" ، وفي المخطوطة"أن بنبي" ، والذي في المطبوعة مخالف لما تمالأ عليه اليهود ، والذي في المخطوطة بين الفساد والخرم ، واستظهرت ما بين القوسين من الأثر الذي رواه السيوطي في الدر المنثور 2: 109 ونسبه لعبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك ، والذي سيأتي في الأثر التالي ، ونصه: "إن اليهود كتب بعضهم إلى بعض أن محمدًا ليس بنبي ، فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم". فمن هذا استظهرت صواب العبارة التي أثبتها.

(16) في المطبوعة والمخطوطة: "قال: قالت اليهود أمر بعضهم بعضًا" ، وهو كلام غير مستقيم ، صحفت"كانت" إلى"قالت" فأثبتها على الصواب إن شاء الله.

(17) الأثر: 8343 - انظر الأثر السالف رقم: 8322.

(18) في المطبوعة: "كفروا بالله ، وكفروا بمحمد" ، والصواب من المخطوطة.

(19) قوله: "ولا تملك يهود ذلك" كأنه يعني: ولا تملك يهود النجاة من عذاب الله ، كما أنذرهم في الآية.

(20) الأثران: 8348 ، 8349 - أخرجهما البخاري في كتاب التفسير ، الأول من طريق: "إبراهيم بن موسى عن هشام ، أن ابن جريج أخبرهم..." والآخر من طريق: "ابن مقاتل ، أخبرنا الحجاج ، عن ابن جريج" ، وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير. وقد استوفى الحافظ ابن حجر في الفتح 8: 175 ، 176 ، في هذين الأثرين ، ذكر رافع ، الذي لم يروا له ذكرًا في كتب الرواة ، وفي اختلافهم على ابن جريج في شيخ شيخه مرة"علقمة بن أبي وقاص" ، وأخرى"حميد بن عبد الرحمن بن عوف". وانظر أسباب النزول الواحدي: 101 ، 102.

(21) في المطبوعة: "على رأيكم وهيئتكم" ، والذي في المخطوطة"على رأيكم وسكم" غير منقوطة ، وأرجح أن صواب قراءتها ما أثبت. وأكثر من روى هذا الخبر حذف منه هذه الكلمة. و"السنة": الطريقة والنهج.

(22) "الردء": العون والناصر ، ينصره ويشد ظهره.

(23) الأثر: 8352 - انظر الأثر السالف رقم: 8325 ، "وكعب" هو"كعب الأحبار".

(24) انظر تفسير"فاز" فيما سلف قريبا ص: 452.

(25) انظر معاني القرآن للفراء 1: 250.

(26) أخشى أن يكون صواب العبارة: "ولهم عذاب مؤلم في الآخرة أيضا مؤجل ، مع الذي لهم في الدنيا معجل".

المعاني :

بِمفازة :       بفوز و منجاةٍ معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[188] ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ قال السعدي: «بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك».
وقفة
[188] ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ مدح الناس لك بما ليس فيك أسوأ من ذمهم لك بما هو فيك.
وقفة
[188] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾.
وقفة
[188] ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: «مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ قِلَّةً» [مسلم 110]، قال القاضي عياض: «هو عام في كل دعوى يتشبع بها المرء بما لم يعط، من مال يختال في التجمل به من غيره، أو نسب ينتمي إليه، أو علم يتحلى به وليس هو من حملته، أو دين يظهره وليس هو من أهله، فقد أعلم أنه غير مبارك له في دعواه، ولا زاك ما اكتسبه».
عمل
[188] احذر أن يتسلل لقلبك حب المدح والثناء، وأعظم منه أن تحب المدح بما لم تفعل ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾.
تفاعل
[188] ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله من عذابه.

الإعراب :

  • ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ:
  • لا: ناهية جازمة. تحسبنّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا. ونون التوكيد لا محل لها. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول وحذف المفعول الثاني لأن مفعول «تَحْسَبَنَّ» الثاني دال عليه.
  • ﴿ يَفْرَحُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة: صلة الموصول.
  • ﴿ بِما أَتَوْا:
  • جار ومجرور متعلق بيفرحون. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. أتوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. والجملة صلة الموصول والعائد محذوف وهو ضمير في محل نصب لأنه مفعول به أي أتوه.
  • ﴿ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا:
  • ويحبون: معطوفة بواو العطف على «يَفْرَحُونَ» وتعرب إعرابها. أن: حرف مصدري ونصب. يحمدوا: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والألف: فارقة. و «أَنْ وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به وجملة «يُحْمَدُوا» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ بِما لَمْ يَفْعَلُوا:
  • جار ومجرور متعلق بيحمدوا. لم: حرف نفي وقلب وجزم. يفعلوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. والجملة صلة الموصول لا محل لها والعائد محذوف وهو ضمير منصوب المحل لأنه مفعول به أي يفعلوه.
  • ﴿ فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ:
  • الفاء: استئنافية. لا تحسبنّ: سبق إعرابها و «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بمفازة أي بمنجاة: جار ومجرور متعلق بالمفعول الثاني المحذوف لتحسبنّ.
  • ﴿ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لمفازة. الواو: استئنافية. لهم: اللام: حرف جر. هم: ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم محذوف.
  • ﴿ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أليم: صفة- نعت- لعذاب مرفوعة بالضمة. '

المتشابهات :

آل عمران: 169﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا
آل عمران: 188﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا
النور: 57﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري، والترمذي والنَّسَائِي أن مروان قال: اذهب يا رافع - لبوَّابه - إلى ابن عبَّاسٍ فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذباً لنعذبن أجمعون. فقال ابن عبَّاسٍ: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبَّاسٍوَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ). هذه الآية. وتلا ابن عبَّاسٍلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا). وقال ابن عبَّاسٍ: سألهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه. 2 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلتلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... ) الآية. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما مما لا يستند إلى حجة في الإسناد وتباينت مواقفهم عند النظر فيهما فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما وأن الآية نزلت بسببهما ومن هؤلاء القرطبي وابن كثير رحمهما الله تعالى.قال القرطبيوالحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني، ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد فكانت جواباً للفريقين والله أعلم).وقال ابن كثيرولا منافاة بين ما ذكره ابن عبَّاسٍ وما قاله هؤلاء - أي نزولها بشأن المنافقين - لأن الآية عامة في جميع ما ذكر والله أعلم).وذهب بعض المفسرين إلى أنها في أهل الكتاب خاصة ومن هؤلاء الطبري وابن عاشور، قال الطبري بعد أن ساق الأقوال في نزولهاوأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قولهلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا .. ). الآية قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يكتمونه، لأن قولهلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم، مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك).وقال ابن عاشور بعد أن ساق الآيةتكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدث عنهم ببيان حالة خُلقهم بعد أن بيّن اختلال أمانتهم في تبليغ الدين، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبّر عنهم بالموصول للتوصل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشر والخسة ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل أو تطلب الستر على شنعته، بل يرتقي فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه ويتطلب المحمدة عليه) والراجح - والله أعلم - ما ذكره ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في شأن نزولها في أهل الكتاب وما ذكره من الدليل على ذلك؛ لأنه لما قال: ما لكم ولهذه الآية إنما أُنزلت في أهل الكتاب تلا قوله تعالىوَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وهذا نظر ظاهر منه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إلى السياق القرآني وأثره في تفسير كلام الله وهذا هو اللائق بترجمان القرآن - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وهو أقرب طريق إلى الصواب في معرفة التفسير والله أعلم. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في سؤال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن. ولم يظهر لي من وجه صحيح ما هو الشيء الذي سألهم عنه فكتموه. وأما الحديث عن المنافقين وتخلفهم عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسيأتي في موضعه مع قصته في سورة براءة إن شاء الله تعالى. والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [188] لما قبلها :     الجريمة السادسة: يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، قال تعالى:
﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

لا تحسبن ... فلا تحسبنهم:
قرئا:
1- بتاء الخطاب وفتح الباء فيها، خطاب للرسول، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم، على أن المفعول الأول (الذين يفرحون) ، والثاني محذوف، لدلالة ما بعده عليه.
2- بتاء الخطاب وضم الباء فيها، خطابا للمؤمنين، وتخريجها كتخريج القراءة الأولى.
3- لا يحسبن ... فلا تحسبنهم، بياء الغيبة وتاء الخطاب، وفتح الباء فيهما، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وخرجت على حذف مفعولى «يحسبن» ، لدلالة ما بعدهما عليهما.
أتوا:
قرئ:
1- آتوا، بمعنى: أعطوا، وهى قراءة النخعي، ومروان بن الحكم.
2- أوتوا، مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن جبير، والسلمى.

مدارسة الآية : [189] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ ..

التفسير :

[189] ولله وحده ملك السموات والأرض وما فيهما، والله على كل شيء قدير.

أي:هو المالك للسماوات والأرض وما فيهما، من سائر أصناف الخلق، المتصرف فيهم بكمال القدرة، وبديع الصنعة، فلا يمتنع عليه منهم أحد، ولا يعجزه أحد.

قوله- تعالى- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى له وحده- سبحانه- ملك السموات والأرض بما فيهما، فهو وحده صاحب السلطان القاهر في هذا العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار: إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، وهو- سبحانه- على كل شيء قدير، لا يعجزه أمر، ولا يدفع عقابه دافع، ولا يمنع عقابه مانع، فعليكم أيها الناس أن تطيعوه وأن تحذروا غضبه ونقمته.

ثم قال : ( ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير ) أي : هو مالك كل شيء ، والقادر على كل شيء فلا يعجزه شيء ، فهابوه ولا تخالفوه ، واحذروا نقمته وغضبه ، فإنه العظيم الذي لا أعظم منه ، القدير الذي لا أقدر منه .

القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)

قال أبو جعفر: وهذا تكذيب من الله جل ثناؤه الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ . يقول تعالى ذكره، مكذبا لهم: لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض. فكيف يكون أيها المفترون على الله، من كان ملك ذلك له فقيرًا؟

ثم أخبر جل ثناؤه أنه القادر على تعجيل العقوبة لقائلي ذلك، ولكل مكذب به ومفتر عليه، وعلى غير ذلك مما أراد وأحب، ولكنه تفضل بحلمه على خلقه= فقال: " والله على كل شيء قدير "، يعني: من إهلاك قائلي ذلك، وتعجيل عقوبته لهم، وغير ذلك من الأمور

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[189] يملك كل شيء، ويقدر على أي شيء، فكيف يتعلق القلب بغيره؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلَّهِ:
  • الواو: استئنافية. اللام: حرف جر. الله لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم باللام وعلامة الجر الكسرة وشبه الجملة «الله» متعلق بخبر مقدم محذوف.
  • ﴿ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • ملك: مبتدأ مرفوع بالضمة. السموات: مضاف اليه مجرور بالكسرة والأرض معطوفة بواو العطف على «السَّماواتِ» مجرورة مثلها.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
  • الواو: حرف عطف. الله: لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة و «عَلى كُلِّ» جار ومجرور متعلق بقدير. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة. قدير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [189] لما قبلها :     وبعد توعد اليهود والمنافقين وغيرهم بالعذاب الأليم؛ أخبرَ اللهُ هنا أنَّه قادِرٌ عليهم، فهم مملوكون له مقدورٌ عليهم، قال تعالى:
﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [190] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ..

التفسير :

[190] إن في خلق السموات والأرض على غير مثال سابق، وفي تعاقُب الليل والنهار، واختلافهما طولاً وقِصَراً، لَدلائلَ وبراهين عظيمة على وحدانية الله لأصحاب العقول السليمة.

يخبر تعالى:{ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها، وأبهم قوله:{ آيات} ولم يقل:"على المطلب الفلاني"إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته. وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه. وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره. وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها، وبذل الجهد في مرضاته، وأن لا يشرك به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.

وبعد أن بين- سبحانه- أن ملك السموات والأرض بقبضته، أشار- سبحانه- إلى ما فيهما من عبر وعظات فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.

أى: إن في إيجاد السموات والأرض على هذا النحو البديع، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب وبحار وزروع وأشجار ... وفي إيجاد الليل والنهار على تلك الحالة المتعاقبة، وفي اختلافهما طولا وقصرا.. وفي كل ذلك لأمارات واضحة، وأدلة ساطعة، لأصحاب العقول السليمة على وحدانية الله- تعالى- وعظيم قدرته، وباهر حكمته.

وصدرت الجملة الكريمة بحرف «إن» للاهتمام بالخبر، وللاعتناء بتحقيق مضمون الجملة.

أى إن في إيجاد السموات والأرض وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب، وما اشتملتا عليه من البدائع، وفي اختلاف الليل والنهار ... إن في كل ذلك من العبر والعظات ما يحمل كل عاقل على الاعتراف بوحدانية الله، وكمال قدرته وحكمته.

والمراد بأولى الألباب: أصحاب العقول السليمة، والأفكار المستقيمة، لأن لب الشيء هو خلاصته وصفوته.

ولقد قال الزمخشري في صفة أولى الألباب: «هم الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطرة. وفي الحكم: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا في حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر»

هذا، وقد أورد المفسرون كثيرا من الآثار في فضل هذه الآيات العشر التي اختتمت بها سورة آل عمران، ومن ذلك قول ابن كثير- رحمه الله-:

وقد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده فقد روى البخاري- رحمه الله- عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثم رقد: فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... الآيات. ثم قام فتوضأ واستن، ثم صلى إحدى عشرة ركعة. ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح.

وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات ليلة بعد ما مضى شطر من الليل فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر السورة.

ثم قال: «اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصرى نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلفي نورا، ومن فوقى نورا، ومن تحتي نورا. وأعظم لي نورا يوم القيامة» .

وروى ابن مردويه عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة- رضى الله عنها- فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقال لها ابن عمر: أخبرينا بأعجب ما رأيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فبكت وقالت: كل أمره كان عجبا!! أتانى في ليلتي حتى مسّ جلده جلدي ثم قال: يا عائشة: ذريني أتعبد لربي- عز وجل- قالت: فقلت والله إنى لأحب قربك وإنى أحب أن تعبد ربك.

فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلى فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى. حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت: فقال: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:

ويحك يا بلال!! وما يمنعني أن أبكى وقد أنزل الله على هذه الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلخ الآيات.

ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها» .

قال الطبراني : حدثنا الحسن بن إسحاق التستري ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بم جاءكم موسى ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا . فدعا ربه ، فنزلت هذه الآية : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) فليتفكروا فيها . وهذا مشكل ، فإن هذه الآية مدنية . وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة . والله أعلم .

ومعنى الآية أنه يقول تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض ) أي : هذه في ارتفاعها واتساعها ، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات ، وثوابت وبحار ، وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار ، وحيوان ومعادن ومنافع ، مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص ( واختلاف الليل والنهار ) أي : تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر ، فتارة يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم ، ولهذا قال : ( لأولي الألباب ) أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها ، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون الذين قال الله [ تعالى ] فيهم : ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [ يوسف : 105 ، 106 ] .

القول في تأويل قوله : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190)

قال أبو جعفر: وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره على قائل ذلك، وعلى سائر خلقه، بأنه المدبر المصرّف الأشياء والمسخِّر ما أحب، وأن الإغناء والإفقار إليه وبيده، فقال جل ثناؤه: تدبروا أيها الناس واعتبروا، ففيما أنشأته فخلقته من السموات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم، وفيما عقَّبت بينه من الليل والنهار فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم، (27) تتصرفون في هذا لمعاشكم، وتسكنون في هذا راحة لأجسادكم= معتبر ومدَّكر، وآيات وعظات. فمن كان منكم ذا لُبٍّ وعقل، يعلم أن من نسبني إلى أنّي فقير وهو غني كاذب مفتر، (28) فإنّ ذلك كله بيدي أقلّبه وأصرّفه، ولو أبطلت ذلك لهلكتم، فكيف ينسب إلى فقر من كان كل ما به عيش ما في السموات والأرض بيده وإليه؟ (29) أم كيف يكون غنيًّا من كان رزقه بيد غيره، إذا شاء رزقه، وإذا شاء حَرَمه؟ فاعتبروا يا أولي الألباب.

----------------------

الهوامش :

(27) عاقب بين الشيئين: راوح بينهما ، لهذا مرة ولذاك مرة. واستعمل الطبري"عقب" مشددة القاف ، بنفس المعنى ، كما يقال: "ضاعف وضعف" ، و"عاقد وعقد". و"اعتقب الليل والنهار" جاء هذا بعد هذا ، دواليك.

(28) في المخطوطة: "يعلم أنه أن من نسبي إلى أني فقير وهو غني ، دادب معى" ، وهو كلام مصحف مضطرب ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب إن شاء الله.

(29) في المطبوعة: "فكيف ينسب فقر إلى من كان..." ، أخر"إلى" ، والصواب الجيد تقديمها كما في المخطوطة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[190] أواخر آل عمران كان النبي ﷺ يقرؤها كلما استيقظ من نومه، ويقول: ويل لمن قرأها ولم يتدبرها !
وقفة
[190] ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ في جميع القرآن تتقدم (السموات) على (الأرض) إلا في خمسة مواطن، فحيث تقدمت الأرض؛ فالسياق في شأن أهل الأرض كقوله: ﴿وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [ابراهيم: 38]، وتتقدم السموات في الحديث عن الخلق والملك والساعة والرزق.
وقفة
[190] ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ في إيجاد السموات والأرض آيات، وفي اختلاف الليل والنهار: طولًا وقصرًا، وحرارةً وبرودةً، وخوفًا وأمنًا، وشدةً ورخاءً، وعزًّا وذلاًّ، وملكًا وخلعًا، وغير ذلك من أنواع الاختلاف، كل ذلك فيه آيات تدل على عظمة الرب عز وجل، وأن له الملك المطلق والتدبير المطلق.
وقفة
[190] ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ هم لصلاحِ عقولهم وسلامتها وصحَّتها، وصفهم الله بهذه الصفات، وهي أنهم يذكرونه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في هذه الآيات.
وقفة
[190] بكى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلَّ لحيته وقال: لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. [ابن حبان 523، وحسنه الألباني].
وقفة
[190] ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ في جميع القرآن يتقدم الليل على النهار، لأن اليوم الأصل فيه يبدأ بالليل، وذلك من آذان المغرب تحديدًا، فالليلة تلحق بما بعدها من النهار، فيقال مثلًا هذه ليلة الأربعاء.
وقفة
آيات الله أنوع ثلاثة: آيات كونية- آيات تكوينية- آيات قرآنية. [190] ﴿لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في خلق: جار ومجرور متعلق بخبر «إِنَّ» المحذوف.
  • ﴿ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • السموات: مضاف اليه مجرور بالكسرة. والأرض: معطوفة بواو العطف على «السَّماواتِ» مجرورة مثلها بالكسرة.
  • ﴿ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ:
  • معطوفة بواو العطف على «خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ لَآياتٍ:
  • اللام لام التوكيد «المزحلقة». آيات: اسم «إِنَّ» مؤخر منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة- لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لِأُولِي الْأَلْبابِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «آيات» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الألباب: مضاف اليه مجرور وعلامة جرّه: الكسرة. '

المتشابهات :

البقرة: 164﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ
آل عمران: 190﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ
يونس: 6﴿إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
الجاثية: 5﴿وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [190] لما قبلها :     وبعدَ أن ذكرَ اللهُ عز وجل أن له ملكَ السماواتِ والأرضِ؛ دعا هنا أصحابَ العقولِ إلى التفكرِ في هذا الخَلْقِ العظيمِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [191] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا ..

التفسير :

[191] الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم:قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وهم يتدبرون في خلق السموات والأرض، قائلين:يا ربَّنا ما أوجدت هذا الخلق عبثاً، فأنت منزَّه عن ذلك، فاصْرِفْ عنا عذاب النار.

ثم وصف أولي الألباب بأنهم{ يذكرون الله} في جميع أحوالهم:{ قياما وقعودا وعلى جنوبهم} وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب، ويدخل في ذلك الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وأنهم{ يتفكرون في خلق السماوات والأرض} أي:ليستدلوا بها على المقصود منها، ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين، فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون:{ ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق.{ فقنا عذاب النار} بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار. ويتضمن ذلك سؤال الجنة، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا الله بأهم الأمور عندهم،

ثم وصف- سبحانه- أولى الألباب بصفات كريمة فقال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ.

فقوله الَّذِينَ يَذْكُرُونَ إلخ. في موضع جر على أنه نعت لأولى الألباب. ويجوز أن يكون في موضع رفع أو نصب على المدح.

أى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات واضحات على وحدانية الله وقدرته، لأصحاب العقول السليمة، الذين من صفاتهم أنهم يَذْكُرُونَ اللَّهَ أى يستحضرون عظمته في قلوبهم، ويكثرون من تسبيحه وتمجيده بألسنتهم، ويداومون على ذلك في جميع أحوالهم. فهم يذكرونه قائمين، ويذكرونه قاعدين. ويذكرونه وهم على جنوبهم فالمراد بقوله قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ أن ذكرهم لله- تعالى- بقلوبهم وألسنتهم يستغرق عامة أحوالهم» .

وقوله قِياماً وَقُعُوداً منصوبان على الحالية من ضمير الفاعلي في قوله: يَذْكُرُونَ.

وقوله وَعَلى جُنُوبِهِمْ متعلق بمحذوف معطوف على الحال أى: وكائنين على جنوبهم أى مضطجعين.

ثم وصفهم سبحانه وتعالى بوصف آخر فقال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

أى أن من صفات هؤلاء العباد أصحاب العقول السليمة أنهم يكثرون من ذكر الله- تعالى-، ولا يكتفون بذلك، بل يضيفون إلى هذا الذكر التدبر والتفكر في هذا الكون وما فيه من جمال الصنعة، وبديع المخلوقات، ليصلوا من وراء ذلك إلى الإيمان العميق، والإذعان التام، والاعتراف الكامل بوحدانية الله. وعظيم قدرته ...

فإن من شأن الأخيار من الناس أنهم يتفكرون في مخلوقات الله وما فيها من عجائب المصنوعات، وغرائب المبتدعات، ليدلهم ذلك على كمال قدرة الصانع- سبحانه-، فيعلموا أن لهذا الكون قادرا مدبرا حكيما، لأن عظم آثاره وأفعاله، تدل على عظم خالقها.

ولقد ذكر العلماء كثيرا من الأقوال التي تحض على التفكير السليم، وعلى التدبر في عجائب صنع الله، ومن ذلك قول سليمان الداراني: «إنى أخرج من بيتي فما يقع بصرى على شيء إلا رأيت لله على فيه نعمة، ولى فيه عبرة» ، وقال الحسن البصري: «تفكر ساعة خير من قيام ليلة» .

وقال الفخر الرازي: دلائل التوحيد محصورة في قسمين: دلائل الآفاق، ودلائل الأنفس.

ولا شك أن دلائل الآفاق أجل وأعظم، كما قال- تعالى-: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ.

ولما كان الأمر كذلك لا جرم أنه أمر في هذه الآية بالفكر في خلق السموات والأرض، لأن دلالتها أعجب. وشواهدها أعظم» .

وقد وبخ- سبحانه- الذين يرون العبر فلا يعتبرون، وتمر أمامهم العظات فلا يتعظون ولا يتفكرون فقال- تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.

ثم حكى- سبحانه- ثمرات ذكرهم لله وتفكرهم في خلقه فقال: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ.

أى أنهم بعد أن أذعنت قلوبهم للحق، ونطقت ألسنتهم بالقول الحسن، وتفكرت عقولهم في بدائع صنع الله تفكيرا سليما، استشعروا عظمة الله استشعارا ملك عليهم جوارحهم، فرفعوا أكف الضراعة إلى الله بقولهم:

يا ربنا إنك ما خلقت هذا الخلق البديع العظيم الشأن عبثا، أو عاريا عن الحكمة. أو خاليا من المصلحة، سُبْحانَكَ أى ننزهك تنزيها تاما عن كل مالا يليق بك فَقِنا عَذابَ النَّارِ أى فوفقنا للعمل بما يرضيك، وأبعدنا عن عذاب النار.

وقوله رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا إلخ جملة واقعة موقع الحال على تقدير قوله أى يتفكرون قائلين ربنا. لأن هذا الكلام أريد به حكاية قولهم بدليل ما بعده من الدعاء.

وقوله: باطلا صفة لمصدر محذوف أى خلقا باطلا، أو حال من المفعول والمعنى يا ربنا ما خلقت هذا المخلوق العظيم الشأن عاريا عن الحكمة، خاليا من المصلحة، بل خلقته مشتملا على حكم جليلة، منتظما لمصالح عظيمة.

وكان نداؤهم لخالقهم- عز وجل- بلفظ رَبَّنا اعترافا منهم بأنه هو مربيهم وخالقهم فمن حقه عليهم أن يفردوه بالعبادة والخضوع.

وسبحان اسم مصدر بمعنى التسبيح أى التنزيه، وهو مفعول بفعل مضمر لا يكاد يستعمل معه أى، تنزهت ذاتك وتقدست عن كل ما لا يليق، وجيء بفاء التعقيب في حكاية قولهم فَقِنا عَذابَ النَّارِ لأنه ترتب على اعتقادهم بأنه سبحانه- لم يخلق هذا عبثا- أن هناك ثوابا وعقابا، فسألوا الله- تعالى- أن يجعلهم من أهل الجنة لا من أهل النار.

ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك أي : لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) أي : يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته ، وعلمه وحكمته ، واختياره ورحمته .

وقال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي ، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ، أو لي فيه عبرة . رواه ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " .

وعن الحسن البصري أنه قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة . وقال الفضيل : قال الحسن : الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك . وقال سفيان بن عيينة : الفكرة نور يدخل قلبك . وربما تمثل بهذا البيت :

إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

وعن عيسى ، عليه السلام ، أنه قال : طوبى لمن كان قيله تذكرا ، وصمته تفكرا ، ونظره عبرا .

وقال لقمان الحكيم : إن طول الوحدة ألهم للفكرة ، وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة .

وقال وهب بن منبه : ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم ، وما فهم امرؤ قط إلا علم ، وما علم امرؤ قط إلا عمل .

وقال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله ، عز وجل ، حسن ، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة .

وقال مغيث الأسود : زوروا القبور كل يوم تفكركم ، وشاهدوا الموقف بقلوبكم ، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار ، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها ، وكان يبكي عند ذلك حتى يرفع صريعا من بين أصحابه ، قد ذهب عقله .

وقال عبد الله بن المبارك : مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة ، فناداه فقال : يا راهب ، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر ، كنز الرجال وكنز الأموال .

وعن ابن عمر : أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه ، يأتي الخربة فيقف على بابها ، فينادي بصوت حزين فيقول : أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] .

وعن ابن عباس أنه قال : ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساه .

وقال الحسن : يا ابن آدم ، كل في ثلث بطنك ، واشرب في ثلثه ، ودع ثلثه الآخر تتنفس للفكرة .

وقال بعض الحكماء : من نظر إلى الدنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة .

وقال بشر بن الحارث الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه .

وقال الحسن ، عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر .

وعن عيسى ، عليه السلام ، أنه قال : يا ابن آدم الضعيف ، اتق الله حيثما كنت ، وكن في الدنيا ضيفا ، واتخذ المساجد بيتا ، وعلم عينيك البكاء ، وجسدك الصبر ، وقلبك الفكر ، ولا تهتم برزق غد .

وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، أنه بكى يوما بين أصحابه ، فسئل عن ذلك ، فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها ، فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها ، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر ، إن فيها مواعظ لمن ادكر .

وقال ابن أبي الدنيا : أنشدني الحسين بن عبد الرحمن :

نزهة المؤمن الفكر لذة المؤمن العبر

نحمد الله وحده نحن كل على خطر

رب لاه وعمره قد تقضى وما شعر

رب عيش قد كان فو ق المنى مونق الزهر

في خرير من العيو ن وظل من الشجر

وسرور من النبا ت وطيب من الثمر

غيرته وأهله سرعة الدهر بالغير

نحمد الله وحده إن في ذا لمعتبر

إن في ذا لعبرة للبيب إن اعتبر

وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته ، فقال : ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون . وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [ يوسف : 105 ، 106 ]

ومدح عباده المؤمنين : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) قائلين ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) أي : ما خلقت هذا الخلق عبثا ، بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا ، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل فقالوا : ( سبحانك ) أي : عن أن تخلق شيئا باطلا ( فقنا عذاب النار ) أي : يا من خلق الخلق بالحق والعدل ، يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث ، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا ، ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم ، وتجيرنا به من عذابك الأليم .

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

قال أبو جعفر: وقوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا " من نعت " أولي الألباب "، و " الذين " في موضع خفض ردًّا على قوله: لأُولِي الأَلْبَابِ .

* * *

ومعنى الآية: إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذاكرين الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم= يعني بذلك: قيامًا في صلاتهم، وقعودًا في تشهدهم وفي غير صلاتهم، وعلى جنوبهم نيامًا. كما:-

8354 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن &; 7-475 &; ابن جريج، قوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا " الآية، قال: هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.

8355 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم "، وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم، فاذكره وأنت على جنبك، يُسرًا من الله وتخفيفًا.

* * *

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل: " وعلى جنوبهم ": فعطف بـ" على "، وهي صفة، (30) على " القيام والقعود " وهما اسمان؟

قيل: لأن قوله: " وعلى جنوبهم " في معنى الاسم، ومعناه: ونيامًا، أو: " مضطجعين على جنوبهم "، فحسن عطف ذلك على " القيام " و " القعود " لذلك المعنى، كما قيل: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا [سورة يونس: 12] فعطف بقوله: أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا على قوله: لِجَنْبِهِ ، لأن معنى قوله: لِجَنْبِهِ ، مضطجعا، (31) فعطف بـ" القاعد " و " القائم " على معناه، فكذلك ذلك في قوله: " وعلى جنوبهم ". (32)

* * *

وأما قوله: " ويتفكرون في خلق السموات والأرض "، فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا مَن ليس كمثله شيء، ومن هو مالك كل شيء ورازقه، وخالق كل شيء ومدبره، ومن هو على كل شيء قدير، وبيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة.

* * *

القول في تأويل قوله : رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قائلين: " ربنا ما خلقت هذا باطلا "، فترك ذكر " قائلين "، إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه.

* * *

وقوله: " ما خلقت هذا باطلا " يقول: لم تخلق هذا الخلق عبثًا ولا لعبًا، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، وإنما قال: " ما خلقت هذا باطلا " ولم يقل: " ما خلقت هذه، ولا هؤلاء "، لأنه أراد بـ" هذا "، الخلقَ الذي في السموات والأرض. يدل على ذلك قوله: " سبحانك فقنا عذاب النار "، ورغبتهم إلى ربهم في أن يقيهم عذاب الجحيم. ولو كان المعنيّ بقوله: " ما خلقت هذا باطلا "، السموات والأرض، لما كان لقوله عقيب ذلك: " فقنا عذاب النار "، معنى مفهوم. لأن " السموات والأرض " أدلة على بارئها، لا على الثواب والعقاب، وإنما الدليل على الثواب والعقاب، الأمر والنهي.

وإنما وصف جل ثناؤه: " أولي الألباب " الذين ذكرهم في هذه الآية: أنهم إذا رأوا المأمورين المنهيّين قالوا: " يا ربنا لم تخلُق هؤلاء باطلا عبثًا سبحانك "، يعني: تنـزيهًا لك من أن تفعل شيئًا عبثًا، ولكنك خلقتهم لعظيم من الأمر، لجنة أو نار.

ثم فَزِعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار، وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره، فيكونوا من أهل جهنم.

-------------------

الهوامش :

(30) "الصفة": حرف الجر ، كما سلف في مواضع كثيرة ، وانظر 1: 299 ، تعليق: 1 ، وفهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة.

(31) انظر ما سلف 3: 475.

(32) انظر معاني القرآن للفراء 1: 250.

المعاني :

باطلاً :       عبثا عاريا عن الحكمة معاني القرآن
فقنا عذاب النّار :       فاحفظنا من عذابها معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ أراد به المداومة على الذكر في عموم الأحوال.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ فيه استحباب الذكر في كل حال.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ إذا كان هذا في الذكر الذي هو مقصودٌ في التعظيم؛ فالفتوى جالسًا أو مضجعًا لحاجة الناس من باب أولى.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ من أوصاف الصالحين كثرة لهج ألسنتهم بذكرالله على الدوام، ويتفاوتون فيه بتفاوت صلتهم بالله.
عمل
[191] احرص اليوم على أذكار الصباح والمساء، ودرب نفسك على أن تذكر الله على كل الأحوال: قائمًا وقاعدًا وعلى جنبك ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قدم الذكر على الدوام على التفكر للتنبيه على أن العقل لا يفي بالهداية ما لم يتنور بنور ذكر الله تعالى وهدايته، فلابد للمتفكر من الرجوع إلى الله تعالى.
وقفة
[191] عبادتان تكونان مع الإنسان على كل حال وفي كل زمان: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وقفة
[191] ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ وهم يقولون: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، والله ما كانوا متكبرين فيدعون الله بضمير الجمع وهم في خلواتهم وعلى جنوبهم، لكنهم لم يطيقوا أن يدعوا لأنفسهم، حتى ضموا إخوانهم معهم.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فيه استحباب التفكر في مصنوعات الله, لا في ذاته.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال أبو سليمان الداراني: «إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة ولي فيه عبرة».
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ التفكُّر في خلق الله أمره عظيم؛ لأنه يُحدث الوجل، والعلمَ، واليقين، وهذه كلها عبادات جليلة.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تأمل كيف جاء الثناء عليهم بصيغة الفعل المضارع (يتفكرون) التي تدل على الاستمرار، فالتفكر ديدنهم، وليس أمرًا عارضًا.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ ... وَيَتَفَكَّرُونَ﴾ الطاعة ولود! فكثرة الذكر قادتهم لعبادة أخرى وهي عبادة الفكر.
وقفة
[191] ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ ... وَيَتَفَكَّرُونَ﴾ اللهج بالذكر قادهم لدوام الفكر.
وقفة
[191] إذا أردت أن تفكر في أمر مهم فاسبقه بالذكر ليصفي العقل ويصقله، تأمل تقديم الذكر على الفكر في قوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ ...﴾ ثم قال: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ ...﴾.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ قال ابن عون: «الفكرة تُذهِب الغفلة، وتُحدِث للقلب الخشية، كما يُحدِث الماءُ للزرع النباتَ، وما جُليت القلوبُ بمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفكرة».
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ التفكر في خلق الله تعالى في السماوات والأرض وتعاقب الأزمان يورث اليقين بعظمة الله وكمال الخضوع له عَزَّ وَجَلَّ.
وقفة
[191] التفكُّر في مخلوقات الله من صفات الصالحين وأوليائه الذي قال فيهم: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ عن مالك قال: قيل لأم الدرداء: ما كان شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر، قيل له: أترى التفكر عملًا من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين.
وقفة
[191] ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ هذا دليل على أن التوسل بأفعال الله تعالى وربوبيته من أسباب إجابة الدعاء، فإنه قال بعد ذلك: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾.
وقفة
[191] الفكر هو مبدأ أي عمل؛ فالإنسان إنما يعمل -عادة- بعد أن يجيل فكره، وبعد أن ينظر، ثم بعد ذلك يقدم على العمل: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، فبعد أن تفكروا عملوا؛ فسألوا الله الجنة، واستعاذوا به من النار.
عمل
[191] انظر هذه الليلة إلى السماء، وإلى طلوع الشمس وغروبها، واستخرج من كل واحدة فائدة على قدرته سبحانه، ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
وقفة
[191] قارن: كيف ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته: ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: 105]، ومدح عباده المؤمنين: ﴿لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قائلين: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا﴾.
وقفة
[191] قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ فيه تعليم العباد كيفية الدعاء وآدابه، وذلك أن من أراد الدعاء فليقدم الثناء، ثم يذكر بعده الدعاء.
وقفة
[191] ﴿مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ للكون حقيقة، فهو ليس عدمًا كما يقول المتفلسفة، وإنما يسير وفق ناموس، فليس للفوضى ولا للصدفة فيه مجال.
وقفة
[191] وإنما قال: ﴿مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾، ولم يقل: ما خلقت (هذه، ولا هؤلاء)؛ لأنه أراد بهذا الخلق الذي في السماوات والأرض، يدل على ذلك قوله: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة- نعت- لأولي الواردة في نهاية الآية الكريمة السابقة. ويجوز أن يكون في موضع نصب مفعولا به على المدح بفعل محذوف «أعني» أو في محل رفع خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هم. يذكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَذْكُرُونَ» صلة الموصول لا محل لها. الله: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ قِياماً وَقُعُوداً:
  • قياما: حال منصوب بالفتحة. وقعودا: معطوفة بواو العطف على «قِياماً» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَعَلى جُنُوبِهِمْ:
  • الواو: عاطفة. على جنوب: جار ومجرور متعلق بحال محذوف معطوف على «قِياماً» بمعنى مضطجعين. و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ:
  • معطوفة بالواو على «يَذْكُرُونَ» وتعرب إعرابها. في خلق: جار ومجرور متعلق بيتفكرون. ويجوز أن تكون في محل نصب حالا من واو «يَذْكُرُونَ» التقدير: يذكرون الله متفكرين.
  • ﴿ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • السموات: مضاف اليه مجرور بالكسرة والأرض معطوفة بواو العطف على «السَّماواتِ» مجرورة مثلها.
  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى منصوب بالفتحة بأداة نداء محذوفة تقديرها: يا. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ما خَلَقْتَ:
  • ما: نافية لا عمل لها. خلقت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ:
  • هذا: الهاء: للتنبيه ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به. باطلا: مفعول لأجله منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون حالا أو نائب مفعول مطلق أي: ما خلقته خلقا باطلا فهو هنا صفة- نعت- لمصدر محذوف. سبحانك: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: أسبّح. منصوب بالفتحة. والكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة
  • ﴿ فَقِنا عَذابَ النَّارِ:
  • الفاء استئنافية أو تفيد الجزاء أو واقعة في جواب شرط مقدر غير جازم مأخوذ من معنى «سُبْحانَكَ» بتقدير: اذا سبحانك: أي نزّهناك سبحانك فقنا عذاب النار. ق: فعل دعاء وتضرع بصيغة طلب مبني على حذف آخره «حرف العلة» والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. نا: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. عذاب: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. النار: مضاف اليه مجرور بالكسرة. وجملة «قنا» جواب شرط مقدر غير جازم لا محل لها. '

المتشابهات :

آل عمران: 191﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
النساء: 103﴿فَاذْكُرُوا اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [191] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَر اللهُ عز وجل أنَّ الذين يَنتفعونَ بتلك الآياتِ هم أُولو الألبابِ؛ شرَعَ هنا في وصْفِهم، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [192] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ ..

التفسير :

[192] يا ربَّنا نجِّنا من النار، فإنك -يا ألله- من تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته، وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم مِن أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة.

{ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} أي:لحصوله على السخط من الله، ومن ملائكته، وأوليائه، ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها، ولا منقذ منها، ولهذا قال:{ وما للظالمين من أنصار} ينقذونهم من عذابه، وفيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم.

وقوله- تعالى- حكاية عنهم رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ في مقام التعليل لضراعتهم بأن يبعدهم عن النار.

أى: أبعدنا يا ربنا عن عذاب النار، فإنك من تدخله النار تكون قد أخزيته أى أهنته وفضحته على رءوس الأشهاد.

والخزي: مصدر خزي يخزى بمعنى ذل وهان بمرأى من الناس. وفي هذا التعليل مبالغة في تعظيم أمر العقاب بالنار، وإلحاح في طلب النجاة منها، لأن من سأل ربه حاجة، إذا شرح عظمها وقوتها، كان رجاؤه في القبول أشد، وإخلاصه أتم، وشعوره بالعطاء أقوى.

وقوله وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أى ليس لهم ناصر ينصرهم من عقاب الله- تعالى- أو يخلصهم مما وقعوا فيه من بلاء.

و «من» للدلالة على استغراق النفي، أى لا ناصر لهم أيا كان هذا الناصر، وفي ذلك إشارة إلى انفراد الله- تعالى- بالسلطان ونفاذ الإرادة.

ثم قالوا : ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) أي : أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع ( وما للظالمين من أنصار ) أي : يوم القيامة لا مجير لهم منك ، ولا محيد لهم عما أردت بهم .

القول في تأويل قوله : رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخل النار من عبادك فتخلده فيها، فقد أخزيته. قال: ولا يخزي مؤمن مصيرُه إلى الجنة، وإن عذِّب بالنار بعض العذاب.

* ذكر من قال ذلك:

8356 - حدثني أبو حفص الجبيري ومحمد بن بشار قالا أخبرنا المؤمل، أخبرنا أبو هلال، عن قتادة، عن أنس في قوله: " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته "، قال: من تُخلد. (33)

8357 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن ابن المسيب: " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته "، قال: هي خاصة لمن لا يخرج منها.

8358 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا قبيصة بن مروان، عن الأشعث الحمْليّ قال، قلت للحسن: يا أبا سعيد، أرأيت ما تذكر من الشفاعة، حق هو؟ قال: نعم حق. قال، قلت: يا أبا سعيد، أرأيت قول الله تعالى: " ربنا إنك من تدخل النار فقد &; 7-478 &; أخزيته " و يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا (34) [سورة المائدة: 37]؟ قال فقال لي: إنك والله لا تسطو على بشيء، (35) إنّ للنار أهلا لا يخرجون منها، كما قال الله. قال قلت: يا أبا سعيد، فيمن دخلوا ثم خرجوا؟ قال: كانوا أصابوا ذنوبًا في الدنيا فأخذهم الله بها، فأدخلهم بها ثم أخرجهم، بما يعلم في قلوبهم من الإيمان والتصديق به. (36)

8359 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إنك من تدخل النار فقد أخزيته "، قال: هو من يخلد فيها.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخل النار، من مخلد فيها وغير مخلد فيها، فقد أخزي بالعذاب.

* ذكر من قال ذلك:

8360 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا الحارث بن مسلم، عن بحر، عن عمرو بن دينار قال: قدم علينا جابر بن عبدالله في عمرة، فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت: " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته "؟ قال: وما أخزاه حين أحرقه بالنار! وإن دون ذلك لخزيًا. (37)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب عندي، قول جابر: " إن من أدخل النار فقد أخزي بدخوله إياها، وإن أخرج منها ". وذلك أن " الخزي" إنما هو هتك ستر المخزيّ وفضيحته، (38) ومن عاقبه ربه في الآخرة على ذنوبه، فقد فضحه بعقابه إياه، وذلك هو " الخزي".

* * *

وأما قوله: " وما للظالمين من أنصار "، يقول: وما لمن خالف أمر الله فعصاه، من ذي نُصرة له ينصره من الله، فيدفع عنه عقابه، أو ينقذه من عذابه.

-------------------------

الهوامش:

(33) الأثر: 8356 -"أبو حفص الجبيري" ، لم أجده ، والذي يروى عنه أبو جعفر هو عمرو بن علي الفلاس ، "أبو حفص الصيرفي" ، وهو في المخطوطة"الحبرى" غير منقوطة ، ولا أدري أيقرأ"الجبيري" أو "الخيبري" ، ولم أجد هذه النسبة في ترجمة"عمرو بن علي الفلاس" ، . وعمرو بن علي الفلاس يروي عن مؤمل بن إسماعيل كما مضى في مواضع كثيرة منها رقم: 1885 ، 1891 ، 1898 ، وغيرها كثير.

(34) في المطبوعة والمخطوطة ، أسقط"الواو" بين الآيتين ، والصواب إثباتها كما يدل عليه سياق سؤاله ، وجواب الحسن له.

(35) في المطبوعة: "إنك والله لا تستطيع على شيء" ، وهو كلام لا خير فيه ، والصواب ما أثبته من المخطوطة ، غيره الناشرون إذ لم يفهموه. وقوله: "لا تسطو علي بشيء" ، أي: إنك لا تحتج علي بحجة تقهرني بها وتغلبني. وأصله من"السطو" ، وهو البطش والقهر. و"فلان يسطو على فلان" ، أي يتطاول عليه.

(36) الأثر: 8358 -"قبيصة بن مروان بن المهلب" روى عن والان ، وروى عنه حماد بن زيد. مترجم في الكبير 4 / 1 / 177 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 125. والأشعث الحملي" منسوب إلى جده ، وهو: "الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني الأعمى" ويقال: "الأزدي" ، و"حدان" بطن من الأزد. روى عن أنس ، والحسن ، وابن سيرين. وروى عنه شعبة ، وحماد بن سلمة ، ويحيى بن سعيد القطان ، مترجم في التهذيب.

(37) الأثر: 8360 -"الحارث بن مسلم الرازي" مضى برقم: 8097 ، و"بحر السقاء" ، هو"بحر بن كنيز الباهلي السقاء" مضى أيضًا برقم: 8097 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "الحارث بن مسلم ، عن يحيى بن عمرو بن دينار" ، وهو خطأ صرف.

وهذا الأثر قد أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 300 ، ولم يقل فيه شيئًا ، وقال الذهبي في تعليقه: "قلت: بحر هالك" ، ورواه بأتم مما هنا ، بيد أن السيوطي في الدر المنثور 2: 111 ، خرجه ، ونسبه للحاكم وابن جرير ، وساق لفظ الأثر بأتم من لفظ أبي جعفر ، ومخالفًا لفظ الحاكم ، ولفظه: "قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة ، فانتهت إليه أنا وعطاء ، فقلت: "وما هم بخارجين من النار"؟ قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار. قلت لجابر: فقوله: إنك من تدخل النار فقد أخزيته..." ، وسائر لفظه مطابق لما في الطبري.

وفي المخطوطة: "حين أحروه بالنار" ، والصواب ما في المطبوعة ، موافقًا لفظ الحاكم والسيوطي. وفي المخطوطة والمطبوعة: "وما إخزاؤه" وهو لا يستقيم ، والصواب ما في الدر المنثور. وقوله: "ما أخزاه" تعجب. والذي في الحاكم"قد أخزاه حين أحرقه بالنار". فهما روايتان تصحح إحداهما معنى الأخرى. ويدل على صواب ذلك ترجيح الطبري لقول جابر في الفقرة التالية.

(38) انظر تفسير"الخزي" فيما سلف 2: 314 ، 525.

المعاني :

أخزيته :       فضحته أو أهنته أو أهلكته معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[192] إذا دعوت ربك؛ فبين عظم حاجتك لما سألته أو شدة خوفك مما استعذت؛ فإنه أدعى للإجابة.
وقفة
[192] ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ في الآية إشارة إلى أن العذاب النفسي في النار أشد وأفظع من العذاب البدني.
وقفة
[192] ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ قال جمال الدين القاسمي: «وسر هذا الإتباع عظم موقع السؤال، لأن من سأل ربه حاجة، إذا شرح عظتمها وقوتها، كانت داعيته في ذلك الدعاء أكمل وإخلاصه في طلبه أشد، والدعاء لا يتصل بالإجابة إلا إذا كان مقرونًا بالإخلاص، وهذا أيضًا تعليم من الله تعالی فنًّا آخر من آداب الدعاء».
وقفة
[192] ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ الشعور بالخزي أشد إيلامًا من إحراق النار نفسها.
وقفة
[192] ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ ليس الخزي أن تدعو وتأمر بمعروف وتنهى عن منكر، فلا يستجاب لك، أو ترد دعوتك، أو تهان أمام عشرة أو مائة، بل الخزي هو الغضب من أعظم عظيم، والعذاب الأليم أمام جميع العالمين من الأولين والآخرين.
تفاعل
[192] ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[192] ﴿فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ الخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء.
وقفة
[192، 193] ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخلِ ٱلنار فقد أَخْزَيْتَهُ وما لِلظَّٰلِمِينَ من أنصارٍ * رَّبَّنَا إنَّنا سمعنا مُنَادِيًا يُنَادي للْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ قال أبو الدرداء: «يرحم الله المؤمنين؛ ما زالوا يقولون: ربنا، ربنا، حتى استجيب لهم».

الإعراب :

  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة تقديرها: يا. منصوب بالفتحة وهو مضاف. و«نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة وهو ضمير المتكلمين مبني على السكون.
  • ﴿ إِنَّكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «الكاف» ضمير متصل في محل نصب اسم «إن».
  • ﴿ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول مقدم للفعل «تُدْخِلِ» ويجوز أن يكون في محل رفع مبتدأ والشرط وجوابه خبرا له. تدخل: فعل مضارع مجزوم بمن وعلامة جزمه: السكون. وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. النار: مفعول به ثان منصوب بالفتحة
  • ﴿ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. قد: حرف تحقيق. أخزيته: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به وجملة «تُدْخِلِ» صلة الموصول لا محل لها. وجملة «قد أخزيته» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم و «مَنْ» مع شرطها وجوابها في محل رفع خبر إن.
  • ﴿ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. للظالمين: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في المفرد. و «مَنْ» حرف جر زائد للتأكيد. أنصار: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر. '

المتشابهات :

البقرة: 270﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ
آل عمران: 192﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ
المائدة: 72﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [192] لما قبلها :     ولَمَّا سألوا ربَّهم أن يَقيَهم عذابَ النار؛ ذكروا هنا ما يدلُّ على عِظَمِ ذلك العقابِ وشِدَّته، وهو الخزيُ؛ ليكونَ موقعُ السؤال أعظمَ؛ لأنَّ مَن سأل ربَّه أنْ يَفعلَ شيئًا، أو ألَّا يَفعلَه، إذا شرَح عِظمَ ذلك المطلوبِ وقوَّتَه، كانت داعيتُه في ذلك الدعاءِ أكْمَلَ، وإخلاصُه في طلبه أشدَّ؛ لذا قالوا:
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [193] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي ..

التفسير :

[193] يا ربَّنا إننا سمعنا منادياً -هو نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- ينادي الناس للتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، والعمل بشرعك، فأجبنا دعوته وصدَّقْنا رسالته، فاغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وألحقنا بالصالحين.

( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ) وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أي:يدعو الناس إليه، ويرغبهم فيه، في أصوله وفروعه.

( فآمنا ) أي:أجبناه مبادرة، وسارعنا إليه، وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم، وتبجح بنعمته، وتوسل إليه بذلك، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات، والذي من عليهم بالإيمان، سيمن عليهم بالأمان التام.

( وتوفنا مع الأبرار ) يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر، الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه، والثبات إلى الممات.

ثم حكى- سبحانه- لونا آخر من ألوان ضراعتهم يدل على قوة إيمانهم فقال- تعالى- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ...

أى أنهم يقولون على سبيل الضراعة والخضوع لله رب العالمين: يا ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى أى داعيا يدعو إلى الإيمان وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاستجبنا لدعوته، وآمنا بما دعانا إليه بدون تردد أو تسويف.

وفي وصفه صلّى الله عليه وسلّم بالمنادي، دلالة على كمال اعتنائه بشأن دعوته التي يدعو إليها، وأنه حريص على تبليغها للناس تبليغا تاما.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فأى فائدة في الجميع بين «المنادى» ويُنادِي؟ قلت:

ذكر النداء مطلقا، ثم مقيدا بالإيمان، تفخيما لشأن المنادى لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادى للإيمان. ونحوه قولك: مررت بهاد يهدى للإسلام. وذلك أن المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لإغاثة المكروب، أو لكفاية بعض النوازل، أو لبعض المنافع. وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق ويهدى لسداد الرأى وغير ذلك.

فإذا قلت: ينادى للإيمان. ويهدى للإسلام، فقد رفعت من شأن المنادى والهادي وفخمته .

و «أن» في قوله أَنْ آمِنُوا تفسيرية لما في فعل يُنادِي من معنى القول دون حروفه، وجيء بفاء التعقيب في قوله- تعالى- حكاية عنهم فَآمَنَّا للدلالة على المبادرة والسبق، إلى الإيمان، وأنهم قد أقبلوا على الداعي إلى الله بسرعة وامتثال، وفي ذلك دلالة على سلامة فطرتهم، وبعدهم عن المكابرة والعناد.

ثم حكى- سبحانه- مطلبهم فقال: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ.

أى نسألك يا ربنا بعد أن آمنا بنبيك، واستجبنا للحق الذي جاء به، أن تغفر لنا ذنوبنا بأن تسترها وتعفو عنها، وأن تكفر عنا سيئاتنا بأن تزيلها وتمحوها وتحولها إلى حسنات أو بأن تحشرنا مع الأبرار أى مع عبادك الصالحين المستقيمين الأخيار. إذ الأبرار جمع بار وهو الشخص الكثير الطاعة لخالقه- تعالى-.

فأنت تراهم قد طلبوا من خالقهم ثلاثة أمور، غفران الذنوب، وتكفير السيئات، والوفاة مع الأبرار الأخيار، وهي مطالب تدل على قوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، وزهدهم في متع الحياة الدنيا.

وقد جمعوا في طلبهم بين غفران الذنوب وتكفير السيئات، لأن السيئة عصيان فيه إساءة، والذنب عصيان فيه تقصير وتباطؤ عن فعل الخير، والغفران والتكفير كلاهما فيه معنى الستر والتغطية، إلا أن الغفران يتضمن معنى عدم العقاب، والتكفير يتضمن ذهاب أثر السيئة.

ومعنى وفاتهم مع الأبرار: أن يموتوا على حالة البر والطاعة وأن تلازمهم تلك الحالة إلى الممات، وألا يحصل منهم ارتداد على أدبارهم، بل يستمروا على الطاعة استمرارا تاما.

وبذلك يكونون في صحبة الأبرار وفي جملتهم.

( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ) أي : داعيا يدعو إلى الإيمان ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ( أن آمنوا بربكم فآمنا ) أي يقول : ( آمنوا بربكم فآمنا ) أي : فاستجبنا له واتبعناه ( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) أي : بإيماننا واتباعنا نبيك فاغفر لنا ذنوبنا ، أي : استرها ( وكفر عنا سيئاتنا ) أي : فيما بيننا وبينك ( وتوفنا مع الأبرار ) أي : ألحقنا بالصالحين

القول في تأويل قوله تعالى : رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل " المنادي" الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية.

فقال بعضهم: ا " لمنادي" في هذا الموضع، القرآن.

* ذكر من قال ذلك:

8361 - حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال: هو الكتاب، ليس كلهم لقي النبي صلى الله عليه وسلم. (39)

8362 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا منصور بن حكيم، عن خارجة، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال: ليس كل الناس سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن المنادي القرآن. (40)

* * *

وقال آخرون: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم .

* ذكر من قال ذلك:

8363 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان ": قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم.

8364 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول محمد بن كعب، وهو أن يكون " المنادي" القرآن. لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [سورة الجن: 1، 2]

وبنحو ذلك:-

8365 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان " إلى قوله: " وتوفَّنَا مع الأبرار "، سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجنّ كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وأما مؤمن الإنس فقال: " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا "، الآية.

* * *

وقيل: " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، يعني: ينادي إلى الإيمان، كما &; 7-482 &; قال تعالى ذكره: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [سورة الأعراف: 43] بمعنى: هدانا إلى هذا، (41) وكما قال الراجز: (42)

أَوْحَــى لَهــا القَــرَارَ فَاسْـتَقَرَّتِ

وَشَـــدَّهَا بِالرَّاسِـــيَاتِ الثُّبَّــتِ (43)

بمعنى: أوحى إليها، ومنه قوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [سورة الزلزلة: 5]

* * *

وقيل: يحتمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديًا للإيمان، ينادي أن آمنوا بربكم. (44)

* * *

فتأويل الآية إذًا: ربنا سمعنا داعيًا يدعو إلى الإيمان= يقول: إلى التصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك=" فآمنا ربنا "، يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا. =" فاغفر لنا ذنوبنا "، يقول: فاستر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد، بعقوبتك إيانا عليها، ولكن كفّرها عنا، وسيئات أعمالنا، فامحها بفضلك ورحمتك إيانا=" وتوفنا مع الأبرار "، (45) يعني بذلك: واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك، في عداد الأبرار، واحشرنا محشرهم ومعهم.

* * *

و " الأبرار " جمع " بَرَ"، وهم الذين برُّوا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم له، حتى أرضوه فرضي عنهم. (46)

----------------------------

الهوامش:

(39) الأثر: 8361 -"قبيصة بن عقبة بن محمد السوائي" مضى برقم: 489 ، 2792 ، وهو ثقة معروف ، أخرج له الستة ، وتكلم بعضهم في روايته عن سفيان الثوري: بأنه يخطئ في بعض روايته ، بأنه سمع من الثوري صغيرًا.

و"موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، ضعيف جدا ، مضى برقم: 1875 ، 1876 ، 3291.

(40) الأثر: 8362 -"منصور بن حكيم" ، لم أعرفه ولم أجد له ترجمة ، وكذلك"خارجة" لم أعرف من يكون فيمن اسمه"خارجة" ، وأخشى أن يكون فيهما تصحيف أو تحريف.

(41) انظر ما سلف 1: 169.

(42) هو العجاج.

(43) سلف تخريجهما في 6: 405 ، تعليق: 3.

(44) انظر معاني القرآن للفراء 1: 250 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 111.

(45) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 111.

(46) وانظر تفسير"البر" فيما سلف 2: 8 / 3: 336 - 338 ، 556 / 4: 425 / 6: 587.

المعاني :

مناديا :       الرسول أو القرآن معاني القرآن
ذنوبنا :       الكبائر معاني القرآن
وَكَفِّرْ :       اسْتُرْ السراج
كفِّر عنّا سيّئاتنا :       أزِل عنّا صغائر ذنوبنا معاني القرآن

التدبر :

لمسة
[193] ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ المنادي هو الذي يرفع صوته بالكلام ويبالغ في الصياح به، ومن المعلوم أن دعوة النبي ﷺ لم تكن بالصياح ورفع الصوت، ولكن آثر تصوير الدعوة بالنداء ليبيِّن حرص النبي على المبالغة في الإسماع بالدعوة، وأيضًا للدلالة على بُعدِهم عن الإيمان لما دعاهم، وأن النبي كان في موضع عالٍ يناديهم، وهو موضع الإيمان.
وقفة
[193] من فضائل القرآن أنه المنادي للإيمان كما قال تعالى: ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ قال محمد بن كعب القرظي: «ليس كل الناس سمع النبي ﷺ، ولكن المنادي القرآن».
وقفة
[193] ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ فيها فوائد: 1- الإيمان بالمرسل، وبصدق الرسول. 2- تزكية الرسل بأنهم بلغوا عن الله. 3- ربوبية الله سبب عقلي موجب للإيمان به. 4- التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، وأعظمها: الإيمان به، وذلك من أدب الدعاء.
وقفة
[193] ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ قل مثل ما قالوا.
لمسة
[193] ما الفرق بين ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ و﴿وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾؟ السيئات هي صغائر الذنوب وقد تكون من اللمم، أما الذنوب فهي الكبائر، والتكفير في الأصل الستر، وأصلها كفر البذرة أي غطاها بتراب، والزارع يسمونه الكافر؛ لأنه يستر البذرة في الأرض، والليل سمي كافرًا لأنه يستر الناس، والمغفرة من المِغفَر، وهو ما يُلبس في الحرب حتى يمنع السِهام، ولكن أيها الأمنع من الإصابة المِغفر أو التراب؟ المِغفر، فالليل يستر لكن لا يمنع سهمًا، أما المِغفر يمنع، فلما كان الذنب أكبر من السيئة ويصيب الإنسان إصابة كبيرة فهو يحتاج إلى مانع أكبر ولمغفرة أشدَّ.
وقفة
[193] ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ قولهم (مع الأبرار) دون (أبرارًا) أي: لسنا بأبرار؛ فاسلكنا معهم، واجعلنا من أتباعهم؛ وفي ذلك هضم للنفس وحسن أدب.
وقفة
[193] ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر، الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه، والثبات إلى الممات.
وقفة
[193] ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ سئل الحسن البصري عن الأبرار، فقال: «هم الذين لا يؤذون الذر».
وقفة
[193] ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ صحبة الصالحين شرف في الحياة وفي الممات.

الإعراب :

  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة تقديرها: يا منصوب بالفتحة. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». سمعنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. مناديا: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «سَمِعْنا مُنادِياً» في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ يُنادِي لِلْإِيمانِ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. للإيمان: جار ومجرور وجملة «يُنادِي» في محل نصب صفة- نعت- للموصوف «مُنادِياً» و «لِلْإِيمانِ» متعلق بينادي. أي الى الايمان.
  • ﴿ أَنْ آمِنُوا:
  • أن: تفسيرية هنا بمعنى: أي. آمنوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «آمِنُوا» تفسيرية لا عمل لها.
  • ﴿ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا:
  • جار ومجرور متعلق بآمنوا والكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور فآمنا: الفاء: عاطفة. آمنا: معطوفة على «سَمِعْنا» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا:
  • سبق اعرابها. فاغفر: الفاء: زائدة. اغفر: فعل دعاء وتضرع بصيغة طلب مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لنا: جار ومجرور متعلق باغفر و «نا» ضمير المتكلمين في محل جر باللام. ذنوب: مفعول به منصوب بالفتحة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا:
  • الجملة: معطوفة بواو العطف على «اغفر لنا ذنوبنا» وتعرب اعرابها و «سَيِّئاتِنا» منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ:
  • الواو: عاطفة. توف: معطوف على «اغفر» مبني على حذف آخره حرف العلة و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة والاجتماع متعلق بتوفنا. أو بصفة لحال محذوفة بتقدير: أبرارا كائنين مع الأبرار أو بصفة لهذه الحال أي أبرارا مجتمعين مع الابرار: الابرار مضاف اليه مجرور بالكسرة. '

المتشابهات :

آل عمران: 16﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
آل عمران: 193﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا
طه: 45﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [193] لما قبلها :     ولَمَّا سألوا اللهَ عز وجل الإنجاء من النار؛ توسلوا هنا بذكر مسارعتهم إلى إجابة الداعي للإيمان (محمد صلى الله عليه وسلم)، فقالوا:
﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [194] :آل عمران     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى ..

التفسير :

[194] يا ربَّنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق وهداية، ولا تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة، فإنك كريم لا تُخْلف وعداً وَعَدْتَ به عبادك.

ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان، وتوسلهم به إلى تمام النعمة، سألوه الثواب على ذلك، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر، والظهور في الدنيا، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد، فأجاب الله دعاءهم، وقبل تضرعهم، فلهذا قال:

ثم حكى القرآن أنهم ترقوا فانتقلوا من طلب الغفران إلى طلب الثواب الجزيل، والعطاء الحسن فقال- تعالى- حكاية عنهم رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

أى نسألك يا ربنا أن تعطينا وتمنحنا بعد وفاتنا، وحين قيامنا من قبورنا يوم القيامة، ما وعدتنا به من ثواب في مقابل تصديقنا لرسلك، وطاعتنا لهم، واستجابتنا لأوامرهم ونواهيهم وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ أى ولا تذلنا ولا تفضحنا يوم المحشر على رءوس الأشهاد إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ أى إنك- سبحانك- لا تخلف وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين.

فهم قد جعلوا هذا الدعاء وهو طلب الثواب الجزيل يوم القيامة، ختاما لدعواتهم، لشعورهم بهفواتهم وبتقصيرهم أمام فضل الله ونعمه.

والمراد بقولهم ما وَعَدْتَنا الثواب والعطاء الكائن منه- سبحانه- و «ما» موصولة أى آتنا الذي وعدتنا به أو وعدتنا إياه.

وقوله عَلى رُسُلِكَ فيه مضاف محذوف أى آتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من ثواب.

أو آتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك والإيمان بهم من جزاء حسن قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد؟

قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد، أو هو من باب الملجأ إلى الله والخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، «يستغفرون مع علمهم بأنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك التذلل لربهم، والتضرع إليه، والملجأ الذي هو سيما العبودية» .

تلك هي الدعوات الخاشعات التي حكاها- سبحانه- عن أصحاب العقول السليمة، وهم ينضرعون بها إلى خالقهم- عز وجل-فماذا كانت نتيجتها؟

( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) قيل : معناه : على الإيمان برسلك . وقيل : معناه : على ألسنة رسلك . وهذا أظهر .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن محمد ، عن أبي عقال ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفودا إلى الله ، وبها صفوف الشهداء ، رءوسهم مقطعة في أيديهم ، تثج أوداجهم دما ، يقولون : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) فيقول : صدق عبدي ، اغسلوهم بنهر البيضة . فيخرجون منه نقاء بيضا ، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا " .

وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ، ومنهم من يجعله موضوعا ، والله أعلم .

( ولا تخزنا يوم القيامة ) أي : على رءوس الخلائق ( إنك لا تخلف الميعاد ) أي : لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك ، وهو القيام يوم القيامة بين يديك .

وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحارث بن سريج حدثنا المعتمر ، حدثنا الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، أن جابر بن عبد الله حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله ، عز وجل ، ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار " حديث غريب .

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده ، فقال البخاري ، رحمه الله :

حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ثم قام فتوضأ واستن . فصلى إحدى عشرة ركعة . ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى بالناس الصبح .

وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن إسحاق الصنعاني ، عن ابن أبي مريم ، به ثم رواه البخاري من طرق عن مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خالته ، قال : فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل - أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل - استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي - قال ابن عباس : فقمت فصنعت مثل ما صنع ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه - فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج فصلى الصبح .

وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن مالك ، به ورواه مسلم أيضا وأبو داود من وجوه أخر ، عن مخرمة بن سليمان ، به .

" طريق أخرى " لهذا الحديث عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] .

قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي ، أخبرنا أبو يحيى بن أبي مسرة أنبأنا خلاد بن يحيى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن عباس قال : أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ صلاته . قال : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الآخرة ، حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيره قام فمر بي ، فقال : " من هذا ؟ عبد الله ؟ " فقلت نعم . قال : " فمه ؟ " قلت : أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة . قال : " فالحق الحق " فلما أن دخل قال : " افرشن عبد الله ؟ " فأتى بوسادة من مسوح ، قال فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها حتى سمعت غطيطه ، ثم استوى على فراشه قاعدا ، قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال : " سبحان الملك القدوس " ثلاث مرات ، ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها .

وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث علي بن عبد الله بن عباس حديثا في ذلك أيضا .

طريق أخرى رواها ابن مردويه ، من حديث عاصم بن بهدلة ، عن بعض أصحابه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى ليل ، فنظر إلى السماء ، وتلا هذه الآية : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) إلى آخر السورة . ثم قال : " اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن بين يدي نورا ، ومن خلفي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، وأعظم لي نورا يوم القيامة " وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح ، من رواية كريب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه . .

ثم روى ابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بما جاءكم موسى من الآيات ؟ قالوا : عصاه ويده البيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا . فدعا ربه ، عز وجل ، فنزلت : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) قال : " فليتفكروا فيها " لفظ ابن مردويه . وقد تقدم سياق الطبراني لهذا الحديث في أول الآية ، وهذا يقتضي أن تكون هذه الآيات مكية ، والمشهور أنها مدنية ، ودليله الحديث الآخر ، قال ابن مردويه :

حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن علي الحراني ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي أبو مكرم ، عن الكلبي - هو أبو جناب [ الكلبي ] - عن عطاء قال : انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة ، رضي الله عنها ، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب ، فقالت : يا عبيد ، ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال : قول الشاعر :

زر غبا تزدد حبا

فقال ابن عمر : ذرينا أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا ، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ، ثم قال : ذريني أتعبد لربي [ عز وجل ] قالت : فقلت : والله إني لأحب قربك ، وإني أحب أن تعبد لربك . فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي ، فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى ، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر ، فقال : " ويحك يا بلال ، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي في هذه الليلة : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) " ثم قال : " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " .

وقد رواه عبد بن حميد ، عن جعفر بن عون ، عن أبي جناب الكلبي عن عطاء ، بأطول من هذا وأتم سياقا .

وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن عمران بن موسى ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكريا ، عن إبراهيم بن سويد النخعي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال : دخلت أنا [ وعبد الله بن عمر ] وعبيد بن عمير على عائشة فذكر نحوه .

وهكذا رواه عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " عن شجاع بن أشرص ، به . ثم قال : حدثني الحسن بن عبد العزيز : سمعت سنيدا يذكر عن سفيان - هو الثوري - رفعه قال : من قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيه ويله . يعد بأصابعه عشرا . قال الحسن بن عبد العزيز : فأخبرني عبيد بن السائب قال : قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن ؟ قال : يقرؤهن وهو يعقلهن .

قال ابن أبي الدنيا : وحدثني قاسم بن هاشم ، حدثنا علي بن عياش ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان قال : سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن وما ينجيه من هذا الويل ؟ فأطرق هنية ثم قال : يقرؤهن وهو يعقلهن .

[ حديث آخر فيه غرابة : قال أبو بكر بن مردويه : أنبأنا عبد الرحمن بن بشير بن نمير ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم البستي ح وقال : أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو قالا أنبأنا هشام بن عمار ، أنبأنا سليمان بن موسى الزهري ، أنبأنا مظاهر بن أسلم المخزومي ، أنبأنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة . مظاهر بن أسلم ضعيف ] .

القول في تأويل قوله : رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)

قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربَّهم أن يؤتيهم ما وعدهم، وقد علموا أن الله منجز وعده، وغيرُ جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قيل: اختلف في ذلك أهل البحث. (47)

فقال بعضهم: ذلك قول خرج مخرج المسألة، ومعناه الخبر. قالوا: وإنما تأويل الكلام: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة. قالوا: وليس ذلك على أنهم قالوا: " إن توفيتنا مع الأبرار، فأنجز لنا ما وعدتنا "، لأنهم قد علموا أن الله لا يخلف الميعاد، وأن ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدعاء، (48) ولكنه تفضل بابتدائه، ثم ينجزه. (49)

* * *

وقال آخرون: بل ذلك قول من قائليه على معنى المسألة والدعاء لله بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله، (50) لا أنهم كانوا قد &; 7-484 &; استحقوا منـزلة الكرامة عند الله في أنفسهم، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم، فيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يُخلف وعده. قالوا: ولو كان القوم إنما سألوا ربهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار، لكانوا قد زكَّوْا أنفسهم، وشهدوا لها أنها ممن قد استوجب كرامة الله وثوابه. قالوا. وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين.

* * *

وقال آخرون: بل قالوا هذا القول على وجه المسألة، والرغبة منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر، والظفر بهم، وإعلاء كلمة الحق على الباطل، فيعجل ذلك لهم. قالوا: ومحال أن يكون القوم= مع وصف الله إياهم بما وصفهم به، كانوا على غير يقين من أن الله لا يخلف الميعاد، فيرغبوا إلى الله جل ثناؤه في ذلك، ولكنهم كانوا وُعدوا النصرَ، ولم يوقَّت لهم في تعجيل ذلك لهم، لما في تعجَله من سرور الظفر ورَاحة الجسد.

* * *

قال أبو جعفر: والذي هو أولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي، أن هذه الصفة، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره، مفارقًا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله، وغيرهم من تُبّاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم، فقالوا: ربنا آتنا ما وعدتنا من نُصرتك عليهم عاجلا فإنك لا تخلف الميعاد، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم، فعجل [لهم] خزيهم، ولنا الظفر عليهم. (51)

يدل على صحة ذلك آخر الآية الأخرى، وهو قوله: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا الآيات بعدها. وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيت قولهم في شيء. وذلك أنه غير موجود في كلام العرب أن يقال: " افعل بنا يا رب كذا وكذا "، بمعنى: " لتفعل بنا كذا وكذا ". (52) ولو جاز ذلك، لجاز أن يقول القائل لآخر (53) : " أقبل إليّ وكلمني"، بمعنى: " أقبل إليّ لتكلمني"، وذلك غير موجود في الكلام ولا معروف جوازه.

وكذلك أيضًا غير معروف في الكلام: "آتنا ما وعدتنا "، بمعنى: " اجعلنا ممن آتيته ذلك ". وإن كان كل من أعطى شيئًا سنيًّا، فقد صُيِّر نظيرًا لمن كان مثله في المعنى الذي أعطيه. ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك، وإن كان قد يؤول معناه إليه. (54)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك: أنك تُعلي كلمتك كلمةَ الحق، بتأييدنا على من كفر بك وحادَّك وعبد غيرك (55) = وعجَل لنا ذلك، فإنا قد علمنا أنك لا تخلف ميعادك- ولا تخزنا يوم القيامة فتفضحنا بذنوبنا التي سلفت منا، ولكن كفِّرها عنا واغفرها لنا. وقد:-

8366 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك "، قال: يستنجز موعود الله على رُسله.

* * *

---------------

الهوامش:

(47) "أهل البحث" ، أهل النظر من المتكلمين ، وانظر ما سلف 5: 387 ، تعليق 2 ، وأيضا: 406 ، تعليق: 1.

(48) في المخطوطة: "بعطية" ، وعلى الياء شدة ، وكأن الصواب ما في المطبوعة على الأرجح.

(49) في المطبوعة: "تفضل بإيتائه" ، والصواب ما في المخطوطة ، يعني أن الله ابتدأه متفضلا به من غير سؤال ولا دعاء.

(50) في المطبوعة: "بل ذلك قول من قائله" على الإفراد ، وصواب السياق الجمع ، كما في المخطوطة.

(51) في المطبوعة: "فعجل حربهم" ، وفي المخطوطة ، غير منقوطة ، إلا نقطة على الخاء ، وصواب قراءتها ما أثبت. وزدت"لهم" بين القوسين ، استظهارًا من قوله"ولنا الظفر عليهم". ولو كان قوله"ولنا" تصحيف"وآتنا" ، لكان جيدًا أيضًا ، ولما احتاج الكلام إلى زيادة"لهم".

(52) في المطبوعة: "بمعنى أفعل بنا لكذا الذي. ولو جاز ذلك..." ، وهذا خلط ليس له معنى مفهوم. وفي المخطوطة: "بمعنى: افعل بنا كذى الذي. ولو جاز ذلك" ، وهذا خلط أشد فسادًا من الأول. والصواب الذي لا شك فيه هو ما أثبته ، لأن هذا رد من أبي جعفر على أصحاب القول الأول الذين قالوا إنها بمعنى: "لتؤتينا ما وعدتنا" في تفسير"وآتنا ما وعدتنا" ، ولأنه مثل بعد بقوله: "أقبل إلي وكلمني" ، أنه غير موجود بمعنى"أقبل إلي لتكلمني".

(53) في المخطوطة والمطبوعة: "أن يقول القائل الآخر" وهو خطأ لا شك فيه.

(54) وهذا رد على أصحاب القول الثاني من الأقوال الثلاثة التي ذكرها قبل. وهم الذين قالوا إن قوله: "وآتنا ما وعدتنا" ، على معنى المسألة والدعاء لله بإن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم.

(55) في المخطوطة: "بأيدينا على من كفر بك" ، وأرجح ما جاء في المطبوعة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[194] ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ﴾ أي آتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من ثواب، أو آتنا ما وعدتنا من ثواب على تصديق رسلك.
وقفة
[194] ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ﴾ کیف دعوا الله بإنجاز ما وعد، والله لا يخلف الميعاد؟! والجواب: معناه طلب التوفيق للأسباب المادية والإيمانية التي تؤدي لإنجاز وعد الله، فما لم يكن من الله مدد، لن يصل إلى بغيته أحد.
وقفة
[194] ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ﴾ قال الحسن البصري: «ما زالوا يقولون: (ربنا) حتى استجاب لهم».
تفاعل
[194] ﴿وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ استعذ بالله من خزي يوم القيامة.
عمل
[191-194] ادع بالأدعية المذكورة رجاء أن يستجاب لك.

الإعراب :

  • ﴿ رَبَّنا وَآتِنا:
  • ربنا: سبق اعرابها في الآية الكريمة السابقة. وآتنا: معطوفة بواو العطف على «تَوَفَّنا» وتعرب إعرابها. «وَ» على «رُسُلِكَ» أي لسان رسلك فحذف المضاف وحل المضاف اليه.
  • ﴿ ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ:
  • ما: إسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان للفعل «آت». وعدتنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. على رسلك: جار ومجرور متعلق بوعدت. والكاف: ضمير متصل في محل جر مضاف اليه وجملة «وَعَدْتَنا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَلا تُخْزِنا:
  • الواو: عاطفة. لا: حرف دعاء. تخزنا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • ظرف زمان متعلق بتخزي منصوب بالفتحة القيامة مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف: ضمير متصل في محل نصب اسم «ان». لا: نافية لا عمل لها. تخلف: فعل مضارع مرفوع بالضمة. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الميعاد مفعول به منصوب بالفتحة وجملة «لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ» في محل رفع خبر «ان». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [194] لما قبلها :     وبعد سؤال الإنجاء من النار؛ ترقوا فانتقلوا من طلب الغفران إلى طلب الثواب الجزيل، والعطاء الحسن، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف