ترتيب المصحف | 20 | ترتيب النزول | 45 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 9.70 |
عدد الآيات | 135 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 19 | تبدأ في الجزء | 16 |
تنتهي في الجزء | 16 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 11/29 | طه: 1/1 |
نعمُ اللهِ على موسى عليه السلام قبلَ النُّبوةِ: ألهمْنَا أُمَّك أن تضعَك في التَّابوتِ، وألقيتُ عليك محبَّةً، وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي، ورَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ، ونَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ، وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا.
قريبًا إن شاء الله
اللهُ يأمرُ موسى وهارونَ عليهما السلام أن يقولا لفرعونَ قولاً لينًا، وأنَّهما رسولانِ من عندِ اللهِ، الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقَه ثُمَّ هدى.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
تفسير الآيتين 38 و 39:ـ
حيث ألهمنا أمك أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع، خوفا من فرعون، لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، فأخفته أمه، وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت، ثم قذفته في اليم، أي:شط نيل مصر، فأمر الله اليم، أن يلقيه في الساحل، وقيض أن يأخذه، أعدى الأعداء لله ولموسى، ويتربى في أولاده، ويكون قرة عين لمن رآه، ولهذا قال:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} فكل من رآه أحبه{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم، القادر على إيصال مصالح عبده، ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى، ومن حسن تدبيره، أن موسى لما وقع في يد عدوه، قلقت أمه قلقا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا، وكادت تخبر به، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها، ففي هذه الحالة، حرم الله على موسى المراضع، فلا يقبل ثدي امرأة قط، ليكون مآله إلى أمه فترضعه، ويكون عندها، مطمئنة ساكنة، قريرة العين، فجعلوا يعرضون عليه المراضع، فلا يقبل ثديا.
ثم فصل- سبحانه- هذه المنن التي امتن بها على عبده موسى، فذكر ثمانية منها: أما أول هذا المنن فتتمثل في قوله- تعالى-: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى.
وإِذْ ظرف لقوله مَنَنَّا والإيحاء: الإعلام في خفاء.. وإيحاء الله- تعالى- إلى أم موسى كان عن طريق الإلهام أو المنام أو غيرهما.
قال صاحب الكشاف: «الوحى إلى أم موسى: إما أن يكون على لسان نبي في وقتها، كقوله- تعالى-: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم. أو يريها ذلك في المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله- تعالى-:
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.
أى: أوحينا إليها أمرا لا سبيل إلى التوصل إليه، ولا إلى العلم به، إلا بالوحي .
والمعنى: ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى، وقت أن أوحينا إلى أمك بما أوحينا من أمر عظيم الشأن، يتعلق بنجاتك من بطش فرعون.
فالتعبير بالموصول في قوله: ما يُوحى للتعظيم والتهويل، كما في قوله- تعالى- فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى.
هذه إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه; لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] أي قدرا مقدورا من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل ، حذرا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته له
القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)
وذلك حين أوحينا إلى أمك، إذ ولدتك في العام الذي كان فرعون يقتل كل مولود ذكر من قومك ما أوحينا إليها; ثم فسَّر تعالى ذكره ما أوحى إلى أمه، فقال: هو أن اقذفيه في التابوت، فأن في موضع نصب ردًّا على " ما " التي في قوله (ما يُوحَى) ، وترجمة عنها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
طه: 38 | ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ﴾ |
---|
طه: 40 | ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 38 و 39:ـ
حيث ألهمنا أمك أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع، خوفا من فرعون، لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، فأخفته أمه، وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت، ثم قذفته في اليم، أي:شط نيل مصر، فأمر الله اليم، أن يلقيه في الساحل، وقيض أن يأخذه، أعدى الأعداء لله ولموسى، ويتربى في أولاده، ويكون قرة عين لمن رآه، ولهذا قال:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} فكل من رآه أحبه{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم، القادر على إيصال مصالح عبده، ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى، ومن حسن تدبيره، أن موسى لما وقع في يد عدوه، قلقت أمه قلقا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا، وكادت تخبر به، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها، ففي هذه الحالة، حرم الله على موسى المراضع، فلا يقبل ثدي امرأة قط، ليكون مآله إلى أمه فترضعه، ويكون عندها، مطمئنة ساكنة، قريرة العين، فجعلوا يعرضون عليه المراضع، فلا يقبل ثديا.
ثم وضح- سبحانه- ما أوحاه إلى أم موسى فقال: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ...
وأَنِ في قوله أَنِ اقْذِفِيهِ مفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه.
والمراد بالقذف هنا: الوضع، والمراد به في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ الإلقاء في البحر وهو نيل مصر.
والتابوت: الصندوق الذي يوضع فيه الشيء.
والمعنى: لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عند ما خافت عليك القتل:
أن ضعى ابنك في التابوت، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت في البحر، ويأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطئ البحر وساحله، وفي هذه الحالة يأخذه عدو لي وعدو له، وهو فرعون الذي طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى.
والضمائر كلها تعود إلى موسى- عليه السلام- وقيل إن الضمير في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ.
وفي قوله فَلْيُلْقِهِ يعود إلى التابوت، والأول أرجح، لأن تفريق الضمائر هنا لا داعي له، بل الذي يقتضيه بلاغة القرآن الكريم، عودة الضمائر إلى موسى- عليه السلام- قال بعض العلماء: وصيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ فيها وجهان معروفان عند العلماء.
أحدهما: أن صيغة الأمر معناها الخير: قال أبو حيان في البحر: وقوله فَلْيُلْقِهِ أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها.
الثاني: أن صيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ أريد بها الأمر الكونى القدري كقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل، لأن الله - تعالى- أمره بذلك كونا وقدرا.. .
وقوله يَأْخُذْهُ مجزوم في جواب الطلب وهو قوله فَلْيُلْقِهِ ... إذ أنه على الوجه الأول يكون الطلب باعتبار لفظه وصيغته.
وقوله- سبحانه- وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي بيان للمنة الثانية.
قال الآلوسى: وكلمة «منى» متعلقة بمحذوف وقع صفة لمحذوف، مؤكدة لما في تنكيرها من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. أى: وألقيت عليك محبة عظيمة كائنة منى- لا من غيرى- قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك .
ولقد كان من آثار هذه المحبة: عطف امرأة فرعون عليه، وطلبها منه عدم قتله، وطلبها منه كذلك أن يتخذه ولدا.
وكان من آثار هذه المحبة أن يعيش موسى في صغره معززا مكرما في بيت فرعون مع أنه في المستقبل سيكون عدوا له.
وهكذا رعاية الله- تعالى- ومحبته لموسى جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمنا مطمئنا.
قال ابن عباس: أحب الله- تعالى- موسى، وحببه إلى خلقه.
وقوله- تعالى-: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي بيان للمنة الثالثة ...
أى: أوحيت إلى أمك بما أوحيت من أجل مصلحتك ومنفعتك وألقيت عليك محبة منى، ليحبك الناس، ولتصنع على عيني. أى: ولتربى وأنت محاط بالحنو والشفقة تحت رعايتى وعنايتي وعيني، كما يراعى الإنسان بعينه من يحبه ويهتم بأمره.
وهذا ما حدث لموسى فعلا، فقد عاش في طفولته تحت عين فرعون، وهو عدو لله- تعالى- ومع ذلك لم تستطع عين فرعون أن تمتد بسوء إلى موسى، لأن عين الله- تعالى- كانت ترعاه وتحميه من بطش فرعون وشيعته.
فالجملة الكريمة فيها من الرفق بموسى- عليه السلام- ومن الرعاية له، ما يعجز القلم عن وصفه.
وكيف يستطيع القلم وصف حال إنسان قال الله في شأنه: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.
قال صاحب الكشاف: أى: ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به، وتقول للصانع اصنع هذا على عيني إنى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتي.
وقوله: وَلِتُصْنَعَ معطوف على علة مضمرة مثل: ليتعطف عليك.. أو حذف معلله أى: ولتصنع على عيني فعلت ذلك .
هذه إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه; لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] أي قدرا مقدورا من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل ، حذرا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته لهولهذا قال : ( يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ) أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كهيل : ( وألقيت عليك محبة مني ) قال : حببتك إلى عبادي .
( ولتصنع على عيني ) قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .
وقال قتادة : تغذى على عيني .
وقال معمر بن المثنى : ( ولتصنع على عيني ) بحيث أرى .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .
القول في تأويل قوله تعالى : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39)
يقول تعالى ذكره: ولقد مننا عليك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلى أمك، أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) يعني باليم: النيل (فليلقه اليم بالساحل) يقول: فاقذفيه في اليم، يلقه اليم بالساحل، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر، كأن اليم هو المأمور، كما قال جلّ ثناؤه: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ يعني: اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمَشرّعة آل فرعون.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما ولدت موسى أمه أرضعته، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه، فصنعت به ما أمرها الله تعالى، جعلته في تابوت صغير، ومهدت له فيه، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة، فبينا هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقال: إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه. وعنى جلّ ثناؤه بقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) فرعون هو العدوّ، كان لله ولموسى.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) وهو البحر، وهو النيل.
واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فقال بعضهم: عنى بذلك أنه حببه إلى عباده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي والعباس بن محمد الدوري، قالا ثنا حسين الجعفي عن موسى بن قبس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، في قول الله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال عباس: حببتك إلى عبادي، وقال الصُّدَاني: حببتك إلى خلقي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسنت خلقك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني إبراهيم بن مهدي، عن رجل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال: حسنا وملاحة.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله ألقى محبته على موسى، كما قال جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فحببه إلى آسية امرأة فرعون، حتى تبنَّته وغذّته وربَّته، و إلى فرعون، حتى كفّ عنه عاديته وشرّه ، وقد قيل: إنما قيل: وألقيت عليك محبة مني، لأنه حببه إلى كل من رآه. ومعنى ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) حببتك إليهم، يقول الرجل لآخر إذا أحبه: ألقيت عليك رحمتي: أي محبتي.
القول في تأويل قوله تعالى : وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) فقال بعضهم: معناه: ولتغذى وتربى على محبتي وإرادتي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: هو غذاؤه، ولتغذى على عيني.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال: جعله في بيت الملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت بعيني في أحوالك كلها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال: أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت، ثم في البحر، و ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ). وقرأ ابن نهيك ( وَلِتَصْنَعَ) بفتح التاء.
وتأوّله كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيك يقرأ ( وَلِتَصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) فسألته عن ذلك، فقال: ولتعمل على عيني.
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها(وَلِتُصْنَعَ) بضم التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
وإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين به، التأويل الذي تأوله قَتادَة، وهو ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) ولتغذى على عيني، ألقيت عليك المحبة مني ، وعني بقوله (عَلى عَيْنِي) بمرأى مني ومحبة وإرادة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولتصنع:
1- بكسر اللام، وضم التاء ونصب الفعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح التاء، وهى قراءة الحسن، وأبى نهيك.
التفسير :
فجاءت أخت موسى، فقالت لهم:{ هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}
{ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا} وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة من أهلها، وجد رجلين يقتتلان، واحد من شيعة موسى، والآخر من عدوه قبطي{ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه} فدعا الله وسأله المغفرة، فغفر له، ثم فر هاربا لما سمع أن الملأ طلبوه، يريدون قتله.فنجاه الله من الغم من عقوبة الذنب، ومن القتل،{ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أي:اختبرناك، وبلوناك، فوجدناك مستقيما في أحوالك أو نقلناك في أحوالك، وأطوارك، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه،{ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} حين فر هاربا من فرعون وملئه، حين أرادوا قتله، فتوجه إلى مدين، ووصل إليها، وتزوج هناك، ومكث عشر سنين، أو ثمان سنين،{ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} أي:جئت مجيئا قد مضى به القدر، وعلمه الله وأراده في هذا الوقت وهذا الزمان وهذا المكان، ليس مجيئك اتفاقا من غير قصد ولا تدبير منا، وهذا يدل على كمال اعتناء الله بكليمه موسى عليه السلام
ثم بين- سبحانه- المنة الرابعة على موسى فقال: إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ....
وكان ذلك بعد أن التقط آل فرعون موسى من فوق الشاطئ، وبعد أن امتنع عن الرضاعة من أى امرأة سوى أمه.
أى: وكان من مظاهر إلقاء محبتي عليك، ورعايتى لك، أن أختك بعد أن أمرتها أمك بمعرفة خبرك، سارت في طرقات مصر فأبصرتك في بيت فرعون وأنت تمتنع عن الرضاعة من أى امرأة، فقالت أختك لفرعون وامرأته هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ.
أى: ألا تريدون أن أرشدكم إلى امرأة يقبل هذا الطفل الرضاعة منها، وتحفظه وترعاه، والفاء في قوله: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ هي الفصيحة. أى: التي تفصح عن كلام مقدر.
والمعنى: بعد أن قالت أختك لفرعون وامرأته: هل أدلكم على من يكفله. أجابوها بقولهم: دلينا عليها، فجاءت بأمك فرجعناك إليها كي تسر برجوعك، ويمتلئ قلبها فرحا بلقائها بك بعد أن ألقتك في اليم، ولا تحزن بسبب فراقك عنها.
ثم حكى- سبحانه- المنة الخامسة فقال: وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وكان ذلك عند ما استنصر به رجل من قومه على رجل من أعدائه.
أى: وقتلت نفسا هي نفس القبطي، عند ما استعان بك عليه الإسرائيلى فنجيناك من الغم الذي نزل بك بسبب هذا القتل.
قال الآلوسى: وقد حل له هذا الغم من وجهين: خوف عقاب الله- تعالى- حيث لم يقع القتل بأمره- سبحانه- وخوف القصاص، وقد نجاه الله من ذلك بالمغفرة حين قال:
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ وبالمهاجرة إلى مدين.
والغم في الأصل: ستر الشيء، ومنه الغمام لستره ضوء الشمس. ويقال: لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود.. .
وقوله- عز وجل-: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً بيان للمنة السادسة التي امتن الله- تعالى- بها على موسى- عليه السلام-.
والفتون: جمع فتن كالظنون جمع ظن. والفتن: الاختبار والابتلاء تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: أدخلته فيها لتعلم جودته من رداءته.
والمعنى: واختبرناك وابتليناك- يا موسى- بألوان من الفتن والمحن.
ونظم- سبحانه- هذا الفتن والاختبار في سلك المنن، باعتبار أن الله- تعالى- ابتلاه بالفتن ثم نجاه منها، ونجاه من شرورها.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية حديثا طويلا سماه بحديث الفتون، ذكر فيه قصة مولد موسى، وإلقائه في اليم، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي، وهروبه إلى مدين، وعودته منها إلى مصر. وتكليف الله- تعالى- له بالذهاب الى فرعون، ودعوته إلى عبادة الله وحده.. إلخ .
وقوله- تعالى-: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أى:
فلبثت عشر سنين في قرية أهل مدين، تعمل كأجير عند الرجل الصالح. ثم جئت بعد ذلك إلى المكان الذي ناديتك فيه عَلى قَدَرٍ أى على وفق الوقت الذي قدرناه لمجيئك، وحددناه لتكليمك واستنبائك، دون أن تتقدم أو تتأخر، لأن كل شيء عندنا محدد ومقدر بوقت لا يتخلف عنه.
قال- تعالى-: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وقال- سبحانه-: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ وقال- عز وجل-: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.
وقوله : ( إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ) وذلك أنه لما استقر عند آل فرعون ، عرضوا عليه المراضع ، فأباها ، قال الله عز وجل : ( وحرمنا عليه المراضع من قبل ) فجاءت أخته وقالت ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) [ القصص : 12 ] . تعني هل أدلكم على من ترضعه لكم بالأجرة ؟ فذهبت به وهم معها إلى أمه ، فعرضت عليه ثديها ، فقبله ، ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا وفي الآخرة أغنم وأجزل ; ولهذا جاء في الحديث : " مثل الصانع الذي يحتسب في صنعته الخير ، كمثل أم موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها " .
وقال تعالى هاهنا : ( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ) أي : عليك ، ( وقتلت نفسا ) يعني : القبطي ، ( فنجيناك من الغم ) وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله ففر منهم هاربا ، حتى ورد ماء مدين ، وقال له ذلك الرجل الصالح : ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) [ القصص : 25 ] .
وقوله : ( وفتناك فتونا ) قال الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، رحمه الله ، في كتاب التفسير من سننه ، قوله : ( وفتناك فتونا ) :
حديث الفتون
حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا أصبغ بن زيد ، حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، أخبرني سعيد بن جبير ، قال : سألت عبد الله بن عباس عن قول الله - عز وجل - لموسى ، عليه السلام : ( وفتناك فتونا ) فسألته عن الفتون ما هو ؟ فقال : استأنف النهار يا بن جبير ، فإن لها حديثا طويلا . فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون ، فقال : تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم ، عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ، ما يشكون فيه وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا كان وعد إبراهيم ، فقال فرعون : فكيف ترون ؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار ، يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه . ففعلوا ذلك ، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يذبحون ، قالوا : يوشك أن تفنوا بني إسرائيل ، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر ، فيقل أبناؤهم ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا ، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار; فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم ، ولم يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم ، فأجمعوا أمرهم على ذلك .
فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة . فلما كان من قابل حملت بموسى ، عليه السلام ، فوقع في قلبها الهم والحزن ، وذلك من الفتون - يا بن جبير - ما دخل عليه في بطن أمه ، مما يراد به ، فأوحى الله جل ذكره إليها أن ( لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) [ القصص : 7 ] فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم . فلما ولدت فعلت ذلك ، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان ، فقالت في نفسها : ما فعلت بابني ، لو ذبح عندي فواريته وكفنته ، كان أحب إلي من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه .
فانتهى الماء به حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون ، فلما رأينه أخذنه فهممن أن يفتحن التابوت ، فقال بعضهن إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدناه فيه ، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا حتى رفعنه إليها . فلما فتحته رأت فيه غلاما ، فألقي عليه منها محبة لم يلق منها على أحد قط . وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من ذكر كل شيء ، إلا من ذكر موسى .
فلما سمع الذباحون بأمره ، أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه ، وذلك من الفتون يا بن جبير ، فقالت لهم : أقروه ، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل حتى آتي فرعون فأستوهبه منه ، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم ألمكم .
فأتت فرعون فقالت : ( قرة عين لي ولك ) [ القصص : 9 ] فقال فرعون : يكون لك ، فأما لي فلا حاجة لي فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته ، لهداه الله كما هداها ، ولكن حرمه ذلك " . فأرسلت إلى من حولها ، إلى كل امرأة لها لبن لتختار له ظئرا ، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت ، فأحزنها ذلك ، فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس ، ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها ، فلم يقبل ، وأصبحت أم موسى والها ، فقالت لأخته : قصي أثره واطلبيه ، هل تسمعين له ذكرا ، أحي ابني أم قد أكلته الدواب ؟ ونسيت ما كان الله وعدها فيه ، فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون - والجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه وهو لا يشعر به - فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤرات : أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها فقالوا : ما يدريك ؟ ما نصحهم له ؟ هل يعرفونه ؟ حتى شكوا في ذلك ، وذلك من الفتون يا بن جبير . فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظؤرة الملك ، ورجاء منفعة الملك . فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر . فجاءت أمه ، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه ، حتى امتلأ جنباه ريا ، وانطلق البشراء إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا . فأرسلت إليها . فأتت بها وبه فلما رأت ما يصنع بها قالت : امكثي ترضعي ابني هذا ، فإني لم أحب شيئا حبه قط . قالت أم موسى : لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي ، فيكون معي لا آلوه خيرا ؛ فعلت ، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي . وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها فيه ، فتعاسرت على امرأة فرعون ، وأيقنت أن الله منجز وعده فرجعت به إلى بيتها من يومها ، وأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه .
فلم يزل بنو إسرائيل ، وهم في ناحية القرية ، ممتنعين من السخرة والظلم ما كان فيهم ، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى : أتريني ابني ؟ فوعدتها يوما تريها إياه فيه ، وقالت امرأة فرعون لخزانها وظؤرها وقهارمتها : لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة لأرى ذلك وأنا باعثة أمينا يحصي ما يصنع كل إنسان منكم ، فلم تزل الهدايا والنحل والكرامة تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون ، فلما دخل عليها نحلته وأكرمته ، وفرحت به ونحلت أمه لحسن أثرها عليه ، ثم قالت : لآتين به فرعون فلينحلنه وليكرمنه ، فلما دخلت به عليه جعله في حجره ، فتناول موسى لحية فرعون يمدها إلى الأرض ، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون : ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه ، إنه زعم أن يرثك ويعلوك ويصرعك ، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه . وذلك من الفتون يا بن جبير بعد كل بلاء ابتلي به ، وأريد به .
فجاءت امرأة فرعون فقالت ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي ؟ فقال : ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني! فقالت : اجعل بيني وبينك أمرا يعرف فيه الحق ، ائت بجمرتين ولؤلؤتين ، فقربهن إليه ، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين فاعرف أنه يعقل ، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين ، علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل . فقرب إليه فتناول الجمرتين ، فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا يده ، فقالت المرأة : ألا ترى ؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان قد هم به ، وكان الله بالغا فيه أمره .
فلما بلغ أشده وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كل الامتناع ، فبينما موسى ، عليه السلام ، يمشي في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان ، أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى غضبا شديدا; لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل وحفظه لهم ، لا يعلم الناس إلا أنما ذلك من الرضاع ، إلا أم موسى ، إلا أن يكون الله سبحانه أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره . فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا الله عز وجل والإسرائيلي ، فقال موسى حين قتل الرجل : ( هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) [ القصص : 15 ] . ثم قال ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) [ القصص : 16 ] فأصبح في المدينة خائفا يترقب الأخبار ، فأتى فرعون ، فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم . فقال : ابغوني قاتله ، ومن يشهد عليه ، فإن الملك وإن كان صغوه مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت ، فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم . فبينما هم يطوفون ولا يجدون ثبتا ، إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر . فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى قد ندم على ما كان منه وكره الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم : ( إنك لغوي مبين ) فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني فخاف أن يكون بعد ما قال له : ( إنك لغوي مبين ) [ القصص : 18 ] أن يكون إياه أراد ، ولم يكن أراده ، وإنما أراد الفرعوني . فخاف الإسرائيلي وقال : ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) [ القصص : 19 ] وإنما قاله مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله ، فتتاركا ، وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول : ( أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى ، وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى ، فأخبره وذلك من الفتون يا بن جبير .
فخرج موسى متوجها نحو مدين ، لم يلق بلاء قبل ذلك ، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عز وجل ، فإنه قال : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) [ القصص : 22 ، 23 ] .
يعني بذلك حابستين غنمهما ، فقال لهما : ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس ؟ قالتا ليس لنا قوة نزاحم القوم ، إنما ننتظر فضول حياضهم . فسقى لهما ، فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرا ، حتى كان أول الرعاء ، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما ، وانصرف موسى ، عليه السلام ، فاستظل بشجرة ، وقال : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ] . واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا فقال : إن لكما اليوم لشأنا ، فأخبرتاه بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى فدعته ، فلما كلمه قال : ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) [ القصص : 25 ] . ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ولسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) [ القصص : 26 ] فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما يدريك ما قوته ؟ وما أمانته ؟ فقالت : أما قوته ، فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا ؛ لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه ، وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه ، حتى بلغته رسالتك . ثم قال لي : امشي خلفي ، وانعتي لي الطريق . فلم يفعل هذا إلا وهو أمين ، فسري عن أبيها وصدقها ، وظن به الذي قالت .
فقال له : هل لك ( أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ) [ القصص : 27 ] ففعل فكانت على نبي الله موسى ثماني سنين واجبة ، وكانت سنتان عدة منه ، فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا .
قال سعيد - وهو ابن جبير - : فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم قال : هل تدري أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا . وأنا يومئذ لا أدري . فلقيت ابن عباس ، فذكرت له ذلك ، فقال : أما علمت أن ثمانيا كانت على نبي الله واجبة ، لم يكن لنبي الله أن ينقص منها شيئا ، ويعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عدته التي وعده فإنه قضى عشر سنين . فلقيت النصراني فأخبرته ذلك ، فقال : الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك . قلت : أجل ، وأولى .
فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده ما قص الله عليك في القرآن ، فشكا إلى الله تعالى ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيههارون ، يكون له ردءا ، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه . فآتاه الله سؤله ، وحل عقدة من لسانه ، وأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه . فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون ، عليهما السلام . فانطلقا جميعا إلى فرعون ، فأقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما ، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد ، فقالا ( إنا رسولا ربك ) [ طه : 47 ] . قال : فمن ربكما ؟ فأخبره بالذي قص الله عليك في القرآن ؟ قال : فما تريدان ؟ وذكره القتيل ، فاعتذر بما قد سمعت . قال : أريد أن تؤمن بالله ، وترسل معي بنى إسرائيل ؟ فأبى عليه وقال : ( فأت بآية إن كنت من الصادقين ) [ الشعراء : 154 ] . فألقى عصاه فإذا هي حية تسعى عظيمة فاغرة فاها ، مسرعة إلى فرعون . فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها ، فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه . ففعل ، ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء - يعني من غير برص - ثم ردها فعادت إلى لونها الأول . فاستشار الملأ حوله فيما رأى ، فقالوا له : هذان ساحران ( يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ) [ طه : 63 ] يعني : ملكهم الذي هم فيه والعيش ، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب ، وقالوا له : اجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير حتى تغلب بسحرك سحرهما . فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعالم ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحر ؟ قالوا : يعمل بالحيات . قالوا : فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل . فما أجرنا إن نحن غلبنا ؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم ، فتواعدوا يوم الزينة ، وأن يحشر الناس ضحى .
قال سعيد بن جبير : فحدثني ابن عباس : أن يوم الزينة الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة ، هو يوم عاشوراء .
فلما اجتمعوا في صعيد واحد قال الناس بعضهم لبعض : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر ، ( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ) [ الشعراء : 40 ] يعنون موسى وهارون استهزاء بهما ، فقالوا : يا موسى - لقدرتهم بسحرهم - ( إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ) [ الأعراف : 115 ] ( قال بل ألقوا ) [ طه : 66 ] ( فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ) [ الشعراء : 44 ] فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة فأوحى الله إليه أن ألق عصاك ، فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها ، فجعلت العصي تلتبس بالحبال حتى صارت جزرا إلى الثعبان ، تدخل فيه ، حتى ما أبقت عصا ولا حبالا إلا ابتلعته ، فلما عرفت السحرة ذلك قالوا : لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا ، ولكنه أمر من الله عز وجل ، آمنا بالله وبما جاء به موسى ، ونتوب إلى الله مما كنا عليه . فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه ، وظهر الحق ، وبطل ما كانوا يعملون ( فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ) [ الأعراف : 119 ] وامرأة فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه ، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه ، وإنما كان حزنها وهمها لموسى .
فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة ، كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا مضت أخلف موعده وقال : هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا ؟ فأرسل الله على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ، كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه ، ويواثقه على أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا كف ذلك أخلف موعده ، ونكث عهده .
حتى أمر الله موسى بالخروج بقومه فخرج بهم ليلا فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين ، فتبعه بجنود عظيمة كثيرة ، وأوحى الله إلى البحر : إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقة ، حتى يجوز موسى ومن معه ، ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه . فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصا وانتهى إلى البحر وله قصيف ، مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله .
فلما تراءى الجمعان وتقاربا ، قال أصحاب موسى : إنا لمدركون ، افعل ما أمرك به ربك ، فإنه لم يكذب ولم تكذب . قال : وعدني أن إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة ، حتى أجاوزه . ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى ، فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى ، فلما أن جاز موسى وأصحابه كلهم البحر ، ودخل فرعون وأصحابه ، التقى عليهم البحر كما أمر ، فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه : إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه . فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه .
ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم : ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ) [ الأعراف : 138 ، 139 ] . قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم . ومضى ، فأنزلهم موسى منزلا وقال أطيعوا هارون ، فإني قد استخلفته عليكم ، فإني ذاهب إلى ربي . وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها ، فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوما وقد صامهن ، ليلهن ونهارهن ، وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم ، فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه ، فقال له ربه حين أتاه : لم أفطرت ؟ وهو أعلم بالذي كان ، قال : يا رب ، إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح . قال : أوما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك ، ارجع فصم عشرا ثم ائتني . ففعل موسى ، عليه السلام ، ما أمر به ، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ، ساءهم ذلك . وكان هارون قد خطبهم وقال : إنكم قد خرجتم من مصر ، ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع ، ولكم فيهم مثل ذلك وأنا أرى أنكم تحتسبون ما لكم عندهم ، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية ، ولسنا برادين إليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا ، فحفر حفيرا ، وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير ، ثم أوقد عليه النار فأحرقه ، فقال لا يكون لنا ولا لهم .
وكان السامري من قوم يعبدون البقر ، جيران لبني إسرائيل ولم يكن من بني إسرائيل ، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا ، فقضي له أن رأى أثرا فقبض منه قبضة ، فمر بهارون ، فقال له هارون ، عليه السلام : يا سامري ، ألا تلقي ما في يدك ؟ وهو قابض عليه ، لا يراه أحد طوال ذلك ، فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ، ولا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد . فألقاها ، ودعا له هارون ، فقال : أريد أن يكون عجلا . فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد ، فصار عجلا أجوف . ليس فيه روح ، وله خوار .
قال ابن عباس : لا والله ، ما كان له صوت قط ، إنما كانت الريح تدخل في دبره وتخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك .
فتفرق بنو إسرائيل فرقا ، فقالت فرقة : يا سامري ما هذا ؟ وأنت أعلم به . قال : هذا ربكم ولكن موسى أضل الطريق . وقالت فرقة : لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى ، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأيناه ، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى . وقالت فرقة : هذا عمل الشيطان ، وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق ، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل ، وأعلنوا التكذيب به ، فقال لهم هارون : ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن ) [ طه : 90 ] . قالوا فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما ثم أخلفنا ، هذه أربعون يوما قد مضت ؟ وقال سفهاؤهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه .
فلما كلم الله موسى وقال له ما قال ، أخبره بما لقي قومه من بعده ، ( فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) [ طه : 86 ] فقال لهم ما سمعتم في القرآن ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه ، وألقى الألواح من الغضب ، ثم إنه عذر أخاه بعذره ، واستغفر له وانصرف إلى السامري فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : قبضت قبضة من أثر الرسول ، وفطنت لها وعميت عليكم فقذفتها ( وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) [ طه : 96 ، 97 ] ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك منه . فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون ، فقالوا لجماعتهم : يا موسى ، سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها ، فيكفر عنا ما عملنا . فاختار موسى قومه سبعين رجلا لذلك ، لا يألو الخير خيار بني إسرائيل ، ومن لم يشرك في العجل ، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة ، فرجفت بهم الأرض ، فاستحيا نبي الله من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال : ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [ الأعراف : 155 ] وفيهم من كان اطلع الله منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به ، فلذلك رجفت بهم الأرض ، فقال : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) [ الأعراف : 156 ، 157 ] . فقال : يا رب ، سألتك التوبة لقومي ، فقلت : إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي ، هلا أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة ؟ فقال له : إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد ، فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن . وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا ، وغفر الله للقاتل والمقتول .
ثم سار بهم موسى ، عليه السلام متوجها نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب ، فأمرهم بالذي أمر به أن يبلغهم من الوظائف ، فثقل ذلك عليهم ، وأبوا أن يقروا بها ، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل ، والكتاب بأيديهم ، وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم . ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة ، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر - وذكروا من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها - فقالوا : يا موسى إن فيها قوما جبارين ، لا طاقة لنا بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها ، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون . قال رجلان من الذين يخافون - قيل ليزيد : هكذا قرأه ؟ قال : نعم من الجبارين ، آمنا بموسى ، وخرجا إليه ، فقالوا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم ، فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم ، فادخلوا عليهم الباب ، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون - ويقول أناس : إنهم من قوم موسى . فقال الذين يخافون ، بنو إسرائيل : ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ المائدة : 24 ] فأغضبوا موسى ، فدعا عليهم وسماهم فاسقين ، ولم يدع عليهم قبل ذلك ، لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فاستجاب الله له وسماهم كما سماهم فاسقين ، فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، يصبحون كل يوم فيسيرون ، ليس لهم قرار ، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا ، وأمر موسى فضربه بعصاه . فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، في كل ناحية ثلاث أعين ، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها ، فلا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس .
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث ، فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل ، فقال : كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك ؟ . فغضب ابن عباس ، فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري ، فقال له : يا أبا إسحاق ، هل تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون ؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني ؟ قال : إنما أفشى عليه الفرعوني ، بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره .
هكذا رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى ، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به وهو موقوف من كلام ابن عباس ، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه ، وكأنه تلقاه ابن عباس ، رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره ، والله أعلم . وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا .
القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
وقوله ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ) يقول تعالى ذكره: حين تمشي أختك تتبعك حتى وجدتك، ثم تأتي من يطلب المراضع لك، فتقول: هل أدلكم على من يكفله؟ وحذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ) استغناء بدلالة الكلام عليه.
وإنما قالت أخت موسى ذلك لهم لِما حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما ألقته أمه في اليم ( قَالَتْ لِأخْتِهِ قُصِّيهِ) فلما التقطه آل فرعون، وأرادوا له المرضعات، فلم يأخذ من أحد من &; 18-305 &; النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لينـزلن عند فرعون في الرضاع، فأبى أن يأخذ، فقالت أخته: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ؟ فأخذوها وقالوا: بل قد عرفت هذا الغلام، فدلينا على أهله، قالت: ما أعرفه، ولكن إنما قلت هم للملك ناصحون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت، يعني أم موسى لأخته: قصيه فانظري ماذا يفعلون به، فخرجت في ذلك فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقد احتاج إلى الرضاع والتمس الثدي، وجمعوا له المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه، فلا يؤتى بامرأة، فيقبل ثديها، فيرمضهم ذلك، فيؤتى بمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئا منهم، فقالت لهم أخته حين رأت من وجدهم به وحرصهم عليه هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ أي لمنـزلته عندكم وحرصكم على مسرّة الملك ، وعنى بقوله: ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ) هل أدلكم على من يضمه إليه فيحفظه ويرضعه ويربيه، وقيل: معنى وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ضمها.
وقوله ( فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ) يقول تعالى ذكره: فرددناك إلى أمك بعد ما صرت في أيدي آل فرعون، كيما تقرّ عينها بسلامتك ونجاتك من القتل والغرق في اليم، وكيلا تحزن عليك من الخوف من فرعون عليك أن يقتلك.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قالت أخت موسى لهم ما قالت، قالوا: هات، فأتت أمه فأخبرتها، فانطلقت معها حتى أتتهم، فناولوها إياه، فلما وضعته في حجرها أخذ ثديها، وسرّوا بذلك منه، وردّه الله إلى أمه كي تقرّ عينها، ولا تحزن، فبلغ لطف الله لها وله، أن ردّ عليها ولدها وعطف عليها نفع فرعون وأهل بيته مع الأمنة من القتل الذي يتخوف على غيره، فكأنهم كانوا من أهل بيت فرعون في الأمان والسعة، فكان على فرش فرعون وسرره.
وقوله ( وَقَتَلْتَ نَفْسًا ) يعني جلّ ثناؤه بذلك: قتله القبطي الذي قتله حين استغاثه عليه الإسرائيلي، فوكزه موسى. وقوله ( فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ) يقول تعالى ذكره: فنجيناك من غمك بقتلك النفس التي قتلت، إذ أرادوا أن يقتلوك &; 18-306 &; بها فخلصناك منهم، حتى هربت إلى أهل مدين، فلم يصلوا إلى قتلك وقودك.
وكان قتله إياه فيما ذُكر خطأ، كما حدثني واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّما قَتَلَ مُوسَى الَّذي قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأ، فقال الله له ( وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا )".
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، ومحمد بن عمرو، قالا ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ) قال: من قتل النفس.
حدثنا بِشْر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ) النفس التي قتل.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) فقال بعضهم: ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختبارا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) يقول: اختبرناك اختبارا.
حدثني محمّد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) قال: ابتليت بلاء.
حدثني العباس بن الوليد الآملي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد الجهني، قال: أخبرنا القاسم بن أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، قال: سألت عبد الله بن عباس، عن قول الله لموسى ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) فسألته على الفتون ما هي؟ فقال لي: استأنف النهار يا بن جبير، فإن لها حديثا طويلا قال: فلما أصبحت غدوت على ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني، قال: فقال ابن عباس: تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم أن يجعل في ذرّيته أنبياء وملوكا، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك وما يشكون، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب; فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم، فقال فرعون: فكيف ترون؟ قال: فأتمروا بينهم، وأجمعوا أمرهم على &; 18-307 &; أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلا ذبحوه; فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، وأن الصغار يذبحون، قالوا: يوشك أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيرون إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما كلّ مولود ذكر، فيقل أبناؤهم، ودعوا عاما لا تقتلوا منهم أحدا، فتشبّ الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم، فتخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يقلوا بمن تقتلون، فأجمعوا أمرهم على ذلك.
فحملت أمّ موسى بهارون في العام المقبل الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، حتى إذا كان العام المقبل حملت بموسى، فوقع في قلبها الهمّ والحزن، وذلك من الفتون يا ابن جبير، مما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به، فأوحى الله إليها وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم، فلما ولدته فعلت ما أمرت به، حتى إذا توارى عنها ابنها أتاها إبليس، فقالت في نفسها: ما صنعت بابني لو ذبح عندي، فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه، فانطلق به الماء حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري آل فرعون، فرأينه فأخذنه، فهممن أن يفتحن الباب، فقال بعضهن لبعض: إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدّقنا امرأة فرعون بما وجدنا فيه، فحملنه كهيئته لم يحرّكن منه شيئا، حتى دفعنه إليها; فلما فتحته رأت فيه الغلام، فألقي عليه منها محبة لم يلق مثلها منها على أحد من الناس وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا من كلّ شيء إلا من ذكر موسى ، فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم، يريدون أن يذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جُبير، فقالت للذباحين: انصرفوا عني، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، فآتي فرعون فأستوهبه إياه، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فلما أتت به فرعون قالت قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ قال فرعون: يكون لك، وأما أنا فلا حاجة لي فيه، فقال: والذي يحلف به لو أقرّ فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت به، لهداه الله به كما هدى به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك، فأرسلت إلى من حولها من كلّ أنثى لها لبن، لتختار له ظئرا، فجعل كلما أخذته امرأة منهم لترضعه لم يقبل ثديها، حتى &; 18-308 &; أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يأخذ منها، فلم يقبل من أحد ، وأصبحت أمّ موسى، فقالت لأخته: قصيه واطلبيه، هل تسمعين له ذكرا، أحي ابني، أو قد أكلته دواب البحر وحيتانه؟ ونسيت الذي كان الله وعدها، فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون، فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤورات: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فأخذوها وقالوا: وما يدريك ما نصحهم له، هل يعرفونه حتى شكوا في ذلك، وذلك من الفتون &; 18-309 &; يا ابن جُبير، فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه، رغبتهم في ظؤورة الملك، ورجاء منفعته، فتركوها، فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، فجاءت، فلما وضعته في حجرها نـزا إلى ثديها حتى امتلأ جنباه، فانطلق البُشراء إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا، فأرسلت إليها، فأتيت بها وبه، فلما رأت ما يصنع بها قالت: امكثي عندي حتى ترضعي ابني هذا فإني لم أحبّ حبه شيئا قطّ ، قال: فقالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي، فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه، فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي، وذكرت أمّ موسى ما كان الله وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون، وأيقنت أن الله تبارك وتعالى منجز وعده، فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها، فأنبته الله نباتا حسنا، وحفظه لما قضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل وهم مجتمعون في ناحية المدينة يمتنعون به من الظلم والسخرة التي كانت فيهم.
فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأمّ موسى: أزيريني ابني فوعدتها يوما تزيرها إياه فيه، فقالت لخواصها وظؤورتها وقهارمتها: لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة ليرى ذلك، وأنا باعثة أمينة تحصي كل ما يصنع كلّ إنسان منكم ، فلم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلما دخل عليها نحلته وأكرمته، وفرحت به، وأعجبها ما رأت من حُسن أثرها عليه، وقالت: انطلقن به إلى فرعون، فلينحله، وليكرمه ، فلما دخلوا به عليه جعلته في حجره، فتناول موسى لحية فرعون حتى مدّها، فقال عدوّ من أعداء الله: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم أنه سيصرعك ويعلوك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا بن جُبَير، بعد كلّ بلاء ابتلي به وأريد به، فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون، فقالت: ما بدا لك في هذا الصبيّ الذي قد وهبته لي؟ قال: ألا ترين يزعم أنه سيصرعني ويعلوني، فقالت: اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين، فقرّبهنّ إليه، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين، فاعلم أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل، فقرّب ذلك إليه، فتناول الجمرتين، فنـزعوهما منه مخافة أن تحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما قد همّ به، وكان الله بالغا فيه أمره.
فلما بلغ أشدّه، وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كلّ امتناع، فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة، إذ هو برجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتدّ غضبه، لأنه تناوله وهو يعلم منـزلة موسى من بني إسرائيل، وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قِبَل الرضاعة غير أمّ موسى، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره; فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله والإسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل: ( هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ثُمَّ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الأخبار، فأتى فرعون، فقيل له: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون، فخُذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك، فقال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه، لأنه لا يستقيم أن يقضي بغير بيِّنة ولا ثبت، فطلبوا له ذلك; فبينما هم يطوفون لا يجدون ثَبَتا، إذ مرّ موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، قال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فنظر الإسرائيلي موسى بعد ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه &; 18-310 &; الفرعوني، فخاف أن يكون بعد ما قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أن يكون إياه أراد، ولم يكن أراده، وإنما أراد الفرعوني، فخاف الإسرائيلي، فحاجز الفرعوني فقال يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله، فتتاركا; فانطلق الفرعوني إلى قومه، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس؟ فأرسل فرعون الذباحين، فسلك موسى الطريق الأعظم، فطلبوه وهم لا يخافون أن يفوتهم. وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة، فاختصر طريقًا قريبًا حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر، وذلك من الفتون يا بن جُبير.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فُتُونًا) قال: بلاء، إلقاؤه في التابوت، ثم في البحر، ثم التقاط آل فرعون إياه، ثم خروجه خائفا.
قال محمد بن عمرو، وقال أبو عاصم: خائفا، أو جائعا " شكّ أبو عاصم "، وقال الحارث: خائفا يترقب، ولم يشك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله وقال: خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ، ولم يشك.
حدثنا بِشْر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) يقول: ابتليناك بلاء.
حُدِثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) هو البلاء على إثر البلاء.
وقال آخرون: معنى ذلك: أخلصناك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) أخلصناك إخلاصا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يعلى بن مسلم، قال: سمعت سعيد بن جُبير، يفسِّر هذا الحرف ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) قال: أخلصناك إخلاصا.
&; 18-311 &;
قال أبو جعفر: وقد بيَّنا فيما مضى من كتابنا هذا معنى الفتنة، وأنها الابتلاء والاختبار بالأدلة المُغنية عن الإعادة في هذا الموضع.
وقوله ( فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) وهذا الكلام قد حذف منه بعض ما به تمامه اكتفاء بدلالة ما ذكر عما حذف. ومعنى الكلام: وفتناك فتونا، فخرجت خائفا إلى أهل مدين، فلبثت سنين فيهم.
وقوله ( ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) يقول جلّ ثناؤه: ثم جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون رسولا ولمقداره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) يقول: لقد جئت لميقات يا موسى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن مجاهد، قال ( عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) قال: موعد.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: علي ذي موعد.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ( عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) قال: قدر الرسالة والنبوّة ، والعرب تقول: جاء فلان على قدر: إذا جاء لميقات الحاجة إليه; ومنه قول الشاعر:
نـالَ الخِلافَـةَ أوْ كـانَتْ لَـهُ قَـدَرا
كَمَـا أَتـى رَبَّـهُ مُوسَـى عَـلى قَدَرِ (1)
---------------
الهوامش:
(1) هذا البيت لجرير ، من قصيدة عدة تسعة وعشرون بيتا في ديوانه ( طبعة الصاوي بالقاهرة 274 - 276 ) والرواية فيه : " نال الخلافة " كرواية المؤلف ، وفي بعض كتب الشواهد : " جاء الخلافة " . وفي هامش الديوان : ويروى : " عز الخلافة " البيت . ومحل الشاهد في البيت ، قوله : " على قدر " فإن معناه : القضاء الموافق . قال في ( اللسان : قدر ) : يقال : قدر الإله كذا تقديرا ؛ وإذا وافق الشيء الشيء قلت : جاء قدره ، وقال ابن سيده : القدر والقدر ( بسكون الدال وتحريكها ) : القضاء والحكم ، وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء ، ويحكم به من الأمور .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
طه: 40 | ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ |
---|
القصص: 13 | ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تقر:
1- بفتح التاء والقاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح التاء وكسر القاف، وهى قراءة فرقة.
وهما لغتان.
3- بضم التاء وفتح القاف، مبنيا للمفعول، وهى قراءة جناح بن حبيش.
التفسير :
{ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} أي:أجريت عليك صنائعي ونعمي، وحسن عوائدي، وتربيتي، لتكون لنفسي حبيبا مختصا، وتبلغ في ذلك مبلغا لا يناله أحد من الخلق، إلا النادر منهم، وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين، وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ، يبذل غاية جهده، ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك، فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم، وما تحسبه يفعل بمن أراده لنفسه، واصطفاه من خلقه؟"
ثم حكى- سبحانه- المنة الثامنة: فقال: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أى: وجعلتك محل صنيعتي وإحسانى، حيث اخترتك واصطفيتك لحمل رسالتي وتبليغها إلى فرعون وقومه، وإلى قومك بنى إسرائيل.
فالآية الكريمة تكريم عظيم لموسى- عليه السلام- اختاره الله- تعالى- واجتباه من بين خلقه لحمل رسالته إلى فرعون وبنى إسرائيل.
هذه ثماني منن ساقها الله- تعالى- هنا مجملة، وقد ساقها- سبحانه- في سورة القصص بصورة أكثر تفصيلا، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ .
وبعد أن ذكر- سبحانه- بعض المنن التي امتن بها على نبيه موسى- عليه السلام- أتبع ذلك بذكر بعض التوجيهات التي أمره بفعلها، حيث كلفه بتبليغ الدعوة إلى فرعون، فقال- تعالى-:
يقول تعالى مخاطبا لموسى ، عليه السلام : إنه لبث مقيما في أهل " مدين " فارا من فرعون وملئه ، يرعى على صهره ، حتى انتهت المدة وانقضى الأجل ، ثم جاء موافقا لقدر الله وإرادته من غير ميعاد ، والأمر كله لله تبارك وتعالى ، وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء; ولهذا قال : ( ثم جئت على قدر يا موسى ) قال مجاهد : أي على موعد .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( ثم جئت على قدر يا موسى ) قال : على قدر الرسالة والنبوة .
وقوله : ( واصطنعتك لنفسي ) أي : اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي ، أي : كما أريد وأشاء .
وقال البخاري عند تفسيرها : حدثنا الصلت بن محمد ، حدثنا مهدي بن ميمون ، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التقى آدم وموسى ، فقال موسى : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة ؟ فقال آدم : وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه ، وأنزل عليك التوراة ؟ قال : نعم . قال : فوجدته قد كتب علي قبل أن يخلقني ؟ قال : نعم . فحج آدم موسى " أخرجاه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
يقول تعالى ذكره: ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أنعمت عليك يا موسى هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك، واختيارا لرسالتي والبلاغ عني، والقيام بأمري ونهيي .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما امتن الله على موسى بما امتن به، من النعم الدينية والدنيوية قال له:{ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} هارون{ بِآيَاتِي} أي:الآيات التي مني، الدالة على الحق وحسنه، وقبح الباطل، كاليد، والعصا ونحوها، في تسع آيات إلى فرعون وملئه،{ وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أي:لا تفترا، ولا تكسلا، عن مداومة ذكري بل استمرَّا عليه، والزماه كما وعدتما بذلك{ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها.
وقوله- سبحانه- وَلا تَنِيا فعل مضارع مصدره الونى- بفتح الواو وسكون النون- بمعنى الضعف والفتور والتراخي في الأمر.
يقال: ونى فلان في الأمر ينى ونيا- كوعد يعد وعدا- إذا ضعف وتراخى في فعله.
وقوله: أَخُوكَ فاعل لفعل محذوف. أى: وليذهب معك أخوك.
والمراد بالآيات: المعجزات الدالة على صدق موسى- عليه السلام-، وعلى رأسها عصاه التي ألقاها فإذا هي حية تسعى، ويده التي ضمها إلى جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء.
والمعنى: اذهب يا موسى أنت وأخوك إلى حيث آمركما متسلحين بآياتى ومعجزاتي، ولا تضعفا أو تتراخيا في ذكرى وتسبيحي وتقديسي بما يليق بذاتى وصفاتي من العبادات والقربات.
فإن ذكركما لي هو عدتكما وسلاحكما وسندكما في كل أمر تقدمان عليه.
فالآية الكريمة تدعو موسى وهارون، كما تدعو كل مسلم في كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله- تعالى- في كل موطن، بقوة لا ضعف معها وبعزيمة صادقة لا فتور فيها ولا كلال.
وقد مدح- سبحانه- المداومين على تسبيحه وتحميده وتقديسه في كل أحوالهم فقال:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ.
قال صاحب الكشاف: قوله وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي الونى: الفتور والتقصير. أى لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيث تقلبتما، واتخذا ذكرى جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد منى، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكرى. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر...
وقال ابن كثير: والمراد بقوله وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما. وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث «إن عبدى كل عبدى الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» .
(اذهب أنت وأخوك بآياتي ) أي : بحججي وبراهيني ومعجزاتي ، ( ولا تنيا في ذكري ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لا تبطئا .
وقال مجاهد ، عن ابن عباس : لا تضعفا .
والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله ، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون ، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه ، وقوة لهما وسلطانا كاسرا له ، كما جاء في الحديث : " إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه " .
( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ) هارون (بآياتي) يقول: بأدلتي وحججي.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولا تنيا:
وقرئ:
1- بكسر التاء، اتباعا لحركة النون، وهى قراءة ابن وثاب.
2- ولا تهنا، وكذا هى فى مصحف عبد الله.
التفسير :
{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي:جاوز الحد، في كفره وطغيانه، وظلمه وعدوانه.
ثم أرشدهما- سبحانه- إلى الوجهة التي يتوجهان إليها فقال: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى.
أى: اذهبا إلى فرعون لتبلغاه دعوتي، ولتأمراه بعبادتي، فإنه قد طغى وتجاوز حدوده، وأفسد في الأرض، وقال لقومه: أنا ربكم الأعلى. وقال لهم- أيضا- ما علمت لكم من إله غيرى.
قال الجمل: وقوله: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ جمعهما في صيغة أمر الحاضر مع أن هارون لم يكن حاضرا محل المناجاة بل كان في ذلك الوقت بمصر- للتغليب فغلب الحاضر على غيره، وكذا الحال في صيغة النهى. أى: قوله وَلا تَنِيا روى أنه- تعالى- أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى- عليه السلام- وقيل: سمع بإقباله فتلقاه.. .
( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) أي : تمرد وعتا وتجهرم على الله وعصاه .
اذهبا إلى فرعون بها إنه تمرّد في ضلاله وغيه، فأبلغاه رسالاتي ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما، فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما، لأنكما إذا ذكرتماني، ذكرتما منِّي عليكما نِعَما جمَّة، ومننا لا تحصى كثرة ، يقال منه: ونى فلان في هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف، وهو يَنِي ونيا كما قال العجاج:
فَمَــا وَنــى مُحَـمَّدٌ مُـذْ أنْ غفـر
لَـهُ الإلـهُ مـا مَضَـى وَمـا غَـيَرْ (2)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ولا تَنِيا) يقول: لا تبطئا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في ذكري.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: لا تضعفا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (تَنِيا) تضعفا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتَادة، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: لا تضعفا في ذكري.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: لا تضعفا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: لا تضعفا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: الواني: هو الغافل المفرط ذلك الواني.
---------------
الهوامش:
(2) هذان بيتان من مشطور الرجز ( 14، 15 ) من أرجوز للعجاج ( ديوانه طبع ليبسج 1903 ص 15) وألوانا ، كما في ( اللسان : وفى ) الفترة في الأعمال والأمور ، وقد وني يني ونيا وونيا ( على فعول ) . أي ضعف . وتوانى في حاجته قصر . وفي حديث عائشة تصف أباها ، رضي الله عنهما : " سبق إذا ونيتم " : أي قصرت وفترتم .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
طه: 24 | ﴿ اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ |
---|
النازعات: 17 | ﴿ اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ |
---|
طه: 43 | ﴿ اذْهَبْا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} أي:سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال،{ لَعَلَّهُ} بسبب القول اللين{ يَتَذَكَّرُ} ما ينفعه فيأتيه،{ أَوْ يَخْشَى} ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله:{ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فإن في هذا الكلام، من لطف القول وسهولته، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى بـ "هل "الدالة على العرض والمشاورة، التي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس، التي أصلها، التطهر من الشرك، الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل "أزكيك "بل قال:"تزكى "أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه، الذي رباه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشكرها، وذكرها فقال:{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب، علم أنه لا ينجع فيه تذكير، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
وقوله- تعالى-: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى إرشاد منه- سبحانه- إلى الطريقة التي ينبغي لهما أن يسلكاها في مخاطبة فرعون.
أى: اذهبا إليه، وادعواه إلى ترك ما هو فيه من كفر وطغيان، وخاطباه بالقول اللين، وبالكلام الرقيق. فإن الكلام السهل اللطيف من شأنه أن يكسر حدة الغضب، وأن يوقظ القلب للتذكر، وأن يحمله على الخشية من سوء عاقبة الكفر والطغيان.
وهذا القول اللين الذي أمرهما الله- تعالى- به هنا قد جاء ما يفسره في آيات أخرى، وهي قوله- تعالى-: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ...
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على ألطف أساليب المخاطبة وأرقها وألينها وأحكمها.
قال ابن كثير: قوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً ... هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهي أن فرعون كان في غاية العتو والاستكبار، وموسى كان صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الوقاشى عند قراءته لهذه الآية: يا من يتحبب إلى من يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويناديه؟.
والحاصل أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال- تعالى-: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. .
والترجي في قوله- تعالى-: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى على بابه إلا أنه يعود إلى موسى وهارون.
أى: اذهبا إليه، وإلينا له القول، وباشرا الأمر معه مباشرة من يرجو ويطمع في نجاح سعيه، وحسن نتيجة قوله.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: والترجي لهما أى: اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر عمله فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد- أى- يستعد ويتأهب- بأقصى وسعه، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم أنه لن يؤمن، إلزام الحجة،وقطع المعذرة، كما قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى .
ويرى بعضهم أن الترجي هنا للتعليل. أى: فقولا له قولا لينا لأجل أن يتذكر أو يخشى.
قال الآلوسى: قال الفراء: «لعل» هنا بمعنى كي التعليلية.. وعن الواقديّ: أن جميع ما في القرآن من «لعل» فإنها للتعليل، إلا قوله- تعالى- وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ فإنها للتشبيه أى: كأنكم تخلدون.
( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار ، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين ، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله : ( فقولا له قولا لينا ) : يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟
وقال وهب بن منبه : قولا له : إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة .
وعن عكرمة في قوله : ( فقولا له قولا لينا ) قال : لا إله إلا الله ، وقال عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري : ( فقولا له قولا لينا ) أعذرا إليه ، قولا له : إن لك ربا ولك معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا .
وقال بقية ، عن علي بن هارون ، عن رجل ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة ، عن علي في قوله : ( فقولا له قولا لينا ) قال : كنه .
وكذا روي عن سفيان الثوري : كنه بأبي مرة .
والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) الآية [ النحل : 125 ] .
قوله ( لعله يتذكر أو يخشى ) أي : لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة ، ( أو يخشى ) أي : يوجد طاعة من خشية ربه ، كما قال تعالى :
( لمن أراد أن يذكر أو يخشى ) فالتذكر : الرجوع عن المحذور ، والخشية : تحصيل الطاعة .
وقال الحسن البصري في قوله ( لعله يتذكر أو يخشى ) يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون : أهلكه قبل أن أعذر إليه .
وهاهنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ، ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق :
وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا
إلى الله فرعون الذي كان باغيا فقولا له هل أنت سويت هذه
بلا وتد حتى استقلت كما هيا وقولا له آأنت رفعت هذه
بلا عمد أرفق إذن بك بانيا وقولا له آأنت سويت وسطها
منيرا إذا ما جنه الليل هاديا وقولا له من يخرج الشمس بكرة
فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى
فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رءوسه
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
القول في تأويل قوله تعالى : فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
يقول تعالى ذكره لموسى وهارون: فقولا لفرعون قولا ليِّنا ، ذُكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له، هو أن يكنياه.
حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: ثنا سعيد بن محمد الثقفي، قال: ثنا عليّ بن صالح، عن السديّ: ( فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا ) قال: كنياه.
وقوله ( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) اختلف في معنى قوله (لَعلَّهُ) في هذا الموضع، فقال بعضهم معناها ها هنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: فقولا له قولا لينا، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) يقول: هل يتذكر أو يخشى.
وقال آخرون: معنى لعلّ هاهنا كي. ووجَّهوا معنى الكلام إلى اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بمعنى: لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدَّى، بمعنى: لنتغدى، أو حتى نتغدى، ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} أي:يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا، قبل أن تبلغه رسالاتك، ونقيم عليه الحجة{ أَوْ أَنْ يَطْغَى} أي:يتمرد عن الحق، ويطغى بملكه وسلطانه وجنده وأعوانه.
ثم حكى- سبحانه- ما قاله موسى وهارون عند ما أمرهما- جل جلاله- بذلك فقال:
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى.
أى: قال موسى وهارون بعد أن أمرهما ربهما بالذهاب إلى فرعون لتبليغه دعوة الحق:
يا ربنا إننا نخاف أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أى يعاجلنا بالعقوبة قبل أن ننتهي من الحديث معه في الأمر.
يقال: فرط فلان على فلان يفرط إذا عاجله بالعقوبة وأذاه بدون تمهل، ومنه قولهم:
فرس فارط، أى سابق لغيره من الخيل.
أَوْ أَنْ يَطْغى أى يزداد طغيانه، فيقول في حقك يا ربنا مالا نريد أن نسمعه، ويقول في حقنا ما نحن برءاء منه، ويفعل معنا ما يؤذينا.
وقد جمع- سبحانه- بين القولين اللذين حكاهما عنهما، لأن الطغيان أشمل من الإفراط، إذ الجملة الأولى تدل على الإسراع بالأذى لأول وهلة، أما الثانية فتشمل الإسراع بالأذى، وتشمل غيره من ألوان الاعتداء سواء أكان في الحال أم في الاستقبال.
يقول تعالى إخبارا عن موسى وهارون ، عليهما السلام ، أنهما قالا مستجيرين بالله تعالى شاكيين إليه : ( إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) يعنيان أن يبدر إليهما بعقوبة ، أو يعتدي عليهما فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك .
قال عبد الرحمن بن زيد : ( أن يفرط ) يعجل .
وقال مجاهد : يبسط علينا .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( أو أن يطغى ) : يعتدي .
وقوله ( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) يقول تعالى ذكره: قال موسى وهارون: ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه، أن يعجل علينا بالعقوبة، وهو من قولهم: فرط مني إلى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إليه، ومنه: فارط القوم، وهو المتعجل المتقدّم أمامهم إلى الماء أو المنـزل كما قال الراجز:
قَدْ فَرَط العِلْجُ عَلَيْنَا وَعَجِلْ (3)
وأما الإفراط: فهو الإسراف والإشطاط والتعدّي ، يقال منه: أفرطت في قولك: إذا أسرف فيه وتعدّى.
وأما التفريط: فإنه التواني ، يقال منه: فرطت في هذا الأمر حتى فات: إذا توانى فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) قال: عقوبة منه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ) قال: نخاف أن يعجل علينا إذ نبلغه كلامك أو أمرك، يفرط ويعجل. وقرأ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى .
---------------
الهوامش:
(3) في ( اللسان : فرط ) عليه يفرط : عجل عليه وعدى وأذاه . وقال الفراء في قوله تعالى : ( إننا نخاف أن يفرط علينا ) قال : يعجل إلى عقوبتنا . والعلج : الرجل القوي الضخم . ولم أعرف قائل الرجز .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 16 | ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ |
---|
آل عمران: 193 | ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ |
---|
طه: 45 | ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قَالَ لَا تَخَافَا} أن يفرط عليكما{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} أي:أنتما بحفظي ورعايتي، أسمع أقوالكما، وأرى جميع أحوالكما، فلا تخافا منه، فزال الخوف عنهما، واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما.
وهنا يجيبهما الخالق- جل وعلا- بما يثبت فؤداهما، ويزيل خوفهما فقال: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى.
أى: قال الله- تعالى- لهما لا تخافا من بطش فرعون، إننى معكما بقوتي وقدرتي ورعايتى، وإننى أسمع كلامكما وكلامه، وأرى فعلكما وفعله. لا يخفى على شيء من حالكما وحاله، فاطمئنا أننى معكما بحفظي ونصرى وتأييدى، وأن هذا الطاغية ناصيته بيدي، ولا يستطيع أن يتحرك أو يتنفس إلا بإذنى ...
( قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) أي : لا تخافا منه ، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى مكانكما ومكانه ، لا يخفى علي من أمركم شيء ، واعلما أن ناصيته بيدي ، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري ، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما بعث الله عز وجل موسى إلى فرعون قال : رب ، أي شيء أقول ؟ قال : قل : هيا شراهيا . قال الأعمش : فسر ذلك : الحي قبل كل شيء ، والحي بعد كل شيء .
إسناد جيد ، وشيء غريب .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
يقول الله تعالى ذكره: قال الله لموسى وهارون (لا تخافا) فرعون ( إِنَّنِي مَعَكُمَا ) أعينكما عليه، وأبصركما(أسمَعُ) ما يجري بينكما وبينه، فأفهمكما ما تحاورانه به (وأرَى) ما تفعلان ويفعل، لا يخفى عليّ من ذلك شيء .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:فأتياه بهذين الأمرين، دعوته إلى الإسلام، وتخليص هذا الشعب الشريف بني إسرائيل -من قيده وتعبيده لهم، ليتحرروا ويملكوا أمرهم، ويقيم فيهم موسى شرع الله ودينه.
{ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} تدل على صدقنا{ فَأَلْقَى} موسى{ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} إلى آخر ما ذكر الله عنهما.
{ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} أي:من اتبع الصراط المستقيم، واهتدى بالشرع المبين، حصلت له السلامة في الدنيا والآخرة.
ثم رسم لهما- سبحانه- طريق الدعوة فقال: فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ...
أى: فأتيا فرعون، وادخلا عليه داره أو مكان سلطانه، وقولا له بلا خوف أو وجل إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ الذي خلقك فسواك فعدلك.
وكان البدء بهذه الجملة لتوضيح أساس رسالتهما، ولإحقاق الحق من أول الأمر، ولإشعاره منذ اللحظة الأولى بأنهما قد أرسلهما ربه وربهما ورب العالمين، لدعوته إلى الدين الحق، وإلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار، وإلى التخلي عن الكفر والطغيان. وأنهما لم يأتياه بدافع شخصى منهما وإنما أتياه بتكليف من ربه ورب العالمين.
أما الجملة الثانية التي أمرهما الله- تعالى- أن يقولاها لفرعون فقد حكاها- سبحانه- بقوله: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ أى: فأطلق سراح بنى إسرائيل، ودعهم يعيشون أحرارا في دولتك ولا تعذبهم باستعبادهم وقهرهم، وقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم.
قال- تعالى-: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ .
قال الآلوسى: والمراد بالإرسال: إطلاقهم من الأسر، وإخراجهم من تحت يده العادية، لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام، كما ينبئ عنه قوله- سبحانه- وَلا تُعَذِّبْهُمْ أى: بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب، فإنهم كانوا تحت سيطرة القبط، يستخدمونهم في الأشغال الشاقة كالحفر والبناء.. .
وقوله- تعالى-: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ جملة ثالثة تدل على صدقهما في رسالتهما.
والمراد بالآية هنا: جنسها، فتشمل العصا واليد وغيرهما من المعجزات التي أعطاها الله- تعالى- لنبيه موسى- عليه السلام-.
أى: قد جئناك بمعجزة من ربك تثبت صدقنا، وتؤيد مدعانا، وتشهد بأنا قد أرسلنا الله- تعالى- إليك لهدايتك ودعوتك أنت وقومك إلى الدخول في الدين الحق.
فالجملة الكريمة تقرير لما تضمنه الكلام السابق من كونهما رسولين من رب العالمين، وتعليل لوجوب إطلاق بنى إسرائيل، وكف الأذى عنهم.
أما الجملة الرابعة التي أمرهما الله- تعالى- بأن يقولاها لفرعون فهي قوله- سبحانه-: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
أى: وقولا له- أيضا- السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع الهدى بأن آمن بالله- تعالى- وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ...
فالسلام مصدر بمعنى السلامة، وعلى بمعنى اللام. ويفهم من الآية الكريمة أن من لم يتبع الهدى، لا سلامة له، ولا أمان عليه.
وفي هذه الجملة من الترغيب في الدخول في الدين الحق ما فيها، ولذا استعملها النبي صلّى الله عليه وسلّم في كثير من كتبه، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في رسالته إلى هرقل ملك الروم: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى..
( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ) ، قد تقدم في حديث " الفتون " عن ابن عباس أنه قال : مكثا على بابه حينا لا يؤذن لهما ، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد .
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار : أن موسى وأخاه هارون خرجا ، فوقفا بباب فرعون يلتمسان الإذن عليه وهما يقولان : إنا رسل رب العالمين ، فآذنوا بنا هذا الرجل ، فمكثا فيما بلغني سنتين يغدوان ويروحان ، لا يعلم بهما ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما ، حتى دخل عليه بطال له يلاعبه ويضحكه ، فقال له : أيها الملك ، إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا ، يزعم أن له إلها غيرك أرسله إليك . قال : ببابي ؟ قال : نعم . قال : أدخلوه ، فدخل ومعه أخوه هارون وفي يده عصاه ، فلما وقف على فرعون قال : إني رسول رب العالمين . فعرفه فرعون .
وذكر السدي أنه لما قدم بلاد مصر ، ضاف أمه وأخاه وهما لا يعرفانه ، وكان طعامهما ليلتئذ الطعثلل وهو اللفت ، ثم عرفاه وسلما عليه ، فقال له موسى : يا هارون ، إن ربي قد أمرني أن آتي هذا الرجل فرعون فأدعوه إلى الله ، وأمر أن تعاونني . قال : افعل ما أمرك ربك . فذهبا ، وكان ذلك ليلا فضرب موسى باب القصر بعصاه ، فسمع فرعون فغضب وقال من يجترئ على هذا الصنيع ؟ فأخبره السدنة والبوابون بأن هاهنا رجلا مجنونا يقول : إنه رسول الله . فقال : علي به . فلما وقفا بين يديه قالا وقال لهما ما ذكر الله في كتابه .
وقوله : ( قد جئناك بآية من ربك ) أي : بدلالة ومعجزة من ربك ، ( والسلام على من اتبع الهدى ) أي : والسلام عليك إن اتبعت الهدى .
ولهذا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم كتابا ، كان أوله : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " .
وكذلك لما كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ، صورته : " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك . أما بعد ، فإني قد أشركت في الأمر معك ، فلك المدر ولي الوبر ، ولكن قريش قوم يعتدون " . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " .
ولهذا قال موسى وهارون ، عليهما السلام ، لفرعون : ( والسلام على من اتبع الهدى)
( فَأْتِيَاهُ فَقُولا لَهُ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ).
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ( قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) ما يحاوركما، فأوحي إليكما فتجاوبانه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يوسف: 63 | ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ |
---|
طه: 47 | ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا} أي:خبر من عند الله، لا من عند أنفسنا{ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي:كذب بأخبار الله، وأخبار رسله، وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم، وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما، والترهيب من ضد ذلك، ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير، فأنكر ربه، وكفر، وجادل في ذلك ظلما وعنادا.
ثم حكى- سبحانه- الجملة الخامسة التي أمر موسى وهارون أن يخاطبا بها فرعون فقال: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى.
أى: وقولا له إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا من عند ربنا وخالقنا أَنَّ الْعَذابَ في الدنيا والآخرة عَلى مَنْ كَذَّبَ بآياته وحججه- سبحانه- وَتَوَلَّى عنها. وأعرض عن الاستجابة لها.
وبذلك نرى في هذه الآيات الكريمة أسمى ألوان الدعوة إلى الحق وأحكمها، فهي قد بدأت بالأساس الذي تقوم عليه كل رسالة سماوية إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وثنت ببيان أهم ما أرسل موسى وهارون من أجله، فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ وثلثت بإقامة الأدلة على صدقهما قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وربعت بالترغيب والاستمالة وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
ثم ختمت بالتحذير والترهيب من المخالفة إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى.
وبعد أن غرس- سبحانه- الطمأنينة في قلب موسى وهارون وزودهما بأحكم الوسائل وأنجعها في الدعوة إلى الحق.. أتبع ذلك بحكاية جانب من الحوار الذي دار بينهما وبين فرعون بعد أن التقوا جميعا وجها لوجه فقال- تعالى-:
أي : قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متمحض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ، كما قال تعالى : ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ) [ النازعات : 37 - 39 ] وقال تعالى : ( فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) [ الليل : 14 - 16 ] وقال تعالى : ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) [ القيامة : 31 ، 32 ] . أي : كذب بقلبه وتولى بفعله .
وقوله ( فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ) أرسلنا إليك يأمرك أن ترسل معنا بني إسرائيل، فأرسلهم معنا ولا تعذّبهم بما تكلفهم من الأعمال الرديئة ( قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ ) معجزة (مِنْ رَبِّكَ) على أنه أرسلنا إليك بذلك، إن أنت لم تصدّقنا فيما نقول لك أريناكها، ( والسلام على من اتبع الهدى ) يقول: والسلامة لمن اتبع هدى الله، وهو بيانه ، يقال: السلام على من اتبع الهدى، ولمن اتبع بمعنى واحد.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:قال فرعون لموسى على وجه الإنكار:{ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}
فقوله- تعالى-: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى حكاية لما قاله فرعون لموسى وهارون- عليهما السلام- بعد أن ذهبا إليه ليبلغاه دعوة الحق كما أمرهما ربهما- سبحانه-.
ولم تذكر السورة الكريمة كيف وصلا إليه.. لأن القرآن لا يهتم بجزئيات الأحداث التي لا تتوقف عليها العبر والعظات، وإنما يهتم بذكر الجوهر واللباب من الأحداث.
والمعنى: قال فرعون لموسى وهارون بعد أن دخلا عليه. وأبلغاه ما أمرهما ربهما بتبليغه:
من ربكما يا موسى الذي أرسلكما إلى؟.
وكأنه- لطغيانه وفجوره- لا يريد أن يعترف بأن رب موسى وهارون هو ربه وخالقه.
كما قالا له قبل ذلك إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ.
وخص موسى بالنداء مع أنه وجه الخطاب إليهما لظنه أن موسى- عليه السلام- هو الأصل في حمل رسالة الحق إليه، وأن هارون هو وزيره ومعاونه أو أنه لخبثه ومكره، تجنب مخاطبة هارون لعلمه أنه أفصح لسانا من موسى- عليهما السلام-.
قال صاحب الكشاف: خاطب فرعون الاثنين، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى، لأنه الأصل في النبوة، وهارون وزيره وتابعه، ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته- أى فسقه- على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه، لما عرف من فصاحة هارون والرّتة في لسان موسى، ويدل عليه قوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ .
ولا شك أن ما حكاه الله- تعالى- عن فرعون من قوله فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى يدل على نهاية الغرور والفجور والجحود، وشبيه بذلك قوله: - سبحانه- حكاية عنه: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ...
وقوله- تعالى-: فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى منكرا وجود الصانع الخالق ، إله كل شيء وربه ومليكه ، قال : ( فمن ربكما يا موسى ) أي : الذي بعثك وأرسلك من هو ؟ فإني لا أعرفه ، وما علمت لكم من إله غيري
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
يقول تعالى ذكره لرسوله موسى وهارون: قولا لفرعون إنا قد أوحى إلينا ربك أن عذابه الذي لا نفاد له، ولا انقطاع على من كذب بما ندعوه إليه من توحيد الله وطاعته، وإجابة رسله (وتولى) يقول: وأدبر مُعرضا عما جئناه به من الحقّ.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح، فقال:{ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أي:ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته،{ ثُمَّ هَدَى} كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك.وهذا كقوله تعالى:{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قدر أن الإنسان، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك، ولهذا لما لم يمكن فرعون، أن يعاند هذا الدليل القاطع، عدل إلى المشاغبة، وحاد عن المقصود
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك أن موسى قد رد على فرعون ردا يخرسه ويكبته فقال:
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى.
وقوله خَلْقَهُ مصدر بمعنى اسم المفعول، وهو المفعول الثاني لقوله أَعْطى والمفعول الأول قوله: كُلَّ شَيْءٍ.
وللعلماء في تفسير هذه الآية الكريمة اتجاهات يؤيد بعضها بعضا، منها ما يراه بعضهم من أن معنى الآية الكريمة:
1- قال موسى في رده على فرعون: يا فرعون ربنا وربك هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي أعطى كل مخلوق من مخلوقاته، وكل شيء من الأشياء، الصورة التي تلائمه، والهيئة التي تتحقق معها منفعته ومصلحته، ثم هداه إلى وظيفته التي خلقه من أجلها، وأمده بالوسائل والملكات التي تحقق هذه الوظيفة.
وثم في قوله ثُمَّ هَدى للتراخي في الرتبة، إذ اهتداء المخلوق إلى وظيفته مرتبة تعلو كثيرا عن خلقه دون أن يفقه شيئا.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان، كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه.
ثُمَّ هَدى أى: عرفه كيف يرتفق بما أعطى، وكيف يتوصل إليه ولله در هذا الجواب، وما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن، ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق .
2- ومنهم من يرى أن المعنى: قال موسى لفرعون: ربنا الذي أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بنى آدم، أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا، وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا.. ثم هدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب ووسائل التناسل.
وقد صدر الإمام ابن جرير تفسيره للآية بهذا المعنى فقال ما ملخصه: وقوله: قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ يعنى نظير خلقه في الصورة والهيئة.. ثم هداهم للمأتى الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب وغير ذلك .
3- ويرى بعضهم أن: المعنى أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه.
4- ومنهم من يرى أن قوله خَلْقَهُ هو المفعول الأول لأعطى، وأن قوله كُلَّ شَيْءٍ هو المفعول الثاني فيكون المعنى: قال موسى لفرعون: ربنا الذي أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه، ثم هداهم إلى طريق استعماله والانتفاع به.
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع لهذه المعاني جميعها لأنه- سبحانه- هو الذي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه في معاشهم، ثم هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم، كما أعطى كل نوع من أنواع خلقه الصورة التي تناسبه، والشكل الذي يتناسب مع جنسه صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ....
( قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يقول : خلق لكل شيء زوجة .
وقال الضحاك عن ابن عباس : جعل الإنسان إنسانا ، والحمار حمارا ، والشاة شاة .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : أعطى كل شيء صورته .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : سوى خلق كل دابة .
وقال سعيد بن جبير في قوله : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) قال : أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ، ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة ، ولا للدابة من خلق الكلب ، ولا للكلب من خلق الشاة ، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح ، وهيأ كل شيء على ذلك ، ليس شيء منها يشبه شيئا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح .
وقال بعض المفسرين : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) كقوله تعالى : ( والذي قدر فهدى ) [ الأعلى : 3 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، أي : كتب الأعمال والآجال والأرزاق ، ثم الخلائق ماشون على ذلك ، لا يحيدون عنه ، ولا يقدر أحد على الخروج منه . يقول : ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر ، وجبل الخليقة على ما أراد .
وقوله ( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) في هذا الكلام متروك، ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو قوله: (فأتياه) فقالا له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته، فقال فرعون لهما( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) فخاطب موسى وحده بقوله: يا موسى، وقد وجه الكلام قبل ذلك إلى موسى وأخيه. وإنما فعل ذلك كذلك، لأن المجاوبة إنما تكون من الواحد وإن كان الخطاب بالجماعة لا من الجميع، وذلك نظير قوله نَسِيَا حُوتَهُمَا وكان الذي يحمل الحوت واحد، وهو فتى موسى، يدل على ذلك قوله فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
خلقه:
وقرئ:
بفتح اللام، فعلا ماضيا، فى موضع الصفة ل «كل شيء» وهى قراءة عبد الله، وأبى نهيك، وابن أبى إسحاق، والأعمش، والحسن، ونصير، عن الكسائي، وابن نوح، عن قتيبة، وسلام.
التفسير :
فقال لموسى:{ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} أي:ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما قاله فرعون لموسى: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى.
والبال في الأصل: الفكر. تقول: خطر ببالي كذا، أى: بفكرى وعقلي، ثم أطلق على الحال التي يهتم بشأنها، وهذا الإطلاق هو المراد هنا.
أى: قال فرعون بعد أن رد عليه موسى هذا الرد الحكيم: يا موسى فما حال القرون الأولى، كقوم نوح وعاد وثمود.. الذين كذبوا أنبياءهم، وعبدوا غير الله- تعالى- الذي تدعوني لعبادته؟.
وسؤاله هذا يدل على خبثه ومكره، لأنه لما سمع من موسى الجواب المفحم له على سؤاله السابق فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أراد أن يصرف الحديث إلى منحى آخر يتعلق بأمور لا صلة لها برسالة موسى إليه وهي دعوته لعبادة الله- تعالى- وحده، وإطلاق سراح بنى إسرائيل من الأسر.
( قال فما بال القرون الأولى ) أصح الأقوال في معنى ذلك : أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى ، شرع يحتج بالقرون الأولى ، أي : الذين لم يعبدوا الله ، أي : فما بالهم إذا كان الأمر كما تقول ، لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟
وقوله ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول تعالى ذكره: قال موسى له مجيبا: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه، يعني: نظير خلقه في الصورة والهيئة كالذكور من بني آدم. أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا، وكالذكور من البهائم، أعطاها نظير خلقها، وفي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا، فلم يعط الإنسان خلاف خلقه، فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هداهم للمأتي الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب، وغير ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول: خلق لكل شيء زوجة، ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول: أعطى كلّ دابة خلقها زوجا، ثم هدى للنكاح.
وقال آخرون: معنى قوله (ثُمَّ هَدَى) أنه هداهم إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يعني: هدى بعضهم إلى بعض، ألف بين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضا.
وقال آخرون: معنى ذلك: أعطى كلّ شيء صورته، وهي خلقه الذي خلقه به، ثم هداه لما يصلحه من الاحتيال للغذاء والمعاش.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال: أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى كلّ شيء إلى معيشته.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال: سوّى خلق كلّ دابة، ثم هداها لما يُصلحها، فعلَّمها إياه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال: سوّى خلق كلّ دابة ثم هداها لما يُصلحها وعلَّمها إياه، ولم يجعل الناس في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الناس، ولكن خلق كل شيء فقدّره تقديرا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حميد عن مجاهد ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال: هداه إلى حيلته ومعيشته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعطى كلّ شيء ما يُصلحه، ثم هداه له.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) قال: أعطى كل شيء ما يُصلحه. ثم هداه له.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك، لأنه جلّ ثناؤه أخبر أنه أعطى كلّ شيء خلقه، ولا يعطي المعطي نفسه، بل إنما يعطي ما هو غيره، لأن العطية تقتضي المعطي المُعطَى والعطية، ولا تكون العطيه هي المعْطَى، وإذا لم تكن هي هو، وكانت غيره، وكانت الصورة كلّ خلق بعض أجزائه، كان معلوما أنه إذا قيل: أعطى الإنسان صورته، إنما يعني أنه أعطى بعض المعاني التي به مع غيره دعي إنسانا، فكأن قائله قال: أعطى كلّ خلق نفسه، وليس ذلك إذا وجه إليه الكلام بالمعروف من معاني العطية، وإن كان قد يحتمله الكلام. فإذا كان ذلك كذلك، فالأصوب من معانيه أن يكون موجها إلى أن كلّ شيء أعطاه ربه مثل خلقه، فزوجه به، ثم هداه لما بيَّنا، ثم ترك ذكر مثل، وقيل ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) كما يقال: عبد الله مثل الأسد، ثم يحذف مثل، فيقول: عبد الله الأسد.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء