ترتيب المصحف | 34 | ترتيب النزول | 58 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 6.50 |
عدد الآيات | 54 | عدد الأجزاء | 0.35 |
عدد الأحزاب | 0.70 | عدد الأرباع | 2.80 |
ترتيب الطول | 31 | تبدأ في الجزء | 22 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الثناء على الله: 6/14 | الحمد لله: 4/5 |
تبرؤُ الذينَ استَكْبَرُوا من الذينَ استُضْعِفُوا، وذكرُ جزاءِ الفريقينِ، ثُمَّ إعراضُ المُترَفِينَ من أهلِ القرى عن الإيمانِ، واغترارُهم بكثرةِ أموالِهم وأولادِهم.
قريبًا إن شاء الله
الردُّ على المُترَفينَ بأنَّ اللهَ هو الذي يفاضِلُ بين عبادِه في الأرزاقِ، ثُمَّ أعلنَ تعالى ميزانَ القربى عندَه، وأنَّها ليست بكثرةِ المالِ والولدِ، وإنَّما بالإيمانِ والعملِ الصالحِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} مستفهمين لهم ومخبرين أن الجميع مشتركون في الجرم:{ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} أي:بقوتنا وقهرنا لكم.{ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} أي:مختارين للإجرام, لستم مقهورين عليه, وإن كنا قد زينا لكم, فما كان لنا عليكم من سلطان.
وهنا يرد الزعماء باستنكار وضيق، ويحكى ذلك القرآن فيقول: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا على سبيل التوبيخ والتقريع أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ
كلا، إننا ما فعلنا ذلك، ولسنا نحن الذين حلنا بينكم وبين اتباع الحق.
بَلْ أنتم الذين كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ في حق أنفسكم، حيث اتبعتمونا باختياركم، ورضيتم عن طواعية منكم أن تتبعوا غيركم بدون تفكر أو تدبر للأمور.
فقال لهم القادة والسادة ، وهم الذين استكبروا : ( أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ) أي : نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان ، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء ، لشهوتكم واختياركم لذلك; ولهذا قالوا : ( بل كنتم مجرمين )
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
يقول تعالى ذكره: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) في الدنيا، فرأسوا في الضلالة والكفر بالله (لِلَّذِينّ اسْتُضْعِفُوا) فيها فكانوا أتباعًا لأهل الضلالة منهم إذ قالوا لهم لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ : (أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى) ومنعناكم من اتباع الحق (بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ) من عند الله يبين لكم (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) فمنعكم إيثاركم الكفر بالله على الإيمان من اتباع الهدى، والإيمان بالله ورسوله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 76 | ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾ |
---|
سبإ: 32 | ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم﴾ |
---|
غافر: 48 | ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّـهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي:بل الذي دهانا منكم, ووصل إلينا من إضلالكم, ما دبرتموه من المكر, في الليل والنهار, إذ تُحَسِّنون لنا الكفر, وتدعوننا إليه, وتقولون:إنه الحق, وتقدحون في الحق وتهجنونه, وتزعمون أنه الباطل، فما زال مكركم بنا, وكيدكم إيانا, حتى أغويتمونا وفتنتمونا.
فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض, والندامة العظيمة, ولهذا قال:{ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أي:زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب, وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم, وتمنى أن لو كان على الحق, [وأنه] ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب, سرا في أنفسهم, لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة, وعند دخولهم النار, يظهرون ذلك الندم جهرا.
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} الآيات.
{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}
{ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى{ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} الآيات.
{ هَلْ يُجْزَوْنَ} في هذا العذاب والنكال, وتلك الأغلال الثقال{ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الكفر والفسوق والعصيان.
ولم يقتنع الأتباع بما رد به عليهم السادة والكبراء، بل حكى القرآن للمرة الثانية ردهم عليهم فقال: وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا في الرد عليهم بحسرة وألم:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أى قالوا لهم أنتم لستم صادقين في قولكم لنا: إنكم لم تصدونا عن اتباع الهدى بعد إذ جاءنا بل إن مكركم بنا الليل والنهار وإغراءكم لنا بالبقاء على الكفر.
وتهديدكم إيانا بالقتل أو التعذيب إذا ما خالفناكم، وأمركم لنا بأن نكفر بالله- تعالى- ونجعل له أندادا، أى شركاء في العبادة والطاعة. كل ذلك هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق الذي جاءنا به الرسول صلّى الله عليه وسلم.
والمكر: هو الاحتيال والخديعة. يقال مكر فلان بفلان، إذا خدعه وأراد به شرا.
وهو هنا فاعل لفعل محذوف والتقدير: بل الذي صدنا عن الإيمان مكركم بنا في الليل والنهار، فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعا.
وقوله: إِذْ تَأْمُرُونَنا.. ظرف للمكر. أى: بل مكركم الدائم بنا وقت أمركم لنا بأن نكفر بالله ونجعل له أشباها ونظراء نعبدها من دونه- تعالى- هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق والهدى.
قال الجمل: وقوله بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يجوز رفع مَكْرُ من ثلاثة أوجه:
أحدها: على الفاعلية بتقدير: بل صدنا مكركم في هذين الوقتين، الثاني ان يكون مبتدأ خبره محذوف. أى: مكر الليل صدنا عن اتباع الحق. الثالث: العكس، أى: سبب كفرنا مكركم. وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازى كقولهم: ليل ماكر، فيكون مصدرا مضافا لمرفوعه وإما على الاتساع في الظرف، فجعل كالمفعول به فيكون مضافا لمنصوبه .
والضمير المرفوع في قوله- سبحانه-: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعود إلى الأتباع والزعماء. وأسروا من الإسرار بمعنى الكتمان والإخفاء.
أى: وأضمر الذين استضعفوا والمستكبرون الندامة والحسرة حين شاهدوا العذاب المعد لهم جميعا، وذلك لأنهم بهتوا وشهدوا حين عاينوه، ودفنت الكلمات في صدورهم فلم يتمكنوا من النطق بها وأصابهم ما أصابهم من الكمد الذي يجعل الشفاه لا تتحرك، والألسنة لا تنطق.
فالمقصود من إسرار الندامة: بيان عجزهم الشديد عن النطق بما يريدون النطق به لفظاعة ما شهدوه من عذاب غليظ قد أعد لهم.
وقيل إن أَسَرُّوا النَّدامَةَ بمعنى أظهروها: لأن لفظ أسر من الأضداد.
قال الآلوسى ما ملخصه: وَأَسَرُّوا أى: أضمر الظالمون من الفريقين النَّدامَةَ على ما كان منهم في الدنيا.. لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق.
وقيل: أسروا الندامة. بمعنى أظهروها، فإن لفظ «أسر» من الأضداد، إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب، فمعنى أسره: جعله سره، أو أزال سره.. .
ثم بين- سبحانه- ما حل بهم من عذاب بسبب كفرهم فقال: وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
أي : بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا ، وتغرونا وتمنونا ، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء ، فإذا جميع ذلك باطل وكذب ومين .
قال قتادة ، وابن زيد : ( بل مكر الليل والنهار ) يقول : بل مكرهم بالليل والنهار . وكذا قال مالك ، عن زيد بن أسلم : مكرهم بالليل والنهار .
( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) أي نظراء وآلهة معه ، وتقيموا لنا شبها وأشياء من المحال تضلونا بها ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) أي : الجميع من السادة والأتباع ، كل ندم على ما سلف منه .
( وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ) : وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم ، ( هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) أي : إنما نجازيكم بأعمالكم ، كل بحسبه ، للقادة عذاب بحسبهم ، وللأتباع بحسبهم ) قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) [ الأعراف : 38 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء ، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني ، عن أبي سنان ضرار بن صرد ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقاهم لهبها ، ثم لفحتهم لفحة فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب " .
وحدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى ، حدثنا الطيب أبو الحسن ، عن الحسن بن يحيى الخشني قال : ما في جهنم دار ولا مغار ولا غل ولا سلسلة ولا قيد ، إلا اسم صاحبها عليه مكتوب . قال : فحدثته أبا سليمان - يعني : الداراني ، رحمة الله عليه - فبكى ثم قال : ويحك . فكيف به لو جمع هذا كله عليه ، فجعل القيد في رجليه ، والغل في يديه والسلسلة في عنقه ، ثم أدخل النار وأدخل المغار ؟!
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) من الكفرة بالله في الدنيا، فكانوا أتباعًا لرؤسائهم في الضلالة (لِلَّذِينّ اسْتَكْبَرُوا) فيها، فكانوا لهم رؤساء (بَلْ مَكْرُ) كم لنا بـ(اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) صدنا عن الهدى ( إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ ) أمثالا وأشباهًا في العبادة والألوهة، فأضيف إلى الليل والنهار. والمعنى ما ذكرنا من مكر المستكبرين بالمستضعفين في الليل والنهار، على اتساع العرب في الذي قد عُرِفَ معناها فيه من منطقها، من نقل صفة الشيء إلى غيره، فتقول للرجل: يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، وكما &; 20-408 &; قال الشاعر:
وَنِمْتِ ومَا لَيْلُ المَطِيِّ بنَائمِ (1)
وما أشبه ذلك مما قد مضى بياننا له في غير هذا الموضع من كتابنا هذا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا ) يقول: بل مكركم بنا في الليل والنهار أيها العظماء الرؤساء حتى أزلتمونا عن عبادة الله.
وقد ذُكر في تأويله عن سعيد بن جبير ما حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) قال: مرُّ الليل والنهار.
وقوله ( إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ ) يقول: حين تأمروننا أن نكفر بالله.
وقوله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) يقول: شركاء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) شركاء.
قوله ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) يقول: وندموا على ما فرطوا من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعده لهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَسَرُّوا الندَامَةَ) بينهم ( لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) .
قوله ( وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وغلت أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم في جوامع من نار جهنم، جزاء بما كانوا بالله في الدنيا يكفرون، يقول جل ثناؤه: ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابًا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها، ومكافأة لهم عليها.
------------------------
الهوامش:
(1) هذا عجز بيت لجرير بن عطية الخطفي الشاعر الإسلامي، وصدره:
لقـد لمتنـا يـا أم غيـلان في السرى
(ديوانه طبعة الصاوي 554) واستشهد به المؤلف على أنك تقول يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، فتسلم الصيام والقيام إلى الليل والنهار إسنادا مجازيا عقليا، والأصل فيه أن يسند الصيام والقيام للرجل لا للزمان، وذلك من باب التوسع المجازي، العلاقة هنا الزمانية، والقرينة هنا عقلية. وذلك نظير قوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار). أصله: بل مكركم بنا في الليل والنهار، ثم أسند الفعل إليهما. قال الفراء في (معاني القرآن ، الورقة 274): وقوله: (بل مكر الليل والنهار): المكر ليس لليل ولا النهار، وإنما المعنى: بل مكركم بالليل والنهار. وقد يجوز أن تضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين؛ لأن العرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، ثم تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو المعنى للآدميين، كما تقول: نام ليلك. ا . هـ.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يونس: 54 | ﴿وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ﴾ |
---|
سبإ: 33 | ﴿إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
مكر:
وقرئ:
1- «بل مكر الليل والنهار» نصب على الظرف، وهى قراءة يحيى بن يعمر.
2- بفتح الكاف وشد الراء، مرفوعة مضافة، ومعناه: كدور الليل والنهار، وهى قراءة سعيد بن جبير ابن محمد، وأبى يعمر أيضا.
3- على القراءة السابقة، مع نصب الراء على الظرف، وهى قراءة ابن جبير، وطلحة بن راشد، وهو من التابعين، من صحح المصاحف بأمر الحجاج.
التفسير :
يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل, أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى اللّه عليه وسلم, وأن اللّه إذا أرسل رسولا في قرية من القرى, كفر به مترفوها, وأبطرتهم نعمتهم وفخروا بها.
قال صاحب الكشاف عند تفسيره لقوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ... : هذه تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد، والتكبر بذلك على المؤمنين.. وأنه- سبحانه- لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير، إلا قالوا له مثل ما قال أهل مكة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم .
والمعنى: وما أرسلنا في قرية، من القرى مِنْ نَذِيرٍ ينذر أهلها بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم وضلالهم. إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أى: إلا قال أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها المتسعون في النعم فيها، لمن جاءوا لإنذارهم وهدايتهم إلى الحق.
إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ من الدعوة إلى عبادة الله- تعالى- كافِرُونَ بما نحن عليه من شرك وتقليد للآباء مؤمنون.
فالآية الكريمة تحكى موقف المترفين في كل أمة، من الرسل الذين جاءوا لهدايتهم، وأن هؤلاء المترفين في كل زمان ومكان، كانوا أعداء للأنبياء وللمصلحين، لأن الترف من شأنه أن يفسد الفطرة، ويبعث على الغرور والتطاول، ويحول بين الإنسان وبين التمسك بالفضائل والقيم العليا، ويهدى إلى الانغماس في الرذائل والشهوات الدنيا.
يقول تعالى مسليا لنبيه ، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل ، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه مترفوها ، واتبعه ضعفاؤهم ، كما قال قوم نوح : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ الشعراء : 111 ] ، ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) [ هود : 27 ] ، وقال الكبراء من قوم صالح : ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ) [ الأعراف : 75 ، 76 ] وقال تعالى : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) [ الأنعام : 53 ] ؟ وقال : ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) [ الأنعام : 122 ] وقال : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول ) [ الإسراء : 16 ] . وقال هاهنا : ( وما أرسلنا في قرية من نذير ) أي : نبي أو رسول ( إلا قال مترفوها ) ، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة .
قال قتادة : هم جبابرتهم وقادتهم ورءوسهم في الشر . ( إنا بما أرسلتم به كافرون ) أي : لا نؤمن به ولا نتبعه .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم ، عن أبي رزين قال : كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله : ما فعل ؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش ، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم . قال : فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال : دلني عليه - قال : وكان يقرأ الكتب ، أو بعض الكتب - قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلام تدعو ؟ قال : " إلى كذا وكذا " . قال : أشهد أنك رسول الله . قال : " وما علمك بذلك ؟ " قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم . قال : فنزلت هذه الآية : ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ) ] الآيات ] ، قال : فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أنزل تصديق ما قلت " .
وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، قال فيها : وسألتك : أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت : بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
يقول تعالى ذكره: وما بعثنا إلى أهل قرية نذيرًا ينذرهم بأسنا أن ينـزل بهم على معصيتهم إيانا، إلا قال كبراؤها ورؤساؤها في الضلالة كما قال قوم فرعون من المشركين له: إنَّا بما أرسلتم به من النذارة، وبعثتم به من توحيد الله، والبراءة من الآلهة والأنداد، كافرون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) قال: هم رءوسهم وقادتهم في الشر.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
سبإ: 34 | ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ |
---|
فصلت: 14 | ﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَـ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ |
---|
الزخرف: 24 | ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} أي:ممن اتبع الحق{ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أي:أولا, لسنا بمبعوثين, فإن بعثنا, فالذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا, سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبنا.
ثم يحكى القرآن الكريم أن هؤلاء المترفين لم يكتفوا بإعلان كفرهم، وتكذيبهم للأنبياء والمصلحين، بل أضافوا إلى ذلك التبجح والتعالي على المؤمنين. فقال- تعالى-:
وَقالُوا أى المترفون الذين أبطرتهم النعمة للمؤمنين الفقراء نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً منكم- أيها المؤمنون-، إذ أموالنا أكثر من أموالكم، وأولادنا أكثر من أولادكم، ولولا أننا أفضل عند الله منكم، لما أعطانا. مالا يعطيكم ...
فنحن نعيش حياتنا في أمان واطمئنان وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ بشيء من العذاب الذي تعدوننا به لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الامام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: افتخر المترفون- بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم، واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك. قال- تعالى-: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ
وقوله تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين : ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ) أي : افتخروا بكثرة الأموال والأولاد ، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم ، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ، ثم يعذبهم في الآخرة ، وهيهات لهم ذلك . قال الله : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] وقال : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) [ التوبة : 55 ] ، وقال تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا ) [ المدثر : 11 - 17 ] .
وقد أخبر الله عن صاحب تينك الجنتين : أنه كان ذا مال وولد وثمر ، ثم لم تغن عنه شيئا ، بل سلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة; ولهذا قال تعالى هاهنا :
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
يقول تعالى ذكره: وقال أهل الاستكبار على الله من كل قرية أرسلنا فيها نذيرًا لأنبيائنا ورسلنا: نحن أكثر أموالا وأولادًا وما نحن في الآخرة بمعذبين لأن الله لو لم يكن راضيًا ما نحن عليه من الملة والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد، ولم يبسط لنا في الرزق، وإنما أعطانا ما أعطانا من ذلك لرضاه أعمالنا، وآثرنا بما آثرنا على غيرنا لفضلنا، وزلفة لنا عنده.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الشعراء: 138 | ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ |
---|
سبإ: 35 | ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ |
---|
الصافات: 59 | ﴿إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فأجابهم اللّه تعالى, بأن بسط الرزق وتضييقه, ليس دليلا على ما زعمتم، فإن الرزق تحت مشيئة اللّه, إن شاء بسطه لعبده, وإن شاء ضيقه.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يصحح لهؤلاء المترفين خطأهم، وأن يكشف لهم عن جهلهم، وأن يبين لهم أن مسألة الغنى والفقر بيد الله- تعالى- وحده، وأن الثواب والعقاب لا يخضعان للغنى أو للفقر، وإنما يتبعان الإيمان أو الكفر، فقال- تعالى- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
وبسط الرزق: سعته وكثرته. وتقديره: تقليله وتضييقه.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين إِنَّ رَبِّي وحده هو الذي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أن يبسطه له وَيَقْدِرُ أى: ويقتر الرزق ويضيقه على من يشاء أن يضيقه عليه. والأمر في كلتا الحالتين مرده إلى الله- تعالى- وحده، على حسب ما تقتضيه حكمته في خلقه.
وربما يوسع رزق العاصي ويضيق رزق المطيع. أو العكس، وربما يوسع على شخص في وقت ويضيق عليه في وقت آخر، ولا ينقاس على ذلك أمر الثواب والعقاب، لأن مناطهما الطاعة وعدمها.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ هذه الحقيقة التي اقتضتها حكمة الله- تعالى- وإرادته، فزعموا أن بسط الرزق دليل الشرف والكرامة، وأن ضيق الرزق دليل الهوان والذل، ولم يدركوا- لجهلهم وانطماس بصائرهم- أن بسط الرزق قد يكون للاستدراج، وأن تضييقه قد يكون للابتلاء والاختبار، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.
( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي : يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ، فيفقر من يشاء ويغني من يشاء ، وله الحكمة التامة البالغة ، والحجة الدامغة القاطعة ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم يا محمد (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ) من المعاش والرياش في الدنيا(لِمَنْ يَشَاءُ) من خلقه (وَيَقْدِرُ) فيضيق على من يشاء لا لمحبة فيمن يبسط له ذلك ولا خير فيه ولا زلفة له استحق بها منه، ولا لبغض منه لمن قدر عليه ذلك ولا مقت، ولكنه يفعل ذلك محنة لعباده وابتلاء، وأكثر الناس لا يعلمون أن الله يفعل ذلك اختبارًا لعباده ولكنهم يظنون أن ذلك منه محبة لمن بسط له ومقت لمن قدر عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ... الآية، قال: قالوا: نحن أكثر أموالا وأولادًا، فأخبرهم الله أنه ليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ، قال: وهذا قول المشركين لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه، قالوا: لو لم يكن الله عنا راضيًا لم يعطنا هذا، كما قال قارون: لولا أن الله رضِيَ بي وبحالي ما أعطاني هذا، قال: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ... إلى آخر الآية.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
سبإ: 36 | ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ |
---|
سبإ: 39 | ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ويقدر:
1- بالتخفيف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتشديد، وهى قراءة الأعمش.
التفسير :
وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى, الإيمان بما جاء به المرسلون, والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان, فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, لا يعلمها إلا اللّه،{ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} أي:في المنازل العاليات المرتفعات جدا, ساكنين فيها مطمئنين, آمنون من المكدرات والمنغصات, لما هم فيه من اللذات, وأنواع المشتهيات, وآمنون من الخروج منها والحزن فيها.
ثم زاد- سبحانه- هذه القضية توضيحا وتبيينا فقال: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى.
الزلفى: مصدر كالقربى، وانتصابه على المصدرية من معنى العامل. أى ليست كثرة أموالكم، ولا كثرة أولادكم بالتي من شأنها أن تقربكم إلينا قربى، لأن هذه الكثرة ليست دليل محبة منا لكم، ولا تكريم منا لكم، وإنما الذي يقربكم منا هو الإيمان والعمل الصالح.
كما وضح- سبحانه- هذه الحقيقة في قوله بعد ذلك: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ.
أى: ليس الأمر كما زعمتم- أيها المترفون- من أن كثرة الأموال والأولاد ستنجيكم من العذاب، ولكن الحق والصدق أن الذي ينجيكم من ذلك ويقربكم منا، هو الإيمان والعمل الصالح. فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله- تعالى- الجزاء الحسن المضاعف، وهم في غرفات الجنات آمنون مطمئنون.
قال الشوكانى ما ملخصه: قوله: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً هو استثناء منقطع فيكون محله النصب. أى: لكن من آمن وعمل صالحا.. والإشارة بقوله: فَأُولئِكَ إلى مَنْ والجمع باعتبار المعنى. وهو مبتدأ. وخبره لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أى: فأولئك يجازيهم الله الضعف، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول. أو فأولئك لهم الجزاء المضاعف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة.. .
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة المصرين على كفرهم فقال: وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ، أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ.
ثم قال : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم .
قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا كثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . [ و ] رواه مسلم وابن ماجه ، من حديث كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، به .
ولهذا قال : ( إلا من آمن وعمل صالحا ) أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ( وهم في الغرفات آمنون ) أي : في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يحذر منه .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها " . فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، [ وصلى بالليل والناس نيام ] " .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
يقول جل ثناؤه: وما أموالكم التي تفتخرون بها أيها القوم على الناس ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم، بالتي تقربكم منَّا قربة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (عِنْدَنَا زُلْفَى) قال: قربى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، وإن الكافر قد يعطى المال، وربما حبس عن المؤمن. وقال جل ثناؤه: ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) ولم يقل باللَّتين، وقد ذكر الأموال والأولاد، وهما نوعان مختلفان، لأنه ذُكر من كل نوع منهما جمع يصلح فيه التي، ولو قال قائل: أراد بذلك أحد النوعين لم يبعد قوله، وكان ذلك كقول الشاعر:
نحــنُ بِمَــا عِندَنــا وأنـتَ بمـا
عِنــدكَ رَاضٍ والــرأيُ مخــتَلِفُ (2)
ولم يقل راضيان.
وقوله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحًا فإنه تقربهم أموالهم وأولادهم بطاعتهم الله في ذلك وأدائهم فيه حقه إلى الله زلفى دون أهل الكفر بالله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) قال: لم تضرهم أموالهم ولا أولادهم في الدنيا للمؤمنين، وقرأ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ فالحسنى: الجنة، والزيادة: ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به، كما حاسب الآخرين، فمن حمل على هذا التأويل نصب بوقوع تقرب عليه، وقد يحتمل أن يكون " من " في موضع رفع، فيكون كأنه قيل: وما هو إلا من آمن وعمل صالحًا.
وقوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْف) يقول: فهؤلاء لهم من الله على أعمالهم الصالحة الضعف من الثواب، بالواحدة عشر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا) قال: بأعمالهم الواحد عشر، وفي سبيل الله بالواحد سبعمائة.
وقوله (فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) يقول: وهم في غرفات الجنات آمنون من عذاب الله.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت لقيس بن الخطيم من قصيدة من المنسرح، كما في معاهد التنصيص شرح شواهد التلخيص. لعبد الرحيم العباسي وقد تقدم الكلام عليه في (10 : 122) مبسوطا. فراجعه ثمة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
بالتي:
1- بالإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- باللاتي، بالجمع، وهى قراءة الحسن.
زلفى:
وقرئ:
زلفا، بفتح اللام والتنوين، جمع زلفة، وهى القرية، وهى قراءة الضحاك.
جزاء الضعف:
1- على الإضافة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- برفعهما، وهى قراءة قتادة.
3- بنصب الأول، ورفع الثاني، وهى قراءة يعقوب، فى رواية.
الغرفات:
1- جمعا، مضموم الراء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- جمعا، ساكن الراء، وهى قراءة الحسن، وعاصم، بخلاف عنه، والأعمش، ومحمد بن كعب.
3- جمعا، مفتوح الراء، وهى قراءة لبعض القراء.
4- الغرفة، على التوحيد، ساكنة الراء، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وحمزة.
5- الغرفة، على التوحيد وفتح الراء، ورويت عن ابن وثاب أيضا.
التفسير :
وأما الذين سعوا في آياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا والتكذيب فـ{ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}
أى: والذين يسعون في إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، مُعاجِزِينَ.
أى: زاعمين سبقهم لنا، وعدم قدرتنا عليهم أُولئِكَ الذين يفعلون ذلك فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أى: في عذاب جهنم مخلدون، حيث تحضرهم ملائكة العذاب بدون شفقة أو رحمة، وتلقى بهم فيها.
( والذين يسعون في آياتنا معاجزين ) أي : يسعون في الصد عن سبيل الله ، واتباع الرسل والتصديق بآياته ، ( أولئك في العذاب محضرون ) أي : جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
يقول تعالى ذكره: والذين يعملون في آياتنا، يعني: في حججنا وآي كتابنا، يبتغون إبطاله ويريدون إطفاء نوره معاونين، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم ويعجزوننا(أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) يعني: في عذاب جهنم محضرون يوم القيامة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
سبإ: 38 | ﴿ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ |
---|
الحج: 51 | ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ |
---|
سبإ: 5 | ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم أعاد تعالى أنه{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} ليرتب عليه قوله:{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} نفقة واجبة, أو مستحبة, على قريب, أو جار, أو مسكين, أو يتيم, أو غير ذلك،{ فَهُوَ} تعالى{ يُخْلِفُهُ} فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق, بل وعد بالخلف للمنفق, الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر{ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فاطلبوا الرزق منه, واسعوا في الأسباب التي أمركم بها.
وقوله- سبحانه-: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ تأكيد وتقرير لتلك الحقيقة التي سبق الحديث عنها، وهي أن التوسع والتضييق في الرزق بيد الله- تعالى- وحده.
والضمير في قوله- تعالى- لَهُ يعود إلى الشخص الموسع عليه أو المضيق عليه في رزقه. أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المترفين على سبيل التأكيد وإزالة ما هم عليه من جهل: إن ربي- عز وجل- يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيق هذا الرزق على من يشاء أن يضيقه منهم، وليس في ذلك ما يدل على السعادة أو الشقاوة، لأن هذه الأمور خاضعة لحكمته في خلقه- سبحانه-.
وَما أَنْفَقْتُمْ أيها المؤمنون مِنْ شَيْءٍ في سبيل الله- تعالى- وفي أوجه طاعته فَهُوَ- سبحانه- يُخْلِفُهُ أى: يعوضه لكم بما هو خير منه. يقال: فلان أخلف لفلان وأخلف عليه، إذا أعطاه العوض والبدل.
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أى: وهو- سبحانه- خير رازق لعباده لأن كل رزق يصل إلى الناس إنما هو بتقديره وإرادته، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يزيد الأسخياء من فضله وكرمه.
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه،إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكا تلفا.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت جانبا من شبهات المشركين، ومن أقوالهم الباطلة، وردت عليهم بما يزهق باطلهم، ويمحو شبهاتهم، لكي يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم.
ثم بين- سبحانه- حال أولئك المشركين يوم القيامة، وكيف أن الملائكة يكذبونهم في مزاعمهم، فقال- تعالى-:
وقوله : ( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ) أي : بحسب ما له في ذلك من الحكمة ، يبسط على هذا من المال كثيرا ، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدا ، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره ، كما قال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) [ الإسراء : 21 ] أي : كما هم متفاوتون في الدنيا : هذا فقير مدقع ، وهذا غني موسع عليه ، فكذلك هم في الآخرة : هذا في الغرفات في أعلى الدرجات ، وهذا في الغمرات في أسفل الدركات . وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه " . رواه مسلم من حديث ابن عمرو .
وقوله : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) أي : مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ، كما ثبت في الحديث : يقول الله تعالى : أنفق أنفق عليك " . وفي الحديث : أن ملكين يصيحان كل يوم ، يقول أحدهما : " اللهم أعط ممسكا تلفا " ، ويقول الآخر : " اللهم أعط منفقا خلفا " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " .
وقال ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس ، حدثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم ، عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعدكم زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق " . ثم تلا هذه الآية : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا روح بن حاتم ، حدثنا هشيم ، عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق " ، قال الله تعالى : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) ، وينهل شرار الخلق يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، ألا إن بيع المضطرين حرام المسلم أخو المسلم . لا يظلمه ولا يخذله ، إن كان عندك معروف ، فعد به على أخيك ، وإلا فلا تزده هلاكا إلى هلاكه " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفي إسناده ضعف .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال : قال مجاهد : لا يتأولن أحدكم هذه الآية : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) : إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه ، فإن الرزق مقسوم .
( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من خلقه فيوسعه عليه تكرمة له وغير تكرمة، ويقدر على من يشاء منهم فيضيقه ويقتره إهانة له وغير إهانة، بل محنة واختبارًا( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) يقول: وما أنفقتم أيها الناس من نفقة في طاعة الله، فإن الله يخلفها عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال: ثنا يحيى قال: ثنا سفيان عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) قال: ما كان في غير إسراف ولا تقتير.
وقوله (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يقول: وهو خير من قيل إنه يرزق ووصف به، وذلك أنه قد يوصف بذلك من دونه فيقال: فلان يرزق أهله وعياله.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
القصص: 82 | ﴿يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ |
---|
العنكبوت: 62 | ﴿اللَّـه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ |
---|
سبإ: 39 | ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ويقدر:
انظر: الآية: 36، من هذه السورة.